الجمعة، 2 سبتمبر 2022

تابع {الدين النصيحة (4)}

 

الدين النصيحة (4)

 

الباب السادس - ركن  الفتوى

الاحتفال بالمولد النّبوي الشّريف بين الابتداع والاتباع

المقدمة الأولى: ما حقيقة محبة الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم؟ وما علامة ذلك؟

المقدمة الثانية: هل هناك بدعة حسنة محمودة، وأخرى سيئة مذمومة؟

بدعة لغوية

بدعة شرعية

بدعة إضافية

المقدمة الثالثة: هل هناك علاقة بين المصالح المرسلة وبين المحدثات البدائع؟

متى ظهرت بدعة الاحتفال بالمولد الشريف ؟ ومن أول من أحدثها ؟

أقوال وفتاوى بعض أهل العلم في بدعية الاحتفال بالمولد الشريف

تاج الدين عمرو بن علي اللخمي الشهير بالفاكهاني (654 734ﻫ )

الحافظ أحمد بن علي بن حجر (المتوفى سنة851ﻫ) رحمه الله

ابن الحاج المالكي ( 1060-1128/1129ﻫ ) رحمه الله

شبه يرفعها المجيزون للاحتفال بالمولد ودحضها

الخلاصة

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أكمل الله على يديه الدين، وأتمَّ به النعمة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد..

فإن خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشرُّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة ضلالة.

مع إطلالة كل عام هجري أضحى من الواجب على أهل العلم وطلابه أن يذكّروا إخوانهم المسلمين بأمر لا يُعين عليه إلا الله، فقد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، حتى حسبوه ديناً لا يرون الحق غيره، ألا وهو الاحتفال بمولده الشريف صلى الله عليه وسلم، في ربيع الأول من كل عام؛ وذلك لأن الذكرى واجبة، نفعت أم لم تنفع، معذرةً إلى الرب ولعلهم أو بعضهم يتقون.

وقبل الشروع في المقصود، وهو بيان حكم الشرع في هذا العمل، هناك تمهيدات ومقدمات لابد من التنبيه عليها، والإشارة إليها، لصلتها الوثيقة باستيعاب حكم الشرع في هذا العمل، فأقـول وبالله التوفيق:

ã

المقدمة الأولى

ما حقيقة محبة الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم؟ وما علامة ذلك؟

حبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان وبغضه كفر ونفاق، بل لا يكتمل إيمان العبد حتى يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ماله، وولده، ونفسه التي بين جنبيه، كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه .

لقد بين الله سبحانه وتعالى حقيقة هذه المحبة ودل على علامتها، حيث قال: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم" سواء كان سبب نزولها كما قال ابن جرير يرحمه الله: (أنزلت في قوم قالوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا نحب ربنا" فأمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: إن كنتم صادقين فيما تقولون، فاتبعوني، فإن ذلك علامة صدقكم فيما قلتم من ذلك)، أوكانت نزلت في وفد نجران ـ كما ذكر ـ الذين قدموا عليه من النصارى: (إن كان الذي تقولون في عيسى من عظيم القول، إنما تقولونه تعظيماً لله وحباً له، فاتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم).

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره: (هذه الآية هي الميزان التي يعرف بها من أحب الله حقيقة، ومن ادعى ذلك دعوى مجردة، فعلامة محبة الله اتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذي جعل متابعته، وجميع ما يدعو إليه طريقاً إلى محبته ورضوانه، فلا تنال محبة الله ورضوانـه وثوابه إلا بتصديق ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة، وامتثال أمرهما، واجتناب نهيهما).

وقال الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير له: (هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي، في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدّ" متفق عليه؛ ولهذا قال: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأن أن تُحِب إنما الشأن أن تُحَب).

فحقيقة وعلامة محبة الله ورسوله هي اتباع أوامرهما، واجتناب نواهيهما؛ فالحب الوجداني وحده لا يكفي، على الرغم من أهميته، ما لم يكن مقروناً بحب الاتباع والانقياد والطاعة له صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي؛ إذ لو كان وحده كافياً نافعاً لنفع أبا لهب الذي أعتق جاريته ثويبة لأنها بشرته بولادة محمد صلى الله عليه وسلم، ولنفع أبا طالب في الخروج من النار، فقد كان محباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حامياً له، بله مادحاً له ولدينه.

ومن العجيب الغريب قصر البعض، هدانا الله وإياهم سبل السلام، محبته صلى الله عليه وسلم على هذا الحب الوجداني، متمثلاً في إنشاد وتلحين القصائد والمدائح، التي لا تخلو غالباً من الغلوّ إن سلمت من الشركيات، والرقص والتواجد، وإحياء الحوليات، والاحتفال بالمواليد، بل لقد بلغ الغرور ببعضهم أن يحكم على من لا يقرّهم على ذلك، ويشاركهم فيه، ويمارسه معهم، بأنه لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم!! وهذا لعمرالله من الافتراء المبين، والظلم المشين، والغرور اللئيم، حيث قلبوا الموازين، وافتروا على رب العالمين، وتلاعبوا بسنة سيد المرسلين، وأجحفوا في حق إخوانهم في الدين، حيث جعلوا البدعة سنة، والمنكر معروفاً، والباطل حقاً.

ã

المقدمة الثانية

هل هناك بدعة حسنة محمودة، وأخرى سيئة مذمومة؟

اعلم أخي الحبيب، وفقني الله وإياك، أن البدعة في الاصطلاح تنقسم إلى ثلاثة أنواع هي:

بدعة لغوية

وهي كل أمر حادث ، سواء كان في العادات أوالعبادات، نحو اختراع الساعة، والسيارة، ومُكبّر الصوت، وما شابه ذلك، وهي من المباحات.

بدعة شرعية

وهي كل أمر مُحدث ليس له أصل في الدّين يُراد به التقرب إلى الله عز وجل، فهي خاصة بالعبادات، نحو البناء على القبور، والسماع الصوفي، وما شابه ذلك.

بدعة إضافية

وهي أن يكون أصل العمل مشروعاً، ولكنه عُمِل بكيفية غير مشروعة، نحو: الذكر بالاسم المفرد "الله، الله" أو"هو، هو"، وما شابه ذلك.

والذي يعنينا هنا هو البدعة الشرعية، وهل فيها حسن وقبيح؟

اعلم أخي الموفّق إلى كل خير أن البدع كلها سيئة وباطل، وإن كانت متفاوتة في السوء، فمنها ما هو كفر، ومنها ما هو حرام، ومنها ما هو مكروه؛ وكلها مردودة على صاحبها، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليك طرفاً من الأدلة على ذلك:

حديث عائشة في الصحيح ترفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ"، متفق عليه؛ وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ"، فالمخترِع للبدعة والمقلّد له فيها سواء، وقد عدَّ العلماء هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.

حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه: "... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عُضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة ضلالة".

وكلمة "كل بدعة" نكرة في صيغة العموم، تشمل كل بدعة صغيرة كانت أم كبيرة، جليلة كانت أم حقيرة، سواء كانت قولية، أوعملية، أواعتقادية.

حديث جابر في خطبته صلى الله عليه وسلم: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".

قوله عز وجل: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً"، فالدين قد تمّ وكمُل، وماذا بعد التمام والكمال إلا النقص والخسران؟

ولهذا قال الإمام مالك: "ما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً"، وقال: "من زعم أن الدين لم يكتمل فقد زعم أن محمداً خان الرسالة".

ويتشبث البعض في تقسيم البدع إلى حسنة وقبيحة ببعض الشبه، ويتذرع ببعض الآثار والأقوال نشير إليها مع دحضها، نحو:

قوله صلى الله عليه وسلم: "من ابتدع بدعة ضلالة"، أُخِذ منه بمفهوم المخالفة الذي يقول به بعض الأصوليين أن هناك بدعة حسنة؛ وكلمة ضلالة هنا لا مفهوم لها كما لا مفهوم لكلمة "أضعافاً مضاعفة" في قوله تعالى: "لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة" الآية.

قال الإمام الشاطبي رحمه الله رادّاً لهذه الشبهة ودافعاً لها: (... الإضافة فيه لا تفيد مفهوماً وإن قلنا بالمفهوم على رأي طائفة من أهل الأصول ـ فإن الدليل دلّ على تعطيله في هذا الموضع كما دلّ الدليل على تحريم قليل الربا وكثيره، فالضلالة لازمة للبدعة بإطلاق بالأدلة المتقدمة، فلا مفهوم أيضاً).

قوله صلى الله عليه وسلم: "من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة عليه وزرها و وزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".

فقد قال صلى الله عليه وسلم ذلك عندما حثَّ على الصدقة المشروعة على بعض المجهدين من الأعراب، فسارع إلى ذلك أحد الأنصار فجاء بصرَّة كادت يده تعجز عنها بل عجزت ـ كما في الحديث ـ فتتابع الناس على الصدقة حين رأوه، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك وقال: "من سنّ في الإسلام.." الحديث.

فمراد الحديث: من أحيى في الإسلام سنة قد أميتت، لا أن يُحدث فيه أمراً جديداً لا أصل له.

قول عمر رضي الله عنه عندما جمع الناس في صلاة القيام على أُبَيِّ بن كعب وقد كانوا يصلونها جماعات متفرقة، فدخل المسجد و سره اجتماعهم: "إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة هي".

فالمراد بالبدعة هنا البدعة اللغوية لا الشرعية، إذ صلاة القيام جماعة لها أصل في السنة، فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يومين أو ثلاثة، وعندما اجتمعوا له بعد ذلك لم يخرج عليهم خشية أن تُفرض عليهم، وكان  صلى الله عليه وسلم يحب التخفيف على الأمة، بجانب أنها من عملِ عمر وعملُ عمر سنة يُقتدى بها.

زعم بعض أهل العلم ـ القرافي وابن الصلاح رحمهما الله ـ أن البدعة تعتريها الأحكام الخمسة، وهذا وهم منهما وممن قلدهما، والله يتجاوز عنا وعنهما، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم مهما كانت منزلة القائل.

ã

المقدمة الثالثة

هل هناك من علاقة بين المصالح المرسلة وبين المحدثات البدائع التي ليس لها أصل في الدين؟

هناك خلط بين البدع والمصالح المرسلة، والمصالح المرسلة هي كل ما جلب خيراً أو دفع ضراً، ولم يرد في الشرع ما يثبته أو ينفيه، مع موافقته لمقاصد الشرع وحاجة الناس الماسة له، نحو كتابة القرآن وجمعه في مصحف في عهد الخليفتين الراشدين أبي بكر وعثمان رضي الله عنهمـا، وكتابة العلم، وتدوين السنة، واتخاذ المحراب، وسنّ عثمان للأذان الأول للجمعة عندما توسعت المدينة وكَثُر الناس بها، ونحو ذلك؛ فهل هناك من علاقة بين هذه المصالح المرسلة من ناحية وبين المحدثات البدائع التي ليس لها أصل في الدين، نحو الاحتفال بالموالد والحوليات وما شاكلها؟ هل هناك من علاقة  بين ما فعله السلف الصالح، واقتضته المصلحة، وحتّمته الحاجة، وبين ابتداع الخلَف لأمور ما أنزل الله بها من سلطان، ولم تؤثر عن عَلَم من الأعلام؟! اللهم لا وألف لا.

ã

متى ظهرت بدعة الاحتفال بالمولد الشريف ؟ ومن أول من أحدثها ؟

لم تظهر هذه البدعة إلا في نهاية الربع الأول من القرن السابع الهجري، أي في عام 625هـ، على يد الملك المظفّر أبي سعيد كوكبري صاحب إربل سامحه الله، المتوفى 630هـ، أحد حكام المماليك.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تاريخه: (وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول، ويحتفل به احتفالاً هائلاً... وقد صنف الشيخ أبوالخطاب ابن دحية له مجلداً في المولد النبوي سماه: "التنوير في مولد البشير النذير"، فأجازه على ذلك بألف دينار.

ثم حكى عن سبط ابن الجوزي أنه قال: حكى بعض من حضر سِماط المظفر في بعض الموالد كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى، وكان يحضر عنده المولد أعيان العلماء والصوفية، فيخلع عليهم ويطلق لهم، ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر(!!)، ويرقص بنفسه معهم(!!).

فلو كان الاحتفال بالمولد الشريف ديناً مشروعاً لما غفل عنه الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان في القرون الفاضلة وعُني به المتخلفون عن السنة؛ والله لو كان خيراً لما سبق إليه المظفر وقصر عنه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ولم ينبه عليه الأئمة المقتدى بهم؛ فالخير كل الخير في الاتباع، والشر كل الشر في الابتداع؛ ورحم الله مالكاً الإمام فقد كان من أشد الأئمة بغضاً للابتداع في الدين ولهذا كان دائماً ينشد:

وخيرُ أمورِ الدينِ ما كان سنةً           وشرُّ الأمورِ المحدثاتُ البدائعُ

ولله در التابعي الجليل والإمام القدير وأحد تلاميذ ابن مسعود رضي الله عنه إبراهيم النخعي رحمه الله حيث قال: (لو رأيت الصحابة رضي الله عنهم يتوضؤون إلى الكعبين ما توضأت إلا كذلك وأنا أقرأها إلى المرفقين وذلك أنهم لا يُتهمون في ترك سنة، وهم أرباب العلم، وهم أحرص خلق الله على اتباع رسـول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يظن ذلك بهم أحـد إلا ذو ريبـة).

ã

أقوال وفتاوى بعض أهل العلم في بدعية الاحتفال بالمولد الشريف

لقد أفتى العديد من أهل العلم قديماً وحديثاً ببدعية الاحتفال بالمولد الشريف، ولكننا سنشير إلى فتوى ثلاثة من الأقدمين وهم:

تاج الدين عمرو بن علي اللخمي الشهير بالفاكهاني (654 734ﻫ )

وهو الفقيه المالكي صاحب شرح الفاكهاني على الرسالة، وقد صرح هذا العالم الرباني ببدعية الاحتفال بالمولد الشريف في أي صورة من صوره في كتاب له أسماه "المورد في الكلام عن عمل المولد"، جاء فيه: (... أما بعد فإنه تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد، هل له أصل في الشرع؟ أو هو بدعة وحَدَث في الدين؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مبيناً، والإيضاح عنه معيناً، وبالله التوفيق: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا يُنقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطَّالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون؛ وبدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا إما أن يكون واجباً، أومندوباً، أومباحاً، أومكروهاً، أومحرماً؛ وليس بواجب إجماعاً ولا مندوباً، لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون، ولا العلماء المتدينون فيما علمتُ، وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلتُ؛ ولا جائز أن يكون مباحاً لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين؛ فلم يبق إلا أن يكون مكروهاُ أوحراماً، وحينئذ يكون الكلام فيه من فصلين، والتفرقة بين حالين:

أحدهما : أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه، و لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئاً من الآثام؛ وهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشنيعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة الذين هم فقهاء الإسلام، وعلماء الأنام، سرج الأزمنة، وزين الأمكنة.

والثاني: أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية حتى يُعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه، وقلبه يُؤلمه ويوجعه، لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء: أخذ المال حياءً كأخذه بالسيف؛ لا سيما إذا انضاف إلى ذلك شيء من الغناء، مع البطون الملأى، بآلات الباطل من الدفوف والشبابات، واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الفاتنات، إما مختلطات بهم، وإما مشرفات.

إلى أن قال:

( وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات لا من الأمـور المنكرات المحرمـات، فإنـا لله وإنـا إليه راجعـون؛ بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ).

الحافظ أحمد بن علي بن حجر (المتوفى سنة851ﻫ) رحمه الله

نقل عنه السبوطي رحمه الله: (وقد سئل شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة).

ولا غيرهم ! ثم عاد فحسّنها إذا تُحرِّي في عملها المحاسن(!!)، وهذا فيه تناقض، فليت شعري كيف تكون عبادةً حسنةً مهما تحروا فيها من المحاسن إذا لم يتعبدنا الله بها، ولم يفعلها السلف الصالح؟!

ابن الحاج المالكي ( 1060-1128/1129ﻫ ) رحمه الله

قال: (ومن جملة ما أحدثوه من البدع مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وإظهار الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد.

إلى أن قال: وهذه المفاسد مركبة على فعل المولد إذا عمل بالسّماع، فإن خلا منه وعمل طعاماً فقط ونوى به المولد، ودعا إليه الإخوان، وسَلِم من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين... ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع فيسعنا ما يسعهم).

فها نحن نرى أن علماء الإسلام جزاهم الله خيراً بينوا حكم الشرع في عمل المولد واعتبروه من البدع الحادثات والمنكرات منذ ظهور هذه البدعة، وما فتئوا في كل وقت وحين ينبِّهون على ذلك، فما أحسن أثر العلماء على الناس، وما أقبح أثر الناس على العلماء.

ã

شبه يرفعها المجيزون للاحتفال بالمولد ودحضها

يرفع المجيزون للاحتفال بالمولد شبهاً ضعيفة وحججاً واهية يتشبثون بها في عمل المولد، وهي شبه مدفوعة من غير دفع، و لو لا خشية أن يتأثر بها من يسمعها أويقرأها لما سُطّرت في دفعها كلمة واحدة.

وقد تولى كبر هذه الشبه الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله وسامحه، وقد سجل هذه الشبه في رسالة له بعنوان: "حسن المقصد في عمل المولد"، مُتَضَمَّنة في الحاوي للفتاوى، ومن ثمَّ قلده فيها المقلدون من غير نظر ولا بصيرة، ومن العجيب اعتبار السيوطي هذه الشبه أصولاً بنى عليها جوازالاحتفال بالمولد(!!)، والشبه هي:

قوله صلى الله عليه وسلم معللاً لصيـام يوم الإثنين: "ذلك يـوم ولدتُ فيـه"، قـال السيوطي: (فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي وُلِد فيه، فينبغي أن نحترمه حق الاحترام ونفضله)!

أقول: لو اكتفى المجيزون للاحتفال بمولده الشريف صلى الله عليه وسلم بصيام يوم الثاني عشر من ربيعِ الأول لما كان لهم في هذا الحديث دليل، دعك من أن يحتفلوا به، وعجباً لهذا الفهم الذي أُوتيه الإمام السيوطي رحمه الله ولم يخطر ببال أحد من سلف هذه الأمة الذين هم خيرها وأفضلها ولا بال خلفها، فوالله لو كان هذا الفهم سائغاً لما غفلت عنه القرون الفاضلة واُستدرك في القرن العاشر، قرن التخلف والانحطاط.

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة ووجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، سألهم عن سبب صيامه فقالوا: هذا هو اليوم الذي نجّى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وحزبه، فنصومه شكراً لله.

قال السيوطي تبعاً لابن حجر: فيُستفاد منه فعل الشكر لله على ما منَّ به في يوم معين من إسداء نعمة، أودفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود، والصيام، والصدقة، والتلاوة؛ وأيُّ نعمة أعظم ببروز هذا النبي، نبي الرحمة في ذلك اليوم، وعلى هذا فينبغي أن يُتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء.

ثم قال: فهذا ما يتعلق بأصل عمله.

قلتُ: إن كانت هذه أمثل حجج القوم في الاحتفال فما لهم والله من حجة، فاستنتاج هذا الفهم من علة صيام يوم عاشوراء لا يقل عجباً وغرابة من الشبهة السابقة، وهذا من أفسد الأقيسة وأبطلها.

ثم نعود فنقول: لماذا لم يرد هذا الفهم وذاك الدليل على خير القرون، الذين وصفهم ابن مسعود رضي الله عنه ولا ينبئك مثل خبير بأنهم: "أَبَرُّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً".

أما الشبهة الثالثة التي برر بها الإمام السيوطي جواز الاحتفال بالمولد الشريف فهي رواية لم يوضِّح مخرجها ولا درجة صحتها، حيث قال: (وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر، وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه بعد النبوة، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عقَّ عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهارٌ للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده بالاجتماع والطعام، ونحو ذلك من وجوه القربات واظهار المسرّات).

هذه الحادثة ولو صحت لما كان فيها دليل لما رمى إليه السيوطي، لاحتمالات كثيرة تصادم الاحتمال الذي ذهب إليه السيوطي، إذ ربما لم يعق عنه جده عند ولادته، أوربما ذبح ذلك لأي غرض آخر، وثمة شيء آخر: هل كرَّر ذلك فيما بقي من عمره حتى يُستدل بها على الاحتفال بالمولد؟!

الشبهة الرابعة رؤيا منامية رؤيت لإمام من أئمة الكفر، وهو أبو لهب، بعد موته، فقيل له: ما حـالك؟ فقال: في النار، إلا أنه يُخفف عني كل ليلة اثنين باعتاقي لثويبة عندما بشّرتني بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، وبإرضاعها له.

هذه الرؤيا لو رُؤيت لأحد من المؤمنين الصالحين لما أُخذ منها حكم شرعي، فكيف وهي لكافرٍ معاندٍ لرسول الله وحبيبه صلى الله عليه وسلم؟! بجانب أن الكافر لا يثاب على عمل، قال تعالى: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً"، وقال: "لئن أشركت ليحبطن عملك"، هذا إذا كان حبه حب تعبد واتباع فكيف إذا كان حبّ حميّة؟!

ã

الخلاصة

أن الاحتفال بالمولد الشريف بدعة حادثة ليس لها أصل في الدين بأي صورة من صوره، أسبوعية كانت أم سنوية، قرنت بالسماع وبغيره من المحرمات كالاختلاط أم خلت منه.

أن الذين يحتفلون بمولده الشريف صلى الله عليه وسلم نحسب أن دافعهم إلى ذلك حبه، ولكن الحب وحده لا يكفي، فلا بد من متابعة السنة وموافقة الشرع، فكم طالبٍ أمراً لم يصبه وراجِ رجاءً  فأخطأه، ومؤمل أملاً لم يدركه.

أن الدين تم وكمُل بحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما لم يكن في ذلك اليوم ديناً وشرعاً فلن يكون اليوم ديناً أو شرعاً.

أن مجرد الخلاف ليس دليلاً مسوِّغاً للتشبث به مهما كانت درجة ومنزلة قائله، ما لم يكن قائماً على دليل، فكما قيل:

فليس كل خلافٍ جاء معتبراً             إلا خلافاً له حظٌ من النظر

أن مرجع المسلمين عند الخلاف والنزاع إلى الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة، لا إلى قول فلان وعلان.

أن الدين ليس بالرأي والعقل، وإلا لكان باطن الخف أولى بالمسح عليه من ظاهره، كما قال الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه، ولهذا فإن التحسين والتقبيح العقليين لا قيمة لهما البتة في أمور الشرع، فما تراه أنت حسناً يستقبحه غيرك.

واللهَ أسأل أن يؤلف بين قلوب المسلمين، ويهدينا وإياهم سبل الرشاد، ويجنبنا وإياهم البدع وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يهيئ للأمة الإسلامية في كل مكان وزمان أمر رشد، يُعز فيه أهل الطاعة، ويُذلّ فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبي الهدى، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

------------------------

فتوى عن حكم لبس المرأة للإسكيرت والبلوزا والبنطلون خارج البيت

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

وبعد..

ورد إلينا سؤال من بعض الغيورين عن حكم لبس المرأة "للإسكيرت والبلوزا والبنطلون" خارج بيتها، فنقول وبالله التوفيق:

أولاً: الأصل للمرأة أن تقر في بيتها ولا تخرج منه إلا لضرورة تقدر بقدرها، لقوله تعالى: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى".

ولقوله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين قدوة المؤمنات الصالحات بعد حجة الوداع: "هذه ثم ظهور الحصر"، ولهذا قالت سودة وزينب بنت جحش رضي الله عنهما وعن جميع أمهات المؤمنين: "والذي بعثك بالحق لا تحركنا بعدك دابة".

ثانياً: إذا اضطرت المرأة للخروج فعليها أن تخرج متحجبة بما في ذلك الوجه والكفان، غير متطيبة، متجنبة مخالطة الرجال الأجانب والخلوة بهم.

ثالثاً: يشترط في لباس المسلم عموماً بجانب الحل والطهارة شروط أجمع عليها أهل العلم قاطبة قديماً وحديثاً، هي:

1. أن يكون واسعاً لا يصف ولا يحكي شيئاً من العورة، وذلك لنهي عمر رضي الله عنه عن لبس القباطي، وعلله بقوله: "إنه إن لم يشف فإنه يصف"، أي شكل البدن وحجمه.

2. أن لا يكون شفافاً يصف البشرة، سيما العورة، فلابد أن يكون سميكاً لا يصف العورة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما.. ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام".

3.  أن لا يشبه لباس الكفار، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن تشبه بقوم فهو منهم".

4. أن لا يشبه لباس الرجال لباس النساء ولا العكس، للعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال.

5. أن لا يكون لباس شهرة، وهو الرفيع جداً، أوالوضيع جداً، أوالمخالف لما اعتاده الناس، إن لم يكن في عادتهم مخالفة شرعية، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة".

هذه الشروط كلها أوجلها لا تتوفر في "الإسكيرت والبلوزا والبنطلون":

فهو يصف العورة ويحكيها إن خلا من بيان لون البشرة.

وهو يشبه لباس الكافرات، ولا يرد على ذلك أن البعض يطلق على "الإسكيرت" التنورة - مع الفارق بينها وبين التنورة - التي كانت تلبس داخل البيوت.

وهو يشبه لباس الرجال، سيما البلوزا والبنطلون.

وهو يبدي محاسن المرأة ومفاتنها ويظهرها.

هذا بجانب ما يحدثه من الفتنة منها وعليها، ومن الإغراء بالتشبه بها، فدرء المفاسد مقدم على جلب المنافع.

وعليه فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج بذلك، ولا يحل لأوليائها أن يسمحوا لها بذلك.

وينبغي للمرأة إذا خرجت من بيتها أن لا تخرج إلا وهي لابسة:

العباءة.

أوالبالطو.

أوالثوب السابل، الساتر، السميك، غير الواصف.

أوما شابه ذلك.

والله الموفق للصواب والهادي إلى سبيل الرشاد، والمعين على العفة، والحفظ، والحجاب.

0000000000000000000000

حكم التداوي بالحرام والنجس

أقوال أهل العلم في ذلك

الخلاصة

من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة أن رفع عنها الحرج والأصرار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة، وجعل للضرورات أحكاماً خاصة بها، ولم يحرم ما حرم عليها إلا لخبثه وضرره عليها، دنيا وأخرى، عُلمت العلة أم لم تعلم، إذ الهدف من التشريعات الربانية كلها المحافظة على الحاجيات الخمسة، وهي: الدين، والعقل، والعرض، والنفس، والمال، وجعل الدين والعقل مقدمان على ما سواهما.

ومن رحمته كذلك أن جعل لكل داء دواء، إلا الموت والهرم، علمه من علمه وجهله من جهله، وشرع للأمة تعاطي الدواء والعلاج، وجعل رسوله صلى الله عليه وسلم تعلم الطب من فروض الكفايات، بحيث إذا تركته الأمة كلها أثمت، ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله فيما رواه عنه حرملة: "العلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان".

وبعد..

فإن الله عز وجل أنه لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها، وإليك الأدلة التي تنهى عن التداوي بالحرام والنجس:

1. خرَّج مسلم في صحيحهبسنده إلى وائل الحضرمي أن طارق بن سويد الجُعْفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر؟ فنهاه، أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: "إنه ليس بدواء، ولكنه داء".

2. وخرَّج أبو داود بسنده من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داءٍ دواء، فتداوَوا ولا تداوَوا بالمحرم".

3.  وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التداوي بالخبيث".

4. وفي صحيح مسلم وغيرهعن طارق بن سويد الحضرمي قال: قلت: يا رسول الله، إن بأرضنا أعناباً نعتصرها، فنشرب منها؟ قال: "لا"، فراجعته، قلت: إنا نستشفي للمريض؛ قال: "إن ذلك ليس بشفاء، ولكنه داء".

5. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر يجعل في الدواء، فقال: "إنها داء وليس بدواء".

6. وذكر البخاري تعليقاً في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم".

7. عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها".

8. وفي رواية عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: نبذت نبيذاً في كوز فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغلي، فقال: "ما هذا؟" قلت: اشتكت ابنة لي فصنعت لها هذا؛ فقال: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حَرَّم عليكم".

لهذه الأسباب ذهب العامة من أهل العلم، وهم:

1.   المالكية.

2.   الحنابلة.

3.   وجمهور الحنفية.

4.   ووجه في مذهب الشافعي.

إلى حرمة التداوي بالحرام والنجس، ولم يفرقوا بين الخمر وغيرها، ولا بين حالتي الضرورة والاختيار، وذهب بعض الشافعية إلى جوازالتداوي بالحرام غير الخمر للضرورة، وذهب أبوثور بإباحته للتداوي، والراجح ما ذهب إليه العامة من أهل العلم.

وذلك للآتي:

أولاً: أن الله لم يقدر تقديراً شرعياً شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها للأدلة السابقة الذكر.

ثانياً: أن العلاج والتداوي ليس واجباً عند جماهير أهل العلم وإنما هو من المباحات.

ثالثاً: العلاج والتداوي بالحلال الطيب ليس متيقناً كسد الرمق بأكل شيء من الميتة، وإزالة الغصة بشربة من المسكر.

رابعاً: الأمور التي رخص فيها الشارع الحكيم بتعاطي الحرام وتناوله عند الضرورة معلومة، وليس منها التداوي، وهي:

1.  جواز أكل المضطر للميتة من غير الإنسان في أرجح قولي العلماء، وإن لم يأكل المضطر حتى مات فهو آثم.

2. إزالة الغصة بالحرام والمسكر، واختلفوا في إزالته بالخمر على قولين، والراجح إزالتها بالخمر والمسكر.

3. لبس الحرير لمن به حكة أومرض.

4. شد الأسنان أوالعظام بشيء من الذهب.

5. التلفظ بكلمة الكفر لمن خشي القتل، والأفضل الثبات وعدم التلفظ لمن قوي على ذلك.

خامساً: استدلال المخالف القائل بجواز التداوي بالحرام والخبيث للمضطر سوى الخمر بحديث العرنيين، حيث أمر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بلقاح من الإبل ليشربوا من ألبانها وأبوالها، فيه نظر، لأن بول وروث ما يؤكل لحمه من الحيوانات والطيور طاهر عند عامة أهل العلم، وزعم الشافعية نجاسة أبوال وأرواث ما يؤكل لحمه مردود بالحديث الصحيح الصريح، وبقول الإمام الشافعي رحمه الله: "إذا وجدتم الحديث في قارعة الطريق فهو مذهبي".

سادساً: إجازتهم للمضطر التداوي بالحرام كالدم، وشحم ولحم الخنزير، والكلب، ونحو ذلك، ومنعهم التداوي بالخمر، تحكم لا دليل عليه، إذ الكل من أحرم الحرام، ومن أخبث الخبائث، ويشملها جميعاً قوله صلى الله عليه وسلم، وقد أوتي جوامع الكلم: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها"، والأحاديث التي نهت عن التداوي بالحرام عمت وخصت، والتي خصت بالخمر سببها سؤال الناس عنها.

سابعاً: لا يرد على ذلك إجازة من أجازللمسحور المعقود الذي لم يجد أحداً يحله سوى ساحر وهو قول مرجوح أن يذهب إليه، لأن حل المعقود هنا متيقن إذا شاء الله عز وجل، وليس مثل التداوي بالمحرم، فالعاقد يمكنه أن يحل على الرغم من أنه باع آخرته بثمن بخس إذ تعاطى هذا النوع من السحر من الكفر البين بحكم الله عز وجل: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر".

ثامناً: سداً للذرائع: حتى لا يفضي ذلك ويؤدي إلى تعاطي الحرام سيما في هذا العصر الذي ضعف فيه الوازع الديني، وقل فيه الورع، بل انعدم، فدرء المفاسد مقدم على جلب المنافع.

ã

أقوال أهل العلم في ذلك

سنشير في هذه العجالة إلى أقوال بعض أهل العلم المقتدى بهم وبمذاهبهم في حكم التداوي بالحرام.

قال ابن أبي زيد رحمه الله: (قيل لمالك: هل تُغسل القرحة بالبول أوالخمر؟ قال: إذا طهرها بعد ذلك بالماء فنعم، وإني لأكرهالخمر في الدواء وغيره، وبلغني أنه إنما يدخل هذه الأشياء من يريد الطعن في الدين، والبول عندي أخف.

وفي رواية ابن القاسم: أنه كره التعالج بالخمر وإن غسله بالماء.

قال: وبلغني أن ابن عمر أخبره غلامه أنه عالج به جملاً فكره ذلك.

قال مالك: ولا يشرب بول الإنسان ليُتداوى به، ولا بأس بشرب أبوال الأنعام الثمانيةالتي ذكرها الله سبحانه، قيل له: كل ما يؤكل لحمه؟ قال: لم أقل إلا أبوال الأنعام، ولا خير في بول الأتن؛ قيل له: الشاة تحلب فتبول في الإناء؟ قال: لا بأس به).

قال ابن شاس المالكي المتوفى 616هـ، وهو يتحدث عما يحل عند الضرورة: (وأما جنس المستباح، فكل ما يرد عنه جوعاً أوعطشاً فيدفع الضرورة، أويخفضها، كالأطعمة النجسة، والميتة من كل حيوان غير الآدمي، وكدم، وشرب المياه النجسة وغيرها من المائعات سوى الخمر، فإنها لا تحل إلا لإساغة الغصة، على خلاف فيها، فأما الجوع والعطش فلا، إذ لا يفيد ذلك، بل ربما زاد العطش، وقيل: تباح، فإنها تفيد تخفيف ذلك على الجملة ولو لحظة، وقال الشيخ أبو بكر: إن ردت الخمر عنه جوعاً أوعطشاً شربها، واختاره القاضي أبو بكر؛ فأما التداوي بالخمر فالمشهور من المذهب لا يحل؛ قال القاضي أبو بكر ابن العربي -: ولا يأكل المضطرُ ابنَ آدم، وإن مات، قاله علماؤنا).

وقال ابن المَوَّاق المتوفى 897هـ في "التاج والإكليل لمختصر خليل": (وأما التداوي بها فمشهور المذهب أنه لا يجوز التداوي بها، ويجوز استعمالها للضرورة لإزالة الغصة فالفرق أن التداوي لا يتيقن البرء بها).

وقال القادري الحنفي رحمه الله: (وبول ما لا يُؤكل لحمه عند أبي حنيفة وأبي يوسف لا يجوز التداوي به، وعند محمد يجوز التداوي وغيره.

إلى أن قال: وفي "التتمة" سئل أبو يوسف بن محمد والحسن بن علي عن مريض قال له طبيب: لابد لك من أكل لحم الخنزير حتى يدفع عنك العلة؛ قالا: لا يحل له أكله).

وقال الإمام الذهبي رحمه الله: (ومعلوم أن الأطباء قالوا إنها دواء لبعض الأمراض، لكن يجوز أن الله تعالى سلبها المنفعة لمَّا حرمها، وأطلع على ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: هي داء وليست بدواء.

إلى أن قال: وفي رواية أبي طالب، ذكر لأحمد إن أبا ثور قال: يُتداوى بالخمر(!!)؛ فقال: هذا قول سوء؛ ولذلك نقل المروزي عنه أنه حكي له قول أبي ثور: إذا أجمعت الأطباء على أن يسقى المريض الخمر؟ قال: يسقى؛ ورواية المروزي: فأنكر أحمد هذا إنكاراً شديداً، ولذلك قال أحمد: (لا يجوز التداوي بالترياق لما فيه من لحوم الأفاعي والخمر، أوألقي فيه لحوم الحيات، فلا أرى أن يشربه؛ ولذلك قال في لبن الأتان: لا يشرب، ولا للضرورة، وكذلك أبوالها؛ والدليل ما روى أبوهريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من تداوى بحلال الله كان له فيه شفاء؛ وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الأتن وألبانها يوم خيبر، ويجوز شرب أبوال الإبل للضرورة، نص عليه في رواية أبي صالح محمد بن الحسن، وإسحاق بن إبراهيم، وحرب، وعبد الله، والأثرم، وإبراهيم بن الحارث، وأما شربها لغير ضرورة فهل يجوز؟ الصحيح أنه يجوز لحديث أنس المتقدم).

  وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في جواب سؤال: "هل يجوز التداوي بالخمر؟": (التداوي بالخمر حرام بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك جماهير أهل العلم.

إلى أن قال:

وليس هذا مثل أكل المضطر للميتة، فإن ذلك يحصل به المقصود قطعاً، وليس له عنه عوض، والأكل منها واجب، فمن اضطر إلى الميتة ولم يأكل حتى مات دخل النار، وهنا لا يعلم حصول الشفاء، ولا يتعين هذا الدواء، بل الله يعافي العبد بأسباب متعددة، والتداوي ليس بواجب عند جماهير العلماء، ولا يقاس هذا بهذا، والله أعلم.

وقال كذلك وقد سئل عن جواز التداوي بالخمر: أما التداوي بالخمر فإنه حرام عند جماهير الائمة كمالك، وأحمد، وأبي حنيفة، وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي.

إلى أن قال:

والذين جوزوا التداوي بالمحرم قاسوا ذلك على إباحة المحرمات كالميتة والدم للمضطر، وهذا ضعيف لوجوه:

أحدها: أن المضطر يحصل مقصوده يقيناً بتناول المحرمات... وأما الخبائث بل وغيرها فلا يتعين حصول الشفاء بها، فما أكثر من يتداوى ولا يشفى.

الثاني: أن المضطر لا طريق له إلى إزالة ضرورته إلا الأكل من هذه الأعيان، وأما التداوي فلا يتعين تناول هذا الخبيث طريقاً لشفائه...

الثالث: أن أكل الميتة للمضطر واجب عليه في ظاهر مذهب الأئمة وغيرهم، كما قال مسروق: من اضطر إلى الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار؛ أما التداوي فليس بواجب عند جماهير الأئمة.

وسئل عن رجل وصف له شحم خنزير لمرض به، هل يجوز له ذلك أم لا؟ فأجاب: وأما التداوي بأكل شحم الخنزير فلا يجوز... وما أبيح للحاجة جاز التداوي به، كما يجوز التداوي بلبس الحرير على أصح القولين، وما أبيح للضرورة كالمطاعم الخبيثة فلا يجوز التداوي بها.

وسئل عن مريض قال له الأطباء: مالك دواء غير أكل لحم الكلب والخنزير؟ فأجاب: لا يجوز التداوي بالخمر وغيرها من الخبائث).

وقال العلامة ابن القيم عن قبح المعالجة بالمحرمات: (والمعالجة بالمحرمات قبيحة عقلاً وشرعاً، أما الشرع فما ذكرنا من الأحاديث وغيرها.

وأما العقل فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها، كما حرمه على بني إسرائيل... وإنما حرم على هذه الأمة ما حرَّم لخبثه، وتحريمه له حماية لهم، وصيانة عن تناوله، فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإنه فإن أثر في إزالتها، لكنه يعقب سَقماً أعظم منه في القلب، بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سُقم البدن بسَقم القلب.

وأيضاً: فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته، وهذا ضد مقصود الشارع.

وأيضاً: فإنه داء كما نص عليه صاحب الشريعة، فلا يجوز أن يتخذ دواء.

وأيضاً: فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث، لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالاً بيناً...

وأيضاً: فإن في إباحة التداوي به، ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه، ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة، لا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها، مزيل لأسقامها، جالب لشفائها، فهذا أحب شيء إليها، والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن، ولا ريب أن بين سد الذريعة إلى تناوله وفتح الذريعة إلى تناوله تناقضاً وتعارضاً).

سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية عن حكم الشريعة الإسلامية في شرب الخمر عند ضرورة، كأن يكون الدكتور أمر بشربها؟

الجواب: (يحرم التداوي بشرب الخمر، وأي شيء مما حرم الله من الخبائث عند جماهير العلماء.

وقالت بعد أن ذكرت الأدلة التي نهت عن التداوي بالحرام:

ومن أباح التداوي بالخمر قاسه على إباحة أكل الميتة والدم للمضطر، وهو مع معارضته للنص ضعيف، لأنه قياس مع الفارق، إذ أن أكل الميتة والدم تزول بهما الضرورة ويُحفظ الرمق، وقد تعين طريقاً لذلك، أما شرب الخمر للتداوي فلا يتعين إزالة المرض به، بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه داء وليس بدواء، ولم يتعين طريقاً للعلاج، ورحم الله مسلماً استعان في علاج مرضه بما أباح الله من الطيبات، واكتفى به عما حرمه الله سبحانه من الخبائث المحرمات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم).

وسأل اللجنة سائل قائلاً: أنا طبيب ومهمتي تقتضي التداوي بالمخدرات أحياناً، مثل المورفين، والكوكايين، والفاليوم، فما حكم الإسلام في ذلك؟

الجواب: (لا يجوز التداوي بالمحرمات لثبوت الأدلة الشرعية الدالة على التحريم).

ã

الخلاصة

أن العلاج والتداوي بالحرام والنجس لا يحل أبداً، وهذا مذهب العامة من أهل العلم، وما ذهب إليه بعض الشافعية مردود، وما قاله أبوثور فهو قول سوء مرذول.

وأنه لا فرق في ذلك بين الخمر وغيرها من المحرمات والخبائث.

أن العلاج بالحلال الطيب ليس واجباً عند جماهير العلماء.

أن العلاج ليس متيقناً بالأدوية الطيبة، دعك عن الأدوية المحرمة الخبيثة، ولهذا لا يقاس العلاج بالمحرم بأكل المضطر للميتة مثلاً.

ليس كل خلاف يُستراح له ويُعمل به، وإنما الخلاف المعتبر الذي يقوم على الدليل، سواء كان راجحاً أم مرجوحاً.

لا يحل لأحد تتبع زلات العلماء وسقطاتهم مهما كانت منزلة القائل بها، كالزلة التي وقع فيها أبوثور رحمه الله على جلالة قدره، حتى حق للإمام أحمد أن يصف قوله هذا بأنه قول سوء.

اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعي

000000000000000000000000

حكم التداوي بالمحرمات

التداوي من الأمراض قد يكون بأدوية مباحة، وقد يكون بأدوية محرمة. ومن الأدوية المحــرمة: التـداوي بالمـواد المسكـرة، أو المخـدرة، أو التـداوي بالـذهـب أو الفضة في حق الرجال، أو بلبس الحرير في حقهم كذلك، أو اتخاذ الأدوية النجسـة أو الخبيثـة، أو التـداوي بسمـاع الغناء والمعازف، أو بالسم أو ما اشتمل عليه، أو نحو ذلك.

وفي البداية أقرر اتفاق الفقهاء على حرمة التداوي بالمحرم مطلقاً، إذا لم تَدْعُ الضرورة إليه، بأن وجد البديل المباح الذي يغني عنه، أما إذا دعت إليه الضرورة فقد اختلف الفقهاء في حكم التداوي به على مذهبين:

المذهب الأول: يرى أصحابه جواز التداوي بالمحرم، على تفصيل بينهم في ذلك.

إلى هذا ذهب بعض الحنفية؛ إذ يرون جواز الاستشفاء بالحرام إذا أخبر طبيب مسلم أن فيه شفاء للمريض، ولم يوجد دواء مباح يقوم مقامه في التداوي به من المرض، وما عليه مذهب الشافعية وقطع به جمهورهم هو جواز التداوي بالمحرمات بسبب النجاسة ـ غير المسكر ـ إذا لم يوجد طاهر يقوم مقامها في التداوي، وكان المتداوي عارفاً بالطب، يعرف أنه لا يقوم غير النجس مقامه في المداواة، أو كان يعرف ذلك من تجربة سابقة له مع المرض، أو أخبره طبيب مسلم بذلك، وأما الطاهرات المحرمة كالحرير ونحوه فيجوز التداوي به في أظهر قولين في المذهب، بالقيود السابقة في التداوي بالنجس، ومذهب الظاهرية جواز التداوي بالمحرم مطلقاً، إلا لحوم بني آدم، وما يقتل من تناوله، فلا يحل التداوي به وإن دعت إليه الضرورة(1).

المذهب الثاني: يرى من ذهب إليه أنه لا يجوز التداوي بالمحرم.

إلى هذا ذهب جمهور الحنفية، وهو مذهب المالكية، ووجه في مذهب الشافعية، وإليه ذهب الحنابلة(2).

أدلة المذهبين:

استدل أصحاب المذهب الأول على جواز التداوي بالمحرم بشرطه بما يلي:

أولاً: الكتاب الكريم: قال ـ تعالى ـ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} [الأنعام: 119].

وجه الدلالة من الآية: أسقط الحق ـ سبحانه ـ تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة إليه؛ فكل محرم هو عند الضرورة حلال، والتداوي بمنزلة الضرورة، فيباح فيه تناول هذه المحرمات للتداوي بها استناداً إلى هذه الآية.

ثانياً: السنة النبوية المطهرة: روي عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: «إن رهطاً من عرينة أتوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: إنا اجتوينا المدينة، وعظمت بطوننا، وارتهست أعضادنا، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يلحقوا براعي الإبل، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلحقوا براعي الإبل، فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صلحت بطونهم وأبدانهم، ثم قتلوا الراعي وساقوا الإبل، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبعث في طلبهم، فجيء بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وأُلقُوا في الحرة يستسقون فلا يُسقَوْن»(1).

وجه الدلالة منه:

رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهؤلاء القوم بشرب أبوال الإبل على سبيل التداوي مما أصابهم من مرض، وقد صحت أبدانهم بعد شربه، والتداوي ـ كما قال ابن حزم ـ بمنزلة الضرورة التي ترخص في تناول المحرم، ولا يعد تناوله في هذه الحالة محرماً؛ فإن ما اضطر المرء إليه فهو غير محرم عليه من المأكل والمشرب(2).

اعتُرض على الاستدالال به بما يلي:

أ - قال العيني والمرغيناني: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خص العرنيين بذلك، لما عرف مــن طــريق الوحي أن شــفاءهم فيه، ولا يوجد مثله في زماننا، فلا يحل تناوله لعدم تيقن الشفاء فيه، فلا يعرض على الحرمة، وهو كما خص الزبير بن العوام بلبس الحرير لحكة كانت به أو للقمل(3)، أو لأنهم كانوا كفاراً في علم الله تعالى، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- علم من طريق الوحي أنهم يموتون على الردة، ولا يبعد أن يكون شفاء الكافر بالنجس(4).

أجيب عن هذا الاعتراض:

قال ابن المنذر: من زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يصب؛ إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل، ويؤيد هذا تقرير أهل العلم استعمال الناس أبوال الإبل في أدويتهم قديماً وحديثاً، وعدم إنكارهم ذلك(5).

رد هذا الجواب:

قال ابن حجر: إن المختلف فيه لا يجب إنكاره، فلا يدل ترك إنكاره على جوازه(6).

ب - قال السرخسي: حديث أنس رواه قتادة عنه، وفيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص للعرنيين في شرب ألبان الإبل ولم يذكر الأبوال، وإنما ذكر هذا في رواية حميد الطويل عنه، والحديث حكاية حال، فإذا دار بين أن يكون حجة أو لا يكون حجة، فإنه يسقط الاحتجاج به(7).

ج - افترض العيني اعتراضاً حيث قال: إن أبوال الإبل كانت محرمة الشرب، فلا يجوز التداوي به(8)؛ لـِمَا روي عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله ـ تعالى ـ لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها»(9)، وما روي عن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله ـ عز وجل ـ أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام»(10).

أجيب عن هذا الاعتراض بما يلي:

1- قال البيهقي: هذان الحديثان ـ إن قيل بصحتهما ـ يُحمَلان على النهي عن التداوي بالمسكر، أو على التداوي بكل محرم في غير حال الضرورة إلى التداوي به، جمعاً بينهما وبين حديث العرنيين(11).

2- قال ابن حزم: إن الحديث الذي روي عن أم سلمة باطل؛ لأن في سنده سليمان الشيباني، وهو مجهول، وقد جاء اليقين بإباحة الميتة والخنزير عند خوف الهلاك من الجوع؛ فقد جعل الله ـ تعالى ـ شفاءنا من الجوع المهلك فيما حرم علينا في غير تلك الحال.

ونقول: نعم إن الشيء ما دام حراماً علينا فلا شفاء لنا فيه، فإذا اضطررنا إليه فلا يحرم علينا حينئذ، بل هو حلال، فهو لنا حينئذ شفاء، وهذا ظاهر الخبر(1).

3 - قال بعض العلماء: إن حديث أم سلمة وقع جواباً لمن سأل عن التداوي بالخمر وغيره من سائر المسكرات، فلا يجوز إلحاق غير المسكر به؛ لأن شرب المسكر يجر إلى مفاسد كثيرة، ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء، فجاء الشرع بخلاف ذلك(2).

رد جواب هؤلاء بما يلي:

1- قال العيني: حديث أم سلمة أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه، وسليمان الشيباني أحد الثقات، وقول من يدعي خصوصية هذا بالخمر قول مردود؛ لأن دعوى الخصوصية لا تسمع إلا بدليل، والجواب القاطع عن هذا: أن حرمة التداوي بالمحرم محمول على حال الاختيار، وأما في حال الاضطرار فلا يكون حراماً، كتناول الميتة في المخمصة، والخمر عند العطش وإساغة اللقمة(3).

2 - قال الشوكاني: إن قصر النهي عن التداوي بالمحرم على الخمر فقط، قصر للعام على السبب بدون موجب، والمعتبر عموم اللفظ لا خصوص السبب، وأما النهي عن التداوي بالمحرم فهو محمول على التداوي به حال الاختيار، وأما في حال الضرورة فلا يكون حراماً، كإباحة تناول الميتة للمضطر؛ فالنهي عن التداوي بالحرام باعتبار الحالة التي لا ضرورة فيها، والإذن بالتداوي بأبوال الإبل باعتبار حالة الضرورة وإن كان حراماً، ولو سلم بهذا فالتداوي إنما وقع بأبوال الإبل خاصة، فلا يجوز إلحاق غيره به، لما ثبت من حديث ابن عباس مرفوعاً: «إن في أبــوال الإبل شـــفاء للذربة بطونهـــم»(4)، ولا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه(5).

استدل أصحاب المذهب الثاني على حرمة التداوي بالمحرم بما يلي:

أولاً: الكتاب الكريم:

قال ـ تعالى ـ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْـخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].

وجه الدلالة من الآية:

أفادت هذه الآية أن الشارع حرم تناول كل خبيث، ولو كان هذا لأجل التداوي به، سواء كان خبثه لنجاسته أو لغيرها.

ثانياً: السنة النبوية المطهرة:

1 - روي عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها».

2 - روي عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام».

وجه الدلالة منهما:

بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أم سلمة، أن الله ـ تعالى ـ لم يجعل فيما حرمه على هذه الأمة شفاء مما يصيبها من الأدواء، فدل على عدم جواز التداوي بالمحرم؛ لأنه لا أثر له في الشفاء من الأمراض، ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي الدرداء عن التداوي بالمحرم، والنهي يفيد التحريم عند الإطلاق؛ لأنه حقيقته، فأفاد كسابقه حرمة التداوي بالمحرم، سواء كانت حرمته بسبب نجاسته أو استقذاره أو غير ذلك.

اعترض على الاستدلال بهما بما سبق أن اعترض به عليهما، وأجيب عن هذه الاعتراضات بما أجيب به عليها من قبل(6).

وقد تأول بعض العلماء هذين الحديثين بما يلي:

أ - قال النووي: إن النهي عن التداوي بالمحرم في حديثيْ أم سلمة وأبي الدرداء، محمول على حال عدم الحاجة إلى التداوي به، بأن يكون هناك من الأدوية المباحة ما يقوم مقام المحرم في التداوي به(1).

ب - قال البيهقي: إن هذين الحديثين إن صحا فإنهما يحملان على النهي عن التداوي بالمسكر، أو التداوي بكل محرم في غير حال الضرورة، ليكون جمعاً بينهما وبين حديث العرنيين(2).

تعقب الشوكاني قوله هذا:

قال: لا يخفى ما في هذا الجمع من التعسف؛ فإن أبوال الإبل يمنع الخصم اتصافها بكونها حراماً أو نجساً، وعلى فرض التسليم بذلك فالواجب الجمع بين العام، وهو تحريم التداوي بالحرام، وبين الخاص وهو الإذن بالتداوي بأبوال الإبل، بأن يقال: يحرم التداوي بكل حرام إلا أبوال الإبل، هذا هو القانون الأصولي(3).

ج - قال العيني: «الجواب القاطع أن الحكم الذي جاء به حديث أم سلمة (وفي حكمه حديث أبي الدرداء) من حرمة التداوي بالمحرم، محمول على حالة الاختيار، وأما حالة الاضطرار فلا يكون حراماً، كتناول الميتة في المخمصة، والخمر عند العطش وإساغة اللقمة، وقال ابن رسلان والشوكاني بمثل ذلك»(4).

د - قال ابن البزار: إن حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ فيه نفي الحرمة عن الدواء المحرم، إذا علم أن فيه شفاء، ولم يوجد ما يقوم مقامه من الأدوية المباحة، ومعنى هذا الحديث وفقاً لذلك: إن الله أذن لكم بالتداوي، وجعل لكل داء دواء؛ فإذا كان في ذلك الدواء شيئاً محرماً، وعلمتم به الشفاء، فقد زالت حرمة استعماله؛ لأنه ـ تعالى ـ لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم»(5).

هـ - قال ابن عابدين: «إن معنى «لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم»: يحتمل أن يكون هذا القول قد قيل في داء عرف له دواء غير المحرم؛ لأنه حينئذ يستغنى بالحلال عن الحرام، ويجوز أن يقال: تتكشف الحرمة عند الحاجة، فلا يكون الشفاء بالحرام، وإنما يكون بالحلال»(6).

3 - روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند الدواء الخبيث»(7).

وجه الدلالة منه:

أفاد هذا الحديث حرمة التداوي بالدواء الخبيث، وقد اختلف العلماء في المراد بالدواء الخبيث، فقال الحاكم: هو الخمر بعينه بلا شك، وقال الترمذي وابن ماجة: هو السم، وقال ابن العربي: يحتمل أن يكون هو الدواء المكروه الذي تنفر النفس عنه، لما فيه من المشقة، والعوض عنه موجود. ويحتمل أن يريد به ما يجمع الضار والنافع كالترياق، ويحتمل أن يريد به الخمر، ويحتمل أن يريد به ما تستعمله العامة من الأدوية المجهولة، مما تسقيه أو تكتب فيه، توهم الناس أنه علم وهو سخافة وتلاعب، أو مما يعلقونه: كالخرز والودع، وقال الخطابي: قد يكون خبث الدواء من وجهين: أحدهما خبث النجاسة، وهو أن يدخله المحرم كالخمر ونحوها من لحوم الحيوانات غير المأكولة اللحم، وقد يصف الأطباء بعض الأبوال وعذرة بعض الناس لبعض العلل، وهي كلها خبيثة نجسة، وتناولها محرم، إلا ما خصته السنة من أبوال الإبل، وسبيل السنن أن يقر كل شيء منها في موضعه، وألا يضرب بعضها ببعض، الوجه الثاني: أن خبث الدواء قد يكون من جهة الطعم والمذاق، ولا ينكر أن يكون قد كره ذلك لما فيه من المشقة على الطباع، ولتكره النفوس إياه، والغالب أن طعوم الأدوية كريهة ولكن بعضها أيسر احتمالاً وأقل كراهة من بعض(8)، فإذا كان المراد بالدواء الخبيث هو المحرم أو المشتمل عليه، فإن هذا الحديث دليل على حرمة التداوي بالمحرم.

تأول بعض العلماء هذا الحديث:

أ - قال النووي: «إن النهي عن التداوي بالدواء الخبيث محمول على الحال التي لا تكون فيها ضرورة إليه، بأن يكون هناك دواء غير خبيث يغني عنه ويقوم مقامه»(1).

ب - قال البيهقي: «إن هذا الحديث إن قيل بصحته، محمول على النهي عن التداوي بالمسكر، أو على التداوي بكل محرم في غير حال الضرورة، ليكون جمعاً بينه وبين حديث العرنيين(2).

تعقب الشوكاني قوله هذا بما تعقب به هذا القول من قبل»(3).

ثالثاً: قول الصحابي:

1 - روي عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: «إن الله ـ تعالى ـ لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم»(4).

وجه الدلالة منه:

نفي هذا الخبر أن يكون فيما حرم الله ـ سبحانه ـ على هذه الأمة شفاء، فدل هذا على عدم جواز التداوي بالمحرم.

تأول بعض العلماء هذا الخبر:

قال ابن عابدين والبابرتي: قول ابن مسعود هذا يحتمل أن يكون قد صدر عنه في داء عرف له دواء غير المحرم؛ لأنه حينئذ يستغنى بالحلال عن الحرام، ويجوز أن يقال: تنكشف الحرمة عند الحاجة، فلا يكون الشفاء بالحرام، وإنما يكون بالحلال(5).

2- روي عن نافع مولى ابن عمر ـ رضي الله عنهم ـ قال: «كان ابن عمر إذا دعا طبيباً يعالج بعض أهله اشــترط عليه أن لا يداوي بشيء مما حرم الله عز وجل»(6).

وجه الدلالة:

أفاد هذا الأثر أن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كان لا يرى جواز التداوي بالمحرم، ومثل هذا لا يكون منه إلا عن توقيف؛ لأنه لا مدخل للرأي فيه.

رابعاً: المعقول:

1- إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ إنما حرم ما حرمه على هذه الأمة لخبثه، حماية وصيانة لها عن تناوله؛ فلا يناسب هذا أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل؛ فإنه إن أثر في إزالتها أعقب سقماً أعظم منها في القلب، بقوة الخبث الذي فيه؛ فمن يتداوى به يكون قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب(7).

2 - إن مقتضى تحريم شيء تجنبه والبعد عنه، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته، وهذا يخالف مقصود الشارع(8).

3 - إن الدواء المحرم خبيث، ويكسب نفس المتداوي به صفة الخبث؛ لأن النفس تتأثر بكيفية الدواء تأثراً بيناً؛ فإذا كانت كيفيته خبيثة اكتسبت النفس منه خبثاً(9).

4 - إن في إباحة التداوي بالمحرم ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة، لا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها، مزيل لأسقامها، وكانت تميل إليه؛ فهذا أحب شيء لها، وقد سد الشارع الذريعة إلى تناوله بكل ممكن، وثمة تعارض وتناقض بين سد الذريعة إلى تناوله وفتحها(10).

المناقشة والترجيح:

إن الذي تركن النفس إليه من هذين المذهبين ـ بعد الوقوف على أدلتهما، وما اعترض به على بعضها، وما أجيب به عن بعض هذه الاعتراضات ـ هو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول، من جواز التداوي بالمحرم في الجملة، إذا ثبت أن فيه دواء لداء معين، ولم يوجد دواء مباح يقوم مقامه في التداوي به من هذا الداء، ووصف الدواء المحرم طبيب مسلم عدل ثقة حاذق بالطب، أو كان المريض يعلم أنه لا ينفع في مرضه إلا هذا المحرم، لمعرفته بالطب، أو لتجربة سابقة له مع هذا المرض، ولم يكن في التداوي به ـ والحال هذه ـ اعتداء على حياة محقون الدم أو صحته، وكان الغالب من استعمال هذا الدواء السلامة لمن استعمله، وذلك لما استدل به أصحاب المذهب الأول من الكتاب الكريم والسنة المطهرة.

وأما ما استدل به أصحاب المذهب الثاني على حرمة التداوي بالمحرم فإنها محمولة على التداوي به في غير حال الضرورة إليه، كما قال ابن عابدين والبابرتي والعيني والبيهقي والنووي وغيرهم، أو أن الحرمة تزول عند الحاجة إلى استعمال الدواء المحرم، فلا يكون التداوي في هذه الحالة بمحرم، وإنما يكون بالحلال كما قال ابن البزاز وابن حزم وغيرهما، وحل التداوي به في هذه الحالة لا يقتضي الترغيب فيه وملابسته كما يقول أصحاب هذا المذهب؛ وذلك لأنه لا يتداوى به إلا عند الضرورة إليه، وهي حال نادرة التحقق، وإذا تحققت فلا تقتضي دوام ملابسته، للاقتصار منه على ما تندفع به الضرورة.

0000000000000

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 1 / ص 1841)

رقم الفتوى 4214 التداوي مشروع بما لم تعلم حرمته

تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420

السؤال

أنا أتعالج من مرض الاكتئاب وأعطاني الدكتور دواء وأنا لا أعلم إذا كان الدواء مركبا من محرمات أم لا . سؤالي هو: هل يجوز استعماله لأنني قرأت في كتاب بأن التداوي بالحرام لا يجوز.

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالتداوي مشروع ولم ينزل الله داءً إلا جعل له دواءً. وفي سنن الترمذي عن أسامة بن شريك قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: "نعم عباد الله، تداووا فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحدا"ً. قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: "الهرم". وقد ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتداوى وأصحابه كانوا يتداوون.

وعليه فلا حرج عليك أن تتداوى عند هذا الطبيب، وتستعمل الدواء الذي يعطيك، إلا إذا علمت أنه اشتمل على ما هو محرم فاجتنبه، ولست مطالباً بالبحث عما اشتمل عليه: أمحرم أم لا. لأن الأصل في الأشياء الإباحة، هذا إذا لم يخبرك مخبر أنه مركب مما هو محرم، وننصحك بوصفة نافعة لما تعانيه وهي التوبة إلى الله تعالى وكثرة الاستغفار والأعمال الصالحة وتقوية وترسيخ الإيمان بالله تعالى والتسليم لقضائه وقدره، وتفويض الأمر كله إليه، وعليك بقراءة القرآن خاصة، فإن فيه شفاءً لما في الصدور، وعليك بذكر الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وكثرة الالتجاء إلى الله تعالى.

----------

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 9 / ص 162)

رقم الفتوى 70195 موقف الشرع من التداوي بالشرك والكفر

تاريخ الفتوى : 24 ذو القعدة 1426

السؤال

تعاني زوجتي ومنذ فترة لا بأس بها من آلام في الرأس بشكل متكرر مع دوار تمت مراجعة عدة أطباء من اختصاصات مختلفة (قلبية، عامة، أذنية، غدد..) دون فائدة تذكر.

في الآونة الأخيرة ازدادت آلام الرأس وبدأت تشعر بخوف وضيق تنفس وعصبية زائدة وكثرة المنامات المخيفة وأحياناً الكوابيس راجعنا إحدى العارفات بالله فأفادتها بأنها تحتاج إلى صلحة (ذبح خروف في منزلنا بوجودها أي العارفة بالله). أصبحنا في حيرة من أمرنا

أفيدونا زادكم الله خيراً مع العلم بأن زوجتي لا تنقطع عن تلاوة القرآن الكريم وأداء الصلاة في مواعيدها تماماً.

سؤالنا: ما الذي يحصل لها وهل كلام العارفة بالله صحيحاً (كوننا نجهل هذه المواضيع) وما العلاج المناسب في مثل حالتها ؟

زادكم الله خيراً وجزاكم عنا.

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلربما كان الذي أصاب زوجتك سحراً أو حسداً أو مساً من الجن ، والمرجع في هذا لأهل الاختصاص بعلاج ما ذكرنا من احتمالات ، وبغض النظر عما ألمَّ بزوجتك من أعراض فإنه لا يجوز بحال معالجة السحر بذبح الذبائح، سواء أكان المذبوح خروفاً أو غيره ، وما تدعيه هذه المرأة محض كذب وافتراء ، وإنما هي مشعوذة دجالة من الدجالين الذين يتعاملون مع الشياطين ، والذبح لهم شرك بالله عياذاً بالله من ذلك ، وهذا هو الوصف الصائب لها ولأمثالها ، ولا ينبغي وصفها بأنها عارفة بالله ، قال الدكتور عمر سليمان الأشقر في كتابه عالم الجن والشياطين : وبعض الناس يحاولون استرضاء الجني الذي يصرع الإنسان بالذبح له ، وهذا من الشرك الذي حرمه الله ورسوله ، وروي أنه نهى عن ذبائح الجن ، وقد يزعم بعض الناس أن هذا من باب التداوي بالحرام ، وهذا خطأ كبير ، فالصواب أن الله لم يجعل الشفاء في شيء من المحرمات ، وعلى القول بجواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخمر ، فلا يجوز أن يستدل بذلك على الذبح للجني ، لأن التداوي بالمحرمات فيه نزاع لبعض العلماء ، أما التداوي بالشرك والكفر فلا خلاف بين العلماء في تحريمه ، ولا يجوز التداوي به باتفاق . انتهى

وعلى هذا.. فنحذر الأخ السائل من ذبح خروف أو غيره ، كما نحذره من التعامل مع هذه المرأة التي تتعاطى هذا الأمر ، فإذا أراد معالجة السحر فعليه أن يلتجئ إلى الله سائلاً إياه العافية والرحمة من هذا البلاء ، وعليه أن يتحصن بالرقى والأذكار الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيجدها في كتب الأذكار : كالكلم الطيب لشيخ الإسلام ، وصحيحه ل لألباني ، والوابل الصيب لابن القيم ، والأذكار للنووي ، وتحفة الذاكرين للشوكاني ، كما يمكنك أن تستعين براق يحسن الرقية بكتاب الله كالفاتحة ، وآية الكرسي ، والمعوذات وغيرها ، وبالرقى والأذكار الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على أن يكون الراقي صالحاً ذا دين متبعاً الكتاب والسنة .

يقول الدكتور الأشقر في عالم الجن والشياطين : وينبغي للمعالج أن يكون قوي الإيمان بالله معتمداً عليه ، واثقاً بتأثير الذكر وقراءة القرآن ، وكلما قوي إيمانه وتوكله قوي تأثيره ، فربما كان أقوى من الجن فأخرجه ، وربما كان الجني أقوى فلا يخرج ، وربما كان المخرج للجني ضعيفاً فتقصد الجن إيذاءه، فعليه بكثرة الدعاء والاستعانة عليهم بالله ، وقراءة القرآن ، خاصة آية الكرسي . انتهى

وراجع الفتوى رقم : 67018 ، ولمعرفة ما يفعله المرء عند حصول الأحلام المزعجة والكوابيس ، راجع الفتاى ذات الأرقام التالية : 31518 // 68043 // 40025 ، ولمعرفة علاج السحر والعين وصفات المعالج بالقرآن راجع الفتوى رقم: 2244 // 5689 // 5252 // 10981 // 6347 .

والله أعلم .

------------

قافلة الداعيات - (ج 175 / ص 11)

ــ الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس :

عن زيد بن خالد الجهني قال : صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية ـ على أثر سماء كانت من الليلة ـ فلما انصرف أقبل على الناس فقال : " هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب . وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب " رواه البخاري أنظر فتح الباري 2/333 . ومن ذلك اللجوء إلى أبراج الحظ في الجرائد والمجلات فإن اعتقد ما فيها من أثر النجوم والأفلاك فهو مشرك وإن قرأها للتسلية فهو عاص آثم لأنه لا يجوز التسلي بقراءة الشرك بالإضافة لما قد يلقي الشيطان في نفسه من الاعتقاد بها فتكون وسيلة للشرك .

ــ ومن الشرك اعتقاد النفع في أشياء لم يجعلها الخالق عز وجل كذلك كما يعتقد بعضهم في التمائم والعزائم الشركية وأنواع من الخرز أو الودع أو الحلق المعدنية وغيرها بناء على إشارة الكاهن أو الساحر أو اعتقاد متوارث فيعلقونها في رقابهم أو على أولادهم لدفع العين بزعمهم أو يربطونها على أجسادهم أو يعلقونها في سياراتهم وبيوتهم أو يلبسون خواتم بأنواع من الفصوص يعتقدون فيها أمورا معينة من رفع البلاء أو دفعه وهذا لاشك ينافي التوكل على الله ولا يزيد الإنسان إلا وهنا وهو من التداوي بالحرام وهذه التمائم التي تعلق في كثير منها شرك جلي واستغاثة ببعض الجن والشياطين أو رسوم غامضة أو كتابات غير مفهومة وبعض المشعوذين يكتبون آيات من القرآن ويخلطونها بغيرها من الشرك وبعضهم يكتب آيات القرآن بالنجاسات أو بدم الحيض وتعليق كل ما تقدم أو ربطه حرام لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من علق تميمة فقد أشرك ) رواه أحمد 4/156 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 492 .

0000000000000000

حكم التداوي بأبوال الإبل

حكم التداوي بأبوال الإبل (2/1)

أ.د. عبدالفتاح محمود إدريس

لقد كان للآثار الجانبية لكثير من الأدوية الكيميائية أثر في عودة الناس إلى الطبيعة، ليأخذوا منها أدويتهم، ويختاروا منها ما يتفق وفطرتهم التي فُطِروا وفُطِر أسلافهم عليها، فلا ينكر أحد الوصفات العلاجية من عناصر الطبيعة لكثير من الأمراض، التي ما زال السلف يورثون كيفية التعالج بها إلى الخلف، ولا يعدم المرء في أي مجتمع من المجتمعات مهما كانت درجة رقيه وتقدمه، من له علم ودراية وخبرة بكيفية التداوي بعناصر الطبيعة، من أعشاب أو زهور أو نباتات أو بذور أو نحوها، وكيفية إعدادها للتعالج بها من الأدواء المختلفة، وانطلاقاً من هذا الموروث الذي يعود إليه الكثيرون في زماننا، كان هذا المقال يتناول موقف الفقه الإسلامي من التعالج بأبوال الإبل، هذا الدواء الذي عرفه الأقدمون، وتعالجوا به من أدواء عدة، والذي عكف بعض الباحثين المعاصرين على استجلاء آثاره في المداواة من الأمراض، ومدى تأثيره في البدن المريض، ولقد كان للنتائج التي تمخضت عنها بحوثهم أثر في الوقوف على كثير من الجوانب العلاجية له؛ ولذا كان من المناسب بيان حكم التداوي بها من الأمراض التي تفيد فيها، بعد بيان حكم تناولها حال الاختيار، والأثر العلاجي لها من الأمراض.

حكم تناول أبوال الإبل حال الاختيار:

لا خلاف بين العلماء على أنه لا يباح تناول أبوال الحيوانات في حال الاختيار، سواء كانت مأكولة اللحم، ومنها الإبل، أو لم تكن، وسواء قيل بطهارتها أو نجاستها(1).

استدل لحرمة تناول أبوال الحيوانات لغير ضرورة أو حاجة بما يلي:

السنة النبوية المطهرة: أحاديث منها:

1- روي عن أبي هريرة } أن النبي { قال: "استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه"(2).

وجه الدلالة منه:

أمر رسول الله { بالتباعد عن البول والتحرز منه، والأمر بهذا يفيد وجوبه، وقد بين رسول الله { أن البول يكون سبباً في عذاب من لا يستنزه منه، وأنه يعجل له به في قبره، وهذا العذاب لا يكون إلا على فعل أمر حرمه الشارع، وقد عم رسول الله { في الأمر بالاستنزاه من البول، ولم يفصل بين نوع منه وآخر، وهذ يقتضي حرمة ملامسة البول أو ملابسته، وعدم التحرز منه مطلقاً، سواء كان بول آدمي أو غيره، وسواء كانت ملامسته للشرب أو لغيره، والتمسك بعموم هذا الحديث في الأبوال كلها أولى - كما قال العيني والبابرتي وابن حزم -(3) لأنه ظاهر في تناول جميع الأبوال، فيجب اجتنابها لهذا الوعيد.

2- روي عن جسرة قالت: حدثتني عائشة رضي الله عنها قالت: "دخلت على امرأة من اليهود، فقالت: إن عذاب القبر من البول، فقلت: كذبت، فقالت: بلى، إنا لنقرض منه الثوب والجلد، فخرج رسول الله { إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا، فقال: ما هذه؟، فأخبرته بما قالت، فقال: صدقت، فما صلى بعد يومئذ إلا قال في دبر الصلاة: رب جبريل ورب ميكائيل واسرافيل أعذني من حر النار وعذاب القبر"(4).

وجه الدلالة منه:

صدّق رسول الله { هذه اليهودية فيما قالته، من أن عذاب القبر من البول، والبول في الحديث عام، فيشمل جميع الأبوال سواء كانت من آدمي أو غيره، وقد أفاد الحديث أن ملامسة البول وعدم التحرز منه في البدن والثوب يوجب استحقاق العذاب، فدل على حرمة تناوله لغير ضرورة أو حاجة.

3- ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مر رسول الله { بقبرين، فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: إنه كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين، فوضع على كل قبر كسرة، فقيل: يا رسول الله لم فعلت هذا؟، فقال: لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا"(5).

وجه الدلالة منه:

بين رسول الله { في هذا الحديث أن عدم التوقي أو التحرز من البول كبيرة، وأنه يعجل لمرتكبها العذاب في قبره، وهذا يدل على حرمة ملابسة الأبوال عامة بأي وجه من الوجوه؛ لما يفيده عموم هذا الحديث، وقال ابن حزم: "افترض رسول الله { على الناس اجتناب البول جملة، وتوعد على ذلك بالعذاب، وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه بول دون بول، ومن يدعي الخصوصية فيه يكون مدعياً على الله تعالى وعلى رسوله { ما لا علم له به بالباطل، إلا بنص ثابت، وقد وجدنا أن رسول الله { سمى البول جملة، والنجو(6) جملة "الأخبثين"، والخبيث محرم، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله { يقول: "لا يصلي بحضرة طعام، ولا هو يدافع الأخبثين"(7)، وقد قال الله تعالى:  ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث(157)  {الأعراف: 157}، فصح أن كل أخبث وخبيث حرام(8).

اعترض على الاستدلال به ممن يرى طهارة أبوال الإبل:

أ- قال الصنعاني: إن الحديث نص في بول الإنسان؛ لأن الألف واللام في البول للعهد، أو هي عوض عن المضاف إليه، أي: عن بوله، ومن حمل الحديث في جميع الأبوال، وأدخل فيه أبوال الإبل فقد تعسف(9).

ب - افترض ابن حزم اعتراضان على الاستدلال بعموم هذا الحديث في الأبوال كافة:

قال في أحدهما: إنما خاطب رسول الله { الناس، فأراد نجوهم وبولهم فقط.

أجاب عنه:

قال نعم، إنما خاطب رسول الله { الناس، ولكن أتى بالاسم الأعم الذي يدخل تحته جنس البول والنجو، ولا فرق بين من قال: إنما أراد عليه الصلاة والسلام نجو الناس وبولهم خاصة، وبين من قال: إنما أراد عليه الصلاة والسلام بول كل إنسان عليه خاصة، لا بول غيره من الناس، وكذلك في النجو، فصح أن الواجب حمل ذلك على ما تحت الاسم الجامع للجنس كله.

وقال في الثاني: إن هذا الخبر الذي فيه العذاب في البول، إنما هو من رواية الأعمش عن مجاهد، وقد تكلم فيها، وأيضاً فإنه مرة رواه عن مجاهد عن ابن عباس، ومرة عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس، وأيضاً فإن ابن راهويه ومحمد بن العلاء ويحيى وأبا سعيد الأشج رووه عن وكيع عن الأعمش، فقالوا فيه: "كان لا يستتر من بوله"، وهكذا رواه عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن مجاهد.

أجاب عنه:

قال: هذا كله لا شيء، أما رواية الأعمش عن مجاهد، فإن شعبة ووكيع ذكرا في هذا الحديث سماع الأعمش له من مجاهد، فسقط هذا الاعتراض، وأيضاً فقد رويناه من غير طريق الأعمش، لكن من طريق منصور عن مجاهد عن ابن عباس، فسقط التعلل جملة، وأما روايته مرة عن مجاهد عن ابن عباس، ومرة عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس، فهذا قوة للحديث، فكلاهما صحب ابن عباس، فسمعه مجاهد من ابن عباس، وسمعه كذلك من طاوس عن ابن عباس فرواه كذلك، ولا شيء في هذا مما يقدح في الرواية، وأما رواية من روي "من بوله"، فقد عارضهم من فوقهم، فرواه زهير ابن حرب ومحمد بن المثني ومحمد بن بشار كلهم عن وكيع، فقالوا: "من البول"، ورواه ابن عون وابن جرير عن أبيه عن منصور عن مجاهد فقالا: "من البول"، ورواه شعبة وعبيدة بن حميد عن منصور عن مجاهد فقالا: "من البول"، ورواه شعبة وأبو معاوية الضرير وعبد الواحد بن زياد عن الأعمش، فقالوا: "من البول"، فكلا الروايتين حق، ورواية هؤلاء تزيد على رواية الآخرين، وزيادة العدل واجب قبولها، فسقط كل ما تعللوا به، وصح فرضاً وجوب اجتناب كل بول ونجو(10).

الاستعمالات الطبية لأبوال الإبل:

كانت أبوال الحيوانات توصف قديماً لعلاج بعض الأمراض التي يظن نفعها فيها، ومن ذلك: استعمالها لعلاج القروح والحكة، والجرب والبرص، والبهق والحمى والتشنج، والاستسقاء وتضخم الطحال، وتسكين بعض الآلام، وتفتيت حصوات الكلى والمثانة، وعلاج نهش الأفاعي وعقر الكلاب، ونحو ذلك، وليس لكل أبوال الحيوانات هذه الخصائص في العلاج، وإنما ذلك لبعضها، وأبين في هذا الصدد ما ينفع بول الإبل في علاجه من الأمراض، قال ابن سينا في قانونه: أنفع الأبوال بول الجمل الأعرابي وهو "النجيب"، وبول الإبل يفيد في علاج مرض "الحزاز"(11)، وقد استخدمت أبوال الإبل وخاصة بول الناقة البكر كمادة مطهرة لغسل الجروح والقروح، ولنمو الشعر وتقويته وتكاثره ومنع تساقطه، وكذا لمعالجة مرض القرع والقشرة، وفي رسالة الماجستير المقدمة من مهندس تكنولوجيا الكيمياء التطبيقية محمد أوهاج محمد، التي أجيزت من قسم الكيمياء التطبيقية بجامعة الجزيرة بالسودان، واعتمدت من عمادة الشئون العلمية والدراسات العليا بالجامعة في نوفمبر 1998م بعنوان: (MEDICAL USES OF SOME ASTUDY ON THE CHEMICAL COMPOSITION THE URINE OF THE ARABIAN CAMEL - دراسة في المكونات الكيميائية وبعض الاستخدامات الطبية لبول الإبل العربية)، يقول محمد أوهاج: إن التحاليل المخبرية تدل على أن بول الجمل يحتوي على تركيز عالٍ من: البوتاسيوم والبولينا والبروتينات الزلالية والأزمولارتي، وكميات قليلة من حامض اليوريك والصوديوم والكرياتين، وأوضح في هذا البحث أن ما دعاه إلى تقصي خصائص بول الإبل العلاجية، هو ما رآه من سلوك بعض أفراد قبيلة يشربون هذا البول حينما يصابون باضطرابات هضمية، واستعان ببعض الأطباء لدراسة بول الإبل؛ حيث أتوا بمجموعة من المرضى ووصفوا لهم هذا البول لمدة شهرين، فصحت أبدانهم مما كانوا يعانون منه، وهذا يثبت فائدة بول الإبل في علاج بعض أمراض الجهاز الهضمي، كما أثبت أن لهذا البول فائدة في منع تساقط الشعر، ويقول: إن بول الإبل يعمل كمدر بطيء مقارنة بمادة الفيروسمايد FRUSAMIDE، ولكن لا يخل بملح البوتاسيوم والأملاح الأخرى التي تؤثر فيها المدرات الأخرى، إذ إن بول الإبل يحتوي على نسبة عالية من البوتاسيوم والبروتينات، كما أنه أثبت فعالية ضد بعض أنواع البكتيريا والفيروسات، وقد تحسن حال خمس وعشرين مريضاً استخدموا بول الإبل من الاستسقاء، مع عدم اضطراب نسبة البوتاسيوم واثنان منهم شفوا من آلام الكبد، وتحسنت وظيفة الكبد إلى معدلها الطبيعي كما تحسن الشكل النسيجي للكبد، ومن الأدوية التي تستخدم في علاج الجلطة الدموية مجموعة تسمى FIBRINOLTICS، تقوم آلية عمل هذه المجموعة على تحويل مادة في الجسم من صورتها غير النشطة PLASMINOGEN إلى الصورة النشطة PLASMIN، وذلك من أجل أن تتحلل المادة المسببة للتجلط FIBRIN أحد أعضاء هذه المجموعة هو UROKINASE الذي يستخرج من خلايا الكلى أو من البول كما يدل الاسم URO(12)، وقد كشف عميد كلية المختبرات الطبية بجامعة الجزيرة السودانية، البروفسير: أحمد عبدالله أحمداني عن تجربة علمية باستخدام بول الإبل لعلاج أمراض الاستسقاء وأورام الكبد، فأثبتت نجاحها لعلاج المرضى المصابين بتلك الأمراض، وقال في ندوة نظمتها جامعة الجزيرة: إن التجربة بدأت بإعطاء كل مريض يومياً جرعة محسوبة من بول الإبل مخلوطاً بلبنها حتى يكون مستساغاً، وبعد خمسة عشر يوماً من بداية التجربة انخفضت بطون أفراد العينة وعادت لوضعها الطبيعي وشفوا تماماً من الاستسقاء، وذكر أنه جرى تشخيص لأكباد المرضى قبل بداية الدراسة بالموجات الصوتية، وتم اكتشاف أن كبد خمسة عشر مريضاً من خمس وعشرين في حالة تشمع، وبعضهم كان مصاباً بتليف الكبد بسبب مرض البلهارسيا، وقد استجاب جميع المرضى للعلاج باستخدام بول الإبل، وبعض أفراد العينة من المرضى استمروا برغبتهم في شرب جرعات بول الإبل يومياً لمدة شهرين آخرين، وبعد نهاية تلك الفترة أثبت التشخيص شفاءهم جميعاً من تليف الكبد، وقال: إن بول الإبل يحتوي على كمية كبيرة من البوتاسيوم كما يحتوي على زلال ومغنسيوم، إذ إن الإبل لا تشرب في فصل الصيف سوى أربع مرات فقط ومرة واحدة في الشتاء، وهذا يجعلها تحتفظ بالماء في جسمها لاحتفاظه بمادة الصوديوم، إذ إن الصوديوم يجعلها لا تدر البول كثيراً؛ لأنه يرجع الماء إلى الجسم، وأوضح أن مرض الاستسقاء ينتج عن نقص في الزلال أو في البوتاسيوم، وبول الإبل غني بهما، وأشار إلى أن أفضل أنواع الإبل التي يمكن استخدام بولها في العلاج هي الإبل البكرية(13)، وقد أشرفت الدكتورة أحلام العوضي، المتخصصة في الميكروبيولوجيا بالمملكة العربية السعودية على بعض الرسائل العلمية امتداداً لاكتشافاتها في مجال التداوي بأبوال الإبل، ومنها رسالتا عواطف الجديبي، ومنال قطان، ومن خلال إشرافها على رسالة الباحثة منال القطان نجحت في تأكيد فعالية مستحضر تم إعداده من بول الإبل، وهو أول مضاد حيوي يصنع بهذه الطريقة على مستوى العالم، ومن مزايا المستحضر كما تقول د. أحلام: إنه غير مكلف ويسهل تصنيعه ويعالج الأمراض الجلدية: كالإكزيما والحساسية والجروح والحروق وحب الشباب وإصابات الأظافر والسرطان والتهاب الكبد الوبائي وحالات الاستسقاء، بلا أضرار جانبية، وقالت: إن بول الإبل يحتوي على عدد من العوامل العلاجية كمضادات حيوية (البكتيريا المتواجدة به والملوحة واليوريا)، فالإبل تحتوي على جهاز مناعي مهيأ بقدرة عالية على محاربة الفطريات والبكتريا والفيروسات، وذلك عن طريق احتوائه على أجسام مضادة(IgG)(14)، كما يستخدم في علاج الجلطة الدموية، ويستخرج منه FIBRINOLYTICS، والعلاج من الاستسقاء (الذي ينتج عن نقص في الزلال أو البوتاسيوم، حيث إن بول الإبل غني بهما)، كما أن في بول الإبل علاجاً لأوجاع البطن وخاصة المعدة والأمعاء، وأمراض الربو وضيق التنفس، وانخفاض نسبة السكر في المرضى بدرجة ملحوظة، وعلاج الضعف الجنسي، ويساعد على تنمية العظام عند الأطفال، ويقوي عضلة القلب، ويستخدم كمادة مطهرة لغسل الجروح والقروح، وخاصة بول الناقة البكر، ولنمو الشعر وتقويته وتكاثره ومنع تساقطه، ولمعالجة مرض القرع والقشرة، كما يستخدم بول الإبل في مكافحة الأمراض بسلالات بكتيرية معزولة منه، وقد عولجت به فتاة كانت تعاني من التهاب خلف الأذن يصاحبه صديد وسوائل تصب منها، مع وجود شقوق وجروح مؤلمة، كما عولجت به فتاة لم تكن تستطع فرد أصابع كفيها بسبب كثرة التشققات والجروح، وكان وجهها يميل إلى السواد من شدة البثور، وتقول الدكتورة أحلام: إن أبوال الإبل تستخدم أيضاً في علاج الجهاز الهضمي، ومعالجة بعض حالات السرطان، وأشارت إلى أن الأبحاث التي أجرتها هي على أبوال الإبل، أثبتت فاعليتها في القضاء على الأحياء الدقيقة كالفطريات والخمائر والبكتريا، وأجرت الدكتورة رحمة العلياني من المملكة العربية السعودية أيضاً تجارب على أرانب مصابة ببكتريا القولون، حيث تم معالجة كل مجموعة من الأرانب المصابة بداوء مختلف، بما في ذلك بول الإبل، وقد لوحظ تراجع حالة الأرانب المصابة التي استخدم في علاجها الأدوية الأخرى باستثناء بول الإبل الذي حقق تحسناً واضحاً(15).

الهوامش:

1- المرغيناني: الهداية، البابرتي: العناية (1 - 101،102) قاضي زادة: نتائج الأفكار (4/10)، ابن عابدين: رد المحتار (215/4)، ابن عبدالبر: الكافي في فقه أهل المدينة المالكي (188)، حاشية العدوى على كفاية الطالب الرباني (453/2)، ابن جزي: القوانين الفقهية (295)، المجموع (41/9،50)، الأردبيلي: الأنوار لأعمال الأبرار (518/2)، حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم (302/2)، ابن قدامة: المغني (596/8)، البهوتي: كشاف القناع (189/6)، ابن حزم: المحلى (168/1)، (398/7)، العيني: عمدة القارئ (33/3)، (318/17)، محمد شمس الحق: عون المعبود (7/4)، (353/10).

2- يستنزه: من التنزه وهو الإبعاد، والحديث أخرجه الدارقطني في سننه من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة وقال: الصواب أنه مرسل، ومن حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وقال: صحيح، ومن حديث مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً، وقال: لا بأس به، ومن حديث قتادة عن أنس، وقال: المحفوظ أنه مرسل، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد من حديث ابن عباس، وقال رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه أبو يحيى القتات، وثقة ابن معين في رواية وضعفه الباقون، وقال الصنعاني، رواه ابن خزيمة وصححه، وقال العيني: صححه ابن خزيمة وغيره مرفوعاً، وذكره ابن حجر في تلخيص الحبير وقال: أعله أبو حاتم، فقال: إن رفعه باطل، إلا أن هذا الحديث إسناده حسن، وليس فيه غير أبي يحيى القتات وفيه لين، وقد تعضد هذا الحديث بأحاديث أخرى صحيحة (سنن الدارقطني 127/1، 128)، الهيثمي: مجمع الزوائد (207/1)، ابن حجر: تلخيص الحبير (117/1)، العينى: عمدة القارئ (34/3)، الصنعاني: سبل السلام (131).

3- عمدة القارئ (34/3)، العناية (101/1)، المحلى (179/1).

4- أخرجه أحمد في مسنده، والنسائي في سننه وفي عمل اليوم والليلة، وابن أبي شيبة في مصنفه، وذكره الحسيني في البيان والتعريف، وقواه المناوي في فيض القدير (مسند أحمد 61/6، سنن النسائي (400/1، 40/6، عمل اليوم والليلة 200/1، مصنف ابن أبي شيبة 115/1، الحسيني: البيان والتعريف (238/1، المناوى: فيض القدير 458/2).

5- لا يستتر من بوله: أي لا يجعل بينه وبين البول سترة، أي لا يتحفظ منه، وهو بمعنى رواية "لا يستنزه": من التنزه وهو الإبعاد، فيكون المراد بالاستتار من البول: التنزه عن البول والتوقي منه، إما بعدم ملابسته وإما بعدم الاحتراز عن مفسدة تتعلق به، كانتقاض الطهارة، وعبر عن التوقي بالاستتار على سبيل المجاز، ووجه العلاقة بينهما أن من استتر عن شيء فقد بعد عنه واحتجب، وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول (القنوجي: عون الباري على البخاري 418/1-419)، والحديث أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين (صحيح البخاري 52/1، صحيح مسلم 136/1).

6- النجو: ما يخرج من البطن عند التغوط، واستنجى: أي مسح موضع النجو أو غسله (مختار الصحاح- 598- نجا).

7- أخرجه مسلم في صحيحه (155/1).

8- المحلى (179/1).

9- سبل السلام (132).

10- المحلى (179/1-180).

11- ابن سينا: القانون في الطب (446/1-117)، الحزاز: قيل: إنه وجع في القلب من غيظ ونحوه (مختار الصحاح- 207-حزز).

12- مقال في صحيفة الاتحاد الإماراتية عدد (9515) الصادر في 2001/7/24م.

13- موقع: www.alkhaldi.k.com، وموقع: http//www.tabiby.com/asp/tabeey.asp

14- موقع: htt//www.khayma.com/roqia

15- موقع: http//www.khayma.com/roqi، د. أحلام العوضي: عجائب وأسرار العلاج بأبوال الإبل، د. رحمة العلياني: تأثير أبوال الإبل على كلية الأرانب الصغيرة المصابة ببكتريا القولون، د. سناء خليفة: تأثير أبوال الإبل على أمعاء الأرانب الصغيرة المصابة ببكتريا القولون (بحوث ألقيت في المؤتمر العالمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، والمنعقد بدبي في المدة من 1-4 صفر 1425ه).

000000000000000

حكم التداوي بأبوال الإبل (2/2)

أ.د. عبدالفتاح محمود إدريس

تناول الكاتب - وفقه الله - مسألة التداوي بأبوال الإبل وحكمها في حال الاختيار وأنه لا خلاف بين العلماء على أنه لا يباح تناول أبوال الإبل حال الاختيار، وذكر الأدلة على ذلك، ثم بين الاستعمالات الطبية لأبوال الإبل، وفي هذا العدد يعرض حكم تناول أبوال الإبل للتداوي بالتفصيل والترجيح.

حكم تناول أبوال الإبل للتداوي بها:

إذا كان لأبوال الإبل هذه الاستخدامات المتعددة في مجال العلاج من الأمراض في عصرنا، كان لابد من بيان آراء الفقهاء في حكم التداوي بها، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على مذهبين:

المذهب الأول:

يرى أصحابه حل التداوي بأبوال الإبل، قال به عطاء الخراساني، والحسن البصري، والنخعي، وجمهور الحنفية، الذين يرون أن جواز التداوي به مقيد بأن يخبر طبيب مسلم أن فيه شفاء، وأن لا يوجد من الأدوية المباحة ما يقوم مقامه في التداوي من المرض، وإليه ذهب المالكية، وهو ما عليه مذهب الشافعية والذي قطع به جمهورهم وصوبه النووي، إذا لم يجد المريض طاهراً يقوم مقامه، وكان عارفاً بالطب يعرف أنه لا يقوم غيره مقامه، أو من تجربة سابقة له مع هذا المرض، أو أخبره بذلك طبيب مسلم عدل، وإليه ذهب الحنابلة، والظاهرية، قال الزهري في أبوال الإبل: كان المسلمون يتداوون بها فلا يرون بها بأساً، وقال ابن تيمية: لست أعلم مخالفاً في جواز التداوي بأبوال الإبل(1).

المذهب الثاني:

يرى من ذهب إليه حرمة التداوي بأبوال الإبل وغيرها من سائر الأبوال، روي هذا عن أبي حنيفة، وهو وجه لبعض الشافعية، ووصفه النووي بالشذوذ(2).

أدلة هذه المذاهب:

استدل أصحاب المذهب الأول على حل التداوي بأبوال الإبل بما يلي:

أولاً: الكتاب الكريم:

قال تعالى:  وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه(119)  {الأنعام: 119}.

وجه الدلالة من الآية:

أحل الله تعالى للمسلمين حال الضرورة ما حرمه عليهم في غيرها، فأسقط سبحانه تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة إليه، وأبوال الإبل مما حرم تناوله في غير حال الضرورة إليه، فإذا كان ثمة ضرورة إلى تناولها للتداوي بها، حل ذلك دون فرق بين نوع منه وآخر.

ثانياً: السنة النبوية المطهرة:

ما رواه أنس } قال: "إن رهطاً من عرينة أتوا إلى رسول الله {، فقالوا: إنا اجتوينا المدينة، وعظمت بطوننا، وارتهست أعضادنا، فأمرهم النبي { أن يلحقوا براعي الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها،فلحقوا براعي الإبل، فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صلحت بطونهم وأبدانهم، ثم قتلوا الراعي وساقوا الإبل، فبلغ ذلك النبي {، فبعث في طلبهم، فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون"(3).

وجه الدلالة منه:

رخص رسول الله { لهؤلاء القوم بشرب أبوال الإبل، على سبيل التداوي مما أصابهم من مرض، وقد صحت أبدانهم بعد شربه، والتداوي - كما قال ابن حزم - بمنزلة الضرورة التي ترخص في تناول المحرم، ولا يعد تناوله في هذه الحالة محرماً، فإن ما اضطر المرء إليه فهو غير محرم عليه من المأكل والمشرب(4)، وهذا دليل على حل التداوي به عند الضرورة إليه.

اعترض على الاستدلال به بما يلي:

أ- قال العيني والمرغيناني: إن رسول الله { خص العرنيين بذلك؛ لما عرف من طريق الوحي أن شفاءهم فيه، ولا يوجد مثله في زماننا فلا يحل شربه؛ لأنه لا يتيقن الشفاء فيه فلا يعرض عن الحرمة، وهو كما خص الزبير بن العوام بلبس الحرير لحكة كانت به أو للقمل؛ فإنه كان كثير القمل، أو لأنهم كانوا كفاراً في علم الله تعالى، ورسول الله { علم من طريق الوحي أنهم يموتون على الردة، ولا يبعد أن يكون شفاء الكافر بالنجس، والتمسك بعموم قوله {: "استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه" أولى؛ لأنه ظاهر في تناول جميع الأبوال، فيجب اجتنابها لهذا الوعيد(5).

أجيب عن هذا الاعتراض:

قال ابن المنذر: من زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يصب؛ إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل، ويؤيد هذا تقرير أهل العلم استعمال الناس أبوال الإبل في أدويتهم قديماً وحديثاً، وعدم إنكارهم ذلك(6).

رد هذا الجواب:

قال ابن حجر العسقلاني: إن المختلف فيه لا يجب إنكاره، فلا يدل ترك إنكاره على جوازه(7).

ب - قال السرخسي: حديث أنس رواه قتادة عنه، وفيه أن رسول الله { رخص للعرنيين في شرب ألبان الإبل، ولم يذكر الأبوال، وإنما ذكر هذا في رواية حميد الطويل عنه، والحديث حكاية حال، فإذا دار بين أن يكون حجة أو لا يكون حجة، فإنه يسقط الاحتجاج به(8).

ج - افترض العيني اعتراضاً: أن أبوال الإبل إذا كانت محرمة الشرب، فلا يجوز التداوي بها(9)، لما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله { قال: "إن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها"(10)، وما روي عن أبي الدرداء } أن رسول الله { قال: "إن الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء داوء، فتداووا ولا تتداووا بحرام"(11).

أجيب عن هذا الاعتراض بما يلي:

1- قال البيهقي: هذان الحديثان - إن قيل بصحتهما - يحملان على النهي عن التداوي بالمسكر، أو على التداوي بكل محرم في غير حال الضرورة إلى التداوي به، جمعاً بينهما وبين حديث العرنيين(12).

2- قال ابن حزم: إن الحديث الذي روي عن أم سلمة باطل؛ لأن في سنده سليمان الشيباني وهو مجهول، وقد جاء اليقين بإباحة الميتة والخنزير عند خوف الهلاك من الجوع، فقد جعل الله تعالى شفاءنا من الجوع المهلك فيما حرم علينا في غير تلك الحال، ونقول: نعم إن الشيء مادام حراماً علينا فلا شفاء لنا فيه، فإذا اضطررنا إليه فلم يحرم علينا حينئذ، بل هو حلال فهو لنا حينئذ شفاء، وهذا ظاهر الخبر(13).

3- قال بعض العلماء: إن حديث أم سلمة وقع جواباً لمن سأل عن التداوي بالخمر وغيره من سائر المسكرات، فلا يجوز إلحاق غير المسكر به؛ لأن شرب المسكر يجر إلى مفاسد كثيرة، ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء، فجاء الشرع بخلاف ذلك(14).

رد جواب هؤلاء بما يلي:

1- قال العيني: حديث أم سلمة أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه، وسليمان الشيباني أحد الثقات، وقول من يدعي خصوصية هذا بالخمر قول مردود؛ لأن دعوى الخصوصية لا تسمع إلا بدليل، والجواب القاطع عن هذا أن حرمة التداوي بالمحرم على حالة الاختيار، وأما في حال الاضطرار فلا يكون حراماً، كتناول الميتة في المخمصة والخمر عند العطش وإساغة اللقمة(15).

2- قال الشوكاني: إن قصر النهي عن التداوي بالمحرم على الخمر فقط، قصر للعام على السبب بدون موجب، والمعتبر عموم اللفظ لا خصوص السبب، وأما النهي عن التداوي بالمحرم فهو محمول على التداوي به حالة الاختيار، وأما في حال الضرورة فلا يكون حراماً، كإباحة تناول الميتة للمضطر، فالنهي عن التداوي بالحرام باعتبار الحالة التي لا ضرورة فيها، والإذن بالتداوي بأبوال الإبل باعتبار حالة الضرورة وإن كان حراماً، ولو سلم بهذا فالتداوي إنما وقع بأبوال الإبل خاصة، فلا يجوز إلحاق غيره به؛ لما ثبت من حديث ابن عباس مرفوعاً: "إن في أبوال الإبل شفاء للذربة بطونهم"(16)، ولا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه(17).

تأول بعض العلماء حديثي أم سلمة وأبي الدرداء بما يلي:

قال النووي: إن النهي عن التداوي بالمحرم في حديثي أم سلمة وأبي الدرداء محمول على حال عدم الحاجة إلى التداوي به، بأن يكون هناك من الأدوية المباحة ما يقوم مقام المحرم في التداوي به(18).

قال البيهقي: إن هذين الحديثين إن صحا فإنهما يحملان على النهي عن التداوي بالمسكر، أو التداوي بكل محرم في غير حال الضرورة (أي في حال وجود دواء مباح غيره يغني عنه ويقوم مقامه) ليكون جمعاً بينهما وبين حديث العرنيين؛ إذ أباح فيه رسول الله { لنفر من عرينة أن يشربوا أبوال الإبل للتداوي بها من مرض أصابهم(19).

تعقب الشوكاني قوله: قال: لا يخفى ما في هذا الجمع من التعسف؛ فإن أبوال الإبل يمنع الخصم اتصافها بأنها حرام أو نجس، وعلى فرض التسليم فالواجب الجمع بين العام وهو تحريم التداوي بالحرام، وبين الخاص وهو الإذن بالتداوي بأبوال الإبل، بأن يقال: يحرم التداوي بكل حرام إلا أبوال الإبل، هذا هو القانون الأصولي(20).

قال العيني: الجواب القاطع: إن الحكم الذي جاء به حديث أم سلمة (وفي حكمه حديث أبي الدرداء)، من حرمة التداوي بالمحرم محمول على حالة الاختيار، وأما حالة الاضطرار فلا يكون حراماً، كتناول الميتة في المخمصة، والخمر عند العطش، وإساغة اللقمة، وقال ابن رسلان والشوكاني بمثل ذلك(21).

قال ابن البزاز: إن حديث أم سلمة فيه نفي الحرمة عن الدواء المحرم إذا علم أن فيه شفاء، ولم يوجد ما يقوم مقامه من الأدوية المباحة، ومعنى هذا الحديث وفقاً لذلك: إن الله تعالى أذن لكم بالتداوي، وجعل لكل داء دواء، فإذا كان في ذلك الدواء شيئ محرم وعلمتم به الشفاء، فقد زالت حرمة استعماله؛ لأنه تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم(22).

قال ابن عابدين: إن معنى "لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" يحتمل أن يكون هذا القول قد قيل في داء، عرف له دواء غير المحرم؛ لأنه حينئذ يستغنى بالحلال عن الحرام، ويجوز أن يقال: تنكشف الحرمة عند الحاجة، فلا يكون الشفاء بالحرام، وإنما يكون بالحلال(23).

استدل أصحاب المذهب الثاني على حرمة التداوي بأبوال الإبل، بما يلي:

أولاً: السنة النبوية المطهرة:

1- حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله { قال: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".

وجه الدلالة منه:

إن تناول أبوال الحيوانات قد حرمه الشارع، وما حرم تناوله لم يجعل فيه شفاء للمسلمين، فنفي أن يكون في محرم دواء، فدل الحديث على عدم جواز التداوي بالمحرم.

اعترض ابن حزم والبيهقي وغيرهما على الاستدلال به بما سبق أن اعترض به عليه، وأجيب عن هذين الاعتراضين بما أجيب به عنهما قبلاً.

2- حديث أبي الدرداء } أن رسول الله { قال: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام".

وجه الدلالة منه:

أمر رسول الله { بالتداوي من الأدواء المختلفة، ونهى عن التداوي بما حرمه الشارع، وإذا كان تناول البول محرماً، فإنه يحرم التداوي به حتى لا يكون تداوياً بمحرم.

تأول النووي والبيهقي والعيني وابن البزاز وابن عابدين حديثي أم سلمة وأبي الدرداء، بما سبق أن تأولوهما به.

3- حديث أبي هريرة } قال: "نهى رسول الله { عن الدواء الخبيث".

وجه الدلالة منه:

أفاد هذا الحديث حرمة التداوي بالدواء الخبيث، وقد قيل في تفسير الدواء الخبيث في الحديث بأنه النجس الحرام، أو ما تنفر عنه الطباع، وقد فسر الخطابي الدواء الخبيث، فقال: قد يكون خبثه لنجاسته، فقد يصف الأطباء بعض الأبوال وعذرة بعض الناس لبعض العلل، وهي كلها خبيثة نجسة، وتناولها محرم(24)، فدل هذا الحديث على حرمة التداوي بأبوال الحيوانات عامة لأنها نجسة أو تعافها النفس، وهي على كلا الحالين خبيثة.

تأول النووي والبيهقي هذا الحديث بما تأولاه به من قبل، وتعقب الشوكاني قول البيهقي بما تعقبه به قبلاً.

ثانياً: قول الصحابي:

روي عن ابن مسعود } قال: "إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم"، وفي رواية أخرى "إن الله تعالى لم يجعل في رجس شفاء"(25).

وجه الدلالة منه:

نفى عبدالله بن مسعود } أن يكون فيما حرمه الله تعالى على هذه الأمة أو في النجس شفاء، فدل على عدم جواز التداوي بالمحرم (ومنه بول الإبل الذي يحرم تناوله حال الاختيار باتفاق الفقهاء)، كما دل على عدم جواز التداوي بالنجس (ومنه البول عند من يقولون بنجاسة الأبوال عامة، سواء كانت من مأكولة اللحم أو من غيرها، وهو قول جابر بن زيد والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وحماد بن أبي سليمان وأبي حنيفة وأبي يوسف، وجمهور الشافعية)(26)، وقول ابن مسعود هذا لا يكون منه إلا عن توقيف؛ لأنه لا مدخل للرأي فيه.

تأول ابن عابدين والبابرتي هذا الأثر:

قالا: إن قول ابن مسعود هذا يحتمل أن يكون قد صدر عنه في داء عرف له دواء غير المحرم؛ لأنه حينئذ يستغنى بالحلال عن الحرام، ويجوز أن يقال: تنكشف الحرمة عند الحاجة، فلا يكون الشفاء بالحرام، وإنما يكون بالحلال(27).

ثالثاً: المعقول:

إن هذه الأبوال لا يتيقن الشفاء في تناولها، فلا يعرض عن الحرمة(28).

المناقشة والترجيح:

بعد استعراض المذهبين في هذه المسألة، وما استدل به لهما، وما اعترض به على بعض هذه الأدلة، وما أجيب به على بعض هذه الاعتراضات، وما تأول به العلماء بعض هذه الأدلة، فإنه يترجح في نظري مذهب القائلين بحل التداوي بأبوال الإبل، إذا لم يوجد طاهر يقوم مقامها في التداوي به، ووصفها للمريض طبيب مسلم عدل ثقة حاذق بالطب، أو كان المتداوي عارفاً بالطب، يعرف أنه لا يقوم غير بول الإبل مقامه في المداواة، أو يعرف ذلك من تجربة سابقة له مع المرض؛ وذلك لما استدل به أصحاب هذا المذهب؛ ولأن التداوي بأبوال الإبل كان نافعاً لما أصاب العرنيين من مرض، فوصف لهم رسول الله { ما ألفوه أو ما يناسب مرضهم، فقد كانت هذه الإبل ترعى الشيح والقيصوم، وأبوال الإبل التي ترعى ذلك تدخل في علاج نوع من أنواع الاستسقاء(29)؛ ولهذا قال ابن العربي: "أما أبوال الإبل فإنما دلهم عليها؛ لما فيها من الحرافة، وفيها منفعة لأدواء البطن وخاصة الاستسقاء، وفي الحديث أنهم اجتووا المدينة، والجوي داء البطن، فكان بول البعير من منافعه"(30)، بل تذكر بعض الروايات أنهم طلبوا من رسول الله { الخروج إلى اللقاح، فقالوا: "يا رسول الله قد وقع هذا الوجع(31)، فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل"(32)، فإذنه لهم بالخروج إليها لشرب أبوالها وألبانها قد جاء بناء على طلبهم؛ لما ألفوه من التداوي بمثل ذلك.

وما استدل به أصحاب المذهب الثاني على حرمة التداوي بأبوال الإبل، من حديثي أم سلمة وأبي الدرداء، فلا يفيدهم فيما ذهبوا إليه؛ وذلك لما أورده بعض العلماء على الاستدلال بهما، وما تأول به بعضهم هذين الحديثين، بما يفيد حل التداوي بالمحرم إذا دعت إليه الضرورة أو الحاجة، كما تأول بعض العلماء حديث أبي هريرة وأثر ابن مسعود، ولا يشترط لجواز المداواة بهذه الأبوال تيقن الشفاء بتناولها كما قالوا في معقولهم، وإنما يكفي في ذلك غلبة الظن؛ إذ ليس ثمة دواء يقطع بالشفاء من تناوله، فمجرد غلبة ظن الشفاء بتناول البول كافية لإباحة التداوي به، إذا لم يوجد مباح يقوم مقامه في التداوي، ووصفه طبيب مسلم عدل ثقة، أو كان المريض يعلم نفعه له لمعرفته بالطب، أو من تجربة سابقة له مع المرض.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

الهوامش:

0000000000000

1- الهداية والعناية (101/1،102)، نتائج الأفكار (81/8)، رد المحتار (215/5،216)، الطوري: تكملة البحر الرائق (233/8)، ابن رشد الجد: البيان والتحصيل (323/18)، رد المحتار (215/4)، النووي: المجموع (50/9،51)، النووي: روضة الطالبين (285/3)، الشربيني: مغني المحتاج (188/4)، الأنوار لأعمال الأبرار (518/2)، حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم (302/2)، كشاف القناع (189/6،200)، فتاوى ابن تيمية (562/21)، المحلى (168/1،175) مصنف عبدالرزاق (259/9)، صحيح البخاري (23/4)، عون الباري (436/1)، الشوكاني: نيل الأوطار (50/1)، (93/9).

2- الهداية (مع فتح القدير) (101/1،102)، نتائج الأفكار (81/8)، المجموع (50/9)، روضة الطالبين (285/3).

3- الرهط: هم جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة، وعرينة: حي من بجيلة، والجوى: هو داء السل، وتطاول المرض، ويطلق على داء الصدر، واجتواه، أي كرهه، واجتووا المدينة: أي أصابهم الجوى وهو داء الجوف إذا تطاول، أو كرهوا الإقامة بها واستوخموها، أو لم يوافقهم طعامها، وارتهست أعضادنا: أي اصطكت، والحرة: أرض ذات حجارة سود بظاهر المدينة المنورة، تبدو وكأنها أحرقت بالنار (عمدة القارئ 234/21، عون الباري 435/1، شرح النووي على صحيح مسلم 154/11، الفيروز آبادي: القاموس المحيط- 708 - رهس)، والحديث أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين (صحيح البخاري 9/4، صحيح مسلم 154/11-156).

4- المحلى (175/1).

5- عمدة القارئ (33/3-34)، الهداية (102/1).

6- نيل الأوطار (49/1).

7- عون الباري (436/1).

8- عمدة القارئ (33/3).

9- المصدر السابق (34).

10- أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأخرجه البيهقي في سننه وسكت عنه، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في معجمه الكبير ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، غير حسان بن مخارق فقد وثقه ابن حبان، وأخرجه ابن حزم في المحلى وقال: في سنده سليمان الشيباني وهو مجهول (ابن بلبان: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 69/10، المستدرك 218/4، السنن الكبرى 5/10، مجمع الزوائد 86/5، عمدة القارئ 34/3، المحلى 175/1-176).

11- أخرجه البيهقي وأبو داود في سننيهما وسكتا عنه، وقال الشوكاني: في إسناده إسماعيل بن عياش، وفيه مقال كما قال المنذري، ولكن إذا حدث عن أهل الشام فهو ثقة، وقد حدث هنا عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي، وهو شامي، عن أبي عمران الأنصاري، وهو أيضاً شامي، وأخرجه الطبراني في الكبير عن أم الدرداء ترفعه، وقال الهيثمي: رجاله ثقات (البيهقي: السنن الكبرى 5/10، الطبراني: المعجم الكبير 254/24، مجمع الزوائد 86/5، سنن أبي داود 335/3، نيل الأوطار 93/3).

12- السنن الكبرى (5/10).

13- المحلى (176/1-177).

14- نيل الأوطار (49/1).

15- عمدة القارئ (34/3).

16- الذرب: فساد المعدة، والمرض الذي لا يبرأ، والحديث أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير وعبدالرزاق في مصنفه من حديث ابن عباس عن النبي {، وذكره ابن حجر في فتح الباري وقال: أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعاً إلى النبي {، وكذا ذكره الشوكاني، وقال الهيثمي: في سنده ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. (المعجم الكبير 238/12، مجمع الزوائد 88/5، مصنف عبدالرزاق 259/9، ابن حجر: فتح الباري 143/10، نيل الأوطار 61/1).

17- نيل الأوطار (49/1-50).

18- المجموع (51/9،53).

19- السنن الكبرى (5/10).

20- نيل الأوطار (94/9).

21- عمدة القارئ (34/3، نيل الأوطار (49/1-50)، محمد شمس الحق، عون المعبود (352/10).

22- رد المحتار (249/5).

23- المصدر السابق (215/4).

24- عون المعبود (7/4).

25- أخرجه ابن حزم بسنده في المحلى (215/9).

26- الهداية والعناية (101/1،102) الشيرازي: المهذب (46/1)، المحلى (222/1،239،240)، عمدة القارئ (33/3).

27- العناية (500/8)، رد المحتار (215/4).

28- الهداية (102/1).

29- عمدة القارئ (33/3).

30- عارضة الأحوذي (197/8).

31- يراد بالوجع هنا: الموم الذي وقع بالمدينة عند نزولهم إليها، والموم: هو البرسام، وهو نوع من اختلال العقل، ويطلق على ورم الرأس وورم الصدر، وأصل اللفظة فارسية، وقيل: الموم: هو الجدري الكثير المتراكب، وقيل: هو أشد الجدري، والموم بالفارسية: هو الجدري الذي كله قرحة واحدة، وقيل: هو بثر أصغر من الجدري، وقيل: غير ذلك (ابن منظور: لسان العرب 4301/6، الزبيدي: تاج العروس 70/9 - موم).

32- عون الباري (434/1).

-------------------------

هل يجوز بناء مسجد في قطعة مجاورة لمقبرة كفار تجاه القبلة؟

الحمد لله.

أولاً:

الأصل أن لا يجمع بين المسجد والقبر أوالقبور، خاصة إذا كانت هذه القبور لمن يعتقد فيهم، وذلك للأدلة الآتية:

1. ما خرجه مسلم في صحيحه عن أبي مرثد الغنوي قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها".

2. وما خرجه الشيخان عن أبي هريرة يرفعه: "قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

3. ولما خرجه الشيخان عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما قالا: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يحذر ما صنعوا.

قال النووي: (اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء كان الميت مشهوراً بالصلاح أوغيره لعموم الأحاديث، قال الشافعي والأصحاب: وتكره الصلاة إلى القبور سواء كان الميت صالحاً أوغيره).

ثانياً:

  إذا كان القبر سابقاً للمسجد فلا تصح الصلاة فيه أبداً إلا أن يزال القبر أوالقبور.

وإن كان المسجد سابقاً للقبر ينبش القبر ويحول، وإن لم يتمكن من ذلك نظر.

فإن كان القبر إلى جهة القبلة لا تصح الصلاة فيه في أرجح قولي العلماء، وذهب مالك إلى جواز الصلاة فيه إن كان محاطاً بجدران.

وإن كان لغير القبلة فأحيط بجدران جوَّز الصلاة فيه بعض أهل العلم، ومنع من ذلك بعضهم، منهم أحمد، هذا إن لم يكن هناك بديل، أما إذا كان هناك بديل لزم الذهاب إليه.

ثالثاً: أما ما يتعلق بالسؤال:

إن كانت هناك إمكانية للحصول على قطعة أخرى أواستبدالها لزم ذلك إن لم يكن مرهقاً، فمن يتقي الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.

وإن لم تكن هناك إمكانية لإيجاد بديل غيرها، وكانت المقبرة مسورة، فُصل بينها وبين المسجد بفاصل، حبذا لو كان هذا الفاصل في شكل مثلث رأسه إلى جهة المسجد، هكذا:

ويمكن الاستفادة من ذلك في أي غرض من الأغراض، كما فعل بالحجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام عندما أدخلت في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك، بعد موت الصحابة.

قال ابن القيم في نونيته:

فأجاب ربُّ العالمين دعاءه                 وأحاطه بثلاثة  الجـدران

حتى غدت أرجاؤه  بدعائه                في عزة وحماية و صيان

وذلك لأن الضرورات تبيح المحظورات.

هذا بجانب أن مقابر الكفار لا يرجى التعلق بها.

والله أعلم، فإن أصبتُ فمن الله وله الحمد والمنة، وإن أخطأتُ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان مما قلت.

0000000000000000000000

الفتاوى المهمة فيمن تحلُّ لهم الزكاة الواجبة ومن لا تحلُّ من الأمة

لا شك أن مصارف الزكاة الواجبة معلومة معروفة، فقد بينها ربنا أوضح بيان، وفصلها رسولنا صلى الله عليه وسلم وزادها  تبياناً.

قال تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم".

فيجوز دفع الزكاة لأي صنف من هذه الأصناف الثمانية، بل لأفراد صنف واحد، واستحب أهل العلم أن تشمل الزكاة كل هذه الأصناف مع تقدير الحاجات وتقديم المهمات.

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مِرَّة قوي".

وفي الجملة فإن الزكاة الواجبة لا تعطى لـ:

1.  كافر أومشرك.

2.  مبتدع معلن لبدعته وداع لها، أما غير المعلن والداعي فيمكن أن يعطى منها.

3.  فاسق مجاهر بفسقه وفجوره، أما مستور الحال فيعطى منها.

4.  تارك الصلاة المصرُّعلى تركها.

5.  آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرفهم ومكانتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا إن كان أحدُهم من العاملين عليها.

6.  لغني، والغني هو من كان يملك النصاب، وهو ما زاد على المليونين من الجنيهات السودانية.

7.  قوي واجد للعمل، أما إن لم يكن واجداً للعمل فيعطى منها.

وبالنسبة للشخص المعين فإنه لا يعطي زكاته الواجبة عليه لهؤلاء:

1.  لأصوله، وتشمل الجدود والجدات من قبل الأبوين وإن علوا.

2.  لفروعه، وتشمل الأبناء والبنات وإن نزلوا.

3.  لزوجته.

4.  لكل من تجب عليه نفقتهم.

السنة أن يميز هؤلاء في دفع الزكاة على غيرهم من الفقراء:

1.  المجاهدون، والمرابطون، والغزاة، والمأسورون، وذووهم.

2.  الأهل والأقارب.

3.  الدعاة إلى الله.

4.  طلاب العلم الشرعي.

5.  الجيران.

6.  أهل بلده.

لكن هناك نوازل وملمات تحتاج إلى نظر واجتهاد قد تغيب على كثير من الناس، فتعين التنبيه عليها وخصها بالذكر، وإفرادها بالفتوى، وما يتعلق بها ممن يعطى ومن لا يعطى من الزكوات.

من تلك النوازل، وهذه الملمات، على سبيل المثال لا الحصل ما يأتي:

س1. ما الذي ينبغي أن يحذر منه المزكي في إخراج زكاته؟

ج1. ينبغي عليه أن يحذر الآتي:

أن يحابي بها قريباً أوصديقاً على حساب من هم أشد فقراً وحاجة من أقربائه، فالفقراء هم شركاء أرباب المال، فإن كانت حاجة القريب مثل حاجة الأجنبي فالقريب أولى، أما إن كانت حاجة الأجنبي أشد قدِّم على القريب.

أن يدفع بها مذمة عن نفسه، أولمن يقطع بها لسانه عنه.

أن يقي بها ماله.

وليعلم أنه وكيل في إخراج زكاته، وعلى الوكيل أن ينفذ وصية موكله.

قال الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة رحمهما الله: كانوا يقولون: لا يحابي بها قريباً، ولا يدفع بها مذمة، ولا يقي بها ماله.

ومن صور دفع المذمة عن النفس ووقاية المال دفع زكاته لمن يعملون عنده من الموظفين، والعمال، والفقراء، والحراس، أودفع الزكاة لمن يخشى ضررهم، وشرهم، وسطوهم على محاله التجارية، ونحو ذلك.

س2. هل يجوز للمرء دفع زكاته لوالديه وإن علوا أوأحدهما إن كانا غارمين؟

ج2. قولان لأهل العلم: الجواز والمنع، والأظهر الجواز، خاصة إن لم يكن قادراً على إعانتهما في هذا الغرم من غير الزكاة، والله أعلم.

س3. من كان له دَيْن على معسر، هل يجوز خصم هذا الدين من الزكاة؟

ج3. لا يجوز، وله أن يعطيه من زكاته ولكن لا يشترط عليه أن يسدد له بها دينه أوبعضه، اللهم إلا أن يعطيه عن طواعية.

وله أن يسقط من زكاته زكاة الدين الهالك أوعلى المعسر.

س4. هل يجوز للمزكي أن يرسل زكاته إلى أقاربه المحتاجين في غير البلد الذي يعيش فيه؟

ج4. نعم، يجوز نقل الزكاة في حالات، هي:

1.   إذا اكتفى أهل البلد.

2.   أوكان أهله وأقاربه أكثر حاجة ممن يعيش بين ظهرانيهم.

3.   للمجاهدين في سبيل الله والمرابطين ولذويهم أينما كانوا.

س5. هل يجوز للمرء دفع الزكاة للأقارب المحتاجين الذين لا تلزمه نفقتهم؟

ج5. نعم يجوز سواء كانت قرابتهم قريبة أم بعيدة، كالإخوان والأخوات وغيرهم.

س6. إذا عجز الإنسان عن نفقة من تجب عليه نفقتهم هل يجوز له أن يعطيهم من زكاته؟

ج6. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الأقوى جواز دفعها إليهم في هذه الحال، لأن المقتضى موجود، والمانع مفقود، فوجب العمل بالمقتضى السالم من المعارض المقاوم).

س7. إن كان الولد مَدِيناً ولا وفاء له هل يجوز له أن يأخذ من زكاة أبيه؟

ج7. نعم، يجوز له ذلك.

س8. هل يجوز دفع الزكاة للمساجد، ولتجهيز الموتى، وإعداد المقابر؟

ج8. لا، لا يجوز أن يدفع شيء من الزكاة الواجبة لشيء من ذلك، وعلى المسلمين أن يتبرعوا لهذه الأعمال من غير الزكاة، فوجوبها عليهم وجوب كفائي إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثموا.

س9. هل تعطى الزكاة لتارك الصلاة مع إقراره بوجوبها عليه؟

ج9. لا، لا يجوز أن يُعطى تارك الصلاة كسلاً من الزكاة شيئاً، ومن أعطاه منها لا تجزئ عنه، اللهم إلا إذا وعده بالصلاة وأراد أن يتألفه بذلك، لأن تارك الصلاة كسلاً كافر كفراً مخرج من الملة في أرجح قولي العلماء.

س10. هل يجوز إعطاء الزكاة لرجل فقير له ولد غني لا ينفق عليه وهو يتعفف عن سؤاله؟

ج10. نعم يجوز، لأن نفقة الوالد على ولده لا تجب إلا بالحكم، فإذا ترك الطلب كان كمن لم يكن له ولد.

س11. هل يجوز للولد إعطاء قدر من زكاته لوالديه الفقيرين وإن علوا ولمن يعولون إن كان عاجزاً عن الإنفاق عليهم من غير الزكاة؟

ج11. نعم يجوز، شريطة أن لا يحرم من هم أشد حاجة منهم، والله أعلم.

س12. متى تجب الزكاة على شريك في زراعة أومضاربة؟

ج12. لا تجب على الشريك زكاة حبوب ولا مال إلا إذا كان نصيبه وحده بلغ النصاب.

س13. المزارع الذي استوعبت الديون كل إنتاجه ولم يبق له إلا جوال أونصف جوال هل عليه زكاة؟

ج13. لا، ليس عليه زكاة لا للدولة ولا لغيرها، ويترك ما بقي له، فالراجح من قولي العلماء أن الدَّين يسقط زكاة جميع الأموال، والله أعلم.

س14. هل تعطى الزكاة إلى المعتوهين والمجانين؟

ج14. نعم، يجوز أن تعطى لأوليائهم الذين ينفقون عليهم إن كانوا فقراء، أما إن كان أولياؤهم أغنياء فلا يعطوا من الزكاة.

س15. هل يجوز إعطاء الزكاة للموظف والعامل إن كان معاشه لا يكفيه وعياله؟

ج15. نعم يجوز أن يعطوا من الزكاة لأنهم في عداد الفقراء.

س16. كم أكبر قدر يدفع من الزكاة للفقير؟

ج16. ما كان دون النصاب، والنصاب في السودان الآن حوالي مليونين ومائة ألف تقريباً، فيمكن أن يعطى أقل من المليونين.

س17. إلى متى تجب نفقة الآباء على الأبناء، والبنات، والإخوان، والأخوات؟

ج17. تجب نفقة الأبناء والإخوان لمن له إخوان ينفق عليهم إلى البلوغ، ويستحسن إلى التخرج، فما زاد على ذلك فهو فضل؛ أما البنات والأخوات فينفق عليهن إلى الزواج، وكذلك إذا طلقت إحداهن أومات زوجها عادت نفقتها إلىأبيها، أوأخيها، أوعمها، أوأحد أوليائها من العصبة، إلا إذا كانت غنية أولها من ينفق عليها من أبنائها.

س18. هل يجوز للمرء صرف زكاته كلها لأخته الفقيرة أوأخيه الفقير ممن لا تجب عليه نفقتهم؟

ج18. نعم يجوز وتجزئ عنه.

س19. هل يجوز إعطاء الزكاة لمن غلب على ظنه أنه يصرفها في معصية الله؟

ج19. لا يجوز، وإن أعطاه والحال هكذا لا تجزئ عنه، وعليه أن يعيد إخراجها.

س20. هل تجب التسوية بين الأقارب الفقراء؟

ج20. لا تجب التسوية بينهم في إعطاء الزكاة والتفرقة تكون حسب حاجتهم وتدينهم، فمن كان أكثر ديانة وحاجة قدِّم على غيره، ولا يُحرم الغير.

س21. كيف التوفيق بين الأقارب والأباعد الفقراء في الزكاة؟

ج21. لا شك أن الأقارب المحتاجين يقدمون على الأباعد الفقراء، ولكن ينبغي أن لا يحرم الفقراء الأباعد محاباة لأقاربه، بل إن كان الفقير البعيد أكثر حاجة من الفقير القريب قدِّم البعيد.

قال الونشريسي المالكي في المعيار المعرب3 وقد سئل هل يسوِّي بين قرابته والفقراء؟ أويؤثرهم؟ أو يفضلهم عليهم؟ وكذا تفضيل بعض قرابته على بعض؟ مجيباً: (اختلف المذهب في ذلك، وأختارُ أن يفضل قرابته ويوسع عليهم، وهو الذي تقتضيه الأحاديث، فإن كان في الزكاة اتساع فيفضل الشقيق على الكلالة، ولا يحرم الآخر، فلا أرى لرب مال أن يخص بزكاته إلا من تيقن أنه من أهل الصلاة، فإن شك فلا يعطيه، فإن فعل أجزأه، والكفارة كذلك، ويعطى الأوسط من الشبع والمعتاد عندهم كان أكثر من مُدٍّ أوأقل، ويعطى معه الإدام4 ؛ وأجاب القيرواني أبو الطيب: إعطاء القرابة أولى عندي ممن يساويهم في الفقر، ويعطي على قلة الزكاة وكثرتها، وإن كان لا يعطف عليهم وليس لهم مرفق فلا بأس بإعطائهم قوت سَنَة، ودفع الزكاة إلى الأصلح حالاً أولى من دفعها لسيء الحال، إلا أن يخشى عليه الموت فيعطى، وإذا غلب على الظن أن المعطى له ينفقها في المعصية فلا يعطى، ولا يجزئ إن وقعت، ومن لا تلزمه نفقته، وليس في عياله ولا عادة برفقه فيجوز له إعطاؤهم، وليجتهد في ذلك، إلا أن يقصد محمدتهم ودفع مذمتهم؛ وأجاب أبوعمران عن مسألة إيثار القرابة إن لم يرجُ محمدتهم ولا دفع مذمتهم وصح ذلك فله الإعطاء كما يعطي أمثالهم من فقرهم وحاجتهم وتعطفهم).

س22. هل يجوز لأحد أن يمسك زكاة أحد أقاربه الفقراء أوغيرهم ويعطيه إياها منجمة مقسطة كل شهر؟

ج22. لا، لا يجوز، بل عليه أن يملكه إياها، فإن ردها إليه وطلب منه أن يقسطها عليه فعل، وإلا فلا.

س23. هل يجوز للمرأة دفع زكاتها لزوجها وأولاده ولو كانوا منها؟

ج23. نعم يجوز، لأن نفقته ليست واجبة عليها، وقد سألت زينب زوجة ابن مسعود رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدفع زكاتها لعبد الله وولده فأجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك.

س24. من هو الفقير الذي يستحق أخذ الزكاة؟

ج24. هو كل من لم يملك نصاب العين أوقيمته من العروض، ونصاب النقدين يساوي مليونين ومائة ألف تقريباً.

س25. ما حكم من يأخذ الزكاة وهو ليس من أهلها؟

ج25. فاسق.

س26. من أولى الناس بالزكاة؟

ج26. المجاهدون والمرابطون والمقاومون للكفار والغزاة وذويهم، سيما في فلسطين، والعراق، وأفغانستان، وكشمير، والشيشان، وغيرها من البلاد.

ينبغي أن يكون لهؤلاء النصيب الأكبر، والحظ الأوفر من أموال الزكاة خاصة في هذا الظرف وفي هذا الشهر المبارك، فهم أحق بها وأولى من غيرهم.

س27. من وعد سائلاً بالزكاة وتأخر عن المجيء فأعطاها لآخرين هل يلزمه أن يعطيه إذا حضر؟

ج27. لا يلزمه شيء إلا أن يتبرع له من ماله.

س28. هل تعطى الزكاة لأيتام تحت كفالة من لا يصلي؟

ج28. نعم تعطى لهم، ولا يعاقبون بجريرة كافلهم.

س29. ما على من أعطى من ادعى الفقر وهو ليس بفقير؟

ج29. ليس عليه شيء وقد برئت ذمته من زكاته، والآخذ آثم.

س30. من هم أولى الناس بالزكاة بعد الغزاة والمرابطين وذويهم؟

ج30. الدعاة إلى الله طلاب العلم الشرعي.

س31. هل يعتد المزكي بما يأخذه ولاة الأمر باسم الزكاة؟

ج31. نعم يعتد به ويُحسب من الزكاة.

س32. هل يجوز دفع الزكاة لمن يريد الزواج ليعف نفسه من غير إسراف ولا تبذير؟

ج32. نعم، يجوز إن كان فقيراً من أهل الزكاة.

س33. هل يجوز لأصحاب الشركات والأعمال أن يدفعوا قدراً من زكاتهم لمن يعملون معهم إن كانوا من أهلها؟

ج33. نعم، يجوز شريطة أن لا تحسب من مكافآتهم، وأن لا يحابيهم بها.

س34. هل يجوز قضاء دَيْنٍ عن ميت من مال الزكاة؟

ج34. نعم، يجوز إن لم يتيسر قضاؤه من تركته أومن عشيرته أوبيت مال المسلمين إن كان هناك بيت مال.

س35. هل يجوز دفع الزكاة لمعلمين في مدارس ومعاهد إسلامية أوخلاوي قرآنية؟

ج35. نعم يجوز إن كان هؤلاء المدرسون من أهل الزكاة.

س36. هل يجوز لأحد أن يشتري ملابس أوغيرها من زكاة ماله ويوزعها على الفقراء بحجة أنهم لا يرشِّدون ما يُدفع إليهم؟

ج36. لا يجوز، بل الفقراء هم شركاء الأغنياء في أموالهم، فعليهم أن يدفعوا إليهم الزكاة عيناً، ولهم أن يُرْشِدُوهم لما فيه خيرهم وصلاحهم من غير إلزام لهم.

س37. هل يجوز أن تبنى مساكن من مال الزكاة للفقراء؟

ج37. لا يجوز، وإنما يعطى الفقراء المال وينفقونه فيما يحتاجون إليه، فرب المال ليس وصياً على الفقراء وكذلك ديوان الزكاة.

س38. هل يلزم المزكي أن يخبر الفقير أن ما يعطيه إياه زكاة؟

ج38. لا، لا يلزم ذلك وإنما تكفي نية المزكي.

س39. هل تخصم التبرعات للهيئات الخيرية وللمجاهدين ونحوهم من الزكاة؟

ج39. لا، لا تحسب من الزكاة، فالزكاة تفتقر إلى نية وإلى توفر شروط وجوبها.

س40. هل يحق لشخص، أوهيئة، أوولي أمر، استثمار أموال الزكاة؟

ج40. لا، لا يحق ذلك، وأهل الزكاة في أمس الحاجة إليها الآن وهم يتجولون في المساجد ويتسولون الناس في الاسواق والحافلات وغيرها.

س41. هل يجوز للإنسان أن يوكل غيره لإخراج الزكاة لمستحقيها؟

ج41. نعم، يجوز ذلك لفرد أوهيئة إذا كان يثق بصدقها وأمانتها وبقيامها بالواجب.

س42. هل يجوز للوالد دفع قدر من زكاته لأولاده الفقراء وبناته الفقيرات ممن لا تجب عليه نفقتهم؟

ج42. نعم يجوز إن لم يستطع أن يعينهم من غير الزكاة.

س43. إذا نقلت الزكاة من بلد إلى بلد، وكانت حبوباً مثلاً، فهل أجرة النقل تكون من الزكاة؟

ج43. أجرة نقل الزكاة لا تكون منها، وإنما على صاحبها أوغيره إن تكفل بذلك.

س44. هل يحل لأحد أن يخصم الرسوم والضرائب التي تجبيها الدولة من الزكاة؟

ج44. لا، لا يحل ذلك أبداً إلا ما أخذ باسم الزكاة.

س45. هل يجوز تقديم الزكاة السَّنَة والسَّنتين لمن كانت واجبة عليه ودفعها كرواتب شهرية لمن يستحقونها من الأقارب وغيرهم؟

ج45. نعم يجوز، وقد استدان رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة سنتين من عمه العباس رضي الله عنه.

س46. هل تجزئ الزكاة لمن دفعها لمن ظنه أنه من أهلها ثم بان أنه من غير أهلها؟

ج46. نعم تجزئ عنه وتبرأ ذمته بذلك.

س47. من قدم زكاة ماله، فمات المدفوع إليه قبل حولان الحول، هل تجزئ الزكاة عن مخرجها؟

ج47. لا، لا تجزئ عن مخرجها، فعليه أن يردها من ورثته إن لم يكونوا من أهل الزكاة، أويخرج غيرها.

س48. من كان يعيش في بلد لا يوجد فيه أحد من أهل الزكاة؟

ج48. أرسلها إلى البلاد التي تتوفر فيها هذه الأصناف.

س49. مَنْ أُعطى من الزكاة لغرم عليه مثلاً، هل يجوز له أن يصرف ما أخذ في غير الوجه الذي أعطي من أجله؟

ج49. قولان لأهل العلم، الراجح منهما أنه لا يجوز له صرفه في غير الوجه الذي أعطي من أجله، فالقسم الأول من مصارف الزكاة وهم: الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم لهم أن يصرفوا ما أعطوا من الزكاة فيما شاءوا، أما القسم الثاني وهم: في الرقاب، والغارمون، وفي سبيل الله، وابن السبيل فلا يصرفون ما أخذوا إلا في هذه الأوجه خاصة.

س50. هل الدعوة إلى الله تدخل في مصرف "في سبيل الله"؟

ج50. هذا ما أجازه مجلس مجمع الفقه الإسلامي بالمملكة العربية السعودية بالأكثرية، في جلسته فيما بين 27/4/ 1405ﻫ - 8/5/ 1405هـ، وهو الراجح، والله أعلم.

س51. إذا عزل المرء زكاته فتلفت أوسُرقت قبل أن يستلمها أصحابُها أومن ينوب عنهم؟

ج51. عليه غرمها والله يخلف عليه ويعوضه ما تلف أوسرق، سواء فرَّط فيها أم لم يفرِّط.

س52. من وجبت عليه شاة، أوعجل، أوجوال ذرة، أوخمسة جرامات من الذهب مثلاً في الزكاة، هل يجوز له أن يبيع ذلك ويوزع ثمنه على الفقراء؟ أويذبح ذلك ويوزع لحمها على الفقراء؟

ج52. لا، لا يجوز له، فإن فعل لم تجزئ عنه، لأنه ليس وصياً عليهم وإنما هو وكيل في المال.

س53. هل يعتد المزكي بما كان أعطاه للفقراء والمساكين أثناء الحول؟

ج53. لا، لا يعتد بذلك، وما أعطاه من قبل يكون تطوعاً.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

00000000000000000000

بِمَ يدرك المسبوقُ صلاةَ الجمعة؟

ذهب أهل العلم في ذلك مذاهب، هي:

الأول: تدرك صلاة الجمعة بإدراك الركوع المجزئ للركعة الثانية منها، والركوع المجزئ هو أن يكبر تكبيرة الإحرام قائماً ثم يكبر للركوع ويستوي راكعاً، واضعاً كفيه على ركبتيه، فمن أدرك ركوع الثاية صلى إليها أخرى بعد سلام الإمام وتمت جمعته.

وهذا مذهب جمهور أهل العلم وأكثرهم، فمن الصحابة ابن مسعود، وابن عمر، وأنس بن مالك، ومن التابعين وتابعيهم: سعيد بن المسيب، والحسن البصري، والأسود، وعلقمة، وعروة بن الزبير، والنخعي، والزهري، والأوزاعي، والثوري، ومن الأئمة: مالك، والشافعي، وأبو يوسف، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر؛ وهذا هو القول الراجح، ودليله:

1. ما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة".

2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه كذلك يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الجمعة فليصلِّ إليها أخرى".

الثاني: لا تدرك الجمعة إلا بإدراك الخطبة، وهذا ما ذهب إليه عطاء، وطاوس، ومجاهد، ومكحول، وحُكي مثله عن عمر بن الخطاب؛ وعلى هذا القول من لم يدرك الخطبة صلى الظهر أربعاً بعد سلام الإمام.

الثالث: تدرك الجمعة بإدراك التشهد مع الإمام، فمن أدرك التشهد قام وصلى ركعتين بعد سلام الإمام، فمن أحرم قبل سلام الإمام فقد أدرك الجمعة؛ وهذا مذهب الحكم، وحماد، وأبي حنيفة.

الرابع: تدرك الجمعة بعد سلام الإمام إذا أدركه في سجود السهو مثلاً، وذهب إلى هذا كذلك أبوحنيفة وصاحباه: زفر ومحمد بن الحسن، والشعبي.

والمذهبان الثاني والثالث مرجوحان، والرابع شاذ، ولا تستند كلها على دليل، والراجح هو المذهب الأول لقيام الدليل عليه.

أقوال العلماء

قال النووي رحمه الله عن مذاهب العلماء فيما يدرك به المسبوق الجمعة: (ذكرنا أن مذهبنا أنه إن أدرك ركوع الركعة الثانية أدركها وإلا فلا، وبه قال أكثر العلماء، وحكاه ابن المنذر يعني عمن سبق ذكرهم).

وقال ابن قدامة في الكافي: (قال أحمد: من أدرك التشهد أتمها جمعة)، وهذه تعتبر رواية ثانية لأحمد.

وقال البلباني الحنبلي في مختصره: (ومن أدرك مع الإمام ركعة أتمها جمعة).

قال الجبرين في شرح ما قاله البلباني: (أي وتدرك الجمعة بإدراك ركعة كاملة، فمن أدرك مع الإمام ركعة أتمها جمعة، أما إذا جاء والإمام قد رفع من الركوع في الركعة الثانية فعليه أن يصليها ظهراً لفواتها، هذا هو القول الصحيح، وهناك قول آخر لبعض العلماء بإتمامها جمعة ولو لم يدرك إلا التشهد، ويقولون إنه أدرك ما يسمى جمعة).

ماذا ينوي من لم يدرك ركوع الثانية؟

قولان لأهل العلم، هما:

1.  ينوي الجمعة موافقة للإمام.

2.  ينوي الظهر.

فمن يرى أن الجمعة تدرك بالدخول مع الإمام قبل السلام قال ينوي الجمعة، ومن يرى أنها لا تدرك بذلك قال ينوي الظهر.

قال النووي: (قال الشافعي والأصحاب: إذا أدرك المسبوق ركوع الإمام في ثانية الجمعة بحيث اطمأن قبل رفع الإمام عن أقل الركوع كان مدركاً للجمعة، فإذا سلم الإمام أتى بثانية وتمت جمعته، وإن أدركه بعد ركوعها لم يدرك الجمعة بلا خلاف عندنا، فيقوم بعد سلام الإمام إلى أربع للظهر، وفي كيفية نية هذا الذي أدركه بعد الركوع وجهان، حكاهما صاحب البيان وغيره:

أحدهما: ينوي الظهر لأنها التي تحصل له.

وأصحهما: وبه قطع الروياني في الحِلية وآخرون، وهو ظاهر كلام المصنف والجمهور ينوي الجمعة موافقة للإمام.

ولو أدرك الركوع وشك هل سجد مع الإمام سجدة أم سجدتين؟ قال الشافعي، والشيخ أبو حامد، والبندنيجي، والروياني في الحِلية وغيرهم: إن كان شك قبل سلام الإمام سجد أخرى وأدرك الجمعة، وإن كان بعده سجد أخرى وأتم الظهر لا تحصل الجمعة قطعاً).

وقال الشيخ عبد الله الجبرين: (والجمهور على أنه إذا فاتته الركعتان فإنه يدخل معهم بنية الظهر، إذا كان قد دخل وقت الظهر، فيصلي معهم ويقوم فيأتي بأربع).

تنبيه

اعلم أخي الكريم أنه ليس كل خلاف يُستراح له ويُعمل به، وإنما الخلاف المعتبر ما قام على الدليل من كتاب أوسنة أوإجماع، وأن العالم مهما كانت منزلته يُؤخذ من قوله ويُترك، ولا يقلد في كل ما يقول، وأنه لا يحل لأحد أن يتخير من أقوال أهل العلم ما تشتهيه نفسه، فإن فعل ذلك كان متبعاً لهواه غير متبع لمحمد صلى الله عليه وسلم.

والله الموفق لكل خير والهادي إلى سواء السبيل.

---------------------

حكم صندوق أوجمعية الموظفين والعمال وغيرهم

درج كثير من الموظفين والعمال في الوزارات، والمصالح الحكومية، والمدارس، والشركات، وغيرها، رجالاً ونساء في الدائرة الواحدة في أول السنة أن يتفق بعضهم على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً معيناً قليلاً كان أم كثيراً من راتبه، على أن يدفع في كل شهر لأحدهم حسب حاجته وظرفه الذي يوضحه لأعضاء الجمعية ويقنعهم به، حتى تدور النوبة على جميع أعضاء الصندوق أوالجمعية.

وما فتئ كثير من الناس هذا دأبهم، وما فتئ الناس يستفتون في هذا الأمر، والمفتون لهم بين محلل ومحرِّم لذلك.

دليل وعمدة من يحرم الجمعية أوالصندوق القاعدة الفقهية المشهورة: "كل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا"، ودليل المجيزين للجمعية أن فيها تعاوناً على البر والتقوى، ومساعدة وإعانة لأصحاب الدخل المحدود في تحقيق ما يريدون تحقيقه من أعمال طيبة، كالزواج، أوسداد دين عليه، ونحو ذلك.

لقد سُئلت عن ذلك كثيراً، ولم يخالجني الشك قط في جوازها في يوم من الأيام، وقد ناقشت بعضاً ممن يذهبون إلى عدم حلها وليس لهم دليل فيما ذهبوا إليه إلا تلك القاعدة السالفة.

وفي الحقيقة فإن تلك القاعدة ليس فيها أدنى دليل لتحريم الجمعية، لأن القاعدة تحرم الفائدة على المقرض، وليس على المقترض، نحو أن يقرض شخص شخصاً آخر مبلغاً من المال على أن يشتري من دكانه، أوعلى أن يستأجر حافلته، أوأن يدرس له ولده دروساً خاصة، أوأن يشفع له لقضاء غرض من الأغراض.

أما في الجمعية فإن القارضين هم المحسنون إلى المقترض والمتفضلون عليه بإعطائه الصرفة الأولى أوالثانية أوالأخيرة مثلاً حسب حاجته إليها، فأي فائدة نالها المقرضون؟ أما المقترضون فهم المستفيدون.

وبهذا أفتت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بالأكثرية.

قـال الشيـخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبـرين حفظه الله عن حكم الجمعية هذه: (منعها بعض المشايخ، منهم صالح بن فوزان وغيره، ثم عُرضت على هيئة كبار العلماء فأصدروا فيها فتوى بالجواز، والجمهور أوالأكثرية من أعضاء الجمعية وافقوا على ذلك، ثم إن بعض الذين خالفوا لم يوقعوا، وكتبوا: أنا مخالف، أوأنا متوقف، ولم يعتبروا خلافهم وعللوا بأن فيها منفعة).

على المشاركين في الجمعية أن ينووا بها التعاون على البر والتقوى وقضاء حوائج المحتاجين، فالأعمال بالنيات، ويحذروا الامتنان والمكر والمماطلة في سداد ما أخذوا من أموال، وعليهم أن ينووا بذلك القرض الحسن لينالوا ما وعد به نبيهم المقرضين: "ما من مسلم يُقرضُ مسلماً مرتين إلا كان كصدقتها مرة"، وما وعد به الميسِّرين: "من يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة".

لهذا قال بعض أهل العلم: إن أجر القرض أعظم من أجر الصدقة.

هذا كله فيمن يقترض وهو محتاج وينوي السداد، أما من يقترض وهو ينوي عدم السداد والمكر، وإتلاف مال العباد، فلن يبارك الله له ولا عليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسل

000000000000000000000000

ما حكم المشي بالنعال في المقابر؟

لأهل العلم في ذلك قولان هما:

1. يُستحب خلع النعلين إلا من ضرورة، نحو شوك أونجاسة، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، وذلك لحديث بشير بن الخَصَاصية قال: "بينا أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل يمشي في القبور، عليه نعلان، فقال: يا صاحب السِّبْتِيِّتين ألق سِبْتِيَّتيك؛ فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما".

قال ابن قدامة رحمه الله: (قال أحمد: إسناد حديث بشير بن الخصاصية جيد، أذهب إليه إلا من علة)، أي علة تدعو للبسهما كشوك ونحوه.

2. لا يكره المشي بالنعال في المقابر، وهذا مذهب الجمهور ومشهور مذهب الشافعي ومن وافقه، واحتجوا بما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العبد إذا وُضِع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه" الحديث، وليس بظاهر الدلالة، وتأولوا حديث ابن الخصاصية بتأويلات متعسفة وغير مرضية.

قال الإمام النووي رحمه الله: (المشهور في مذهبنا أنه لا يكره المشي في المقابر بالنعلين والخفين ونحوهما، ممن صرح بذلك من أصحابنا الخطابي، والعبدري، وآخرون، ونقله العبدري عن مذهبنا، ومذهب أكثر العلمـاء، قـال أحمـد بن حنبـل رحمه الله: يكـره، وقال صاحب الحـاوي: يخلع نعليه لحديث بشير بن الخصاصية.

إلى أن قال: واحتج أصحابنا بحديث أنس.. وأجابوا عن الحديث الأول بجوابين (أحدهما) وبه أجاب الخطابي أنه يشبه أنه كرههما لمعنى فيهما، لأن النعال السبتية بكسر السين هي المدبوغة بالقرظ، وهي لباس أهل الترفه والتنعم، فنهى عنهما لما فيهما من الخيلاء، فأحب صلى الله عليه وسلم أن يكون دخوله المقابر على زي التواضع ولباس أهل الخشوع.

و(الثاني) لعله كان فيهما نجاسة، قالوا: وحملنا على تأويله الجمع بين الحديث).

وقال ابن قدامة: (وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأساً، قال جرير بن حازم: رأيت الحسن، وابن سيرين يمشيان بين القبور في نعالهما.

ثم ذكر العلل التي ذكرها النووي لحديث ابن الخصاصية، وقال: ولنا أمر النبي في الخبر الذي تقدم، وأقل أحواله الندب، ولأن خلع النعلين أقرب إلى الخشوع، وزي أهل التواضع، واحترام أموات المسلمين، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الميت يسمع قرع نعالهم لا ينفي الكراهة، فإنه يدل على وقوع هذا منهم، ولا نزاع في وقوعه وفعلهم إياه مع كراهته.

فأما إن كان للماشي عذر يمنعه من خلع نعليه مثل الشوك على قدميه، أونجاسة تمسهما، لم يكره المشي في النعلين.

قال أحمد في الرجل يدخل المقابر وفيها شوك يخلع نعليه؟: هذا يضيق على الناس، حتى يمشي الرجل في الشوك، وإن فعله فحسن، هو أحوط، وإن لم يفعله رجل، يعني لا بأس، وذلك لأن العذر يمنع الوجوب في بعض الأحوال، والاستحباب أولى، ولا يدخل في الاستحباب نزع الخفاف، لأن نزعهما يشق، وقد روي عن أحمد أنه كان إذا أراد أن يخرج إلى الجنازة لبس خفيه، مع أمره بخلع النعال، وذكر القاضي أن الكراهية لا تتعدى النعال إلى "الشمشكات"  ولا غيرها، لأن النهي غير معلل، فلا يتعدى محله).

فالراجح من قولي العلماء أنه يستحب خلع النعلين عند دخول المقابر، ما لم يكن هناك مانع، والموانع هي نحو:

1. الشوك.

2. النجاسة.

3. الرمضاء.

4. الظلام.

5. شدة البرد ونزول الثلج.

6. علة في الأقدام، خاصة لمن كان مصاباً بمرض السُّكر، ونحوه.

7. مطر أوطين.

وذلك لحديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه السابق, ولعدم صراحة دليل المجيزين، وتعسف تأويلاتهم لحديث ابن الخصاصية، والله أعلم

00000000000000000000

من تزوج امرأة ووجدها حبلى أوزانية

من تزوج امرأة بكراً ـ والعياذ بالله ـ ووجدها حبلى أوزانية:

1.    يفرَّق بينهما.

2.    لها الصداق بما استحل من فرجها.

3.    إن كانت حبلى فالولد عبد له.

4.    تجلد مائة جلدة، وإن كانت حبلى تنتظر حتى تضع.

عن سعيد بن المسيب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له نصرة بن أكثم الخزاعي قال: تزوجت امرأة بكراً في سترها، فدخلت عليها فإذا هي حبلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك، فإذا ولدت فاجلدها".

0000000000000 زاد المعاد - (ج 5 / ص 95)

فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَنْ تَزَوّجَ امْرَأَةً فَوَجَدَهَا فِي الْحَبَلِ

فِي " السّنَنِ " وَ " الْمُصَنّفِ " : عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ بُصْرَةَ بْنِ أَكْثَمَ قَالَ تَزَوّجْتُ امْرَأَةً بِكْرًا فِي سِتْرِهَا فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَإِذَا هِيَ حُبْلَى فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهَا الصّدَاقُ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا وَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَك وَإِذَا وَلَدَتْ فَاجْلِدُوهَا وَفَرّقَ بَيْنَهُمَا . [ ص 96 ] أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَوُجُوبُ الْمَهْرِ الْمُسَمّى فِي النّكَاحِ الْفَاسِدِ وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ الثّلَاثَةِ . وَالثّانِي : يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ . وَالثّالِثُ يَجِبُ أَقَلّ الْأَمْرَيْنِ . وَتَضَمّنَتْ وُجُوبَ الْحَدّ بِالْحَبَلِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيّنَةٌ وَلَا اعْتِرَافٌ وَالْحَبَلُ مِنْ أَقْوَى الْبَيّنَاتِ وَهَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ . وَأَمّا حُكْمُهُ بِكَوْنِ الْوَلَدِ عَبْدًا لِلزّوْجِ فَقَدْ قِيلَ إنّهُ لَمّا كَانَ وَلَدَ زِنًى لَا أَبَ لَهُ وَقَدْ غَرّتْهُ مِنْ نَفْسِهَا وَغَرِمَ صَدَاقَهَا أَخْدَمَهُ وَلَدَهَا وَجَعَلَهُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ لَا أَنّهُ أَرَقّهُ فَإِنّهُ انْعَقَدَ حُرّا تَبَعًا لِحُرّيّةِ أُمّهِ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَقّهُ عُقُوبَةً لِأُمّهِ عَلَى زِنَاهَا وَتَغْرِيرِهَا لِلزّوْجِ وَيَكُونُ هَذَا خَاصّا بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِذَلِكَ الْوَلَدِ لَا يَتَعَدّى الْحُكْمُ إلَى غَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَنْسُوخًا . وَقَدْ قِيلَ إنّهُ [ ص 97 ] كَانَ فِي أَوّلِ الْإِسْلَامِ يُسْتَرَقّ الْحُرّ فِي الدّينِ وَعَلَيْهِ حِمْلُ بَيْعِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُسْتَرَقّ فِي دِينِهِ . وَاَللّهُ أَعْلَم . 0

0000000000000000000

متى يجب الوفاء بالنذر ومتى لا يجب؟

يجب الوفاء بالنذر إذا كان المنذور طاعة لله عز وجل، مثل الصلاة، والصوم، والحج، والعمرة، والصدقة المشروعة، أما إذا كان المنذور ليس بطاعة مشروعة، مثل من نذر أن يحج صامتاً، أوأن يقف في الشمس، ونحو ذلك فلا يجب الوفاء به، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه"، ولقوله كذلك: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين".

قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما إذا كان المنذور معصية، مثل أن ينذر لوثن من الأوثان، كالنذر للأصنام التي كانت تعبدها العرب، والبدور التي تعبدها الهند والزُّط، والنذر لكنيسة أوبيعة، أوالنذر لنبي أورجل صالح، أوغير ذلك، فهذا كله لا يجوز الوفاء به بإجماع المسلمين.

وإن كان المنذور طاعة ومعصية، أمِر بفعل الطاعة ونُهي عن فعل المعصية وإن كان الناذر يعتقد أنها طاعة، كما في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فإذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس فلا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مروه فليتكلم، وليستظل، وليتم صومه").

النذر لغير الله للمشايخ وغيرهم من الشرك الأكبر الذي يخرج المسلم من دائرة الإسلام إلى الكفر، ولا ينبغي الاغترار بقضاء الحاجات إثر هذه النذور الشركية، فإن هذا من باب الاستدراج والفتنة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما اعتقاد بعض الجهال أن حاجته قضيت بسبب هذه النذور فهذا جهل وضلال، فإن نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به لا يفيد في قضاء الحوائج، ولا يستحب بل يكره، فكيف بنذر المعصية؟ وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه نهى عن النذر، وقال: "إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل"، وقال: "إن النذر يرد ابن آدم إلى القدر، فيعطي على النذر ما لم يعطه على غيره".

فمن نذر نذر طاعة ولم يستطع الوفاء به فعليه كفارة يمين، وهي على الترتيب:

أولاً: (أ) إطعام عشرة مساكين أوكسوتهم

والكفارة تكون بالإطعام والكسوة.

فالإطعام إما أن يعطي كل مسكين مداً من ذرة أوبر، أويصنع طعاماً، أويحضرهم ويغدِّيهم أويعشِّيهم في مطبخ من المطابخ، وله أن يشتري الخبز واللحم وما يتعلق بصنع الإدام ويدفعه لعشرة مساكين.

أو(ب) عتق رقبة مؤمنة، ذكراً كان أم أنثى

ثانياً: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام

ولا يشترط في أيام الصيام أن تكون متوالية، بل يجوز أن تفرَّق.

فلا يحل لمن استطاع الإطعام، أوالكسوة، أوالعتق أن ينتقل إلى الصيام، قال تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعامُ عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أوكسوتهم أوتحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون".

000000000000000000

لا يحلُّ لمسلم ولا مسلمة أن يلبس شيئاً فيه صورة إنسان ولا حيوان

الأصل في العبادات أنها توقيفية لا يقبل منها شيء إلا إذا كان على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما ما سوى العبادات من العادات فالأصل فيها الإباحة، فلا يحرم منها شيء إلا ما حرَّمه الله ورسوله.

من ذلك اللباس والزينة، فإنه يحل للمسلم أن يلبس ويتزين بما شاء ما لم يكن محرماً أومكروهاً، أما ما حرم الشارع فلا يحل لمسلم أن يلبسه أويتزين به، ولا يمكِّن أحداً ممن يعول من النساء والأطفال من ذلك.

من تلك الأمور التي حرمها الشارع الحكيم في اللباس أن يلبس المسلم ثوباً أوقميصاً ونحوهما فيه صورة إنسان، أوحيوان، أوطير، صغيرة كانت الصورة أم كبيرة، وذلك لأن صورة ما فيه روح من الإنسان والحيوان تمنع دخول ملائكة الرحمة، وفي ذلك ضرر بليغ على لابس هذا الثوب ومن يدخل عليهم ويسكن معهم من الأهل وغيرهم، فضرر لبس ثوب فيه صورة ضرر متعدٍ على غيره من الناس.

صحَّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة".

تزداد حرمة لبس ما فيه صورة ذي روح على الرجال والنساء والأطفال إذا كانت الصورة لكافر، أوفاسق، أومَنْ يُعتقد فيه النفع والضر.

وتشتد الحرمة كذلك بدخول المسجد بهذه الملابس لما في ذلك من إيذاء الملائكة، وشغل المصلين عن صلاتهم بالنظر إلى هذه الصورة.

فالحذر كل الحذر من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فمخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فتنة، وقد فُسِّرت الفتنة بالشرك: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أويصيبهم عذاب أليم" الآية، كما قال الإمام أحمد رحمه الله، وقد مدح الله المؤمنين بقوله: "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رآه يأكل بشماله: "كل بيمينك"، قال: لا أستطيع؛ فقال له: "لا استطعت"، ما منعه إلا الكِبْر، فلم يرفع يده إلى فيه، فقد شلت في الحال.

اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا وأهلينا من الراشدين، وصلى الله وسلم على رسول رب العالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

00000000000000

هل المني طاهر أم نجس؟ وما حكم من صلى وفي ثوبه أوبدنه مني لم يغسله؟

الحمد لله.

ذهب أهل العلم في طهارة مني الآدمي ونجاسته مذهبين، هما:

الأول: مني الآدمي طاهر

وهذا مذهب عائشة، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر رضي الله عنهم من الصحابة، وسعيد بن المسيب، وعطاء من التابعين، والشافعي، وأصح الروايتين عن أحمد، وإسحاق، وداود الظاهري، وابن المنذر من الأئمة رحمهم الله.

استدل هذا الفريق بالآتي

1. بما صحَّ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً فيصلي فيه"، رواه مسلم وأهل السنن.

2. وبما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب؟ فقال: "إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أوإذخرة".

3. وبأن الله خلق منه الإنسان الذي كرمه على سائر مخلوقاته.

الثاني: مني الآدمي نجس

وهذا مذهب الثوري، وأبي حنيفة، ومالك، ورواية عن أحمد رحمهم الله.

استدل هذا الفريق بالآتي

1. بما صحَّ عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل المني"، رواه مسلم.

2. وفي رواية عنها: "كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم"، متفق عليه.

3. وفي رواية عنها أنها قالت لرجل أصاب ثوبه مني فغسله كله: "إنما كان يجزيك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تره نضحت حوله، لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً فيصلي فيه".

4.  وبحديث ضعيف: "كان يأمر بحت المني".

5.  وقياساً على البول والحيض، لأن مخرج كل ذلك واحد.

أما حكم الصلاة في الثوب يصيبه المني

فللعلماء في ذلك مذاهب أيضاً:

1. يغسل المني من الثوب والبدن استحباباً وليس وجوباً، ومن صلى وهو على بدنه أوثوبه ناسياً كان أم ذاكراً فلا إعادة عليه، وهذا مذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وداود.

2. يغسل المني إن كان رطباً ويفرك إن كان يابساً، وهذا مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب أحمد.

3.  يغسل المني من البدن والثوب سواء كان رطباً أم يابساً، وإلا عليه الإعادة، وهذا مذهب مالك رحمه الله.

قال الخرقي: (والمني طاهر، وهي الرواية الصحيحة في مذهب أحمد، اختارها الوالد السعيد، وشيخه، وبها قال الشافعي وداود، وفي رواية عند أحمد إنه كالدم.

وقال أبو بكر في التنبيه: إن كان رطباً غسل، وإن كان يابساً فرك، فمتى لم يفعل ذلك وصلى فيه أعاد الصلاة، وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك: يغسل بكل حال).

وقال النووي: (المني طاهر عندنا ـ الشافعية ـ وبه قال سعيد بن المسيب، وعطـاء، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وداود، وابن المنذر، وهو أصح الروايتين عن أحمد، وحكاه العبدري وغيره عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم، وقال الثوري، والأوزاعي، ومالك، وأبو حنيفة، وأصحابه: نجس، لكن عند أبي حنيفة يجزي فركه يابساً، وأوجب الأوزاعي ومالك غسله يابساً ورطباً).

والذي يترجح لدي من الأدلة ومن أقوال أهل العلم السابقة أن مني الآدمي ذكراً كان أم أنثى، سيما المسلم ـ وأما المشركون فهم أنجاس حساً ومعنى ـ طاهر، ويستحب غسله إن كان رطباً تنظفاً وتنزهاً، ويكفي فركه يابساً، وإن صلى وعلى ثوبه أو بدنه شيء من ذلك فلا إعادة عليه، والله أعلم.

تنبيه

أما غير الآدمي من الحيوانات فللعلماء فيه ثلاثة أقوال كما قال النووي في المجموع، هي:

1.    مني جميع الحيوانات طاهر عدا الكلب والخنزير، قياساً على البيض ومني الآدمي.

2.    مني جميع الحيوانات نجس.

3.    ما أكل لحمه من الحيوان فمنيه طاهر، وما لم يؤكل لحمه فمنيه نجس.

0000000000000000000

أضواء البيان - (ج 3 / ص 27)

وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)

المسألة الثانية - استنبط النقاش وغيره من هذه الاية الكريمة : أن المني ليس بنجس ، قالوا : كما يخرج اللبن من بين الفرث والدم سائغاً خالصاً ، كذلك يجوز أن يخرج المني من مخرج البول طاهراً .

قال ابن العربي : إن هذا لجهل عظيم ، وأخذ شنيع! اللبن جاء الخبر عنه مجيء النعمة والمنة الصادرة عن القدرة ، ليكون عبرة . فاقتضى ذلك كلع وصف الخلوص واللذة . وليس من هذه الحالة حتّى يكون ملحقاً به ، أو مقيساً عليه .

قال القرطبي بعد أن نقل الكلام المذكور : قلتك قد يعارض هذا بأن يقال : وأي منة أعظم وأرفع من حروج المني الذي يكون عنه الإنسان المكرم؟ وقد قال تعالى : { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب } [ الطارق : 7 ] وقال : { والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً } [ النحل : 72 ] وهذا غاية في الامتنان .

فإن قيل : إنه يتنجس بخروجه في مجرى البول .

قلنا : هو ما أردناه . فلانجاسة عارضة وأصله طاهر اه محل الغرض من كلام القرطبي .

قال مقيدخ عفا الله عنه : وأخذ حكم طهارة المني من هذه الآية الكريمة لا يخلوا عندي من يعد . وسنبين إن شاء الله حكم المني : هل هو نجس أو طاهر ، وأقوال العلماء في ذلك ، مع مناقشة الأدلة . اعلم - أن في مني الإنسان ثلاثة أقوال للعلماء : الأول - أنه طاهرن وأن حكمه حكم النخامة والمخاط . وهذاهو مهب الشافعي ، وأصح الروايتين عن أحمد ، وبه عن سعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وعائشة رضي الله عنهم . كما نقله النووي في « شرح المهذب » وغيره .

القول الثاني - أنه نجس ، ولا بد في طهارته من الماء سواء كان يابساً أو رطباً . وهذا هو مذهب مالك ، والثوري والأوزاعي .

القول الثالث - أنه نجس ، ورطبه لا بد له من الماء ، ويابسه لا يحتاج إلى الماء بل يطهر بفركه من الثوب حتّى يزول منه . وهذا هو مذهب أبي حنيفة . واختار الشوطاني في ( نيل الأوطار ) : أنه نجس ، وأن إزالته لا تتوقف على الماء مطلقاً .

أما حجة من قال إنه طاهر كالمخاط فهي بالنص والقاس معاً ، ومعلوم في الأصول : أن القياس الموافق للنص لا مانع منه ، لأنه دليل آخر عاضد للنص ، ولا مانع من تعاضد الأدلة .

أما النص فهو ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثمَّ يذهب فيصلي فيه » . أخرجه مسلم في صحيحه ، وأصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد . قالوا : فركها له يابساً ، وصلاته في الثوب من غير ذكر غسل - دليل على الطهارة . وفي رواية عند أحمد : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ، ثم يصلي فيه ، ويحته من ثوبه يابساً ثم يصلي فيه .

وفي رواية عن عائشة عند الدارقطني : « كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً ، وأغسله إذا كان رطباً » وعن إسحاق بن يوسف قال : حدثنا شريك ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : سئل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب فقال : « إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق ، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة » .

قال صاحب ( منتفى الأخبار ) بعد أن ساق هذا الحديث كما ذكرنا : رواه الدارقطني وقال : لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك . قلت : وهذا لا يضر . لأن إسحاق إمام مخرج عنه في الصحيحين ، فيقبل رفعه وزيادته .

قال مقيده عفا الله عنه : ما قاله الإمام المجد رحمه الله ( في المنتقى ) من قبول رفع العدل وزيادته ، هو الصحيح عند أهل الأصول وأهل الحديث كما بياه مراراً ، غلى غير ذلك من الأحاديث في رك المن وعدم الأمر بغسله .

وأما لقياس العاضد للنص فهو من وجهين : إحدهما - إلحاق المني بالبيض . بجامع أن كلاً منهما مائع يتخلق منه حيوان حي طاهر ، والبيض طاهر إجماعاً . فيلزم كون المني طاهراً أيضاً .

قال مقيده عفا الله عنه : هذا النوع من القياس هو المعروف الصوري ، وجمهور العلماء لا يقبلونه ، ولم يشتهر بالقول به إلا إسماعيل بن علية . كما اشار له في مراقي السعود بقوله :

وابن علية يرى للصوري ... كالقيس للخيل على الحمير

وصور القياس الصوري لمختلف فيها كثيرة . كقياس الخيل على الحمير في سقوط الزكاة ، وحرمة الأكل للشبه اصوري . وكقياس المني على البيض لتولد الحيوان الطاهر من كل منهما في طهارته . وكقياس أحد التشهدين على الآخر في الوجوب أو الندب لتشابههما في الصورة . وكقياس الجلسة الأولى على الثانية في الوجوب لتشبهها بها في الصورة . وكإلحاق الهرة الوحشية بالإنسية في التحريم . وكإلحاق خنزير البحروكلبه بخنزير البر وكلبه ، إلى غير ذلك من صوره الكثيرة المعروفة في الأصول . واستدل من قال بالقياس الصوري - بأن النصوص دلت على اعتبار المشابهة في الصورة في الأحكام . كقوله : { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم } [ المائدة : 95 ] . والمراد المشابهة في الصورة على قول الجمهور . وكبدل القرض فإنه يرد مثله في الصورة . وقد استسلف صلى الله عليه وسلم بكراً ورد رباعياً كما هو ثابت في الصحيح . وكسروره صلى الله عليه وسلم بقول القائف المدلجي في زيد بن حارثة وابنه أسامة : هذه الأقدام بعضها من بعض . لأن القيافة قياس صوري ، لأن اعتماد القائف على المشابهة في الصورة .

الوجه الثاني من وجهي القياس المذكور - إلحاق المني بالطين ، بجامع ان كلاً منهما مبتدأ خلق بشر . كما قال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً } [ المؤمنون : 12-13 ] الآية .

فإن قيل : هذا القياس يلزمه طهارة العلقة ، وهي دم الجامد . لأنها أيضاً مبتدأ خلق بشر . لقوله تعالى : { ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً } [ المؤمنون : 14 ] والدم نجس بلا خلاف .

فالجواب - أن قيان الدم على الطين في الطهارة فاسد الاعتبار ، لوجود النص بنجاسة الدم . اما ياس المني على الطين فليس بفاسد الاعتبار لعدم ورود النص بنجاسة المني .

وأما حجة من قال بأن المني نجس فهو بالنص والقياس أيضاً . أما النص فهو ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كنت أغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثمَّ يخرج إلى الصَّلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع ماء » . متفق عليه . قالوا : غسلها له دليل على أنه نجس . وفي رواية عند مسلم عن عائشة بلفظ : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصَّلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه » .

قال مقيده عفا الله عنه : وهذه الرواية الثابتة في صحيح ميلم تقوي حجة منيقول بالنجاسة . لأن المقرر في الأصول : أن الفعل المضارع بعد لفظة « كان » يدل على المداومة على ذلك الفعل ، فقول عائشة في رواية مسلم هذه : « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل » تدل على كثرة وقوع ذلك منه ، ومداومته عليه ، وذلك يشعر بتحتم الغسل . وفي رواية عن عائشة في صحيح مسلم أيضاً : أن رجلاً نزل بها فأصبح يغسل ثوبه . فقالت عائشة : إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه . فإن لم ر ، تضحت حوله ، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً فيصلِّي فيه . اه

قالوا : هذه الرواية الثابته في الصحيح عن عائشة صرحت فيها : بأنه إنما يجزئه غسل مكانه . وقد تقرر في الأصول ( في مبحث دليل الخطاب ) وفي المعاني ( في مبحث القصر ) : أن « إنما » من أدوات الحصر . فعائشة صرحت بحصر الإجزاء في الغسل . فدل ذلك على أن الفرك لا يجزىء دون الغسل ، إلى غير ذلك من الأحاديث الدلة على غسله .

وأما القياس - فقياسهم المني على البول والحيض ، قالوا ولأنه يخرج من مخرج البول ، ولأن المذي جزء من المني . لأن الشهوة تحلل كل واحد منهما فاشتركا في النجاسة .

وأما حجة من قل : أنه نجس ، وإن يابسه يطهر بالفرك ولا يحتاج إلى الغسل فهي ظواهر نصوص تدل على ذلك ، ومن أوضحا في ذلك حديث عائشة عند الدار قطني الذي قدمناه آنفاً : « كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً ، وأغسله إذا كان رطباً » .

وقال المجد ( في منتقى الأخبار ) بعد أن ساق هذه الرواية ما نصه : قل : فقد بان من مجموع النصوص جواز الأمرين .

قال : مقيده عفا الله عنه : إيضاح الاستدلال بهذا الحديث لهذا القول : أن الحرص على إزالة المني بالكلية دليل على نجاسته ، والاكتفاء بالفرك في يابسه يدل على أنه لا يحتاج إلىلماء . ولاغرابة في طهارة متنجس بغير الماء . فإن ما يصيب الخفاف والنعال من النجاسات المجمع على نجاستها يطهر بالدلك حتى تزول عينه ، ومن هذا القبيل قول الشوكاني : إنه يطهر مطلقاً بالإزالة دونالغسل ، لما جاء في بعض الروايات من سلت رطبه بإذخرة ونحوها . ورد من قال : إن المني طاهر احتجاج القائلين بنجاسته ، بأن الغسل لا يدل على نجاسة الشيء ، فلا ملازمة بين الغسل والتنجيس لجواز غسب الطاهرات كالتراب والطين ونحوه يصيب البدن أو الثوب . قالوا : ولم يثبت نقل بالأمر بغسله ، ومطلق الفعل لا يدل على شيء زائد على الجواز .

قال ابن حجر ( في التلخيص ) : وقد ورد الأمر بفركه من طريق صحيحه ، رواه ابن الجارود ( في المنتقى ) عن محسن بن يحيى ، عن أبي حذيفة عن سفيان ، عن منصور ، عن ابراهيم ، عن همام بن الحارث قال : كان عند عائشة ضيف فأجنب ، فجعل يغسل ما أصابه . فقالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بحته - غلى أن قال : وأما الأمر بغسله فلا أصل له .

وأجابوا عن قول عائشة : « إنما يجزئك أن تغسل مكانه » لحمله على الاستحباب ، لأنها احتجت بالفرك . قالوا : فلو وجب الغسل لكان كلامها حجة عليها لا لها ، وإنما أرادت الإنكار عليه في غسل كل ثوب فقالت : « غسل كل الثول بدعة منكرة ، وإنما يجزئك في تحصيل الأفضل والأكمل أن تغسل مكانه . . . » الخ .

وأجابوا عن قياس المني على البول والدم بأن المني أصل الآدمي المكرم فهو بالطين اشبه ، بخلاف البول والدم .

وأجابوا عن خروجه من مخرج البول بالمنع ، قالوا : بل مخرجهما مختلف ، وقد شق ذكر رجل بالروم ، فوجد كذلك ، لا ننجسه بالشك . قالوا : ولو بت أنه يخرج من مخرج البول لم يلزم منه النجاسة . لأن ملاقاة النجاسة في الباطن لا تؤثر ، وإنما تؤثر ملاقاتها في الظاهر .

وأجابوا عن دعوى أن المذي جزء من المني بالنع أيضاً قالوا : بل هلو مخالف له في الاسم والخلقة وكيفية الخروج . لأن النفس والذكر يفتران بخروج المني ، وأما المذي فعكسه ، ولهذا من به سلس المذي لا يخرج منه شيء من المذي . وهذه المسألة فيها للعلماء مناقشات كثيرة ، كثير منها لا طائل تحته . وهذا الذي ذكرنا فيها هو خلاصة أقوال العلماء وحججهم .

قال مقيده عفا الله عنه : أظهر الأقوال دليلاً في هذه المسالة عند والله أعلم - أن المني طاهر . لما قدمنا من حديث إسحاق الأزرق ، عن شريك عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عطاء ، عن ابن عباس : أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال :

« إنما هو بمنزله المخاط والبصاق ، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة » وهذا نص في محل النزاع .

وقد قدمنا علن صاحب ( المنتفى ) أن الدارقطني قال : لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك ، وأنه هو قالك قلت : وهذا لا يضر لأن إسحاق إمام مخرج عنه في الصحيحين ، فيقبل رفعه وزيادته . انتهى .

وقد قدمنا مراراً : أن هذا هو الحق . فلو جاء الحديث موقوفاً من طريقن وجاء مرفوعاً من طريق أخرى صحيحة حكم برفعه . لأ ن الرفع زيادة ، وزيادات العدول مقبولة ، قال في مراقي السعود : -

والرفع والوصل وزيد اللفظ ... مقبوله عند إمام الحفظ - إلخ

وبه تعلم صحة الاحتجاج برواية إسحاق المذكور المرفوعن ، ولا سيما أن لها شاهداً من طريق ا×رى .

قال ابن حجر ( في التلخيص ) ما نصه : فائدة : -

روى الدارقطني ، والبيهقي من طريق إسحاق الأزرق ، عن شريك ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن ابن عباي ، قال : سئل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب؟ قال : « إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق - وقال - إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة وإذخرة » ورواه الطخاوي من حديث حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مرفوعاً ، ورواه هو البيهقي من طريق عطاء عن الن عباس موقوفاً ، قال البيهقي : الموقوف هو الصحيح انتهى .

فقد رأيت الطريق الأخرى المرفوعة من حدث حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد عن ابن عباس ، وهي مقوية لطريق إسحاق الأزرق المتقدمة .

واعلم أن قول البيهقي رحمه الله : والموقوف هو الصحيح لا يسقط به الاحتجاج بالرواية المرفوعة . لأنه يرى ان وقف الحديث من تلك الطريق علة في الطريق المرفوعة . وهذا قول معروف لبعض العلماء من أهل الحديث والأصول ، ولكن الحق : أن الرفع زيادة مقبوله من العدل ، وبه تعلم صحة الاحتجاج بالرواية المرفوعة عن ابن عباس في طهارة المني ، وهي نص صريح في محل النزاع ، ولم يثبت في نصوص الشرع شيء يصرح بنجاسة المني .

فإن قيل : أخرج البزار ، وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما ، وابن عدي في الكاملن والدار القطني والبيهقي والعقيلي في اضعفاء ، وأبو نعيم في المعرفة من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما : أن النَّبي صلى الله عليه وسلم مر بعمار فذكر قصة ، وفيها : « إنما تغسل ثوبك من الغائط والبول والمني والدم والقيء يا عمار . ما نخامتك ودموع عينيك والماء الذي في ركوتك إلا سواء » .

فالجواب - أن في إسناده ثابت بن حماد ، عن علي بن جدعان ، وضعفه الجماعة المذكورن كلهم إلا أبا يعاى بثابت بن حماد ، واتهمه بعضهم بالوضع . وقال اللالكائي : أجمعوا على ترك حديثه وقال البزار : لا نعلم لثابت إلا هذا الحديث .

وقال الطبراني : تفرد به ثابت بن حماد ، ولا يروى عن عمار إلا بهذا افسناد . وقال البيهقي : هذا حديث باطل ، إنما رواه ثابت بن حماد وهو متهم بالوضع . قاله ابن حجر في ( التلخيص ) . ثم قال : قلت رواه البزار ، والطبراني من طريق ابراهيم بن زريا العجلي ، عن حماد بن سلمة ، عن على بن زيد ، لكن إبراهيم ضعف ، وقد غلط فيه ، إنما يرويه ثابت بن حماد . انتهى .

وبهذا تعلم أن هذا الحديث لا يصح الاحتجاج به على نجاسةالمني والعلم عند الله تعالى .

-----------------

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 1 / ص 421)

رقم الفتوى 1789 المني طاهر والأولى غسله عن ثوبك

تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420

السؤال

نعرف أن نزول المني من موجبات الغسل فهل هو نجس؟ وما الحكم إذا صليت وأنا على طهارة ولبست لباساً به شيء من المني وأنا على علمٍ بذلك؟

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالمني طاهر في قول جمهور العلماء لما ثبت في صحيح مسلم في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: " ولقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم" والفرك هو الحك ومعلوم أن النجاسة لا يُطَهَّر المكان الذي أصابته بفركها منه ، فدل فرك عائشة للمني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم على طهارته. لكن الأحسن أن تغسله عن ثوبك، لأنه مستقذر كالمخاط ونحوه مما هو طاهر مستقذر. ولذلك كانت عائشة تغسله مرة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "كنت أغسله (أي المني) من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم.." . والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

---------------

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 1 / ص 1533)

رقم الفتوى 3745 تطهير الفراش بعد الجماع

تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420

السؤال

ما هو القدر الواجب غسله من فراش الزوجية بعد الجماع؟ و جزاكم الله خيرا

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإذا كان الفراش الذي حصلت عليه المعاشرة لم يصبه شيء أصلاً فلا داعي لغسله.

وإن كان قد أصابه شيء من المني فإنه يغسل عنه المني أو يزال على سبيل التنظيف والاستحباب لا على سبيل الوجوب، لأن المني طاهر على الراجح من أقوال أهل العلم،

وإن كان قد أصابه مذي فإنه يغسل ما أصابه منه على سبيل التطهير الواجب لأن المذي نجس،

ومما ينبغي التنبه له أن تطهير نجاسة الفراش لا يجب إلا إذا كان الشخص يصلي عليه، فإن لم يكن يصلي عليه فالتطهير مندوب فقط.

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

-----------------

مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 5 / ص 46)

وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الْمَنِيِّ مَا حُكْمُهُ ؟ .

الْجَوَابُ

فَأَجَابَ : الصَّحِيحُ أَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ . كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأَمَّا كَوْنُ عَائِشَةَ تَغْسِلُهُ تَارَةً مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفْرُكُهُ تَارَةً فَهَذَا لَا يَقْتَضِي تَنْجِيسَهُ فَإِنَّ الثَّوْبَ يُغْسَلُ مِنْ الْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ وَالْوَسَخِ وَهَذَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَسَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا : إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ أَمِطْهُ عَنْك وَلَوْ بإذخرة . وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلُ مُسْتَنْجِيًا أَوْ مُسْتَجْمِرًا فَإِنَّ مَنِيَّهُ طَاهِرٌ . وَمَنْ قَالَ : إنَّ مَنِيَّ الْمُسْتَجْمِرِ نَجِسٌ لِمُلَاقَاتِهِ رَأْسَ الذَّكَرِ فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانَ عَامَّتُهُمْ يَسْتَجْمِرُونَ وَلَمْ يَكُنْ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ مِنْهُمْ إلَّا الْقَلِيلُ جِدًّا بَلْ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ لَا يَعْرِفُ الِاسْتِنْجَاءَ بَلْ أَنْكَرُوهُ وَالْحَقُّ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِغَسْلِ الْمَنِيِّ وَلَا فَرْكِهِ . وَالِاسْتِجْمَارُ بِالْحِجَارَةِ . هَلْ هُوَ مُخَفِّفٌ أَوْ مُطَهِّرٌ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ فَإِنْ قِيلَ : هُوَ مُطَهِّرٌ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ قِيلَ هُوَ مُخَفِّفٌ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ لِلْحَاجَةِ وَيُعْفَى عَنْهُ فِي مَحَلِّهِ وَفِيمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَأُلْحِقَ بِالْمُخْرَجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

--------------

حكم السفر إلى ديار الكفار والسكنى بين ظهرانيهم من غير ضرورة

حكم السفر إلى ديار الكفار والسكنى بين ظهرانيهم من غير ضرورة

حكم الهجرة العكسية من ديار الإسلام إلى ديار الكفر

العلة في تحريم الهجرة والسكنى في ديار الكفار أو بقاء ما طرأ عليه الإسلام فيها

المخالفات الشرعية المترتبة على الهجرة والسكنى في ديار الكفار

 

حكم السفر إلى ديار الكفار والسكنى بين ظهرانيهم من غير ضرورة

الحمد لله الذي لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، وحصر العزة والكرامة في ذاته العلية وفي رسوله والمؤمنين، وجعل الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه في كل وقت وحين، ورضي الله عن عمر القائل: لقد أعزنا الله بالإسلام، فمن طلب العزة في غيره أذله الله؛ ولله در الصحابي عاصم بن ثابت الذي أقسم أن لا يمسَّ مشركاً ولا يمسَّه مشرك، فأبر الله قسمه حياً وميتاً بأن منع المشركين من مسه بالنحل والسيل، وهذا مصداق لقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك"، أو كما قال.

وبعد..

لقد أوجب الله على المؤمنين الهجرة من ديار الكفر إلى ديار الإسلام، ولم يستثن أحداً إلا المستضعفين من الرجال، والنساء، والولدان، ومن لم يجد بلداً يؤويه، كما هو الحال الآن، بدءاً بالهجرة من مكة عندما كانت دار كفر إلى المدينة، وانتهاء بأي بلد كافر حتى قيام الساعة، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

والأدلة على وجوب ذلك القرآن، والسنة، والإجماع.

فمن الكتاب

قوله تعالى: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً".

كان جندب بن سمرة رضي الله عنه شيخاً كبيراً، فلما أمروا بالهجرة من مكة إلى المدينة وشدِّد عليهم فيها، مع علمهم أن الدين لا حرج فيه ولا تكليف بما لا يطاق، قال لبنيه: إني أجد حيلة فلا أعذر، احملوني على سرير؛ فحملوه، فمات بالتنعيم وهو يصفق يمينه على شماله: هذا لك وهذا لرسولك"

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع).

وقال السيوطي في تفسير "ظالمي أنفسهم": (بالمقام مع الكفار وترك الهجرة).

ومن السنة

o  خرَّج البخاري في صحيحه بسنده عن محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود قال: "قطع عن أهل المدينة بعث، فاكتتبت فيه، فلقيتُ عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشد النهي، قال: أخبرني ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهمعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي السهم يرمي به فيصيب أحدهم فيقتله، أويضرب عنقه فيقتل، فأنزل الله: "إن الذين توفاهم الملائكة".

o  وعن ابن عباس قال: "كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يَسْتخفون بالإسلام، فأخرجهم  المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم، قال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم" الآية، قال: فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية: لا عذر لهم، قال: فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت الآية: "ومن الناس من يقول آمنا بالله" الآية.

o     وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: "أما بعد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله".

o  وعن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خَثْعَم، فاعتصم ناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر لهم بنصف العَقَل، وقال: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قالوا: يا رسول الله: ولِمَ؟ قال: "لا تتراءى ناراهما".

الإجماع

أجمعت الأمة على وجوب الهجرة على المسلم من ديار الكفار إلى ديار الإسلام، ولم يستثنِ من ذلك إلا العاجزين عنها من الرجال والنساء والولدان، وفي هذا العصر الذي كثرت فيه البلايا وعظمت فيه الرزايا من لم يجد له بلداً من بلاد المسلمين يأويه.

وقد نقل ذلك الإجماع الإمام أحمد بن يحيى الونشريسي (المتوفى 914ﻫ)، في رسالة له بعنوان "أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر وما يترتب عليه من العقوبات والزواجر"، المتضمنة في مؤلفه القيم: "المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقيا والأندلس والمغرب"، في إجابة عن سؤال في جماعة من أهل الأندلس هاجروا إلى المغرب بعد استيلاء الكفار عليها، ولكن بعضهم ندم على الهجرة وعزم على الرجوع إلى ديار الكفر، فقال: (الجواب عما سألتم عنه، والله سبحانه ولي التوفيق بفضله، أن الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام فريضة إلى يوم القيامة، وكذلك الهجرة من أرض الحرام والباطل بظلم أوفتنة، قال رسول الله صلى: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن"، أخرجه البخاري، والموطأ، وأبو داود، والنسائي، وقد روى أشهب عن مالك: لا يقيم أحد في موضع يعمل فيه بغير الحق، قال في العارضة: فإن قيل: فإذا لم يوجد بلد إلا كذلك؟ قلنا: يختار المرء أقلها إثماً، مثل أن يكون بلد فيه كفر، وبلد فيه جور خير منه.

إلى أن قال:

ولا يسقط هذه الهجرة الواجبة على هؤلاء الذين استولى الطاغية لعنه الله على معاقلهم وبلادهم إلا تصور العجز عنها بكل وجه وحال، لا الوطن والمال، فإن ذلك كله ملغي في نظر الشرع، قال الله تعالى: "إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراًً"، فهذا الاستضعاف المعفوّ عمن اتصف به غير الاستضعاف المعتذر به في أول الآية وصدرها وهو قول الظالمي أنفسهم: "كنا مستضعفين في الأرض".

إلى أن قال:

وتكرار الآيات في هذا المعنى وجريها على نسق وتيرة واحدة مؤكد للتحريم ورافع للاحتمال المتطرِّق إليه، فإن المعنى إذا نُصَّ عليه وأكد بالتكرار فقد ارتفع الاحتمال لا شك، فتتعاضد هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والإجماعات القطعية على هذا النهي، فلا نجد في تحريم هذه الإقامة وهذه الموالاة الكفرانية مخالفاً من أهل القبلة المتمسكين بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فهو تحريم مقطوع به من الدين كتحريم الميتة، والدم، والخنزير، وقتل النفس بغير حكم، وأخواته من الكليات الخمس التي أطبق أرباب الملل والأديان على تحريمها، ومن خالف الآن في ذلك أورام الخلاف من المقيمين معهم والراكنين إليهم فجوَّز هذه الإقامة واستخف أمرها، واستسهل حكمها، فهو مارق من الدين ومفارق لجماعة المسلمين، ومحجوج بما لا مدفع فيه لمسلم ومسبوق بالإجماع الذي لا سبيل إلى مخالفته وخرق سبيله.

قال زعيم الفقهاء القاضي أبو الوليد بن رشد رحمه الله في أول كتاب التجارة إلى أرض الحرب من مقدماته: فرض الهجرة غير ساقط، بل الهجرة باقية لازمة إلى يوم القيمة، واجب بإجماع المسلمين على من أسلم بدار الحرب أن لايقيم بها حيث تجري أحكام المشركين، وأن يهجرها ويلحق بدار المسلمين، إلا أن هذه الهجرة لا يحرم على المهاجر بها الرجوع إلى وطنه إن عاد دار إيمان وإسلام كما حرم على المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى مكة، الذي ادخره الله لهم من الفضل في ذلك، قال: فإذا وجب بالكتاب وإجماع الأمة على من أسلم بدار الحرب أن يهجره ويلحق بدار المسلمين ولا يثوي بين المشركين ويقيم بين أظهرهم لئلا تجري عليهم أحكامهم، فكيف يباح لأحد الدخول إلى بلادهم حيث تجرى عليه أحكامهم في تجارة أوغيرها؟ وقد كره مالك رحمه الله أن يسكن أحد ببلد يُسبُّ فيه السلف فكيف ببلد يكفر فيه بالرحمن؟ وتعبد فيه من دونه الأوثان؟ لا تستقر نفس أحد على هذا إلا مسلم مريض الإيمان).

ã

حكم الهجرة العكسية من ديار الإسلام إلى ديار الكفر

حديثنا السابق كان خاصاً بوجوب الهجرة على من طرأ عليه الإسلام وهو في بلاد الكفر، حيث يجب عليه وجوباً عينياً أن يهجرها إلى ديار الإسلام إلا إذا غُلب على أمره، أما الهجرة العكسية من ديار الإسلام إلى ديار الكفر فهي من البدع الحادثة، ولذلك لم يتحدث عنها فقهاء الإسلام السابقون، إذ لم تحدث في وقتهم ولم تدر بخلدهم فيفترضوها كما افترضوا كثيراً من المسائل وبينوا حكم الشرع فيها، على الرغم من استحالة وقوع وحدوث كثير منها، لذلك كما قال الونشريسي لم يشر إليها ابن رشد ولا ابن العربي رحمهما الله، فقد حصرا حديثهما عن وجوب هجرة من طرأ عليه الإسلام وهو في بلاد الكفر، وإن كانتا في الحكم سواء.

قال الونشريسي رحمه الله: (وإنما خص من تقدم من أئمة الهدى المقتدى بهم الكلام بصورة من أسلم ولم يهاجر، لأن هذه الموالاة الشركية كانت مفقودة في صدر الإسلام وغرته، ولم تحدث على ما قيل إلا بعد مضي مئات من السنين، وبعد انقراض أئمة الأمصار المجتهدين، فلذلك لا شك لم يتعرض لأحكامها الفقهية أحدٌ منهم، ثم لما نبغت هذه المرة الموالاة النصرانية في المائة الخامسة وما بعدها من تاريخ الهجرة وقت استيلاء ملاعين النصارى دمرهم الله على جزيرة صقلية وبعض كور الأندلس، سئل عنها بعض الفقهاء واستفهموا عن الأحكام الفقهية المتعلقة بمرتكبها، فأجاب: بأن أحكامهم جارية على أحكام من أسلم ولم يهاجر، وألحقوا هؤلاء المسؤول عنهم والمسكوت عن حكمهم بهم، وسوّوا في ذلك بين الطائفتين في الأحكام الفقهية المتعلقة بأموالهم وأولادهم، ولم يروا فيها فرقاً بين الفريقين، وذلك لأنهما في موالاة الأعداء، ومساكنتهم، ومداخلتهم، وملابستهم، وعدم مباينتهم، وترك الهجرة الواجبة عليهم، والفرار منهم، وسائر الأسباب الموجبة لهذه الأحكام المسكوت عنها في الصورة المسؤول عن فرضها بمثابة واحدة، فألحقوا رضي الله عنهم الأحكام المسكوت عنها في هؤلاء المسكوت عنهم بالأحكام المتفقة فيها في أولئك، فصار اجتهاد المتأخرين في مجرد إلحاق المسكوت عنه بمنطوق به مساوٍ له في المعنى من كل وجه).

قلت: كيف يدور بخلد أحد من السلف الصالح أن يهاجر المسلم عن طواعية واختيار، بل ويسابق وينافس في ذلك، من ديار الإسلام التي يشتهر فيها الإسلام، ويُعلن فيها الأذان، وتُصل فيها الأرحام، ويُؤمر فيها بالمعروف، ويُنهى فيها عن المنكر، إلى ديار الكفر حيث يُدَّعى فيها بالتثليث، وتُضرب فيها النواقيس، ويُعبد فيها الشيطان، ويُكفر فيها علناً بالرحمن، وتنتشر فيها الرذيلة، وتنعدم فيها الفضيلة؟

ã

العلة في تحريم الهجرة والسكنى في ديار الكفار أو بقاء ما طرأ عليه الإسلام فيها

العلة الكبرى والحكمة العظمى في تحريم الهجرة إلى ديار الكفار ووجوب الهجرة منها المحافظة على الدين، إذ به نجاة الإنسان الأبدية وسعادته الأخروية، وضياعه من أعظم الخسران، إذ لا يساويه ضياع النفس، والمال، والأهل، والولدان.

الدين رأس المال فاستمسك به                فضياعه من أعظم الخسران

والخوف من الكفر ولو على الأجيال القادمة للمهاجر، وأخشى ما أخشاه أن يشمله الوعيد الذي ورد في الحديث الصحيح: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أوينصِّرانه، أويمجِّسانه"، ألا يخشى الذي يساكن هؤلاء الكفار أويعاشرهم أن يتهوَّد، أويتنصَّر، أويشرك أحدُ أحفاده القادمين؟! أما يدري أنه سيحاسب على ذلك حساباً عسيراً؟! ولهذا لم يفرِّق الشارع في تحريم ذلك بين من هدفه الدعوة والتعليم ومن هدفه سوى ذلك من المهاجرين، إلا المضطرين.

ã

المخالفات الشرعية المترتبة على الهجرة والسكنى في ديار الكفار

لم يحرِّم الشارع الحكيم ولم ينه الرسول الكريم عن شيء إلا إذا ظهرت أضراره، وعظمت أخطاره، وتعددت مفاسده.

والعبرة بالأخطار والأضرار الدينية التي يغفل عنها جل المهاجرين إلى ديار الكفر، حيث غرضُهم الأول والأخير المصالح الدنيوية، والراحة الجسدية، والمتع الزائلة، والأوهام المسيطرة على أفهام وعقول كثير منهم.

على الرغم من أن مخاطر الهجرة إلى بلاد الكفار والسكنى بين ظهرانيهم على المهاجر وأسرته، وأحفاده من بعده إن كانت له أسرة لا تنحصر، وأن الهجرة محرمة ولو سلمت من كل تلك المخاطر والمخالفات، مع ما يدخر له من الإثم، إلا أننا سنشير إلى طرف منها، لعلها تجد أذاناً صاغية، وقلوباً واعية، ونفوساً زاكية.

أخطر المخالفات الشرعية والأضرار الدينية في معاشرة ومساكنة الكفار ما يأتي:

1. مشاهدة المنكرات ومؤالفتها.

2. عدم إشهار الشعائر التعبدية.

3. الفتنة في الدين على النفس، والأولاد، والنساء، والأحفاد.

4. هجر الأمر، والنهي، والنصيحة، إذ لا مجال للقيام بذلك هناك.

5. الخوف من الوقوع في الزنا والفاحشة.

6. المعايشة تدعو إلى التشبه بالكفار والتخلق بأخلاقهم.

7. ترك اللسان العربي.

8. الخوف على النفس، والمال، والولد، والأهل.

9. مولاتهم.

10. الأفال في تلك البلاد ملك للدولة بحكم القانون.

11. ليس للمسلم على زوجه وولده أي ولاية.

12. فيحال الفراق يحال بين الأب وأبنائه، خاصة لو كانت زوجته كافرة.

13. الخف من تزويج البنات المسلمات بالكفار.

14.  تعلق النساء والأولاد بالدنيا يجعل من العسير على الأب إذا عزم على الرجوع أن يطاوعه هؤلاء على ذلك، فإما أن يطاوعهم ويجلس معهم وإما أن يتركهم.

15. درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، فما يستفيده المسلم من هجرته إلى تلك البلاد من الحرية الشخصية والمصالح الدنيوية من تعليمية وعلاجية ونحوها، لا يساوي الأضرار المشاهدة من المآسي، وما يعرفه المقيمون هناك أضعاف أضعاف ما نعرفه نحن.

16. المضايقات وردود الأفعال التي تصيب المهاجرين، كما حدث إثر حوادث الحادي عشر من سبتمبر.

وأخيراً أقول: لله در عمر بن عبد العزيز خليفة وقته عندما نهى المسلمين عن الإقامة بجزيرة الأندلس، مع أنها كانت في وقته رباطاً لا يُجهل فضله، ومع ما كان المسلمون عليه من القوة والظهور، فكيف بمن يلقي اليوم بنفسه وأسرته طائعاً مختاراً في ديار الكفار مع شدة سطوتهم، وكمال قوتهم، ونهاية جبروتهم وطغيانهم؟!!

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

واللهَ أسألُ أن يرينا وجميع إخواننا المسلمين الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ونسألك نفوساً مطمئنة، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك، وصلى الله وسلم وبارك على الناصح الأمين محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحابته الميامين.

-------------------------

حكم أكل لحم الخيل

ذهب أهل العلم رحمهم الله في حكم أكل لحوم الخيل ثلاثة مذاهب، هي:

الأول: حلال

وهذا مذهب الجمهور، وهو مذهب أسماء بنت أبي بكر وابنها عبد الله من الصحابة، ومن التابعين شريح، والحسن، وعطاء، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، ومن الأئمة الشافعي، وحماد بن زيد، والليث بن سعد، والأسود بن يزيد، وسفيان الثوري، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وجماعة من السلف، وهذا هو الراجح.

استدل أصحاب هذا المذهب بالآتي:

1.  ما اتفق عليه الشيخان من حديث جابر رضي الله عنهما: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأرخص في لحوم الخيل".

2.  وفي رواية عنه: "أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر الأهلية".

3.  وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قالت: "نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناها"، وفي رواية: "ونحن بالمدينة".

4.  وفي رواية عنها عند أحمد: "نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناها نحن وأهل بيته".

الثاني: مكروه كراهة تنزيه

وهذا مذهب مالك رحمه الله.

الثالث: مكروه كراهة تحريم

وهذا مذهب أبي حنيفة والأوزاعي رحمهما الله.

استدل أصحاب المذهب الثاني والثالث بالآتي:

1.    بما رواه أهل السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير".

2.   وبعموم قوله تعالى: "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة" الآية.

قال صاحب الهداية الحنفي: فإن قلت الآية خرجت مخرج الامتنان، والأكل من أعلى منافعها، والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها، ورد عليهم الشافعية بأن الآية خرجت مخرج الغالب، لأن الغالب في الخيل إنما هو الزينة والركوب دون الأكل، كما خرج قوله صلى الله عليه وسلم: "وليستنج بثلاثة أحجار" مخرج الغالب، لأن الغالب أن الاستنجاء لا يقع إلا بالأحجار.

قال الشافعي وموافقوه: ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم، بل المراد منها تعريف الله عباده نعمه، وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته.

وأما الحيث الذي استدل به أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما فقد قال الإمام أحمد عنه: ليس له إسناد جيد، وفيه رجلان لا يعرفان، ولا ندع الأحاديث الصحيحة لهذا الحديث.

00000000000000000

تفسير الألوسي - (ج 10 / ص 105)

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)

 

واستدل بالآية على حرمة أكل لحوم المذكورات لأن السوق في معرض الاستدلال بخلق هذه النعم منة على هذا النوع دلالة على التوحيد وسوء صنيع من يقابلها بالإشراك والحكيم لا يمن بأدنى النعمتين تاركاً أعلاهما ، كيف وقد ذكر أماما .

وروى ابن جرير . وغيره القول بكراهة أكل لحوم الخيل لهذه الآية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وروى عن أبي حنيفة عليه الرحمة أنه قال : رخص بعض العلماء في لحم الخيل فأما أنا فلا يعجبني أكله ، وفي رواية أخرى أنه قال أكرهه والأولى تلوح إلى قوله بكراهة التنزيه والثانية تدل على الترحيم بناء على ما روي عن أبي يوسف أنه سأله إذا قلت : في شيء أكرهه فما رأيك فيه؟ فقال : التحريم ، وكأنه لهذا قال صاحب الهداية الأصح أن كراهة أكل لحمها تحريمية عند الإمام ، وفي العمادية أنه رضي الله تعالى عنه رجع عن القول بالكراهة قبل موته بثلاثة أيام وعليه الفتوى ، وقال صاحباه والإمام الشافعي رضي الله تعالى عنهم : لا بأس بأكل لحوم الخيل . وأجاب بعض الشافعية عن الاستدلال بالآية بمنع كون المذكور أدنى النعمتين بالنسبة إلى الخيل قال : وذلك لأن الآية وردت للامتنان عليهم على نحو ما ألفوه ، ولا ينكر ذو أرب أن معظم الغرض من الخيل الركوب والزينة لا الأكل بخلاف النعم ، وذكر أغلب المنفعتين وترك أدناهما ليس بدعا بل هو دأب اختصارات القررن ، وذكره في الأول أن لم يصر حجة لنا في الاكتفاء مع التنبيه على أنه نزر في المقابل فلا يصير حجة علينا ، فظهر أنه لا استدلال لا من عبارة الآية ولا من إشارتها .

واستدلوا على الحل بما صح من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية والبغال وأذن عليه الصلاة والسلام في لحم الخيل يوم خيبر ، وفيه دليل عندهم على أن الآية لا تدل على الترحيم فادته أن تحريم لحوم الحمر الأهلية إنما وقع عام خيبر كما هو الثابت عند أكثر المحدثين وهذه السورة مكية فلو علم التحريم مما فيها كان ثابتاً قبله ، وبحث فيه بأن السورة وان كانت مكية يجوز كون هذه الآية مدنية ، وفيه أن مثل ذلك يحتاج إلى الرواية ومجرد الجواز لا يكفي ، وعورض حديث جابر بما أخرجه أبو عبيد . وأبو داود . والنسائي . وابن المنذر عن خالد بن الوليد قال : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن لحوم الخيل والبغال والحمير »

والترجيح كما قال في الهداية للمحرم ، لكن أنت تعلم أن هذا الخبر يوهى أمر الاستدلال بالآية لما أن خالداً قد أسلم بالمدينة والآية مكية فلو كان التحريم معلوماً منها لما كان للنهي الذي سمعه كثير فائدة ، والجملة الاستدلال بالآية على حرمة لحوم الخيل لا يسلم من العثار فلا بد من الرجوع في ذلك إلى الاخبار . والحكم عند تعارضها لا يخفى على ذوي الاستبصار ، والذي أميل إليه الحل

----------------

أضواء البيان - (ج 2 / ص 59)

وأما الخيل فقد اختلف في جواز أكلها العلماء .

فمنعها مالك - رحمه الله - في أحد القولين ، وعنه أنها مكروهة ، وكل من القولين صححه بعض المالكية ، والتحريم أشهر عندهم .

وقال أبو حنيفة - رحمه الله - أكره لحم الخيل ، وحمله أبو بكر الرازي على التنزيه . وقال : لم يطلق ابو حنيفة فيها التحريم ، وليست عنده كالحمار الأهلي .

وصحح عنه صاحب المحيط ، وصاحب الهداية ، وصاحب الذخيرة : التحيرم ، وهو قول أكثر الحنفية .

وممن رويت عنه كراهة لحوم الخيل الأوزاعي ، وأبو عبيد وخالد بن الوليد رضي الله عنه ، وابن عباس والحكم .

ومذهب الشافعي وأحمد - رحمهما الله تعالى - جواز أكل الخيل ، وبه قال أكثر أهل العلم .

وممن قال به عبد الله بن الزبير ، وفضالة بن عبيد ، وأنس بن مالك ، وأسماء بنت أبي بكر ، وسويد بن غفلة ، وعلقمة ، والأسود ، وعطاء ، وشريح ، وسعيد بن جبير ، والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، وحماد بن أبي سليمان ، وإسحاق وأبو يوسف ، ومحمد ، وداود ، وغيرهم .

كما نقله عنهم النووي ، في « شرح المهذب » وسنبين - إن شاء الله - حجج الجميع وما يقتضي الدليل رجحانه .

اعلم أن من منع أكل لحم الخيل احتج بآية وحديث :

أما الآية فقوله تعالى : { والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [ النحل : 8 ] الآية . فقال : قد قال تعالى { والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } [ النحل : 5 ] فهذه للأكل . وقال : { والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا } فهذه للركوب لا للأكل ، وهذا تفصيل من خلقها وامتن بها ، وأكد ذلك بأمور :

أحدها أن اللام للتعليل ، أي خلقها لكم لعلة الركوب والزينة ، لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر ، فإباحة أكلها يقتضي خلف ظاهر الآية .

ثانيها : عطف البغال والحمير عليها ، فدل على اشتراكها معهما في حكم التحريم .

ثالثها : أن الآية الكريمة سيقت للامتنان ، وسورة النحل تسمى سورة الامتنان . والحكيم لا يمتن بأدنى النعم ، ويترك أعلاها ، لا سيما وقد وقع الامتنان بالأكل في المذكورات قبلها .

رابعها : لو أبيح أكلها لفاقت المنفعة بها فيما وقع به الامتنان من الركوب والزينة .

وأما الحديث : فهو ما رواه الإمام أحمد وأبو داود ، والنسائي وابن ماجه ، عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال : « نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لُحُوم الخيل والبغال والحَمِير » .

ورد الجمهور الاستدلال بالآية الكريمة . بأن آية النحل نزلت في مكة اتفاقاً ، والإذن في أكل الخيل يوم خيبر كان بعد الهجرة من مكة بأكثر من ست سنين ، فلو فهم النَّبي صلى الله عليه وسلم المنع من الآية لما أذن في الأكل ، وأيضاً آية النحل ليست صريحة في منع أكل الخيل ، بل فهم من التعليل ، وحديث جابر ، وحديث أسماء بنت أبي بكر المتفق عليهما . كلاهما صريح في جواز أكل الخيل . والمنطوق مقدم على المفهوم كما تقرر في الأصول .

وأيضاً فالآية على تسليم صحة دلالتها المذكورة ، فهي إنما تدل على ترك الأكل ، والترك أعم من أن يكون للتحريم أو للتنزيه ، أو خلاف الأولى ، وإذا لم يتعين واحد منهما بقي التمسك بالأدلة المصرحة بالجواز .

وأيضاً فلو سلمنا أن اللام للتعليل ، لم نسلم إفادة الحصر في الركوب والزينة . فإنه ينتفع بالخيل في غيرهما ، وفي غير الأكل اتفاقاً ، وإنما ذكر الركوب والزينة لكونهما أغلب ما تطلب له الخيل .

ونظيره حديث البقرة المذكور في الصحيحين حين خاطبت راكبها فقالت : « إنا لم نخلق لهذا . إنا خلقنا للحرث » فإنه مع كونه أصرح في الحصر لم يقصد به إلا الأغلب ، وإلا فهي تؤكل وينتفع بها في أشياء غير الحرث اتفاقاً .

وأيضاً فلو سلم الاستدلال المذكور للزم منع حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير للحصر المزعوم في الركوب والزينة . ولا قائل بذلك .

وأما الاستدلال بعطف الحمير والبغال عليها . فهو استدلال بدلالة الاقتران ، وقد ضعفها أكثر العلماء من أهل الأصول . كما أشار له في ( مراقي السعود ) بقوله :

أما قران اللفظ في المشهور ... فلا يساوي في سوى المذكور

وأما الاستدلال بأن الآية الكريمة سيقت للامتنان : فيجاب عنه بأنه قصد به ما كان الانتفاع به أغلب عند العرب . فخوطبوا بما عرفوا وألفوا ، ولم يكونوا يألفون أكل الخيل لعزتها في بلادهم ، وشدة الحاجة إليها في القتال ، بخلاف الأنعام : فأكثر انتفاعهم بها كان لحمل الأثقال ، وللأكل .

فاقتصر في كل من الصنفين على الامتنان بأغلب ما ينتفع به فيه .

فلو لزم من ذلك الحصر في هذا الشق للزم مثله في الشق الآخر كما قدمنا .

وأما الاستدلال بأن الإذن في أكلها . سبب لفنائها وانقراضها :

فيجاب عنه : بأنه أذن في أكل الأنعام ولم تنقرض ، ولو كان الخوف عن ذلك علة لمنع في الأنعام لئلا تنقرض ، فيتعطل الانتفاع بها في غير الأكل .

قاله ابن حجر ، وأما الاستدلال بحديث خالد بن الوليد رضي الله عنه : فهو مردود من وجهين :

الأول : أنه ضعفه علماء الحديث . فقد قال ابن حجر في ( فتح الباري ) في باب « لحوم الخيل » ما نصه : « وقد ضعف حديث خالد أحمد والبخاري وموسى بن هارون ، والدارقطني ، والخطابي ، و ابن عبد البر ، وعبد الحق ، وآخرون » .

وقال النووي : في « شرح المهذب » واتفق العلماء من أئمة الحديث وغيرهم . على أن حديث خالد المذكور حديث ضعيف ، وذكر أسانيد بعضهم بذلك . وحديث خالد المذكور مع أنه مضطرب . في غسناده صالح بن يحيى ابن المقدام بن معد يكرب . ضعفه غير واحد ، وقال فيه ابن حجر في « التقريب » : لين . وفيه أيضاً : والده يحيى المذكور الذي هو شيخه في هذا الحديث . قال فيه في « التقريب » : مستور .

الوجه الثاني : أنا لو سلمنا عدم ضعف حديث خالد . فإنه معارض بما هو أقوى منه كحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : « نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ، ورخص في لحوم الخيل » ، وفي لفظ في الصحيح « وأذن في لحوم الخيل » ، وكحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قالت : « نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه » متفق عليهما .

ولا شك في أنهما أقوى من حديث خالد ، وبهذا كله تعلم أن الذي يقتضي الدليل الصريح رجحانه إباحة أكل لحم الخيل ، والعلم عند الله تعالى ، ولا يخفى أن الخروج من الخلاف أحوط ، كما قال بعض أهل العلم .

وإن الأورع الذي يخرج من ... خلافهم ولو ضعيفاً فاستبن

------------------

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 7 / ص 3307)

رقم الفتوى 54073 حكم التداوي بلبن الخيل

تاريخ الفتوى : 18 شعبان 1425

السؤال

ما حكم أكل لحوم الخيل وألبانها حيث يوصى بلبنها كعلاج لبعض الأمراض؟

وشكراً.

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في أكل لحوم الخيل، فمذهب جمهور أهل العلم جواز أكلها، وذهب المالكية ومن وافقهم إلى عدم الجواز.

والراجح ما ذهب إليه الجمهور، لما جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل.

ولما رواه البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه ونحن بالمدينة.

والظاهر أن لبنها مباح، لأنه تابع للحمها، هذا في الحالة العادية.

وأما في حالة العلاج إذا أوصى الأطباء بتناولها، فلاشك أنه جائز، فالحمر الأهلية التي يتفق الجميع على تحريمها يجوز التداوي بألبانها.

قال في نظم النوازل للشنقيطي وهو مالكي المذهب:

ولبن الحمير للدواء**** أجازه الإمام ذو اللواء

ومثل ذاك لبن الخيول****مع البغال قاله الجزولي

وقد جاء الترخيص في تناول لبن الحمر الأهلية للعلاج عن جمع من السلف في مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة ، وأن علياً ابن الحسين شربه من مرض كان به.

والحاصل أنه لا مانع من التداوي بلبن الخيل.

والله أعلم.

-------------

مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 234)

كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ : هَلْ هِيَ حَلَالٌ ؟

الْجَوَابُ

فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ . هِيَ حَلَالٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ : كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَامَّةِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { حَرَّمَ عَامَ خَيْبَرَ لُحُومَ الْحُمْرِ وَأَبَاحَ لُحُومَ الْخَيْلِ } وَقَدْ ثَبَتَ : " { أَنَّهُمْ نَحَرُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا وَأَكَلَ لَحْمَهُ }

------------

الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 1610)

«النّوع الثّامن : الخيل»

44 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة ، وهو قولٌ للمالكيّة إلى إباحة الخيل ، سواءٌ أكانت عراباً أم براذين.

وحجّتهم حديث جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما ، قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهليّة ، وأذن في لحوم الخيل » .

وحديث أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما قالت : « نحرنا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه ونحن بالمدينة » .

وذهب الحنفيّة في الرّاجح عندهم ، وهو قولٌ ثانٍ للمالكيّة ، إلى حلّ أكلها مع الكراهة التّنزيهيّة.

وحجّتهم هي اختلاف الأحاديث المرويّة في الباب واختلاف السّلف ، فذهبوا إلى كراهة الخيل احتياطاً ، ولأنّ في أكلها تقليل آلة الجهاد.

45 - وبناءً على الكراهة التّنزيهيّة يقرّر الحنفيّة : أنّ سؤر الفرس ولبنها طاهران ، لأنّ كراهة أكل الخيل ليست لنجاستها ، بل لاحترامها ، لأنّها آلة الجهاد ، وفي توفيرها إرهاب العدوّ ، كما يقول اللّه تعالى : «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم» .

وذهب أبو حنيفة في رواية الحسن بن زيادٍ عنه إلى الكراهة التّحريميّة ، ونحوه قولٌ للمالكيّة بالتّحريم ، وبه جزم خليلٌ في مختصره.

وحجّتهم قول اللّه تعالى : «والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً» فالاقتصار على الرّكوب والزّينة يدلّ على أنّها ليست مأكولةً ، إذ لو كانت مأكولةً لقال : ومنها تأكلون ، كما قال قبل ذلك : «والأنعام خلقها ، لكم فيها دفءٌ ومنافع ، ومنها تأكلون» .

وكذا الحديث المرويّ عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ، وكلّ ذي نابٍ من السّباع ، وكلّ ذي مخلبٍ من الطّير » .

ولمّا كانت دلالة الآية والحديث على التّحريم غير قطعيّةٍ كان الحكم هو الكراهة التّحريميّة عند الحنفيّة.

ولا مانع من تسميتها « تحريماً » بناءً على أنّ التّحريم هو المنع بالمعنى الشّامل لما كان دليله قطعيّاً أو ظنّيّاً.

-----------

حكم افتراش جلود النمر و الجلوس عليها وصنع أحذية منها ولبسها

نهى رسول الله صلى عن افتراش جلود السباع والركوب عليها أو اتخاذها أحذية، لأنه ركوب، والدليل على ذلك ما يأتي:

1. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر".

2. وفي حديث آخر: "لا تركبوا النمور".

3. وفي حديث آخر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع أن تفترش".

قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله في فتاويه: (جلد النمر نجس كله قبل الدباغ، سواء كان مذكى أم لا ، فيمتنع استعماله امتناع نجس العين، ومعنى هذا أنه يحرم استعماله قطعاً فيما يجب فيه مجانبة النجاسة من صلاة وغيرها.

وهل يحرم على الإطلاق؟ فيه وجهان للشافعية، أما بعد الدباغ فنفس الجلد طاهر، والشعر الذي عليه نجس تبعاً لأصله، ولأجل أنه غالب ما يستعمل منه

00000000000000000000

نقض الوضوء من أكل لحم الجزور ـ الإبل

ذهب أهل العلم في ذلك مذهبين

1.  الجمهور ذهبوا إلى أن أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء، وهذا مذهب الخلفاء الأربعة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وأبي الدرداء، وأبي طلحة الأنصاري، وأبي أمامة الباهلي، وعامر بن ربيعة رضي الله عنهم، وجماهير التابعين، ومن الأئمة أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأصحابهم.

2.  وذهبت طائفة من فقهاء المحدثين من أهل العلم إلى أن أكل لحم الجزور ينقض الوضوء، منهم أحمد، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وابن المنذر، وابن خزيمة، واختاره البيهقي من أصحاب الشافعي، وهو قول الشافعي القديم.

أدلة القائلين أن أكل لحم الجزور ينقض الوضوء

استدل القائلون بأن أكل لحم الجزور ينقض الوضوء بحديثين صحيحين، هما:

1.  عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أنتوضأ من لحوم الغنم؟ فقال: إن شئت توضأ وإن شئت فلا تتوضأ؛ فقال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، توضأ من لحوم الإبل".

2.  وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: توضئوا منها؛ وسئل عن لحوم الغنم، فقال: لا تتوضئوا منها".

قال الإمام أحمد رحمه الله: (فيه حديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وقال الإمام النووي رحمه الله: (هذان حديثان صحيحان ليس عنهما جواب شافٍ، وقد اختاره جماعة من محققي أصحابنا المحدثين).

00000000000000

مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 448)

وَسُئِلَ عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ : هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَمْ لَا . وَهَلْ حَدِيثُهُ مَنْسُوخٌ ؟ .

الْجَوَابُ

فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ ؟ قَالَ : إنْ شِئْت فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْت فَلَا تَتَوَضَّأْ . قَالَ : أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ ؟ . قَالَ : نَعَمْ تَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ . قَالَ : أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ ؟ . قَالَ : نَعَمْ قَالَ أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ ؟ قَالَ : لَا } . وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ . قَالَ أَحْمَد فِيهِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ : حَدِيثُ الْبَرَاءِ وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ . وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ . مِنْهَا : مَا رَوَاهُ ابْنُ ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ وَلَا تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ ؛ وَصَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ } . وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ . وَهَذَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ أَصَحُّ وَأَبْعَدُ عَنْ الْمُعَارِضِ مِنْ أَحَادِيثِ مَسِّ الذَّكَرِ وَأَحَادِيثِ الْقَهْقَهَةِ . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِ جَابِرٍ : كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ إذْ كِلَاهُمَا فِي مَسِّ النَّارِ سَوَاءٌ فَلَمَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ هَذَا وَخَيَّرَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْآخَرِ . عُلِمَ بُطْلَانُ هَذَا التَّعْلِيلِ . وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ مَسَّ النَّارِ فَنَسْخُ التَّوَضُّؤِ مِنْ ذَلِكَ لِأَمْرِ لَا يُوجِبُ نَسْخَ التَّوَضُّؤِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى بَلْ يُقَالُ : كَانَتْ لُحُومُ الْإِبِلِ أَوَّلًا يُتَوَضَّأُ مِنْهَا كَمَا يُتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ وَغَيْرِهَا . ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْأَمْرُ الْعَامُّ الْمُشْتَرَكُ . فَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ لَحْمُ الْإِبِلِ فَلَوْ كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوخًا فَكَيْفَ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ . يُؤَيِّدُ ذَلِكَ " الْوَجْهُ الثَّانِي " وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ كَانَ بَعْدَ نَسْخِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ فَإِنَّهُ بَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ وَقَدْ أَمَرَ فِيهِ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ بَعْدَ النَّسْخِ . ( الثَّالِثُ : أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْوُضُوءِ وَفِي الصَّلَاةِ فِي الْمَعَاطِنِ أَيْضًا وَهَذَا التَّفْرِيقُ ثَابِتٌ مُحْكَمٌ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَصٌّ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فَدَعْوَى النَّسْخِ بَاطِلٌ بَلْ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّلَاةِ يُوجِبُ الْعَمَلَ فِيهِ بِالْوُضُوءِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا . ( الرَّابِعُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُضُوءَ مِنْهُ نِيئًا وَمَطْبُوخًا وَذَلِكَ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَنْسُوخًا . ( الْخَامِسُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصٌّ عَامٌّ بِقَوْلِهِ : لَا وُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ لَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ نَاسِخًا لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَبْلَهُ وَإِذَا تَعَارَضَ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ وَلَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ يَنْسَخُهُ بَلْ إمَّا أَنْ يُقَالَ الْخَاصُّ هُوَ الْمُقَدَّمُ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَإِمَّا أَنْ يُتَوَقَّفَ ؛ بَلْ لَوْ عُلِمَ أَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ الْخَاصِّ لَكَانَ الْخَاصُّ مُقَدَّمًا . ( الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْخَاصَّ بَعْدَ الْعَامِّ فَإِنْ كَانَ نَسْخٌ كَانَ الْخَاصُّ نَاسِخًا . وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَاصَّ الْمُتَأَخِّرَ هُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ فَعُلِمَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ مِثْلُ هَذَا الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ ؛ لَوْ كَانَ هُنَا لَفْظٌ عَامٌّ . كَيْفَ وَلَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ عَامٌّ يَنْسَخُ الْوُضُوءَ مِنْ كُلِّ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ . وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح { أَنَّهُ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ } وَكَذَلِكَ { أُتِيَ بِالسَّوِيقِ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ لَمْ يَتَوَضَّأْ } وَهَذَا فِعْلٌ لَا عُمُومَ لَهُ فَإِنَّ التَّوَضُّؤَ مِنْ لَحْمِ الْغَنَمِ لَا يَجِبُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ . وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ دَلِيلُ ذَلِكَ . وَأَمَّا جَابِرٌ فَإِنَّمَا نَقَلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ } وَهَذَا نَقْلٌ لِفِعْلِهِ لَا لِقَوْلِهِ . فَإِذَا شَاهَدُوهُ قَدْ أَكَلَ لَحْمَ غَنَمٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ صَحَّ أَنْ يُقَالَ التَّرْكُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ وَالتَّرْكُ الْعَامُّ لَا يُحَاطُ بِهِ إلَّا بِدَوَامِ مُعَاشَرَتِهِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ التَّرْكُ فِي قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ . ثُمَّ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ لَا يُوجِبُ تَرْكَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَلَحْمُ الْإِبِلِ لَمْ يُتَوَضَّأْ مِنْهُ لِأَجْلِ مَسِّ النَّارِ كَمَا تَقَدَّمَ ؛ بَلْ الْمَعْنَى يَخْتَصُّ بِهِ وَيَتَنَاوَلُهُ نِيئًا وَمَطْبُوخًا فَبَيْنَ الْوُضُوءِ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ . هَذَا أَعَمُّ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ . وَقَدْ يَتَّفِقُ الْوَجْهَانِ فَيَكُونُ لِلْحُكْمِ عِلَّتَانِ وَقَدْ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ التَّوَضُّؤِ مِنْ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْوُضُوءِ مِنْ الْقُبْلَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَبِّلُ فَيُمْذِي وَقَدْ يُقَبِّلُ فَلَا يُمْذِي وَقَدْ يُمْذِي مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ . فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ لَا وُضُوءَ مِنْ مَسِّ النِّسَاءِ لَمْ يَنْفِ الْوُضُوءَ مِنْ الْمَذْيِ وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ وَهَذَا بَيِّنٌ . وَأَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ : إنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْوُضُوءُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ غَسْلُ الْيَدِ أَوْ الْيَدِ وَالْفَمِ فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ . ( أَحَدُهَا أَنَّ الْوُضُوءَ فِي كَلَامِ رَسُولِنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرِدْ بِهِ قَطُّ إلَّا وُضُوءُ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي لُغَةِ الْيَهُودِ . كَمَا رُوِيَ : { أَنَّ سَلْمَانَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ بَرَكَةِ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ . فَقَالَ : مِنْ بَرَكَةِ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ } . فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ تُنُوزِعَ فِي صِحَّتِهِ وَإِذَا كَانَ صَحِيحًا فَقَدْ أَجَابَ سَلْمَانُ بِاللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَهُ بِهَا لُغَةِ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَأَمَّا اللُّغَةُ الَّتِي خَاطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا أَهْلَ الْقُرْآنِ فَلَمْ يَرِدْ فِيهَا الْوُضُوءُ إلَّا فِي الْوُضُوءِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ . ( الثَّانِي : أَنَّهُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ اللَّحْمَيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ وَالْفَمِ مِنْ الْغَمْرِ مَشْرُوعٌ مُطْلَقًا بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ مِنْ لَبَنٍ شَرِبَهُ . وَقَالَ : { إنَّ لَهُ دَسَمًا } . وَقَالَ : { مَنْ بَاتَ وَبِيَدِهِ غَمْرٌ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ } فَإِذَا كَانَ قَدْ شَرَعَ ذَلِكَ مِنْ اللَّبَنِ وَالْغَمْرِ فَكَيْفَ لَا يُشَرِّعُهُ مِنْ لَحْمِ الْغَنَمِ . ( الثَّالِثُ : أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّوَضُّؤِ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ : إنْ كَانَ أَمْرَ إيجَابٍ امْتَنَعَ حَمْلُهُ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ وَالْفَمِ وَإِنْ كَانَ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ امْتَنَعَ رَفْعُ الِاسْتِحْبَابِ عَنْ لَحْمِ الْغَنَمِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّهُ رَفَعَ عَنْ لَحْمِ الْغَنَمِ مَا أَثْبَتَهُ لِلَحْمِ الْإِبِلِ . وَهَذَا يُبْطِلُ كَوْنَهُ غَسَلَ الْيَدَ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُ الْحَدِيثِ إيجَابًا أَوْ اسْتِحْبَابًا . ( الرَّابِعُ : أَنَّهُ قَدْ قَرَنَهُ بِالصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِهَا مُفَرِّقًا بَيْنَ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يُفْهَمُ مِنْهُ وُضُوءُ الصَّلَاةِ قَطْعًا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

000000000000000

مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (ج 11 / ص 140)

الثالث : أكل لحكم الجزور ، فإذا أكل الإنسان من لحم الجزور ، الناقة أو الجمل ، فإنه ينتقض وضوؤه سواءً كان نيِّا أو مطبوخاً ، لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن سمرة ، أنه سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: " إنْ شئت " . فقال : أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : " نعم " . فكونه صلى الله عليه وسلم يجعل الوضوء من لحم الغنم راجعاً إلى مشيئة الإنسان ، وأنه لابدَّ منه ، وعلى هذا فيجب الوضوء من لحم الإبل إذا أكله الإنسان نيئاً أو مطبوخاً ، ولا فرق بين اللحم الأحمر واللحم غير الأحمر ، فينقض الوضوء أكلُ الكرش والأمعاء والكبد والقلب والشحم وغير ذلك ، وجميع أجزاء البعير ناقضٌ للوضوء ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُفصِّل وهو يعلم أن الناس يأكلون من هذا ومن هذا ، ولو كان الحكم يختلف لكان النبي صلى الله عليه وسلم يبيِّنه للناس حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم ، ثم إننا لا نعلم في الشريعة الإسلامية حيواناً يختلف حُكمه بالنسبة لأجزائه ، فالحيوان إمّا حلال أو حرام ، وإما موجب للوضوء أو غير موجب ، وأما أن يكون بعضه له حكم وبعضه له حكم فهذا لا يُعرف في الشريعة الإسلامية ، وإن كان معروفاً في شريعة اليهود كما قال الله تعالى : { وعلى الذين هادوا حرَّمنا كلَّ ذي ظفر من البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ) (1) . ولهذا أجمع العلماء على أن شحم الخنزير مُحَّرم مع أن الله تعالى لم يذكر في القرآن إلا اللحم ، فقال تعالى : ( حُرِّمت عليكم الميتة واتلدم ولحم الخنزير وما أهلَّ لغير الله به ) (2) . ولا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أن شحم الخنزير محرَّم . وعلى هذا فنقول : اللحم المذكور في الحديث بالنسبة للإبل يدخل فيه الشحم والأمعاء والكرش وغيرها .

__________

(1) سورة الأنعام ، الآية : 146.

(2) سورة المائدة ، الآية : 3 .

---------------

نواقض الوضوء المتفق عليها والمختلف فيها

أ. اتفق أهل العلم على أن الوضوء ينتقض بالآتي:

1. الخارج من السبيلين: من بول، أوغائط، أودم حيض أونفاس أواستحاضة، ونحوها المني، والمذي، والودي، والريح، والحصوة.

دليل ذلك الكتاب والسنة والإجماع:

قال تعالى: "أو جاء أحد منكم من الغائط".

وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها وكانت تستحاض: "فتوضئي وصلي، فإنما هو عرق".

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ".

وفي رواية: "لا ينصرفُ حتى يسمع صوتاً أويجد ريحاً".

2. زوال العقل أو تغطيته بـ :

1. الجنون.

2. الإغماء.

3. السكر بخمر، أومخدرات، وكل مسكر.

4. التخدير.

5. النوم مستلقياً إلا أن يكون خفيفاً.

ب. نواقض الوضوء المختلف فيها

بعد أن أجمع أهل العلم على أن الوضوء ينتقض بالخارج من السبيلين وبزوال العقل وتغطيته، اختلفوا في نقضه بالآتي:

1. الخارج من البدن من غير السبيلين، كالدم رعافاً أوغيره، والقيء.

2. أكل لحم الجزور.

3. مس الذكر.

4. مس المرأة بشهوة.

5. الردة.

6. تغسيل الميت.

وليست كلها في درجة واحدة، بل متفاوتة، ومن أهل العلم من استحب الوضوء منها خروجاً من الخلاف، والله أعلم

00000000000000000000

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 1 / ص 425)

رقم الفتوى 1795 نواقض الوضوء المجمع عليها والمختلف فيها

تاريخ الفتوى : 23 ذو الحجة 1421

السؤال

هل الأكل والشرب ينقض الوضوء وما هي النواقض . ولكم مزيد من الشكر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الأكل والشرب ليسا من نواقض الوضوء، مالم يكن المأكول لحم إبل، وذلك لأن نواقض الوضوء محصورة في ثمانية أمور بالاستقراء، بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه وهي:

1- الخارج من السبيلين قليلاً كان أو كثيراً طاهراً أو نجساً، لقوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط ) [النساء: 43] ولقوله صلى الله عليه وسلم: "فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً،" متفق عليه.

2- سيلان الدم الكثير أو القيح أو الصديد أو القيء الكثير كما يرى الحنفية والحنابلة، لما رواه الإمام أحمد والترمذي من أنه صلى الله عليه وسلم قال: " من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فليتوضأ،" أخرجه ابن ماجه. والراجح عدم النقض؛ لضعف الحديث

3- زوال العقل بجنون أو تغطيته بسكر أو إغماء أو نوم لقوله صلى الله عليه وسلم: " العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ،" رواه أحمد وابن ماجه بإسناد حسن ما لم يكن النوم يسيراً عرفاً من جالس أو قائم فلا ينقض حينئذ، لقول أنس: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينا مون ثم يصلون ولا يتوضؤون". رواه مسلم والمقصود أنهم ينامون جلوساً ينتظرون الصلاة كما هو مصرح به في بعض روايات هذا الحديث.

4- مس القبل أو الدبر باليد بدون حائل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من مس فرجه فليتوضأ رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.

5- لمس الرجل لبشرة المرأة أو لمسها لبشرته بشهوة لقوله تعالى: (أو لا مستم النساء) [النساء: 43]. والأظهر عدم نقضه للوضوء، وأن المقصود بالملامسة الجماع.

6- أكل لحم الإبل لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأ، وإن شئت لا تتوضأ"، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل". رواه مسلم.

7- غسل الميت، لأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء، وقال أبو هريرة: أقل ما فيه الوضوء.

8- الردة عن الإسلام، لقوله تعالى:( لئن أشركت ليحبطن عملك [الزمر:65].

والله تعالى أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

-----------------

الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 1 / ص 232)

نواقض الوضوء:

 

خروج شيء من أحد السبيلين :

قال الحنفية : ينتقض الوضوء بخروج النجس من الأدمي الحي من السبيلين (الدبر والذكر أو فرج المرأة) معتادا كان كالبول والغائط والمني والمذي والودي ودم الحيض والنفاس، أم غير معتاد كدم الاستحاضة. أو من غير السبيلين كالجرح والقرح والأنف والفم سواء كان الخارج دماً أو قيحاً أو قيئاً.

وقال المالكية: ينتقض الوضوء بالخارج المعتاد من المخرج المعتاد، لا حصى ودود ولو ببلة، وهذا يشمل البول والغائط والمذي والمني والودي والريح، سواء أكان خروجه في حال الصحة باختيار، أم بغير اختيار، كسلس فارق أكثر الزمن، أي ارتفع عن الشخص، زماناً يزيد على النصف. فإن لازمه كل الزمن أو أكثره أو نصفه فلا نقض، ويشمل الحدث عندهم الخارج من ثقبة تحت المعدة إن انسد السبيلان.

وعلى ذلك فالخارج غير المعتاد، والدود، والحصى، والدم، والقيح، والقيء ونحوها لا يعتبر حدثاً ولو كان من المخرج المعتاد.

وقال الشافعية: ينتقض الوضوء بخروج شيء من قبله أو دبره عيناً كان أو ريحاً، طاهراً أو نجساً، جافاً أو رطباً، معتاداً كبول أو نادراً كدم، قليلاً أو كثيراً، طوعاً أو كرهاً. إلا المني فليس خروجه ناقضاً قالوا: لأنه أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل فلا يوجب أدونهما وهو الوضوء بعمومه، وكذلك إذا انسد مخرجه وانفتح تحت معدته فخرج المعتاد.

وقال الحنابلة: الناقض للوضوء هو الخارج من السبيلين قليلاً كان أو كثيراً، نادراً كان كالدود والدم والحصى، أو معتاداً كالبول والغائط والودي والمذي والريح، طاهراً أو نجساً، وكذلك خروج النجاسات من بقية البدن، فإن كانت غائطاً أو بولاً نقض ولو قليلاً من تحت المعدة أو فوقها، سواء أكان السبيلان مفتوحين أم مسدودين. وإن كانت النجاسات الخارجة من غير السبيلين غير الغائط والبول كالقيء والدم والقيح، ودون الجراح لم ينقض إلا كثيرها.

نواقض الوضوء المتفق عليها:

اتفق الفقهاء على أن الخارج المعتاد من السبيلين كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، وأيضاً دم الحيض والنفاس يعتبر حدثاً حقيقياً قليلاً كان الخارج أو كثيراً، والدليل على ذلك قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء:43] فهو كناية عن الحدث من بول أو غائط ونحوهما. ولقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً". رواه مسلم

وهذه الأسباب بعضها حدث أكبر فيوجب الغسل كخروج المني، والحيض والنفاس، وبعضها حدث أصغر يوجب الوضوء فقط كالبول والغائط والمذي والودي والريح وسيأتي بيانه.

نواقض الوضوء المختلف فيها:

أ- ما يخرج من السبيلين نادراً:

ما يخرج من السبيلين نادراً كالدود والحصى والشعر وقطعة اللحم ونحوها تعتبر أحداثاً تنقض الوضوء عند جمهور الفقهاء: (الحنفية والشافعية والحنابلة)، لأنها خارجة من السبيلين فأشبهت المذي، ولأنها لا تخلو عن بلة تتعلق بها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلاة. رواه البخاري، ودمها خارج غير معتاد.

وذهب المالكية إلى أن الخارج غير المعتاد من السبيلين كحصى تولد بالبطن ودود لا يعتبر حدثاً ولو ببلة من بول أو غائط غير متفاحش بحيث ينسب الخروج للحصى والدود لا للبول والغائط. والقول الثاني عندهم: أنه لا وضوء عليه إلا أن تخرج الدود والحصى غير نقية.

واختلفوا في الريح الخارجة من الذكر أو قبل المرأة : فقال الحنفية والمالكية وهو رواية عند الحنابلة : لا تعتبر حدثاً، ولا ينتقض بها الوضوء، لأنها اختلاج وليس في الحقيقة ريحاً منبعثة عن محل النجاسة، وهذا في غير المفضاة، فإن كانت من المفضاة فصرح الحنفية أنه يندب لها الوضوء، وقيل: يجب، وقيل: لو منتنة، لأن نتنها دليل خروجها من الدبر.

وقال الشافعية وهو رواية أخرى عند الحنابلة: إن الخارجة من الذكر أو قبل المرأة حدث يوجب الوضوء، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح". رواه الترمذي.

ب- ما يخرج من غير السبيلين:

الخارج من غير السبيلين إذا لم يكن نجساً لا يعتبر حدثاً باتفاق الفقهاء. واختلفوا فيما إذا كان نجساً، فقال الحنفية: ما يخرج من غير السبيلين من النجاسة حدث ينقض الوضوء بشرط أن يكون سائلاً جاوز إلى محل يطلب تطهيره ولو ندباً، كدم وقيح وصديد عن رأس جرح، وكقيء ملأ الفم من مرة أو علق أو طعام أو ماء، لا بلغم، وإن قاء دماً أو قيحاً نقض وإن لم يملأ الفم عند أبي حنيفة، ويشترط عند الحنابلة أن يكون كثيراً إلا الغائط والبول فلا تشترط فيهما الكثرة عندهم.

واستثنى المالكية والشافعية من هذا الحكم ما خرج من ثقبة تحت المعدة إن انسد مخرجه، وكذلك إذا لم ينسد في قول عند المالكية، فينتقض الوضوء.

 

أسباب نواقض الوضوء:

زوال العقل أو التمييز وذلك بالنوم أو السكْر أو الإغماء أو الجنون أو نحوها. وهذه الأسباب متفق عليها بين المذاهب في الجملة. واستدل الفقهاء لنقض الوضوء بالنوم بحديث صفوان ابن عسال قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزغ ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم. رواه الترمذي.

وبما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ". رواه ابن ماجه.

واختلفت عباراتهم في كيفية النوم الناقض للوضوء:

فقال الحنفية: النوم الناقض هو ما كان مضطجعاً أو متكئاً أو مستنداً إلى شيء لو أزيل منه لسقط، لأن الاضطجاع سبب لاسترخاء المفاصل فلا يعرى عن خروج شيء عادة، والثابت عادة كالمتيقن. والاتكاء يزيل مسكة اليقظة، لزوال المقعدة عن الأرض. بخلاف النوم حالة القيام والقعود والركوع والسجود في الصلاة وغيرها، لأن بعض الاستمساك باق، إذ لو زال لسقط، فلم يتم الاسترخاء.

وذهب المالكية إلى أن الناقض هو النوم الثقيل بأن لم يشعر بالصوت المرتفع، بقربه، أو بسقوط شيء من يده وهو لا يشعر، طال النوم أو قصر. ولا ينقض بالخفيف ولو طال، ويندب الوضوء إن طال النوم الخفيف.

وعند الشافعية: إن من نام مُمَكناً مقعدته من الأرض أو نحوها لم ينقض وضوءه، وإن لم يكن ممكناً ينتقض على أية هيئة كان في الصلاة وغيرها لحديث أنس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء فينامون، أحسبه قال: قعوداً حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون. ويندب الوضوء عندهم إلا مع التمكين خروجاً من الخلاف.

وأما الحنابلة فقسموا النوم إلى ثلاثة أقسام: الأول: نوم المضطجع فينقض به الوضوء قليلاً كان أو كثيراً. الثاني: نوم القاعد، فإن كان كثيراً نقض بناء على الحديثين، وإن كان يسيراً لم ينقض لحديث أنس الذي ذكره الشافعية. الثالث: ما عدا هاتين الحالتين، وهو نوم القائم والراكع والساجد. وقد روي عن أحمد في هذه الحالات روايتان: إحداهما: ينقض مطلقاً للعموم في الحديثين، والثانية: لا ينقض، إلا إذا كثر، لحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام ثم يقوم فيصلي فقلت له: صليت ولم تتوضأ، وقد نمت، فقال: "إنما الوضوء على من نام مضطجعاً فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله رواه أبو داود والترمذي.

والعبرة في تحديد الكثير واليسير في الصحيح عندهم العرف. أما السكر والجنون والإغماء فدليل نقض الوضوء بها أنها أبلغ في إزالة المسكة من النوم، لأن النائم يستيقظ بالانتباه، بخلاف المجنون والسكران والمغمى عليه.

 

المباشرة الفاحشة دون الجماع:

وتفسيرها، كما قالت الحنفية: أن يباشر الرجل المرأة بشهوة وينتشر لها وليس بينهما ثوب ولم ير بللاً.

ولأن المباشرة على الصفة التي ذكرنا لا تخلو عن خروج المذي عادة إلا أنه يحتمل إن جف بحرارة البدن فلم يقف عليه أو غفل عن نفسه لغلبة الشبق فكانت سبباً مفضياً إلى الخروج، وهو المتحقق في مقام وجوب الاحتياط.

التقاء بشرتي الرجل والمرأة:

جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة على أن لمس بشرتي الرجل والمرأة حدث ينقض الوضوء في الجملة، لكن تختلف عباراتهم في الشروط والتفصيل.

فقال المالكية: الذي ينقض الوضوء هو اللمس بعضو أصلي أو زائد يلتذ صاحبه به عادة، ولو لظفر أو شعر أو سن، ولو بحائل خفيف يحس اللامس فوقه بطراوة الجسد، إن قصد اللذة أو وجدها بدون القصد، قالوا: وممن يلتذ به عادة الأمرد والذي لم تتم لحيته، فلا نقض بلمس جسد أو فرج صغيرة لا تشتهى عادة، ولو قصد اللذة أو وجدها، كما لا تنقض بلمس محرم بغير لذة، أم القبلة بفم فناقضة ولا تشترط فيها اللذة ولا وجودها.

وقال الشافعية: هو لمس بشرتي الذكر والأنثى اللذين بلغا حداً يشتهى، ولو لم يكونا بالغين، ولا فرق في ذلك بين أن يكون بشهوة أو إكراه أو نسيان، أو يكون الذكر ممسوحاً أو خصياً أو عنيناً، أو المرأة عجوزاً شوهاء، أو العضو زائداً أو أصليا سليماً أو أشل أو أحدهما ميتاً. والمراد بالبشرة ظاهر الجلد. وفي معناها اللحم، كلحم الأسنان واللسان واللثة وباطن العين، فخرج ما إذا كان على البشرة حائل ولو رقيقاً. والملموس في كل هذا كاللامس في نقض وضوئه في الأظهر.

ولا ينقض بلمس المحرم ولا صغيرة، وشعر، وسن، وظفر، كما لا ينقض بلمس الرجل الرجل والمرأة المرأة والخنثى مع الخنثى أو مع الرجل أو المرأة ولو بشهوة، لانتفاء مظنتها.

وقال الحنابلة: مس بشرة الذكر بشرة أنثى أو عكسه لشهوة من غير حائل غير طفلة وطفل ولو كان اللمس بزائد أو لزائد أو شلل، ولو كان الملموس ميتاً أو عجوزاً أو محرماً أو صغيرة تشتهى، ولا ينقض وضوء الملموس بدنه ولو وجد منه شهوة، ولا بلمس شعر وظفر وسن وعضو مقطوع وأمرد مسه رجل ولا مس خنثى مشكل، ولا بمسه رجلاً أو أمرأة، ولا بمس الرجل رجلاً، ولا المرأة ولو بشهوة فيهم.

هذا، ويستدل الجمهور في اعتبارهم اللمس من الأحداث بما ورد في الآية من قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} [النساء: 43] أي لمستم كما قرئ به، فعطف اللمس على المجيء من الغائط ورتب عليهما الأمر بالتيمم عند فقد الماء، فدل على أنه حدث كالمجيء من الغائط. وليس معناه (أو جامعتم) لأنه خلاف الظاهر، إذ اللمس لا يختص بالجماع. قال تعالى:{فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] وقال صلى الله عليه وسلم: "لعلك لمست". رواه أحمد

أما ما اشترطه المالكية من قصد اللذة أو وجودها والحنابلة من أن يكون اللمس بالشهوة فللجمع بين الآية وبين الأخبار التي تدل على عدم النقض بمجرد الالتقاء كما سيأتي.

أما الحنفية فلا يعتبرون مس المرأة من الأحداث مطلقاً، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما. رواه البخاري وعنها أنه صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. رواه الترمذي.

مس فرج الآدمي:

ذكر الشافعية والمالكية وهو رواية عند الحنابلة أن مس فرج الآدمي حدث ينقض الوضوء في الجملة، ولكن اختلفت عباراتهم في الشروط والتفصيل.

فقال المالكية: ينقض الوضوء مطلق مس ذكر الماس البالغ المتصل ولو كان خنثى مشكلا ببطن أو جنب لكف أو إصبع ولو كانت الإصبع زائدة وبها إحساس. ولا يشترط فيه التعمد أو الالتذاذ. أما مس ذكر غيره فيجري على حكم اللمس من تقييده بالقصد أو وجدان اللذة.

وقال الشافعية: الناقض مس قبل الآدمي ذكراً كان أو أنثى من نفسه أو غيره متصلاً أو منفصلاً ببطن الكف من غير حائل. وكذا حلقة دبره ولو فرج الميت والصغير ومحل الجب والذكر الأشل وباليد الشلاء، لا برأس الأصابع وما بينهما.

وقال الحنابلة في الرواية التي تجعل مسه حدثاً: الناقض مس ذكر الآدمي إلى أصول الأنثيين مطلقاً سواء أكان الماس ذكراً أم أنثى، صغيراً أو كبيراً بشهوة أو غيرها من نفسه أو غيره، لا مسّ منقطع ولا محل القطع، ويكون المس ببطن الكف أو بظهره أو بحرفه غير ظفر، من غير حائل، ولو بزائد.

كما ينقض مس حلقة دبر منه أو من غيره، ومس امرأة فرجها الذي بين شفريها أو فرج امرأة أخرى، ومس رجل فرجها ومسها ذكره ولو من غير شهوة.

والدليل على أن مس الفرج حدث ما رواه بسرة بن صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ" رواه الترمذي وما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر وجب عليه الوضوء" رواه أحمد وقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ". رواه أحمد.

ونص الحنفية - وهو رواية أخرى عند الحنابلة أن مس الفرج لا يعتبر من الأحداث فلا ينقض الوضوء، لحديث طلق بن علي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة فقال: "هل هو إلا بضعة منك". رواه أبو داود.

قال الحنفية: يغسل يده ندباً لحديث من مس ذكره فليتوضأ أي ليغسل يده جمعا بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم هل هو إلا بضعة منك حين سئل عن الرجل يمس ذكره بعدما يتوضأ.

القهقهة في الصلاة:

جمهور الفقهاء وهم المالكية والشافعية والحنابلة - لا يعتبرون القهقهة من الأحداث مطلقاً، فلا ينتقض الوضوء بها أصلاً ولا يجعلون فيها وضوءاً، لأنها لا تنقض الوضوء خارج الصلاة فلا تنقضه داخلها، ولأنها ليست خارجاً نجساً، بل هي صوت كالكلام والبكاء.

وذكر الحنفية في الأحداث التي تنقض الوضوء القهقهة في الصلاة إذا حدثت من مصل بالغ يقظان في صلاة كاملة ذات ركوع وسجود، سواء أكان متوضئاً أم متيمماً أم مغتسلاً في الصحيح، وسواء أكانت القهقهة عمداً أم سهواً، لقوله صلى الله عليه وسلم : "من ضحك في الصلاة قهقهة فليعد الوضوء والصلاة معا". رواه ابن عدي في الكامل.

والقهقهة ما يكون مسموعاً لجيرانه، والضحك ما يسمعه هو دون جيرانه، والتبسم ما لا صوت فيه ولو بدت أسنانه. قالوا: القهقهة تنقض الوضوء وتبطل الصلاة معاً، والضحك يبطل الصلاة خاصة، والتبسم لا يبطل شيئاً. وعلى ذلك فلا يبطل وضوء صبي ونائم بالقهقهة في الصلاة عند الحنفية، كما لا ينقض وضوء من قهقه خارج الصلاة، أو من كان في صلاة غير كاملة، كصلاة الجنازة وسجدة التلاوة.

فوجب الوضوء بها عقوبةً وزجراً، لأن المقصود بالصلاة إظهار الخشوع والخضوع والتعظيم لله تعالى، والقهقهة تنافي ذلك فناسب انتقاض وضوئه زجراً له.

فهي ليست حدثاً وإلا لاستوى فيه جميع الأحوال مع أنها مخصوصة بأن تكون في الصلاة الكاملة من مصل بالغ.

أكل لحم الجزور "الإبل":

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء كأكل سائر الأطعمة لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل" رواه الدارقطني ولما روى جابر قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسته النار) رواه أبو داود، ولأنه مأكول أشبه سائر المأكولات في عدم النقض، والأمر بالوضوء فيه محمول على الاستحباب أو الوضوء اللغوي وهو غسل اليدين.

وصرح الحنابلة بأن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كل حال نيئاً ومطبوخاً، عالماً كان الآكل أو جاهلاً. لقوله عليه الصلاة والسلام: "توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم". رواه أبو داود.

وقالوا: إن وجوب الوضوء من أكل لحم الجزور تعبدي لا يعقل معناه فلا يتعدى إلى غيره، فلا يجب الوضوء بشرب لبنها، ومرق لحمها، وأكل كبدها وطحالها وسنامها وجلدها وكرشها ونحوه.

غسل الميت:

ذهب جمهور الفقهاء وهو قول بعض الحنابلة: إلى عدم وجوب الوضوء بتغسيل الميت، لأن الوجوب يكون من الشرع، ولم يرد في هذا نص فبقي على الأصل. ولأنه غسل آدمي فأشبه غسل الحي، وما روي عن أحمد في هذا محمول على الاستحباب.

ويرى أكثر الحنابلة أن من غسل الميت أو بعضه ولو في قميص يجب عليه الوضوء سواء أكان المغسول صغيراً أم كبيراً، ذكراً أم أنثى، مسلماً أم كافراً. لما روي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء، ولأن الغالب فيه أنه لا يسلم أن تقع يده على فرج الميت فتقام مظنة ذلك مقام حقيقته كما أقيم النوم مقام الحدث.

الردة:

الردة - وهي الإتيان بما يخرج من الإسلام بعد تقرره - حدث حكمي تنقض الوضوء عند الحنابلة المالكية، فالمرتد إذا عاد إلى الإسلام ورجع إلى دين الحق فليس له الصلاة حتى يتوضأ وإن كان متوضئاً قبل ردته ولم ينقض وضوءه بأسباب أخرى.

لقوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] والطهارة عمل.

ولم يعد الحنفية والشافعية الردة من أسباب الحدث فلا ينقض الوضوء بها عندهم لقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة: 217] فشرط الموت بعد الردة لحبوط العمل - كما قال ابن قدامة.

الشك في الحدث:

ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الشك لا يجب به الوضوء. فلو أيقن بالطهارة (أي علم سبقها) وشك في عروض الحدث بعدها فهو على الطهارة، ومن أيقن بالحدث وشك في الطهارة فهو على الحدث، لأن اليقين لا يزول بالشك، والأصل في ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لم يخرج فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" رواه مسلم.

ولو تيقنهما ولم يعلم الآخر منهما، مثل من تيقن أنه كان في وقت الظهر متطهراً مرة ومحدثاً أخرى ولا يعلم أيهما كان لاحقاً يأخذ بضد ما قبلهما عند الحنابلة وعند الشافعية، وعلى ذلك فإن كان قبلهما محدثاً فهو الآن متطهر لأنه تيقن الطهارة وشك في تأخر الحدث عنها والأصل عدم تأخره، وإن كان قبلهما متطهراً فهو الآن محدث، لأنه تيقن الحدث وشك في تأخر الطهارة عنه، والأصل عدم تأخرها، فإن لم يعلم ما قبلهما لزمه الوضوء لتعارض الاحتمالين من غير مرجح.

أما المالكية فقد صرحوا بنقض الوضوء بشك في حدث بعد طهر عُلِمَ، فإن أيقن بالوضوء ثم شك فلم يدر أحدث بعد الوضوء أم لا فليعد وضوءه إلا أن يكون الشك مستنكحاً (الشك المستنكح هو الذي يأتي كل يوم ولو مرة). فمن شك أثناء صلاته هل هو على وضوء أم لا فتمادى على صلاته وهو على شكه ذلك، فلما فرغ من صلاته استيقن أنه على وضوئه فإن صلاته مجزئة، لأنه دخل في الصلاة بطهارة متيقنة، فلا يؤثر فيها الشك الطارئ. أما إذا طرأ عليه الشك في طهارته قبل دخوله في الصلاة فوجب ألا يدخل في الصلاة إلا على طهارة متيقنة. وينتقض الوضوء عندهم أيضاً بشك في السابق من الوضوء والحدث سواء كانا محققين أو مظنونين أو مشكوكين أو أحدهما محققاً أو مظنوناً والآخر مشكوكاً أو أحدهما محققاً والآخر مظنوناً.

وعند الحنفية أنه لو تيقنهما وشك في السابق فهو متطهر ولو شك في بعض وضوئه - وهو أول ما شك - غسل الموضع الذي شك فيه لأنه على يقين من الحدث فيه، وإن صار الشك في مثله عادة له بأن يعرض له كثيراً لم يلتفت إليه، لأنه من باب الوسوسة فيجب قطعها . لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتَيْه فلا يتصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، رواه البيهقي.

---------------

الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 111 / ص 23)

نواقض الوضوء

139 - ذهب الحنفية إلى أن المقصود بنقض الوضوء هو إخراج الوضوء عن إفادة المقصود منه كاستباحة الصلاة.

وقال المالكية هو انتهاء حكم الوضوء المنقوض أو رفع استمرار حكمه مما كان يباح به من صلاة وغيرها كما ينتهي حكم 43 386 النكاح بالموت.

وقد ذكر الفقهاء نواقض الوضوء بعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه، وذلك على التفصيل الآتي

أولا - الخارج من السبيلين أو خروج شيء منهما

أولا - الخارج من السبيلين أو خروج شيء منهما

140- ذهب الفقهاء -في الجملة- إلى أن من المعاني الناقضة للوضوء، أي العلل المؤثرة في إخراج الوضوء عما هو المطلوب به.. خروج شيء من السبيلين، لقوله تعالى { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكمْ مِنَ الْغَائِطِ }

والغائط حقيقة المكان المطمئن الذي يقضي فيه الناس حاجتهم، وليست حقيقته مرادة، فجعل مجازا عن الأمر المحوج إلى المكان المطمئن، ولهذه الأشياء تحوج إليه لتفعل فيه تسترا عن الناس على ما عليه العادة، حتى لو جاء أحد من الغائط أي المكان المطمئن من غير حاجة لا يجب عليه الوضوء إجماعا .

وللفقهاء تفصيل في كون الخارج معتادا كالبول والغائط أو غير معتاد، بل يكون نادرا كالدود والحصى، وفي كون الخارج من أحد السبيلين -الدبر والذكر أو فرج المرأة- أو من غيره، من تحت المعدة أو من فوقها، وكان السبيلان مفتوحين أو مسدودين أو.................... الخ.

(ر حدث ف 6 - 10).

ثانيا خروج النجاسات من غير السبيلين

ثانيا خروج النجاسات من غير السبيلين

141- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء، أو عدم نقضه بخروج شيء من النجاسات من سائر البدن غير السبيلين.

فقال المالكية والشافعية إنه غير ناقض للوضوء، وإنما يلزم تطهير الموضع الذي أصابته النجاسة الخارجة من سائر البدن، ويبقى الوضوء إلا إذا انتقض بسبب آخر.

ونص الحنفية والحنابلة على أن النجاسات الخارجة من سائر البدن غير السبيلين- كالقيء والدم ونحوهما- ناقضة للوضوء، وذلك في الجملة على اختلاف بينهم في ذلك.

(ر حدث ف 10).

ثالثا زوال العقل الحدث الحكمي

أ - النوم

43 387 ثالثا زوال العقل الحدث الحكمي

ثالثا زوال العقل قد يكون بالنوم أو الجنون أو السكر أو الإغماء أو الغشي.

أ - النوم

اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بالنوم إلى رأيين

142- الرأي الأول

يرى جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أن النوم ناقض للوضوء في الجملة ، واستدلوا بحديث ( "العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ" ) وحديث ( إن العينين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء )

ثم اختلفوا في بعض التفاصيل

143 - أما الحنفية فالنائم عندهم إما أن يكون مضطجعا أو متوركا ، أو يكون مستندا على شيء لو أزيل عنه لسقط ، أو نام قائما أو راكبا أو ساجدا.

أ - فإن كان مضطجطعا أو متوركا نقض وضوؤه لحديث ( "إنما الوضوء على من نام مضطجعا" ) إن من اضطجع استرخت مفاصله غاية الاسترخاء بحالة الاضطجاع فيكون بمظنة خروج الريح.

ب - وألحق به من نام متوركا لزوال مقعديهما من الأرض.

وإن كان مستندا إلى شيء لو أزيل عنه لسقط فهذا لا يخلو إما أن يكون مقعدته 43 388 زائلة من الأرض أو لا، فإن كانت زائلة نقض بالإجماع بين أئمتهم، وإن كانت غير زائلة ذكر القدوري أنه ينقض، وهو مروي عن الطحاوي .

وقال الزيلعي الصحيح أنه لا ينقض، ورواه أبو يوسف عن أبي حنيفة .

ج- وإن كان النائم قائما أو راكعا أو ساجدا فإنه إن كان في الصلاة لا ينتقض وضوءه، لقوله صلى الله عليه وسلم ( "لا وضوء على من نام قائما أو راكبا أو ساجدا" ) وإن كان خارج الصلاة، فكذلك على الصحيح إن كان على هيئة السجود بأن كان رافعا بطنه عن فخذيه مجافيا عضديه عن جنبيه وإلا انتقض وضوءه.

د- واختلفوا في المريض إذا كان يصلي مضطجعا فنام، قال الزيلعي فالصحيح انتفاض وضوئه للحديث ( "إنما الوضوء على من نام مضطجعا" )

هـ- ولو نام قاعدا أو قائما فسقط على وجهه أو جنبه إن انتبه قبل سقوطه، أو حالة سقوطه، أو سقط نائما وانتبه من ساعته لا ينتقض الوضوء، وإن استقر بعد السقوط نائما ثم انتبه انتقض لوجود النوم مضطجعا، وعن أبي يوسف ينتقض بالسقوط لزوال الاستمساك حيث سقط.

وعن محمد بن الحسن إن انتبه قبل أن تزايل معقدته الأرض لم ينتقض، وإن زايلها وهو نائم انتقض، وهو مروي عن أبي حنيفة وقال الزيلعي والظاهر الأول.

وقال الحنفية الصحيح أن النوم نفسه ليس بحدث وإنما الحدث ما لا يخلو عنه النائم، فأقيم السبب الظاهر -وهو النوم هنا- مقامه كالسفر ونحوه .

144- وللمالكية طريقتان في اعتبار النوم ناقضا

الأولى طريقة اللخمي، وظاهر هذه الطريقة أن المعتبر في النقض صفة النوم ولا عبرة بهيئة النائم من اضطجاع أو قيام أو غيرهما، فمتى كان النوم ثقيلا نقض، سواء كان النائم مضجعا أو ساجدا أو جالسا، أو قائما، وعلامة النوم الثقيل هو ما لا يشعر 43 389 صاحبه بصوت مرتفع أو كان بيده مروحة فسقطت ولم يشعر بها، وإن كان النوم غير ثقيل فلا ينتقض على أي حال.

الطريقة الثانية اعتبر بعضهم صفة النوم مع الثقل، وصفة النائم مع النوم غير الثقيل، وقالوا إن النوم ثقيل يجب منه الوضوء على أي حال، وأما غير الثقيل فيجب الوضوء في الاضطجاع والسجود، ولا يجب في القيام والجلوس.

وعزي هذه الطريقة لعبد الحق وغيره.

ولكن الطريقة الأولى هي الأشهر عندهم .

145- وقال الشافعية إن النوم ينقض الوضوء كيفما كان إلا نوم المتمكن مقعده من الأرض أو غيرها، فلا ينقض وضوءه، وإن استند إلى ما لو زال لسقط لأمن خروج شيء حينئذ من دبره.

ولا عبرة لاحتمال خروج شيء من قبله، لأنه نادر، والنادر لا حكم له، ولأثر أنس رضي الله عنه قال "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون" . وفي رواية "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم" .

وحمل على نوم المتمكن مقعده في الأرض جميعا بين الحديثين، ودخل في ذلك ما لو نام محتبيا .

وذكر النووي مسائل تتعلق بالتفريع على المذهب، وهو أن نوم المتمكن مقعده لا ينقض وغيره ينقض

المسألة الأولى قال الشافعي في الأم والمختصر والأصحاب يستحب للنائم ممكنا أن يتوضأ؛ لاحتمال خروج حدث، وللخروج من خلاف العلماء.

المسألة الثانية لو تيقن النوم وشك هل كان ممكنا أم لا فلا وضوء عليه.

المسألة الثالثة نام جالسا فزالت ألياه أو إحداهما عن الأرض، فإن زالت قبل الانتباه 43 390 انتقض؛ لأنه مضى لحظة وهو نائم غير ممكن، وإن زالت بعد الانتباه أو معه، أو لم يدر أيهما سبق لم ينتقض؛ لأن الأصل الطهارة .

المسألة الرابعة نام ممكنا مقعده من الأرض مستندا إلى حائط أو غيره لا ينتقض وضوءه، سواء أكان بحيث لو وقع الحائط لسقط أم لا، وهذا لا خلاف فيه بين أصحابنا.

المسألة الخامسة قليل النوم وكثيره عندنا سواء، نص عليه الشافعي والأصحاب، فنوم لحظة ونوم يومين سواء في جميع التفصيل والخلاف.

المسألة السادسة قال أصحابنا لا فرق في نوم القاعد الممكن بين قعوده متربعا أو مفترشا أو متوركا أو غيره من الحالات بحيث يكون مقعده لاصقا بالأرض أو غيرها متمكنا، وسواء القاعد على الأرض وراكب السفينة والبعير وغيره من الدواب فلا ينتقض الوضوء بشيء من ذلك، نص عليه الشافعي في الأم، واتفق عليه الأصحاب.

ولو نام محتبيا -وهو أن يجلس على ألييه رافعا ركبتيه محتويا عليهما بيديه أو غيرهما- ففيه ثلاثة أوجه حكاها الماوردي والروياني أحدها لا ينتقض كالمتربع، والثاني ينتقض كالمضطجع، والثالث إن كان نحيف البدن بحيث لا تنطبق ألياه على الأرض انتقض وإلا فلا، والمختار الأول.

المسألة السابعة إذا نام مستلقيا على قفاه وألصق ألييه بالأرض فإنه يستبعد خروج الحدث منه، ولكن اتفق الأصحاب على أنه ينتقض وضوءه؛ لأنه ليس كالجالس الممكن، فلو استثفر وتلجم بشيء فالصحيح المشهور الانتقاض أيضا .

146- وقال الحنابلة النوم ينقسم إلى ثلاثة أقسام

أ- نوم المضطجع فينقض الوضوء يسيره وكثيره في قول كل من يقول بنقضه بالنوم.

ب- ونوم القاعد إن كان كثيرا نقض، وإن كان يسيرا لم ينقض.

واستدلوا بعموم حديث ( "فإذا نامت العينان استطلق الوكاء" ) وحديث ( "فمن نام فليتوضأ". )

وقول صفوان بن عسال -رضي الله عنه- ( "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من 43 391 غائط وبول ونوم" ) وقالوا وإنما خصصناهما في اليسير لحديث أنس -رضي الله عنه- "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون" وليس فيه بيان كثرة ولا قلة، فإن النائم يخفق رأسه في يسير النوم، فهو يقين في اليسير فيعمل به، وما زاد عليه فهو محتمل لا يترك له العموم المتيقن، ولأنه نقض الوضوء بالنوم يعلل بإفضائه إلى الحدث ومع الكثرة والغلبة يفضي إليه، ولا يحس بخروجه منه، بخلاف اليسير، ولا يصح قياس الكثير على اليسير لاختلافهما في الإفضاء إلى الحدث، وعن الإمام أحمد ينقض، وعنه لا ينقض نوم الجالس ولو كان كثيرا.

واختاره الشيخ ابن تيميه، وحكي عنه لا ينقض غير نوم المضطجع.

ج- وما عدا هاتين الحالتين هو "نوم القائم والراكع والساجد" فروي عن أحمد في جميع ذلك روايات إحداهما ينقض وهو المذهب؛ لأنه لم يرد في تخصيصه من عموم أحاديث النقض نص، ولا هو في معنى المنصوص؛ لكون القاعد متحفظا لاعتماده بمحل الحدث إلى الأرض، والراكع والساجد ينفرج محل الحدث منهما.

والثانية لا ينقض إلا إذا كثر، وعليه جمهور الأصحاب.

والثالثة لا ينقض نوم الراكع، وينقض نوم الساجد .

وأما نوم القاعد المستند والمحتبي فقد اختلف الحنابلة في أثره على الوضوء.

فالصحيح من المذهب أنه ينقض يسيره؛ لأنه معتمد على شيء فهو كالمضطجع .

وعن أحمد لا ينقض يسيره.

قال أبو داود سمعت أحمد قيل له الوضوء من النوم؟ قال إذا طال، قيل فالمحتبي؟ قال يتوضأ، قيل فالمتكئ؟ قال الاتكاء شديد، والمتساند كأنه أشد -يعني من الاحتباء- ورأى منها كلها الوضوء إلا أن يغفو قليلا .

43 392 وقال ابن قدامة والأولى أنه متى كان معتمدا بمحل الحدث على الأرض أن لا ينقض منه إلا الكثير؛ لأن دليل انتفاء النقض في القاعد لا تفريق فيه فيسوى بين أحواله .

ثم اختلف علماء الحنابلة في تحديد الكثير من النوم الذي ينقض الوضوء.

فقال أبو يعلى ليس للقليل حد يرجع إليه، وهو على ما جرت به العادة، وقيل حد الكثير ما يتغير به النائم عن هيئته مثل أن يسقط على الأرض، ومنها أن يرى حلما.

وقال ابن قدامة والصحيح أنه لا حد له؛ لأن التحديد إنما يعرف بتوقيف، ولا توقيف في هذا، فمتى وجدنا ما يدل على الكثرة مثل سقوط المتمكن وغيره انتقض وضوءه، وإن شك في كثرته لم ينتقض وضوءه؛ لأن الطهارة متيقنة فلا تزول بالشك .

وقال من لم يغلب على عقله فلا وضوء عليه؛ لأن النوم الغلبة على العقل، وقال بعض أهل اللغة في قوله تعالى { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } هي ابتداء النعاس في الرأس، فإذا وصل إلى القلب صار نوما، ولأن الناقض زوال العقل، ومتى كان ثابتا وحسه غير زائل، مثل من يسمع ما يقال عنده ويفهمه فلم يوجد سبب النقض من حقه.

وإن شك هل نام أم لا أو خطر بباله شيء لا يدري أرؤيا هو أم حديث نفس؟ فلا وضوء عليه .

الرأي الثاني

147- حكي عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- وأبي مجلز وحميد الأعرج وعمرو بن دينار أن النوم لا ينقض الوضوء، واستدلوا بما ورد عن أنس -رضي الله عنه- قال ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون" )

وعن سعيد بن المسيب أنه كان ينام مرارا مضطجعا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد الوضوء، وقال ابن قدامة لعلهم ذهبوا إلى أن النوم ليس بحدث في نفسه، والحدث مشكوك فيه، فلا يزول اليقين بالشك .

قال المرداوي نقل الميموني لا ينقض 43 393 النوم الوضوء بحال، واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية إن ظن بقاء طهره، وقال الخلال هذه الرواية خطأ بين .

ب- الإغماء

ج- الجنون

د- السكر

ب- الإغماء

148- اتفق الفقهاء على أن الإغماء ينقض الوضوء، ومنه الغشي .

(ر إغماء، ف6).

ج- الجنون

149- اتفق الفقهاء على أن الجنون قليلا كان أو كثيرا ينقض الوضوء .

(ر جنون، ف10).

د- السكر

150- اتفق الفقهاء على أن السكر ناقض للوضوء .

(ر حدث ف11).

رابعا مس فرج الآدمي

خامسا التقاء بشرتي الرجل والمرأة

رابعا مس فرج الآدمي

151- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بمس فرج الآدمي ذكرا كان أم أنثى أم خنثى، والتفصيل في مصطلح (حدث ف14، فرج ف5، 4، مس ف18، خنثى ف9).

خامسا التقاء بشرتي الرجل والمرأة

152- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بمس بشرة الرجل بشرة الأنثى، والتفصيل في مصطلح (حدث ف13، أنوثة ف21).

سادسا الردة

سادسا الردة

153- اختلف الفقهاء في كون الارتداد عن الإسلام -والعياذ بالله تعالى- ناقضا للوضوء .

فذهب الحنفية والشافعية في الأصح وجماعة من المالكية والحنابلة في رواية إلى أن الردة بذاتها ليست من نواقض الوضوء، وإنما تكون محبطة للعمل في حال اتصالها بالموت، وعليه فمن ارتد وهو متوضئ ثم عاد إلى الإسلام لم ينتقض وضوءه بردته ذاتها إن لم يكن انتقض لسبب آخر.

ونص الشافعية على أن الردة إن اتصلت بالموت فهي محبطة للعمل والثواب وإن لم تتصل به فهي محبطة للثواب دون العمل، بمعنى أن من ارتد عن الإسلام ثم عاد إليه لا يثاب على علمه السابق ولا يطالب بإعادته، 43 394 ومن اتصلت ردته بالموت لم يثب أيضا.

وقال المالكية في المعتمد عندهم والحنابلة في الصحيح من المذهب والشافعية في وجه إن الردة عن الإسلام تنقض الوضوء، لقول الله تعالى { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } فمن كان على وضوء وارتد انتقض هذا الوضوء بالردة ذاتها وبمجرد حدوثها؛ لأن الوضوء عمل فيحبط بنص الآية، ولأن الوضوء عبادة يفسدها الحدث فأفسد الشرك كالصلاة والتيمم، وقالوا الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يستحيل منه الردة شرعا، فقد علم الله -تعالى- أنه صلى الله عليه وسلم لا يشرك ولا يقع منه إشراك.

وروى موسى بن معاوية عن ابن القاسم ندب الوضوء من الردة .

وقال الصاوي معنى إحباط العمل من حيث الثواب، ولا يلزم من بطلان ثوابه إعادته، فلهذا لا يطالب بعدها بقضاء ما قدمه من صلاة وصيام، وإنما وجب الوضوء على القول المعتمد؛ لأنه صار بعد توبته -أي عودته إلى الإسلام- بمنزلة من بلغ حينئذ، فوجب عليه الوضوء لموجبه، وهو إرادة القيام إلى الصلاة .

سابعا القهقهة في الصلاة

154- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة، فذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى أن القهقهة في الصلاة لا تنقض الوضوء، وتفسد الصلاة.

واستحب الشافعية الوضوء من الضحك في الصلاة .

وذهب الحنفية -وهو ما روي عن الحسن والنخعي والثوري - إلى أن القهقهة في صلاة كاملة -وهي ما لها ركوع وسجود- تنقض الوضوء، وتفسد الصلاة .

(ر حدث ف15- 16، قهقهة ف4- 5).

ثامنا أكل ما مسته النار

43 395 ثامنا أكل ما مسته النار

155- اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بأكل ما مسته النار على قولين

أحدهما لا يجب الوضوء بأكل شيء مما مسته النار، وبه قال جمهور العلماء، وهو محكي عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي طلحة وأبي الدرداء وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي أمامة -رضي الله عنهم-، وبه قال جمهور التابعين والحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

واحتجوا بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم ( "أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ" ) وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( "الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل" ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما- يعني الخارج النجس ولم يوجد، وبما روى جابر -رضي الله عنه- قال ( "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار" )

والثاني يجب الوضوء مما مسته النار، وهو قول عمر بن عبد العزيز والحسن والزهري وأبي قلابة وأبي مجلز، وحكاه ابن المنذر عن جماعة من الصحابة ابن عمر وأبي طلحة وأبي موسى وزيد بن ثابت وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم، واحتجوا بما رواه زيد بن ثابت وأبو هريرة وعائشة -رضي الله عنهم- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( "توضئوا مما مست النار" )

تاسعا الوضوء من أكل لحم الجزور

تاسعا الوضوء من أكل لحم الجزور

156- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بأكل لحم الجزور والإبل، على قولين

43 396 الأول يرى جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية في الجديد الصحيح والحنابلة في قول) وهو ما حكي عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي طلحة وأبي الدرداء وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي أمامة -رضي الله عنهم- أنه لا ينقض الوضوء كأكل سائر الأطعمة .

ولحديث ( "الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل" )

قال ابن عباس -رضي الله عنه- الوضوء مما يخرج، يعني الخارج من النجس ولم يوجد، قال الكاساني والمعنى في المسألة أن الحدث هو خروج النجس حقيقة أو ما هو سبب الخروج ولم يوجد.

الثاني يجب الوضوء من أكل لحم الجزور خاصة لا فرق بين قليله وكثيره، وكونه نيئا أو غير نيئ، وهو قول الشافعي في القديم، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وحكاه الماوردي عن جماعة من الصحابة زيد بن ثابت وابن عمر وأبي موسى وأبي طلحة وأبي هريرة وعائشة، وحكاه ابن المنذر عن جابر الصحابي رضي الله عنه، ومحمد بن إسحاق وأبي ثور وأبي خيثمة، واختاره ابن خزيمة وابن المنذر .

واحتجوا بحديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه- ( "أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ، قال أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم، فتوضأ من لحوم الإبل" )

وعن البراء -رضي الله عنه- ( "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال توضئوا منها" )

وللحنابلة في نقض الوضوء بأكل لحوم الإبل تفصيل

فالمذهب أن الوضوء ينتقض بأكل لحوم الجزور، سواء علمه أو جهله، وسواء كان نيئا 43 397 أو مطبوخا، وسواء كان عالما بالحديث الوارد في ذلك أو لا؟

وعن أحمد ينقض نيئه دون مطبوخه، وعنه لا ينقض مطلقا، اختاره يوسف الجوزي والشيخ تقي الدين ابن تيميه .

وعنه إن علم النهي نقض وإلا فلا، اختاره الخلال وغيره .

واختلف الحنابلة كذلك بنقض الوضوء ببقية أجزاء الإبل كأكل سنامها ودهنها وقلبها وكبدها وطحالها وكرشها ومصرانها.

فالمذهب أنه لا ينقض؛ لأن النص لا يتناوله، والثاني ينقض .

وصرحوا بأن الوضوء لا ينتقض بشرب لبن الإبل وشرب مرق لحمها؛ لأن الأخبار إنما وردت في اللحم، والحكم فيه غير معقول المعنى، فيقتصر على ما ورد النص فيه، وعن أحمد ينقض شرب لبنها .

(ر حدث ف17) .

عاشرا- أكل الأطعمة المحرمة

عاشرا- أكل الأطعمة المحرمة

157- اختلف الحنابلة في انتقاض الوضوء بأكل الطعام المحرم

فقد ورد عن الإمام أحمد ينقض الوضوء الطعام المحرم، وعنه ينقض اللحم المحرم مطلقا، وعنه ينقض لحم الخنزير فقط.

وقال أبو بكر وبقية النجاسات تخرج عليه.

والمذهب عند الحنابلة أنه لا نقض بأكل ما سوى لحم الإبل من اللحوم، سواء كانت مباحة أو محرمة كلحوم السباع، لكون النقض بلحم الإبل تعبدي؛ فلا يتعدى إلى غيره.

قال المرداوي ظاهر كلام المصنف أن أكل الأطعمة المحرمة لا ينقض الوضوء، وهو صحيح، وهو المذهب، وعليه الأصحاب .

حادي عشر غسل الميت

158- لم يذكر جمهور الفقهاء غسل الميت ضمن نواقض الوضوء.

ونص الحنفية على أنه يستحب الوضوء بعد غسل الميت.

43 398 والصحيح من المذهب عند الحنابلة أن غسل الميت ينقض الوضوء.

ولبعض الحنابلة احتمال بعض النقض إذا غسله الغاسل في قميص .

(ر حدث ف18).

ثاني عشر الشك في الوضوء أو عدمه

ثاني عشر الشك في الوضوء أو عدمه

159- اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بالشك

فذهب المالكية إلى أن من نواقض الوضوء الشك؛ لأن الذمة لا تبرأ مما طلب منها إلا بيقين، ولا تعين عند الشاك، والمراد باليقين ما يشمل الظن.

وللشك الموجب للوضوء عندهم ثلاث صور

الأولى أن يشك بعد علمه بتقدم طهره، هل حصل منه ناقض من حدث أو سبب أم لا؟

والثانية أن يشك بعد علم حدثه، هل حصل منه وضوء أم لا؟

والثالثة علم كلا من الطهر والحدث، وشك في السابق منهما .

وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الشك في بقاء الوضوء أو عدمه ليس من نواقض الوضوء، فمن أيقن أنه كان متوضئا، وشك في حدوث ناقض للوضوء، وعكسه وهو من أيقن أنه كان محدثا وشك في طروء الوضوء.. عمل بيقينه في كلتا الحالتين وهو السابق منهما، قال في فتح القدير كما نقل ابن عابدين إلا إن تأيد اللاحق؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، فمن ظن الضد -أي ضد اليقين- لا يعمل بظنه؛ لأن استصحاب اليقين أقوى منه، فعلم بذلك أن المراد باليقين استصحابه، وإلا فاليقين لا يجامعه شك، ولخبر مسلم ( "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" )

43 399

ثالث عشر- الغيبة والكلام القبيح

160- حكي عن أحمد رواية أن الوضوء ينتقض بالغيبة.

وذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب الوضوء الشرعي من الكلام القبيح كالغيبة والنميمة والكذب والقذف وقول الزور والفحش وأشباهها .

وورد عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت "يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء يقولها" .

000000000000000000000

من تيقن الطهارة وشك في الحدث أو العكس

من تيقن أنه اغتسل أو توضأ ولكنه شك هل أحدث أم لا؟ يبني على اليقين، وهو الطهارة، وعكسه من تيقن أنه أحدث وشك هل تطهر أم لا؟ بنى على اليقين وهو الحدث، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أويجد ريحاً".

ومن أهل العلم من ذهب إلى عكس ذلك، فإن تيقن أنه طاهر، وشك في الحدث بنى على الشك، والراجح القول الأول، والله أعلم

0000000000000

الوسواس فى الصلاة

دائماً في الصلاة يوجد لدي إحساس بأني أريد دخول الحمام أثناء الصلاة وبعد الصلاة عند دخولي الحمام لا أفعل أي شيء سوى الدخول إلى الحمام فقط هل تجوز صلاتي أم يجب الإعادة؟

ما دام لم ينزل ما ينقض الوضوء قبل وأثناء الصلاة فالصلاة صحيحة. فقد روي أن رجلاً قال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة  ـ يعني هل تصح صلاته ـ فقال الرسول : (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) تعني مجرد الشك في الحدث لا ينقض الوضوء ولا يبطل الصلاة أما التأكيد في الحدث فهو الذي يبطل الصلاة. والشك وسوسة.

0000000000000

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 3 / ص 8608)

رقم الفتوى 28327 حكم من شك في انتقاض وضوئه أثناء الصلاة

تاريخ الفتوى : 07 ذو الحجة 1423

السؤال

إذا شككت في انتقاض وضوئي وأنا أصلي في المسجد ولم يكن هناك حمام هل أكمل الصلاة؟

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فمن دخل في صلاته متيقناً طهارته فلا يجوز له أن ينصرف عنها لمجرد الشك في الحدث، لأن القاعدة الفقهية المقررة عند الفقهاء هي أن اليقين لا يزول بالشك، ومستند هذه القاعدة الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً. فإذا تيقن الحدث انصرف من صلاته سواء كان هناك حمام أم لا؛ لأن الصلاة قد بطلت فلا يجوز الاستمرار فيها، وعليه أن يطلب الماء حتى يجده ويتوضأ ويصلي، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 2330 .

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

00000000000000

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 3 / ص 9032)

رقم الفتوى 28685 الشك في الحدث بعد تيقن الطهارة ملغى

تاريخ الفتوى : 14 ذو الحجة 1423

السؤال

ما حكم من دخل الصلاة وبعد الركعة الثانية حدث له شك في الوضوء، ولم يتحقق من هذا الشك حتى انتهى من الصلاة، مع العلم بأنه إمام؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالذي عليه جمهور الفقهاء أن الشخص إذا شك في الناقض بعد تيقن الوضوء فلا يؤثر ذلك في صحة وضوئه؛ لحديث عباد بن تميم المتفق عليه قال: شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد ريحاً، فقال: لا ينصرف حتى يمسع صوتاً أو يجد ريجاً.

وعلى هذا فصلاة الإمام المذكور ومن خلفه صحيحة وانظر الفتوى رقم:

976 .

وهذا بناء على أن الشك المذكور بعد تيقن الوضوء.

أما لو شك في حصول الوضوء بعد تيقن الحدث فالصلاة باطلة، قال الخرقي: من تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما تيقن منهما. انتهى

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

00000000

الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 1 / ص 241)

الشك في الحدث:

ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الشك لا يجب به الوضوء. فلو أيقن بالطهارة (أي علم سبقها) وشك في عروض الحدث بعدها فهو على الطهارة، ومن أيقن بالحدث وشك في الطهارة فهو على الحدث، لأن اليقين لا يزول بالشك، والأصل في ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لم يخرج فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" رواه مسلم.

ولو تيقنهما ولم يعلم الآخر منهما، مثل من تيقن أنه كان في وقت الظهر متطهراً مرة ومحدثاً أخرى ولا يعلم أيهما كان لاحقاً يأخذ بضد ما قبلهما عند الحنابلة وعند الشافعية، وعلى ذلك فإن كان قبلهما محدثاً فهو الآن متطهر لأنه تيقن الطهارة وشك في تأخر الحدث عنها والأصل عدم تأخره، وإن كان قبلهما متطهراً فهو الآن محدث، لأنه تيقن الحدث وشك في تأخر الطهارة عنه، والأصل عدم تأخرها، فإن لم يعلم ما قبلهما لزمه الوضوء لتعارض الاحتمالين من غير مرجح.

أما المالكية فقد صرحوا بنقض الوضوء بشك في حدث بعد طهر عُلِمَ، فإن أيقن بالوضوء ثم شك فلم يدر أحدث بعد الوضوء أم لا فليعد وضوءه إلا أن يكون الشك مستنكحاً (الشك المستنكح هو الذي يأتي كل يوم ولو مرة). فمن شك أثناء صلاته هل هو على وضوء أم لا فتمادى على صلاته وهو على شكه ذلك، فلما فرغ من صلاته استيقن أنه على وضوئه فإن صلاته مجزئة، لأنه دخل في الصلاة بطهارة متيقنة، فلا يؤثر فيها الشك الطارئ. أما إذا طرأ عليه الشك في طهارته قبل دخوله في الصلاة فوجب ألا يدخل في الصلاة إلا على طهارة متيقنة. وينتقض الوضوء عندهم أيضاً بشك في السابق من الوضوء والحدث سواء كانا محققين أو مظنونين أو مشكوكين أو أحدهما محققاً أو مظنوناً والآخر مشكوكاً أو أحدهما محققاً والآخر مظنوناً.

وعند الحنفية أنه لو تيقنهما وشك في السابق فهو متطهر ولو شك في بعض وضوئه - وهو أول ما شك - غسل الموضع الذي شك فيه لأنه على يقين من الحدث فيه، وإن صار الشك في مثله عادة له بأن يعرض له كثيراً لم يلتفت إليه، لأنه من باب الوسوسة فيجب قطعها . لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتَيْه فلا يتصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، رواه البيهقي.

00000000

الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5910)

«الشّكّ في الحدث»

20 - ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الشّكّ لا الوضوء.

فلو أيقن بالطّهارة « أي علم سبقها » وشكّ في عروض الحدث بعدها فهو على الطّهارة ، ومن أيقن بالحدث وشكّ في الطّهارة فهو على الحدث ، لأنّ اليقين لا يزول بالشّكّ ، والأصل في ذلك ما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لم يخرج فلا يخرجنّ من المسجد حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا» .

ولو تيقّنهما ولم يعلم الآخر منهما ، مثل من تيقّن أنّه كان في وقت الظّهر متطهّرا مرّة ومحدثا أخرى ولا يعلم أيّهما كان لاحقا يأخذ بضدّ ما قبلهما عند الحنابلة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ، وذكره بعض الحنفيّة ، وعلى ذلك فإن كان قبلهما محدثا فهو الآن متطهّر لأنّه تيقّن الطّهارة وشكّ في تأخّر الحدث عنها والأصل عدم تأخّره ، وإن كان قبلهما متطهّرا فهو الآن محدث ، لأنّه تيقّن الحدث وشكّ في تأخّر الطّهارة عنه ، والأصل عدم تأخّرها ، فإن لم يعلم ما قبلهما لزمه الوضوء لتعارض الاحتمالين من غير مرجّح.

والوجه الثّاني عند الشّافعيّة لا ينظر إلى ما قبلهما ويلزمه الوضوء.

والمشهور عند الحنفيّة أنّه لو تيقّنهما وشكّ في السّابق فهو متطهّر.

أمّا المالكيّة فقد صرّحوا بنقض الوضوء بشكّ في حدث بعد طهر علم ، فإن أيقن بالوضوء ثمّ شكّ فلم يدر أأحدث بعد الوضوء أم لا فليعد وضوءه إلاّ أن يكون الشّكّ مستنكحا.

قال الحطّاب : هذا إذا شكّ قبل الصّلاة ، أمّا إذا صلّى ثمّ شكّ هل أحدث أم لا ففيه قولان.

وذكر في التّاج والإكليل أنّ من شكّ أثناء صلاته هل هو على وضوء أم لا فتمادى على صلاته وهو على شكّه ذلك ، فلمّا فرغ من صلاته استيقن أنّه على وضوئه فإنّ صلاته مجزئة ، لأنّه دخل في الصّلاة بطهارة متيقّنة ، فلا يؤثّر فيها الشّكّ الطّارئ.

أمّا إذا طرأ عليه الشّكّ في طهارته قبل دخوله في الصّلاة فوجب ألا يدخل في الصّلاة إلاّ على طهارة متيقّنة.

على يقين من الحدث فيه ، وإن صار الشّكّ في مثله عادة له بأن يعرض له كثيرا لم يلتفت إليه ، لأنّه من باب الوسوسة فيجب قطعها.

لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ الشّيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فيقول أحدثت أحدثت فلا ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا» .

والتّفصيل في مصطلح « شكّ » « ووسوسة » .

000000000

أنوار البروق في أنواع الفروق  - (ج 4 / ص 97)

( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي طَرَيَانِ الْإِحْدَاثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ يُعْتَبَرُ عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي طَرَيَان غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالرَّوَافِعُ لِلْأَسْبَابِ لَا تُعْتَبَرُ ) الْقَاعِدَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ هِيَ أَنَّ كُلَّ مَشْكُوكٍ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ مَانِعًا مُلْغًى فَكُلُّ سَبَبٍ شَكَكْنَا فِي طَرَيَانِهِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ مُسَبِّبَهُ ، وَجَعَلْنَا ذَلِكَ السَّبَبَ كَالْمَعْدُومِ وَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ فَلَا نُرَتِّبُ الْحُكْمَ وَكُلُّ شَرْطٍ شَكَكْنَا فِي وُجُودِهِ جَعَلْنَاهُ كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ فَلَا نُرَتِّبُ الْحُكْمَ ، وَكُلُّ مَانِعٍ شَكَكْنَا فِي وُجُودِهِ جَعَلْنَاهُ كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ إنْ وُجِدَ سَبَبُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الطَّهَارَاتِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ جَعَلَ الْعُلَمَاءَ - وَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَى اعْتِبَارِهَا فِيهَا أَيْضًا - يَخْتَلِفُونَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي تُلْغَى بِهِ وَالْوَجْهِ الَّذِي تُعْتَبَرُ بِهِ فِيهَا .

فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إذَا شُكَّ فِي طَرَيَان الْحَدَثِ جَعَلْته كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ لَا يَجِبُ مَعَهُ الْوُضُوءُ فَلَا يَجِبُ عَلَى هَذَا الشَّاكِّ الْوُضُوءُ ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الشَّكُّ فِي طَرَيَانِ الْحَدَثِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ ، وَالشَّكُّ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الصَّلَاةِ الْوَاقِعَةِ هَلْ هِيَ سَبَبٌ مُبَرِّئٌ أَمْ لَا .

وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ تَفْتَقِرُ إلَى سَبَبٍ مُبَرِّئٍ مَعْلُومِ الْوُجُودِ أَوْ مَظْنُونِ الْوُجُودِ لَا مَشْكُوكِ الْوُجُودِ ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذَا الصَّلَاةُ كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهَا ، وَالْمَجْزُومُ بِعَدَمِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا الشَّاكِّ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاةٍ مَظْنُونَةٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَكِلَاهُمَا يَقُولُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ مُلْغًى لَكِنَّ إلْغَاءَ مَالِكٍ فِي السَّبَبِ الْمُبَرِّئِ وَإِلْغَاءَ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَدَثِ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَقْصِدٌ وَالطَّهَارَاتِ وَسَائِلٌ وَطَرْحُ الشَّكِّ تَحْقِيقًا لِلْمَقْصِدِ أَوْلَى مِنْ طَرْحِهِ لِتَحْقِيقِ الْوَسَائِلِ ، فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إلْغَاءِ الشَّكِّ فِي طَرَيَان الْإِحْدَاثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَدَمِ إلْغَائِهِ فِي طَرَيَان غَيْرِهَا مِنْ الْأَسْبَابِ وَرَوَافِعِهَا كَالشَّكِّ فِي طَرَيَان الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْحَدَثِ فَيُلْغَى الْمَشْكُوكُ فِيهِ عَلَى الْقَاعِدَةِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ أَوْ فِي أَنَّهُ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي سَبَبِ حِلِّ الْعِصْمَةِ فَيُلْغَى عَلَى الْقَاعِدَةِ ، أَوْ فِي أَنَّهُ هَلْ سَهَا أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي سَبَبِ سُجُودِ السَّهْوِ فَيُلْغَى عَلَى الْقَاعِدَةِ ، أَمَّا إذَا شَكَّ فِي عَيْنِ الْيَمِينِ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْأَيْمَانِ إذْ لَا يَعْلَمُ السَّبَبَ الْمُبَرِّئَ إلَّا بِاسْتِيعَابِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الصَّلَاةِ إذَا شَكَّ فِي طَرَيَان الْحَدَثِ عَلَى طَهَارَتِهَا أَوْ شَكَّ فِي كَوْنِ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا وَاحِدَةً فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ لَمْ يَقَعْ فِي الطَّلَاقِ بَلْ فِي بَقَاءِ الْعِصْمَةِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الرَّجْعَةِ فَيُلْغَى عَلَى الْقَاعِدَةِ أَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَيَأْتِي بِرَابِعَةٍ ، وَيَسْجُدُ إذْ لَيْسَ هُنَا شَكٌّ فِي السَّبَبِ حَتَّى يُلْغَى عَلَى الْقَاعِدَةِ بَلْ سَبَبٌ فِي الشَّكِّ ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ نَصَبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ سَبَبًا لِلسُّجُودِ لَا لِلزِّيَادَةِ .

وَهُوَ مُحَقَّقٌ وَلَا شَكَّ فِيهِ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ بَيْنَ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَبَيْنَ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ بَسْطُ مَسَائِلِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَالسَّبَبِ فِي الشَّكِّ فَلْتُطَالِعْ ثَمَّةَ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ اعْتِبَارِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الشَّكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ ، وَفِي أَنَّهُ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَفِي أَنَّهُ هَلْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ إعْتَاقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَفِي أَنَّهُ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا حَيْثُ قَالَ فِي الْأَوَّلِ يَجِبُ الْوُضُوءُ ، وَفِي الثَّانِي يَلْزَمُهُ ، وَفِي الثَّالِثِ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْأَيْمَانِ ، وَفِي الرَّابِعِ يَجْعَلُهَا ثَلَاثًا ، وَيُصَلِّي الرَّابِعَةَ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِأَجْلِ الشَّكِّ فَاعْتَبَرَهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْفُرُوعِ وَنَحْوِهَا وَبَيْنَ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَفِي أَنَّهُ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا ، وَفِي أَنَّهُ هَلْ سَهَا أَمْ لَا حَيْثُ قَالَ فِي الْأَوَّلِ لَا عِبْرَةَ بِالطَّهَارَةِ ، وَفِي الثَّانِي وَفِي الثَّالِثِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِإِلْغَاءِ الشَّكِّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْفُرُوعِ وَنَحْوِهَا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَصْلٌ ) حَدَّ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ السَّبَبَ وَالْعِلَّةَ بِالْوَصْفِ الظَّاهِرِ الْمُنْضَبِطِ الْمُعَرِّفِ لِلْحُكْمِ فَخَرَجَ بِالظَّاهِرِ الْخَفِيُّ كَاللَّذَّةِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَالْعُلُوقِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُمَا لِخَفَائِهِمَا تُرِكَا ، وَجُعِلَ السَّبَبُ فِي النَّقْضِ اللَّمْسَ وَفِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ الطَّلَاقُ ، وَخَرَجَ بِالْمُنْضَبِطِ نَحْوُ الْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ لَمْ يُنَطْ بِهَا الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ قَصْرُ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا لِاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ ، وَإِنَّمَا أُنِيطَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَدَخَلَ بِالْمُعَرِّفِ لِلْحُكْمِ بِمَعْنَى النِّسْبَةِ التَّامَّةِ لَا خُصُوصِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ السَّبَبُ الْمُعَرِّفُ لِحُكْمٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ كَحِلِّ الشَّعْرِ بِالنِّكَاحِ وَحُرْمَتِهِ بِالطَّلَاقِ جُعِلَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عِلَّةً لِثُبُوتِ حَيَاتِهِ كَالْيَدِ ، وَحَدُّ الْمَانِعِ الْمُرَادِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَانِعُ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْوُجُودِيِّ الظَّاهِرِ الْمُنْضَبِطِ الْمُعَرِّفِ نَقِيضَ حُكْمِ السَّبَبِ فَقَيَّدَ الْوَصْفَ فِي حَدِّ الْمَانِعِ بِالْوُجُودِيِّ لِإِخْرَاجِ عَدَمِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مَانِعًا لَا تَسَمُّحًا كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ ، وَأَطْلَقَهُ فِي حَدِّ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إمَّا عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ فِي السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ فَهُوَ أَنَّ الْمَانِعَ مَانِعٌ لِوُجُودِ حُكْمِ السَّبَبِ بِأَنْ يَتَحَقَّقَ كُلُّ مُعْتَبَرٍ فِي الْحُكْمِ مِنْ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ ، وَإِلَّا لَمَا احْتَاجَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِلْمَانِعِ وَإِذَا كَانَ الْمَانِعُ عَدَمَ شَيْءٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَاتُ الشَّيْءِ سَبَبًا فِي الْوُجُودِ أَوْ بَعْضَ سَبَبٍ وَشَرْطٍ فِيهِ ، وَقَدْ فُرِضَ أَنَّ الْمَانِعَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ سَبَبًا إلَخْ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْمُعَرِّفُ لِلنَّقِيضِ أَيْ الْعَلَامَةُ عَلَيْهِ وَنَقِيضُ الشَّيْءِ رَفْعُهُ فَالْأُبُوَّةُ مَثَلًا نَفَتْ وُجُوبَ الْقِصَاصِ مِمَّنْ قَتَلَ ابْنَهُ لَا غَيْرُ .

وَأَمَّا ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْقِصَاصِ مِنْهُ فَبِالدَّلِيلِ الْمُثْبِتِ لَهَا كَمَا قَالَهُ سم وَهُوَ الْحَقُّ ، وَإِذَا كَانَ عَدَمُ الشَّيْءِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ رَفْعُ الشَّيْءِ بِأَنْ يُقَالَ انْتَفَى كَذَا لِعَدَمِ كَذَا كَانَ وُجُودُهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُجُودُهُ ، وَأَمَّا السَّبَبُ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ رَفْعُ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّلَ بِهِ لَيْسَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى السَّبَبِ ، بَلْ الْمُعَلَّلُ بِهِ حُكْمٌ مُبْتَدَأٌ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَدَمِيًّا كَمَا يُعَلَّلُ عَدَمُ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ بِعَدَمِ الْعَقْلِ فَإِنَّ عَدَمَ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ انْتِفَاءٌ لِحُكْمِ السَّبَبِ حَتَّى يَكُونُ عَدَمُ الْعَقْلِ مَانِعًا فَلَا يَصِحُّ بَلْ مَأْخُوذٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حُكْمٌ مُبْتَدَأٌ هُوَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ التَّصَرُّفُ فَيَصِحُّ تَعْلِيلُهُ بِانْتِفَاءِ عِلَّةِ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ ، جَوَّزُوا كَوْنَ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ عَدَمًا مُضَافًا بِخِلَافِ الْمَانِعِ نَعَمْ فِي كَوْنِ الْعِلَّةِ عَدَمِيَّةً مَعَ وُجُودِ الْحُكْمِ نِزَاعٌ كَبِيرٌ .

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدُ وَالْمُخْتَارُ مَنْعُهُ وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ فِي السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ فَأَمْرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمَانِعَ لِلْحُكْمِ هُوَ مَا اسْتَلْزَمَ حِكْمَةً تَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ كَالْأُبُوَّةِ فِي الْقِصَاصِ فَإِنَّ كَوْنَ الْأَبِ سَبَبًا لِوُجُودِ الِابْنِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِيرَ الِابْنُ أَيْ مِنْ حَيْثُ قَتْلِهِ سَبَبًا لِعَدَمِهِ ، وَأَمَّا الْعِلَّةُ فَهِيَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حِكْمَةٌ تَقْتَضِي الْحُكْمَ لَا نَقِيضَهُ نَعَمْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَانِعِ بَعْدَ تَحَقُّقِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَانِعِ الِاصْطِلَاحِيِّ ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْمَانِعُ عَلَى مَا يَتَحَقَّقُهُ يَنْتَفِي الْحُكْمُ فَيَشْمَلُ عَدَمَ الشَّرْطِ فَلِذَا قَالَ الْعَضُدُ : حَقِيقَةُ الشَّرْطِ أَنَّ عَدَمَهُ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الْحُكْمِ ، كَمَا أَنَّ الْمَانِعَ وُجُودُهُ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الْحُكْمِ فَبِالْحَقِيقَةِ عَدَمُهُ مَانِعٌ ، وَذَلِكَ لِحِكْمَةٍ فِي عَدَمِهِ تُنَافِي حِكْمَةَ الْحُكْمِ أَوْ السَّبَبِ إلَى آخِرِ مَا بَيَّنَهُ ، وَكَمَا لَا يَصِحُّ فِي مَانِعِ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ عَدَمَ شَيْءٍ لِمَا عَلِمْت كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِي مَانِعِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ عَدَمَ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَلْزَمَ حِكْمَةً تُخِلُّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهَا ، فَإِنَّ حِكْمَةَ السَّبَبِ وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ اسْتِغْنَاءُ الْمَالِكِ ، وَلَيْسَ مَعَ الدَّيْنِ اسْتِغْنَاءٌ فَالْفَرْضُ تَحَقُّقُ السَّبَبِ ، وَاَلَّذِي جَعَلَ عَدَمَهُ مَانِعًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ إلَّا شَرْطًا لِلسَّبَبِ بِأَنْ يُخِلَّ عَدَمُهُ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ ، وَعَدَمُ حِكْمَةِ السَّبَبِ عَدَمٌ لَهُ ، وَالْفَرْضُ تَحَقُّقُهُ وَأَنَّ هُنَاكَ حِكْمَةٌ تُخِلُّ بِحِكْمَتِهِ ، وَبِهَذَا عُلِمَ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ مَانِعِ السَّبَبِ وَعَدَمِ شَرْطِ السَّبَبِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ مَانِعِ الْحُكْمِ وَعَدَمِ شَرْطِ الْحُكْمِ ، وَتَحَصَّلَ أَنَّ لَنَا سَبَبًا وَمَانِعًا لِلْحُكْمِ وَمَانِعًا لِلسَّبَبِ وَشَرْطًا لِلْحُكْمِ وَشَرْطًا لِلسَّبَبِ وَعَدَمَ شَرْطٍ لِلْحُكْمِ وَعَدَمَ شَرْطٍ لِلسَّبَبِ ، وَأَنَّ مَانِعَ الْحُكْمِ مَا أَخَلَّ بِالْحُكْمِ مَعَ بَقَاءِ حِكْمَةِ السَّبَبِ فَيَكُونُ عَدَمُهُ كَعَدَمِ الْحَيْضِ شَرْطًا لِتَأْثِيرِ السَّبَبِ فِي الْحُكْمِ إمَّا بِمُجَرَّدِ التَّرَتُّبِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الزَّوَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ ، أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ كَمَا فِي الزِّنَا لِوُجُوبِ الْجَلْدِ وَالْإِسْكَارِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ لَا شَرْطًا لِوُجُودِ الْحُكْمِ حَتَّى يُنَافِي كَوْنَ تَحَقُّقِ الْمَانِعِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الشُّرُوطِ ، وَمَانِعُ السَّبَبِ مَا اسْتَلْزَمَ حِكْمَةً تُخِلُّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ مَعَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ ، وَإِنَّهُ لَا يُقَالُ مَانِعٌ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ أَوْ السَّبَبِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا لِمَا عَرَفْت ، وَشَرْطُ الْحُكْمِ مَا يَقْتَضِي عَدَمُهُ نَقِيضَ حُكْمِ السَّبَبِ مَعَ بَقَاءِ حِكْمَةِ السَّبَبِ مَا أَخَلَّ عَدَمُهُ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ فَيَنْتَفِي السَّبَبُ بِعَدَمِ حِكْمَتِهِ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةِ إمْعَانٍ ا هـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ الشِّرْبِينِيِّ وَالْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّيْ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

---------------

إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 464)

بَقَاءُ الْأَمْرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ .

[ اسْتِصْحَابُ الْوَصْفِ الْمُثْبِتِ لِلْحُكْمِ ] ثُمَّ النَّوْعُ الثَّانِي اسْتِصْحَابُ الْوَصْفِ الْمُثْبِتِ لِلْحُكْمِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ ، وَهُوَ حُجَّةٌ ، كَاسْتِصْحَابِ حُكْمِ الطَّهَارَةِ وَحُكْمِ الْحَدَثِ وَاسْتِصْحَابِ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَبَقَاءِ الْمِلْكِ وَشُغْلِ الذِّمَّةِ بِمَا تَشْغَلُ بِهِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُ ذَلِكَ ، وَقَدْ دَلَّ الشَّارِعُ عَلَى تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي الصَّيْدِ " وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فَلَا تَأْكُلْهُ ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي : الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ " وَقَوْلِهِ : " وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ ، فَإِنَّكَ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ " لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الذَّبَائِحِ التَّحْرِيمَ وَشَكَّ هَلْ وُجِدَ الشَّرْطُ الْمُبِيحُ أَمْ لَا ؟ بَقِيَ الصَّيْدُ عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ ، وَلَمَّا كَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَمْ يُزِلْهَا بِالشَّكِّ ، وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الْمُتَطَهِّرِ عَلَى طَهَارَتِهِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْوُضُوءِ مَعَ الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ ، بَلْ قَالَ : " لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا " ، وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الصَّلَاةِ فِي ذِمَّتِهِ أُمِرَ الشَّاكُّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْيَقِينِ وَيَطْرَحَ الشَّكَّ ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا رَفْعُهُ لِلنِّكَاحِ الْمُتَيَقَّنِ بِقَوْلِ الْأَمَةِ السَّوْدَاءِ إنَّهَا أَرْضَعَتْ الزَّوْجَيْنِ ، فَإِنَّ أَصْلَ الْأَبْضَاعِ عَلَى التَّحْرِيمِ ، وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ الزَّوْجَةُ بِظَاهِرِ الْحَالِ مَعَ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً ، وَقَدْ عَارَضَ هَذَا الظَّاهِرَ ظَاهِرٌ مِثْلُهُ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ الشَّهَادَةُ ، فَإِذَا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا وَبَقِيَ أَصْلُ التَّحْرِيمِ لَا مُعَارِضَ لَهُ ، فَهَذَا الَّذِي حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ وَمَحْضُ الْقِيَاسِ ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .

وَلَمْ يَتَنَازَعْ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا النَّوْعِ ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ  لِتَجَاذُبِ الْمَسْأَلَةِ أَصْلَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ .

مِثَالُهُ أَنَّ مَالِكًا مَنَعَ الرَّجُلَ إذَا شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصَّلَاةِ فِي ذِمَّتِهِ ، فَإِنْ قُلْتُمْ : لَا نُخْرِجُهُ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالشَّكِّ ، قَالَ مَالِكٌ : وَلَا نُدْخِلُهُ فِي الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ ، فَيَكُونُ قَدْ خَرَجَ مِنْهَا الشَّكُّ ، فَإِنْ قُلْتُمْ : يَقِينُ الْحَدَثِ قَدْ ارْتَفَعَ بِالْوُضُوءِ فَلَا يَعُودُ بِالشَّكِّ ، قَالَ مُنَازِعُهُمْ : وَيَقِينُ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ قَدْ ارْتَفَعَ بِالْوُجُوبِ فَلَا يَعُودُ بِالشَّكِّ ، قَالُوا : وَالْحَدِيثُ الَّذِي تَحْتَجُّونَ بِهِ مِنْ أَكْبَرِ حُجَجِنَا ، فَإِنَّهُ مَنَعَ الْمُصَلِّيَ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا بِالشَّكِّ ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ تَجْوِيزِ الدُّخُولِ فِيهَا بِالشَّكِّ ؟ وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا فَإِنَّ مَالِكًا يُلْزِمُهُ بِالثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ طَلَاقًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ مِمَّا تُزِيلُ أَثَرَهُ الرَّجْعَةُ أَمْ لَا ؟ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصَحُّ ، فَإِنَّ النِّكَاحَ مُتَيَقَّنٌ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَلَمْ يُعَارِضْ يَقِينَ النِّكَاحِ إلَّا شَكٌّ مَحْضٌ فَلَا يَزُولُ بِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ الَّتِي شَكَّ فِي انْتِقَاضِهَا ، فَإِنَّ الْأَصْلَ هُنَاكَ شُغْلُ الذِّمَّةِ وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي فَرَاغِهَا ، وَلَا يُقَالُ هُنَا : إنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ شَكَكْنَا فِي الْحِلِّ ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ قَدْ زَالَ بِنِكَاحٍ مُتَيَقَّنٍ وَقَدْ حَصَلَ الشَّكُّ فِي مَا يَرْفَعُهُ ، فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِوُضُوءٍ مُتَيَقَّنٍ ثُمَّ شَكَّ فِي زَوَالِهِ ، فَإِنْ قِيلَ : هُوَ مُتَيَقَّنٌ لِلتَّحْرِيمِ بِالطَّلَاقِ شَاكٌّ فِي الْحِلِّ بِالرَّجْعَةِ ، فَكَانَ جَانِبُ التَّحْرِيمِ أَقْوَى ، قِيلَ : لَيْسَتْ الرَّجْعِيَّةُ بِمُحَرَّمَةٍ ، وَلَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا ، وَلَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ وَتَتَعَرَّضَ لَهُ ، وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا ، وَالْوَطْءُ رَجْعَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَحْدَهُ ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي الْقَسْمِ خَاصَّةً ، وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فَقَوْلُكُمْ " إنَّهُ مُتَيَقِّنٌ لِلتَّحْرِيمِ " إنْ أَرَدْتُمْ بِهِ التَّحْرِيمَ الْمُطْلَقَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِهِ مُطْلَقَ التَّحْرِيمِ لَمْ يَسْتَلْزِمْ أَنْ يَكُونَ بِثَلَاثٍ ، فَإِنَّ مُطْلَقَ التَّحْرِيمِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ يَكُونَ بِثَلَاثٍ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْأَعَمِّ ثُبُوتُ الْأَخَصِّ ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الظُّهُورِ .

000000000000000000

ما على من غسل ميتاً؟

على من غسل ميتاً الوضوء، وليس عليه غسل في أرجح قولي العلماء.

قال ابن القيِّم: (قال ابن هاني وسئل عمن غسل الميت أعليه غسل أم لا؟ قال: يتوضأ وقد أجزأه؛ قال: وسألته: هل على من غسل الميت غسل؟ قال: عليه الوضوء فقط؛ واتبع أحمد في ذلك آثار الصحابة، فإنه صح عن ابن عباس وأبي هريرة الأمر بالوضوء منه، ولا يحفظ عن صحابي خلافهم، وهو قول حذيفة وعلي أيضاً، وقال الجوزجاني: حدثنا يزيد بن هارون أن مبارك بن فضالة عن بكر بن عبد الله المزني عن علقمة بن عبد الله المزني قال: غسل أباك، يعني أبا بكر بن عبد الله، أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن بايع نبي الله تحت الشجرة، فما زادوا على أن شمروا أكمتهم، وجعلوا قميصهم تحت حجرهم، وتوضؤوا ولم يغتسلوا؛ وفي موطأ مالك عبد الله بن أبي عبد الله أن أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق غسلت أبا بكر الصديق حين توفي، ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت: إني صائمة، وإن هذا اليوم شديد البرد، فهل علي من غسل؟ قالوا: لا

0000000000000000000000

حكم الدعاء على الكفار

لقد أجاز الشارع الحكيم لعن أهل المعاصي من المسلمين، معينين وغير معينين، فكيف بلعن الكفار من أهل الكتاب، واللعن أشد وأخطر من الدعاء بالهلاك والدمار؟ قال تعالى: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وقال أيضاً: "لعن الله اليهود، حرَِّمت عليهم الشحوم فباعوها"، وخرَّج مالك في موطئه عن الأعرج قال: "ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفار في رمضان"، أي في القنوت في الوتر بعد القيام، وكان عمر رضي الله عنه يقول في قنوته: "اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك، ويقتلون أوليائك، اللهم خالف بين قلوبهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين"، وهذا اللعن والدعاء يشمل جميع الكفرة من أهل الكتاب، المحاربين المعاندين منهم والمسالمين.

قال الحافظ ابن عبد البر في شرحه لحديث الأعرج السابق: (فيه إباحة لعن الكفرة، كانت لهم ذمة أولم تكن، وليس ذلك بواجب، ولكنه مباح لمن فعله غضباً لله في جحدهم الحق وعداوتهم للدين وأهله).

وقال الحافظ أبو العباس القرطبي المالكي: (ولا خلاف في لعن الكفرة والدعاء عليهم).

أما آية الممتحنة: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين"، فجمهور أهل التفسير على أنها محكمة، وذهبت طائفة منهم إلى أنها نُسخت بقوله تعالى: "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم"، وقيل كانت خاصة بحلفاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ وعلى قول الجمهور لا تمنع الآية لعن الكفار من أهل الكتاب، والدعاء عليهم، ومجاهدتهم للدخول في الإسلام، ولكنها رخصت في التعامل مع الأهل منهم والجيران في حدود ما بينه الشارع، نحو:

1. لا نبدأهم بالسلام، فإذا بدأونا بالسلام قلنا: "وعليكم"، أورددنا عليهم بأية تحية أخرى نحو "صباح الخير"، "كيف حالك".

2. عيادة المريض منهم إذا كان يرجو إسلامه.

3. التشييع لا يكون إلا للأب والأم، ويمشي أمام الجنازة، ولا يحضر الدفن، وقيل لا يحلُّ تشييع كافر.

4. التهنئة في غير مناسباتهم الدينية، والتعزية.

00000000000000000

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 6 / ص 1634)

رقم الفتوى 49180 الدعاء للكافر.. ما يجوز منه وما لا يجوز

تاريخ الفتوى : 11 ربيع الثاني 1425

السؤال

عند رؤيتي لشيء يعجبني ولكن يملكه شخص غير مسلم، كسيّارة على سبيل المثال أو طفل صغير لأبوين غير مسلمين، ماذا أقول لكي لا أحسده، بحسب علمي أنّه لا يجوز الدعاء لغير المسلم بأي شيء إلا أن يهديه الله سبحانه وتعالى؟

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر -والله أعلم- أنه لا حرج في قول المؤمن ما شاء الله لا قوة إلا بالله عند رؤية بعض ما أنعم الله به على الكفار من مال وولد توقياً لإصابته بالعين.

فقد قال المؤمن لصاحبه الكافر المذكورة قصته في سورة الكهف: وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا [الكهف:39]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: قال المؤمن لصاحبه: ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ولهذا يؤمر بهذا من يخاف العين على شيء.

ويدل لهذا عموم ما روي عن أنس مرفوعاً : من رأى شيئاً فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره عين . رواه البزار وابن السني ولكن ضعفه الهيثمي في المجمع.

وفي رواية للديلمي في مسند الفردوس : من رأى شيئاً فأعجبه له أو لغيره فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

ولكن أهل العلم قد عدوا أحاديث الديلمي من الأحاديث الضعيفة إذا انفرد بها.

وأما الدعاء للكفار بالهداية فإنه ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد دعا لدوس كما في حديث الصحيحين: اللهم اهد دوساً.، ودعا لثقيف كما في الحديث: اللهم اهد ثقيفاً. رواه أحمد والترمذي ، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب، وقال الأرناؤوط في حديث أحمد: إسناده قوي على شرط مسلم .

وكان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله، فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم، كما في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي والبخاري في الأدب المفرد وصححه الأرناؤوط والألباني .

وأما الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة فلا يجوز اتفاقا؛ لقوله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113]، ولعدول النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء بالرحمة للعاطسين من اليهود إلى الدعاء لهم بالهداية، وأما الدعاء لهم بكثرة المال والولد وغير ذلك من المصالح الدنيوية فقد اختلف في مشروعيته، كما قال ا لهيثمي في تحفة المحتاج، وجوزه النووي ، وقال المناوي في فيض القدير بجوازه، ذكر ذلك في شرح الحديث : إذا دعوتم لأحد من اليهود والنصارى فقولوا أكثر الله مالك وولدك . وهذا الحديث ضعيف السند فقد رواه ابن عدي وابن عساكر وضعفه الشيخ الألباني .

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

0000000000000000000

حكم مس المصحف من غير وضوء

حكم مس المصحف من غير وضوء

دليل العامة

من أجاز مس المصحف من غير وضوء وحججهم

رد أهل العلم ودحضهم لها

أقوال العلماء

تنبيهات

 

حكم مس المصحف من غير وضوء

الحمد لله القائل: "إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين"، وصلى الله وسلم وبارك وعظم على رسوله القائل: "لا يمس القرآن إلا طاهر"، ورحم الله علماء الأمة الذين لا يجتمعون على ضلالة.

وبعد..

لقد أجمع عامة أهل العلم قديماً وحديثا، من لدن الصحابة ومن بعدهم أن المصحف لا يمسه إلا طاهر على وضوء إلا شذوذاً من الأقوال.

ومن ذهب إلى ذلك من أهل العلم على سبيل المثال لا الحصر:

من الصحابة

علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم من غير مخالف لهم.

ومن التابعين

عطاء، والزهري، والنخعي، وحماد، وطاوس، والحسن، والشعبي، والقاسم بن محمد رحمهم الله.

من الأئمة المقتدى بهم

جميع فقهاء الأمصار بالمدينة والعراق والشام، منهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وأبو عبيد، رحم الله الجميع.

ã

دليل العامة

1.  قوله عز وجل: "لا يمسُّه إلا المطهرون".

2.  وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر" الحديث.

قال إسحاق بن راهويه رحمه الله: (لا يقرأ أحد المصحف إلا وهو متوضئ، وليس ذلك لقول الله عز وجل: "لا يمسه إلا المطهرون"، ولكن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر").

قال ذلك إسحاق رحمه الله لاختلاف أهل التأويل في الآية، فمنهم من ذهب إلى أن المراد بالمطهرين الملائكة، ولكن السنة بينت المراد وحسمت الخلاف، فالواجب الأخذ بقول من نزل عليه القرآن وأعطاه الله مثله من البيان.

ã

من أجاز مس المصحف من غير وضوء وحججهم

شذ البعض وأجاز لغير المتوضئ مس المصحف، وذلك لبعض الشبه التي عرضت لهم، والله يتجاوز عنا وعنهم، وهم الحكم بن عتبة، وحماد بن أبي سليمان، وداود بن علي الظاهري.

احتج المجيزون لذلك ببعض الشبه، وهي:

1.  أن المراد بالمطهرين في قوله تعالى: "لا يمسه إلا المطهرون"، الملائكة.

2. أن المراد بالآية الخبر وليس النهي، إذ لو كان ذلك نهياً لقال: "لا يمسّه"، أي بسكون السين المشددة وليس بضمها، لأنها حينئذ تكون مجزومة بلا الناهية.

3. وبقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن ليس بنجس".

4. وبكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهرقل، وفيه قوله تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء" الآية، وهرقل كافر نجس وقد مس الكتاب.

5. وبأنه يباح للصبيان في الكتاتيب مسه ولو كان لا يحل مسه لما جاز لهم أن يمكنوا من ذلك.

6.  وبأنه تباح القراءة من الحفظ لغير المتوضئ.

هذه أهم الشبه التي رفعها المجيزون لذلك.

ã

رد أهل العلم ودحضهم لها

قال ابن عبد البر رحمه الله: (وأما الحكم بن عتبة، وحماد بن أبي سليمان، فلم يختلف عنهما في إجازة حمل المصحف بعلاقته لمن ليس بطاهر، وقولهما عندي شذوذ ومخالفة للأثر، وإلى قولهما ذهب داود بن علي، قال: لا بأس أن يمس المصحف، والدنانير والدراهم التي فيها ذكر الله، الجنب والحائض؛ قال: ومعنى قوله "لا يمسه إلا المطهرون" هم الملائكة؛ قال: ولو كان ذلك نهياً لقاله "لا يمِسُّه"؛ واحتج أيضاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن لا ينجس".

قال أبو عمر: قد يأتي النهي بلفظ الخبر ويكون معناه النهي، وذلك موجود في كتاب الله كثير، نحو قوله: "الزاني لا ينكح إلا زانية أومشركة" جاء بلفظ الخبر، وكان سعيد بن المسيب وغيره يقول: إنها منسوخة بقول الله عز وجل: "وأنكحوا الأيامى منكم"، ولو لم يكن عنده في هذا الخبر معنى النهي ما أجاز فيه النسخ، ومثله كثير).

وقال القرطبي رحمه الله: (اختلف في معنى "لا يَمَسُّه" هل هو حقيقة في المس بالجارحة أومعنى؟ وكذلك اختلف في "المطهرون" من هم؟ فقال أنس وسعيد بن جبير: لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة؛ وكذا قال أبو العالية وابن زيد: انهم الذين طُهِّروا من الذنوب كالرسل من الملائكة، والرسل من بني آدم، فجبريل النازل به مطهر، والرسل الذين يجيئهم بذلك مطهرون.

إلى أن قال: وقال المهدوي: ويجوز أن يكون أمراً وتكون ضمة السين ضمة إعراب، ويجوز أن يكون نهياً، وتكون ضمة السين ضمة بناء، والفعل مجذوب.

إلى أن قال: وقد رُوي عن الحكم وحماد وداود بن علي أنه لا بأس بحمله ومسه للمسلم والكافر طاهراً أومحدثاً، إلا أن داود قال: لا يُجَوَّز للمشرك حمله؛ واحتجوا في إباحة ذلك بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر وهو موضع ضرورة، فلا حجة فيه، وفي مس الصبيان إياه على وجهين، أحدهما المنع اعتباراً بالبالغ، والثاني الجواز، لأنه لو مُنِع لم يحفظ القرآن، لأن تعلمه حال الصغر، ولأن الصبي وإن كانت له طهارة إلا أنها ليست بكاملة، لأن النية لا تصح منه، فإذا جاز أن يحمله على غير طهارة ، جاز أن يحمله محدثاً).

وقال النووي رحمه الله: (وعن الحكم، وحماد، وداود: يجوز مسه وحمله؛ وروي عن الحكم وحماد جواز مسه بظاهر الكف دون بطنه، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل كتاباً فيه قرآن، وهرقل محدث يمسه وأصحابه، ولأن الصبيان يحملون الألواح محدثين بلا إنكار، ولأنه إذا لم تحرم القراءة فالمس أولى، وقاسوا حمله على حمله في متاع، واحتج أصحابنا بقول الله تعالى: "إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين"، فوصفه بالتنزيل وهذا ظاهر في المصحف، الذي عندنا، فإن قالوا: المراد اللوح المحفوظ لا يمسه إلا الملائكة المطهرون، ولهذا قال يمسه بضم السين على الخبر، ولو كان المصحف لقال "يمسَّه" بفتح السين على النهي، فالجواب: إن قوله تعالى "تنزيل" ظاهر في إرادة المصحف، فلا يحمل على غيره إلا بدليل صحيح صريح، وأما رفع السين فهو نهي بلفظ الخبر، كقوله: "لا تضارُّ والدة بولدها" على قراءة من رفع، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبيعُ أحدُكم على بيع أخيه" بإثبات الياء، ونظائره كثيرة مشهورة، وهو معروف في العربية، فإن قالوا: لو أريد ما قلتم لقال "لا يمسه إلا المتطهرون"، فالجواب أنه يقال في المتوضئ مطهرومتطهر، واستدل أصحابنا بالحديث المذكور، وبأنه قول علي، وسعيد بن أبي وقاص، وابن عمر رضي الله عنهم، ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة، والجواب عن قصة هرقل أن ذلك الكتاب كان فيه آية، ولا يسمى مصحفاً، وأبيح حمل الصبيان الألواح للضرورة، وأبيحت القراءة للحاجة وعسر الوضوء لها كل وقت، وحمله في المتاع لأنه غير مقصود، وبالله التوفيق).

ã

أقوال العلماء

قال ابن عبد البر في شرح قوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في كتابه لعمرو بن حزم: "أن لا يمس القرآن إلا طاهر" في الموطأ: (والدليل على صحة كتاب عمرو بن حزم تلقي جمهور العلماء له بالقبول والعمل، ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة والعراق والشام أن المصحف لا يمسه إلا طاهر على وضوء، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وأبي عبيد، وهؤلاء أئمة الفقه والحديث في أعصارهم، وروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وطاوس، والحسن، والشعبي، والقاسم بن محمد، وعطاء.

ثم قال أبو عمر: وهذا يشبه مذهب مالك على ما دل عليه قول موطأه، وقال الشافعي، والأوزاعي، وأبو ثور، وأحمد: لا يمس المصحف الجنب، ولا الحائض، ولا غير المتوضئ؛ وقال مالك: لا يحمله بعلاقته، ولا على وسادة إلا وهو طاهر، قال: ولا بأس أن يحمله في التابوت، والخرْج، والغرارة من ليس على وضوء، قال: وذلك أن الله عز وجل يقول: "لا يمسه إلا المطهرون"؛ قال: وهذا قول مالك وأبي عبد الله، يعني الشافعي رحمه الله.

قال أبو عمر: وإنما رخص مالك في حمل غير المتوضئ للمصحف في التابوت والغرارة لأن القصد لم يكن منه إلى حمل المصحف، وإنما قصد إلى حمل التابوت وما فيه من مصحف وغيره، وقد كره جماعة من التابعين منهم القاسم بن محمد، والشعبي، وعطاء، من الدراهم التي فيها ذكر الله على غير وضوء، فهو لا شك أشد كراهية أن يمس المصحف غير متوضئ، وقد روي عن عطاء أنه قال: لا بأس أن تحمل الحائض المصحف بعلاقته).

وقال القرطبي رحمه الله: (واختلف العلماء في مس المصحف على غير وضوء، فالجمهور على المنع من مسه لحديث عمرو بن حـزم، وهو مذهب علي، وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعطاء،والزهري، والنخعي، والحكم، وحماد، وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي، واختلفت الرواية عن أبي حنيفة، فروي عنه أنه يمسه المحدث، وقد رُوي هذا عن جماعة من السلف منهم ابن عباس، والشعبي، وغيرهما، وروي عنه أنه يمس ظاهره وحواشيه وما لا مكتوب فيه، وأما الكتاب فلا يمسه إلا طاهر؛ ابن العربي: وهذا إن سلمه مما يقوي الحجة عليه، لأن حريم الممنوع ممنوع.. وقال مالك: لا يحمله غير طاهر بعلاقة ولا على وسادة، وقال أبو حنيفة: لا بأس بذلك، ولم يمنع من حمله بعلاقة أومسه بحائل).

وقال الإمام النووي رحمه الله: (يحرم على المحدث مس المصحف وحمله، سواء إن حمله بعلاقته، أوفي كمه، أوعلى رأسه؛ وحكى القاضي حسن والمتولي وجهاً أنه يجوز حمله بعلاقته وهو شاذ في المذهب وضعيف؛ قال أصحابنا: وسواء مس نفس الأسطر، أوما بينهما، أوالحواشي، أوالجلد، فكل ذلك حرام، وفي مس الجلد وجه ضعيف أنه يجوز، وحكى الدارمي وجهاً شاذاً بعيداً أنه لا يحرم مس الجلد، ولا الحواشي، ولا ما بين الأسطر، ولا يحرم إلا نفس المكتوب، والصحيح الذي قطع به الجمهور تحريم الجميع، وفي مس العلاقة والخراطة والصندوق إذ كان المصحف فيه وجهان مشهوران أصحهما يحرم).

قلت: إذا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يلتفت لقول أحد كائناً من كان، وليس كل خلاف يستراح له ويعمل به، وإنما العمل بالدليل.

تنبيهات

1. أجمع أهل العلم على جواز القراءة من الحفظ من غير وضوء، والأفضل أن يتوضأ.

2. كتب تفسير القرآن إن كان القرآن فيها اكثر نحو كتب غريب القرآن يحرم مسها من غير وضوء، وإن كان القرآن فيها أقل جاز مسها من غير وضوء.

3. كتب القراءات حكمها كحكم كتب الحديث والفقه في جواز مسها وحملها من غير وضوء.

4. لا يشترط الوضوء لمس التوراة والإنجيل المبدلة، وكذلك ما نسخت تلاوته من القرآن وبقي حكمه.

5. حكم ما كتب على الألواح كحكم المصحف، قلَّ المكتوب أم كثر.

6. لا يجوز توسد المصحف ولا كتب التفسير، والحديث، والعلم، واللغة العربية، وإن خاف عليها السرقة.

7. لو خاف المحدث أو الجنب على المصحف من حرق، أوغرق، أووقوع في نجاسة، أوإتلاف جاز له أخذه وتحويله.

8. لا يجوز للمحدث حمل شيء من التعاويذ أو الحروز (الحجبات).

هذا بجانب عدم جواز استعمالها لغير المحدث، قال أبو عمر بن الصلاح رحمه الله في فتاويه: (كتابة الحروز واستعمالها مكروه، وترك تعليقها هوالمختار، وقال في فتوى أخرى: يجوز تعليق الحروز التي فيها قرآن على النساء والصبيان والرجال، ويجعل عليها شمع ونحوه ويستوثق من النساء وشبههن بالتحذير من دخول الخلاء به، والمختار أنه لا يكره إذا جعل عليه شمعاً ونحوه لأنه لم يرد فيه نهي، ونقل ابن جرير الطبري عن مالك نحو هذا، فقال: قال مالك: لا بأس بما يعلق على النساء الحيض والصبيان من القرآن إذا جعل في كن كقصبة حديد أوجلد يحرز عليه).

9. يجوز للكافر سماع القرآن ولكنه يمنع من مسه، ولا يمكن من تعليمه ولا تمليكه إياه، ويحرم بيعه إليه أوإهداؤه.

10. لا تجوز المسافرة بالقرآن إلى بلاد الكفار.

11. تجب صيانة المصحف وإكرامه، ومن أهانه بأن ألقاه والعياذ بالله في قاذورة أوداس عليه فقد كفر.

12. يجوز بيع المصحف وشراؤه.

13. لا يجوز كتابة المصحف بشيء نجس.

14. يكره نقش الحيطان والثياب بالقرآن وبأسماء الله الحسنى.

15. لا يمكن المجنون ولا الصبي غير المميز من حمل المصحف لئلا ينتهكاه.

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا ، وذهاب همنا وغمنا، اللهم وفقنا للعمل به، ولحفظه، وإكرامه.

000000000000000

حكم التطهّر لقراءة القرآن الكريم و مس المصحف

 

 

الحمد لله ربّ العالمين ، و الصلاة و السلام على نبيّه الأمين ، و آله و صحبه أجمعين ، و بعد ..

فقد سُئلتُ مسائلَ عديدةً عن حكم التطهّر من الحدثين لقراءة القرآن الكريم و مس المصف ، فقلت مستعيناً بالله تعالى :

لا بد من توضيح خمسة مسائل للوقوف على حُكم الشرع فيما وَرَد السؤال عنه :

المسألة الأولى : لا تجب الطهارة لقراءة القرآن الكريم عن ظهر قلب ، لعموم الأدلّة باستثناء الجنابة ، فإنّ رَفعها واجب قبل القراءة .

روى أحمد و الحُمَيدي كلٌّ في مسنده و أبو داود و النسائي كلٌّ في سننه عن ‏ ‏عبد الله بن سلِمة ( بكسر اللام ) ‏ ‏قال : ‏أتيت ‏ ‏علياً ‏ ‏أنا و رجلان ، فقال : كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن و يأكل معنا اللحم و لم يكن ‏ ‏يحجبه ‏ ‏عن القرآن شيء ليس الجنابة . قال الخطابي : معناه غير الجنابة .

و روى هذا الحديث أبو ماجة و الترمذي مختصراً بنحوه . و اختُلفَ في إسناده فضعَّفَه بعض أهل العلم ، و صححه الترمذي و ابن حبّان ، و قال ابن حجر في ( الفتح ) : ( الحق أنه من قبيل الحَسَن يصلح للحجة ) ، و هذا هو الظاهر ، و الله أعلم .

جاء في ( عون المعبود ) : ‏و الحديث يدل على جواز القراءة للمحدث بالحدث الأصغر و هو مجمع عليه لم نر فيه خلافا ، و على عدم الجواز للجنب ... قال الخطابي : في الحديث من الفقه أن الجنب لا يقرأ القرآن و كذلك الحائض لا تقرأ لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة . و قال مالك في الجنب إنه لا يقرأ الآية و نحوها , و قد حكي أنه قال تقرأ الحائض و لا يقرأ الجنب لأن الحائض إن لم تقرأ نسيت القرآن لأن أيام الحيض تتطاول و مدة الجنابة لا تطول ، و روي عن ابن المسيب و عكرمة أنهما كانا لا يريان بأسا بقراءة الجنب القرآن و أكثر العلماء على تحريمه. اهـ .

قلتُ : و ذهاب بعض العلماء إلى قياس الحيض و النفاس على الجنابة في الحكم ، و حظْرِهم على المتلبّسة بهما قراءة القرآن الكريم ، غير مسلّم ، بل الظاهر أنّ حكمهما مختلف لوجود الفارق بين الحالتين ، إذ يُفرَّقُ بين الجنابة و بين الحدث الأكبر الحاصل بالحيض و النفاس ، بكون رفع الجنابة مقدوراً عليه في كلّ وقت ، بخلاف ما يعرِض للمرأة من شئون النساء التي لا ترتفع إلا لأجل الله أعلم به .

و لِمَا ثبت في الصحيحين ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لعائشة لما حاضت في الحج : ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) و معلوم أنّ الحاج يقرأ القرآن ، و لم يستثنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل ذلك على جواز القراءة لها ، و قال مثل ذلك لأسماء بنت عميس لمّا ولدت محمد بن أبي بكر في الميقات في حجة الوداع ، فدل هذا على أن الحائض والنفساء لهما قراءة القرآن ، لكن من غير مسٍ للمصحف .

 

المسألة الثانية : اختلف العلماء في حكم مسّ المُمَيّز المُحدِث للمصحف على ثلاثة أقوال :

القول الأول : أنه يجوز له ذلك ، و هو مذهب الحنفية ، و المالكية ، و الشافعية في أصح القولين عندهم ، و روايةٌ مرجوحة عند الحنابلة .

و القول الثاني : أنه يكره له مسّ المصحف . كراهة تنزيه ، و هو قول لبعض الحنفية ، و المالكية .

و القول الثالث : أنه يحرم عليه مسه . و هو قول للشافعية ، و الراجح عند الحنابلة .

و الراجح عندنا جواز مس الصبي المميز للمصحف حال تلبسه بالحدث الأصغر ، لأنّه دون سنّ التكليف ، و لم يَجرِ عليه القلم ، مع عموم البلوى في حقّه إذ يصعب عليه الاحتياط من الحدث في سن الحفظ و التعلُّم ، مع ما في إلزامه بالوضوء للقراءة كل وقت من العسر و المشقّة ، و المشقة تجلب التيسير كما في القاعدة الفقهيّة ، و الله أعلم .

 

المسألة الثالثة : اتفق العلماء على تحريم مس المصحف على المتلبس بحدثٍ أكبر ( جنابة أو حيض أو نفاس ) ، ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية ، و لا يُعتد بخلافهم لضعف أدلّتهم .

 

المسألة الرابعة : اختلف العلماء في حكم مس المصحف للبالغ حال تلبُّسه بالحدث الأصغر ( و هو ما يُرفَع بالوضوء أو التيمم ) ، على قولين :

القول الأول : أنه لا يجوز له ذلك ، و هو المذهب المنقول عن جمع من الصحابة منهم علي بن أبي طالب ، و عبد الله بن مسعود ، و سعد ابن أبي وقاص ، و عبد الله بن عمر ، و سعيد بن زيد ، و سلمان الفارسي ، وغيرهم ، و لا يعرف لهم مخالف ، و قال به جمهور التابعين و منهم : عطاء بن أبي رباح ، و ابن شهاب الزهري ، و الحسن البصري ، و طاووس بن كيسـان ، و النخعي ، و الفقهاء السبعة ، و هو مذهب الأئمة الأربعة .

القول الثاني : أنه يجوز له مس القرآن ، و إليه ذَهَب بعض التابعين ، و هو مذهب الظاهرية .

و الراجح عدم جواز مس المصحف للبالغ المُحدِث حَدَثاً أصغر ، و ذلك للأدلّة التالية :

أولاً : قال الله عز وجل : ( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين ) [الواقعة : 77-80] .

و قد جاءت الآية بصيغة الحصر فاقتضى ذلك حصر الجواز في المطهرين من الأحداث والأنجاس من بني آدم .

والأصل في الطهارة المطلقة في العرف الشرعي : هي الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر ، و هذا ما فهمه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يحفظ عن أحد منهم - فيما نعلم - أنه مس المصحف و هو على غير طهارة ، أو قال بجوازه .

ثانيًا : روى الدارقطني و البيهقي و الحاكم بإسناد صححه و وافقه الذهبي عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : ( لما بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن قال : (لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر) .

ثالثاً : روى الدارقطني و الهيثمي في المجمع و الطبراني في الكبير بإسناد وثَّقا رجالَه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) ، و جوّد اسناد هذا الحديث ابن حجَر في الفتح ، و نقل تصحيح إسناده عن بعض أهل العلم ( في إعلاء السنن ) .

رابعاً : روى أبو داود في ( المصاحف ) ، و الهيثمي في مجمع الزوائـد ، و عزا إلى معجم الطبراني الكبير عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال : وفدنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجدوني أفضلهم أخذًا للقرآن ، و قد فَضَلتُهم بسورة البقرة ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( قد أمّرتُك على أصحابك و أنت أصغرهم ، و لا تمس القرآن إلا و أنت طاهر ) .

خامساً : روى عبد الرزاق في مصنفه ، و مالك في موطئه ، وأبو داود في المصاحف ، و الدارمي في سننه ، و الحاكم في مستدركه ، و الدارقطني و البيهقي كلٌّ في سننه ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده قال : كان في كتاب النبي صلى الله عليه و سلم لعمرو بن حزم : ( لا يُمَسُّ القرآنُ إلا على طُهرٍ ) ، قال البغوي : سمعت أحمد بن حنبل ، وقد سُئل عن هذا الحديث فقال : أرجو أن يكون صحيحًا ) ، و قال أيضًا : ( لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتبه ) .

قلتُُُ : إنّ الأحاديث الدالّة على تحريم مس المصحف على المحدث لا يخلو إسناد كلٍ منها بمفرده من مقال إلا أنها بمجموع طرقها ترقى في أقل أحوالها إلى درجة الحَسَن ، و يقتضي ذلك صحّة الاحتجاج بها ، و وجوب العمل بمقتضاها .

 

فإذا أضيف إلى هذه الأدلّة إجماع الصحابة السكوتي على القول بعدم جواز مس المحدث البالغ للمصحف ، لزمنا القول بقولهم و اتبّاع مذهبهم في التحريم ، و هذا مذهب الجمهور ، قال شيخ الإسـلام ابن تيمية : ( و أما مس المصحف فالصحيح أنه يجب له الوضوء كقول الجمهـور ) [ مجموع الفتاوى : 21/288 ] .

و ذهب الحافظ ابن عبد البر أبعدَ من ذلك فقال : ( أجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى و على أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا طاهر ) [ الاستذكار ، 8/10 ] .

المسألة الخامسة : اخْتَلَف العلماء فِي حكم مَسِّ المصحف بِحَائِلٍ , كَغِلافٍ أَوْ كُمٍّ أَوْ خِرقة أو نَحْو ذلك . فذهب الْمَالِكِيَّةُ وَ الشَّافِعِيَّةُ إلى القول بِالتَّحْرِيمِ مُطْلَقًا فقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : يحرم مس المصحف بدون طهارة وَ لَوْ كَانَ الْحَائِلُ ثَخِينًا سميكاً , لأنّه يُعَدُّ مَاسًّا في العرف .

وَ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِحُرْمَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَإِنْ مَسَّهُ بِقَضِيبٍ و نَحْوِهِ وَ كَذَلِكَ مَسُّ جِلْدِ الْمُصْحَفِ أوَ حَمْلُهُ وَ إِنْ كان الحمل بِعَلاقَةٍ أَو وِسَادَةٍ و استثنوا كون المصحف داخلاً في أَمْتِعَةٍ قَصَدَ حَمْلَهَا جميعاً .

وَ ذهب الْحَنَابِلَةِ إلى القول بجَوَازِ مَسّ المُحْدِثِ للمُصْحَف إذا كان المس من وراء حَائِلٍ مِمَّا لا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ عادة كَالكِيسٍ وَالكُمٍّ ، لأنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ مَسِّ المصحف , وَ مَعَ الْحَائِلِ إنَّمَا يَكُونُ الْمَسُّ له و ليس للْمُصْحَفِ لعَدَم مباشرته .

وَ فَرَّقُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ الْحَائِلِ الْمُنْفَصِلِ وَ الحائل الْمُتَّصِلِ فَقَالُوا : يَحْرُمُ مَسُّ الْمُصْحَفِ لِلْمُحْدِثِ إلا أن يكون له غلاف مُتَجَافٍ عنه - أَيْ منفصل و غير مخيط به - أَوْ أن يكون في صُرَّةٍ فيمسّها و المصحف بداخلها , أمّا إذا كان الغلاف متّصلاً بالمصحف فلا يجوز مسّه لأنَّ الْمُتَّصِلَ بالشيء جزءٌ مِنْهُ عُرفاً .

و لعدم تفريق الدليل بين مس المصحف بحائل أو بدون حائل ، و بين حائل و آخر من جهةٍ أخرى نرجّح الرجوع إلى العُرف في التفصيل ، فإذا مسّه من خلال ما يعتبر في عُرف الناس حائلاً ، بحيث لا يُقال لمن مسّه إنّه مسّ ما بداخله جاز ، و إن اعتبر ماسّاً لما بداخله عُرفاً ، فحُكمه حكم مس المصحف من حيث اشتراط الطهارة لجوازه و الله أعلم .

المسألة السادسة : لا بأس في مس كتب التفسير على غير طهارة ، و إن كانت متضمنة لآيات القرآن الكريم و سوَرِه عند المالكيّة غير ابن عَرَفة - و الحنابلة مطلقاً ، لأنه لا يُطلق عليها اسم القرآن عُرفاً ، فلا تأخذ حُكمُه .

و اعتبر أكثر الحنَفيّةُ و الشافعيّة بالقلة والكثرة في الحكم ، فإن كان القرآن مماثلاً لنص التفسير أو أكثر منه كما في بعض كتب غريب القرآن ، و مختصرات التفاسير حرم مسه على غير طهارة ، و إن كان التفسير أكثر جاز مسّه مع الحَدَث .

و هذا هو الراجح بحُكم العُرف الذي يُرجّحُ الغالبَ ، و لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث دحية الكلبي بكتاب فيه آية إلى قيصر ، كما في الحديث المتفق على صحته عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما .

و عليه فلا بأس في مسّ المحدث كُتُبَ التفسير إذا كان معظمها من غير القرآن الكريم ، كالموسوعات و المطوّلات ، إذ إنّ المتعارف عليه كونه كتباً ، و ليست مصاحف ( على المعنى الاصطلاحي ) ، أمّا كتب الغريب ، و مفردات القرآن ، و مختصرات التفاسير ( كالجلالين و نحوه ) فحكمها حُكم المصاحف ، و لا يحلّ مسّها إلا لطاهر ، و الله تعالى أعلم و أحكم .

و الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات ، و صلى الله و سلّم و بارك على نبيّنا محمّد و آله و صحبه أجمعين .

--------------

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 1 / ص 325)

رقم الفتوى 1635 لا يمس القرآن إلا طاهر

تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420

السؤال

هل يشترط الوضوء من أجل مس القرآن أم يجوز مسه لغير المتوضئ وهو طاهر حكماً والغاية قد تكون تعليمية أو لغاية أخرى ؟

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:

فإن مس المصحف لغير المتوضإ لا يجوز لما رواه الأثرم والدارقطني عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً وكان فيه " لا يمس القرآن إلا طاهر". [ورواه مالك مرسلاً بلفظه]. وهذا يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهراً من الحدث الأصغر، ولأن المحدث حدثاً أصغر غير طاهر من وجه وإن كان طاهراً طهارة معنوية بإيمانه، والذي دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " دعهما فإني أدخلتها طاهرتين - أي الرجلين" ، وهو قول جمهور أهل العلم. وإن كان المقروء منه جزءاً أو سورة فلا يجوز كذلك لأن له حكم المصحف وأجاز بعض العلماء مس المصحف للمحدث الذي يتعلم أو يعلم رفعاً للحرج.

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

0000000000

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 2 / ص 2645)

رقم الفتوى 14831 أقوال العلماء في قراءة المحدث القرآن

تاريخ الفتوى : 18 محرم 1423

السؤال

هل يجب الوضوء لقراءة القرآن؟

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإذا كان السؤال عن القراءة من المصحف، فتراجع الفتوى رقم: 12540 .

وإن كان السؤال عن قراءة القرآن بدون مس المصحف للمحدث حدثاً أصغر، فقد قال النووي في المجموع: أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث، والأفضل أن يتطهر لها.

قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط: ولا نقول قراءة المحدث مكروهة، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ مع الحدث.

فإذا كان الحدثُ أكبر، كالحيض والنفاس والجنابة فمذهب جماهير العلماء أنه لا يجوز معه القراءة ولو بدون مس المصحف، وذهب المالكية في المعتمد إلى أنه يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن، أما الجنب فلا يجوز له، لأن الجنب يملك رفع حدثه بخلاف الحائض والنفساء، فإذا انقطع الدم لم تجز لهما القراءة حتى تغتسلا، وليُعلم أنه يجوز الدعاء بما في القرآن للجنب والحائض عند الجمهور، كقوله عند ركوب الدابة أو السيارة: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين.

ويجوز عند المالكية أن يرقي الجنب نفسه أو غيره من الألم والعين، ولو تمت الرقية بسورة الإخلاص والمعوذتين وآية الكرسي ونحوها.

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 4 / ص 2683)

رقم الفتوى 32410 حكم لمس المصحف الإلكتروني بدون وضوء

تاريخ الفتوى : 22 ربيع الأول 1424

السؤال

ماهو حكم لمس المصحف الإلكتروني بدون وضوء والدخول به فى جيبي إلى دورات المياه؟

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن مس المحدث للمصحف الإلكتروني أو المسجل على أشرطة الكاسيت لا حرج فيه إن شاء الله تعالى، لأن شروط منع مس المصحف للمحدث أن يكون مكتوباً، وأن يكون بالخط العربي، أما المصحف المسجل فإنه ليس بمكتوب؛ وإنما ثبت فيه صدى صوت القارئ بطريقة يعرفها أهل الاختصاص، فصار أشبه بالقرآن المحفوظ في الصدر، فيجوز لصاحبه الدخول به في الحمام، ويجوز لمسه من المحدث والجنب والحائض. والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 5 / ص 76)

رقم الفتوى 40083 يحرم مس المصحف للمحدث حدثا أصغر أو أكبر

تاريخ الفتوى : 18 رمضان 1424

السؤال

حكم لمس المصحف لغير الطاهر مع علمه، و ما هو التكفير عنه؟

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فلا يجوز للمحدث حدثاً أكبر أو حدثا أصغر أن يمس القرآن الكريم، كما فصلنا في الفتوى رقم: 12540 . ومن مسه وهو محدث مع علمه أنه يحرم عليه ذلك، فهو آثم، وتجب عليه التوبة والاستغفار من هذا الأمر، وليست لذلك كفارة معينة نعلمها سوى التوبة. والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 5 / ص 3905)

رقم الفتوى 45150 لمس المصحف لغير المتوضئ عند فقهاء السلف

تاريخ الفتوى : 15 محرم 1425

السؤال

هل صحيح أن المحققين من علماء السلفية يجيزون لمس المصحف لغيرالمتوضئ وماهي حجتهم

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي دل عليه الكتاب والسنة وثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم هو أن مس المصحف لا يجوز للمحدث، وإلى هذا جمهور أئمة السلف كالأئمة الأربعة وغيرهم، ورجح هذا عدد كبير من المحققين، حتى قال الإمام ابن عبد البر في كتابه "التمهيد": ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة والعراق والشام أن المصحف لا يمسه إلا الطاهر على وضوء، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبي عبيد ، وهؤلاء أئمة الفقه والحديث في أعصارهم .

وقد قدمنا طرفا من أدلة هذا القول في الفتوى رقم: 1635 وإذا تقرر هذا، فكيف يقال إن المحققين من علماء السلفية يجيزون لمس المصحف لغير المتوضئ؟ وهل يقصد بالسلفية إلا أتباع السلف الصالح؟ وإذا لم يكن مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور -نقول:- إذا لم يكن كل هؤلاء سلفيين فمن هم السلفيون؟! علما بأن هناك من أهل العلم من السلف ومن بعدهم من ذهب إلى جواز مس المصحف للمحدث، ولكن هؤلاء وإن كان فيهم محققون، إلا أنهم قلة بالنسبة للقائلين بعدم الجواز، ولمعرفة حججهم ومناقشتها نحيلك على كتب الفقه مثل المغني والمجموع وغيرهما.

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

00000000

الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5696)

7 - اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم بالحدث مسّ المصحف بلا حائل.

قال تعالى : «لا يَمَسُّهُ إلاّ المُطَهَّرُونَ» .

وفي كتابه صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم « أن لا يمسّ القرآن إلاّ طاهر » .

واختلفوا في مسّه بحائل ، كغلاف أو كمّ أو نحوهما.

فالمالكيّة والشّافعيّة يقولون بالتّحريم مطلقاً ولو كان بحائل.

وقال الشّافعيّة : ولو كان الحائل ثخيناً ، حيث يعدّ ماسّاً عرفاً.

وصرّح المالكيّة بحرمة مسّ المصحف وإن مسّه بقضيب ونحوه وكذلك مسّ جلد المصحف وحمله وإن بعلّاقة أو وسادة إلاّ بأمتعة قصد حملها.

والصّحيح عند الحنابلة جواز مسّ المصحف للمحدث بحائل ممّا لا يتبعه في البيع ككيس وكمّ.

لأنّ النّهي إنّما ورد عن مسّه ، ومع الحائل إنّما يكون المسّ للحائل دون المصحف.

ومثله ما عند الحنفيّة حيث فرّقوا بين الحائل المنفصل والمتّصل فقالوا : يحرم مسّ المصحف للمحدث إلاّ بغلاف متجاف - أي غير مخيط - أو بصرّة.

والمراد بالغلاف ما كان منفصلاً كالخريطة ونحوها ، لأنّ المتّصل بالمصحف منه ، وعلى ذلك الفتوى.

وتفصيله في بحث : « مصحف » .

00000000000

فتاوى نور على الدرب للعثيمين - (ج  / ص 1)

السؤال

على بركة الله نبدأهذه الحلقة برسالة وصلت من مستمعة للبرنامج المستمعة هنا بالمدينة المنورة تقول في السؤال الأول ما حكم مس الأطفال للمصحف يا فضيلة الشيخ أرجو بهذه افادة؟

الجواب

الشيخ: اختلف العلماء رحمهم الله في جواز مس المصحف للمحدث فمن أهل العلم من يقول إن مس المصحف للمحدث جائز وذلك لعدم الدليل الصحيح الصريح في منع المحدث من مس المصحف والأصل براءة الذمة وعدم الالزام ومن العلماء من قال إنه لا يحل مس المصحف إلا على طهارة لأن في حديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلي الله عليه وسلم (ألا يمس القرآن إلا طاهر) والطاهر هنا هو الطاهر من الحدث لقول الله تعالى حين ذكر آية الوضوء والغسل والتيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) ولقوله تعالى في الحيض (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه) وهذا القول أصح من القول الأول لأن كلمة طاهر وإن كانت مشتركة بين الطهارة المعنوية والطهارة الحسية لكن المعهود من خطاب الشارع أن لا يعبر بكلمة طاهر لمن كان طاهراً طهارة معنوية والطاهر طهارة معنوية هو المسلم والنجس هو المشرك قال الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) وقال النبي صلي الله عليه وسلم (إن المؤمن لا ينجس) وأذا كان لم يعهد التعبير بالطاهر عن المؤمن فإنه يحمل على المعنى الثاني أو يترجح حمله على المعنى الثاني وهو الطاهر من الحدث ولكن يبقى النظر هل يشمل الحكم الصغار الذين يتعلمون القرآن فتلزمهم بالوضوء أو لا يشملهم لأنهم غير مكلفين في هذا خلاف بين العلماء فمنهم من قال إن الصغير لا يلزمه أن يتوضأ لمس المصحف لأنه غير مكلف ومنهم من قال إنه يلزمه فيلزم بأن يتوضأ وهذا لا شك أنه أحوط وفيه من المصلحة أننا نغرس في قلوبهم إكرام كلام الله عز وجل وأنه أهل لأن يتطهر الإنسان لمسه فإذا كان في إلزامهم بذلك صعوبة فإنه من الممكن أن يمس المصحف من وراء حائل فإن مس المصحف من وراء حائل جائز للمحدث وغير المحدث نعم.

---------------

حكم الطهارة لمس القرآن الكريم

دراسة فقهية مقارنة

 

د. عمر بن محمد السبيل

أستاذ مساعد - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى

 

ملخص البحث

يشتمل البحث على مقدمة ومبحثين ، وخاتمة .

فالمقدمة في بيان سبب البحث ، ومنهجه ، أما المبحثان ؛ فالأول : في حكم الطهارة للبالغ، وقد بينت فيه إجماع العلماء على تحريم مس المصحف لمن كان عليه حدث أكبر، ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية ، أما إن كان عليه حدث أصغر ، فقد اختلف العلماء في حكم مسه للمصحف، على قولين :

الأول : أنه لا يجوز له مس القرآن . وبه قال جمع من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف ، وقال به كثير من التابعين ، وهو مذهب الأئمة الأربعة .

الثاني : أنه يجوز له مس القرآن . وبه قال بعض التابعين وهو مذهب الظاهرية . وقد ظهر لي رجحان القول الأول : لقوة أدلته ورجحانها .

والمبحث الثاني : في حكم الطهارة للصغير . وقد بينت فيه أنه لا يجوز تمكين الصغير غير المميز من مس المصحف ، أما المميز فقد اختلف العلماء في حكم مسه للمصحف إذا كان محدثًا على ثلاثة أقوال :

الأول : أنه يجوز مسه للمصحف . وبه قال الحنفية ، والمالكية ، والشافعية في الصحيح من مذاهبهم ، وبه قال الحنابلة في رواية .

والثاني : أنه يكره له مسه . كراهية تنزيه ، وهو قول للحنفية ، والمالكية .

الثالث : أنه يحرم عليه مسه . وهو قول للشافعية، والصحيح عند الحنابلة.

وقد ظهر لي رجحان القول الأول ؛ لقوة أدلته ، ورجحانها .

وأما الخاتمة فقد اشتملت على أهم نتائج البحث .

المقدمة

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد : فإن العناية بكتاب الله الكريم ، وما يتعلق به من المعاني والأحكام من أفضل أنواع العلم الشرعي وأجله ، لشرف موضوعه ؛ لأنه يتعلق بأشرف كلام ، وأعظم كتاب ، ولذا رأيت أن أسهم بجهدي المتواضع في بيان حكم مسألة من المسائل المتعلقة به في هذا البحث الذي عنونت له ب (حكم الطهارة لمس القرآن الكريم)(1) مجليًا آراء العلماء في هذه المسألة ، على سبيل الإيضاح والتفصيل ، لأنني لم أقف على مؤلَّفٍ مستقل(2) عني ببيان أحكام هذه المسألة على التفصيل الذي ذكرته ، والنهج الذي سلكته ، وقد انتظم هذا البحث في مقدمة ومبحثين وخاتمة .

وقد سلكت في هذا البحث المسلك العلمي المتبع في بحث المسائل الشرعية بحثًا فقهيًا مقارنًا، بذكر آراء العلماء وأدلتهم، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، مع بيان الراجح من تلك الآراء ، مبينًا وجه الترجيح .

فأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وزلفى لديه إلى جنات النعيم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

المبحث الأول : حكم الطهارة للبالغ

__________

(1) الحواشي والتعليقات

( ) ... آثرت التعبير ب ( مس القرآن الكريم) على التعبير ب (مس المصحف) رغم أنه التعبير الغالب عند كثير من العلماء والمصنفين وذلك موافقة للأحاديث الكثيرة والتي ورد فيها النهي عن مس القرآن ، واتباعًا لاختيار بعض العلماء التعبير بهذا ، كابن نجيم الحنفي في البحر الرائق، 1/211 .

(2) ... لا في القديم ولا في الحديث،سوى رسالة ألفها الشيخ/محمد بن علي بن حسين المالكي المتوفى سنة (1368هـ) بعنوان : (إظهار الحق المبين بتأييد إجماع الأئمة الأربعة على تحريم مس وحمل القرآن الكريم لغير المتطهرين) .

أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحدث حدثًا أكبر أن يمس المصحف وخالف في ذلك داود لظاهري(+(1) وتابعه على القول به أهل الظاهر(2).

أما المحدث حدثًا أصغر؛ فقد اختلف العلماء في حكم مسه للمصحف على قولين :

القول الأول : أنه لا يجوز للمحدث حدثًا أصغر أن يمس المصحف كله أو بعضه .

وبهذا قال من الصحابة : علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وسعد ابن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر، وسعيد بن زيد، وسلمان الفارسي، وغيرهم .

وقال به من التابعين : عطاء بن أبي رباح ، وابن شهاب الزهري ، والحسن البصري ، وطاووس بن كيسان ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، والنخعي(3) ، والفقهاء السبعة (4) .

__________

(1) الإفصاح ، 1/76؛ المغني ، /147، رحمة الأمة،ص، 21؛ نيل الأوطار، 1/260، موسوعة الإجماع ، 2/878 .

(2) ... المحلى ، 1/77 .

(3) ... انظر : مصنف عبد الرزاق ، 1/341 ؛ الجامع لأحكام القرآن 17/626 ؛ المغني ، 1/147.

(4) ... السنن الكبرى للبيهقي ، 1/88 ، معرفة السنن والآثار للبيهقي ، 1/185 .

وقد ذكر الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين 1/23 الفقهاء السبعة وعدَّدَهم بقوله : (وكان المُفْتُون بالمدينة من التابعين : ابن المسيب ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وخارجة بن زيد، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن حارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود ، وهؤلاء هم الفقهاء وقد نظمهم القائل فقال :

إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة

فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة) اهـ

وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية، 9/108أن أكثرهم توفي سنة 94هـ ولذا سميت تلك السنة ب(سنة الفقهاء) .

وهو قول المذاهب الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4) .

واستدلوا على ما ذهبوا إليه بالكتاب والسنة ، وإجماع الصحابة ودونك(5) أدلتهم بالتفصيل :

أولاً : الكتاب :

استدلوا من الكتاب بقول الله عز وجل ( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين ( [الواقعة77-80] .

وجه الدلالة :

__________

(1) ... الهداية ، 1/31 ؛ مجمع الأنهر ، 1/25 ؛ البحر الرائق ، 1/211 .

(2) ... المعونة ، 1/160 ؛ عقد الجواهر ، 1/62 ، الخرشي على خليل ، 1/160 إلا أن المالكية ذهبوا إلى جواز مسه للمعلم والمتعلم إذا كان حدثه أصغر لمشقة الاستمرار على الطهارة ، وكذا المرأة الحائض يجوز لها المس ؛ لضرورة التعليم بخلاف الجنب لقدرته على إزالة المانع . انظر : الشرح الصغير ، 1/222 ، الشرح الكبير ، 1/126.

(3) ... المهذب ، 1/32 ؛ روضة الطالبين ، 1/190 ؛ مغني المحتاج ، 1/36 .

(4) 10) المقنع ، 1/56 ، منتهى الإرادات ، 1/27 ، الروض المربع ، 1/26 .

(5) 11) التعبير بلفظ (دونك) هو الصحيح لغة ؛ لأنه بمعنى (خذ) وهو الشائع عند العلماء قديمًا وحديثًا ومن المصنفين المكثرين من ذلك في مصنفاتهم العلامة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه (أضواء البيان) .

أما ما عليه كثير من المعاصرين من التعبير بلفظ (إليك) فهو خطأ شائع ؛ لأن معنى (إليك) تنح وابتعد وهو غير مراد . فتنبه .

أن الله عز وجل أخبر أن هذا القرآن الكريم لا يمسه إلا المطهرون إجلالاً له وتعظيمًا ، وجاء الإخبار في الآية بصيغة الحصر فاقتضى ذلك حصر الجواز في المطهرين ، وعموم سلبه في غيرهم(1)، والمراد بالمطهرين ؛ المطهرون من الأحداث والأنجاس من بني آدم. والآية وإن كان لفظها لفظ الخبر، إلا أنه خبر تضمن نهيًا(2). فهو نظير قوله تعالى: ( لا تضار والدة بولدها ([البقرة 233] فإنه خبر تضمن نهيًا ، فدل ذلك على اشتراط الطهارة لمس المصحف(3) .

ثانيًا : من السنة :

استدلوا من السنة بعدد من الأحاديث ، ورد فيها النهي عن مس المصحف لغير طاهر ، وأن المراد بالطاهر الطاهرُ من الحدث الأكبر والأصغر، ومن النجاسة الحسية والمعنوية(4) ، ومن هذه الأحاديث :

1 عن حكيم بن حزام _رضي الله عنه- قال : (لما بعثني رسول الله ( إلى اليمن قال : (لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر) .

رواه الحاكم في المستدرك(5) ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي ، ورواه الدارقطني في سننه(6) ، والبيهقي في السنن الكبرى(7).

__________

(1) 12) انظر : الذخيرة للقرافي ، 1/238 .

(2) 13) انظر : تفسير البغوي ، 5/301 ، تفسير ابن كثير ، 4/299 ؛ بداية المجتهد ، 1/30 ؛ مغني المحتاج ، 7/37 ؛ كشاف القناع ، 1/134 .

(3) 14) انظر : المجموع شرح المهذب ، 2/79 .

والاستدلال بهذه الآية إنما هو على قراءة من قرأ قوله تعالى : ( لا تضارُّ( بالرفع على الخبر وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير .

انظر : فتح القدير 1/317 .

(4) قال في نيل الأوطار ، 1/259 : (والحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرًا ، ولكن الطاهر يطلق بالاشتراك على المؤمن والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر ، ومن ليس على بدنه نجاسة .. فمن أجاز حمل المشترك على جميع معانيه حمله عليها هنا ) .

(5) 16) 3/485 .

(6) 17) 1/122 .

(7) 18) 1/87 .

قال في مجمع الزوائد : (رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وفيه سويد أبو حاتم ضعفه النسائي ، وابن معين في رواية ، ووثقه في رواية، وقال أبو زرعة : ليس بالقوي ، حديثه حديث أهل الصدق) (1) .

وقال ابن حجر : (وحسَّن الحازمي إسناده) (2) .

2 عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه- قال : قال النبي ( (لا يمس القرآن إلا طاهر ) . رواه الدارقطني في سننه(3)، وقال في مجمع الزوائد: (رواه الطبراني في الكبير ، والصغير ، ورجاله موثقون) (4) .

قال الأثرم : (واحتج أبو عبد الله يعني أحمد بحديث ابن عمر) (5)

وقال ابن حجر:(وإسناده لا بأس به،ذكر الأثرم أن أحمد احتج به)(6) ونقل في إعلاء السنن(7) : تصحيح إسناده عن بعض أهل العلم .

3 عن عثمان بن أبي العاص قال : (وفدنا على رسول الله ( فوجدوني أفضلهم أخذًا للقرآن ، وقد فضلتهم بسورة البقرة ، فقال النبي (: قد أمرتك على أصحابك وأنت أصغرهم ، ولا تمس القرآن إلا وأنت طاهر).

رواه أبو داود في المصاحف(8) ، وقال في مجمع الزوائد : (رواه الطبراني في الكبير في جملة حديث طويل ... وفيه إسماعيل بن رافع ضعفه يحيى بن معين ، والنسائي وقال البخاري : ثقة مقارب) (9) .

4 عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده قال: كان في كتاب النبي ( لعمرو بن حزم : ( لا يمس القرآن إلا على طهر).

__________

(1) 19) 1/277 .

(2) 20) التلخيص الحبير ، 1/131 .

(3) 21) 1/121 .

(4) 22) 1/276 .

(5) 23) المنتقى للمجد ابن تيمية ، 1/127 .

(6) 24) التلخيص الحبير ، 1/131 .

(7) 25) 1/268 .

(8) ص ، 212 .

(9) 27) 1/277 .

رواه عبد الرزاق في مصنفه (1) ، ومالك في الموطأ (2) ، وأبو داود في المصاحف(3) والدارمي في سننه (4) ، والحاكم في مستدركه (5)، والدارقطني في سننه(6) ، وقال: (مرسل ورواته ثقات)، والبيهقي في السنن الكبرى(7)، وفي معرفة السنن والآثار(8) .

قال البغوي : سمعت أحمد بن حنبل ، وسئل عن هذا الحديث فقال : أرجو أن يكون صحيحًا) .

وقال أيضًا : (لا أشك أن رسول الله ( كتبه ) (9) .

وقال يعقوب بن سفيان : لا أعلم كتابًا أصح من هذا الكتاب ، فإن أصحاب رسول الله ( والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم .

وقال الحاكم : قد شهد عمر بن عبد العزيز ، والزهري لهذا الكتاب بالصحة(10).

وقال الإمام ابن عبد البر : (وكتاب عمرو بن حزم هذا تلقاه العلماء بالقبول والعمل، وهو عندهم أشهر وأظهر من الإسناد الواحد المتصل)(11).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:( وهو كتاب مشهور عند أهل العلم)(12).

 

ثالثًا : الإجماع :

__________

(1) 28) 1/341 .

(2) 29) 1/343 .

(3) ص ، 212 .

(4) 31) 2/161 .

(5) 32) 1/397 .

(6) 33) 1/121 .

(7) 34) 1/88 .

(8) 35) 1/186 .

(9) 36) التبيان لابن القيم ، 1/409 ، إرواء الغليل ، 1/161 .

(10) 37) انظر : المستدرك 1/397 ، نيل الاوطار ، 1/259 .

(11) 38) الاستذكار ، 8/10 .

(12) شرح العمدة ، 1/382 .

أجمع الصحابة - رضوان الله عليهم- على القول بعدم جواز مس المحدث المصحف ، حيث روي ذلك عمن تقدم ذكرهم من فقهاء الصحابة ومشاهيرهم، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف(1)، فكان إجماعًا سكوتيًا(2)، بل كان ذلك هو المستقر عند الصحابة زمن النبوة وبعده ويدل عليه قصة إسلام عمر ، فإنه حين دخل على أخته وزوجها وهم يقرؤن القرآن فقال : أعطوني الكتاب الذي عندكم أقرؤه ، فقالت له أخته : إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون ، فقم واغتسل، أو توضأ، فقام عمر فتوضأ،ثم أخذ الكتاب ، فقرأ طه) رواه الدارقطني (3)، والبيهقي(4).

وروي عن علقمة قال : كنا مع سلمان الفارسي في سفر ، فقضى حاجته، فقلنا له : توضأ حتى نسألك عن آية من القرآن ، فقال : سلوني ، فإني لست أمسه ، فقرأ علينا ما أردنا ، ولم يكن بيننا وبينه ماء) وفي لفظ آخر أنه قال : (سلوني فإني لا أمسه ، إنه لا يمسه إلا المطهرون ) (5) .

قال البيهقي بعد روايته هذا الأثر : (وكأنهم ذهبوا القائلون بعدم جواز مس المصحف في تأويل الآية إلى ما ذهب إليه سلمان ، وعلى ذلك حملته أخت عمر ابن الخطاب في قصة إسلامه) (6) .

__________

(1) 40) انظر : المغني ، 1/147 ، المجموع للنووي ، 2/80 ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ، 21/266 .

(2) 41) إظهار الحق المبين ، ص ، 17 .

(3) 42) 1/123 وقال في التعليق المغني على سنن الدارقطني : الحديث أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده مطولاً . قال المؤلف : تفرد به القاسم بن عثمان وليس بالقوي. وقال البخاري : له أحاديث لا يتابع عليها .

(4) في السنن الكبرى ، 1/88 .

(5) 44) مصنف ابن أبي شيبة ، 1/103 ؛ سنن الدارقطني ، 1/123 وقال في التعليق المغني على سنن الدارقطني : هذا إسناد صحيح موقوف على سلمان ، والسنن الكبرى للبيهقي، 1/88، ومعرفة السنن والآثار ، 1/185، والمحلى ، 1/84 .

(6) 45) معرفة السنن والآثار ، 1/185 .

وروى الإمام مالك بسنده عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال : كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت ، فقال سعد : لعلك مسست ذكرك ؟ قال : قلت : نعم ، فقال : قم فتوضأ ، فقمت فتوضأت ثم رجعت )(1) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد سوقه لهذه الآثار وغيرها : (وكذلك جاء عن خلق من التابعين من غير خلاف يعرف عن الصحابة والتابعين وهذا يدل على أن ذلك كان معروفًا بينهم )(2) .

القول الثاني : أنه يجوز للمحدث حدثًا أصغر مس المصحف.

روي القول بهذا عن: ابن عباس ، والشعبي ، والضحاك(3)، والحكم ابن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وداود الظاهري(4)، وهو مذهب الظاهرية(5).

واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما يأتي :

1 ما ثبت في الصحيحين (6) أن رسول الله ( بعث دحية الكلبي إلى هرقل عظيم الروم بكتاب يدعوه فيه للإسلام ، وفيه قول الله تعالى : ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون( [ آل عمران 64].

__________

(1) الموطأ ، 1/90،ورواه أبو داود في المصاحف، ص ، 211 ، والبيهقي في السنن الكبرى، 1/88.

قال في إرواء الغليل ، 1/161 : (وسنده صحيح ) .

(2) شرح العمدة ، 1/383 .

(3) 48) الجامع لأحكام القرآن ، 17/226 ، نيل الأوطار ، 1/261 .

(4) 49) المغني 1/147 ، المجموع للنووي ، 1/79 ، وقالا أيضًا : وروي عن الحكم وحماد : جواز مسه بظاهر الكف ، دون باطنه .

(5) 50) وقد تقدمت الإشارة إلى أن أهل الظاهر يرون جواز مس المصحف للمحدث مطلقًا، سواء كان حدثه أكبر أو أصغر . وانظر : المحلى ، 1/77 .

(6) 51) صحيح البخاري ، 1/9 ، صحيح مسلم ، 5/165 .

قال ابن حزم : فهذا رسول الله ( قد بعث كتابًا وفيه هذه الآية إلى النصارى، وقد أيقن أنهم يمسون ذلك الكتاب (1). فإذا جاز مس الكافر له ؛ جاز للمسلم المحدث من باب أولى(2) .

2 أنه لم يثبت النهي عن مس المصحف لا في الكتاب ، ولا في السنة فيبقى الحكم على البراءة الأصلية، وهي الإباحة(3).

3 ولأن قراءة القرآن لا تحرم على المحدث،فيكون المس أولى بعدم التحريم(4).

4 ولأن حمل المصحف في متاع ونحوه لا يحرم على المحدث ، فكذلك المس قياسًا عليه(5) .

5 ولأن الصبيان يحملون ألواح القرآن وهم محدثون من غير نكير في جميع العصور ، فدل على إباحة مسه لكل محدث (6) .

الإجابة عن أدلة القول الأول :

أجاب القائلون بعدم تحريم مس المصحف على المحدث عن أدلة الجمهور القائلين بتحريم مس المصحف بما يأتي :

1 أن قوله تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ( خبر ، وليس بأمر بدليل: رفع السين في قوله سبحانه : ( لا يمسه ( ولو كان نهيًا لفتح السين فلا يجوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جلي ، أو إجماع متيقن ، ولم يثبت شيء من ذلك .

ولأن المصحف يمسه الطاهر ، وغير الطاهر ، فدل على أن الله عز وجل لم يعن بالمصحف المذكور في الآية هذا الذي بأيدي الناس ، وإنما عني كتابًا آخر ، وهو الذي في السماء (7) .

__________

(1) 52) المحلى ، 1/83 .

(2) 53) انظر : المجموع ، 1/79 ؛ إظهار الحق المبين ، ص ، 3 .

(3) 54) انظر : المصدرين السابقين .

(4) 55) انظر : بداية المجتهد ، 1/30 ؛ إظهار الحق المبين ، ص ، 3 .

(5) 56) انظر : المجموع ، 1/79 ، إظهار الحق المبين ، ص ، 3 .

(6) 57) انظر : المصدرين السابقين .

(7) 58) انظر : المحلى ، 1/83 ، بداية المجتهد ، 1/30 .

كما أن المراد بالمطهرين في الآية الملائكة لأنهم طهروا من الشرك والذنوب، وليسوا بني آدم ؛ لأن المطهر من طهره غيره ، ولو أريد بهم بنوا آدم لقيل : المتطهرون(1).

2 أن الأحاديث التي استدل بها على تحريم مس المصحف على المحدث كلها ضعيفة ، ولا يخلوا إسناد واحد منها من قدح وعلة ، فلا تقوم بها حجة ، ولا تصلح للاحتجاج ، قال ابن حزم : (فإن الآثار التي احتج بها من لم يجز للجنب مسه ، فإنه لا يصح منها شيء ، لأنها إما مرسلة، وإما ضعيفة لا تسند، وإما عن مجهول ، وإما عن ضعيف ، وقد تقصيناها في غير هذا المكان) (2) .

3 أن دعوى الإجماع غير متيقن ، بدليل وجود المخالف من التابعين ومن بعدهم(3) .

الإجابة عن أدلة القول الثاني :

أجاب الجمهور القائلون بعدم جواز مس المصحف للمحدث عن أدلة القائلين بالجواز بما يأتي :

1 أجيب عن الدليل الأول : بأن الحديث إنما يدل على جواز مس الرسالة أو الكتاب إذا تضمن آية من القرآن ونحوها ، ومثل هذا لا يسمى مصحفًا ولا تثبت له حرمته ، وذكر الآيتين في الكتاب إنما قصد بها تبليغ الدعوة فيختص الجواز بمثل ذلك (4).

قال الحافظ ابن حجر : (إن الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين ، فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو التفسير ، فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند الجمهور ؛ لأنه لا يقصد منه التلاوة ، ونص أحمد : أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ وقال به كثير من الشافعية ، ومنهم من خص الجواز بالقليل كالآية والآيتين ) (5).

__________

(1) 59) انظر : بداية المجتهد ، 1/30 ، شرح العمدة ، 1/384 .

(2) 60) المحلى ، 1/81 .

(3) 61) انظر : المحلى ، 1/83 .

(4) 62) انظر : الشرح الكبير ، 1/95 ، إظهار الحق المبين ، ص ، 17 .

(5) 63) فتح الباري ، 1/408 .

2 وأجيب عن الدليل الثاني : بعدم التسليم بأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على تحريم المس ، بل ورد فيهما ما يدل على ذلك كما سبق ذكره في أدلة الجمهور ، فلا يبقى الحكم على البراءة الأصلية ، لثبوت الدليل الناقل استنباطًا من القرآن ، ونصًا من السنة الصحيحة .

3 وأجيب عن الدليل الثالث : بأن القراءة على غير طهارة إنما أبيحت للمحدث حدثًا أصغر للحاجة ، ولعسر الوضوء للقراءة كل وقت ، وإذا حصلت المشقة جاء التيسير ؛ لأن المشقة تجلب التيسير(1).

4 وأجيب عن الدليل الرابع : بأن قياس مس المصحف على حمله في المتاع قياس مع الفارق ؛ لأن الحامل له في متاعه لا يباشر مسه ؛ ولأنه غير مقصود بالحمل بخلاف حمله وحده فإنه مقصود لذاته(2).

5 وأجيب عن الدليل الخامس: بأن الألواح التي يحملها الصغار وهم محدثون لا تسمى مصحفًا؛ إذ لا يكتب فيها إلا شيء يسير من القرآن تقتضيها ضرورة التعليم(3) ولأنهم غير مكلفين(4).

الإجابة عن اعتراض القائلين بالجواز على أدلة المانعين :

أجاب جمهور العلماء عن اعتراض القائلين بجواز مس المحدث المصحف على أدلة التحريم بما يأتي :

__________

(1) 64) انظر : المجموع شرح المهذب ، 1/80 ، إظهار الحق المبين ، ص ، 18 .

(2) 65) انظر : المصدرين السابقين .

(3) 66) انظر : المصدرين السابقين .

(4) 67) انظر : بداية المجتهد ، 1/30 .

أولاً : أنا نمنع أن قوله سبحانه : ( لا يمسه ( خبر فقط ورفع السين فيه لا ينفي إرادة النهي ، بل هو خبر تضمن نهيًا ؛ لأن خبر الله لا يكون خلافه، وقد وجد من يمس المصحف على غير طهارة ، فتبين بهذا أن المراد النهي ، وليس الخبر، وقد ورد مثل هذا كثير في الكتاب والسنة ، ومنه قوله عز وجل : ( لا تضار والدة بولدها ([البقرة233] فإنه خبر تضمن نهيًا ، ومنه في السنة قوله (: (لا يبيع أحدكم على بيع أخيه ) بإثبات الياء، فإنه خبر تضمن نهيًا(1).

وأما القول بأن الضمير في قوله سبحانه : ( لا يمسه ( إنما يعود على الكتاب الذي في السماء وهو اللوح المحفوظ، لا على المصحف الذي بأيدي الناس، فالجواب : أن قوله سبحانه : ( تنزيل من رب العالمين( بعد قوله سبحانه : (لا يمسه إلا المطهرون ( فيه دلالة ظاهرة على إرادة المصحف الذي بأيدي الناس، فلا يحمل على غيره إلا بدليل صحيح صريح(2) .

كما أن القول بأن المراد ب المطهرين في الآية هم الملائكة وليسوا بني آدم؛ لأن المطهرين هم الذين طهرهم غيرهم ، وأنه لو أريد بهم بنو آدم لقيل(المتطهرون).

فالجواب : أن المتوضئ يطلق عليه طاهر ومتطهر، وهذا سائغ لغة (3).

__________

(1) 68) انظر : المجموع شرح المهذب ، 1/80 ، إظهار الحق المبين ، ص ، 18 .

(2) 69) انظر : المصدرين السابقين . وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ، 17/225 : (وقيل : المراد بالكتاب المصحف الذي بأيدينا ، وهو الأظهر ) .

(3) 70) انظر : المصدرين السابقين .

ومع التسليم بأن المراد بالمطهرين الملائكة كما هو قول جمهور المفسرين، فإنه يمكن الاستدلال بالآية بقياس بني آدم على الملائكة (1) ، أو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (من باب التنبيه والإشارة ؛ لأنه إذا كانت الصحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون ، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر ، والحديث مشتق من هذه الآية) (2).

وقال أيضًا : (الوجه في هذا والله أعلم أن الذي في اللوح المحفوظ هو القرآن الذي في المصحف كما أن الذي في هذا المصحف هو الذي في هذا المصحف بعينه سواء كان المحل ورقًا أو أديمًا أو حجرًا أو لحافًا ، فإذا كان مِنْ حكم الكتاب الذي في السماء أن لا يمسه إلا المطهرون وجب أن يكون الكتاب الذي في الأرض كذلك ؛ لأن حرمته كحرمته ، أو يكون الكتاب اسم جنس يعم كل ما فيه القرآن سواء كان في السماء أو الأرض ، وقد أوحى إلى ذلك قوله تعالى : (رسول من الله يتلو صحفًا مطهرة فيها كتب قيمة( [البينة2-3]، وكذلك قوله تعالى: (في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة( [عبس 13-14] فوصفها أنها مطهرة فلا يصلح للمحدث مسها)(3) .

وقال أبو عبد الله الحَلِيمِي الشافعي : (إن الملائكة إنما وصلت إلى مس ذلك الكتاب ؛ لأنهم مطهرون ، والمطهر هو الميسر للعبادة ، والمرضي لها ، فثبت أن المطهر من الناس هو الذي ينبغي له أن يمس المصحف ، والمحدث ليس كذلك ؛ لأنه ممنوع عن الصلاة والطواف ، والجنب والحائض ممنوعان عنهما ، وعن قراءة القرآن فلم يكن لهم حمل المصحف ولا مسه ) (4) .

__________

(1) 71) انظر : كشاف القناع ، 1/134 .

(2) 72) التبيان في أقسام القرآن، 1/402، وانظر نحوه في: البحر الرائق، 1/211 نقلاً عن العلامة الطيبي.

(3) شرح العمدة ، 1/384 .

(4) 74) معرفة السنن والآثار للبيهقي ، 1/187 .

وقال الجصاص : ( إن حُمِلَ لفظ الآية على النهي وإن كان في صورة الخبر كان عمومًا فينا ، وهذا أولى ، لما روي عن النبي ( في أخبار متظاهرة أنه كتب في كتابه لعمرو بن حزم : (ولا يمس القرآن إلا طاهر) (1) فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية إذ فيه احتمال له ) (2) .

ثانيًا:أن دعوى عدم صحة الأحاديث، وأنها لا تصلح للاحتجاج بها والعمل بها غير مسلم ، فإن تلك الأحاديث التي استدل بها الجمهور على تحريم مس المصحف على المحدث وإن كان لا يخلو إسناد كل واحد منها من مقال إلا أنها بمجموع طرقها ترقى في أقل أحوالها إلى درجة الحسن، فصلح الاحتجاج بها، ووجب العمل بها ، كما قال ذلك عدد من أئمة الحديث المشهورين كما تقدم نقل كلام بعضهم .

ومن ذلك أيضًا أن الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه احتجا بهذا الحديث ، وصرح إسحاق بن راهويه بصحته ، فقد قال إسحاق بن منصور المروزي في مسائله عنهما : (قلت يعني لأحمد- هل يقرأ الرجل على غير وضوء ؟ قال : نعم، ولكن لا يقرأ في المصحف ما لم يتوضأ ، قال إسحاق يعني ابن راهويه - كما قال ، لما صح من قول النبي عليه الصلاة والسلام : (لا يمس القرآن إلا طاهر) وكذلك فعل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام والتابعون ) (3).

وقال الإمام ابن عبد البر : (لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث بهذا الإسناد ، وقد روي مسندًا من وجه صالح ، وهو كتاب مشهور عند أهل السير ، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد ؛ لأنه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة وما فيه فمتفق عليه إلا قليلاً)(4) .

__________

(1) 75) سبق تخريجه في ص ، 8 .

(2) 76) أحكام القرآن ، 3/416 .

(3) 77) مسائل إسحاق بن منصور ، ص ، 5 ، نقلاً عن إرواء الغليل ، 1/161 .

(4) 78) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، 17/338 ، ونقله عنه في التبيان لابن القيم ، 1/409؛ نيل الأوطار ، 1/259 ، إظهار الحق المبين ، ص ، 20 .

وقال الألباني : (صحيح . روي من حديث عمرو بن حزم ، وحكيم ابن حزام، وابن عمر ، وعثمان بن أبي العاص) ثم ساق أسانيد كل واحد منها ثم قال : (وجملة القول : أن الحديث طرقه كلها لا تخلو من ضعف ، ولكنه ضعف يسير ، إذ ليس في شيء منها من اتهم بكذب ، وإنما العلة الإرسال ، أو سوء الحفظ ، ومن المقرر في علم المصطلح أن الطرق يقوي بعضها بعضًا إذا لم يكن فيها متهم ، كما قرره النووي في تقريبه ، ثم السيوطي في شرحه ، وعليه فالنفس تطمئن لصحة هذا الحديث ، لا سيما وقد احتج به إمام السنة أحمد بن حنبل وصححه أيضًا صاحبه الإمام إسحاق بن راهويه) (1).

ثالثًا : وأما دعوى عدم ثبوت إجماع الصحابة فغير مسلم ، لثبوت ذلك الحكم عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم زمن النبوة وبعده ، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف ، فكان ذلك منهم إجماعًا سكوتيًا على تحريم مس المصحف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (وهو قول سلمان الفارسي ، وعبد الله بن عمر ، وغيرهما ، ولا يعلم لهما من الصحابة مخالف) (2) .

وقال الإمام النووي : (إنه قول علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي الله عنهم ، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة ) (3) فلا عبرة بالمخالف للصحابة، ولا اعتداد بقوله ، فهم أعلم الأمة ، وأعدلها وأوثقها وقولها أقرب إلى الحق والصواب ممن سواهم .

الترجيح :

بعد بيان قولي العلماء في حكم مس المحدث حدثًا أصغر للمصحف وأدلة كل قول ، وما أورد عليها من اعتراضات ، والإجابة عما اعتُرض به على قول الجمهور، ظهر لي رجحان ما ذهب إليه جمهور العلماء من القول بتحريم مس المصحف على المحدث حدثًا أصغر لما يأتي :

1 قوة ما استدلوا به من الأدلة على ما ذهبوا إليه .

2 ضعف أدلة المخالف ، والرد عليها ، وبيان وجه ضعفها .

__________

(1) 79) إرواء الغليل ، 1/158 ، 160-161 .

(2) 80) مجموع الفتاوى ، 21/266 .

(3) 81) المجموع شرح المهذب ، 2/80 .

3 أن القول بتحريم المس ناقل عن الأصل ، وقد ذهب أكثر الأصوليين إلى أن الدليل الناقل عن الأصل مقدم على الدليل المبقي على البراءة الأصلية(1).

4 أن القول بالتحريم أحوط للعبادة ، وأبرأ للذمة ، فالقول به أولى.

5 أن القول بالتحريم هو الموافق لتكريم القرآن وتعظيمه ، فإن الله عز وجل وصف القرآن بأنه كريم وأنه لا يمسه إلا المطهرون ، فعظمه الله تعالى وكرمه ، فالأليق بتعظيمه والأنسب لإجلاله وتكريمه أن لا يُمس إلا على طهارة كاملة ، لأن مسه بغير طهارة مخل بتعظيمه وتكريمه .

6 أن القول بالتحريم هو المنقول عن الصحابة زمن النبوة وبعدها ، من غير خلاف بينهم ، ولذا قال به أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم ، وجماهير أهل العلم حتى قال ابن عبد البر (أجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا طاهر)(2) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وأما مس المصحف فالصحيح أنه يجب له الوضوء كقول الجمهور وهذا هو المعروف عن الصحابة سعد وسلمان وابن عمر) (3) فدل ذلك على عدم الاعتبار للمخالفين ، وعدم الاعتداد بقولهم لضعف أدلتهم .

__________

(1) انظر : روضة الناظر ، 2/401 ، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ، ص ، 326 .

(2) الاستذكار ، 8/10 .

(3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/288 .

فحسْب المسلم ما أجمع عليه الصحابة ، وأفتى به أئمة التابعين ، واختاره من بعدهم من أئمة الإسلام المجتهدين في العصور المفضلة وما بعدها إلى يومنا هذا، حيث هو القول المختار المفتى به عند المحققين من علماء العصر وفقهائه(1) .

المبحث الثاني : حكم الطهارة للصغير

والمراد بالصغير هنا الصغير المميز ، أما غير المميز فلا يجوز تمكينه من مس المصحف ، ويأثم من مكنه من ذلك(2) .

وقد اختلف العلماء في حكم مس المميز للمصحف على غير طهارة على الأقوال التالية :

القول الأول : أنه يجوز للصغير مس المصحف على غير طهارة ، بمعنى : أنه لا يأثم من مكّن الصغير من مس المصحف وليّا كان أو غيره .

__________

(1) حيث اختاره صاحب كتاب (إظهار الحق المبين ) وقد فرغ من تأليفه بمكة سنة 1351هـ وذكر أن علماء المذاهب الأربعة في زمنه أجمعوا على الإفتاء به ، ص ، 19-20 ، وكذا أفتى به سماحة مفتي المملكة العربية السعودية في زمنه العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ كما في مجموع الرسائل والفتاوى 2/77، وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة شيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز ابن باز ، كما في الفتاوى الصادرة عنها 4/72 وما بعدها ، وغيرهم من علماء العصر .

(2) 86) انظر : المجموع شرح المهذب ، 2/75 ؛ مغني المحتاج ، 1/38 ؛ فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، 2/77 .

وبهذا قال : الحنفية في الصحيح من المذهب (1)، والمالكية في المعتمد(2)، والشافعية في الصحيح(3)، والحنابلة في رواية(4)، وهو مذهب الظاهرية(5).

وقيَّد بعضهم الجواز في حال التعلم لا غير(6) .

واستدلوا على ما ذهبوا إليه:بأن في تكليف الصبيان وأمرهم بالوضوء حرجًا عليهم ، قد يؤدي إلى ترك حفظ القرآن وتعلمه ، فأبيح لهم المس لضرورة التعلم، ودفعًا للحرج والمشقة عنهم(7) ، ولقصورهم عن حد التكليف(8).

القول الثاني : أنه يكره للصغير مس المصحف على غير طهارة .

__________

(1) 87) الهداية ، 1/31 ؛ البحر الرائق ، 1/212 ؛ الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ، 1/316.

(2) 88) التفريع ، 1/212 ، المعونة ، 1/162 ، الشرح الصغير ، 1/223 .

(3) 89) روضة الطالبين ، 1/192 ؛ مغني المحتاج ، 1/38 ؛ فتح الجواد ، 1/55 .

(4) 90) الفروع ، 1/189 ؛ الإنصاف ، 1/223 .

(5) 91) حيث تقدم في المبحث الأول أنهم يرون جواز مس البالغ للمصحف وإن كان جنبًا، فالصغير من باب أولى .

(6) 92) انظر : حاشية ابن عابدين ، 1/317 ، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ، 1/126، مغني المحتاج ، 1/38 .

(7) 93) انظر : البناية شرح الهداية ، 1/650 ؛ حاشية ابن عابدين ، 1/316 ؛ الذخيرة ، 1/237 ؛ مغني المحتاج ، 1/38 ، الشرح الكبير ، 1/95 .

(8) 94) انظر : المعونة ، 1/162 .

فائدة : قال القرافي في الذخيرة ، 1/239 : (تحقيق : قد توهم بعض الفقهاء أن هذه النصوص الدالة على تحريم مس المصحف على غير طهارة لا تتناول الصبيان كسائر التكاليف ، فكما لا يكون تركهم لتلك التكاليف رخصة ، فكذلك ههنا ، وليس كما ظن ، فإن النهي عن ملامسة القرآن لغير المتطهر ، كالنهي عن ملامسته لغير الطاهر ، من جهة أن كل واحد منهما لا يُشْعِرُ بأن المنهي عن ملامسته موصوف بالتكليف أو غير موصوف ، فيكون الجواز في الصبيان رخصة ).

وبه قال بعض الحنفية(1) ، وبعض المالكية إن كان للمصحف كله ، دون بعضه فلا يكره(2) .

ولعل وجه الكراهة : أن الصغير غير مكلف ، فيحمل النهي عن مس المصحف في حقه على الكراهة لا على التحريم ، لقصوره عن حد التكليف ، ولحاجة التعلم ، ودفعًا للحرج والمشقة .

القول الثالث : أنه يحرم على الصغير مس المصحف كله أو بعضه على غير طهارة كالبالغ ، ويأثم من مكنه من ذلك ، وليًا كان أو غيره .

وبهذا قال : الشافعية في قول(3)، والحنابلة في الصحيح من المذهب(4) مستدلين على ذلك : بعموم الأدلة الدالة على تحريم مس المصحف على غير طهارة، وأنها عامة في الصغير والكبير ، دون ما فرق بينهما(5).

تنبيه : استثنى الحنابلة من هذا الحكم مس الصغير لوحًا فيه قرآن فأجازوا تمكينه من ذلك لمشقة الطهارة عليه ، ولضرورة التعلم على أن يمسه من المحل الخالي من الكتابة في الصحيح من المذهب(6) .

 

الترجيح :

__________

(1) 95) البناية شرح الهداية ، 1/651 .

(2) 96) عقد الجواهر ، 1/62 ، الذخيرة ، 1/237 .

(3) 97) روضة الطالبين ، 1/192 ؛ مغني المحتاج ، 1/38 .

(4) 98) الإقناع ، 1/40 ؛ منتهى الإرادات ، 1/27 ونص على القول بهذا أيضًا صاحب أسهل المدارك ، 1/100 ، ولم أره لغيره من المالكية .

(5) 99) انظر : الكافي ، 1/48 ؛ الشرح الكبير ، 1/95 .

(6) 100) انظر : كشاف القناع ، 1/135 ، مطالب أولي النهى ، 1/155 .

لعل ما ذهب إليه جمهور العلماء من القول بجواز مس الصغير للمصحف هو الأرجح ، لقوة ما استدلوا به ، وضعف ما استدل به المخالف، لأن مساواة الصغير بالكبير في إيجاب الطهارة هنا غير ظاهر مع الفارق الكبير بينهما لعدم التكليف في حق الصغير ، ففي ذلك مشقة ظاهرة عليه مع عدم تكليفه ، قد تؤدي إلى إعراضه عن تعلم القرآن ، وقد جاءت قواعد الشرع باليسر والسهولة في الأحكام ورفع الحرج والمشقة عن الأنام ، لا سيما فيما يتعلق بنوافل الطاعة فإن الشرع سهل في أحكامها ترغيبًا في العمل بها . فالقول بعدم وجوب الطهارة على الصغير لمس المصحف هو الذي يتمشى مع سماحة الإسلام ويسر أحكامه ، هذا مع التأكيد على استحباب إتيانه بالطهارة وحثه عليها، إذ القائلون بالجواز لا يختلفون في استحباب طهارة الصغير لها(1)

__________

(1) 101) انظر : الذخيرة ، 1/237 ؛ مغني المحتاج ، 1/38 .

 

المصادر والمراجع

- ... القرآن الكريم .

- ... أحكام القرآن .

أبو بكر محمد بن عبد الله ابن العربي ، تحقيق : علي محمد البجاوي ، بيروت : دار المعرفة .

- ... إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ، محمد ناصر الدين الألباني ، إشراف : محمد زهير الشاويش ، الطبعة الأولى ، بيروت - دمشق : المكتب الإسلامي .

- ... الاستذكار ، تصنيف : الإمام يوسف بن عبد الله بن عبد البر الأندلسي ، تحقيق : د. عبد المعطي أمين قلعجي ، بيروت : دار قتيبة للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م .

أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه الإمام مالك ، أبي بكر بن حسن الكشناوي ، بيروت : دار الفكر .

إظهار الحق المبين بتأييد إجماع الأئمة الأربعة على تحريم مس وحمل القرآن الكريم لغير المتطهرين ، محمد علي بن حسين المالكي ، مكة المكرمة : المطبعة السلفية 1352هـ .

- ... إعلاء السنن ، ظفر أحمد العثماني التهاوني ، كراتشي باكستان : إدارة القرآن والعلوم الإسلامية .

 

- ... إعلام الموقعين عن رب العالمين ، شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، القاهرة مطبعة السعادة بمصر ، الطبعة الأولى : 1374هـ-1995م .

- ... الإفصاح عن معاني الصحاح ، يحيى بن محمد بن هبيرة ، الرياض : المؤسسة السعودية .

- ... الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل ، شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي ، تصحيح وتعليق: عبد اللطيف محمد السبكي ، مصر : المكتبة التجارية الكبرى .

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، علي بن سليمان المرداوي .صححه وحققه : محمد حامد الفقي ، القاهرة : مطبعة السنة المحمدية ، 1376هـ/1957م الطبعة الأولى .

البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، زين الدين بن نجيم الحنفي ، بيروت : دار المعرفة للطباعة والنشر الطبعة الثانية ، طبعة بالأوفست .

بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد .، راجعه وصححه:عبد الحليم محمد عبد الحليم ، عبد الرحمن حسن محمود ، القاهرة : مطبعة حسان.

البداية والنهاية ، إسماعيل بن عمر بن كثير ، تحقيق : محمد عبد العزيز النجار ، القاهرة : مطبعة الفجالة الجديدة .

البناية في شرح الهداية ، أبو محمد محمود بن أحمد العيني ، تصحيح : محمد عمر الشهير بناصر الإسلام الرامفوري ، بيروت : دار الفكر ، 1401هـ / 1981م الطبعة الأولى .

التبيان في أقسام القرآن ، الإمام محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ، تحقيق : محمد زهري النجار .الناشر : المؤسسة السعيدية للطبع والنشر .، القاهرة : مطابع الدجوي .

التعليق المغني على الدارقطني (بهامش سنن الدارقطني) ، محمد شمس الحق العظيم آباد ، تصحيح وتحقيق : عبد الله هاشم اليماني ، القاهرة : دار المحاسن للطباعة ، 1386هـ /1966م .

التفريع ، عبد الله بن الحسين ابن الجلاب المصري ، تحقيق : د. حسين بن سالم الدهماني ، بيروت : دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى 1408هـ- 1987م .

تفسير البغوي (معالم التنزيل في التفسير والتأويل) .، الحسين بن مسعود البغوي ، بيروت : دار الفكر للطباعة والنشر ، 1405هـ-1985 م .

تفسير ابن كثير ، إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ، بيروت : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1401هـ/1981م .

التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، القاهرة : شركة الطباعة الفنية المتحدة ، تصحيح وتعليق : عبد الله هاشم اليماني ، 1384هـ/1964م .

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، الإمام يوسف بن عبد الله بن عبد البر الأندلسي ، تحقيق : محمد بوخبزه ، وسعيد أحمد أعراب ، طباعة : وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية .

الجامع لأحكام القرآن ، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ، الناشر : دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، 1387هـ/1967م مصورة عن طبعة دار الكتب .

الدر المختار شرح تنوير الأبصار (مع حاشيته لابن عابدين) ، محمد علاء الدين الحصكفي .مصر:مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي1386هـ/1966م الطبعة الثانية

الذخيرة ، أحمد بن إدريس القرافي ، تحقيق : محمد بوخبزه ، بيروت : دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى عام 1994م .

رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ، محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي ، عني بطبعه : عبد الله بن إبراهيم الأنصاري ، قطر : مطابع قطر الوطنية ، 1401هـ /1981م.

رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين) .، محمد أمين الشهير بابن عابدين ، مصر:مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي1386هـ/1966م الطبعة الثانية.

روضة الطالبين ، يحيى بن شرف النووي ، دمشق : المكتب الإسلامي للطباعة والنشر .

روضة الناظر وجنة المناظر، موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة ،تحقيق : د. شعبان محمد إسماعيل ، بيروت مؤسسة الرياض للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة الأولى1419هـ/1998م

الروض المربع بشرح زاد المستقنع ، منصور بن يونس البهوتي ،القاهرة : المطبعة السلفية ، الطبعة السادسة .

سنن الدارقطني ، علي بن عمر الدارقطني ، تصحيح وتحقيق : عبد الله هاشم اليماني ، القاهرة : دار المحاسن للطباعة ، 1386هـ /1966م .

سنن الدارمي ، الإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عناية : محمد أحمد دهمان ، نشر : دار إحياء السنة النبوية .

السنن الكبرى ، أحمد بن الحسين البيهقي ، حيدر آباد الدكن الهند : مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية الطبعة الأولى .

شرح الخرشي على مختصر خليل، أبو عبد الله محمد الخرشي، بيروت : دار صادر .

الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك ، أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، القاهرة : مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه ، طبع على نفقة راشد بن سعيد المكتوم .

شرح العمدة في الفقه (كتاب الطهارة ) ، شيخ الإسلام ابن تيمية ، تحقيق د. سعود بن صالح العطيشان ، الرياض : مكتبة العبيكان 1413هـ/1993 م .

الشرح الكبير ، عبد الرحمن بن محمد بن قدامة المقدسي ، الرياض : جامعة الإمام محمد بن سعود كلية الشريعة .

الشرح الكبير لمختصر خليل (بهامش حاشية الدسوقي) ، أحمد بن محمد الدردير ،بيروت : دار الفكر .

صحيح البخاري (مع حاشية السندي) ، محمد بن إسماعيل البخاري، مصر : مطبعة دار إحياء الكتب العربية .

صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري ، بيروت : دار المعرفة للطباعة والنشر .

عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة ، جلال الدين عبد الله بن نجيم بن شاس ، تحقيق : د. محمد أبو الأجفان أ. عبد الحفيظ منصور ، بيروت : دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى : 1415هـ 1995م .

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، جمع وترتيب : أحمد بن عبد الرزاق الدويش .الرياض : شركة العبيكان للطباعة والنشر الطبعة الأولى عام 1411هـ .

فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ .

جمع وترتيب وتحقيق : محمد بن عبد الرحمن بن قاسم .

مكة : مطبعة الحكومة ، 1399هـ . الطبعة الأولى .

فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، تصحيح وتحقيق : عبد العزيز بن عبد الله بن باز، القاهرة : المطبعة السلفية ومكتبتها .

فتح الجواد بشرح الإرشاد ، أحمد بن حجر الهيتمي ، مصر:مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1391هـ /1971م الطبعة الثانية .

الفروع ، شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي ، راجعه : عبد الستار أحمد فراج ، القاهرة : دار مصر للطباعة ، 1381هـ /1962م الطبعة الثانية .

الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل ، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي .الطبعة الثانية ، بيروت : المكتب الإسلامي ، 1399هـ/1979م .

كتاب المصاحف، تصنيف : أبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، بيروت : دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1405هـ 1985م .

كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي ، القاهرة : مطبعة أنصار السنة المحمدية 1366هـ/1947م .

مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن سليمان المعروف بداماد أفندي، القاهرة : دار الطباعة العامرة ، 1316هـ ، تصوير : بيروت : دار إحياء التراث العربي .

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،علي بن أبي بكر الهيثمي، بيروت : دار الفكر 1408هـ 1988م.

المجموع شرح المهذب، الإمام يحيى بن شرف النووي ، القاهرة : مطبعة العاصمة .

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، جمع : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ، الرياض : مكتبة المعارف .

المحلى ، محمد بن علي بن حزم ، بيروت : دار الآفاق الجديدة .

مذكرة أصول الفقه ،الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، المدينة المنورة : المكتبة السلفية .

المستدرك على الصحيحين ،أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، حلب : مكتبة المطبوعات الإسلامية .

المصنف ،عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي ، بيروت : المكتب الإسلامي . الطبعة الأولى .

المصنف في الأحاديث والآثار،عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، تحقيق : مختار أحمد الندوي ، بومباي الهند : الدار السلفية ، 1401هـ/1981م الطبعة الأولى .

مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى السيوطي الرحيباني ، دمشق : المكتب الإسلامي .

معرفة السنن والآثار، تصنيف : أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق : سيد كردي حسن، بيروت: دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، 1412هـ 1991م .

المعونة على مذهب عالم المدينة ، القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي ، تحقيق : د. حميش عبد الحق ، الناشر:مكتبة مصطفى الباز مكة المكرمة الطبعة الأولى عام 1415هـ 199م.

المغني ، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ، الرياض : مكتبة الرياض الحديثة .

مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الشربيني الخطيب ، بيروت : دار إحياء التراث العربي .

المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل ، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ، القاهرة : المطبعة السلفية ومكتبتها .

المنتقى من أخبار المصطفى ، عبد السلام بن تيمية الحراني ، تحقيق : محمد حامد الفقي، بيروت: دار المعرفة ، 1398هـ/1978م . الطبعة الثانية .

منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزياداته، محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي المصري تحقيق : عبد الغني عبد الخالق ، الناشر : عالم الكتب .

المهذب في فقه الإمام الشافعي، إبراهيم بن علي الشيرازي ، بيروت : دار المعرفة للطباعة والنشر. مصور عن الطبعة الثانية 1379هـ/1959م .

موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي ، سعدي أبو جيب ، بيروت : دار العربية للطباعة والنشر.

الموطأ (مع شرحه المنتقى ) ، مالك بن أنس الأصبحي ، بيروت : دار الفكر العربي .

نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ، محمد بن علي الشوكاني ، مصور عن الطبعة الأولى ، بيروت : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1402هـ/1982م .

الهداية شرح بداية المبتدي، برهان الدين بن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني ، مصر : مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي .

والعلم عند الله .

00000000000000000000

فتاوى رمضان ونوازل الصِّيام والقيام

أولاً: الصوم

ثانياً: القيام والوتر

ثالثاً: ليلة القدر

رابعاً: الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

خامساً: صيام التطوع

سادساً: زكاة الفطر

سابعاً: رمضان هو شهر القرآن والإطعام

ثامناً: صلاة عيد الفطر والتكبير

 

أولاً: الصوم

س1.  عرِّف الصوم؟

الصوم لغة الإمساك عن أي شيء، قال تعالى على لسان مريم عليها السلام: "إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً".

والصوم شرعاً: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله عز وجل.

س2. متى فُرض الصوم؟

فُرض الصوم في شعبان في السنة الثانية من الهجرة.

س3. كم سنة صام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

صام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة رمضانات، منها خمسة تسعة وعشرون يوماً.

س4. فرض الصوم على ثلاث مراحل، ما هي؟

   يوم عاشوراء، فقد كان صيامه فرضاً، وقد صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.

   فرض صوم رمضان على التخيير بين الصيام والفدية، قال تعالى: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم".

   الإلزام بصيام رمضان من غير تخيير، قال تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه".

س5. ما حكم صيام رمضان؟

صيام رمضان ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه.

س6. ما الدليل؟

الدليل القرآن، والسنة، والإجماع:

   قال تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، وقال: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم".

   وقال صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس"، وذكر منها: "وصيام رمضان".

   وقد أجمعت الأمة على ركنيته وفرضيته.

س7. ما حكم من جحد وجوبه؟

من جحد وجوب صيام رمضان فقد كفر.

س8. ما حكم من أقرَّ بوجوبه ولم يصمه؟

ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن من ترك شيئاً من أركان الإسلام الخمسة عمداً أنه كافر بذلك، روي ذلك عن سعيد بن جبير، ونافع، والحكم، وهو رواية عن أحمد اختارها طائفـة من أصحـابه؛ وهو قـول ابن حبيب من المالكية، وذهب عامتهم إلى أنه عاص يعزَّر في الدنيا بالضرب والحبس لارتكابه كبيرة من الكبائر العظام، واستهانته بركن من أركان الإسلام؛ وعليه القضاء عند العامة، وذهب مالك أن عليه القضاء والكفارة الكبرى عن كل يوم أفطره عامداً، وقد ذهب علي وابن مسعود إلى أن من أفطر يوماً من رمضان عدواناً وظلماً لم يجزه صيام الدهر، وذلك لما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر".

س9. ما حكم من يصوم رمضان ولا يصلي؟

صيامه فاسد، لأن تارك الصلاة كسلاً كافر في أرجح قولي العلماء.

س10.  بم يثبت هلال رمضان وشوال وغيرهما من الأهلة؟

يثبت هلال رمضان وشوال وغيرهما من الأهلة بأحد أمرين، هما:

   إما برؤية الهلال.

   أو بإتمام شعبان أورمضان ثلاثين يوماً.

ودليل ذلك ما صحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة".

س11. بشهادة كم يثبت هلال رمضان وهلال شوال؟

يثبت هلال رمضان بشاهد واحد، وقيل بشاهدين، وهذا مذهب مالك؛ أما هلال شوال فلا يثبت إلا بشاهدين.

س12.هل تشترط العدالة في هؤلاء الشهود أم لا؟

قولان لأهل العلم، أرجحهما تشترط العدالة في ثبوت هلال شهر شوال دون هلال رمضان.

س13. هل يجوز العمل بالحساب في إثبات الأهلة؟

لا يجوز العمل بالحساب في إثبات الأهلة، وإنما يجوز العمل بالحساب في العبادات المتعلقة بالتقويم الشمسي كالصلوات المكتوبة، وصلاة الكسوف والخسوف، وغيرها، وهذا مذهب أهل السنة قاطبة، وشذ أهل الأهواء من رافضة وغيرهم بالعمل بالحساب.

جاء على لسان هيئة كبار العلماء بالسعودية: (أما ما يتعلق بإثبات الأهلة بالحساب فقد اجتمع أعضاء الهيئة على عدم اعتباره، وبالله التوفيق).

س14. إذا ثبت الهلال في بلد هل يلزم الصوم جميع الناس ولو اختلفت مطالع البلاد أم لا؟

ذهب أهل العلم في ذلك مذهبين:

   ذهب جمهور أهل العلم، ومنهم أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، إلى أن الهلال إذا ثبت في بلد لزم الصيام جميع المسلمين في كل بقاع الدنيا، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، والخطاب لعامة المسلمين.

   وذهب الشافعي ومن وافقه إلى الأخذ باختلاف المطالع، فإذا رؤي الهلال في بلد لزمهم الصوم ومن جاورهم من المسلمين، عملاً بحديث كريب الذي خرجه مسلم في صحيحه، قال كريب: "قدمت الشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم عدت إلى المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: ليلة الجمعة وصاموا؛ فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أونراه، هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قال مؤلف كتاب "الزلال": اعلم يقيناً أن القول الصحيح الذي اتفق عليه المحققون من علماء الأثر وأهل النظر وعلماء السنة هو أن ينظر بين بلد الرؤية وغيرها، فإن كان بينهما ألفان ومائتان وستة وعشرون [2226]   ً كيلاً فأقل صار الحكم واحداً في الصوم والفطر لاتحاد المطالع، وإن كان أكثر من ذلك فلا يصح، وصار لكل بلد حكمه لاختلاف مطالها، سواء كان البلد شرقاً، أوغرباً، أوشمالاً، أوجنوباً، تحت ولاية واحدة أم لا، في إقليم واحد أم لا؛ انتهى.

لم ترجِّح هيئة كبار العلماء في المملكة أحد الرأيين على الآخر، فقالت: يكون لكل بلد إسلامي حق اختيار ما يراه بواسطة علمائه من الرأيين.

قلت: هذه من المسائل الخلافية، فلا ينبغي لأحد أن يثرب على من خالفه، وإن كانت النفس تهوى المذهب الأول مذهب الجمهور، لما فيه من اجتماع المسلمين في صومهم وعيدهم.

قال النووي: (نقل ابن المنذر عن عكرمة، والقاسم، وسالم، وإسحاق بن راهويه: أنه لا يلزم غير أهل بلد الرؤية؛ وعن الليث، والشافعي، وأحمد: يلزم.

قال: ولا أعلمه إلا قول المدني والكوفي، يعني مالكاً وأبا حنيفة).

س15. ما المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة"؟

المراد والله أعلم قولان:

   لا ينقص أجرهما والثواب المترتب عليهما، وإن نقص عددهما، وهذا هو الراجح.

   وقيل لا ينقصان معاً غالباً من سنة واحدة.

س16. ما يقال عند رؤية هلال رمضان وغيره من الأهلة؟

اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال خير ورشد.

س17. ما يقال عند رؤية هلال رجب وشعبان؟

اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان.

س18. ما شروط وجوب الصوم؟

شروط وجوب الصوم في الحال ستة، هي:

   الإسلام.

   البلوغ.

   العقل.

   النقاء من الحيض والنفاس.

   القدرة على الصيام.

   الإقامة.

س19. ما شروط صحة الصوم؟

شروط صحة الصوم هي:

   الإسلام.

   الطهارة من الحيض والنفاس.

   النية.

   ثبوت هلال رمضان.

   الإمساك عن كل مفطر.

   معرفة طرفي النهار.

س20. ما يوم الشك؟ وهل يصح صومه؟

يوم الشك هو اليوم الثلاثين من شعبان.

ذهب العامة من أهل العلم إلى تحريم صوم يوم الشك من غير تفصيل، وفرَّق أحمد في المشهور عنه بين أن يكون السماء صحواً ليلة الثلاثين أوغير صحو، فإن كانت صحواً أمر بصيـامه، وهذا مذهب علي وابن عمر رضي الله عنهم من الصحابة.

استدل العامة بقوله صلى الله عليه وسلم: "فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له"، الحديث، فقد فسَّر العامة "اقدروا له"، بأكملوا شعبان ثلاثين يوماً، وفسَّرها ابن عمر وموافقوه بأن ضيقوا العدد، بأن يجعل شعبان تسعاً وعشرين يوماً، ومنه قوله تعالى: "ومن قُدِر عليه رزقه"، أي ضيِّق عليه؛ وبما صح عن نافع أنه قال: كان عبد الله بن عمر إذا مضى من الشهر تسعة وعشرون يوماً يبعث من ينظر له الهلال، فإن رأى فذاك، وإن لم يره ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطراً، وإن حال دون منظره سحاب أوقتر أصبح صائماً؛ وابن عمر راوي الحديث وقد فسَّر مراد الحديث بفعله.

واحتجوا كذلك بقول علي رضي الله عنه: "لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان".

الذي يترجح لدي من قولي العلماء السابقين: حرمة صيام يوم الشك، سواء كان الجو صحواً أوغيره، لصحة الأحاديث التي تنهى عن ذلك، والله أعلم.

س21. إذا صام الناس ثمانية وعشرين يوماً ثم رأوا هلال شوال، ماذا عليهم؟

عليهم الفطر وقضاء يوم فقط.

س22.إذا صام الناس ثلاثين يوماً ولم يروا الهلال لغيم ونحوه، ماذا عليهم؟

لم يفطروا حتى يروا الهلال.

س23. إذا ثبت الهلال نهاراً ببينة؟

عليهم:

   الإمساك بقية ذلك اليوم.

   والقضاء لعدم تبييت النية.

س24. ماذا على من بلغ نهاراً مفطراً، وعلى الحائض والنفساء إذا طهرتا نهاراً، أوقدم المسافر من سفره نهاراً، أوبرئ مريض وكان مفطراً؟

على كل هؤلاء:

   الإمساك بقية اليوم.

   والقضاء.

س25. ما مفسدات الصيام؟

مفسدات الصيام قسمان:

أ. قسم مجمع عليه بين العلماء، وهو:

1. الردة، لقوله تعالى: "لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين".

2. الأكل والشرب عامداً، لقوله تعالى: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل".

3. الجماع.

4. إنزال المني باختياره.

5.  خروج دم الحيض والنفاس.

6. الحقنة الشرجية، وحقن الدم أوالغذاء.

7. تعمد القيء.

8. شرب الدخان وتناول غيره من أنواع التبغ.

ب. قسم مختلف فيه:

1.  الحجامة.

2.  القطرات بأنواعها: قطرة العين، والأذن، والأنف.

3.  الحقنة في العضل أوالوريد.

4.  الأدوية التي تستنشق كدواء الربو.

5.  بلع الريق وإن جمعه، والنخامة.

6.  دواء الجروح التي في بقية البدن.

7.  القُبْلة إلا لمن خشي منها.

بعض العلماء ذهب إلى أن هذه مفطرات ومفسدات للصوم، استدلالاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً"، الحديث.

وبعضهم ذهب إلى أنها ليست من المفطرات لعدم وجود دليل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إنه لا يوجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث صحيح، ولا ضعيف، ولا مسند، ولا مرسل، يدل على أن هذه من المفطرات).

الذي يترجح لدي أن هذا القسم ليس من المفسدات للصوم، لعدم وجود الدليل، لأن العبادات توقيفية، والعلم عند الله.

س26. من يباح لهم الفطر في رمضان؟

يباح الفطر في رمضان لأربعة أصناف من الناس، هم:

1. المريض والمسافر، لقوله تعالى: "ومن كان منكم مريضاً أوعلى سفر فعدة من أيام أخر"، وعليهما القضاء.

2. الحائض والنفساء، تفطران وعليهما القضاء، وإن صامتا لم يجزئهما إجماعاً، والدليل قول عائشة: "كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة"، يعني في حال الحيض والنفاس.

3.   الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أفطرتا وقضتا لأنهما بمنزلة المريض، أما إذا خافتا على ولديهما فتفطران وتقضيان وتطعمان عن كل يوم مسكيناً، لقول ابن عباس: ".. والمرضع  والحبلى إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا".

4.  العاجز عن الصيام لكبر أوالمريض لا يرجى شفاؤه يفطران، وليس عليهما قضاء، وعليهما الكفارة عن كل يوم إطعام مسكين إن كانا مستطيعين، وإلا فلا شيء عليهما، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما.

س27. الصيام درجات، ما هي؟

قسم بعض السلف الصيام إلى أربع درجات، هي:

1. صيام عوام العوام، وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع، مع الانغماس فيما سوى ذلك من المحرمات من الأقوال والأفعال.

2. صيام خواص العوام، وهو كالأول مع اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال.

3.  صيام الخواص، وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته.

4.  صيام خواص الخواص، وهو الصوم عن غير الله، فلا فطر لهم إلا بعد القيامة.

س28. ما على من أكل، أوشرب، أوجامع، ناسياً في نهار رمضان؟

ذهب أهل العلم في ذلك أربعة مذاهب، هي:

1. لا قضاء عليه ولا كفارة، وهذا مذهب الحسن البصري، ومجاهد، وأبي حنيفة، والشافعي، وداود، وأبي ثور، وإسحاق، وابن المنذر، وغيرهم.

استدل هذا الفريق بالأحاديث الآتية:

   "من أكل أوشرب ناسياً فلا يفطر، فإنما هو رزق رزقه الله".

   "إذا نسي فأكل أوشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه".

   "من أكل ناسياً وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقه".

   "من أفطر في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة".

2. على من جامع ناسياً في نهار رمضان القضاء، دون الأكل والشرب، وهذا مذهب عطاء، والأوزاعي، والليث.

3. عليه القضاء في ذلك كله، وهذا مذهب مالك وشيخه ربيعة.

الذي يترجح لدي من الأقوال السابقة أنه لا قضاء على من أكل أوشرب ناسياً في نهار رمضان، وعليه أن يتم صومه؛ أما من جامع ناسياً فعليه القضاء، لأن الجماع يمكن الاحتراز منه، لأنه بين الرجل وزوجه، والله أعلم.

س29. ما على من أكل، أوشرب، أوجامع جاهلاً بتحريم ذلك؟

   إن كان قريب عهد بإسلام فلا شيء عليه سوى الإمساك، لا قضاء ولا كفارة.

   وإن كان ممن لا يجهل مثله لأنه يعيش بين المسلمين فعليه القضاء والكفارة.

س30. ما على من جامع قبل الفجر ثم نزع مع طلوعه أوعقب طلوعه فأنزل؟

لا شيء عليه، إلا إذا تمادى بعد ذلك.

س31. ما على من جامع في نهار رمضان؟

من جامع في نهار رمضان فقد أتى أمراً عظيماً، فعليه الإمساك والقضاء والكفارة العظمى، وهي أن يعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.

س32. ما على من قَبَّل أوباشر فيما دون الفرج بذكره أولمس بشرة امرأة بيده أوغيرها فأنزل المني؟

بطل صومه إن أنزل، وعليه القضاء، وفي الكفارة قولان، فإن لم ينزل فلا شيء عليه.

س33. ما على من قبَّل امرأته وتلذذ فأمذى ولم يمن؟

قولان:

   يفر، وهذا مذهب مالك وأحمد، وعليه القضاء.

   لا شيء عليه، وهذا مذهب الحسن، والشعبي، والأوزاعي، وأبي حنيفـة، والشافعي، وأبي ثور، وابن المنذر.

س34. ما على من استمنى بيده؟

أفطر، وعليه القضاء، وقيل عليه القضاء والكفارة.

س35. ما على من احتلم في نهار رمضان؟

لم يفطر، ولا شيء عليه.

س36. ما على من قبَّل زوجه وهو صائم؟

لا يفطر ولا شيء عليه؛ وعند أحمد إذا أمذى فعليه القضاء.

س37. ما على من نظر بشهوة فأنزل؟

لا شيء عليه؛ وقال مالك: عليه القضاء.

س38. ما حكم المساحقة؟

المساحقة حرام، والإنزال بها كالجماع، وعلى من ساحقت فأمنت القضاء والكفارة العظمى مع الإثم.

س39. ما حكم تبييت النية ليلاً لصيام رمضان؟

الوجوب.

س40. هل يكفي لشهر رمضان نية واحدة، أم لابد لكل يوم من نية؟

قولان لأهل العلم:

   تكفي نية واحدة تكون في أول الشهر، وهذا مذهب مالك، ورواية عن أحمد، وهو الراجح لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"، هذا بالنسبة لرمضان، ولأي صيام متتابع نحو كفارة الجماع، والقتل، والظهار، ما لم يقطعه.

   ذهب الجمهور إلى أنه لابد لكل يوم من نية.

س41. ما على من أكل أوشرب ظاناً أن الفجر لم يطلع أوأن الشمس قد غربت ثم تبين خلاف ذلك؟

قولان لأهل العلم:

   عليه القضاء، وهذا مذهب الجمهور.

   لا شيء عليه غير أن يمسك إذا تبين أن الشمس لم تغرب، وهذا مذهب عمر بن الخطاب، والبخاري صاحب الصحيح، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الذي تميل إليه النفس.

س42. ما على من أصبح صائماً وهو جنب؟

لا شيء عليه.

س43. على أي شيء يستحب الفطر؟

على رطب، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد فليحسو حسوات من ماء.

س44. ماذا يقول الصائم عند الفطر؟

يقول: ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله.

وقيل يقول: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت.

س45. هل يفطر من طرأ عليه المرض في أثناء اليوم؟

نعم يباح له الفطر إن اضطر إليه.

س46. هل يجوز الفطر للتقوِّي للقاء العدو؟

نعم، فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه خرج في رمضان عام الفتح فصام حتى إذا بلغ الكديد أفطر.

س47. ما على من أصبح يوم الشك مفطراً ثم تبين أنه من رمضان؟

أمسك وقضى.

س48. من صام رمضان قضاءً عن رمضان آخر، عن أيهما يقع، عن الحالي أم الماضي؟

قولان لأهل العلم:

   يقع عن الحالي، وعليه قضاء الفائت، وهذا الراجح.

   وقيل لا يجزئ عن واحد منهما.

س49. هل الكفارة تجب في غير رمضان؟

لا تجب الكفارة إلا في رمضان.

س50. أيهما أفضل في السفر، الصيام أم الفطر؟

أقوال لأهل العلم:

   الصيام أفضل، وهذا مذهب مالك.

   الفطر أفضل، وهذا مذهب أحمد.

   يختلف باختلاف الحال، فإن كان مجهداً فالفطر أفضل وأولى، وإن لم يكن مجهداً فالصيام أولى، وهذا هو الراجح.

س51. ما على من احتجم في نهار رمضان؟

أقوال لأهل العلم:

   لا شيء عليه، وهذا قول العامة من أهل العلم.

   وذهب فريق إلى أنه يفطر وعليه القضاء.

   يفطر الحاجم والمحجوم.

واحتج من قال يفطر بحديث: "أفطر الحاجم والمحجوم"، واحتج من قـال لا يفطر بأنه منسوخ بحديث ابن عباس: "ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ في الحجامة".

س52. من السنة تعجيل الفطور وتأخير السحور، ما الدليل؟

قوله صلى الله عليه وسلم: "تسحَّروا فإن في السحور بركة".

وعن عائشة رضي الله عنها ترفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يزال هذا الدين ظاهراً ما عجَّل الناس الفطر، إن اليهود والنصارى يؤخرون".

وقوله صلى الله عليه وسلم: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر".

س53. بم يحصل السحور؟

يحصل السحور بكثير الأكل وقليله، ولو بشربة ماء، لقوله صلى الله عليه وسلم: "تسحَّروا ولو بجرعة ماء".

س54. ما حكم السحور؟

السحور سنة مندوب إليه، ومرغب فيه، ويستحب الحرص عليه وتأخيره، قال ابن المنذر في الإشراف: (أجمعت الأمة على أن السحور مندوب إليه مستحب، لا إثم على من تركه)، ولكن يكره لمن يداوم على تركه ويتهاون فيه.

س55. ما العلة من مشروعية تعجيل الفطر وتأخير السحور؟

   الإعانة على الصوم.

   مخالفة أهل الكتاب، ومخالفتهم في أي أمر من الأمور عبادة وقربى إلى الله عز وجل.

س56. ما وقت السحور؟

من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، والأفضل تأخيره إلى قبيل طلوع الفجر.

س57. هل يتسحَّر من شكَّ في بقاء الليل؟

يستحب له ترك السحور، فإن تسحَّر في هذه الحالة صحَّ صومه، لأن الأصل بقاء الليل كما قال الشافعي رحمه الله.

س58. ما على من أخَّر الإفطار بعد تحقق غروب الشمس؟

إن كان يرى أن الفضل في التأخير فهذا مكروه، وإن أخَّره من غير اعتقاد لأفضليته لا يأثم.

س59. يستحب الدعاء عند الفطر، ما الدليل؟

عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للصائم عند فطره دعوة لا ترد"، وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أفطر قال: "اللهم برحمتك التي وسعت كل شيء اغفر لي".

س60. ما على من أخَّر قضاء رمضان أوبعضه حتى دخل رمضان الآخر؟

إن كان التأخير من عذر نحو مرض، وحمل، وإرضاع، فعليه القضاء؛ وإن كان من غير عذر فعليه القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم مداً، أوغداء وعشاء.

س61. وما على من أخَّر القضاء سنتين أوثلاثة؟

عليه القضاء وإطعام اثنين أوثلاثة.

س62. ما مقدار الإطعام في الكفارة؟

مُدٌّ لكل واحد مما يتقوَّت به الناس، أوغداؤه وعشاؤه.

س63. هل يجوز إعطاء كفارة الإطعام نقداً؟

لا يجوز، لابد أن تكون طعاماً، مصنوعاً أوغير مصنوع.

س64. هل يجوز تعجيل الفدية قبل القضاء؟

قولان: يجوز، ولا يجوز.

س65. هل يجب التتابع في القضاء؟

لا، ولكن يستحب، ويجوز التفريق.

س66. ما على من كان عليه قضاء شيء من رمضان فلم يصم حتى مات؟

   إن أخره لعذر فلا شيء عليه.

   وإن أخره لغير عذر أطعم عنه من تركته عن كل يوم مسكيناً.

   وقيل: يصام عنه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه"، والراجح أن هذا إن كان عليه صيام نذر أوجبه على نفسه، والله أعلم.

س67. هل يجوز أن يُصام عن أحد في حياته؟

لايجوز أن يصام عن أحد في حياته، سواء كان عاجزاً أوقادراً، ولا يصلي عنه، لأنهما عبادتان بدنيتان.

س68. ما على من مات وعليه صوم من رمضان فاته بمرض أوسفر؟

قولان لأهل العلم فيه:

   لا شيء عليه، لا صيام ولا إطعام، وهذا مذهب العامة من أهل العلم.

   وقال طاوس وقتادة: يجب أن يُطْعم عن كل يوم مسكيناً، لأنه عاجز أشبه الشيخ الهرم.

والراجح القول الأول.

س69. ما حكم السواك قبل وبعد الزوال؟

السواك سنة، ويجوز قبل وبعد الزوال، برطب وغيره، في صيام النفل والفرض؛ وقد كره الشافعي في المشهور عنه السواك بعد الزوال، وله قول: لا يكره في كل صوم، لا قبل ولا بعد الزوال.

قال ابن المنذر: وممن قال بالسـواك للصـائم قبل الزوال وبعده عمـر بن الخطـاب، وعائشـة، وعروة بن الزبير، وابن سيرين، والنخعي، وأبوحنيفة، ومالك؛ وكره بعد الزوال عطاء، ومجاهد، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.

س70. هل يصح صوم السكران؟

لا يصح صومه، وعليه القضاء والكفارة والحد في الدنيا، أوالإثم في الآخرة إذا لم يتب.

س71. هل يصح صوم الصبي غير المميز؟

قولان لأهل العلم:

   يصح إذا روقب لتعويده.

   لا يصح لجهله بما يصح به الصوم.

س72. هل يشترط لإفساد الحيض، والنفاس، والجنون، والردة للصوم مدة أم لا؟

لا يشترط في ذلك مدة، ولو كان ذلك للحظة، فإن ذلك كله يفسد الصوم.

س73. هل على من بصق الدم في رمضان شيء؟

ليس عليه شيء إلا إذا ابتلع منه شيء، وكذلك إذا جرى من أسنانه دم.

س74. هل على من قلع ضرساً في رمضان وهو صائم شيء؟

ليس عليه شيء إلا إذا استعمل دواءً مسكناً ابتلع منه شيء فعليه القضاء.

قال الونشريسي وقد سئل عمن قلع ضرسه من وجع كان به وبقي ثقب، إن جعل عليه لباناً سكن وإن أزاله عاوده الألم، وهو في رمضان، هل يزيلها أم لا؟

فأجاب: إن كان حاله كما ذكر جاز له وضع اللبان، ويقضي ذلك اليوم إن اضطر.

س75. هل على من شُلَّ شللاً كاملاً أونصفياً صيام رمضان؟

إن كان يطيق الصيام لزمه وإلا.

س76. ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشياطين تُصفَّد في رمضان؟

قال الونشريسي: سئل القابسي عن هذا، وقيل له: ونحن نجدها توسوس في رمضان، ونجد من يعصي في رمضان؛ فأجاب بأجوبة منها:

   قد يوسوس وهو موصد.

   صفدت كفرة الجن الذين يسمون شياطين، وأما غيرهم من العصاة فلم يصفدوا، فيكون الوسواس وتزيين المعاصي من هؤلاء، إذ لم يقل صفدت الجن.

س77. هل يحنث من حلف بالطلاق ألا يفطر على حار ولا بارد؟

قولان لأهل العلم:

   قال ابن الصباغ إمام الشافعية في وقته بحنثه، إذ لابد من الفطر على أحدهما.

   وقال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي بعدم حنثه، لأنه يفطر على غيرهما وهو دخول الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم".

قال الونشريسي: (وفتوى ابن الصباغ أشبه بمذهب مالك لأنه يعتبر المقاصد، ومقصود الحالف المطعومات، وفتوى أبي إسحاق صريح مذهب الشافعي الذي يعتبر الألفاظ).

س78. هل على من وضعت حناء على رأسها وهي صائمة شيء؟

ليس عليها شيء وإن وجدت طعمها في حلقها، واستحب بعض أهل العلم عدم وضعها.

س79. من عادته السفر كملاحي البواخر، والطائرات، وسائقي السيارات، والشاحنات، والقطارات، هل له القصر والفطر أم لا؟

   إن لم يكن لأحدهم أهل زوجة- فهؤلاء تعتبر مراكبهم هذه هي أوطانهم ودورهم، وفهؤلاء حكمهم أشبه بالمقيمين، فلا يقصرون، ولا يجمعون، ولا يفطرون.

   أما إن كان لأحدهم أهل يحملهم معه فحكمه حكم المقيم.

   وأما إن كان لأحدهم أهل لا يحملهم معه فله القصر والجمع والفطر إن شاء، والله أعلم.

س80. ما على من لم يجتنب الغيبة، والنميمة، والكذب، وهو صائم؟

صومه صحيح في الظاهر، ولكن أجره ناقص، وربما يكون معدوم الأجر، قال أحمد: لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صيام.

س81. هل تسقط الكفارة عن المعسر؟

قولان لأهل العلم:

   تسقط وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، وأحمد.

   وقال الشافعي: لا تسقط، بل هي في ذمته حتى تتحسن أحواله.

س82. هل على المرأة كفارة إذا طاوعت زوجها على الجماع في نهار رمضان، أم لا؟

قولان لأهل العلم:

   عليها القضاء والكفارة، وهذا مذهب الجمهور.

   ليس عليها كفارة، وهذا مذهب الشافعي.

والراجح الأول، أما إذا لم تطاوع وأكرهت على ذلك فعلى زوجها كفارتان، له ولها.

س83. ما على من أكره على الفطر بضرب، وتهديد، وحبس، في نهار رمضان؟

ليس عليه شيء إذا أفطر، لا قضاء ولا كفارة، للحديث: "رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه".

س84. هل يجوز للمراة استعمال موانع الحيض من أجل الصوم أوالحج؟

نعم لأن أحكام الحيض لا تثبت إلا بعد خروجه.

س85.متى  يجوز للمريض الفطر في رمضان؟

   إن لم يقو على الصيام.

   أوعلم بالتجربة أن الصيام يزيد في مرضه أويؤخر برأه.

   أوقرَّر الطبيب المسلم الثقة أن الصيام يضعف المريض، أويزيد في مرضه، أويؤخر برأه.

س86. هل يجوز الفطر لإنقاذ معصوم؟

نعم يجوز.

س87. متى يفطر المسافر؟

إذا خرج من بلده وترك البيوت وراء ظهره، وقيل إذا عزم على السفر.

س88. إذا نوى المسافر الصوم في السفر ثم بدا له أن يفطر هل له ذلك؟

أقوال لأهل العلم:

   له أن يفطر.

   إن أفطر فعليه القضاء والكفارة، وهذا مذهب مالك.

وقال الشافعي: إن صح حديث الكديد لم أر به بأساً؛ وقد صح.

والراجح القول الأول، لفعله صلى الله عليه وسلم عندما أفطر بالكديد عام الفتح.

س89. ما على الرجل إذا أكره على الجماع؟

قولان لأهل العلم:

   عليه القضاء لأنه ليس مثل المرأة.

   عليه القضاء والكفارة.

س90. إذا انقطع حيض المرأة من الليل؟

هي صائمة إن نوت الصيام من الليل وإن لم تغتسل حتى طلوع الفطر.

س91. ما على من رأى الهلال وحده؟

قولان لأهل العلم:

لزمه الصوم، عدلاً كان أوغير عدل، شهد عند الحاكم أم لا، قبلت شهادته أورُدَّت، وهذا مذهب الجمهور.

لا يصوم إلا في جماعة الناس.

س92. هل تقبل شهادة النساء في ثبوت هلال رمضان وشوال وغيرهما؟

القول الراجح عدم قبول شهادة النساء في ثبوت الأهلة وغيرها، إذ المرأة لا تقبل شهادتها إلا في الأموال مع رجل، أوفيما لا يطِّلع عليه الرجال.

وقال بعض أهل العم تقبل شهادتها قياساً على إخبارها، والشهادة تختلف عن الإخبار.

س93. هل يفطر من رأى هلال شوال وحده؟

من رأى هلال شوال وحده وتيقن من ذلك له الفطر، ولكن عليه أن لا يشهر فطره، وقيل لا يفطر ولا يصلي العيد إلا مع الجماعة في اليوم التالي.

س94. إذا رأى هلال شوال اثنان ولم يشهدا عند الحاكم؟

جاز لهما ولمن علم عدالتهما الفطر وإن رد الحاكم شهادتهما لجهالتهما لديه.

س95. ما على الأسير إذا اشتبهت عليه الشهور؟

عليه أن يتحرى ويجتهد، فإن وافق رمضان فبها ونعمت، وإن لم يوافق رمضان فصيامه صحيح ولا قضاء عليه، كالمجتهد إذا صلى لغير القبلة فلا إعادة عليه في أرجح قولي العلماء.

س96. ما على من صام تطوعاً وصادف رمضان؟

لم يجزه عن رمضان لعدم النية.

س97. هل يجوز التبرع بالدم لمن كان صائماً في نهار رمضان؟

يجوز، ما لم يخش أن يضعف عن الصوم.

ã

ثانياً: القيام والوتر

س98. ما حكم قيام رمضان؟

حكمه سنة من السنن الرواتب، هذا ما عليه أهل السنة قاطبة، وأنكر سنيته أهل الأهواء الشيعة.

قال القحطاني في نونيته:

صيامنا رمضان فرض واجب         وقيامنا المسنون في رمضان

صلى النبي به ثلاثـاً رغبـة          وروى الجماعـة أنها ثنتان

إن التراويـح راحـة في ليله         ونشـاط كل عويجز كسلان

و اللهِ ما جعل التراويح منكراً         إلا المجوس و شيعة الصلبان

س99. هل يجوز لمن فاتته العشاء في جماعة ووجد الناس في القيام أن يدخل مع الإمام بنية العشاء؟

قولان لأهل العلم:

   يجوز، وهذا مذهب الشافعي ورواية عن أحمد.

   لا يجوز، وهذا مذهب أبي حنيفة، ومالك، وقال أحمد في رواية: لا يعجبني ذلك.

س100. ما عدد ركعات قيام رمضان؟

اختلف أهل العلم في عدد ركعات قيام رمضان على أقوال، هي:

   ثماني ركعات من غير الشفع والوتر، وهي أفضلها لفعله صلى الله عليه وسلم، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إحدى عشرة ركعة في رمضان ولا في غير رمضان، لا تسأل عن حسنهن وطولهن" الحديث.

   عشرة ركعات، وهذا مشهور مذهب مالك، ورواية عن أحمد، غير الشفع والوتر.

   عشرون ركعة، وهذا مذهب عمر وجمهور الأئمة، أبي حنيفة، والشافعي، ورواية عن أحمد؛ غير الشفع والوتر.

   ست وثلاثون ركعة، وهذا قول مالك، إذ كان عمل أهل المدينة في وقته، غير الشفع والوتر.

   أربعون ركعة، وهذا مذهب الأسود بن يزيد، وكان يوتر بسبع ركعات.

والأمر فيه سعة، فبأي هذه الأعداد أقام أجزأه، على أن أفضل الجميع الثمانية، ولا ينبغي لأحد أن يضيق على الناس في ذلك.

قال النووي عن مذاهب العلماء في عدد ركعات التراويح: (مذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات من غير الوتر، وذلك خمس ترويحات، والترويحة أربع ركعات بتسليمتين، هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وأحمد، وداود، وغيرهم؛ ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء؛ وحكي أن الأسود بن يزيد كان يقوم بأربعين ركعة ويوتر بسبع؛ وقال مالك: التراويح تسع ترويحات، وهي ستة وثلاثون ركعة غير الوتر).

س101. متى يدخل وقت التراويح؟

يدخل وقت التراويح بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.

س102. ما كيفيتها؟

مثنى مثنى.

س103. ما مقدار قراءة السلف في التراويح؟

كان السلف يقرأون فيها بالبقرة وبالمائتين.

قال النووي: (روى مالك في الموطأ عن داود بن حصين عن عبد الرحمن الأعرج قال: ما أدركت الناس إلا هم يلعنون الكفر؛ قال: وكان القارئ يقوم بسورة البقرة في ثمان ركعات، وإذا قام بها في ثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف؛ وروى مالك أيضاً عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال: كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالسحور مخافة الفجر؛ وروى مالك أيضاً عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبيَّ بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس، وكان القارئ يقرأ بالمائتين حتى كنا نعتمد على العصا من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر؛ وروى البيهقي بإسناده عن أبي عثمان النهدي: جيء إلى عمر بن الخطاب بثلاثة قراء فاستقرأهم، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ للناس ثلاثين آية ـ في الركعة، وأوسطهم أن يقرأ خمساً وعشرين، وأمر أبطأهم أن يقرأ عشرين آية).

وجعل الشافعي القراءة مضطردة مع عدد الركعات، فذا قل عدد الركعات زيد في القراءة، وإذا زاد نقص في القراءة.

وقال أحمد رحمه الله: (يقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخفُّ على الناس، ولا يشق عليهم، ولا سيما في الليالي القصار، والأمر على ما يحتمله الناس؛ وقال القاضي: ولا يستحب النقصان عن ختمة في الشهر ليسمع الناس جميع القرآن، ولا يزيد على ختمة كراهية المشقة على من خلفه، والتقدير بحال الناس أولى، فإنه لو اتفق جماعة يرضون بالتطويل ويختارونه كان أفضل).

س104. أيهما أفضل، أن تصلي التراويح جماعة أم فرادى؟

ثلاثة أقوال لأهل العلم:

   فعلها في جماعة أفضل، وهذا قول العامة من أهل العلم، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد.

   فعلها أفراداً افضل، وهذا مذهب مالك وشيخه ربيعة.

   وفرَّقت طائفة بين الحافظ النشط الذي لا يؤثر انفراده على جامعة المسجد، فهذا صلاته منفرداً أفضل، أما إذا اختل شرط من هذه الشروط فصلاته مع الجماعة أفضل.

س105. أيهما أفضل لمن كان يختم في القيام، أن يختم في الوتر أم التراويح؟

قال ابن قدامة: (قال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله، فقلت: أختم القرآن، أجعله في الوتر أم في التراويح؟ قال: أجعله في التراويح، حتى يكون لنا دعاء بين اثنين؛ قلت: كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن، فارفع يديك قبل أن تركع، وادع بنا ونحن في الصلاة، وأطل القيام؛ قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت؛ قال: ففعلت كما أمرني، وهو ورائي يدعو قائماً، ورفع يديه.

وقال حنبل: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة: "قل أعوذ برب الناس"، فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع؛ قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكـة يفعلـونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم؛ قال العباس بن عبد العظيم: وكذلك أدركت الناس بالبصرة وبمكة؛ ويروي أهل المدينة في هذا شيئاً، وذكـر عن عثمـان بن عفـان).

س106. هل يصلى القيام في ليلة الشك لمن يقول بصيام يومها إذا كان هناك غيم؟

قولان لأهل العلم:

   تقام لأنها تبع للصيام.

   لا تقام.

س107. هل يتطوع بين التراويح؟

لا يتطوع بين التراويح، هذا ما قاله أحمد.

س108. هل يصل في الختمة بين الناس والفاتحة وشيء من البقرة؟

ليس هذا من السنة، لا في التراويح ولا في خارجها، لأنه لم يثبت فيه خبر صحيح.

س109. ما حكم الوتر في رمضان وغيره؟ وبكم يوتر؟

الوتر سنة مؤكدة، هذا ما عليه العامة من أهل العلم، وقال أبو حنيفة: واجب؛ وفي رواية عنه: فرض؛ والراجح القول الأول.

وهو ركعة عند عامة أهل العلم، وقال أبو حنيفة: ثلاثة لا يسلم بينها؛ والراجح أنه ركعة.

وللمسلم أن يوتر بركعة، أوبثلاث، أوخمس، أوسبع، أوتسع، أوإحدى عشر؛ مثنى مثنى، ويختم بواحدة.

س110. أيهما أفضل، أن يوتر مع الإمام أم ينصرف قبل ذلك؟

كل ذلك جائز، ولكن الأفضل أن يوتر وينصرف مع الإمام، لما روى أبو داود وأهل السنن عنه صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته".

قال أبو داود: (سمعت أحمد يقول: يعجبني أن يصلي مع الإمام، ويوتر معه؛ قال: وكان أحمد يقوم مع الناس ويوتر معهم؛ قال الأثرم: وأخبرني الذي كان يؤمه في شهر رمضان أنه كان يصلي معهم التراويح كلها والوتر، وينتظرني بعد ذلك حتى أقوم ثم يقوم؛ كأنه يذهب إلى حديث أبي ذر: "إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته").

س111. إذا أوتر قبل أن ينام وقام يتهجد أيهما أفضل: ينقض وتره أم لا؟

قولان لأهل العلم:

   لا ينقضه، وهذا هو الراجح، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة"، ولأنها عبادة أديت في وقتها.

   ينقضه بأن يشفعه بركعة.

قال النووي: (إذا أوتر قبل أن ينام، ثم قام وتهجد، لم ينقض الوتر على الصحيح المشهور، وبه قطع الجمهور، بل يتهجد بما تيسر له شفعاً؛ وفيه وجه.. أنه يصلي من أول قيامه ركعة يشفعه ثم يتهجد ما شاء، ثم يوتر ثانياً، ويسمى هذا نقض الوتر؛ والمذهب الأول لحديث طلق بن علي رضي الله عنه قال: سمعتُ رسـول الله صلى الله عليه وسلم يقـول: "لا وتـران في ليلة").

س112. ما يقرأ في الشفع والوتر؟

يقرأ في الشفع في الركعة الأولى بسورة الأعلى، وفي الثانية بالكافرون بعد الفاتحة، وفي الوتر بعد الفاتحة بـ"قل هو الله أحد"، وقيل بـ"قل هو الله أحد" والمعوذتين.

س113. ماحكم القنوت في الوتر في رمضان؟ وما وقته؟

القنوت في الوتر سنة.

وفي وقته في غير رمضان أقوال:

   عند النوزل وهو أرجحها.

   طول العام، منهم من يقول في الفجر قبل الركوع، ومنهم من يقول بعد الركوع، ومنهم من يقول في الوتر.

أما حكمه في رمضان فقولان:

   في النصف الأخير من رمضان بعد الرفع من الركوع، وهذا هو الراجح.

   في جميع رمضان.

قال ابن قدامة: (القنوت مسنون في الوتر في الركعة الواحدة في جميع السنة، هذا المنصوص عند أصحابنا، وهذا قول ابن مسعود، وإبراهيم، وإسحاق، وأصحاب الرأي؛ وروي ذلك عن الحسن؛ وعن أحمد رواية أخـرى: أنه لا يقنت إلا في النصف الأخيـر من رمضان؛ وروي ذلك عن علي، وأبي، وبه قـال ابن سيرين، وسعيد بن أبي الحسن ـ البصري، والزهري، ويحيى بن وثاب، ومالك، والشافعي، واختاره أبوبكر بن الأثرم، لما روي عن الحسن: أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب، فكان يصلي لهم عشرين، ولا يقنت إلا في النصف الباقي؛ رواه أبو داود، وهذا كالإجماع؛ وقال قتادة: يقنت في السنة كلها إلا في النصف الأخير من رمضان.. والرواية الأولى هي المختارة عند أكثر الأصحاب، وقد  قال أحمد في رواية المروذي: كنت أذهب إلى أنه في النصف من شهر رمضان، ثم إني قنت، هو دعاء وخير).

وقال النووي: (المذهب أن السنة أن يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان، وهذا هو المشهور في المذهب، ونص عليه الشافعي رحمه الله؛ وفي وجه يستحب في جميع شهر رمضان، وهو مذهب مالك؛ ووجه ثالث أنه يستحب في الوتر في جميع السنة).

س114. هل يجهر ويرفع يديه ويؤمن في القنوت في الوتر في رمضان؟

نعم، السنة أن يجهر به، وأن يؤمِّن من خلفه ويرفعوا أيديهم، وفي مسح الوجه قولان.

قال النووي: (حكم الجهر بالقنوت ورفع اليد ومسح الوجه كما سبق في قنوت الصبح).

وقال ابن قدامة: (إذا أخذ الإمام في القنوت أمَّن من خلفه، لا نعلم فيه خلافاً، وقاله إسحاق؛ وقال القاضي: وإن دعوا فيه فلا بأس؛ وقيل لأحمد: إذا لم أسمع قنوت الإمام أدعو؟ قال: نعم؛ ويرفع يديه في حال القنوت؛ قال الأثرم: كان أبو عبد الله يرفع يديه في القنوت إلى صدره؛ واحتج بأن ابن مسعود رفع يديه في القنوت إلى صدره؛ وروي ذلك عن عمر وابن عباس، وبه قال إسحاق وأصحاب الرأي؛ وأنكره مالك، والأوزاعي، ويزيد بن أبي مريم؛ ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك، ولا تدع بظهورهما، فإذا فرغت فامسح بهما وجهك"، رواه أبو داود وابن ماجة، ولأنه فعل من سمينا من الصحابة؛ وإذا فرغ من القنوت فهل يمسح وجهه بيديه؟ فيه روايتان: إحداهما لا يفعل، لأنه روي عن أحمد أنه قال: لم أسمع فيه بشيء؛ ولأنه دعاء في الصلاة فلم يستحب مسح الوجه فيه، كسائر دعائها؛ الثانية: يستحب للخبر الذي رويناه، وروى السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يديه ومسح وجهه بيديه، ولأنه دعاء يرفع يديه فيه فيمسح بهما وجهه كما لو كان خارجاً من الصلاة، وفارق سائر الدعاء فإنه لا يرفع يديه فيه).

س115. ما صيغ القنوت في الوتر وغيره؟

منها ما روى الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني واصرف عني برحمتك شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت".

وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك".

وعن عمر رضي الله عنه أنه قنت في صلاة الفجر، فقال: "اللهم إنا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذي يصدون عن سبيلك".

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول في القنوت: "اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين".

ثالثاً: ليلة القدر

س116. ما معنى القدر؟

القدر هو الشرف.

س117. ما هي أهم مزايا ليلة القدر؟

لها مزايا كثيرة، منها:

   نزول القرآن الكريم فيها من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا.

   ينزل الله سبحانه وتعالى فيها الملائكة من السماء إلى الأرض.

   تقدر فيها الأجور والأرزاق والآجال إلى العام القابل.

   يحل فيها الأمن والسلام.

   العبادة فيها خير من ألف شهر.

   الدعاء فيها مستجاب.

س118. ماذا يقول فيها من صادفها؟

يكثر فيها من قول: "أللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" الحديث.

س119. في أي الليالي من رمضان ترتقب؟

في الوتر في العشر الأواخر من رمضان، سيما ليلة سبع وعشرين وإحدى وعشرين.

س120. هل هي في كل رمضان، أم في رمضان معين وقد مضت؟

بل هي في كل رمضان إلى أن تقوم الساعة.

س121. ما الحكمة في إخفائها؟

الاجتهاد والإخلاص في طلبها في جميع العشر الأواخر.

ã

رابعاً: الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

س122. عرِّف الاعتكاف لغة وشرعاً؟

لغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه.

وشرعاً لزوم المسجد والمقام فيه بصفة مخصوصة، بنية التقرب إلى الله.

س123. ما حكم الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؟

حكمه سنة مؤكدة، لمواظبته صلى الله عليه وسلم عليه منذ أن هاجر إلى المدينة إلى أن توفاه الله عز وجل.

س124. هل الصوم شرط في صحة الاعتكاف؟

قولان لأهل العلم:

   يصح بلا صوم، وهذا مذهب الشافعي وأحمد، وهو الراجح، إلا في رمضان.

   لا يصح إلا بصوم، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك.

س125. هل المسجد الجامع شرط في صحة الاعتكاف؟

نعم لمن أراد أن يعتكف أكثر من أسبوع، كالعشرة الأواخر من رمضان؛ وقيل يجوز أن يعتكف في مسجد تقام فيه الجماعة دون الجمعة، وله أن يخرج إلى الجمعة.

هذا بالنسبة إلى الرجل، أما المرأة فاعتكافها في بيتها أفضل من اعتكافهـا في المسجـد، وهذا مذهب أبي حنيفة، وهو الراجح، لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل، والصلاة لا تتجاوز العشر دقائق، فكيف باعتكافها في المسجد أيام عدة؟

وذهب الجمهور: مالك، والشافعي، وأحمد، إلى اشتراط المسجد في اعتكاف المرأة.

س126. متى يدخل معتكف العشر الأواخر المسجد ومتى يخرج من معتكفه؟

في الدخول قولان:

   بعد صلاة الصبح يوم واحد وعشرين، كما صحَّ في حديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي الصبح ويدخل معتكفه.

   قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين.

أما الخروج فبعد غروب شمس آخر يوم من رمضان، واستحب بعض أهل العلم أن لا يخرج من معتكفه إلا بعد صلاة العيد.

س127. هل الاعتكاف قاصر على مسجد معين أم يصح في كل المساجد؟

القول الراجح أنه يعتكف في أي مسجد تقام فيه الجمع والجماعات، لا فرق في ذلك بين المساجد المقدسة الثلاثة وغيرها إلا في فضل الصلاة فيها.

س128. هل يجوز للمعتكف أن يشترط الخروج لأمر معين؟

قولان:

   يشترط.

   لا يشترط، وهذا مذهب مالك.

س129. متى يحل للمعتكف الخروج من المسجد؟

لقضاء الحاجة، ولغسل الجنابة، وإن لم يتيسر له الأكل في المسجد خرج للأكل في أقرب مكان من المسجد.

س130. إذا اعتكفت المرأة في مسجد ومات زوجها، هل لها الخروج من المسجد؟

قولان:

   لها الخروج، وهذا هو الراجح، لأن الاعتداد في بيت زوجها واجب.

   ليس لها الخروج إلا بعد تمام اعتكافها، وهذا مذهب مالك.

س131. هل للمعتكف الخروج إذا مات أحد والديه؟

الراجح من قولي العلماء ليس له الخروج إلا إذا لم يوجد أحد يقوم بواجب تجهيز الميت.

س132. هل يجوز للمعتكف أن يعود مريضاً ويصلي على جنازة أويشيعها أويشهد عقداً في المسجد المعتكف فيه؟

لا يجوز له أن يفعل شيئاً من ذلك إلا إذا وصلت الصفوف إليه، أما زيارة المريض فلا يزوره ولو كان معتكفاً معه في المسجد.

س133. ما مبطلات الاعتكاف؟

   الجماع.

   الخروج من المعتكف لغير حاجة الإنسان.

   ارتكاب كبيرة من الكبائر.

   الجنون.

   الردة.

س134. متى يجوز للمعتكف أن يقطع اعتكافه؟

إذا مرض مرضاً شديداً.

س135. هل يجوز للمعتكف بالمسجد الحرام الطواف بالبيت، أوالخروج للإتيان بعمرة من التنعيم؟

لا يجوز، وإنما عليه أن يلزم معتكفه، وليكن له مكان واحد إلا إذا اضطر لتغييره.

س136. هل للمعتكف أن يدرس أويتذاكر مع بعض المعتكفين أوغيرهم؟

لا يجوز له أن يدرس ولا أن يتذاكر إلا شيئاً عارضاً.

س137. هل اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟

لم يعتمر في رمضان، ولكنه لم يدع الاعتكاف منذ أن شرع حتى فارق الدنيا، وهو القائل: "عمرة في رمضان تعدل حجة"، وفي رواية: "حجة معي".

س138. هل على من قطع اعتكافه قضاء؟

إذا كان اعتكاف تطوع فليس عليه قضاء، وإن كان نذراً فعليه القضاء.

س139. هل من السنة الدخول في خلوة والاعتزال فيها وعدم الخروج لصلاة الجمعة والجماعات؟

سئل ابن عباس رضي الله عنه عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولكن لا يشهد الجمع ولا الجماعات، فقال: إن مات فهو في النار؛ فدل هذا الأثر على أنه ليس من السنة الدخول في خلوة وعدم الخروج منها للجمع والجماعات، بل هذا العمل حرام، ولا يقرب الإنسان من ربه، بل يباعد بينه وبين ربه.

س140. هل عمرة في رمضان تجزئ عن حجة الفريضة؟

لا، لا تجزئ، ولكن معنى "حجة"، أو"حجة معي" أي في الأجر والثواب.

خامساً: صيام التطوع

س141. ما حكم صيام التطوع؟

سنة.

س142. ما الأيام التي يستحب صيامها؟

يستحب صيام التطوع طول العام إلا الأيام التي يحرم صيامها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه من النار سبعين خريفاً".

ولكن يستحب صيام الأيام الآتية:

   صيام يوم وفطر يوم، وهذا أفضل صيام التطوع، وهو صوم داود عليه السلام، وقد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عمرو، وقال: "هو أفضل الصيام".

   صوم يوم عرفة لغير الحاج، وهو التاسع من ذي الحجة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".

   صوم يومي عاشوراء وتاسوعاء أوالحادي عشر من المحرم، وهو اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر من شهر الله المحرم، لقوله صلى الله عليه وسلم عن عاشوراء: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"، وقال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر".

   صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صومهما، وقال: "هما يومان تعرض فيها الأعمال، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".

   صوم ستة أيام من شوال، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر"، ويستحب فيها التتابع، ويجوز أن تكون متقطعة، وأن تكون عقب العيد مباشرة، ومن عليه قضاء فالسنة أن يسارع بالقضاء ثم إن استطاع صام ستة شوال.

   الثلاثة البيض، وهي الثالث والرابع والخامس عشر من كل شهر قمري، ويجوز أن تكون ثلاثة من الشهر، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام"، ولما رواه أبو ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر إذا صمت من الشهر فصم ثالث عشرة، ورابع عشرة، وخامس عشرة".

س143. هل يشترط في صيام التطوع تبييت النية من الليل؟

لا يشترط ذلك، بل للإنسان أن ينوي في أي ساعة من نهار الصوم إذا لم يطعم شيئاً.

س144. هل لمن دخل في صيام التطوع أن يفطر؟

يستحب له أن يتم صومه، ولكن إن أفطر فلا شيء عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر".

ولِما روت عائشة أنها قالت: "يا رسول الله أهدي لنا حيس؛ فقال: أرنيه، فلقد أصبحت صائماً؛ فأكل".

س145. هل من السنة صيام جميع رجب وشعبان؟

ليس من السنة.

س146. ما حكم صيام الدهر؟

اختلف فيه أهل العلم، منهم من قال:

   حرام، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الدهر".

   ومنهم من قال مكروه، لنهيه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو عن ذلك.

   ومنهم من قال جائز.

   ومنهم من قال مستحب، لسرد بعض السلف الصيام.

س147. ما الأيام التي يحرم صيامها؟

يحرم صوم يوم عيد الفطر والأضحى، وأيام التشريق الثلاثة لغير الحاج المتمتع أوالقارن الذي لم يجد الهدي؛ وأباح المالكية صوم يوم التشريق الثالث لما رواه أبو هريرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يومين: يوم فطر ويوم أضحى".

وقال عن أيام التشريق: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله".

والترخيص في صومها لمن لم يجد الهدي من الحاج لقول ابن عمر وعائشة: "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي".

ã

سادساً: زكاة الفطر

س148. لِم سميت زكاة الفطر بذلك الاسم؟

لأن الفطر من رمضان هو سبب وجوبها.

س149. متى فرضت زكاة الفطر في رمضان؟

قبل العيد بيومين في السنة الثانية من الهجرة.

س150. ما حكم زكاة الفطر؟

واجبة على كل مسلم، ذكراً كان أوأنثى؛ حراً كان أم عبداً، صغيراً كان أم كبيراً، تجب على المسلم وعلى كل من يعول.

س151. ما الحكمة من وجوب زكاة الفطر؟

فرضت زكاة الفطر لسببين:

o    طهرة للصائم من الرفث واللغو، فهي تجبر ما حصل من نقصان في الصوم، كجبران سجود السهو للنقص في الصلاة.

o    طعمة للفقراء والمساكين.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرغث وطعمة للفقراء والمساكين".

س152. ما مقدار زكاة الفطر؟

صاع من عامة قوت البلد، والصاع أربعة أمداد، ويساوي 2.5 كيلو من القمح أوالذرة.

س153. ما دليل وجوبها ومقدارها؟

ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً  من تمر، أوصاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة".

س154. ما شروط وجوب زكاة الفطر؟

ثلاثة شروط، هي:

   الإسلام، فهو شرط لوجوب وصحة جميع العبادات.

   غروب الشمس من ليلة الفطر.

   وجود الفضل عن نفقته ونفقة عياله.

خرج مسلم عن ابن عمر: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان، وذلك يكون بغروب الشمس، فمن أسلم وتزوج أوولد له بعد الغروب لم تلزمه صدقتهم، وإن غربت وهم عنده لزمته".

س155. هل لزكاة الفطر نصاب؟

لا، ليس لها نصاب، فمن ملك ما زاد عن نفقته ونفقة عياله ليلة الفطر فقد وجبت عليه.

س156. هل يجوز إخراجها نقداً؟

لا يجوز إخراجها نقداً عند العامة من أهل العلم، منهم مالك، والشافعي، وأحمد؛ وذلك لما صح عن أبي سعيد الخدري قال: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، أوصاعاً من شعير، أوصاعاً من تمر، أوصاعاً من زبيب"، فهي تخرج من غالب قوت أهل البلد؛ وأجاز أبوحنيفة إخراجها نقداً، وهذا قول مرجوح ومخالف لظاهر الحديث.

س157. ما وقت إخراج زكاة الفطر؟

من غروب شمس آخر يوم من رمضان وإلى ما قبل الخروج إلى الصلاة.

س158. هل يجوز تقديمها بيوم أويومين؟

نعم يجوز، لما روى ابن عمر: "أنهم كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أويومين".

س159. ما على من لم يخرجها في وقتها؟

أخرجها بعد ذلك، وأثم عن التأخير من غير عذر.

س160. من المستحقون لزكاة الفطر؟

هم نفس المستحقون لزكاة الأموال الأخرى.

س161. هل يجوز إعطاء زكاة الفطر لشخص واحد؟

نعم.

س162. إذا لم يملك المرء زكاة كل من يعول بمن يبدأ؟

   أولاً: يخرج عن نفسه.

   ثانياً: عن زوجه.

   ثالثاً: عن أمه إن كانت نفقتها عليه.

   رابعاً: عن أبيه إن كانت نفقته عليه.

   خامساً: أولاده، الأكبر ثم الذي يليه.

وهكذا.

ã

سابعاً: رمضان هو شهر القرآن والإطعام

س163. كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، ما الدليل؟

في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة".

وزاد أحمد: "لا يسأل عن شيء إلا أعطاه".

س164. ما الأدلة على فضل الجود والكرم في رمضان؟

الأدلة كثيرة، منها:

   "أفضل الصدقة صدقة في رمضان".

   وعن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من فطَّر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء".

   وزاد الطبراني: "وما عمل الصائم من أعمال البر إلا كان لصاحب الطعام ما دام قوة الطعام فيه".

   وأخرج ابن خزيمة في صحيحه عن سلمان يرفعه في فضل رمضان: " هو شهر المواساة، وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء"، قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم؟ قال: "يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن، أوتمرة، أوشربة ماء، ومن أشبع فيه صائماً، سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة".

وقال الشافعي رضي الله عنه: "أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم".

س165. ما دليل فضل عرض القرآن ومدارسته في رمضان؟

حديث فاطمة رضي الله عنه عن أبيها صلى الله عليه وسلم أنه أخبرها: "أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة، وأنه عارضه في عام وفاته مرتين".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً".

س166. كيف كان حال السلف مع القرآن في رمضان؟

   كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال.

   وبعضهم في سبع ليال، منهم قتادة.

   وبعضهم في عشر ليال، منهم أبو رجاء العطاردي.

   كانوا يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها.

   كان الأسود بن يزيد يختم القرآن في كل ليلتين مرة.

   وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر من رمضان، وفي بقية الشهر في ثلاث.

   وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرأها في غير الصلاة.

   وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.

   قال ابن الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.

   قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.

لقد ورد النهي عن ختم القرآن في أقل من ثلاث في غير رمضان، أما في رمضان فيستحب الإكثار فيه من تلاوة القرآن.

فمن السلف من ختم القرآن كله في ركعة الوتـر، منهم عثمان بن عفان في الكعبـة، وتميم الداري، وعبد الله بن الزبير؛ ومنهم من كان يختم في الليلة ختميتن، ومنهم من يختم أربع، وقال النووي: أكثر ما بلغنا ثماني ختمات، أربعاً بالليل وأربعاً بالنهار، وهذا كله في رمضان وفي العشر الأواخر منه.

ã

ثامناً: صلاة عيد الفطر والتكبير

س167. ما حكم التكبير في ليلة عيد الفطر؟

سنة.

س168. متى يبدأ ومتى ينتهي التكبير؟

من غروب شمس ليلة العيد إلى أن يصلي العيد.

س169. ما صيغة التكبير؟

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد.

س170. ما حكم صلاة العيد؟

أقوال لأهل العلم:

   سنة مؤكدة، وهذا مذهب المالكية والشافعية.

   فرض كفاية، وهذا مذهب أحمد.

   واجبة، وهذا مذهب أبي حنيفة.

   فرض عين، وهي الرواية الثانية عن أحمد.

س171. هل يفطر قبل الصلاة أم بعدها؟

السنة أن يفطر على تمرات قبل الخروج إلى الصلاة.

س172. ما وقت صلاة العيد؟

وقتها كوقت صلاة الضحى، عندما ترتفع الشمس مقدار رمح إلى قبيل الزوال.

س173. إن لم يعلموا بالعيد إلا بعد فوات هذا الوقت؟

صلوا من الغد قضاء.

س174. أين تصلى العيد؟

السنة أن تصلى في الصحراء إلا لضرورة كمطر وخوف، إلا في مكة فإنها تصلى في المسجد الحرام.

س175. السنة أن يخالف الطريق إلى صلاة العيد، ما الدليل؟

عن جابر قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى العيد خالف الطريق".

س176. هل هناك سنة قبلية أوبعدية للعيد؟

لا.

س177. بم ينادى لصلاة العيد؟

بالصلاة جامعة، فليس لصلاة العيد أذان ولا إقامة.

س178. هل يخطب قبل الصلاة أم بعدها؟

الخطبة في العيدين بعد الصلاة، فمن قدم الخطبة أعادها بعد الصلاة.

س179. كم ركعة في صلاة العيد؟

ركعتان، يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام سبعاً، وقيل ستاً، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة الرفع.

س180. السنة أن يرفع يديه عند كل تكبيرة من هذه التكبيرات، ما الدليل؟

روى الإمـام أحمد عن وائل بن حجر: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبيـر".

س181. إذا شك في عدد التكبيرات؟

بنى على اليقين.

س182. إذا نسي التكبير حتى شرع في القراءة؟

سقط التكبير.

س183. ماذا يقرأ في العيدين بعد الفاتحة؟

"سبح" في الأولى، وفي الثانية "الغاشية" أو"قاف" و"الواقعة".

س184. صلاة العيد يقرأ فيها سراً أم جهراً؟

جهراً.

س185. ما كيفية خطبة العيد؟

خطبة العيد نحو خطبة الجمعة في أحكامها: خطبتان يخطبهما الإمام قائماً يجلس بينهما، ويخطب بالعربية، غير أن خطبة العيد تستفتح بالتكبير بدلاًعن الحمد، ولا يجب الاستماع إليها.

س186. ما حكم سماع خطبة العيد؟

سنة.

س187. ما يقال في التهنئة بالعيد؟

تقبل الله منا ومنك.

س188. ما على من فاتته صلاة العيد؟

قضاها على صفتها.

تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

000000000000000000000

احذر أخي المسلم وأختي المسلمة صنع وبيع الطعام والشراب للمفطرين  في رمضان

"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"

إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم"، ولهذا أمرنا بالتعاون على البر والتقوى ونهينا عن التعاون على الإثم والعدوان، ومن ثم حرمت علينا كل البيوع التي تعين على الحرام في كل العام، سيما في رمضان، لشرف الزمان وصيانة لحرمة الصيام، نحو:

   بيع العنب، والتمر، والذرة، لمن يصنعه خمراً.

   تأجير الصيوانات، والكراسي، ومكبرات الصوت، وتشغيلها، وإصلاحها للحفلات الغنائية ونحوها.

   تأجير الحافلات للذهاب لمحلات الخنا كالحفلات، ولحضور الحوليات، وزيارة القبور الشركية، ونحوها.

   بيع السلاح في الفتن ولقطاع الطريق.

   البيع والشراء وقت النداء الثاني للجمعة لمن وجبت عليه الجمعة.

   طبع، ونشر، وتوزيع، وعمل دعاية لكتب، ومجلات، وصحف أهل البدع والفجور والفسوق.

   فتح المطاعم، والمقاهي، والمنتزهات المختلطة، والعمل فيها، التي تُعْرض فيها المسلسلات والأغاني والموسيقى.

ومن ذلك وهو أحرم الجميع صنع وبيع الطعام والشراب للمفطرين في نهار رمضان، فهو من أحرم الحرام، سواء صنع ذلك وبيع لمسلم أم لكافر، وحرمة ذلك ناتجة من سببين:

السبب الأول: أن من أعان مفطراً في نهار رمضان على الفطر فعليه من الوزر مثل ما على المفطر لا ينقص ذلك من وزره شيئاً، كما أن: "من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء".

السبب الثاني: أن المال الذي يكسبه من ذلك حرام عليه.

وهذا الحكم يشمل كل مسلم، سيما:

1.  ولاة الأمر، والمشرفين على الأسواق.

2.  أصحاب المطاعم، والمقاهي، والبقالات، وجميع محال بيع الطعام والشراب، والعاملين فيها، ولا يحل لأحد أن يفتري على الله الكذب -كما يدعي ذلك بعض الموظفين والعمال- ويقول: أنا عبد المأمور؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولو طلب منه المأمور هذا عمل شيء فيه ضرر عليه لما أقدم عليه أبداً.

3.  ولاة الأمر في البيوت رجالاً ونساءً، فلا يحل لأم، ولا أخت، ولا بنت، ولا خادمة أن تصنع طعاماً أوشراباً لمفطر من غير عذر، فإن فعلت فقد عصت اللهَ ورسولَه، وذهبت بأجر صيامها، فالجميع مسؤول بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها.. وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" الحديث؛ وليعلم هؤلاء أنهم مسؤولون ومحاسبون ومأزورون مثل أوزار من أعانوهم على ذلك، ومسؤولية ولاة الأمر أكبر من مسؤولية أصحاب المطاعم، والمقاهي، والبقالات، والحافلات، والمنتزهات، والمطاعم المختلطة ليلاً، والعاملين فيها، ومسؤولية هلؤلاء أكبر من مسؤولية ربات البيوت، فكلكما تعدى الضرر كان الوزر أكبر.

فيجب على ولاة الأمر أن يأمروا بإغلاق المطاعم، والمقاهي، و"الكفتيريات"، وجميع محلات بيع الطعام والمشروبات، وأن ينزلوا صارم العقوبات على من يخالف ذلك، قياماً بمسؤولياتهم وحفاظاً على صيامهم وقيامهم: "فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب"، "ومن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة إلى أن يدع طعامه وشرابه"، وتذكر أخي المفطر من غير عذر "أن من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر"، وإن صامه، كما روى ذلك أبو هريرة يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

ليكن لك أيتها الأم الكريمة التأسي بالرُّبَيِّع بنت مُعَوَّذ رضي الله عنها في ترويض أبنائك الصغار على الصوم، دعك عن الكبار، حيث قالت: "فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوِّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياهم حتى يكون عند الإفطار"، هذا بالنسبة لعاشوراء، فكيف برمضان؟!

00000000000000000000

حكم حلق الشعر وتقليم الأظافر إذا دخلت العشر الأُوَل من ذي الحجة لمن أراد أن يضحي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أصحابه الطاهرين الطيبين، يا أرحم الراحمين، وبعد..

ذهب أهل العلم في ذلك ثلاثة مذاهب هي:

1.  حرام: حُكي ذلك عن سعيد بن المسيب، وأحمد، وإسحاق، وبعض الحنابلة، كما قال ابن قدامة، وهو مذهب الظاهرية؛ ودليل هذا الفريق ما خرَّجه مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي".

2.  مكروه: وهو قول لمالك ، والشافعي ، ورواية عن أحمد ، والقاضي أبي يعلى من الحنابلة، وبعض الحنابلة؛ واستدل هذا الفريق بقول عائشة رضي الله عنها: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقلدها بيده ، ثم يبعث بها، ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي".

3.  جائز: وهذا مذهب أبي حنيفة، لأنه لا يحرم عليه الوطء واللباس، ومن ثم لا يكره له حلق الشعر وتقليم الأظافر لمن لم يرد أن يضحي.

و الراجح القول الأول للحديث الصحيح الصريح، أما حديث عائشة رضي الله عنها فحديث عام، ولا قياس مع حديث صحيح صريح؛ قال ابن قدامة رحمه الله معلقاً على حديث أم سلمة السابق: (ومقتضى النهي التحريم، وهذا يرد القياس ويبطله، وحديثهم عام وهذا خاص يجب تقديمه، وتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص، ولأنه يجب حمل حديثهم على غير محل النزاع لوجوه منها :أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليفعل ما نهي عنه، و إن كان مكروها؛ قال الله تعالى إخباراً عن شعيب" وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه"؛ ولأن أقل أحوال النهي أن يكون مكروها، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليفعله، فيتعين حمل ما فعله في حديث عائشة على غيره، ولأن عائشة تعلم ظاهراً ما يباشرها به من المباشرة، أوما يفعله دائما كاللباس والطيب ، فأما ما يفعله نادرا كقص الشعر، وقلم الأظفار مما لا يفعله في الأيام إلا مرة فالظاهر أنها لم ترده بخبرها.. ولأن عائشة تخبر عن فعله وأم سلمة عن قوله والقول يُقدَّم على الفعل.. إذا ثبت هذا فإنه يترك قطع الشعر وتقليم الأظافر فإن فعل استغفر الله ولا فدية عليه

00000000000000000

سؤال- إلى أين ينظر المصلي في صلاته؟

سؤال- إلى أين ينظر المصلي في صلاته؟

سؤال- هل لمن مات يوم الجمعة خصوصية وفضيلة؟

سؤال- ما حكم نزع شعر الحاجب بغرض الزينة، وليس الإزالة التامة؟ وما حكم المصافحة لغير المحارم؟

سؤال- ما هي الأوقات التي يكون فيها التنفل مكروهاً، ممنوعاً، ومستحباً؟

سؤال- أرجو شاكراً الإفادة عن نصاب الزكاة والنسبة التي يتم إخراجها؟

سؤال- ماحكم الاسلام في تولي رجل نصراني  ليكون نائباً  لإمام المسلمين ؟

سؤال- هل الدعوة الإسلامية وصلت كل فرد في العالم؟ وما حكم من لم تصلهم الدعوة؟ وما واجبنا نحن المسلمون نحوهم؟

سؤال- صائم فكر في امرأة فأمذى، ماذا عليه؟

سؤال- ماذا على من أمذى؟

سؤال- إلى أين ينظر المصلي في صلاته؟

ذهب أهل العلم في ذلك ثلاثة مذاهب هي:

1.   ينظر إلى موضع سجوده، وهذا مذهب الجمهور أبي حنيفـة، والشـافعي، وأحمـد، والثوري، والحسن بن حي رحمهم الله.

2.   ينظر أمام قبلته، وهذا مذهب مالك.

3.   ينظر في القيام إلى موقع السجود، وفي الركوع إلى موضع قدميه، وفي السجود إلى أنفه، وفي القعود إلى حجره.

الراجح والله أعلم قول الجمهور، وهو أن ينظر إلى موضع سجوده، فهذا أدعى للخشوع وأبعد عن التشاغل.

ã

سؤال- هل لمن مات يوم الجمعة خصوصية وفضيلة؟

الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وهي العيد الأسبوعي للمسلمين في الدنيا، وهي يوم المزيد في الآخرة.

وقد ورد في فضل موت المسلم يوم الجمعة أوليلتها حديث ضعيف معلول خرجه الإمام الترمذي في سننه وضعفه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أوليلة الجمعة، إلا وقاه الله فتنة القبر".

ومما يدفع هذا ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجـا سعد بن معاذ" رضي الله عنه.

ã

سؤال: ما حكم نزع شعر الحاجب بغرض الزينة، وليس الإزالة التامة؟ وما حكم المصافحة لغير المحارم؟

أولاً: حلق الحاجب، أوتزجيجه، أونتف بعضه، أوتقصيره للمرأة لا يجوز، للعنه صلى الله عليه وسلم "للنامصة والمتنمصة"، والمتنمصة هي الحالقة أوالمزججة المرققة لحاجبها أوالقاصة والناتفة، والله أعلم.

ثانياً: مصافحة الأجنبي للأجنبية لا تجوز، والدليل على ذلك ما صح عن عائشة رضي الله عنها وغيرها: "لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط"، يعني لا تحل له، وما خرجه البخاري عن أبي هريرة يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "واليد زناها البطش"، ويدخل فيها المس ومصافحة الأجنبي.

وما رواه معقل بن يسار يرفعه: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة أجنبية" رواه الطبراني وغيره ورواته ثقات.

فالخير كل الخير في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، والشر كل الشر في تقليد الآباء، وفي الالتزام بالعادات والتقاليد والأعراف.

ولمزيد من الفائدة يمكنك مطالعة بحث في موقعنا هذا بعنوان: "الأدلة الشرعية والحجج القوية في تحريم مصافحة المرأة الأجنبية"، والله الموفق.

ã

سؤال - ما هي الأوقات التي يكون فيها التنفل مكروهاً، ممنوعاً، ومستحباً؟

أولاً: التنفل المطلق يكره من بعد صلاة الصبح إلى الشروق، ومن بعد صلاة العصر إلى الغروب، أما الصلوات ذوات السبب كتحية المسجد، وركعتي الطواف، وسجود التلاوة، فلا يكره في هذين الوقتين في أرجح قولي العلماء، وذهب الأحناف والمالكية إلى كراهية الجمع، والصواب القول الأول.

ثانياً: تحرم الصلاة في ثلاثة أوقات: عند الشروق، وعند الزوال، وعند الغروب، ولهذا نهينا عن الصلاة في هذه الأوقات ولو كانت صلاة جنازة، وهي عبارة عن لحظات يسيرة.

ثالثاً: يستحب النفل فيما سوى أوقات التحريم والكراهة.

رابعاً: كره الأحناف والمالكية صلاة تحية المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب، والراجح صلاتها والتجاوز فيها.

ã

سؤال - أرجو شاكراً الإفادة عن نصاب الزكاة والنسبة التي يتم إخراجها؟

الحمد لله.

نصاب زكاة النقود هو ما يعادل 85 جراماً من الذهب أو 595 جراماً من الفضة، والخمسة وثمانين جراماً من الذهب بسعر اليوم في السودان تساوي

85 × 25.000 من الجنيهات = 1.125.000 جنيه سوداني

فمن ملك هذا المبلغ وحال عليه الحول فقد وجبت عليه الزكاة.

ومقدار الزكاة هو ربع العشر في الذهب والفضة والعملات، ففي كل مليون جنيه خمسة وعشرون ألف جنيه.

ã

سؤال - ماحكم الاسلام في تولي رجل نصراني  ليكون نائباً  لإمام المسلمين ؟

لا يجوز للحاكم المسلم أن يتخذ كافراً كاتباً، فمن باب أولى عدم جواز اتخاذه نائباً أووزيراً أوعاملاً، وهذا مما هو معلوم من الدين ضرورة.

لقد نهى عمر أبا موسى رضي الله عنهما أن يتخذ كاتباً نصرانياً.

وقال عمر عن النصارى: "أهينوهم ولا تظلموهم، فلقد سبوا الله مسبة ما سبه أحد من البشر"، حيث نسبوا له الصاحبة والولد.

وليس هناك عز أكبر من اتخاذ الكافر نائباً لإمام المسلمين، إذ الشرط الأول للولاية على المسلمين هو الإسلام.

ã

سؤال - هل الدعوة الإسلامية وصلت كل فرد في العالم؟ وما حكم من لم تصلهم الدعوة؟ وما واجبنا نحن المسلمون نحوهم؟

واجب المسلمين أن يبلغوا هذا الدين لجميع الخلق، وكل من سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار فيجب عليه أن يسعى لمعرفة الإسلام والدخول فيه وإلا فهو من أهل النار، ومن لم تبلغه الدعوة ولم يسمع بالإسلام ولا بالرسول فهو تحت المشيئة يوم القيامة، والله أعلم.

ã

سؤال - صائم فكر في امرأة فأمذى، ماذا عليه؟

عليه القضاء، وفي الكفارة قولان، وعلى المسلم أن يحافظ على صيامه، ومن أمذى من غير تفكر أواحتلم فلا شيء عليه.

ã

سؤال - ماذا على من أمذى؟

المذي ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل، فمن أمذى فعليه أن يغسل فرجه ويتوضأ إذا أراد الصلاة أوقراءة القرآن.

أما إذا كان يخرج دائماً فحكمه حكم سلس البول، فيتوضأ للصلاة، فإذا خرج في أثناء الصلاة لا يقطع، ولكن عليه أن يتحفظ جيداً.

***************

الباب السابع- ركن مواسم الخير

 

مرحباً بصفر الخير

الأدلة على النهي عن التطير والتشاؤم بصفر وبغيره

ما المراد بنفي هذه الأشياء الستة، وهي: الصفر، والطيرة، والعدوى، والهامة، والغول، والنوء؟

أولاً : الصفر

ثانياً: الطيرة والتشاؤم

ثالثاً: العدوى

رابعاً : لا هامة

خامساً : الغول

سادساً: النوء

المراد بشؤم المرأة، والدابة، والدار

ما يقوله مَنْ عرض له شيء من التطير والتشاؤم

نماذج للمتوكلين في مخالفة ما قاله المنجمون

 

الحمد لله الذي هدى فكفى، وأعطى فأغنى، وأمات وأحيى، فله الحمد في الآخرة والأولى، وفي السراء والضراء، سبحانه لا يحمد على مكروه سواه، وصلّى الله وسلم على محمد الرسول المجتبى، والنبي المصطفى، وعلى آله وصحابته خير الورى، ومن تبعهم بإحسان.

وبعد..

فإن التشاؤم والتطير من الصفات الذميمة، والأخلاق اللئيمة، ولا يصدر إلا من النفوس المستكينة، لمنافاة ذلك للتوكل واليقين، فهو من سمات الكسالى والبطالين، ولهذا نهى الإسلام أتباعه عن  التشاؤم والتطير، وكان صلى الله عليه وسلم يحب التفاؤل لما يبعثه في النفس من الأمل والاطمئنان، ويكره التشاؤم لما يحدثه في النفس من الاستكانة، والضعف، والعجز، والهوان.

بمناسبة حلول صفر الخير، أحببت أن أحذر إخواني المسلمين من صنيع الجاهليين، واعتقاد المشعوذين، وأوهام المنجمين والدجالين، وادعاءات الكذابين، وأذكرهم بسلوك المؤمنين، الموحدين، الموقنين بأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، عملاً بقول الناصح الأمين والرسول الكريم، ومن قبل قال ربنا سبحانه وتعالى: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، وقال في الحديث القدسي: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك"، أو كما قال.

ã

الأدلة على النهي عن التطير والتشاؤم بصفر وبغيره

الأدلة على النهي والتحذير عن التطير والتشاؤم، والأمر بالتفاؤل، والحث على الإقدام بعد العزم، والتحذير من التباطؤ والعجز بسبب الأوهام، كثيرة جداً، وسنذكر منها ما يسره الله:

1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وفرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد".

2. وعنه رضي الله عنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى، ولا صفر، ولا هامة؛ فقال أعرابي: يا رسول الله! فما بال إبلي تكون في الرمال كأنها الظباء، فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها؟ قال: فمن أعدى الأول؟".

3. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى، ولا طيرة؛ والشؤم في ثلاث: في المرأة، والدار، والدابة".

4. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا طيرة، وخيرها الفأل؛ قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم".

5. وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر".

6. وعن جابر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " لا عدوى، ولا صفر، ولا غول".

7. وعن ابن مسعود يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "الطيرة شرك، وما منا إلا يتطير، ولكن الله يذهبه بالتوكل".

8. وعن إسماعيل بن أبي أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يسلم منهن أحد: الطيرة، والظن، والحسد؛ فإذا تطيرت فلا ترجع، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننتَ فلا تحقق".

9  وفي رواية: "لا عدوى، ولا هامة، ولا طيرة، ولا نوء".

10. وفي رواية: "لا طيرة، والطيرة على من تطير".

11. وروي عنه صلى الله عليه وسلم: "لا يورد ممرض على مصح".

ã

ما المراد بنفي هذه الأشياء الستة، وهي: الصفر، والطيرة، والعدوى، والهامة، والغول، والنوء؟

أولاً : الصفر

ذهب أهل العلم في تفسير ذلك مذاهب، هي :

أ.  ذهب كثير منهم إلى أن المراد بصفر هو داء في البطن بسبب دود كبار كالحيات، وكانوا يعتقدون أنه معدٍ، وممن ذهب إلى ذلك سفيان بن عيينة والإمام أحمد رحمهما الله .

ويرد على ذلك أنه لو كان كذلك لكان داخلاً في قوله: "لا عدوى"، وقد يقال إنه من باب عطف الخاص على العام.

ب. أن المراد بصفر شهر صفر، الذي يسميه العوام في السودان "الويحيد"، ثم اختلفوا في تفسيره على قولين:

أحدهما: أن المراد نفي ما كان الجاهليون يفعلونه في النسيء، فكانوا يحلون المحرم، ويحرمون صفر مكانه، وهذا قول مالك رحمه الله .

والثاني: أن المراد أن الجاهليين كانوا يتشاءمون بصفر، ويقولون: إنه شهر مشؤوم.

والذي يترجح لدي أن هذا التفسير هو المراد، لأن الجاهليين كانوا يتشاءمون به، ولا يزال البعض يتشاءم به إلى يومنا هذا، بحيث:

   لا يتزوجون فيه.

   ولا يسافرون فيه.

   ولا يحاربون فيه.

وقد أبطل الله كل ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .

ج.  الصفر وجع في البطن بسبب الجوع، ومن اجتماع الماء الذي يكون من الاستسقاء.

ã

ثانياً: الطيرة والتشاؤم

الطيرة هي التشاؤم، وهي مصدر تطيّر، مثل تحيّر حيرة.

قال ابن حجر:( وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر، فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وربما كان أحدهم يهيِّج الطير ليطير فيعتمدها، فجاء الشارع بالنهي عن ذلك، وكانوا يسمونه السانح.. والبارح.

فالسانح ما ولاك ميامنه، بأن يمر عن يسارك إلى يمينك، والبارح بالعكس، وكانوا يتيمنون بالسانح ويتشاءمون بالبارح، لأنه لا يمكن رميه إلا بأن ينحرف إليه، وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه، وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له، إذ لا نطق للطير ولا تمييز.

وقال: كان بعض عقلاء الجاهلية ينكر التطير ويمتدح بتركه، قال شاعرهم:

ولـقـد غـدوتُ وكنتُ لا          أغدو على واقٍ وحـاتم

فإذا الأشــائم كالأيـــا         من والأيامن  كالأشـائم

ثم قال: وكان أكثرهم يتطيرون، ويعتمدون على ذلك، ويصح معهم غالباً لتزيين الشيطان ذلك، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين).

ã

ثالثاً: العدوى

ذهب أهل العلم في تفسير "لا عدوى" مذاهب عدة، ملخصها:

أ.  نفي العدوى جملة وتفصيلاً، وحمل الأمر بالفرار من المجذوم تطييباً لخاطره.

ب. حمل الخطاب بالنفي لمن قوي يقينه، وبالإثبات لمن ضعف يقينه وتوكله، وقد جمع هذا القول بين الحديثين، ووفق بينهما، حديث عمرو بن الشريد الثقفي عن أبيه قال: "كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قد بايعناك، فارجع"، وحديث جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم، وقال: ثقة بالله وتوكلاً عليه".

قال القاضي عياض:( اختلفت الآثار في المجذوم، فجاء ما تقدم عن جابر.. فذهب عمر وجماعة من السلف إلى الأكل معه، ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ، وممن قال بذلك عيسى بن دينار من المالكية، ثم قال: والصحيح الذي عليه الأكثر ويتعين المصير إليه أن لا نسخ، بل يجب الجمع بين الحديثين، وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط، والأكل معه على بيان الجواز.

قال ابن حجر: هكذا اختصر القاضي ومن تبعه حكاية هذين القولين، وحكى غيره قولاً ثالثاً وهو الترجيح.

ج. إثبات العدوى في الجذام والجرب ونحوهما، ونفي العدوى عما سوى ذلك.

د. المراد بإثبات العدوى في الأمراض التي تنتقل من جسم إلى جسم بواسطة الملامسة، والمخالطة، وشم الرائحة .

هـ. المراد بنفي العدوى أن شيئاً لا يعدي بطبعه نفياً لما يعتقده الجاهليون أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إرادة الله عز وجل، ففي نهيه إثبات الأسباب، وفي أكله مع المجذوم إشارة إلى أنها لا تستقل بذاتها بل إذا شاء الله ذلك.

الذي يترجح لدي أن القول الأخير هذا هو أرجح الأقوال، لأن ذلك هو حقيقة التوكل، وهو الاعتماد على الله مع الأخذ بالأسباب، والله أعلم.

قال الطبري رحمه الله: (والصواب عندنا القول بما صح به الخبر، وأن لا عدوى، وأنه لا يصيب نفساً إلا ما كُتب عليها، وأما دنو عليل من صحيح فغير موجب انتقال العلة للصحيح، إلا أنه لا ينبغي لذي صحة الدنو من صاحب العاهة التي يكرهها الناس، لا لتحريم ذلك، بل لخشية أن يظن الصحيح أنه لو نزل به ذلك الداء أنه من جهة دنوه من العليل، فيقع فيما أبطله النبي صلى الله عليه وسلم من العدوى، قال: وليس في أمره بالفرار من المجذوم معارضة لأكله معه، لأنه كان يأمر بالأمر على سبيل الإرشاد أحياناً، وعلى سبيل الإباحة أخرى، وإن كان أكثر الأوامر على الإلزام، وإنما كان يفعل ما نهى عنه أحياناً لبيان أن ذلك ليس حراماً).

ã

رابعاً : لا هامة

الهامة من غير تشديد وهو قول العامة، وشددها بعضهم.

الهامة المخففة أوّلها أهل العلم تأويلات حسب اعتقاد الجاهليين، هي:

أحدها : أنها دودة تخرج من رأس من قُتل فتدور حول قبره، فتقول: اسقوني، اسقوني؛ كناية عن مطالبة أهله بالأخذ بثأره.

ولهذا قال قائلهم:

يا عمرو إلا تدَع شتمي ومنقصتي        أضربك حتى تقول الهامة اسقوني

وكانت يهود ـ لعنهم الله ـ تزعم أنها تدور ـ أي الهامة ـ حول قبره سبعة أيام ثم تذهب.

الثاني : أنها طائر من طير الليل ، البومة.

قال ابن الأعرابي: كانوا يتشاءمون بها، إذا وقعت على بيت أحدهم يقول: نعت إليّ نفسي، أو أحداً من أهل داري.

الثالث: قال أبو عبيد: كانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة فتطير، ويسمون ذلك الطائر الصَّدَى.

أما المشددة فهي واحدة الهوام.

وقد أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم فقد نهى عن كل هذه الاعتقادات الفاسدة والظنون الباطلة.

ã

خامساً : الغول

وجمعه الغيلان، وهي جنس من الشياطين تتراءى للناس ليلاً فتضلهم عن الطريق.

قال الحافظ ابن حجر:( أما الغول: فقال الجمهور: كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات، وهي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتغول لهم تغولاً، أي تتلون تلوناً، فتضلهم عن الطريق فتهلكهم، وقد كثر في كلامهم: "غالته الغولة" أي أهلكته أو أضلته، فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك.

وقيل ليس المراد إبطال وجود الغيلان، وإنما معناه إبطال ما كانت العرب تزعمه من تلون الغول بالصور المختلفة، قالوا: المعنى لا يستطيع الغول أن يُضل أحداً، ويؤيده حديث: "إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان"، أي ادفعوها شرها بذكر الله).

ã

سادساً: النوء

وجمعه أنواء، وهي منازل القمر، قال أبو السعادات: وهي ثمان وعشرون منزلة، ينزل القمر في كل ليلة منزلة منها، كما قال تعالى: "والقمر قدرناه منازل"، يسقط في المغرب كل ثلاثة عشرة ليلة منزلة له مع طلوع الفجر، وتطلع أخرى مقابلتها ذلك الوقت من المشرق، وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر، وينسبونه إلى النجم الساقط، ويقولون: مُطرنا بنوء كذا؛ وإنما سمي نوءاً لأنه إذا سقط منها الساقط ناء الطالع بالمشرق، أي نهض وطلع.

عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: صلّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية إثر سماء ـ مطرـ كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؛ قال: قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر؛ فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته؛ فذلك مؤمن بي، كافر بالكواكب؛ وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذاك كافر بي، مؤمن بالكواكب".

فبيّن هذا الحديث أن المطر يقع بإذن الله ولا دخل للكواكب في ذلك.

قلت: من اعتقد أن للنوء أثراً في نزول المطر فقد كفر، أما من قال ذلك على سبيل أن هذا هو الوقت الذي قدّر الله فيه نزول المطر عادة فلا يكفر، والأحوط أن يقول الإنسان: مُطرنا بفضل الله ورحمته؛ ولا ينسب ذلك إلى الكواكب مهما كانت نيته، والله أعلم.

ã

المراد بشؤم المرأة، والدابة، والدار

المراد بشؤم المرأة سوء خلقها، ورداءة طبعها، وكِبْرها، وتعاليها، ونشوزها على زوجها خاصة، ولا تلتفت لغير ذلك من التأويلات الفاسدة.

أما شؤم الدابة ففي صعوبة قيادها، وسوء خلقها، وقباحة طبعها.

أما شؤم الدار ففي ضيقها، وسوء جيرانها، ولهذا قيل: " الجار قبل الدار".

ã

ما يقوله مَنْ عرض له شيء من التطير والتشاؤم

مَنْ عرض له شيء من التطير فعليه ألا يرجع، وليتوكل على الله ويمضي في مراده، وليدعُ بهذا الدعاء الذي أثر عن ابن عمر رضي الله عنهما: "اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك"، وهو مصداق قوله تعالى: "فإذا عزمت فتوكل على الله".

ã

نماذج للمتوكلين في مخالفة ما قاله المنجمون

الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله، ومن أطلعه الله عليه من رسله عن طريق الوحي.

قال تعالى: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون".

وقال: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير".

وقال: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً".

قال القرطبي رحمه الله في تفسير آيتي الجن السابقتين :( قال العلماء رحمة الله عليهم: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم، ودلالة صادقة على نبوتهم، وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى، وينظر في الكتب، ويزجر بالطير، ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله، مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه، قال بعض العلماء: وليت شعري ما يقول المنجم في سفينة ركب فيها ألف إنسان على اختلاف أحوالهم، وتباين رتبهم، فيهم الملك والسوقة، والعالم والجاهل، والغني والفقير، والكبير والصغير، مع اختلاف طوالعهم، وتباين موالديهم، ودرجات نجومهم، فعمهم حكم الغرق في ساعة واحدة؟ فإن قال المنجم قبحه الله: إنما أغرقهم الطالع الذي ركبوا فيه، فيكون على مقتضى ذلك أن هذا الطالع أبطل أحكام تلك الطوالع كلها على اختلافها عند ولادة كل واحد منهم، وما يقتضيه طالعه المخصوص به، فلا فائدة أبداً في عمل المواليد، ولا دلالة فيها على شقي وسعيد، ولم يبق إلا معاندة القرآن العظيم، وفيه استحلال دمه على هذا التنجيم، ولقد أحسن الشاعر حيث قال:

حكم المنجم أن طالـع مولـدي         يقضي عليّ بميتة الغرق

قل للمنجم صبحة الطوفان  هل         وُلِدَ الجميع بكوكب الغرق؟).

من تلكم المواقف ما يأتي:

   أ.  إمام المتقين وسيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم يغزو في صفر وينتصر فيه

عندما أراد صلى الله عليه وسلم أن يغزو في صفر قال له البعض: لا تغز في هذا الشهر، فإنك إن غزوت فيه فلن تنتصر على عدوك؛ فلم يلتفت إلى أقوالهم، وغزا فيه وانتصر على عدوه، وسماه صفر الخير.

   ب.  أمير المؤمنين علي قاتل أهل النهروان في صفر وينتصر عليهم

قيل لعلي رضي الله عنه لما أراد لقاء الخوارج: أتلقاهم والقمر في العقرب؟ فقال رضي الله عنه: فأين قمرهم؟ وكان ذلك في آخر الشهر، فانظر إلى هذه الكلمة التي أجاب بها، وما فيها من المبالغة في الرد على من يقول بالتنجيم، والإفحام لكل جاهل يحقق أحكام النجوم .

وقال له مسافر بن عوف: يا أمير المؤمنين، لا تسر في هذه الساعة، وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار؛ فقال له علي رضي الله عنه: ولِمَ؟ قال: إنك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك بلاء وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت وأصبت ما طلبت؛ فقال عليّ رضي الله عنه: ما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم منجم، ولا لنا من بعده ـ في كلام طويل يحتج فيه بآيات من التنزيل ـ فمن صدقك في هذا القول لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله نداً، أو ضداً؛ اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك؛ ثم قال للمتكلم: نكذبك ونخالفك، ونسير في الساعة التي تنهانا عنها. ثم أقبل على الناس، فقال: أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر، وإنما المنجم كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، والله لئن بلغني أنك تنظر في النجوم وتعمل بها لأخلدنك في الحبس ما بقيتَ وبقيتُ، ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان؛ ثم سافر في الساعة التي نهاه عنها، ولقي القوم فقتلهم، وهي وقعة النهروان الثابتة في صحيح مسلم.

ثم قال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها وظفرنا وظهرنا لقال قائل: سار في الساعة التي أمر بها المنجم؛ ماكان لمحمد صلى الله عليه وسلم منجم ولا لنا من بعده؛ فتح الله علينا بلاد كسرى، وقيصر، وسائر البلدان؛ ثم قال: أيها الناس! توكلوا على الله، وثقوا به فإنه يكفي ممن سواه).

قلت: رضي الله عن عليّ، لم يمنعه ما هو فيه من بلاء، وما يحيط به من رفقاء متشاكسون، وأهل أهواء تعسون ـ هم الرافضة والخوارج ـ من تقرير وتثبيت عقيدة التوحيد في نفوس أتباعه، لأن ذلك من أوجب الواجبات، وسبب رئيس لجلب النصر من الله عز وجل.

ج. المعتصم العباسي يكذب المنجمين ويسفه أقوالهم ويفتح عمورية

عندما أراد المعتصم العباسي رحمه الله أن يغزو عمورية قال له المنجمون: إن مدينتنا لا يمكن أن تفتح في هذه الأيام؛ فضرب بقولهم عرض الحائط، وسفه أحلامهم، وأبطل اعتقادهم، فغزاها، وفتحها، وضمها إلى رقعة الدولة الإسلامية، وقد صاغ أبو تمام هذه الحادثة شعراً، حيث قال:

السيـف أصدق إنبـاءً من الكتب        في حده الحـد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف         في متونهن جلاء الشك والريب

إي وربي لقد صدق أبو تمام، فقد أبطل الله بعزيمة المعتصم وإصراره على فتح تلك المدينة في ذلك الوقت الذي نهاه المنجمون عنه وَهَمَ الواهمين، وأزال شك الشاكين، قبل أن يزيل عن عمورية سلطان الكفر والكافرين.

هذا مسلك المؤمنين الصادقين، وسبيل الموحدين الموقنين بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ودع عنك أقوال المنجمين، وكذب الدجالين، وتخرص الظانين، وتصديق الكهنة، والسحرة، والخرافيين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اللهم إنا نسألك في صفر الخير أن تنصر إخواننا في العراق، في البصرة، وكركوك، والنجف، سيما بغداد، وأن تهزم الأمريكان، وأذنابهم من الأستراليين والبريطان، وعملاءهم في الداخل والخارج، خاصة في كردستان، كما هزمت أهل النهروان في أرض العراق، في صفر الخير من عام 37 من هجرة خير الأنام، اللهم عليكهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أرسل عليهم جنداً من جندك، في جوك، وبرك، وبحرك، من فوقهم، ومن أسفل منهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، ومن أمامهم، ومن خلفهم، يا سميع الدعاء، ويا أمل المظلومين الضعفاء، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لك العتبى حتى ترضى، والسلام علينا وعلى من اتبع الهدى.

-------------------

ما أحدث في شهر رجب من البدع والعبادات

صلاة الرغائب

صلاة ليلة النصف من رجب

حرص وتعود بعض المسلمين إخراج زكاتهم الواجبة فيه

تخصيص رجب كله بالصوم

الاعتمار في رجب عامة، وفي ليلة 27 منه على وجه الخصوص

الاحتفال بليلة سبع وعشرين من رجب على أساس أنها ليلة الإسراء والمعراج

الاختلاف في ليلة الإسراء والمعراج

 

من البدع التي استحدثت في رجب من الصلاة، والزكاة، والصوم، والاعتمار، والذبح، ما يأتي:

أ. صلاة الرغائب.

ب. صلاة ليلة النصف من رجب.

ج. تعود البعض إخراج الزكاة الواجبة فيه.

د. تخصيصه كله أو بعضه بالصيام.

ﻫ .الاعتمار فيه، خاصة ليلة سبع وعشرين.

و. الاحتفال بليلة سبع وعشرين على أساس أنها ليلة الإسراء والمعراج، والتي تعرف في السودان بالرجبية.

ز. العتيرة، وهي ذبيحة تذبح في رجب.

وليس لذلك كله أصل في السنة كما سنبينه.

ã

أ.  صلاة الرغائب

صلاة الرغائب هي الصلاة التي يصليها البعض في أول ليلة جمعة من رجب، لقد ورد في فضلها وكيفيتها حديث موضوع باطل، وقد ابتدعت هذه الصلاة بعد أربعمائة سنة من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله وهو يعدِّد فيما استحدث في شهر رجب من بدع وصلوات: (ومنها صلاة الرغائب؛ أخبرنا علي بن عبيد الله بن الزاغوني، حدثنا أبو زيد، عبد الله بن عبد الملك الأصفهاني، أنبأنا أبوالقاسم عبدالرحمن بن محمد بن إسحـاق بن منده، وأنبـأنا محمد بن ناصر الحافظ، أنبـأنا أبو القـاسم علي بن عبد الله بن جهضم الصـوفي، أخبرنـا علي بن محمد بن سعيد البصري، حدثنـا أبي، حدثنـا خلف بن عبد الله، وهو الصاغاني، عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي؛ قيل: يا رسول الله، ما معنى قولك رجب شهر الله؟ قال: لأنه مخصوص بالمغفرة، وفيه تحقن الدماء، وفيه تاب الله على أنبيائه، وفيه أنقذ أولياءه من بلاء عذابه، من صامه استوجب على الله ثلاثة أشياء: مغفرة لجميع ما سلف من ذنوبه، وعصمته فيما بقي من عمره، وأماناً من العطش يوم العرض الأكبر؛ فقام شيخ ضعيف، فقال: يا رسول الله، إني لأعجز عن صيامه كله؛ فقال صلى الله عليه وسلم: صم أول يوم منه، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وأوسط يوم منه، وآخر يوم منه، فإنك تعطى ثواب من صامه كله، ولكن لا تغفلوا عن أول ليلة جمعة في رجب، فإنها ليلة تسميها الملائكة الرغائب، وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل لا يبقى ملك في جميع السموات والأرض إلا ويجتمعون في الكعبة وحواليها، ويطلع الله عز وجل عليهم اطلاعة، فيقول: ملائكتي، سلوني ما شئتم، فيقولون: يا ربنا حاجتنا إليك أن تغفر لصوَّام رجب، فيقول الله عز وحل: قد فعلت ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما من أحد يصوم يوم الخميس، أول خميس من رجب، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة، يعني ليلة الجمعة، اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات، وقل هو الله أحد اثنتي عشرة مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ من صلاته صلى سبعين مرة، يقول: اللهم صلِّ على محمد النبي الأمي، وعلى آله، ثم سجد، فيقول في سجود: سبوح، قدوس، رب الملائكة والروح، سبعين مرة، ثم يرفع رأسه، فيقول: اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت العزيز الأعظم سبعين مرة، ثم يسجد الثانية، فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى، ثم يسأل الله تعالى حاجته، فإنها تقضى.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما من عبد ولا أمَة صلى هذه الصلاة إلا غفر له جميع ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر، وعدد ورق الأشجار، وشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته، فإذا كان أول ليلة في قبره جاءه ثواب هذه الصلاة فيجيبه بوجه طلق، ولسان زلق، ويقول له: يا حبيبي أبشر قد نجوت من كل شدة، فيقول: من أنت؟ فوالله ما رأيت وجهاً أحسن من وجهك، ولا سمعتُ كلاماً أحلى من كلامك، ولا شممتُ رائحة أطيب من رائحتك، فيقول له: يا حبيبي، أنا ثواب الصلاة التي صليتها في ليلة كذا، من شهر كذا، جئتُ الليلة لأقضي حقك، وأونس وحدتك، وأرفع عنك وحشتك، وإذا نفخ في الصور أظللت في عرض القيامة على رأسك، فأبشر فلن تعدم الخير من مولاك أبداً".

قال الحافظ ابن حجر، ولفظ الحديث لمحمد بن ناصر هذا، حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اتهموا به ابن جهضم، فنسبوه إلى الكذب، وسمعتُ شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون، وقد فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم.

قال الحافظ ابن حجر: ولقد أبدع من وصفها، فإنه يحتاج من يصليها إلى أن يصوم، وربما كان النهار شديد الحر، فإذا صام لم يتمكن من الأكل حتى يصلي المغرب، ثم يقف فيها، ويقع في ذلك التسبيح الطويل، والسجود الطويل، فيتأذى غاية الأذى، وإني لأغار لرمضان ولصلاة التراويح، كيف زوحم بهذه؟ بل هذه عند العوام أعظم وأجل، فإنه يحضرها من لا يحضر الجماعات).

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله وهو يعدِّد العبادات التي أحدثها بعض الناس في رجب: (فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء، وممن ذكر ذلك من الأعيان العلماء المتأخرين من الحفـاظ: أبو إسماعيل الأنصاري، وأبو بكر بن السمعـاني، وأبوالفضل بن ناصر، وأبو الفرج بن الجوزي، وغيرهم، وإنما لم يذكرها المتقدمون لأنها حدثت بعدهم، وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة، فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها، بل هي محدثة، فلا تستحب، لا جماعة ولا فرادى، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أويوم الجمعة بصيام، والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلاً.

وقال في موضع من الفتاوى: صلاة الرغائب بدعة باتفاق أئمة الدين، لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من خلفائه، ولا استحبها أحد من أئمة الدين، كمالك، والشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي، والليث، وغيرهم، والحديث المروي فيها كذب بإجماع أهل المعرفة بالحديث).

ã

ب. صلاة ليلة النصف من رجب

من الصلوات المحدثة التي ابتدعت في شهر رجب صلاة ليلة النصف من رجب.

قال الحافظ ابن حجر معدداً الصلوات المحدثة في شهر رجب: (ومنها مارواه أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات له: قال: أنبأنا أبو عثمان بن الحسن بن نصر الأديب، أخبرنا علي بن محمد بن حمدان، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن أحمـد بن يوسف، حدثنا ربيعـة بن علي بن محمد، أخبرنا محمد بن الحسن، أخبرنا عبد الله بن عبد العزيز، أخبرنا عصـام بن محمـد، أخبرنا سلمـة بن شبيب، وعمـرو بن هشـام، ومحمود بن غيلان، قالوا: أخبرنا أحمد بن زيد بن يحيى عن أبيه، عن أنس بن مالك قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى ليلة النصف من رجب، أربع عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات، فإذا فرغ من صلاته صلى عليَّ عشر مرات، ثم يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ثلاثين مرة، بعث الله إليه ألف ملك، يكتبون له الحسنات، ويغرسون له الأشجار في الفردوس، ومحي عنه كل ذنب أصابه إلى تلك الليلة، ولم يكتب عليه إلا مثلها من القابل، ويكتب له بكل حرف قرأ في هذه الصلاة سبعمائة حسنة، وبني له بكل ركوع وسجود عشرة قصور في الجنة من زبرجد أخضر، وأعطي بكل ركعة عُشر مدائن الجنة وملك يضع يده بين كتفيه فيقول له: استأنف العمل، فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك".

قال ابن حجر: وهذا موضوع، ورواته مجهولون، ولا يخفى تركيب إسناده ورجاله، والظاهر أنه من عمل الحسين بن إبراهيم).

ã

ج. حرص وتعود بعض المسلمين إخراج زكاتهم الواجبة فيه

من الأمور المحدثة التي ليس لها أصل في الشرع تعود بعض الناس إخراج زكاتهم الواجبة في شهر رجب، ومعلوم أن شهر الزكاة يختلف من شخص إلى شخص، وقد استحبَّ بعضُ أهل العلم تعجيل إخراج الزكاة في المحرم أول السنة الهجرية، ومنهم من استحب تعجيل إخراجها في رمضان لما في ذلك من مضاعفة الأجور، وحاجة الفقراء، لاشتغالهم بالصيام والقيام والاعتكاف، ولكن لم يستحب أحد من أهل العلم المقتدى بهم إخراج الزكاة في رجب.

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (وأما الزكاة فقد اعتاد أهل هذه البلاد إخراج الزكاة في شهر رجب، ولا أصل لذلك في السنة، ولا عرف عن أحد من السلف، لكن روي عن عثمان أنه خطب الناس على المنبر فقال: إن هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه وليزك ما بقي؛ خرجه مالك في الموطأ، وقد قيل إن ذلك الشهر الذي كانوا يخرجون فيه زكاتهم نسئ ولم يعرف، وقيل بل كان شهر المحرم لأنه رأس الحول، وقد ذكر الفقهاء من أصحابنا وغيرهم أن الإمام يبعث سعاته لأخذ الزكاة في المحرم، وقيل بل كان شهر رمضان، لفضله، وفضل الصدقة فيه، وبكل حال فإنما تجب الزكاة إذا تم الحول على النصاب، فكل أحد له حول يخصه بحسب وقت ملكه للنصاب، فإذا تم حوله وجب عليه إخراج زكاته في أي شهر كان، فإن عجل زكاته قبل الحول أجزأه عند جمهور العلماء، وسواء كان تعجيله لاغتنام زمان فاضل، أولاغتنام الصدقة على من لا يجد مثله في الحاجة، أوكان لمشقة إخراج الزكاة عليه عند تمام الحول جملة، فيكون التفريق في طول الحول أرفق به، وقد صرَّح مجاهد بجواز التعجيل على هذا الوجه، وهو مقتضى إطلاق الأكثرين، وخالف في هذه الصورة إسحاق، نقله عنه ابن منصور، وأما إذا حال الحول فليس له التأخير بعد ذلك عند الأكثرين، وعن أحمد يجوز تأخيرها إلى زمن فاضل لا يوجد مثله كرمضان ونحوه، وروى يزيد الرقاشي عن أنس أن المسلمين كانوا يخرجون زكاتهم في شعبان تقوية على الاستعداد لرمضان، وفي الإسناد ضعف).

ã

د. تخصيص رجب كله بالصوم

من الأمور المحدثة في شهر رجب فيما يتعلق بالصيام تخصيص البعض صيام شهر رجب كله، حيث لم يرد نص في ذلك، وإنما جاء النص بفضل الصيام في الأشهر الحرم من غير تخصيص.

قال ابن رجب الحنبلي وهو يعدِّد ما جاء في أيام وشهور السنة المختلفة من العبادات: (وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولكن روي عن أبي قلابة قال: في الجنة قصر لصوام رجب، قال البيهقي: أبو قلابة من كبار التابعين، لا يقول مثله إلا عن بلاغ، وإنما ورد في صيام الأشهر الحرم كلها حديث مجيبة الباهلية عن أبيها أوعمها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "صم من الحرم واترك"، قالها ثلاثاً، أخرجه أبو داود وغيره، وخرجه ابن ماجة وعنده: "صم أشهر الحرم"، وقد كان بعض السلف يصوم الأشهر الحرم كلها، منهم ابن عمر، والحسن البصري، وأبو إسحاق السبيعي، وقال الثوري: الأشهر الحرم أحبُّ إليَّ أن أصوم فيها، وجاء في حديث خرجه ابن ماجة: أن أسامة بن يزيد كان يصوم الأشهر الحرم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صم شوالاً"، فترك الأشهر الحرم وصام شوالاً حتى مات، وفي سنده انقطاع، وخرج ابن ماجة أيضاً بإسناد فيه ضعف عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب، والصحيح وقفه على ابن عباس، ورواه عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وقد سبق لفظه، وروى عبد الرزاق في كتابه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وقد سبق لفظه، وروى عبد الرزاق في كتابه عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوم يصومون رجباً، فقال: "أين هم من شعبان"، وروى أزهر بن سعيد الجمحي عن أمه أنها سألت عائشة عن صوم رجب، فقالت: إن كنتِ صائمة فعليك بشعبان، وروي مرفوعاً ووقفه أصح، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام، ويقول: ما رجب! إن رجباً كان يعظمه أهل الجاهلية، فلما كان الإسلام ترك؛ وفي رواية: كره أن يكون صيامه سنة؛ وعن أبي بكرة أنه رأى أهله يتهيأون لصيام رجب، فقال لهم: أجعلتم رجب كرمضان؟ وألقى السلاسل وكسر الكيزان؛ وعن ابن عباس أنه كره أن يصام رجب كله، وعن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يريان أن يفطر منه أياماً، وكرهه أنس أيضاً وسعيد بن جبير، وكره صيام رجب كله يحيى بن سعيد الأنصاري والإمام أحمد، وقال: يفطر منه يوماً أويومين، وحكاه عن ابن عمر وابن عباس، وقال الشافعي في القديم: أكره أن يتخذ الرجل صوم شهر يكمله كما يكمل رمضان، واحتج بحديث عائشة: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل شهراً قط إلا رمضان"، قال: وكذلك يوماً من بين الأيام، وقال: إنما كرهته أن لا يتاسى رجل جاهل فيظن أن ذلك واجب، وإن فعل فحسن، وتزول كراهة إفراد رجب بالصوم، بأن يصوم معه شهراً آخر تطوعاً عند بعض أصحابنا، مثل أن يصوم الأشهر الحرم، أويصوم رجب وشعبان، وقد تقدم عن عمر وغيره صيام الأشهر الحرم، والمنصوص عن أحمد أنه لا يصومه بتمامه إلا من صام الدهر، وروي عن ابن عمر ما يدل عليه، فإنه بلغه أن قوماً أنكروا عليه أنه حرَّم صوم رجب، فقال: كيف بمن يصوم الدهر؟ وهذا يدل على أنه لا يصام رجب إلا مع صوم الدهر، وروى يوسف بن عطية عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم بعد رمضان إلا رجباً وشعبان، ويوسف ضعيف جداً، وروى أبو يوسف القاضي عن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وربما أخَّر ذلك حتى يقضيه في رجب وشعبان، ورواه عمر بن أبي قيس عن ابن أبي ليلى فلم يذكر فيه رجباً وهو أصح).

وقال أبو بكر الطرطوشي في كتاب "البدع والحوادث" له: (يكره صوم رجب على ثلاثة أوجه، أحدها أنه إذا خصه المسلمون بالصوم من كل عام حسب العوام إما أنه فرض كرمضان، وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة، وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام باقي الشهور.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه، حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني للجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره).

ثم سرد عدداً من الأحاديث الشائعة على الألسن، منها أربعة عشر حديثاً ضعيفاً ومنها أربعة وعشرون حديثاً موضوعاً، ومعلوم أنه لا يجوز العمل بالأحاديث الضعيفة لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها، في فضل رجب والصيام والقيام فيه، ومراد الذين أجازوا العمل بالحديث الضعيف في فضـائل أمثـال عبدالرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل من الأئمة، يعنون بذلك الحديث الحسن كما بينا، إذ تقسيم الأحاديث إلى صحيح وحسن وضعيف لم يظهر إلا في عهد الترمذي، وكان قبل ذلك تقسم الأحاديث إلى صحيحة وضعيفة.

ã

ﻫ. الاعتمار في رجب عامة، وفي ليلة 27 منه على وجه الخصوص

لم يرد نص في فضل الاعتمار في رجب ولا تخصيص ليلة سبع وعشرين بعمرة، بل كل عُمَر الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في ذي القعدة، وإن استحب بعض أهل العلم الاعتمار في غير أشهر الحج لتعمير البيت في سائر العام، في رجب وغيره.

قال الحافظ ابن رجب: (أما الاعتمار في رجب فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب فأنكرت ذلك عائشة عليه، وهو يسمع، فسكت، واستحب الاعتمـار في رجب عمر بن الخطاب وغيره، وكانت عائشة تفعله وابن عمر أيضاً، ونقل ابن سيرين عن السلف أنهم كانوا يفعلونه، فإن أفضل الأنساك أن يؤتى بالحج في سفرة، والعمرة في سفرة أخرى في غير أشهر الحج، وذلك من جملة إتمام الحج والعمرة المأمور به كذلك، قاله جمهور الصحابة كعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم).

ã

و. الاحتفال بليلة سبع وعشرين من رجب على أساس أنها ليلة الإسراء والمعراج، وإقامة الرجبيات والعطلة في نهارها

من البدع المحدثة الاحتفال بليلة سبع وعشرين من رجب على أساس أنها الليلة التي أسري فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرج به.

وقد تنوزع في تاريخ الإسراء والمعراج واختلفوا، والراجح أنه في غير رجب، فمنهم من قال في ربيع الثاني، ومنهم من قال في رمضان، وقيل قبل البعثة وقيل بعدها، ولو صحَّ أنه في ليلة سبع وعشرين لما جاز الاحتفال بها، لعدم وجود الدليل على ذلك.

بل لقد صح أنه لم تكن هناك حوادث عظيمة في رجب قط.

ã

الاختلاف في ليلة الإسراء والمعراج

قال النووي رحمه الله قال القاضي عياض رحمه الله: (..فإن الإسراء أقل ما قيل فيه أنه كان بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر شهراً، وقال الحربي: كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة؛ وقال الزهري: كان ذلك بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بخمس سنين؛ وقال ابن إسحاق: أسري به صلى الله عليه وسلم وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل؛ وأشبه هذه الأقوال قول الزهري وابن إسحاق، إذ لم يختلفوا أن خديجة رضي الله عنها صلت معه صلى الله عليه وسلم بعد فرض الصلاة عليه، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة بمدة، قيل بثلاث سنين، وقيل بخمس، ومنها أن العلماء مجمعون على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء، فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه).

وقال ابن رجب الحنبلي: (وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة، ولم يصح شيء من ذلك، فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في أول ليلة منه، وأنه بعث في السابع والعشرين منه، وقيل في الخامس والعشرين، ولا يصح شيء من ذلك، وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك كذب).

0000000000000000000

ما أحدث في شهر شعبان من العبادات

تخصيص شعبان كله بالصيام

تخصيص يوم النصف من شعبان بالصيام

إحياء ليلة النصف من شعبان بالذكر والدعاء جماعة في المسجد وغيره أوفرادى

صلاة التسابيح

الاعتمار في ليلة النصف من شعبان

 

من العبادات التي استحدثها بعضُ الناس في هذا الشهر ما يأتي:

أ.   تخصيص شعبان كله بالصيام.

ب. تخصيص يوم النصف منه بالصيام.

ج.  تخصيص ليلة النصف منه بالإحياء.

د.  تخصيص ليلة النصف منه بصلاة خاصة هي صلاة التسابيح.

ﻫ . الاعتمار فيه.

وسنتحدث عن كل واحدة من ذلك بشيء من الإيجاز، فنقول:

أ. تخصيص شعبان كله بالصيام

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من شعبان ما لم يصمه في غيره من الشهور سوى رمضان، ولكنه لم يكن يكمله كله، بل قد صح عنه النهي أن يوصل رمضان بشعبان، وروي عنه كذلك أنه قال: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"، وقد علل إكثاره من الصيام في شعبان أكثر من غيره من الشهور بأنه كان يقضي ما فاته من صيام الاثنين، والخميس، والثلاثة البيض، ونحوها من الأيام التي كان صلى الله عليه وسلم يداوم على صيامها.

فالإكثار من الصوم في شعبان من السنة، ولكن الممنوع سرده كله بالصوم، وقد أجاز بعض أهل العلم سرده لمن عادته صيام الدهر، والله أعلم.

خرَّج الإمام أحمد والنسائي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الأيام يسرد حتى نقول لا يفطر، ويفطر الأيام حتى لا يكاد يصوم، إلا يومين من الجمعة إن كانا في صيامه وإلا صامهما، ولم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان، فقلت: يا رسول الله إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك، وإلا صمتهما؛ قال: أي يومين؟ قال: يوم الاثنين ويوم الخميس؛ قال: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم؛ قلت: ولم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شعهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين عز وجل، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان"، زاد البخاري في روايته: "كان يصوم شعبان كله"، وفي مسلم: "كان يصوم شعبان إلا قليلاً".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصوم شعبان".

قال ابن رجب الحنبلي معلقاً على الأحاديث السابقة: (وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيته صام شهراً كله إلا رمضان"، وفي رواية له أيضاً عنها قالت: "ما رأيته صام شهراً كاملاً منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان").

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً غير رمضان"، وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهراً كاملاً غير رمضان.

ã

ب. تخصيص يوم النصف من شعبان بالصيام

من كان معتاداً صيام الثلاثة البيض من كل شهر فصامه فلا حرج عليه في ذلك، وهو خارج من النهي الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"، أما من صامه لخصوصية دون ذلك، لأنه صباح ليلة النصف من شعبان، فهذا ليس من السنة، إذ لم يأت في تفضيل ذلك دليل، فإن الأعمال بالنيات.

قال ابن رجب الحنبلي: (وأما صيام يوم النصف منه ـ أي شعبان ـ فغير منهي عنه، فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها في كل شهر).

ã

ج. إحياء ليلة النصف من شعبان بالذكر والدعاء جماعة في المسجد وغيره أوفرادى

لم يرد في إحياء ليلة النصف من شعبان دليل صحيح، وكذلك ليلتي العيدين، وإنما استحب نفر من أهل العلم إحياءها، وقلدهم في ذلك أقوام، وقد فرَّق جماعة من أهل العلم بين إحيائها في المساجد جماعة فكرهوه، وبين إحيائها فرادى.

الأحاديث التي وردت في فضل ليلة النصف من شعبان، وأقوال أهل المختصين فيها

وردت أحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان، الأكثرون من أهل العلم حكموا بضعفها، وقد صحَّح بعضهم بعضها، وهي:

عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كان ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلٍ فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا، حتى يطلع الفجر".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم فخرجت فإذا هو في المسجد بالبقيع رافع رأسه إلى السماء، فقال: "أكنتِ تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟"، فقلت: يا رسول الله، ظننت أنك أتيت بعض نسائك؛ فقال: "إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب".

وعن أبي موسى يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أومشاحن".

وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليطلع إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين مشاحن أوقاتل نفس".

قال ابن رجب: (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر، وغيرهم يعظمونها، ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، منهم عطاء، وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء المدينة، وهو قول أصحاب مالك، وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة.

واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين، أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المسجد، كان خالد بن معدان، ولقمان بن عامر، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخرون، ويكتحلون، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه في ذلك، وقال: في قيامها في المسجد جماعة: ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.

والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة، والقصص، والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل السنة وفقيههم وعالمهم، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إذا صلى الإنسان ليلة النصف وحده أوفي جماعة خاصة كما كان يفعل طوائف من المسلمين فهو حسن، أما الاجتماع في المساجد على صلاة مقدرة كالاجتماع على مائة ركعة، بقراءة ألف "قل هو الله أحد" دائماً، فهذه بدعة، لم يستحبها أحد من الأئمة، والله أعلم).

الذي يترجح لدي أن إحياء ليلة النصف من شعبان بأي كيفية من الكيفيات بدعة محدثة، إذ العبادات توقيفية لا تتلقى إلا من صاحب الشريعة صلوات الله وسلامه عليه، والله أعلم.

ã

د. صلاة التسابيح

روى الإمام الترمذي رحمه الله في سننه عدداً من الأحاديث في فضل صلاة التسابيح وهيئتها، ثم قال: (قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث في صلاة التسابيح، ولا يصح منه كبير شيء)، والأحاديث هي:

عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: "يا عم صلَِّ اربع ركعات، تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا انقضت القراءة، فقل: الله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله خمس عشرة مرة قبل أن تركع، ثم اركع فقلها عشراً، ثم ارفع رأسك وقلها عشراً، ثم اسجد فقلها عشراً، ثم ارفع رأسك فقلها عشراً، ثم اسجد فقلها عشراً، ثما رفع راسك وقلها عشراً قبل أن تقوم، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، وهي ثلاثمائة في أربع ركعات، ولو كانت ذنوبك مثل رَمْل عالج غفرها الله لك"، قال: يا رسول الله، ومن يستطيع أن يقولها في يوم؟ قال: "إن لم تستطع أن تقولها في يوم فقلها في جمعة، فإن لم تستطع أن تقولها في جمعة فقلها في شهر، فلم يزل يقول له حتى قال: فقلها في سنة".

وعن أنس بن مالك أن م سليم غدت على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: علمني كلمات أقولهن في صلاتي؛ فقال: "كبري الله عشراً، وسبحي عشراً، واحمديه عشراً، ثم سلي ما شئت، يقول: نعم".

قال الترمذي: وقد روى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا الفضل فيه:

حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، أخبرنا أبو وهب قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يسبح فيها؟ قال: "يكبر ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول خمس عشرة مرة: سبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثم يتعوذ ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وفاتحة الكتاب وسورة، إلخ".

قال الإمام النووي رحمه الله بعد أن أورد حديث أبي رافع السابق في الأذكار: (قال الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه الأحوذي في شرح الترمذي: حديث أبي رافع هذا ضعيف ليس له أصل في الصحة ولا في الحسن، قال: وإنما ذكره الترمذي لينبه عليه لئلا يغتر به، قال: وقول ابن المبارك ليس بحجة، هذا كلام أبي بكر بن العربي، وقال العقيلي: ليس في صلاة التسبيح حديث ثبت، وذكر أبو الفرج بن الجوزي أحاديث صلاة التسبيح وطرقها، ثم ضعفها كلها وبيَّن ضعفها، ذكره في كتابه في الموضوعات.

وبلغنا عن الإمام الحافظ أبي الحسن الدارقطني رحمه الله أنه قال: أصح شيء في فضائل السور فضل قل هو الله أحد، وأصح شيء في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح، وقد ذكرت هذا الكلام مسنداً في كتاب طبقات الفقهاء في ترجمة أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، ولا يلزم من هذه العبارة أن يكون حديث صلاة التسبيح صحيحاً، فإنهم يقولون هذا أصح ما جاء في الباب وإن كان ضعيفاً، ومرادهم أرجحه وأقله ضعفاً).

ã

ﻫ . الاعتمار في ليلة النصف من شعبان

كذلك من الأمور المحدثة التي يحرص عليها البعض الاعتمار في ليلة النصف من شعبان أوفي نهاره، وليس لذلك أدنى دليل من السنة.

000000000000000000

ما ينبغي أن يستقبل به المسلمون عامهم الهجري الجديد

الحمد لله "الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا"، وصلّى الله وسلم وبارك على محمد القائل :" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".

فإن في تعاقب الليل والنهار، وكرِّ السنين والشهور والأيام، وتقارب الزمان، والابتلاء بالنعم والمصائب العظام، لعبرة لأولي الألباب، وذكرى لأصحاب العقول الكبار، وفي التغافل عن ذلك حسرة وندامة، وشقاوة، وغباوة.

وبعد..

فإني أود أن أذكر نفسي أولاً وإخـواني المسلمين بما ينبغي علينـا أن نستقبل به العام الهجري الجديد، لأن الذكرى تنفع المؤمنين، وتنبه الغافلين، وتعين الذاكرين، فأقول:

أولاً : ينبغي على المسلمين أفراداً وجماعات، رعاة ورعية، علماء وعامة، نساءاً ورجالاً، أن يحاسبوا أنفسهم بأنفسهم حساباً شديداً صارماً قبل أن يحاسبوا، وعليهم أن يزنوا أعمالهم قبل أن توزن عليهم، وليتزينوا ليوم العرض الأكبر، على ما صدر منهم في العام المنصرم والأعوام السابقة، فإن وجد المرء خيراً فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فليعجل بالتوبة والإنابة قبل فوات الأوان واجتماع الحسرتين: حسرة الموت، وحسرة الفوت.

ثانياً : تجديد التوبة الصادقة النصوح من جميع الذنوب والآثام، وعدم التواني في ذلك أوالتسويف فيها.

ثالثاً : على المسلمين أفراداً وجماعات، حكاماً ومحكومين، شباباً ورجالاً، الانعتاق والتحرر من الولاء لغير الله، فلا يدعوا غير الله عز وجل، ولا يستغيثوا بغير الله، ولا يصرفوا شيئاً من العبادة لغير الله، فإن فعلوا شيئاً من ذلك فقد أشركوا مع الله غيره، وعليهم أن يجددوا إيمانهم.

رابعاً : الانعتاق والتحرر من تقليد الكفار والتشبه بهم، خاصة في نظام الحكم، والتحاكم إلى قوانينهم الوضعية، ومناهج التربية والتعليم، والتحدث برطاناتهم وتعلمها من غير ضرورة، والعيش في ديارهم، والتشبه بهم في المخبر والمظهر، في اللبس والأعياد ونحوها.

خامساً : التحرر والانعتاق من التأريخ بتواريخ الكفار، والعودة إلى العمل بتاريخنا الهجري، فهذا من أضعف الإيمان، فمن لم يقو على مخالفة الكفار ـ ومخالفتهم قربى ـ في هذه الأمور فلن يقوى على مخالفتهم في غيرها من الأمور الكبار.

سادساً : عدم العمل بالحساب في إثبات الأهلة، خاصة المتعلقة بها العبادات الشرعية، كالصيام، والحج، والزكـاة، والعـدّة، والكفـارات، إلا في الصلاة لارتباطها بالتقويم الشمسي.

سابعاً : الاهتمام باللغة العربية ومنع تدريس غيرها من اللغات، سيما في مرحلتي الأساس والمرحلة الثانوية، وإعادة النظر في الوسائل والطرق التي تدرّس بها، وجعلها اللغة الرسمية في دواوين الحكومة، وفي المحافل، ووسائل الإعلام المختلفة، وعدم التحدث بغيرها في المحافل الدولية، ومع الزوار الأعاجم، والعمل على القضاء على اللهجات العامية فهي بلاء على العربية.

ثامناً : رفع راية الجهاد وإعانة المجاهدين بالمال، والعتاد، والدعاء، والعمل لإعداد القوة لإرهاب أعداء الله، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

تاسعاً : العمل على بعث عقيدة الولاء والبراء في الأمة، فقد ضعفت هذه العقيدة، بل انعدمت لدى طائفة كبيرة من المسلمين، حيث أصبحوا يوالون أعداء الملة والدين، ويعادون إخوانهم المسلمين، وما خذلان المسلمين حكاماً ومحكومين لإخوانهم في العراق، وفلسطين، وأفغانستان، وكشمير، والشيشان، والفلبين، وغيرها عنا ببعيد.

عاشراً : بعث روح الأخوة الإيمانية بين المسلمين، فقد كان أول عمل قام به سيد الخلق بعد هجرته إلى المدينة، وبعد بناء مسجده، أن آخى بين المهاجرين الذين تركوا أموالهم وأهليهم، وبين الأنصار الذين آثروهم على أنفسهم وأهليهم، عن طريق التكافل، خاصة الفقراء منهم، وأن لا ندعهم للمنصرين الذين يحملون المساعدات إليهم بالشمال ويحملون الإنجيل باليمين.

أحد عشر : علينا أن نتذكر بهذه المناسبة حرمة الهجرة لغير ضرورة من ديار الإسلام إلى ديار الكفر التي فتن بها كثير من المسلمين، سيما الأطباء، والمهندسين، والشباب؛ حيث لا تحل الهجرة لديار الكفار ولو كانت بغرض الدعوة، كما وضّح ذلك كثير من أهل العلم القدامى والمحدثين، منهم الشيخ عثمان دانفوديو وغيره، كما لا يحل للمسلمين من أهلها البقاء فيها إلا لعدم وجود البديل.

الثاني عشر : علينا الاشتغال والاهتمام بالعلم الشرعي، فالعلم قائد والعمل تبع له، ومشكلة الإسلام الحقيقية تكمن بين جهل أبنائه وكيد أعدائه، فنشر العلم الشرعي من أجلِّ القربات بعد أداء الفرائض، إذ لا يدانيه شيء من العبادات.

الثالث عشر : العمل على إشاعة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي هي صمام الأمان لهذه الأمة من الانحراف والزيغ؛ فالنصيحة لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم قدر الطاقة واجبة: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك مثقال حبة من خردل من إيمان"، أوكما قال صلى الله عليه وسلم.

الرابع عشر : ينبغي للمسلمين جميعاً أن يعلموا أن اليأس والقنوط من رحمة الله من الكبائر العظيمة، وعليهم أن يقاوموا ذلك في نفوسهم، وأن يعملوا على اجتثاث ذلك من نفوس غيرهم، خاصة الشباب، فالاستسلام لليأس، والقنوط، والرضا بالواقع من أقوى عوامل الهزيمة، ومن أخطر أسباب الضعف المهينة.

الخامس عشر : اعلم أخي المسلم أن العزة لله، ولرسوله، وللمؤمنين، ولكن المنافقين والمتخاذلين لا يعلمون؛ فلا خير في مؤمن لا يعتدُّ ويعتز بدينه؛ وتذكر خطاب الله عز وجل للفئة المؤمنة عقب انهزاهمهم في أحد :" ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون "؛ فالمؤمن هو الأعلى بإسلامه، وبتوكله على ربه، وبثقته بأن العاقبة للمتقين، وبأن النصر بيد العزيز الحكيم، لمن أخذ بأسبابه، وعمل بمقتضى شرعه وخطابه.

السادس عشر : علينا أن نوقن يقيناً صادقاً جازماً أن الله قد أعزنا بالإسلام، وأن من طلب العزة في غيره أذله الله، أو كما قال الخليفة الملهم عمر بن الخطاب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين، والسلام علينا وعلى جميع عباد الله الصالحين.

0000000000000000000

بمناسبة حلول شهر الله المحرم: الخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع

الاحتفال بأول السنة الهجرية، واتخاذه عيداً وعطلة

الفرح والسرور والتوسعة على العيال في يوم عاشوراء

اتخاذ يوم عاشوراء يوم مأتم وعويل وحزن

الحمد لله الذي عصم هذه الأمة من أن تجتمع على ضلالة ، حيث لا تزال طائفة منها قائمة على الحق، مظهرة له، دافعة عن هذا الدين، تنفي عنه تحريف الغالين، وزيغ المبطلين، وكيد الكائدين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى تقوم الساعة وهم على ذلك؛ وقد كانوا في القرون الأولى الفاضلة كثيرين، ثم لم يزالوا ينقصون حتى صاروا أقل من القليل.

وقد كانوا إذا عدّوا قليلاً                 فقد صاروا أقل من القليل

والعبرة ليست بالكثرة والوفرة، وإنما هي باتباع الحق، فالجماعة الحقة هي ما كانت على الحق ولو كان فقيهاً على ظهر جبل، ولو كنت وحدك، كما قال ابن مسعـود رضي الله عنه؛ فقد مدح الله القلة وأثنى عليهـا، فقـال: "وقليل من عبادي الشكور"، وقال: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين"، وقال: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون"، وقال على لسان الطاغية فرعون عن موسى وقومه: "وإنهم لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون".

وصلّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد القائل: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

لقد أحدثت في هذا الشهر العظيم بدع ومخالفات لم يعرفها سلف هذه الأمة، يجب التنبيه عليها والتحذير منها، يجهل حقيقتها كثير من المسلمين، بل يظنونها من السنن المستحبات، وذلك لتقصير أهل العلم في بيان مخالفتها لما جاء به صاحب الشريعة، إن رغبة، أو رهبة، أو جهلاً؛ وقد أوجب الله على حملة الشريعة عدم تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولهذا أحببت أن أذكر نفسي وإخواني المسلمين في هذا البلد الحبيب والوطن العزيز بخطورة التمادي فيها والغفلة عن بيان مخالفتها للشريعة، راجياً من الله أن تجد هذه الكلمات أذناً صاغية، وقلوباً واعية، ونفوساً زاكية، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل .

وأهم ما أحدث في هذا الشهر ما يأتي:

   الاحتفال بأول السنة الهجرية، واتخاذ ذلك عيداً وعطلة .

   الفرح، والسرور، والتوسعة على الأهل والعيال في يوم عاشوراء .

   اتخاذ يوم عاشوراء يوم مأتم، وحزن، وعويل .

وسنتحدث بشيءٍ من الإيجاز عن كل واحدة من ذلك .

ã

الاحتفال بأول السنة الهجرية، واتخاذه عيداً وعطلة

ورد في فضل المحرم عامة، وعاشره وتاسعه خاصة، عدد من الأحاديث والآثار، تحث على الإكثار من الصيام في شهر الله المحرم خاصة، ويومي تاسوعاء وعاشوراء، أي التاسع والعاشر، أو العاشر والحادي عشر؛ من ذلك :

   قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل".

   وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن يوم عاشوراء، فقال: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم ـ يعني يوم عاشوراء ـ وهذا الشهر ـ يعني رمضان".

   وعن أبي قتادة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء، فقال: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".

   وصح عنه أنه قال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر".

هذا كل ما صح في هذا الشهر، أما الاحتفال في أوله بالهجرة، واتخاذ ذلك عيداً وعطلة، فهذا لم يرد فيه حديث صحيح، ولم يُؤثر عمل ذلك عن أحد ممن يقتدى بهم، من الصحابة، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ إذ لو صحَّ في ذلك حديث، أوأثر، أوفعل، لنقل إلينا، كما نقل إلينا الحث على إكثار الصيام فيه، سيما يومي عاشوراء وتاسوعاء، فإن الهمم متوفرة لنقل ذلك وحفظه والعمل به؛ وحيث لم يصلنا في ذلك خبر صحيح، ولا فعل موصول بالقرون الفاضلة، دل ذلك على عدم مشروعية الاحتفال في أول المحرم بالهجرة واتخاذ ذلك عيداً وعطلة عامة، لأن ما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً .

روى معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا شهراً عيداً ولا يوماً عيداً"، يعني غير أعياد المسلمين الثلاثة المعلومة: الجمعة من كل أسبوع، وعيد الفطر وأيام التشريق، وعيد الأضحى .

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (وأصل هذا أنه لا يشرع أن يتخذ المسلمون عيداً إلا ما جاءت به الشريعة باتخاذه عيداً وهو يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، وهي أعياد العام؛ ويوم الجمعة وهو عيد الأسبوع؛ وما عدا ذلك فاتخاذه عيداً وموسماً بدعة لا أصل له في الشريعة).

أول من سن التأريخ بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة الخليفة الراشد والإمام العادل عمر بن الخطاب، وكان ذلك في السنة السادسة عشرة من الهجرة في خلافته، وقد عمل ذلك بمشورة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وإجماعهم؛ ولو كان الاحتفال بالهجرة مشروعاً من قبلُ لما غفل عنه عمر، ولو كان سنة لفعله هو، إذ عمل الخلفاء الراشدين سنة؛ فلو كان خيراً لما غفل عنه هؤلاء الأخيار وانتبه إليه الخلوف من الأمة في القرون المتأخرة، ولو كان مشروعاً لما سبق إليه المتأخرون وتركه الأولون، فدلّ ذلك على أن الاحتفال بالهجرة واتخاذ ذلك عيداً وعطلة لا أصل له في الدين، ومن ثم فهو بدعة ومحدث، وقد أعلمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن كل بدعة ضلالة، وأن من أحدث في الدين ما ليس منه فعمله مردود عليه، لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً، بل سيؤاخذ بابتداعه هذا، وبتقليد الناس له، بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً ".

اعلم أخي المسلم أن هذا العلم دين فانظر ممن تتلقى دينك، ولا تكن إمعة تقول: إن أحسن الناس أحسنتُ وإن أساءوا أسأتُ، ولكن وطِّن نفسك على اتباع الحق، فالخير كل الخير في الاتباع، والشر كل الشر في الابتداع؛ اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.

ã

الفرح والسرور والتوسعة على العيال في يوم عاشوراء

كذلك من البدع التي أحدثها بعض المتأخرين من المسلمين: الفرح، والسرور، والتوسعة على العيال، والاختضاب، والاكتحال، والاغتسال في يوم عاشوراء؛ إذ لم يصح في ذلك كله حديث صحيح ولا ضعيف، ولم يؤثر في ذلك عمل من أحد ممن يقتدى به، فيجب علينا الانتهاء عن جميع ذلك، وأن نكتفي بصيامه كما صامه أسلافنا، وصيام التاسع معه مخالفة لأعداء الملة والدين، اليهود الملعونين على ألسنة الأنبياء والمرسلين والصالحين .

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: (وكل ما روي في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء والاختضاب والاغتسال فيه فموضوع لا يصح.

وقال: وأما التوسعة فيه على العيال، فقال حرب: سألت أحمد عن الحديث الذي جاء: "من وسَّع على أهله يوم عاشوراء"، فلم يره شيئاً؛ قال: وقول حرب أن أحمد لم يره شيئاً إنما أراد به الحديث الذي يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يصح إسناده، وقد روي من وجوه متعددة لا يصح منها شيء، وممن قال ذلك محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وقال العقيلي: هو غير محفوظ، وقد روي عن عمر من قوله، وفي إسناده مجهول لا يُعرف .

إلى أن قـال عن الأثـر: "من وسَّع على عياله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته": رواه سفيان بن عيينة، عن جعفر الأحمر، عن إبراهيم بن محمد المنتشر، وكان من أفضل أهل زمانه، أنه بلغه أنه من وسَّع على عياله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته.

قال ابن عيينة: جربناه منذ خمسين سنة أو ستين، فما رأينا إلا خيراً).

قلت: التجارب لا يحكم بها، وهي ليست مصدراً من مصادر التشريع، وإنما تثبت العبادات والأحكام الشرعية بالدليل: بالقرآن، والسنة، والإجماع؛ وقد يكون جرَّب ذلك الكثير من الناس ولم يروا الذي رآه ابن عيينة رحمه الله، فكيف تكون التجربة دليلاً لإثبات عبادة وقربى من القربات؟!

ã

اتخاذ يوم عاشوراء يوم مأتم وعويل وحزن

من البدع المنكرة والعادات الذميمة مايفعله الشيعة ـ الرافضة ـ في هذا اليوم من البكاء والعويل، وضرب الخدود، وشق الجيوب، تغطية لخذلان أسلافهم للحسين بن علي رضي الله عنهما، وتخليهم عن الدفاع عنه، بعد أن كاتبوه ووعدوه بالنصرة، كما فعلوا مع أبيه وأخيه الحسن رضي الله عنهما من قبل، بل منهم من حمل السلاح عليه وقاتله .

قال ابن رجب الحنبلي :( وأما اتخاذه مأتماً كما تفعله الرافضة لأجل قتلة الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه، فهو من عمل من ضلَّ سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً، فكيف بن دونهم ؟ ).

قلت : لقد أمرنا الله عند وقوع المصائب أن نحمد الله ونسترجع: "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".

أيُّ مصيبة حلت بالحسين؟ لقد أكرمه الله بالشهادة، وهو في أعلى الجنان، بل هو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة، بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ابتلاه الله عز وجل بذلك ليرفع درجته، ويكرم نزله، ويعلي شأنه، كما أعلى شأن أبيه وأخيه .

فالحمد لله الذي عافى أهل السنة من هذا الصنيع القبيح، ومن هذا الفعل المشين، ونسأل الله أن يديم على الرافضة الأحزان والأتراح، وأن يجعل أيامهم كلها مآتم، بسبب خذلانهم لآل البيت، وسبهم وانتقاصهم لخيار الصحابة، وما جرّوه على المسلمين من نكبات ومصائب بتعاونهم مع الكفرة والملحدين.

000000000000000000000

فضل الصيام والقيام، خاصة التاسع والعاشر  من شهر الله المحرَّم

الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وشرَّفنا بالانتساب إلى ملة خير الأنام، وجعل لساننا العربي خير وأفصح لسان، وختم بنبينا الكريم موكب الرسل والأنبياء العظام، صلّى الله وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الكرام، ورضي الله عن آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، ولعائن الله المتتاليات على من سبَّ أوانتقص أحداً منهم، سيما العُمَرَان.

وبعد..

فإن مواسم الخير على هذه الأمة كثيرة، وآلاء الله ونعمه المسداة إليها وفيرة، فهي لا تخرج من موسم إلا ويعقبه موسم آخر، ولا تقضي عبادة إلا وتنتظرها أخرى، ولا تغشاها غمة إلا وتلتها نعمة، وهكذا، فالمؤمن أمره كله خير، إن أصابته ضراء صبر، وإن أصابته سراء شكر، وليس ذلك إلا للمؤمن كما صح بذلك الخبر .

من تلك المواسم العظيمة، والفرص الغالية الثمينة، حلول شهر الله المحرم علينا، ونزوله ضيفاً كريماً معطاءاً محملاً بكثير من الجوائز والهدايا إلينا؛ ولكثرة مالهذا الشهر من الفضائل والمزايا جعله الله من الشهور المحرمة المعظمة في الجاهلية والإسلام، وأضافه لنفسه، وافتتح به أول العام.

لقد حبى الله هذه الأمة في هذا الشهر بهدايا ثلاثة كرام عظام، وهي:

الأولى : فضَّل الصوم فيه على سائر الشهور والأيام، عدا رمضان.

الثانية : وجعل قيامه بعد الفرضة أفضل القيام.

الثالثة : وجعل صيام عاشره مكفراً لما اقترفناه من الذنوب والآثام فيما مضى من العام.

ونفلنا زيادة على ذلك بصوم التاسع منه أو الحادي عشر، مخالفة ومراغمة لليهود اللئام، ومخالفتهم قربى من القربات التي يحبها الله ورسوله والصالحون من الإنس والجان.

فهنيئاً لمن وفق في هذا الشهر الكريم إلى الصيام والقيام، وأمسك عن المعاصي والآثام، وحفظ جوارحه خاصة السمع، والبصر، والفرْج، واللسان؛ وحرص على صيام عاشوراء وتاسوعاء، فإن فاته صيام التاسع مع العاشر فلا يدع صيام الحادي عشر، إحياء لسنة من قال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"، وجدد التوبة وأكثر من الخيرات .

فقد صح عنه أنه قال: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".

وعن مجيبة الباهلية عن أبيها أوعمها: "أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انطلق فأتاه بعد سنة، وقد تغيرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله أما تعرفني؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول؛ قال: فما غيَّرك، وقد كنت حسن الهيئة؟ قال: ما أكلتُ طعاماً منذ فارقتك إلا بليل؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عذبتَ نفسك! ثم قال: صم شهر الصبر، ويوماً من كل شهر"، قال: زدني؛ قال: صم من المحرم واترك، صم من المحرم واترك، صم من المحرم واترك "؛ وقال بأصابعه الثلاث فضمها، ثم أرسلها".

وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقـال: "يكفر السنة الماضية".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع".

لقد كان صيام يوم عاشوراء واجباً قبل أن يفرض رمضان، فبعدما فُرض أصبح صيامه سنة، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يصومونه، لأنه اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى وقومه من فرعون وملئه، وكان في أول أمره يحب موافقة أهل الكتاب، فلما تبين له كيدهم ومكرهم الذي كادت أن تزول منه الجبال أبغضهم، وتقرَّب إلى الله عز وجل بمخالفتهم، وعزم إن عاش لقابل ليصومنَّ التاسع مع العاشر، فقط من أجل مخالفة اليهود، ومن لم يتمكن من صوم التاسع مع العاشر صام الحادي عشر.

روى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس يرفعه: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا قبله يوماً وبعده يوماً"، وجاء في رواية "أو بعده".

قال الحـافظ ابن رجب الحنبلـي رحمه الله: (فأما أن تكـون "أو" للتخيير، أو يكـون شكاً من الراوي، هل قال: قبله أوبعده؟).

وقد ذهب الناس في صيام عاشوراء ثلاثة مذاهب ، هي :

1. يصام يوم عاشوراء فقط .

2. عاشوراء وتاسوعاء .

3. عاشوراء وتاسوعاً ويوماً بعد عاشوراء، وهذا من باب التحوط .

وكان ابن عباس يحرص على صيامه حتى في السفر، وكان يوالي بين اليومين خشية فواته، وكذلك روي عن بعض السلف أنه صام عاشوراء ويوماً قبله ويوماً بعده.

ولا يشترط لصوم عاشوراء وغيره من النوافل تبييت النية من الليل، بل من لم يطعم شيئاً له أن ينوي صيامه ولو في منتصف النهار.

والتكفير للذنوب الذي ورد في صيام عاشوراء، هل هو خاص بالصغائر أم يشمل الكبائر؟ قولان لأهل العلم، وليس على الله بعزيز أن يشمل بذلك الكبائر مع الصغائر، والله هو الموفق للخيرات والمكفر للسيئات؛ والسلام

000000000000000

فضل عشرة ذي الحجة

الحمد لله ذي العزة والكبرياء، وصلى الله وسلم وبارك على محمد خاتم الأنبياء وعلى آله وصحبه الأتقياء الأوفياء النجباء، وبعد...

فإن مواسم الخير والبركات، وأسواق الآخرة ورفع الدرجات لا تزال تترى وتتوالى على هذه الأمة المرحومة في الحياة وبعد الممات، فإنها لا تخرج من موسم إلا وتستقبل موسماً آخر، ولا تفرغ من عبادة إلا وتنتظرها أخرى، وهكذا ما ودع المسلمون رمضان حتى نفحتهم ستة شوال، وما إن ينقضى ذو القعدة إلا ويكرمون بعشرة ذي الحجة، العشرة التي أخبر الصادق المصدوق عن فضلها قائلاً: "ما من أيام العملُ الصالحُ فيها أحب إلى الله من هذه الأيام"، قالوا:  يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء".

فالعمل الصالح في عشرة ذي الحجة أحبُّ إلى الله عز وجل من العمل في سائر أيام السنة من غير استثناء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من الأنبياء والرسل والعلماء والصالحين والأيام والشهور والأمكنة، إذ لا يساويها عملٌ ولا الجهاد في سبيل الله في غيرها، إلا رجلاً خرج مجاهداً بنفسه وماله ولم يعد بشيء من ذلك البتة.

ومما يدل على فضلها تخصيص الله لها بالذكر، حيث قال عز وجل: "ويذكروا الله في أيام معلومـات"، والأيام المعلومات هي أيام العشر الأوَل من ذي الحجة، وأيام هذه العشر أفضل من لياليها عكس ليالي العشر الأواخر من رمضان فإنها أفضل من أيامها، ولهذا ينبغي أن يجتهد في نهار تلك الأيام أكثر من الاجتهاد في لياليها.

فعلى المسلم أن يعمر هذه الأيام وتلك الليالي بالأعمال الصالحة والأذكار النافعة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وليتسابق المفلحون، وليتبارى العاملون، وليجتهد المقصِّرون، وليجدّ الجادّون، وليشمِّر المشمِّرون، حيث تُضاعف فيها الحسنات، وتُرفع الدرجات، وتتنزل الرحمات، ويُتعرض فيها إلى النفحات، وتُجاب فيها الدعوات، وتُغتفر فيها الزلات، وتكفر فيها السيئات، ويُحصل فيها من فات وما فات.

فالبدار البدار أخي الحبيب ، فماذا تنتظر؟ إلا فقراً منسياً، أوغنى مطغياً، أومرضاً مفسـداً، أوهرماً مُفَنِّـداً، أوموتاً مجهزاً، أوالدجال فشر غـائب ينتظر، أوالساعـة فالساعـة أدهى وأمر، كما أخبر رسول صلى الله عليه وسلم.

فمن زرع حصد، ومن جد وجد، ومن اجتهد نجح، "ومن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة".

وهل تدري أخي أن صـاحب الصـور إسـرافيل قد التقمه ووضعه على فيه منذ أن خلـق ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فيه فينفخ، فإذا نفخ صعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ النفخـة الثانيـة بعد أربعين سنة؟!

بجانب المحافظة والمواظبة على الصلوات المفروضة، على المرء أن يجتهد ويكثر من التقرب إلى الله بجميع فضائل الأعمال فإنها مضاعفة ومباركة في هذه الأيام، سيما:

1. الصيام، فقد روى أصحاب السنن والمسانيد عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع صيام عاشوراء والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر".

وكان أكثر السلف يصومـون العشـر، منهم: عبد الله بن عمر والحسن البصري وابن سيرين وقتادة، ولهذا استحب صومها كثير من العلماء، ولا سيما يوم عرفة الذي يكفِّـر صيامه السنة الماضية والقادمة.

2. التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عمر يرفعه: "ما من أيام أعظم ولا أحب إلي الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".

3. الإكثار من تلاوة القرآن.

4. المحافظة على السنن الرواتب.

5. الاجتهاد في لياليها بالصلاة و الذكر، وكان سعيد بن جبير راوي الحديث السابق عن ابن عباس إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه، وكان يقول: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر.

6.  الصدقة وصلة الأرحام.

7. استحب قوم لمن عليه قضاء من رمضان أن يقضيه فيهن لمضاعفة الأجر فيها، وهذا مذهب عمر، وذهب عليّ إلى أن القضاء فيها يفوت فضل صيام التطوع.

8. الجهاد والمرابطة في سبيل الله.

9. نشر العلم الشرعي.

10. بيان فضل هذه الأيام وتعريف الناس بذلك.

11. تعجيل التوبة.

12. الإكثار من الاستغفار.

13. رد المظالم إلى أهلها.

14. حفظ الجوارح سيما السمع والبصر واللسان.

15. الدعاء بخيري الدنيا والآخرة لك ولإخوانك المسلمين الأحياء منهم والميتين.

16. فمن عجـز عن ذلك كله فليكف أذاه عن الآخـرين ففي ذلك أجر عظيم.

وبأي عمل آخر يحبه الله ورسوله، فأعمال الخير لا تحصى كثرة والسعيـد من وفـق لذلك، وكل ميسر لما خلق له، والمحروم من حرم هذه الأجور العظيمة والمضاعفات الكبيرة في هذه الأيام المعلومة التي نطق بفضلها القرآن ونادى بصيامها وإعمارها بالطاعات والقربات رسول الإسلام، وتسابق فيها السلف الصالح والخلف الفالح، فما لا يُدرك كله لا يُترك جلّه، فإن فاتك الحج والاعتمار فلا يفوتنك الصوم والقيام وكثرة الذكر والاستغفار.

وإن فاتك بعض هذه الأيام فعليك أن تستدرك ما بقي منها وأن تعوض ما سلف.

عليك أخي الحبيب أن تحث أهل بيتك وأقاربك ومن يليك على ذلك، وأن تنبههم وتذكرهم وتشجعهم على تعمير هذه الأيام وإحياء هذه الليالي العظام بالصيام، والقيام، وقراءة القرآن، وبالذكر، والصدقة، وبحفظ الجوارح، والإمساك عن المعاصي والآثام، فالداعي إلى الخير كفاعله، ورب مبلغ أوعى من سامع، ولا يكتمل إيمان المرء حتى يحب لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه، فالذكرى تنفع المؤمنين وتفيد المسلمين وتذكر الغافلين وتعين الذاكرين، والدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والمسلمون يدٌ على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم.

نسأل الله أن ييسرنا لليسرى، وأن ينفعنا بالذكرى، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم وبارك على خير المرسلين وحبيب رب العالمين محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين.

0000000000000000000

عيد الأضحى ما يُعمل فيه وما يُجتنب

ما ينبغي عمله في العيد

ما يحذر منه في العيد

الحمد لله الذي به تم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، صاحب المعجزات الباهرات، والكرامات الظاهرات.

وبعد ...

اعلم أخي المسلم الحبيب أن للمؤمنين في الدنيا ثلاثة أعياد لا غير، عيد يتكرر في كل أسبوع وهو يوم الجمعة، وعيدان يأتيان في كل عام مرة، وهما عيدا الفطر والأضحى، لمَّـا قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى" الحديث، فأبدلنا الله بيومي اللهو واللعب هذين يومي الذكر، والشكر، والمغفرة، والعفـو.

وكما للمؤمنين أعياد في الدنيا فلهم كذلك أعياد في الجنة، يجتمعون فيها، ويتزاورون، ويزورون ربهم الغفور الرحيم، وهي نفس أيام الأعياد الثلاثة في الدنيا: يوم الفطر، والأضحى، ويوم الجمعة الذي يدعى بيوم المزيد؛ أما الخواص فإن أيامهم كلها عيد، حيث يزورون ربهم في كل يوم مرتين بكرة وعشياً.

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (الخواص كانت أيام الدنيا كلها لهم أعياداً فصارت أيامهم في الآخرة كلها أعياداً. قال الحسن: كل يوم لا يعصي الله فيه فهو عيد ، كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه ، وذكره ، وشكره فهو له عيد).

فما الذي ينبغي علينا أن نعمله في هذا العيد، وما الذي ينبغي اجتنابه؟

ã

ما ينبغي عمله في العيد

أولاً: العيدان يثبتان بالرؤية وليس بالحساب، وهذا إجماع من أهل السنة لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين ليلة"؛ أما الصلاة فبالتقويم الشمسي.

ثانياً: استحب جماعة من أهل العلم إحياء ليلة العيد، منهم الشافعي، ولم يصحّ في ذلك حديث، وكل الآثار التي وردت في ذلك ضعيفة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن إحياء ليلة العيد أن يصلي العشاء في جماعة ويعزم أن يصلي الصبح في جماعة".

ثالثاً: التكبير، ومن السنة أن يبدأ التكبير من ليلة العيد في الأسواق، والبيوت، ودبر الصلوات المكتوبة، وفي الطريق، وقبل الصلاة؛ ويكبر الإمام أثناء الخطبة؛ وصفته: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"؛ ويستمر التكبير دبر الصلوات إلى صلاة عصر ثالث أيام التشريـق.

رابعاً: من السنة أن يغتسل لصلاة العيد، فقد روي أن علياً وابن عمر رضي الله عنهم كانا يغتسلان، وروي مالك بسند صحيح: "أن ابن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو"، أي لصلاة العيد.

خامساً: من السنة أن يلبس المسلم أحسن ثيابه ويتطيب لصلاة العيد، وفي يوم العيد، جديدة كانت الثياب أم مغسولة.

سادساً: التعجيل بصلاة العيد بعد الشروق، ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال، والسنة إخراج النسـاء، حتى الحيض، والأطفال، شريطة أن يكن متحجبات، غير متطيبات، ولا مختلطات بالرجال في الطرقات والمراكب، ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، وإن لم يلتزمن بذلك فلا يخرجن.

سابعاً: يصلي العيد جماعة، ركعتان، يكبِّر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام سبع تكبيرات ويرفع يديه فيها، ويقرأ بعد الفاتحة بسورة "ق"، ويكبِّر في الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة الرفع من السجود، ويقرأ بعد الفاتحة بسورة الواقعة، وله أن يقرأ فيها بعد الفاتحة بسبِّح والغاشية، يجهر فيهما بالقراءة؛ وحكمها أنها فرض كفاية، و قيل سنة مؤكدة.

ثامناً : لا أذان ولا إقامة لصلاة العيد ، ولا سنة قبلها ولا بعدها .

تاسعاً: تُصلى العيد في المصلى والصحارى، ولا تُصلى في المسجد إلا لضرورة، إلا في مكة المكرمـة .

عاشراً: كل تكبيرة من تكبيرات العيد سنة مؤكدة، يسجد الإمام والمنفرد للواحدة منها، وقيل لا شيء على من نسيها.

أحد عشر: المسبوق يكمل صلاته بعد سلام الإمام بكامل هيئتها، وإن جاء في الركعة الأولى أوالثانية ووجد الإمام شرع في القراءة كبر في الأولى سبعاً بعد تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمساً، ومن فاتته الصلاة صلى منفرداً، وقيل يصلي أربع ركعات.

الثاني عشر: للعيد خطبتان بعد الصلاة يجلس بينهما، يحث فيهما الإمامُ المسلمين على تقوى الله والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين أحكام الأضحية وما يتعلق بها، ويسن الاستماع إليهما.

الثالث عشر: بعد الفراغ من الصلاة والخطبة يتعجل الإمام بذبح أضحيته، وكذلك يفعل جميع الناس، ليفطروا منها، ومن لم يتمكن من الذبح في اليوم الأول ذبح في اليوم الثاني أوالثالث.

الرابع عشر: من السنة أن يرجع من العيد بطريق غير الطريق الذي جاء به.

الخامس عشر: الأضحية له أن يأكل منها، ويتصدق، ويدخر، مالم تكن هناك جائحة، ولا يحل له أن يبيع شيئاً منها.

السادس عشر: والأضحية سنة مؤكدة على الموسرين من الرجال والنساء، المقيمين والمسافرين، المتزوجين وغير المتزوجين، من الأحرار والعبيد، أما المعسر فلا حرج عليه في ذلك.

السابع عشر: يجزئ في الأضحية الجذع من الضأن، وهو ما أتم ستة أشهر؛ والثنيّ من الماعز، وهو ما أتم سنة ودخل في الثانية؛ ومن الإبل ما أتم خمساً ودخل في السادسة؛ ومن البقر ما أتم أربعاً ودخل في الخامسة؛ ويشترط فيها السلامة من العيوب، وقد نهينا أن نضحي بالعرجاء البين عرجها، والعجفاء، والعمياء، والكسيرة.

الثامن عشر: من السنة أن يصل المضحي أهله، وأرحامه، وجيرانه، وأن يصافي ويعافي من بينه وبينه شحناء.

التاسع عشر: يقال في التهنئة بالعيد: تقبل الله منا ومنك، ويقول الرادّ كذلك.

العشرون : الإكثار من ذكر الله تعالى .

الحادي والعشرون: إذا اجتمع عيد وجمعة فقد ذهب أهل العلم في صلاة الجمعة ثلاثة مذاهب:

1.  قال أكثر الفقهاء تجب الجمعة بعد العيد.

2.  تجب على الإمام فقط ، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبي هريرة رضي الله عنه: "اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون"، وقد روي مثل ذلك عن ابن عمر وابن عباس.

3.  لا تجب الجمعة على كل من صلى العيد، الإمام وغيره.

وقد روي هذا عن عمر، وعثمان، وعلي، وسعيد، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، ومن الفقهاء الشعبي، والنخعي، والأوزاعي، ودليل ذلك ما روى إياس بن أبي رملة الشامي قال: شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم: هل شهدت مع رسول الله عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعـم. قال: فكيف صنع؟ قـال: صلى العيـد، ثم رخص في الجمعة فقال: "من شاء أن يصلي فليجمع".

وقد روي عن ابن الزبير رضي الله عنهما عندما كان أميراً على الحجاز واتفق عيد وجمعة أنه صلى العيد ولم يخرج بعدُ إلا لصلاة العصر .

ã

ما يحذر منه في العيد

1.  التكلف والإسراف في شراء الملابس والأضحية، وفي صيانة البيوت وتزيينها.

2.  الاجتماع في بيوت حديثي الموت، سيما النساء، وإعادة الحزن والبكاء في هذا اليوم.

3.  زيارة القبور سيما للنساء، وقد منعهن الشارع من زيارة القبور في هذا اليوم وفي غيره.

4.  دخول الرجال الأجانب على النساء في البيوت ومصافحتهن، وربما الجلوس معهن.

5. اختلاط النساء والرجال في الحدائق العامة، والمنتزهات، وفي المركبات العامة، وكثير من النساء والبنات متبرجات متطيبات .

6.  إقامة الحفلات الغنائية وشهودها.

7.  الاشتغال بلعب الورق "الكتشينة" ونحوها.

8.  الغفلة عن ذكر الله ، خاصة صلاة الجماعة.

9.  يجب تجنب المعاصي والحذر منها ، من شرب خمر، وزنا، وسرقة، وغيبة، ونحوها.

10. شد الرحال لزيارة الأضرحة، والقباب، والموتى، وإيقاد السرج عليها، وإقامة الحوليات ونحوهـا.

11. إخراج البنات البالغات ودون البلوغ سافرات، كاسيات، عاريات، مائلات، مميلات. وقد توعد هذا الصنف بأنهن لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة".

12.  التشبه بما يفعله الكفار في أعيادهم.

13.  الصيام يوم العيد.

14.  التهاون في ترك صلاة العيد.

15.  المبالغة في السهر، خشية ضياع صلاة الصبح.

وأخيراً اعلم أخي الكريم، تقبل الله منا ومنك صالح الأعمال، اعلم أن العيد ليس لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعته تزيد، وليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب؛ في ليلة العيد تفرق خلع العتق والمغفرة على العبيد، فمن ناله منها شيء فله عيد، وإلا فهو مطرود بعيد.

0000000000000000

وداعاً يا رمضان.. يا شهر الصبر والغفران

وداعاً يا شهر القرآن، وداعاً يا شهر الصيام والقيام، وداعاً يا شهر الرحمات والبركات، وداعاً يا شهر الجود والإحسان والخيرات، وداعاً يا شهر التوبة والغفران والعتق من النيران، وداعاً يا شهر الاعتكاف والخلوات، وداعاً يا شهر الانتصارات والغزوات الفاصلات، وداعاً أيها الزائر العزيز، وداعاً أيها الضيف الكريم.

لقد انقضى رمضان وانصرمت أيامه ولياليه، لقد ربح فيه الرابحون وخسر فيه الخاسرون، فهنيئاً لمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً، ويا خيبة من ليس له من صومه إلا الجوع والعطش، وليس له من قيامه إلا السهر والتعب، هنيئاً للمقبولين، وجبر الله كسر المحرومين، وخفف مصاب المغبونين.

كان علي رضي الله عنه ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري! من هذا المقبول فنهنيه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه؟ وكذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه.

خطب عمر بن عبد العزيز يوم فطر فقال: أيها الناس: إنكم صمتم لله ثلاثين يوماً، وقمتم ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم.

من علامات القبول للصيام والقيام أن يكون حال العبد بعد الصيام أفضل من حاله قبل رمضان.

فعلينا أن نودع رمضان بالآتي

أولاً: التوبة النصوح من جميع الذنوب والآثام.

ثانياً: العزم على أن يكون حالنا بعد رمضان أفضل من حالنا قبله، فقد خاب وخسر من عرف ربه في رمضان وجهله في غيره من الشهور، فإنه عبد سوء.

ثالثاً: أن يغلب على المرء الخوف والحذر من عدم قبول العمل، روي عن علي أنه قال: كانوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: "إنما يتقبل الله من المتقين".

وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور، فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً، فلا أدري أيقبله مني أم لا؟

ورأى وهب بن الورد قوماً يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كانوا لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين.

رابعاً: أن نشكر الله عز وجل ونحمده أن بلغنا رمضان، وووفقنا فيه إلى الصيام والقيام، فقد حرم ذلك خلق كثير، والشكر يكون باجتناب المحرمات، وفعل القربات، ويكون باللسان وبالقلب.

خامساً: أن نسأله سبحانه أن يبلغنا رمضان القادم وما بعده، قال بعض السلف: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم.

سادساً: أن تعاهد الله عز وجل على نصرة هذا الدين، والذب عن سنة سيد المرسلين، والنصح للعامة والخاصة، وتنوي الغزو في سبيل الله حتى لا تموت ميتة جاهلية.

سابعاً: مواصلة الجد والمثابرة على الطاعات والإكثار من القربات، فإن الحسنات يذهبن السيئات.

ثامناً: الإكثار من ذكر هادم اللذات، ومفرق الجماعات، وميتم البنين والبنات، وتذكر أن العمر سينقضي كما انقضى رمضان، فإن الليالي مبليات لكل جديد، ومفرقات عن كل لذيذ وحبيب، فالمغرور من غرته لذة الحياة الدنيا، والغافل عن آخرته المشتغل بدنياه.

والحمد لله رب العالمين، والسلام على سيد الأولين والآخرين

000000000000000000000

تهنئة بالعيد تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

يسرني أن أتقدم بهذه التهنئة لجميع إخواني المسلمين، لكل من جمعتني بهم كلمة التوحيد، إلى رفقاء الدرب وإخوة العقيدة، السائرين على المحجة البيضاء، أتباع الحنيفية السمحاء، وأخص بالذكر طائفتين:

الأولى: الأحبة والأقارب الذين عايشناهم وعرفناهم في مكة المكرمة وغيرها من الديار.

الثانية: زوار هذا الموقع، الذين جمعتنا وإياهم النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، سيما أولئك الذين وصلونا وكتبوا إلينا شاكرين، ومادحين، ومسرورين، ونسأل الله أن نكون عند حسن ظنهم، وأن نتمكن من تقديم ما فيه خير ونفع لنا ولهم ولسائر المسلمين، ونرجو منهم أن يصلونا بالدعاء وبالمناصحة، فالمؤمن مرآة أخيه، ودعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة.

والله أسأل أن يؤلف بين قلوبنا على الخير، وأن يجعلنا إخوة متحابين متناصحين فيه، وأن يتم علينا وعلى سائر إخواننا المسلمين نعمته، وعافيته، وستره علينا في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ويسرني أن أزف إلى إخواني الكرام أن زوار الموقع في ازدياد يوماً بعد يوم، وإن قل عددهم بالنسبة لتلك المواضع الهدامة، فعزاؤنا دائماً وأبداً أن الكرام قليل، والله يبارك في القليل، وينفع باليسير، وذلك لضعف الإمكانات، وضيق ذات اليد، وعدم الدعاية له، لهذا أرجو من جميع الإخوة الزوار وغيرهم أن يدلوا غيرهم، ويرشدوا إخوانهم وزملاءهم عليه، فالدال على الخير كفاعله

0000000000000000000

حكم التهنئة بالعيد ، والصيغ الواردة في ذلك

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-

فهذه فائد قيمة مقتبسة من كتاب بعنوان ( تنوير العينين بأحكام الأضاحي والعيدين ) للشيخ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني ، حول : حكم التهنئة بالعيد والصيغ الواردة في ذلك ، مع تصرف بسيط .. والله من وراء القصد ..

من هنأ أخاه في العيدين بقوله : ( تقبل الله منا ومنكم ) ونحو ذلك ، فله قدوة ببعض الصحابة فمن دونهم .. قد وردت آثار عن بعض السلف في ذلك ، منها الصحيح وغيره ، والمرفوع لا يصح ..

ذكر ابن التركماني في الجوهر النقي حاشية البيهقي ( 3/ 320 321 ) ، قال : قلت : وفي هذا الباب أي التهنئة بالعيد حديث جيد أغفله البيهقي ، وهو حديث محمد بن زياد ، قال : كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض : ( تقبل الله منا ومنكم ) ، قال : أحمد بن حنبل : إسناده جيد . اهـ .

قال شيخنا الألباني رحمه الله في تمام المنة ( ص 356 ) : ولم يذكر من رواه وقد عزاه السيوطي لزاهر أيضاً بسند حسن عن محمد بن زياد الألهاني وهو ثقة قال .. فذكره . اهـ . وزاهر هو ابن طاهر صاحب كتاب : ( تحفة عيد الفطر ) كما ذكر شيخنا .

وقد نقل ابن قدامة في المغني (2/259) قول أحمد بتجويد سنده والله أعلم بحال من لم يُذكر من رجال هذا الأثر ، والأصل قبول قول أحمد حتى نرى خلافه ، والله أعلم .

وأخرج الأصبهاني في الترغيب والترهيب ( 1/251) عن صفوان بن عمرو السكسكي قال : سمعت عبد الله بن بُسر وعبد الرحمن بن عائذ وجبير بن نفير وخالد بن معدان ، يقال لهم في أيام الأعياد : ( تقبل الله منا ومنكم ) ، ويقولون ذلك لغيرهم . وهذا سند لابأس به .

وجاء في الفتح ( 2/446) : وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : ( تقبل الله منا ومنكم ) .

قال شيخنا الألباني رحمه الله : ولم أقف على هذا التحسين أي للحافظ في شيء من كتبه وإن كان قد أفاده بمكانه أحد طلبة العلم قال : وإنما وجدته للحافظ السيوطي في رسالته وصول الأماني في وجود التهاني ( ص 109 ) وفي نسخة مكتبتي ( ص82 ) والحاوي الجزء الأول من الحاوي للفتاوي وقد غزاه لزاهر بن طاهر في كتاب تحفة عيد الفطر ، وأبي أحمد الفرضي ، ورواه المحاملي في كتاب العيدين (2/129 ) بإسناد رجاله ثقات ، رجال التهذيب غير شيخه المهنى بن يحيى وهو ثقة نبيل كما قال الدارقطني ، وهو مترجم في تاريخ بغداد ( 13/266 268 ) ، فالإسناد صحيح ، لكن خالفه حاجب بن الوليد في إسناده ، فلم يرفعه إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : حدثنا بشر بن إسماعيل الحلبي .. وذكر ما سبق ، ثم قال : فإن صح السند بهذا إلى الحاجب ، فإن في الطريق إليه من يحتاج إلى الكشف عن خالد ، فلعل مبشر بن إسماعيل حدث بهذا وهذا ، وبخاصة أن عبد الله بن بسر هذا وهو المازني صحابي صغير ، ولأبيه صحبة ، فيبعد أن يقول هو والتابعون المذكورون معه شيئاً دون أن يتلقوه عن الصحابة ، فتكون الروايتان صحيحتين ، فالصحابة فعلوا ذلك ، فاتبعهم عليه التابعون المذكورون ، والله سبحانه وتعالى أعلم . اهـ .

أخرجه الطبراني في الدعاء ( 929 ) ثنا الحسن بن علي المعمري ، ثنا علي بن المديني ثنا أبو داود سليمان بن داود ، ثنا شعبة قال : لقيني يونس بن عبيد في يوم عيد ، فقال : تقبل الله منا ومنك . وهذا سند مسلسل بالحفاظ المكثرين ، والمعمري تُكُلِّم فيه بكلام لا يضره هنا ؛ بسبب الغرائب والله أعلم .

وسئل مالك رحمه الله : أيكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد : تقبل الله منا ومنك ، وغفر الله لنا ولك ، ويرد عليه أخوه مثل ذلك ؟ قال : لايكره . اهـ من المنتقى (1/322) .

وفي الحاوي للسيوطي (1/82) قال : وأخرج ابن حبان في الثقات عن علي بن ثابت قال سألت مالكاً عن قول الناس في العيد : تقبل الله منا منك ، فقال : مازال الأمر عندنا كذلك . اهـ .

وفي المغني (2/259) : قال علي بن ثابت : سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين سنة ، وقال : لم يزل يعرف هذا بالمدينة . اهـ .

وفي سؤالات أبي داود ( ص 61 ) قال أبو داود : سمعت أحمد سئل عن قوم قيل لهم يوم العيد : تقبل الله منا ومنكم ، قال أرجو أن لايكون به بأس . اهـ .

وفي الفروع لابن مفلح (2/150 ) قال : ولا بأس قوله لغيره : تقبل الله منا منكم ، نقله الجماعة كالجواب ، وقال : لا أبتدئ بها ، وعنه : الكل حسن ، وعنه : يكره ، وقيل له في رواية حنبل : ترى له أن يبتدئ ؟ قال : لا ونقل علي بن سعيد : ما أحسنه إلا أن يخاف الشهرة ، وفي النصحية : أنه فِعل الصحابه ، وأنه قول العلماء . اهـ .

ونحوه في المغني (2/259 ) ، وقال ابن رجب في فتح الباري (9/74) على قول أحمد : ما أحسنه إلا أن يخاف الشهرة : كأنه يشير إلى أنه يخشى أن يُشهر المعروف بالدين والعلم بذلك ، فيُقْصَد لدعائه ، فيُكره لما فيه من الشهرة . اهـ .

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (24/253) : هل التهنئة في العيد ما يجري على ألسنة الناس : عيدك مبارك ، وما أشبهه ، هل له أصل في الشريعة أم لا ؟ وإذا كان له أصل في الشريعة ، فما الذي يقال ، أفتونا مأجورين ؟

فأجاب : أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد : تقبل الله منا ومنكم ، وأحاله الله عليك ، ونحو ذلك فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه ، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره ، لكن قال أحمد : أنا لا ابتدئ أحداً ، فإن ابتدرني أحد اجبته ، وذلك ؛ لأنه جواب التحية واجب ، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمور بها ، ولا هو أيضاً مما نُهي عنه ، فمن فعله فله قدوة ، ومن تركه فله قدوة ، والله أعلم . اهـ .

وعندي : أن أمر التهنئة هو إلى العادات اقرب منه إلى العبادات ، والأصل في أمور العادات الإباحة ، حتى يرد دليل بالمنع ، بخلاف العبادات التي يحتاج المتكلم فيها إلى نقل الدليل على ما يقول ، ومعلوم أن العادات تختلف من زمان لآخر ، ومن مكان لآخر ، إلا أن أمراً ثبت عن الصحابة أو بعضهم فعله ، هو أولى من غيره ، والله أعلم .

أبو عبد الله الذهبي

------------------

حكم التهنئة بالعام الهجري

السؤال

ما حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد؟

الجواب

التهنئة بالعام الهجري الجديد من المباحات، وأفضل ما يقال في شأنها أن من هنأك ترد عليه بكلام طيب من جنس كلامه، ولا تبدأ أحداً بها.

وهذا بعينه ما روي عن أحمد في التهنئة بالعيد أنه من هنأه رد عليه، وإلا لم يبتدئه، ولا أعلم في التهنئة بالعيد شيئاً يثبت.

وقد قال أصحابنا من الحنابلة: لا بأس بقوله لغيره: تقبل الله منا ومنك، فالجواب: أي لا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضاً بما هو مستفيض بينهم، وقد يستدل لهذا من حيث العموم بمشروعية سجود الشكر، ومشروعية التعزية، وتبشير النبي صلى الله عليه وسلم- بقدوم رمضان، انظر ما رواه النسائي (2106)، وتهنئة طلحة بن عبيد الله لكعب بن مالك، وبحضرة النبي صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه، انظر ما رواه البخاري (4418) ومسلم (2769).

قال ابن تيمية رحمه الله-: قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره.

وذكر الحافظ ابن حجر مشروعيته، وثمة آثار عديدة في مثل ذلك.

قال أحمد: لا أبتدئ به، فإن ابتدأني أحد أجبته.

وذلك لأن جواب التحية واجب؛ لقوله تعالى-:"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها"الآية [النساء:86].

ولم يرد في مثل ذلك نهي، والله تعالى- أعلم.

ولا يدخل مثل هذا في باب البدع؛ لأنه من محاسن العادات وطيب الأخلاق، ولا يقصد به محض التعبد، هذا ما يظهر لي، والله أعلم.

سلمان بن فهد العودة

00000000000

السؤال

ما حكم المباركة بمناسبة العام الهجري؟ بذكر: (كل عام وأنت بخير، كل سنة وأنتم طيبون، أو غيرها من العبارات).

أفتونا مأجورين. وجزاكم الله خيراً.

 

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد..

فلا يظهر المنع من إيراد هذه الألفاظ على سبيل الدعاء، وتكون من باب الدعاء، إذا نصب فيها لفظ "كل"، وقد ذكر الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه (معجم المناهى اللفظية) ص (459) أن رفع "كل" في كل عام وأنتم بخير" لحن لا يتأدَّى به المعنى المراد من إنشاء الدعاء للمخاطب، وإنما يتأدى به الدعاء إذا فُتحت اللام من "كل"، ولذا فعلى الداعي به عدم اللحن- والله أعلم- انتهى.

وذكر الشيخ: ابن عثيمين رحمه الله في المجموع الثمين (2/226): أن قول "كل عام وأنتم بخير" جائز إذا قُصِدَ به الدعاء بالخير، - وصلى الله علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم-.

د. رشيد بن حسن الألمعي

000000000

السؤال

ما حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد؟

الجواب

الأصل في التهاني والله أعلم- أنها من باب العادات، ولكن الأولى هنا أعني في التهنئة بالعام الجديد- ألاّ يبدأ بها الإنسان؛ لأن هذا ليس من السنة، وليست الغبطة بكثرة السنين، بل الغبطة بما أمضاه العبد منها في طاعة مولاه، فكثرة السنين خير لمن أمضاه في طاعة ربه، شر لمن أمضاها في معصية الله والتمرد على طاعته، وشر الناس من طال عمره وساء عمله كما يقول شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى- في ديوان خطبه ص (702)-.

ولكن لو هُنِّئ الإنسان، فلا ينبغي له أن ينكر، بل ينبغي أن يجعل الرد بالدعاء، كأن يقول: جعل الله هذا العام عام عز ونصر للأمة الإسلامية، ونحو هذه الدعوات الطيبة والله تعالى أعلم.

عمر بن عبد الله المقبل

-------------

السؤال:

ما حكم التهنئة بمناسبة العام الهجري الجديد بقول كل عام وأنتم بخير أو بالدعاء بالبركة وكأن يرسل رسالة يدعو فيها للمرسل إليه بالخير والبركة في عامه الجديد ؟.

الجواب:

الحمد لله

سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ما حكم التهنئة بالسنة الهجرية وماذا يرد على المهنئ ؟

فأجاب رحمه الله :

إن هنّأك احد فَرُدَّ عليه ولا تبتديء أحداً بذلك هذا هو الصواب في هذه المسألة لو قال لك إنسان مثلاً نهنئك بهذا العام الجديد قل : هنئك الله بخير وجعله عام خير وبركه ، لكن لا تبتدئ الناس أنت لأنني لا أعلم أنه جاء عن السلف أنهم كانوا يهنئون بالعام الجديد بل اعلموا أن السلف لم يتخذوا المحرم أول العام الجديد إلا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انتهى

المصدر إجابة السؤال رقم 835 من اسطوانة موسوعة اللقاء الشهري والباب المفتوح الإصدار الأول اللقاء الشهري لفضيلته من إصدارات مكتب الدعوة و الإرشاد بعنيزة .

وقال الشيخ عبد الكريم الخضير في التهنئة بدخول العام الهجري :

الدعاء للمسلم بدعاء مطلق لا يتعبد الشخص بلفظه في المناسبات كالأعياد لا بأس به لا سيما إذا كان المقصود من هذه التهنئة التودّد ، وإظهار السرور والبشر في وجه المسلم . قال الإمام أحمد رحمه الله : لا ابتدئ بالتهنئة فإن ابتدأني أحد أجبته لأن جواب التحية واجب وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمورا بها ولا هو أيضا مما نهي عنه .

المصدر : الإسلام اليوم والإسلام سؤال وجواب

-------------------

حكم التهنئة بالعيد والصيغ الواردة في ذلك

المقالة : فهذه فائد قيمة مقتبسة من كتاب بعنوان ( تنوير العينين بأحكام الأضاحي والعيدين ) للشيخ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني ، حول : حكم التهنئة بالعيد والصيغ الواردة في ذلك ، مع تصرف بسيط .. والله من وراء القصد .. من هنأ أخاه في العيدين بقوله : ( تقبل الله منا ومنكم ) ونحو ذلك ، فله فهذه فائد قيمة مقتبسة من كتاب بعنوان ( تنوير العينين بأحكام الأضاحي والعيدين ) للشيخ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني ، حول : حكم التهنئة بالعيد والصيغ الواردة في ذلك ، مع تصرف بسيط .. والله من وراء القصد .. من هنأ أخاه في العيدين بقوله : ( تقبل الله منا ومنكم ) ونحو ذلك ، فله قدوة ببعض الصحابة فمن دونهم .. قد وردت آثار عن بعض السلف في ذلك ، منها الصحيح وغيره ، والمرفوع لا يصح .. ذكر ابن التركماني في الجوهر النقي حاشية البيهقي ( 3/ 320 321 ) ، قال : قلت : وفي هذا الباب أي التهنئة بالعيد حديث جيد أغفله البيهقي ، وهو حديث محمد بن زياد ، قال : كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض : ( تقبل الله منا ومنكم ) ، قال : أحمد بن حنبل : إسناده جيد . اهـ . قال شيخنا الألباني رحمه الله في تمام المنة ( ص 356 ) : ولم يذكر من رواه وقد عزاه السيوطي لزاهر أيضاً بسند حسن عن محمد بن زياد الألهاني وهو ثقة قال .. فذكره . اهـ . وزاهر هو ابن طاهر صاحب كتاب : ( تحفة عيد الفطر ) كما ذكر شيخنا . وقد نقل ابن قدامة في المغني (2/259) قول أحمد بتجويد سنده والله أعلم بحال من لم يُذكر من رجال هذا الأثر ، والأصل قبول قول أحمد حتى نرى خلافه ، والله أعلم . وأخرج الأصبهاني في الترغيب والترهيب ( 1/251) عن صفوان بن عمرو السكسكي قال : سمعت عبد الله بن بُسر وعبد الرحمن بن عائذ وجبير بن نفير وخالد بن معدان ، يقال لهم في أيام الأعياد : ( تقبل الله منا ومنكم ) ، ويقولون ذلك لغيرهم . وهذا سند لابأس به . وجاء في الفتح ( 2/446) : وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : ( تقبل الله منا ومنكم ) . قال شيخنا الألباني رحمه الله : ولم أقف على هذا التحسين أي للحافظ في شيء من كتبه وإن كان قد أفاده بمكانه أحد طلبة العلم قال : وإنما وجدته للحافظ السيوطي في رسالته وصول الأماني في وجود التهاني ( ص 109 ) وفي نسخة مكتبتي ( ص82 ) والحاوي الجزء الأول من الحاوي للفتاوي وقد غزاه لزاهر بن طاهر في كتاب تحفة عيد الفطر ، وأبي أحمد الفرضي ، ورواه المحاملي في كتاب العيدين (2/129 ) بإسناد رجاله ثقات ، رجال التهذيب غير شيخه المهنى بن يحيى وهو ثقة نبيل كما قال الدارقطني ، وهو مترجم في تاريخ بغداد ( 13/266 268 ) ، فالإسناد صحيح ، لكن خالفه حاجب بن الوليد في إسناده ، فلم يرفعه إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : حدثنا بشر بن إسماعيل الحلبي .. وذكر ما سبق ، ثم قال : فإن صح السند بهذا إلى الحاجب ، فإن في الطريق إليه من يحتاج إلى الكشف عن خالد ، فلعل مبشر بن إسماعيل حدث بهذا وهذا ، وبخاصة أن عبد الله بن بسر هذا وهو المازني صحابي صغير ، ولأبيه صحبة ، فيبعد أن يقول هو والتابعون المذكورون معه شيئاً دون أن يتلقوه عن الصحابة ، فتكون الروايتان صحيحتين ، فالصحابة فعلوا ذلك ، فاتبعهم عليه التابعون المذكورون ، والله سبحانه وتعالى أعلم . اهـ . أخرجه الطبراني في الدعاء ( 929 ) ثنا الحسن بن علي المعمري ، ثنا علي بن المديني ثنا أبو داود سليمان بن داود ، ثنا شعبة قال : لقيني يونس بن عبيد في يوم عيد ، فقال : تقبل الله منا ومنك . وهذا سند مسلسل بالحفاظ المكثرين ، والمعمري تُكُلِّم فيه بكلام لا يضره هنا ؛ بسبب الغرائب والله أعلم . وسئل مالك رحمه الله : أيكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد : تقبل الله منا ومنك ، وغفر الله لنا ولك ، ويرد عليه أخوه مثل ذلك ؟ قال : لايكره . اهـ من المنتقى (1/322) . وفي الحاوي للسيوطي (1/82) قال : وأخرج ابن حبان في الثقات عن علي بن ثابت قال سألت مالكاً عن قول الناس في العيد : تقبل الله منا منك ، فقال : مازال الأمر عندنا كذلك . اهـ . وفي المغني (2/259) : قال علي بن ثابت : سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين سنة ، وقال : لم يزل يعرف هذا بالمدينة . اهـ . وفي سؤالات أبي داود ( ص 61 ) قال أبو داود : سمعت أحمد سئل عن قوم قيل لهم يوم العيد : تقبل الله منا ومنكم ، قال أرجو أن لايكون به بأس . اهـ . وفي الفروع لابن مفلح (2/150 ) قال : ولا بأس قوله لغيره : تقبل الله منا منكم ، نقله الجماعة كالجواب ، وقال : لا أبتدئ بها ، وعنه : الكل حسن ، وعنه : يكره ، وقيل له في رواية حنبل : ترى له أن يبتدئ ؟ قال : لا ونقل علي بن سعيد : ما أحسنه إلا أن يخاف الشهرة ، وفي النصحية : أنه فِعل الصحابه ، وأنه قول العلماء . اهـ . ونحوه في المغني (2/259 ) ، وقال ابن رجب في فتح الباري (9/74) على قول أحمد : ما أحسنه إلا أن يخاف الشهرة : كأنه يشير إلى أنه يخشى أن يُشهر المعروف بالدين والعلم بذلك ، فيُقْصَد لدعائه ، فيُكره لما فيه من الشهرة . اهـ . وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (24/253) : هل التهنئة في العيد ما يجري على ألسنة الناس : عيدك مبارك ، وما أشبهه ، هل له أصل في الشريعة أم لا ؟ وإذا كان له أصل في الشريعة ، فما الذي يقال ، أفتونا مأجورين ؟ فأجاب : أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد : تقبل الله منا ومنكم ، وأحاله الله عليك ، ونحو ذلك فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه ، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره ، لكن قال أحمد : أنا لا ابتدئ أحداً ، فإن ابتدرني أحد اجبته ، وذلك ؛ لأنه جواب التحية واجب ، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمور بها ، ولا هو أيضاً مما نُهي عنه ، فمن فعله فله قدوة ، ومن تركه فله قدوة ، والله أعلم . اهـ .

0000000000000000000

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 1 / ص 3001)

رقم الفتوى 6747 صيغة التهنئة بالعيد ومايقوم مقامها

تاريخ الفتوى : 28 شوال 1421

السؤال

ماذا كان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عند ما يقابل أهله وأصحابه يوم العيد؟ وهل يجوز استعمال العبارات الآتية : كل سنة وأنتم بخير وعساكم من عواده إلى آخر العبارات المتداولة حالياً؟.

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالتهنئة بالعيد مشروعة عند جمهور الفقهاء ، واستدلوا لجوازها بحديث محمد بن زياد قال : كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنكم. قال ابن عقيل الحنبلي قال أحمد : إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد. ولا مانع من قول غيرها : كمبارك عليكم العيد ، وجعلكم الله من عواده وغيرها مما جرت به عادة الناس بالتهنئة بالعيد ، إذ المقصود منها التودد وإظهارالسرور. والله أعلم .

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

-------------

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 2 / ص 5965)

رقم الفتوى 19781 تهاني ودعوات وعبارات تقول في مناسبات

تاريخ الفتوى : 16 جمادي الأولى 1423

السؤال

تعارفنا على قول ( تقبل الله ) والرّد بقول ( تقبل الله منّا ومنكم صالح الأعمال ) أو ( حرماً ) والرّد بقول ( جمعاً ) بعد نهاية كل صّلاة، وكذلك قول ( كل عام وأنتم بخير ) و( مبارك عيدكم ) وغيرها عند التهاني للأعياد، وكذلك قول ( عظّم الله أجركم ) والرّد بقول ( شكر الله سعيكم ) عند العزاء، وكذلك قول ( زمزم ) والرّد بقول ( أجمعين ) بعد الوضوء ..... ماهو الهدي النبوي في العزاء والأعياد والدعاء للمصلّي والمتوضّي ؟

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالسنة في العزاء والأعياد وغيرهما هي على النحو التالي:

1- ففي العزاء يقول المعزي: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، لما في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن ابنا لي قبض فأتنا فأرسل يقرئ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى).

وعلى المعزي أن يؤمِّن على ما عزى به ويقول: للمعزي آجرك الله..وإن حصل مع ذلك مصافحة فلا حرج.

2- وفي التهنئة بالعيد يقول: تقبل منا ومنك. وذلك لما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل منا ومنك).

ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لأصحابه بعد الصلاة ولا بعد الوضوء، ولم يؤثر عنه شيء من ذلك، لا "حرماً" ولا "زمزم" وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها. ولا شك أن التزام هذه العبارت على وجه التعبد من الأمور المحدثة المذموم، المردودة على صاحبه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة). رواه مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). متفق عليه، أما قول ذلك مرة من غير التزام فلعله والله تعالى أعلم مما لا حرج فيه.

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

---------------

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 3 / ص 70)

رقم الفتوى 20065 تهنئة العيد الشرعية، والسنة في قول المعزي

تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420

السؤال

تعارفنا على قول ( تقبل الله ) والرّد بقول ( تقبل الله منّا ومنكم صالح الأعمال ) أو ( حرماً ) والرّد بقول ( جمعاً ) بعد نهاية كل صّلاة، وكذلك قول ( كل عام وأنتم بخير ) و( مبارك عيدكم ) وغيرها عند التهاني للأعياد، وكذلك قول ( عظّم الله أجركم ) والرّد بقول ( شكر الله سعيكم ) عند العزاء، وكذلك قول ( زمزم ) والرّد بقول ( أجمعين ) بعد الوضوء ..... ماهو الهدي النبوي في العزاء والأعياد والدعاء للمصلّي والمتوضّي ؟

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العزاء والأعياد وغيرهما هو على النحو التالي:

1- ففي العزاء يقول المعزي: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، لما في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن ابنا لي قبض فأتنا فأرسل يقرئ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.

وعلى المعزي أن يؤمِّن على ما عزى به ويقول: للمعزي آجرك الله..وإن حصل مع ذلك مصافحة فلا حرج.

2- في التهنئة بالعيد يقول: تقبل منا ومنك. وذلك لما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل منا ومنك.

ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لأصحابه بعد الصلاة ولا بعد الوضوء، ولم يؤثر عنه شيء من ذلك، لا "حرماً" ولا "زمزم" وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها. ولا شك أن التعبد بالأمور المحدثة مذموم، مردود على صاحبه، لقوله صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة. رواه مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه.

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

0000000000000

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 4 / ص 2912)

رقم الفتوى 32662 السنة والعام اسمان مترادفان معناهما واحد

تاريخ الفتوى : 26 ربيع الأول 1424

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنتم بخير وجزاكم الله عنا وعن الأمة الإسلامية كل خير الرجاء التكرم من سيادتكم بموافاتنا بالفرق بين أن يقول المسلم للمسلم كل سنة وأنت طيب وأن يقول له كل عام وأنت بخير وأيهما أفضل من القرآن والسنة ورداً شاملاً أفادكم الله وجزاكم الله عنا كل خير حيث ذكر (تزرعون سبع سنين دأباً) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى مشروعية التهنئة بالعيد، لأنها مشاركة من المسلم أخيه المسلم في ما يسره ويرضيه، ولما فيها من التوادد والتراحم والتعاطف بين المسلمين.

قال صاحب الدر المختار: إن التهنئة بالعيد بلفظ يتقبل الله منا ومنكم لا ينكر.

وقال صاحب حاشية قليوبي: التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام قال ابن حجر مندوبة ويستأنس لها بطلب سجود الشكر عند النعمة وبقصة كعب وصاحبيه وتهنئة أبي طلحة له.

ونقل في الموسوعة عن ابن أمير حاج قوله: الأشبه أنها -يعني التهنئة بالعيد- جائزة مستحبة في الجملة ثم ساق آثاراً عن الصحابة... إلى أن قال: والمتعامل في البلاد الشامية والمصرية عيد مبارك عليك ونحوه، وقال: يمكن أن يلحق بذلك في المشروعية والاستحباب لما بينهما من التلازم.

وعلى هذا، فلا مانع من التهنئة عند سببها بما يدل على المراد بأي لفظ من الألفاظ الواردة في السؤال وغيرها من الألفاظ المشابهة، سواء قيل كل سنة وأنت بخير، أو كل عام وأنت طيب، لا فرق بين هذين اللفظين، والسنة والعام اسمان مترادفان معناهما واحد يفسر كل واحد منهما بالآخر، والتعبير في الآية التي أشار إليها السائل بالسنين مرة وبالعام مرة أخرى لا علاقة له بالموضوع.

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

000000000000000

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 7 / ص 5109)

رقم الفتوى 56180 المصافحة سنة عند اللقاء

تاريخ الفتوى : 12 شوال 1425

السؤال

ما حكم المصافحة بعد الصلاة المشروعة في المسجد وخاصة أيام العيد (مرور يوم على العيد)؟

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمصافحة بعد الصلوات الخمس لم يدل دليل على مشروعيتها، بل كرهها بعض أهل العلم كالشيخ عز الدين بن عبد السلام ، كما في الفتوى رقم: 8063 .

والمصافحة يوم العيد إذا كانت بسبب لقاء بين اثنين فهي سنة، قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى: الذي دلت عليه صرائح السنة وصرح به النووي وغيره أنه حيث وجد تلاق بين اثنين سن لكل منهما أن يصافح الآخر وحيث لم يوجد ذلك بأن ضمهما نحو مجلس ولم يتفرقا لا تسن، سواء في ذلك المصافحة التي تفعل عقب الصلاة ولو يوم العيد أو الدرس وغيرهما، بل متى وجد منهما تلاق ولو بحيلولة شيء بين اثنين بحيث يقطع أحدهما عن الآخر سنت وإلا لم تسن . نعم التهنئة بالعيد والشهور سنة كما ذكره بعض أئمتنا واستدل له، ولا يلزم من ندبها ندب المصافحة فيها . انتهى

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

000000000000000

فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 9 / ص 1378)

رقم الفتوى 71571 التهنئة بقدوم العام الهجري وختمه بالصيام

تاريخ الفتوى : 10 محرم 1427

السؤال

فضيلة الشيخ: عبد الله الفقيه رئيس القسم الشرعي بالشبكة الإسلامية حفظه الله

الرجاء بيان حكم الأمور التالية بفتوى شرعية تصدر من فضيلتكم باسم الشبكة الإسلامية... وجزاكم الله كل خير.

أولاً: انتشر في الفترة الأخيرة في أوساط الناس إرسال رسائل عبر الهواتف النقالة فحواها الحث على ختم العام الهجري بالصيام أو أي عبادة شرعية بنية طي صفحة العام الهجري بعمل صالح.

ثانياً: ما صاحب هذه الرسالة من تهنئة بالعام الهجري الجديد.

ثالثاً: ما يفعله بعض المسلمين عند نزول نازلة بالمسلمين من الحض على صيام جماعي أو قيام ليلة معينة لتوحيد الدعاء عقب الصيام وعند الإفطار أو في القيام.... أفتونا مأجورين؟ وجزاكم الله خيراً، وبارك في علمكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين.

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليعلم أولاً: أنه ينبغي للمسلم أن يقف من مرور الأيام والسنين موقف العظة والعبرة، فإن كل ساعة تمر تخصم من عمره وتدنيه من أجله، والمسلم مسؤول عن كل لحظة من عمره فيم قضاها وأين أمضاها، قال الله تعالى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ {فاطر:37}، وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ .

وأما جواب هذه الأسئلة المذكورة فنجمله في النقطتين التاليتين:

النقطة الأولى: أن التذكير بالخير، والتعبد لله تعالى بشتى أنواع العبادات من صوم وصلاة وقيام ودعاء وغيرها من الأمور المشروعة في أصلها، ولكن يبقى النظر في تخصيص وقت معين بشيء من هذه الأمور مع عدم ورود دليل شرعي على هذا التخصيص، ولعل من المناسب أن ننقل هنا ما ذكره الشاطبي في كتابه الاعتصام وهو يتحدث عن البدع الإضافية، فقد قال رحمه الله تعالى: ومنها : التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد.... ومنها التزام العبادة المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة . انتهى.

ومن هنا نقول إنه ينبغي للمسلم اجتناب تخصيص العام الهجري بشيء من العبادات، فكل خير في اتباع من سلف.

وننبه إلى أن المشروع عند حدوث النوازل القنوت أدبار الصلوات، روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة، إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة، يدعو على أحياء من بني سليم، على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه .

النقطة الثانية: أن التهنئة بما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة من محاسن العادات فلا ينكر على من فعلها ولا على من تركها، والأصل في العادات الإباحة، وقد ذكر أهل العلم أن العادات يلتفت فيها إلى المعاني، ومعلوم أن المقصود بالتهنئة التودد وإظهار السرور، ولذا قد ورد عن السلف التهنئة عند حدوث ما يسر كما في تهنئة طلحة لكعب رضي الله عنهما في قصة توبته، وكان ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في جواب سؤال عن حكم التهنئة بالعيد ما نصه: قال أحمد: أنا لا أبتدئ أحداً، فإن ابتدأني أحد أجبته، وذلك لأن جواب التحية واجب، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأموراً بها، ولا هو أيضاً مما نهي عنه، فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة. والله أعلم . انتهى.

وبمثل ما ورد عن الإمام أحمد كان جواب الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين على سؤال عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد، فقال: إن هنأك أحد.. فرُدَّ عليه ولا تبتدئ أحداً بذلك، هذا هو الصواب في هذه المسألة، لو قال لك إنسان مثلاً: نهنئك بهذا العام الجديد قل: هنأك الله بخير وجعله عام خير وبركة... .

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

00000000000000

يسألونك فتاوى - (ج 2 / ص 68)

التهنئة بحلول العيد

يقول السائل : كيف تكون التهنئة بحلول العيد ؟

الجواب : إن أصل التهنئة مشروع في الجملة فقد ثبت في الحديث الصحيح في قصة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تاب الله عليه بعد تخلفه عن غزوة تبوك حيث ورد في قصة توبته :( قال سمعت صوت صارخ يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك ، أبشر فذهب الناس يبشروننا وأنطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم - أقصده - يتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنؤني بالتوبة ويقولون : ليهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني وكان كعب لا ينساها لطلحة قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ) رواه البخاري ومسلم .

وهذا الحديث في التهنئة بشكل عام وأما التهنئة بالعيد والدعاء فيه فقد ورد في الحديث عن محمد بن زياد قال :[ كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض يتقبل الله منا ومنك ] قال الإمام أحمد بن حنبل إسناده إسناد جيد وجوَّده أيضاً العلامة ابن التركماني ، الجوهر النقي 3/319 .

ونقل ابن قدامة عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال :[ ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد تقبل الله منا ومنك ].

وقال حرب :[ سئل أحمد عن قول الناس في العيدين : تقبل الله منا ومنكم قال : لا بأس به يرويه أهل الشام عن أبي أمامة قيل وواثلة بن الأسقع ؟ قال : نعم ، قيل فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد : قال : لا ] المغني 2/295-296 .

وسئل الإمام مالك عن قول الرجل لأخيه يوم العيد تقبل الله منا ومنك يريد الصوم فقال : ما أعرفه ولا أنكره ، قال ابن حبيب المالكي معناه لا يعرفه سنة ولا ينكره على من يقوله لأنه قول حسن ولأنه دعاء .

وقد عقد الإمام البيهقي باباً في سننه الكبرى بعنوان :[ باب ما روي في قول الناس يوم العيد بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك ].

ثم ساق فيه بعض الأحاديث الواردة في ذلك وضعّفها وساق فيه أيضاً أثراً عن عمر بن عبد العزيز فقال :[ عن أدهم مولى عمر بن عبد العزيز قال : كنا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيد تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنين فيرد علينا ولا ينكر ذلك علينا ] سنن البيهقي 3/319 .

وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فلا بأس أن يعمل بها في مثل هذا الأمر الذي يعد من فضائل الأعمال وخاصة إذا أضفنا إليها الحديث الذي لم يذكره البيهقي وهو حديث أبي أمامة المذكور سابقاً ، وخلاصة الأمر أنه لا بأس أن يقال في التهنئة بالعيد تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال أو نحوها من العبارات

000000000000

فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 13 / ص 10)

التهنئة بالعيد

س: الأخ: ص.م.م. من واشنطن ، يقول في سؤاله: يقول الناس في تهنئة بعضهم البعض يوم العيد ( تقبل الله منا ومنكم الأعمال الصالحة ) أليس من الأفضل يا سماحة الوالد أن يدعو الإنسان بتقبل جميع الأعمال ، وهل هناك دعاء مشروع في مثل هذه المناسبة؟

ج: لا حرج أن يقول المسلم لأخيه في يوم العيد أو غيره تقبل الله منا ومنك أعمالنا الصالحة ، ولا أعلم في هذا شيئا منصوصا ، وإنما يدعو المؤمن لأخيه بالدعوات الطيبة؛ لأدلة كثيرة وردت في ذلك. والله الموفق .

من ضمن الأسئلة الموجهة من ( المجلة العربية ) .

00000000000

الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 4927)

«ثالثاً : التّهنئة بالعيد والأعوام والأشهر»

10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعيّة التّهنئة بالعيد من حيث الجملة.

فقال صاحب الدّرّ المختار - من الحنفيّة - إنّ التّهنئة بالعيد بلفظ « يتقبّل اللّه منّا ومنكم » لا تنكر.

وعقّب ابن عابدين على ذلك بقوله : إنّما قال - أي صاحب الدّرّ المختار - كذلك لأنّه لم يحفظ فيها شيء عن أبي حنيفة وأصحابه ، وقال المحقّق ابن أمير حاجّ : بل الأشبه أنّها جائزة مستحبّة في الجملة ، ثمّ ساق آثارا بأسانيد صحيحة عن الصّحابة في فعل ذلك ، ثمّ قال : والمتعامل في البلاد الشّاميّة والمصريّة : عيد مبارك عليك ونحوه ، وقال : يمكن أن يلحق بذلك في المشروعيّة والاستحباب لما بينهما من التّلازم ، فإنّ من قبلت طاعته في زمان كان ذلك الزّمان عليه مباركا ، على أنّه قد ورد الدّعاء بالبركة في أمور شتّى فيؤخذ منه استحباب الدّعاء بها هنا أيضا.

أمّا عند المالكيّة فقد سئل الإمام مالك عن قول الرّجل لأخيه يوم العيد : تقبّل اللّه منّا ومنك يريد الصّوم وفعل الخير الصّادر في رمضان ،وغفر اللّه لنا ولك فقال : ما أعرفه ولا أنكره.

قال ابن حبيب : معناه لا يعرفه سنّة ولا ينكره على من يقوله ، لأنّه قول حسن لأنّه دعاء ، حتّى قال الشّيخ الشّبيبيّ يجب الإتيان به لما يترتّب على تركه من الفتن والمقاطعة.

ويدلّ لذلك ما قالوه في القيام لمن يقدم عليه ، ومثله قول النّاس لبعضهم في اليوم المذكور : عيد مبارك ، وأحياكم اللّه لأمثاله ، لا شكّ في جواز كلّ ذلك بل لو قيل بوجوبه لما بعد ، لأنّ النّاس مأمورون بإظهار المودّة والمحبّة لبعضهم.

أمّا الشّافعيّة فقد نقل الرّمليّ عن القموليّ قوله : لم أر لأصحابنا كلاما في التّهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله النّاس ، لكن نقل الحافظ المنذريّ عن الحافظ المقدسيّ أنّه أجاب عن ذلك بأنّ النّاس لم يزالوا مختلفين فيه ،والّذي أراه أنّه مباح لا سنّة فيه ولا بدعة.

ثمّ قال الرّمليّ : وقال ابن حجر العسقلانيّ : إنّها مشروعة ، واحتجّ له بأنّ البيهقيّ عقد لذلك بابا فقال : باب ما روي في قول النّاس بعضهم لبعض في يوم العيد : تقبّل اللّه منّا ومنك ، وساق ما ذكره من أخبار وآثار ضعيفة لكن مجموعها يحتجّ به في مثل ذلك ، ثمّ قال : ويحتجّ لعموم التّهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة بمشروعيّة سجود الشّكر والتّعزية ، وبما في الصّحيحين عن كعب بن مالك في قصّة توبته لمّا تخلّف عن غزوة تبوك أنّه لمّا بشّر بقبول توبته ومضى إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قام إليه طلحة بن عبيد اللّه فهنّأه.

وكذلك نقل القليوبيّ عن ابن حجر أنّ التّهنئة بالأعياد والشّهور والأعوام مندوبة.

قال البيجوريّ : وهو المعتمد.

وجاء في المغني لابن قدامة : قال أحمد رحمه الله : ولا بأس أن يقول الرّجل للرّجل يوم العيد : تقبّل اللّه منّا ومنك ، وقال حرب : سئل أحمد عن قول النّاس في العيدين : تقبّل اللّه منّا ومنكم قال : لا بأس به ، يرويه أهل الشّام عن أبي أمامة ، قيل : وواثلة بن الأسقع ؟ قال : نعم ، قيل : فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد ؟ قال : لا.

وذكر ابن عقيل في تهنئة العيد أحاديث منها أنّ محمّد بن زياد قال : كنت مع أبي أمامة الباهليّ وغيره من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض : تقبّل اللّه منّا ومنك ، وقال أحمد : إسناد حديث أبي أمامة جيّد.

-----------------------

الخلاصة في أحكام العيد

وفي الموسوعة الفقهية :

عِيد *

التّعريف :

1 - العيد لغةً مشتقّ من العود ، وهو الرّجوع والمعاودة لأنّه يتكرّر .

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ ، وهو يومان : يوم الفطر من رمضان وهو أوّل يوم من شوّال ، ويوم الأضحى وهو اليوم العاشر من ذي الحجّة ، ليس للمسلمين عيد غيرهما .

الأحكام المتعلّقة بالعيد :

تتعلّق بالعيد أحكام منها :

أ - صلاة العيد :

2 - اختلف الفقهاء في حكم صلاة العيد .

فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّها سنّة مؤكّدة ، لحديث الأعرابيّ « الّذي ذكر له النّبيّ صلى الله عليه وسلم الصّلوات الخمس فقال : هل عليَّ غيرهنّ ؟ قال : لا ، إلاّ أن تطّوّع » .

وذلك مع فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم لها ومداومته عليها .

وذهب الحنفيّة - على المفتى به عندهم - إلى أنّها واجبة ، لمواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليها من دون تركها ولو مرّةً ؛ ولأنّها تؤدّى بجماعة ، فلو كانت سنّةً ولم تكن واجبةً لاستثناها الشّارع ، كما استثنى التّراويح وصلاة الخسوف .

وذهب الحنابلة إلى أنّها فرض كفاية لقوله تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } ولمداومة النّبيّ صلى الله عليه وسلم على فعلها .

والتّفصيل في مصطلح ( صلاة العيدين ف /2 وما بعدها ) .

ب - التّكبير في العيدين :

3 - التّكبير في العيدين يكون في أثناء الصّلاة وفي الطّريق إليها وبعد انقضائها .

أمّا التّكبير في الغدوّ إليها ، فقد ذهب الفقهاء إلى مشروعيّته عند الغدوّ إلى الصّلاة في المنازل والأسواق والطّرق إلى أن تبدأ الصّلاة .

وتفصيل ذلك في مصطلح : ( صلاة العيدين ف /13 ) .

أمّا التّكبير في أثناء صلاة العيد ( التّكبيرات الزّوائد ) فهي سنّة عند جمهور الفقهاء ، واجبة عند الحنفيّة .

وفي بيان عدد هذه التّكبيرات وموضعها في الصّلاة اختلاف وتفصيل ينظر في مصطلح :

( صلاة العيدين ف /11 ، 12 ) .

أمّا التّكبير في أدبار الصّلاة فلا خلاف بين الفقهاء في مشروعيّته في أيّام التّشريق ، وهو مندوب عند جمهور الفقهاء ، واجب عند الحنفيّة .

وللتّفصيل في صفة تكبير التّشريق ووقته ومحلّ أدائه ينظر مصطلح : ( أيّام التّشريق ف/ 13 ) .

ج - الأضحيّة في العيد :

4 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة الأضحيّة في عيد الأضحى ، واختلفوا في حكمها .

فذهب الجمهور إلى أنّها سنّة وقال الحنفيّة بوجوبها .

وفي بيان شروطها وأحكامها ووقتها اختلاف وتفصيل ينظر في مصطلح : ( أضحيّة ف /7 وما بعدها ) .

د - ما يستحبّ فعله في العيدين :

5 - يستحبّ إحياء ليلتي العيد بطاعة اللّه تعالى من ذكر وصلاة وتلاوة وتكبير وتسبيح واستغفار ، لحديث « من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى محتسباً لم يمت قلبه يوم تموت القلوب » .

ويستحبّ الغسل للعيد لما روى ابن عبّاس والفاكه بن سعد رضي الله عنهم « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر والأضحى » ولأنّه يوم يجتمع النّاس فيه للصّلاة فاستحبّ الغسل فيه كيوم الجمعة ، وإن اقتصر على الوضوء أجزأه ، ويستحبّ أن يتزيّن ويتنظّف ويحلق شعره ويلبس أحسن ما يجد ويتطيّب ويتسوّك ، لما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يلبس في  العيدين بردي حبرة » . وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم « ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوب مهنته لجمعته أو لعيده » ،وقال مالك : سمعت أهل العلم يستحبّون الطّيب والزّينة في كلّ عيد ، والإمام بذلك أحقّ ، لأنّه منظور إليه من بينهم . وأفضل ألوان الثّياب البياض ، فعلى هذا إن استوى ثوبان في الحسن والنّفاسة فالأبيض أفضل ، فإن كان الأحسن غير أبيض فهو أفضل من الأبيض في هذا اليوم .

فإن لم يجد إلاّ ثوباً استحبّ أن يغسله للعيد .

ويستوي في استحباب تحسين الثّياب والتّنظيف والتّطيّب وإزالة الشّعر والرّائحة الكريهة ، الخارج إلى الصّلاة والقاعد في بيته ، لأنّه يوم الزّينة فاستووا فيه ، وهذا في حقّ غير النّساء .

وأمّا النّساء إذا خرجن فإنّهنّ لا يتزيّنّ ، بل يخرجن في ثياب البذلة ، ولا يلبسن الحسن من الثّياب ولا يتطيّبن لخوف الافتتان بهنّ ، وكذلك المرأة العجوز وغير ذوات الهيئة يجري ذلك في حكمها ، ولا يخالطن الرّجال بل يكنّ في ناحية منهم .

ويستحبّ تزيين الصّبيان ذكوراً كانوا أو إناثاً بالمصبّغ وبحليّ الذّهب ولبس الحرير في العيد، قال النّوويّ : اتّفقوا على إباحة تزيينهم بالمصبّغ وحليّ الذّهب والفضّة يوم العيد لأنّه يوم زينة ، وليس على الصّبيان تعبّد فلا يمنعون لبس الذّهب وغيره ، وأمّا في غير يوم العيد ففي تحليتهم بالذّهب ولباسهم الحرير ثلاثة أوجه ، أصحّها : جوازه . والثّاني : تحريمه ، والثّالث : جوازه قبل سبع سنين ومنعه بعدها .

وتستحبّ العمامة في العيد .

هـ - التّهنئة بيوم العيد :

6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعيّة التّهنئة بالعيد من حيث الجملة .

وللتّفصيل انظر مصطلح ( تهنئة ف /10 ) .

و - التّزاور في العيدين :

7 - التّزاور مشروع في الإسلام ، وقد ورد ما يدلّ على مشروعيّة الزّيارة في العيد ، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : « دخل عليّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنّيان بغناء بعاث ، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني ، وقال مزمار الشّيطان عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم ؟ فأقبل عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال : دعهما » زاد في رواية هشام : « يا أبا بكر إنّ لكلّ قوم عيداً ، وهذا عيدنا » قال في الفتح : قوله : « وجاء أبو بكر " وفي رواية هشام بن عروة " دخل عليّ أبو بكر " وكأنّه جاء زائراً لها بعد أن دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم بيته .

ونقل في فتح الباري في الحكمة من مخالفته صلى الله عليه وسلم الطّريق يوم العيد أقوالاً منها : ليزور أقاربه من الأحياء والأموات ولم يضعّفه كما فعل مع بعضها ومثله في عمدة القاريّ ، وذلك تعليقاً على حديث جابر رضي الله عنه « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطّريق » .

ز - الغناء واللّعب والزّفن يوم العيد :

8 - يجوز الغناء واللّعب والزّفن في أيّام العيدين ، لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: « دخل عليّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنّيان بغناء بعاث ، فاضطجع على الفراش ، وحوّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني ، وقال : مزمار الشّيطان عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم ؟ فأقبل عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال : دعهما. فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا ، وكان يوم عيد يلعب السّودان بالدّرق والحراب ، فإمّا سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وإمّا قال : تشتهين تنظرين ؟ فقلت نعم ، فأقامني وراءه ، خدّي على خدّه ، وهو يقول : دونكم يا بني أرفدة ، حتّى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت نعم ، قال : فاذهبي »

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « بينما الحبشة يلعبون عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بحرابهم إذ دخل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : دعهم يا عمر » .

وعن أنس رضي الله عنه : « كانت الحبشة يزفنون بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويرقصون ويقولون : محمّد عبد صالح ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : ما يقولون ؟ قالوا : يقولون : محمّد عبد صالح » .

ح - زيارة المقابر في العيد :

9 - تستحبّ في العيد زيارة القبور والسّلام على أهلها والدّعاء لهم ، لحديث : « نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها » وفي رواية « فإنّها تذكّر الآخرة » وحديث أبي هريرة مرفوعاً: « زوروا القبور فإنّها تذكّر الموت » .

وكره زيارتها ابن سيرين وإبراهيم النّخعيّ والشّعبيّ .

ط - عظة النّساء :

10 - يستحبّ وعظ النّساء بعد صلاة العيد ، وتعليمهنّ أحكام الإسلام ، وتذكيرهنّ بما يجب عليهنّ ، ويستحبّ حثّهنّ على الصّدقة ، وتخصيصهنّ بذلك في مجلس منفرد ، ومحلّ ذلك كلّه إذا أمنت الفتنة والمفسدة " قال ابن جريج : أخبرني عطاء عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال : سمعته يقول « قام النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلّى ، فبدأ بالصّلاة ثمّ خطب ، فلمّا فرغ نزل فأتى النّساء ، فذكّرهنّ وهو يتوكّأ على يد بلال ، وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النّساء الصّدقة » قلت : " يعني ابن جريج لعطاء " أترى حقّاً على الإمام ذلك ويذكّرهنّ ؟ قال : إنّه لحقّ عليهم ، ومالهم لا يفعلونه ؟  قال في الفتح : ظاهره أنّ عطاءً كان يرى وجوب ذلك ، ولهذا قال عياض : لم يقل بذلك غيره ، وأمّا النّوويّ فحمله على الاستحباب ، وقال : لا مانع من القول به إذا لم يترتّب على ذلك مفسدة .

---------------

سنن العيدين

وسُمي العيد عيدًا لعوده وتكرره, وقيل: لعود السرور فيه, وقيل: تفاؤلا بعوده على من أدركه، كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤلا لقفولها سالمة, وهو رجوعها. [ شرح صحيح مسلم للنووي: 3/441 ].

أولا: التجمل في العيد

[1] « عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، رضي الله عنهما، قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ، تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ َلا خََلاقَ لَهُ. فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ َلا خََلاقَ لَهُ، وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ. » [ صحيح البخاري، 948 ].

شرح الحديث: قال العلامة السندي في حاشية السندي على النسائي: منه عُلم أن التجمل يوم العيد كان عادة متقررة بينهم، ولم ينكرها النبي صلى الله عليه وسلم ، فعُلم بقاؤها. وقال ابن قدامة في المغني ( 3/114 ): وهذا يدل على أن التجمل عندهم في هذه المواضع كان مشهوراً ... وقال مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد.

ثانيا: الاغتسال يوم العيد قبل الخروج

[2] عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى. [ موطأ مالك، 384 ].

شرح الحديث: قال الألباني في إرواء الغليل ( 3/104 ) : روى الفريابي عن سعيد بن المسيب أنه قال: سنة الفطر ثلاث: المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال. وإسناده صحيح.

ثالثا: تحريم صيام يومي الفطر والأضحى

[3] فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : « ََلا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى. » [ صحيح البخاري، 1197].

شرح الحديث: قال النووي في شرح صحيح مسلم ( 4/271 ): وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال, سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك.

رابعا: تعجيل الأكل قبل صلاة الفطر وتأخيره إلى ما بعد صلاة الأضحى

[4] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، قَالَ: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َلا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ. ويأكلهن وِتراً. » [ صحيح البخاري، 953 ].

[5] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: « كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َلا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وََلا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ. » [ صحيح / صحيح سنن الترمذي للألباني، 542 ].

شرح الأحاديث: ( لا يغدو ) أي يخرج وقت الغداة، أي أول النهار. ( يوم الفطر ) أي إلى المصلى. ( حتى يطعم ) بفتح العين أي يأكل. ( ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع ) أي فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 2/518 ): الحكمة في الأكل قبل الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلى العيد. وقيل: لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى ... والحكمة في استحباب التمر لما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم ... هذا كله في حق من يقدر على ذلك، وإلا فينبغي أن يفطر ولو على الماء ليحصل له شبه من الإتباع. وأما جعلهن وتراً فللإشارة إلى وحدانية الله تعالى. وقال الصنعاني في سبل السلام ( 2/91 ): وتأخيره يوم الأضحى إلى ما بعد الصلاة، والحكمة فيه هو أنه لما كان إظهار كرامة الله تعالى للعباد بشرعية نحر الأضاحي، كان الأهم الابتداء بأكلها شكراً لله على ما أنعم به من شرعية النسكية الجامعة لخير الدنيا وثواب الآخرة.

خامسا: صلاة العيد في المصلى بالخلاء

[6] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، قَالَ: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَاْلأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصََّلاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا، قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ، أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. » [ اللؤلؤ والمرجان، 510 ].

[7] وعَنْ ابْنِ عُمَرَ، « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَالْعَنَزَةُ تُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا بَلَغَ الْمُصَلَّى نُصِبَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُصَلَّى كَانَ فَضَاءً لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُسْتَتَرُ بِهِ. » [ سنن ابن ماجه، 1294 ].

شرح الأحاديث: قال العلامة ابن الحاج المالكي في المدخل: والسنة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « صََلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صََلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إَِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ » [ اللؤلؤ والمرجان، 881 ]، ثم هو مع هذه الفضيلة العظيمة، خرج صلى الله عليه وسلم وتركه، فهذا دليل واضح على تأكيد أمر الخروج إلى المصلى لصلاة العيدين، فهي السنة، وصلاتهما في المسجد بدعة إلا أن تكون ثم ضرورة داعية إلى ذلك فليس ببدعة. وقال النووي في المجموع: فإن كانت الصلاة بمكة، فالمسجد الحرام أفضل بلا خلاف. وقال الألباني في صلاة العيد في المصلى هي السنة: إن هذه السنة لها حكمة عظيمة بالغة: أن يكون للمسلمين يومان في السنة، يجتمع فيها أهل كل بلدة، رجالا ونساء وصبيانا، يتوجهون إلى الله بقلوبهم، تجمعهم كلمة واحدة، ويصلون خلف إمام واحد، ويكبرون ويهللون، ويدعون الله مخلصين، كأنهم على قلب رجل واحد.

سادسا: خروج جميع النساء في حجابهن الشرعي بغير زينة ولا طيب

[8] عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: « أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى: الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ. فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصََّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِحْدَانَا َلا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا . » [ اللؤلؤ والمرجان، 511 ].

شرح الحديث: ( الْعَوَاتِقَ ): البنات الأبكار البالغات والمقاربات للبلوغ. ( وَالْحُيَّضَ ): جمع حائض، وهو أعم من الأول من وجه. ( وَذَوَاتِ الْخُدُورِ ): أي: صواحبات الستور. الخدور جمع خدر، وهو ناحية في البيت يجعل عليها سترة فتكون فيه الجارية البكر، وهى المخدرة، أي خدرت في الخدر. ( يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ ): هو الدخول في فضيلة الصلاة لغير الحيض. ( َلا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ ): ملحفة، أي كيف تشهد ولا جلباب لها، وذلك بعد نزول الحجاب. قال الصنعاني في سبل السلام: ( 2/92 ): والحديث دليل على وجوب إخراجهن ... وهو ظاهر في استمرار ذلك منه صلى الله عليه وسلم ، وهو عام لمن كانت ذات هيئة وغيرها، وصريح في الثواب وفي العجائز بالأولى. قال سيد حسين العفاني في نداء الريان في فقه الصيام وفضل رمضان ( 2/368 ): ومال إلي هذا الرأي شيخ الإسلام ابن تيمية في " اختياراته " عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: حق على كل ذات نطاق الخروج إلى العيد. [ رواه ابن أبي شيبة وسنده صحيح ].

سابعا: المشي إلى المصلى

[9] عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، قَالَ: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، وَيَرْجِعُ مَاشِيًا. » [ حسن / صحيح سنن ابن ماجه للألباني، 1078(1311) ].

[10] وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ، قَالَ: « مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، وَأَنْ تَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ. » [ حسن / صحيح سنن الترمذي للألباني، 530 ].

شرح الأحاديث: قال الترمذي في السنن ( 1/296 ): والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم: يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً ... ويُستحب أن لا يركب، إلا من عذر. وقال الصنعاني في سبل السلام ( 2/99 ): وكان ابن عمر يخرج إلى العيد ماشياً ويعود ماشياً.

ثامنا: مخالفة الطريق في الذهاب إلى المصلى والإياب منه

[11] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : « كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. » [ صحيح البخاري، 986 ].

[12] وعَنْ ابْنِ عُمَرَ، « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ يَوْمَ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ، ثُمَّ رَجَعَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ. » [ صحيح / صحيح سنن أبي داود للألباني، 254 ].

شرح الأحاديث: يعني أنه يرجع من مصلاه من جهة غير الجهة التي خرج منها إليه. قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد ( 1/432 ) : وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب في طريق، ويرجع في آخر. فقيل: ليسلم على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركته الفريقان، وقيل: ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل: ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله، وقيام شعائره، وقيل: لتكثر شهادة البقاع، فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه ترفع درجة، والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع إلى منزله، وقيل وهو الأصح: إنه لذلك كله، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها.

تاسعا: التكبير أيام العيدين ووقته

قال الصنعاني في سبل السلام: ( الجزء الثاني: 100-101 ): التكبير في العيدين مشروع عند الجماهير، فأما تكبير عيد الإفطار فأُوجب لقوله تعالى: { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185]. والأكثر أنه سنة ... ( ويكون ) من مغرب أول ليلة من شوال إلى ... خروج الإمام، أو حتى يصلي، أو حتى يفرغ من الخطبة. وأما تكبير عيد النحر فأُوجب أيضا لقوله تعالى: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } [البقرة:203]. ولقوله: { كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } [الحج:37] ... وذهب الجمهور إلى أنه سنة مؤكدة للرجال والنساء، ومنهم من خصه بالرجال ... وأما ابتداؤه وانتهاؤه ... فأصح ما ورد عن الصحابة ... أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى، أخرجهما ابن المنذر. واعلم أنه لا فرق بين تكبير عيد الإفطار وعيد النحر في مشروعية التكبير، لاستواء الأدلة في ذلك، وإن كان المعروف عند الناس إنما هو تكبير عيد النحر.

[13] عن الزهري، « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى، وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير. » [ سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، 171 ]. شرح الحديث: قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 1/331 ): وفي الحديث دليل على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهرا في الطريق إلى المصلى، وإن كان كثير منهم بدأوا يتساهلون بهذه السنة، حتى كادت أن تصبح في خبر كان ... وذلك لخجلهم من الصدع بالسنة والجهر بها ... ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة: أن الجهر بالتكبير هنا لا يُشرع فيه الاجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله البعض، وكذلك كل ذكر يُشرع فيه رفع الصوت أو لا يُشرع، فلا يشرع فيه الاجتماع المذكور ... فلنكن في حذر من ذلك. وقال البغوي في شرح السنة ( 4/309 ): ومن السنة إظهار التكبير ليلتي العيدين مقيمين وسفرا في منازلهم، ومساجدهم، وأسواقهم، وبعد الغدو في الطريق، وبالمصلى إلى أن يحضر الإمام.

عاشرا: صيغ التكبير

وردت صيغ التكبير عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم، فمن ذلك:

[14] ما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنه كان يقول: الله أكبر الله أكبر، لا أله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد. [ مصنف ابن أبي شيبة، كتاب صلاة العيدين. قال الألباني في إرواء الغليل ( 3/125 ): وإسناده صحيح ]. كما ثبت تثليث التكبير عنه في مكان آخر بالسند نفسه، يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

 

[15] كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا. [ السنن الكبرى للبيهقي، كتاب صلاة العيدين. قال الألباني في إرواء الغليل ( 3/125 ): وسنده صحيح ]. فبأي صيغة كبّر المسلم، فقد أدى السنة وأقام الشعيرة.

 

حادي عشر: التهنئة بالعيد

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ( 24/138 ): أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: تقبل الله منا ومنكم، وأحاله الله عليك، ونحو ذلك، فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة كأحمد ( بن حنبل ) وغيره. لكن قال أحمد: أنا لا ابتدئ أحدا، فإن ابتدأني أحد، أجبته. وذلك لأن جواب التحية واجب. وأما الابتداء بالتهنئة، فليس سنة مأمورا بها، ولا هو أيضا مما نهي عنه. فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة.

ثاني عشر: منكرات الأعياد

  السهر ليالي العيد في غير طاعة

  إحياء ليلتي العيد بأذكار مخترعة

  تخصيص زيارة القبور يوم العيد

  التزين بحلق اللحية يومي العيدين ويوم الجمعة

  الإسراف والتبذير فيما لا طائل من ورائه

  متابعة الأغاني والأفلام والذهاب إلى دور اللهو

  الاختلاط بين الرجال والنساء في الاجتماعات التي تضمهم، ومصافحة النساء الأجنبيات غير المحرمات

00000000000000000

فلنفرح بالعيد

مقالات الشيخ سلمان العودة - (ج 27 / ص 1)

فلنفرح بالعيد

04/12/2002

29/9/1423

أبادلكم التهنئة بالعيد المبارك ، جعلها الله لنا ولكم ولكل المسلمين أفراحاً موصولة .

هكذا العيد أيها الأحبة ، أفراح ومباهج وصفاء ونقاء ، "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" .

فلتتصافح القلوب ، ولتتصاف النفوس ، ولنجدد ميثاق الإخاء الإسلامي بين أولياء الله وحزبه من أهل "لا إله إلا الله" تعاوناً على البر والتقوى ، وتواصياً بالحق والصبر ، ونصرة للظالم والمظلوم ، فلن يذوق طعم الفرح بالعيد قلب تأكله الأحقاد ، أو ضمير يسكنه الغش ، أو نفس يتلبسها الهوى .

ولنحلم بغدٍ مشرق تلوح تباشيره في الأفق البعيد ... فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! لم لا نفرح بالأحلام اللذيذة ؟!

لقد سن أبو الطيب المتنبي للناس سنّة غير حميدة حين سوّد صفحة العيد بداليته المتشائمة :

 

عيدٌ بأية حالٍ عُدت يا عيدُ **** لما مضى .. أم لأمرٍ فيك تجديد

أما الأحبة فالبيداء دونهُمُ **** فليت دونك بيداً.. دونها بيد

وصارت سنة.. فما شاعر إلا ويندب حظه يوم العيد ، كما ندب أبو الطيب ، ولو أنها حظوظ شخصية ، ومعاناة خاصة، وهموم ذاتية ، والله أعلم .

ما الذي سيحدث للأمة لو أن أبا الطيب ظفر ببغيته، وأصبح أميراً على العراقين ؟!

وغير كثير أن يزورك راجل **** فيرجع ملكاً للعراقين واليا

وهكذا تحفظنا منذ طفولتنا قول الشاعر الأميري :

ما العيد والقدس في الأغلال رازحة **** وفي الخليل ملمات وتشريد

وصيحة المسجد الأقصى مخنّقةُ الـ **** أصداء بالدم والويلات ترديد

واللاجئون صيام العيد فِطرهُمُ **** وجل أفراحهم هم وتسهيد

يا رب أخذك للباغين أخذ ردى **** والفتح والنصرحتى يصدق العيد

وقول جارنا الشاعر المقل المبدع محمد الشبل:

يا عيد.. أنت على المدى إشراقة النفس العليلة

وسعادة القلب الذي .. لم يلق في الدنيا سبيله

لكنها الأيام تسلب منك فرحتك الجميلة

وتحيل صفو العيش فيك إلى أمانٍ مستحيلة ..

يا فرحة العيد التي ثقلت على صدر الزمن

يا فرحة العيد المؤطر بالمآسي والمحن

عودي..

إذا عادوا ، إذا عادوا إلى أرض الوطن

عودي إذا عاد الفتى والطفل والشيخ المسن

وتلفتوا في لهفةٍ للأرض.. للحقل الأغن ..

في نفس شاعري مسترسل يعمق هذا المعنى .. ويأبى قبول فرحة العيد بغير تحقيق النصر .

إن لبلوغ الأمل المنشود على الصعيد الفردي والأممي فرحةً أخرى تختلف في مباهجها وطعمها عن فرحة العيد الراتبة المألوفة.

وقد علم الله الحكيم أن الأمة ستركب طبقاً بعد طبق ، وستأخذ مأخذ الأمم قبلها في التفريط ، والاتكاء على الماضي العريق ، والتخاذل عن الواجب ، وستضر بها أزمات ومحن ومصائب.. وشرع لهم سبحانه أن يفرحوا بعيدهم ، شكراً على تمام العبادة ، والهداية إلى الشريعة ( ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) .

ونأى الرسول الهادي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين عن موافقة أهل الشرك أو أهل الكتاب في أعيادهم ورسومهم ، لا ليدع المسلمين دون عيد وفرحة ، ولكن ليخصهم بهذين العيدين الكبيرين المرتبطين بالتعبد صوماً ، أو حجاً ، وهما عيد الفطر وعيد الأضحى .

وما من شك أن المسلمين كانوا يقيمون هذه الأعياد ، ويجتمعون ويوسعون على الفقير والمسكين ، ويترخصون من الأعمال بما لا يرتضونه في غيرها ( دعها، فإنه يوم عيد ) .

يفعلون ذلك حتى حين يكونون في معاناة أو ترقب أو محنة ...

إن النفس البشرية قد تمل من فرط الإلحاح على معنى واحد ، ولو كان صواباً في ذاته ، فالجد الصارم يملّ ، ولا بأس أن نوقف معزوفة الحزن والندب لنُشِمَّ قلوبَنا شيئاً من عبير الفرحة بالشرع والهداية والتوفيق .

وثمة معنى لطيف يتصل بهذا السياق ، وهو التذكير بأنه لا شيء من أمر الحياة الدنيا يدوم .

فيومٌ علينا ويومٌ لنا **** ويومٌ نساء ويومٌ نُسَرّْ

والله تعالى بيده الأمر ، يخفض القسط ويرفعه ، كل يوم هو في شأن ، وليست الذلة والمرارة التي تعيشها الأمة الإسلامية حتماً صارماً لا يزول ، والتاريخ لا يعرف الكلمة الأخيرة ، بل هو في دورات متعاقبة يتحقق فيها التقديم والتأخير ، والعلو والهبوط ، والتمكين والاستضعاف ، ولا شيء يدمر إمكانيات الأمة ، ويجرها إلى اليأس والقنوط والانتحار مثل الإحساس بالعجز والتوقف عند حالٍ خاص.

لقد أدركنا العيد هذا العام ونحن هدف مغرٍ للمغامرات الأمريكية وتفتحت شهية الأحلاف للضرب ذات اليمين وذات الشمال ، ومحاكمة الثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي وإدانة المجتمعات المسلمة ، والتدخل المباشر لتغيير مناهج المسلمين وأفكارهم وإعلامهم واقتصادهم .

ولقد رأيت المرارة وقرأت الحزن الدفين في وجوه من لقيتهم ، وفي كلماتهم وعباراتهم وأحاديثهم .

وهذه حالة فاضلة من حيث صدق الولاء لهذا الدين ، وعمق التفاعل مع جراح الأمة وآلامها ونكباتها .

لكن تعديل المزاج بجرعة من الفرحة الغامرة ، والضحكة الصادقة ، واستعادة البراءة الطفولية قد تعيد تشكيل النفس وتجدد عزيمتها وترفع همتها ، ومن الحكمة البالغة القدرية أن الله تعالى غشَّى المسلمين النعاسَ حين احمرت الحدق واشتد الخوف وأصابهم القرح في أحد ، فكشف به عنهم غائلة الشر ، وأعاد به إليهم السكينة والرضا والاطمئنان .

إن العيد جزء من نظام الأمة الرباني ، يصل ماضيها بحاضرها ، وقريبها ببعيدها ، ويربي ناشئتها على الانتماء الحق لها ، ويربط أفراحها بشرائع دينها ، التي هي معراجها إلى الكمال والقوة والانتصار .

وليس يحسن أن تجوز عليه المتغيرات فينسى الناس كونه عيداً ليتحول عندهم إلى مناحة.

لنرغم أنف الشعراء ... ولنفرح بالعيد ، كما هي سنة الأنبياء ، وها نحن نلتقط خيط الأمل من نقطة ضوء تلوح في آخر النفق ... يقدحها طفل فلسطيني برمية حجر، ، أوعامل دؤوب في حقل من حقول الإصلاح والبناء والتعمير والإحياء .

عيدكم مبارك ، وتقبل الله منا ومنكم ، وغفر الله لنا ولكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

00000000000000000000

عيد بأية حال عدت يا عيد

للمتنبي

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ    بمَا مَضَى أمْ لأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ

لَوْلا العُلى لم تجُبْ بي ما أجوبُ بهَا وَجْنَاءُ حَرْفٌ وَلا جَرْداءُ قَيْدودُ

وَكَانَ أطيَبَ مِنْ سَيفي مُعانَقَةً    أشْبَاهُ رَوْنَقِهِ الغِيدُ الأمَاليدُ

لم يَترُكِ الدّهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كبدي   شَيْئاً تُتَيّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ

يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوسكُما    أمْ في كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟

أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ

إذا أرَدْتُ كُمَيْتَ اللّوْنِ صَافِيَةً   وَجَدْتُهَا وَحَبيبُ النّفسِ مَفقُودُ

ماذا لَقيتُ منَ الدّنْيَا وَأعْجَبُهُ      أني بمَا أنَا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ

أمْسَيْتُ أرْوَحَ مُثْرٍ خَازِناً وَيَداً    أنَا الغَنيّ وَأمْوَالي المَوَاعِيدُ

إنّي نَزَلْتُ بكَذّابِينَ، ضَيْفُهُمُ   عَنِ القِرَى وَعَنِ الترْحالِ محْدُودُ

جودُ الرّجالِ من الأيدي وَجُودُهُمُ     منَ اللّسانِ، فَلا كانوا وَلا الجُودُ

ما يَقبضُ المَوْتُ نَفساً من نفوسِهِمُ      إلاّ وَفي يَدِهِ مِنْ نَتْنِهَا عُودُ

أكُلّمَا اغتَالَ عَبدُ السّوْءِ سَيّدَهُ      أوْ خَانَهُ فَلَهُ في مصرَ تَمْهِيدُ

صَارَ الخَصِيّ إمَامَ الآبِقِينَ بِهَا فالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُودُ

نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها   فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ

العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ     لَوْ أنّهُ في ثِيَابِ الحُرّ مَوْلُودُ

لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ    إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ

ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَنٍ يُسِيءُ بي فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ مَحْمُودُ

ولا تَوَهّمْتُ أنّ النّاسَ قَدْ فُقِدوا وَأنّ مِثْلَ أبي البَيْضاءِ مَوْجودُ

وَأنّ ذا الأسْوَدَ المَثْقُوبَ مَشْفَرُهُ   تُطيعُهُ ذي العَضَاريطُ الرّعاديد

جَوْعانُ يأكُلُ مِنْ زادي وَيُمسِكني      لكَيْ يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقْصُودُ

وَيْلُمِّهَا خُطّةً وَيْلُمِّ قَابِلِهَا   لِمِثْلِها خُلِقَ المَهْرِيّةُ القُودُ

وَعِنْدَها لَذّ طَعْمَ المَوْتِ شَارِبُهُ    إنّ المَنِيّةَ عِنْدَ الذّلّ قِنْديدُ

مَنْ عَلّمَ الأسْوَدَ المَخصِيّ مكرُمَةً     أقَوْمُهُ البِيضُ أمْ آبَاؤهُ الصِّيدُ

أمْ أُذْنُهُ في يَدِ النّخّاسِ دامِيَةً    أمْ قَدْرُهُ وَهْوَ بالفِلْسَينِ مَرْدودُ

أوْلى اللّئَامِ كُوَيْفِيرٌ بمَعْذِرَةٍ     في كلّ لُؤمٍ، وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ

وَذاكَ أنّ الفُحُولَ البِيضَ عاجِزَةٌ     عنِ الجَميلِ فكَيفَ الخِصْيةُ السّودُ؟

----- -------------

زكاة الفطر

تعريف زكاة الفطر

حكمها

دليل الحكم

متى فرضت

حكمة مشروعيتها

على من تجب

شروط وجوب زكاة الفطر

شروط وجوب زكاة الفطر

من لم يجد فطرة جميع من تلزمه نفقتهم يبدأ بالآتي:

من لا تجب فطرتهم

مقدراها ومم تخرج

وقت إخراجها

وقت إخراجها

مصارفها

ليس لزكاة الفطر نصاب

 

الحمد لله الذي به تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على من ختمت به الرسالات محمد بن عبد الله، وعلىآله، وصحبه، وأزواجه الطاهرات العفيفات؛ وبعد..

فإن زكاة الفطر عبادة من العبادات وقربة من القربات العظيمات، لارتباطها بالصوم الذي أضافه الله إلى نفسه إضافة تشريف وتعظيم: "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، والعبادات توقيفية لا يجوز الزيادة فيها ولا النقصان، بل يجب أن تؤدى كما أداها حبيب الرحمن، وصحبه الكرام، والسلف العظام، ولهذا يجب على المسلمين معرفة أحكام هذه العبادة، وينبغي لأهل العلم وطلابه أن يبصروهم بما يصلح هذه العبادة ويفسدها، وعلى العامة سؤال الخاصة؛ لذلك أحببت أن أبين الأحكام المتعلقة بهذه العبادة، راجياً من الله أن ينتفع بها من يراها، وأن تسهم في تصحيح بعض الممارسات الخاطئة والمفاهيم المغلوطة، أقول وبالله التوفيق:

تعريف زكاة الفطر

هي الصدقة التي تخرج عند الفطر من رمضان، وسميت بذلك لأن الفطر هو سببها.

ã

حكمها

الوجوب.

ã

دليل الحكم

ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان"، وإجماع المسلمين على ذلك، لأن معنى فرض ألزم وأوجب.

ã

متى فرضت

في السنة الثانية من الهجرة، في رمضان، قبل العيد بيومين.

ã

حكمة مشروعيتها

فرضت زكاة الفطر لسببين، هما:

   طهرة للصائم من اللغو والرفث، فهي تجبر الصوم كما يجبر سجود السهو الزيادة والنقصان في الصلاة.

   طعمة للمساكين في ذلك اليوم.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للفقراء والمساكين".

ã

على من تجب

تجب على كل مسلم ومن يعول من المسلمين، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أوصاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة".

ã

شروط وجوب زكاة الفطر

   الإسلام.

   غروب شمس آخر يوم من رمضان، فمن أسلم بعد الغروب، أوتزوج، أوولد له لم تلزمه نفقتهم، وكذلك من مات قبل الغروب.

   وجود الفضل عن نفقته ونفقة من يعول.

ã

من لم يجد فطرة جميع من تلزمه نفقتهم يبدأ بالآتي:

   نفسه.

   ثم زوجه.

   ثم أمه.

   ثم أبيه.

   ثم ولده الأكبر، ثم الذي يليه.

ã

من لا تجب فطرتهم

   من يعول من الكفار.

   الزوجة الناشز ولو كانت حاملاً.

   الجنين في بطن أمه، ولكن استحب بعض أهل العلم إخراج الزكاة عن الجنين وإن لم تكن واجبة لفعل عثمان رضي الله عنه.

ã

مقدراها ومم تخرج

مقدار زكاة الفطر صاع من غالب طعام الناس، ولا يجوز إخراجها نقداً ولا تجزئ أبداً، وذلك للآتي:

   لقوله صلى الله عليه وسلم: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أوصاعاً من شعير.." الحديث.

   ولفعله وفعل جميع أصحابه، إذ لم يعلم عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخرج النقود في زكاة الفطر، وهم أعلم الناس بسنته، وأحرص على العمل بها، وأحرص على ما ينفع الناس.

   كانت الدنانير والدراهم موجودة في المدينة في عهد الصحابة ومن بعدهم، وكان الناس أكثر حاجة إليها من اليوم، ومع ذلك لم يخرج الصحابة ومن بعدهم نقوداً.

   لا اجتهاد مع نص صحيح صريح.

   العبادات توقيفية.

تخرج زكاة الفطر من القوت، سواء كان حبوباً أوغير حبوب، قال ابن القيم رحمه الله: (فإن كان قوتهم من غير الحبوب كاللبن، واللحم، والسمك، أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائناً ما كان).

هذا مذهب العامة من أهل العلم، منهم الأئمة الثلاثة مالك، والشافعي، وأحمد، وأجاز أبو حنيفة إخراجها نقداً، وهذا قول مرجوح مردود بالحديث وبفعل الصحابة، إذ لا عبرة بالخلاف إلا إذا استند على دليل، ورحم الله أبا حنيفة حيث قال: "هذا رأيي، فمن جاءني برأي خير منه قبلته"، ونحن لم نأته برأي، بل بقول من لا ينطق عن الهوى، والله لم يتعبدنا بقول أحد سوى الرسول صلى الله عليه وسلم.

يحتج البعض على جواز إخراجها نقداً ببعض الممارسات الخاطئة، حيث يبيعها بعض من يُعطاها حباً إلى نفس التاجر بنصف القيمة مثلاً، وعلاج ذلك أن يتحرى الإنسان ويجتهد في توصيل زكاته لمن يستفيد منها، ولو أعطيتها لفقير يستحقها وباعها بربع القيمة فقد برئت ذمتك منها.

لا يجوز لأحد أن يتولى جمع زكاة الفطر أوكفارة الإطعام نقداً، لما في ذلك من مخالفة السنة، إلا إذا شاء أن ينوب عن أصحابها في شراء الحبوب أوالطعام وتقسيم ذلك على مستحقيه.

لا ينبغي أخي المسلم أن يكون هدفك من إخراج الزكاة نقداً سرعة التخلص من ذلك، وتنصلك من مسؤولية توصيل الحبوب أوالطعام لمن يستحقه فتفسد عملك.

ã

وقت إخراجها

من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى أن يطلع الإمام لصلاة العيد، ويجوز تقديمها عن ذلك اليوم واليومين، وأجاز أبو حنيفة إخراجها من أول الشهر، وذهب مالك إلى عدم جواز تقديمها مطلقاً كالصلاة قبل وقتها، والراجح ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله، لأن العبادات توقيفية.

ومن أخرها عن ذلك أخرجها بعد ذلك، مع الإثم.

ã

مصارفها

هي نفس مصارف الزكاة، ويجوز أن تدفع لواحد أوتوزع.

ã

ليس لزكاة الفطر نصاب

فكل من ملك ما زاد على قوت نفسه ومن يعول فقد وجبت عليه.

وأخيراً اعلم أخي الكريم أن ما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً، فالنقود لم تجزئ في زكاة الفطر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه، فلن تجزئ اليوم، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وتقبل منا ومنكم الطاعات، والسلام

0000000000000000000

الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 2 / ص 260)

زكاة الفطر

- حكمة مشروعيتها.

- الحكم التكليفي.

- شروط وجوب أداء زكاة الفطر.

- من تؤدى عنه زكاة الفطر.

- سبب وجوب زكاة الفطر ووقته.

- وقت وجوب الأداء.

- إخراج زكاة الفطر قبل وقتها.

- مقدار الواجب في إخراج زكاة الفطر.

- نوع الواجب في زكاة الفطر.

- مصارف زكاة الفطر.

- أداة القيمة في زكاة الفطر.

- مكان دفع زكاة الفطر.

 

-1 التعريف:

من معاني الزكاة في اللغة: النماء، والزيادة، والصلاح، وصفوة الشيء، وما أخرجته من مالك لتطهره به.

وزكاة الفطر في الاصطلاح: صدقة تجب بالفطر من رمضان.

 

-2 حكمة مشروعيتها:

حكمة مشروعية زكاة الفطر الرفق بالفقراء بإغنيائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث. عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" رواه أبو داود.

 

-3 الحكم التكليفي:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم.

لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على كل حر، أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين" رواه البخاري. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير، نصف صاع من بر أو صاعاً من تمر أو شعير" رواه الدارقطني وهو أمر، والأمر يقتضي الوجوب.

 

-4 شرائط وجوب أداء زكاة الفطر:

يشترط لوجوب أدائها ما يلي:

أولاً: الإسلام: وهذا عند جمهور الفقهاء.

ثانياً: الحرية عند جمهور الفقهاء خلافاً للحنابلة، لأن العبد لا يملك، ومن لا يَمْلِك لا يُمِلِّك.

ثالثاً: أن يكون قادراً على إخراج زكاة الفطر، وقد اختلف الفقهاء في معنى القدرة على إخراجها.

فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم اشتراط ملك النصاب في وجوب زكاة الفطر.

وذهب الحنفية إلى أن معنى القدرة على إخراج صدقة الفطر أن يكون مالكاً للنصاب الذي تجب فيه الزكاة من أي مال كان، سواء كان من الذهب أو الفضة، أو السوائم من الإبل والبقر والغنم، أو من عروض التجارة.

والنصاب الذي تجب فيه الزكاة من الفضة مائتا درهم. فمن كان عنده هذا القدر فاضلاً عن حوائجه الأصلية من مأكل وملبس ومسكن وسلاح وفرس، وجبت عليه زكاة الفطر.

وذهب المالكية إلى أنه إذا كان قادرا على المقدار الذي عليه ولو كان أقل من صاع وعنده قوت يومه وجب عليه دفعه، بل قالوا: إنه يجب عليه أن يقترض لأداء زكاة الفطر إذا كان يرجو القضاء، لأنه قادر حكماً، وإن كان لا يرجو القضاء لا يجب عليه.

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها تجب على من عنده فضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة العيد ويومه، ويشترط كونه فاضلاً عن مسكن وخادم يحتاج إليه.

واتفق جميع القائلين بعدم اشتراط ملك النصاب على أن المقدار الذي عنده إن كان محتاجاً إليه لا تجب عليه زكاة الفطر، لأنه غير قادر.

 

-5 من تؤدى عنه زكاة الفطر:

ذهب الحنفية إلى أن زكاة الفطر يجب أن يؤديها عن نفسه من يملك نصاباً، وعن كل من تلزمه نفقته، ويلي عليه ولاية كاملة. والمراد بالولاية أن ينفذ قوله على الغير شاء أو أبى، فابنه الصغير، وابنته الصغيرة، وابنه الكبير المجنون، كل أولئك له حق التصرف في مالهم بما يعود عليهم بالنفع شاءوا أو أبوا.

وينبني على هذه القاعدة أن زكاة الفطر يخرجها الشخص عن نفسه ويخرجها عن أولاده الصغار إذا كانوا فقراء، أما الأغنياء منهم، بأن أهدي إليهم مال، أو ورثوا مالاً، فيخرج الصدقة من مالهم عند أبي حنيفة لأن زكاة الفطر ليست عبادة محضة، بل فيها معنى النفقة، فتجب في مال الصبي، كما وجبت النفقة في ماله لأقاربه الفقراء.

أما أولاده الكبار، فإن كانوا أغنياء وجب عليهم إخراج الزكاة عن أنفسهم، وعمن يلون عليهم ولاية كاملة، وإن كانوا فقراء لا يخرج الزكاة عنهم، لأنه وإن كانت نفقتهم واجبة عليه إلا أنه لا يلي عليهم ولاية كاملة فليس له حق التصرف في مالهم إن كان لهم مال إلا بإذنهم. وإن كان أحدهم مجنوناً، فإن كان غنياً أخرج الصدقة من ماله، وإن كان فقيراً دفع عنه صدقة الفطر، لأنه ينفق عليه، ويلي عليه ولاية كاملة، فله حق التصرف في ماله بدون إذنه.

وقال الحنفية: لا تجب عن زوجته لقصور الولاية والنفقة، أما قصور الولاية، فلأنه لا يلي عليها إلا في حقوق النكاح فلا تخرج إلا بإذنه، أما التصرف في مالها بدون إذنها فلا يلي عليه. وأما قصور النفقة فلأنه لا ينفق عليها إلا في الرواتب كالمأكل والمسكن والملبس. وكما لا يخرجها عن زوجته لا يخرجها عن والديه وأقاربه الفقراء إن كانوا كباراً، لأنه لا يلي عليهم ولاية كاملة.

وذهب المالكية إلى أن زكاة الفطر يخرجها الشخص عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته. وهم الوالدان الفقيران، والأولاد الذكور الفقراء، والإناث الفقيرات، ما لم يدخل الزوج بهن. والزوجة والزوجات وإن كن ذوات مال، وزوجة والده الفقير لحديث ابن عمر : "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون" رواه الدارقطني. أي تنفقون عليهم.

وذهب الشافعية إلى أن صدقة الفطر يخرجها الشخص عن نفسه، وعن كل من تجب عليه نفقته من المسلمين، لقرابة، أو زوجية، أو ملك، وهم:

أولاً: زوجته غير الناشزة ولو مطلقة رجعية، سواء كانت حاملاً أم لا، أم بائناً حاملاً، لوجوب نفقتهن عليه. لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] ومثلها الخادم إذا كانت نفقته غير مقدرة، فإن كانت مقدرة بأن كان يعطى أجراً كل يوم، أو كل شهر، لا يخرج عنه الصدقة، لأنه أجير والأجير لا ينفق عليه.

ثانياً: أصله وفرعه ذكراً أو أنثى وإن علوا، كجده وجدته.

ثالثاً: فرعه وإن نزل ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً، بشرط أن يكون أصله وفرعه فقراء.

وقالوا: إن كان ولده الكبير عاجزاً عن الكسب أخرج الصدقة عنه، وقالوا : لا يلزم الابن فطرة زوجة أبيه الفقير، لأنه لا تجب عليه نفقتها.

وذهب الحنابلة إلى أنه يجب إخراج الصدقة عن نفسه، وعن كل من تجب عليه نفقته من المسلمين، فإن لم يجد ما يخرجه لجميعهم بدأ بنفسه، فزوجته، فأمه، فأبيه، ثم الأقرب فالأقرب على حسب ترتيب الإرث، فالأب وإن علا مقدم على الأخ الشقيق، والأخ الشقيق مقدم على الأخ لأب. أما ابنه الصغير الغني فيخرج من ماله.

 

-6 سبب وجوب زكاة الفطر ووقته:

ذهب الحنفية والمالكية إلى أن وقت وجوب زكاة الفطر طلوع فجر يوم العيد.

وذهب الشافعية والحنابلة، إلى أن الوجوب هو بغروب شمس آخر يوم من رمضان.

ويظهر أثر الخلاف:

فيمن مات بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان.

فعند الشافعية والحنابلة تخرج عنه صدقة الفطر، لأنه كان موجوداً وقت وجوبها.

وعند الحنفية والمالكية لا تخرج عنه صدقة الفطر لأنه لم يكن موجوداً.

ومن ولد بعد غروب آخر يوم من رمضان تخرج عنه صدقة الفطر عند الحنفية والمالكية، لأنه وقت وجوبها كان موجوداً، ولا تخرج عنه الصدقة عند الشافعية والحنابلة، لأنه كان جنيناً في بطن أمه وقت وجوبها.

ومن أسلم بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان.

لا تخرج عنه الصدقة عند الشافعية والحنابلة، لأنه وقت وجوبها لم يكن أهلاً.

وعند الحنفية والمالكية تخرج عنه صدقة الفطر، لأنه وقت وجوبها كان أهلاً.

 

-7 وقت وجوب الأداء:

ذهب جمهور الحنفية إلى أن وقت وجوب أداء زكاة الفطر موسع، لأن الأمر بأدائها غير مقيد بوقت، كالزكاة، فهي تجب في مطلق الوقت وإنما يتعين بتعينه، ففي أي وقت أدى كان مؤدياً لا قاضياً، غير أن المستحب إخراجها قبل الذهاب إلى المصلى، لقوله صلى الله عليه وسلم: "اغنوهم في هذا اليوم".

ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة: فمن أداها بعد يوم العيد بدون عذر كان آثماً.

واتفق جميع الفقهاء على أنها لا تسقط بخروج وقتها، لأنها وجبت في ذمته لمن هي له، وهم مستحقوها، فهي دين لهم لا يسقط إلا بالأداء، لأنها حق للعبد، أما حق الله في التأخير عن وقتها فلا يجبر إلا بالاستغفار والندامة.

 

-8 إخراجها قبل وقتها:

ذهب المالكية والحنابلة إلى أنه يجوز تقديمها عن وقتها يومين لقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: كانوا يعطون صدقة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين.

وذهب الشافعية إلى أنه يسن إخراجها قبل صلاة العيد ويكره تأخيرها عن الصلاة، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد بلا عذر، لفوات المعنى المقصود، وهو إغناء الفقراء عن الطلب في يوم السرور، فلو أخرها بلا عذر عصى وقضى، لخروج الوقت.

وذهب الحنفية إلى أنه يجوز تقديمها في رمضان فقط.

 

-9 مقدار الواجب:

اتفق الفقهاء على أن الواجب إخراجه في الفطرة صاع من جميع الأصناف التي يجوز إخراج الفطرة منها عدا القمح والزبيب، فقد اختلفوا في المقدار فيهما:

فذهب المالكية والشافعية والحنابلة، إلى أن الواجب إخراجه في القمح هو صاع منه.

واستدل الجمهور على وجوب صاع من بر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : "كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط، فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت" متفق عليه.

وذهب الحنفية إلى أن الواجب إخراجه من القمح نصف صاع، وكذا دقيق القمح وسويقه، أما الزبيب يجب نصف صاع كالبر، لأن الزبيب تزيد قيمته على قيمة القمح.

 

-10 نوع الواجب:

ذهب الحنفية إلى أنه يجزئ إخراج زكاة الفطر القيمة من النقود وهو الأفضل، أو العروض، لكن إن أخرج من البر أو دقيقه أو سويقه أجزأه نصف صاع، وإن أخرج من الشعير أو التمر أو الزبيب فصاع، لما روى ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: "كان الناس يخرجون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من شعير أو تمر أو سُلْت(1) أو زبيب". قال ابن عمر: فلما كان عمر، وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة، مكان صاع من تلك الأشياء.

ثم قال رسول لله صلى الله عليه وسلم فقال: "لك المنصوص عليها من الحبوب كالعدس والأرز، أو غير الحبوب كاللبن والجبن واللحم والعروض، فتعتبر قيمته بقيمة الأشياء المنصوص عليها، فإذا أراد المتصدق أن يخرج صدقة الفطر من العدس مثلاً، فيقوم نصف صاع من بر، فإذا كانت قيمة نصف الصاع ثماني ليرات مثلاً، أخرج من العدس ما قيمته ثماني ليرات، ومن الأرز واللبن والجبن وغير ذلك من الأشياء التي لم ينص عليها الشارع، يخرج من العدس ما يعادل قيمته.

وذهب المالكية إلى أنه يخرج من غالب قوت البلد كالعدس والأرز، والفول والقمح والشعير والسلت والتمر والأقط(2) والدخن(3).

وما عدا ذلك لا يجزئ، إلا إذا اقتاته الناس وتركوا الأنواع السابقة، ولا يجوز الإخراج من غير الغالب، إلا إذا كان أفضل، بأن اقتات الناس الذرة فأخرج قمحاً. وإذا أخرج من اللحم اعتبر الشبع، فإذا كان الصاع من البر يكفي اثنين إذا خبز، أخرج من اللحم ما يشبع اثنين.

وذهب الشافعية إلى أنه يخرج من جنس ما يجب فيه العشر، ولو وجدت أقوات فالواجب غالب قوت بلده، وقيل: من غالب قوته، وقيل: مخير بين الأقوات، ويجزئ الأعلى من الأدنى لا العكس.

وذهب الحنابلة إلى أنه يخرج من البر أو التمر أو الزبيب أو الشعير، ويخير بين هذه الأشياء، ولو لم يكن المخرج قوتاً.

ويجزئ الدقيق إذا كان مساوياً للحب في الوزن، فإن لم يجد ذلك أخرج من كل ما يصلح

(1) نوع من العير ليس له قشر.

(2) يتخذ من اللبن حتى يجف.

(3) في حجم الذرة الرفيعة.

قوتاً من ذرة أو أرز أو نحو ذلك.

والصاع مكيال متوارث من عهد النبوة، وقد اختلف الفقهاء في تقديره كيلاً، واختلفوا في تقديره بالوزن.

 

-11 مصارف زكاة الفطر:

اختلف الفقهاء فيمن تصرف إليه زكاة الفطر على ثلاثة آراء:

ذهب الجمهور إلى جواز صرفها على الأصناف الثمانية التي تصرف فيها زكاة المال.

وذهب المالكية وهي رواية عن أحمد إلى تخصيص صرفها بالفقراء والمساكين.

وذهب الشافعية إلى وجوب قسمتها على الأصناف الثمانية، أو من وجد منهم.

 

-12 أداء القيمة:

ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجوز دفع القيمة، لأنه لم يرد نص بذلك، ولأن القيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا عن تراض منهم، وليس لصدقة الفطر مالك معين حتى يجوز رضاه أو إبراؤه.

وذهب الحنفية إلى أنه يجوز دفع القيمة في صدقة الفطر، بل هو أولى ليتيسر للفقير أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد، لأنه قد لا يكون محتاجاً إلى الحبوب بل هو محتاج إلى ملابس، أو لحم أو غير ذلك، فإعطاؤه الحبوب، يضطره إلى أن يطوف بالشوارع ليجد من يشتري منه الحبوب، وقد يبيعها بثمن بخس أقل من قيمتها الحقيقة، هذا كله في حالة اليسر، ووجود الحبوب بكثرة في الأسواق، أما في حالة الشدة وقلة الحبوب في الأسواق، فدفع العين أولى من القيمة مراعاة لمصلحة الفقير.

 

-13 مكان دفع زكاة الفطر:

تفرق زكاة الفطر في البلد الذي وجبت على المكلف فيه، سواء أكان ماله فيه أم لم يكن، لأن الذي وجبت عليه هو سبب وجوبها، فتفرق في البلد الذي سببها فيه.

===========

وفي الموسوعة الفقهية :

زكاة الفطر .

التّعريف

1 - من معاني الزّكاة في اللّغة : النّماء ، والزّيادة ، والصّلاح ، وصفوة الشّيء ، وما أخرجته من مالك لتطهّره به . والفطر : اسم مصدرٍ من قولك : أفطر الصّائم إفطارًا . وأضيفت الزّكاة إلى الفطر ; لأنّه سبب وجوبها ، وقيل لها فطرة ، كأنّها من الفطرة الّتي هي الخلقة . قال النّوويّ : يقال للمخرج : فطرة . والفطرة - بكسر الفاء لا غير - وهي لفظة مولّدة لا عربيّة ولا معرّبة بل اصطلاحيّة للفقهاء ، فتكون حقيقةً شرعيّةً على المختار ، كالصّلاة والزّكاة . وزكاة الفطر في الاصطلاح : صدقة تجب بالفطر من رمضان .  حكمة مشروعيّتها :

2 - حكمة مشروعيّة زكاة الفطر الرّفق بالفقراء بإغنائهم عن السّؤال في يوم العيد ، وإدخال السّرور عليهم في يوم يسرّ المسلمون بقدوم العيد عليهم ، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصّوم من اللّغو والرّفث . روى أبو داود عن ابن عبّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قال : { فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ، طهرةً للصّائم من اللّغو والرّفث ، وطعمةً للمساكين ، من أدّاها قبل الصّلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أدّاها بعد الصّلاة فهي صدقة من الصّدقات } .

 

( الحكم التّكليفيّ ) :

3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ زكاة الفطر واجبة على كلّ مسلمٍ . واستدلّ القائلون بالوجوب بما رواه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : { فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على النّاس صاعًا من تمرٍ ، أو صاعًا من شعيرٍ ، على كلّ حرٍّ ، أو عبدٍ ، ذكرٍ أو أنثى من المسلمين } . وبقوله صلى الله عليه وسلم : { أدّوا عن كلّ حرٍّ وعبدٍ صغيرٍ أو كبيرٍ ، نصف صاعٍ من برٍّ أو صاعًا من تمرٍ أو شعيرٍ } وهو أمر ، والأمر يقتضي الوجوب . وفي قولٍ للمالكيّة مقابل للمشهور : إنّها سنّة ، واستبعده الدّسوقيّ .

 

شرائط وجوب أداء زكاة الفطر : يشترط لوجوب أدائها ما يلي :

4 - أوّلًا : الإسلام : وهذا عند جمهور الفقهاء . وروي عن الشّافعيّة في الأصحّ عندهم أنّه يجب على الكافر أن يؤدّيها عن أقاربه المسلمين ، وإنّما كان الإسلام شرطًا عند الجمهور ; لأنّها قربة من القرب ، وطهرة للصّائم من الرّفث واللّغو ، والكافر ليس من أهلها إنّما يعاقب على تركها في الآخرة .  5 - ثانيًا : الحرّيّة عند جمهور الفقهاء خلافًا للحنابلة ; لأنّ العبد لا يملك ، ومن لا يملك لا يملّك .

6- ثالثًا : ألا يكون قادرًا على إخراج زكاة الفطر ، وقد اختلف الفقهاء في معنى القدرة على إخراجها : فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم اشتراط ملك النّصاب في وجوب زكاة الفطر . وذهب الحنفيّة إلى أنّ معنى القدرة على إخراج صدقة الفطر أن يكون مالكًا للنّصاب الّذي تجب فيه الزّكاة من أيّ مالٍ كان ، سواء كان من الذّهب أو الفضّة ، أو السّوائم من الإبل والبقر والغنم ، أو من عروض التّجارة . والنّصاب الّذي تجب فيه الزّكاة من الفضّة مائتا درهمٍ . فمن كان عنده هذا القدر فاضلًا عن حوائجه الأصليّة من مأكلٍ وملبسٍ ومسكنٍ وسلاحٍ وفرسٍ ، وجبت عليه زكاة الفطر . وفي وجهٍ آخر للحنفيّة إذا كان لا يملك نصابًا تجوز الصّدقة عليه . ولا يجتمع جواز الصّدقة عليه مع وجوبها عليه . وقال المالكيّة : إذا كان قادرًا على المقدار الّذي عليه ولو كان أقلّ من صاعٍ وعنده قوت يومه وجب عليه دفعه ، بل قالوا : إنّه يجب عليه أن يقترض لأداء زكاة الفطر إذا كان يرجو القضاء ; لأنّه قادر حكمًا ، وإن كان لا يرجو القضاء لا يجب عليه . وقال الشّافعيّة والحنابلة : إنّها تجب على من عنده فضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة العيد ويومه ، ويشترط كونه فاضلًا عن مسكنٍ وخادمٍ يحتاج إليه في الأصحّ . واتّفق جميع القائلين بعدم اشتراط ملك النّصاب على أنّ المقدار الّذي عنده إن كان محتاجًا إليه لا تجب عليه زكاة الفطر ، لأنّه غير قادرٍ . استدلّ الجمهور على عدم اشتراط ملك النّصاب بأنّ من عنده قوت يومه فهو غنيّ ، فما زاد على قوت يومه وجب عليه أن يخرج منه زكاة الفطر ، والدّليل على ذلك ما رواه سهل بن الحنظليّة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : { من سأل وعنده ما يغنيه فإنّما يستكثر من النّار ، فقالوا : يا رسول اللّه ، وما يغنيه ؟ قال : أن يكون له شبع يومٍ وليلةٍ } .  دلّ الحديث على أنّ من عنده قوت يومه فهو غنيّ وجب عليه أن يخرج ممّا زاد على قوت يومه . واستدلّ الحنفيّة ومن وافقهم على اشتراط ملك النّصاب بقوله صلى الله عليه وسلم : { لا صدقة إلاّ عن ظهر غنًى } . والظّهر ها هنا كناية عن القوّة ، فكأنّ المال للغنيّ بمنزلة الظّهر ، عليه اعتماده ، وإليه استناده ، والمراد أنّ التّصدّق إنّما تجب عليه الصّدقة إذا كانت له قوّة من غنًى ، ولا يعتبر غنيًّا إلاّ إذا ملك نصابًا .

 

من تؤدّى عنه زكاة الفطر :

7 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ زكاة الفطر يجب أن يؤدّيها عن نفسه من يملك نصابًا ، وعن كلّ من تلزمه نفقته ، ويلي عليه ولايةً كاملةً . والمراد بالولاية أن ينفذ قوله على الغير شاء أو أبى ، فابنه الصّغير ، وابنته الصّغيرة ، وابنه الكبير المجنون ، كلّ أولئك له حقّ التّصرّف في ما لهم بما يعود عليهم بالنّفع شاءوا أو أبوا . وينبني على هذه القاعدة أنّ زكاة الفطر يخرجها الشّخص عن نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم : { ابدأ بنفسك ، ثمّ بمن تعول } . ويخرجها عن أولاده الصّغار إذا كانوا فقراء ، أمّا الأغنياء منهم ، بأن أهدي إليهم مال ، أو ورثوا مالًا ، فيخرج الصّدقة من مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، لأنّ زكاة الفطر ليست عبادةً محضةً ، بل فيها معنى النّفقة ، فتجب في مال الصّبيّ ، كما وجبت النّفقة في ماله لأقاربه الفقراء ، وقال محمّد : تجب في مال الأب لأنّها عبادة محضة ، وهو ليس من أهلها ; لأنّه غير مكلّفٍ . أمّا أولاده الكبار ، فإن كانوا أغنياء وجب عليهم إخراج الزّكاة عن أنفسهم ، وعمّن يلون عليهم ولايةً كاملةً ، وإن كانوا فقراء لا يخرج الزّكاة عنهم ; لأنّه وإن كانت نفقتهم واجبةً عليه إلاّ أنّه لا يلي عليهم ولايةً كاملةً فليس له حقّ التّصرّف في مالهم إن كان لهم مال إلاّ بإذنهم . وإن كان أحدهم مجنونًا ، فإن كان غنيًّا أخرج الصّدقة من ماله ، وإن كان فقيرًا دفع عنه صدقة الفطر ; لأنّه ينفق عليه ، ويلي عليه ولايةً  كاملةً ، فله حقّ التّصرّف في ماله بدون إذنه . وقال الحنفيّة بناءً على قاعدتهم المذكورة : لا تجب عن زوجته لقصور الولاية والنّفقة ، أمّا قصور الولاية ، فإنّه لا يلي عليها إلاّ في حقوق النّكاح فلا تخرج إلاّ بإذنه ، أمّا التّصرّف في مالها بدون إذنها فلا يلي عليه . وأمّا قصور النّفقة فلأنّه لا ينفق عليها إلاّ في الرّواتب كالمأكل والمسكن والملبس . وكما لا يخرجها عن زوجته لا يخرجها عن والديه وأقاربه الفقراء إن كانوا كبارًا ; لأنّه لا يلي عليهم ولايةً كاملةً . وذهب المالكيّة إلى أنّ زكاة الفطر يخرجها الشّخص عن نفسه وعن كلّ من تجب عليه نفقته . وهم الوالدان الفقيران ، والأولاد الذّكور الفقراء ، والإناث الفقيرات ، ما لم يدخل الزّوج بهنّ . والزّوجة والزّوجات وإن كنّ ذوات مالٍ ، وزوجة والده الفقير لحديث ابن عمر : { أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصّغير والكبير والحرّ والعبد ممّن تمونون } . أي : تنفقون عليهم . وذهب الشّافعيّة إلى أنّ صدقة الفطر يخرجها الشّخص عن نفسه ، وعن كلّ من تجب عليه نفقته من المسلمين ، لقرابةٍ ، أو زوجيّةٍ ، أو ملكٍ ، وهم : أوّلًا : زوجته غير النّاشزة ولو مطلّقةً رجعيّةً ، سواء كانت حاملًا أم لا ، أم بائنًا حاملًا ، لوجوب نفقتهنّ عليه . لقوله تعالى : { وإن كنّ أولات حملٍ فأنفقوا عليهنّ حتّى يضعن حملهنّ } ومثلها الخادم إذا كانت نفقته غير مقدّرةٍ ، فإن كانت مقدّرةً بأن كان يعطى أجرًا كلّ يومٍ ، أو كلّ شهرٍ ، لا يخرج عنه الصّدقة ; لأنّه أجير والأجير لا ينفق عليه . ثانيًا : أصله وفرعه ذكرًا أو أنثى وإن علوا ، كجدّه وجدّته . ثالثًا : فرعه وإن نزل ذكرًا أو أنثى صغيرًا أو كبيرًا ، بشرط أن يكون أصله وفرعه فقراء . وقالوا : إن كان ولده الكبير عاجزًا عن الكسب أخرج الصّدقة عنه ، وقالوا : لا يلزم الابن فطرة زوجة أبيه الفقير ; لأنّه لا تجب عليه نفقتها . وذهب الحنابلة إلى أنّه يجب إخراج الصّدقة  عن نفسه ، وعن كلّ من تجب عليه نفقته من المسلمين ، فإن لم يجد ما يخرجه لجميعهم بدأ بنفسه ، فزوجته ، فأمّه ، فأبيه ، ثمّ الأقرب فالأقرب على حسب ترتيب الإرث ، فالأب وإن علا مقدّم على الأخ الشّقيق ، والأخ الشّقيق مقدّم على الأخ لأبٍ . أمّا ابنه الصّغير الغنيّ فيخرج من ماله .

 

( سبب الوجوب ووقته ) :

8 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ وقت وجوب زكاة الفطر طلوع فجر يوم العيد ، وهو أحد قولين مصحّحين للمالكيّة . واستدلّوا بما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : { أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدّى قبل خروج النّاس إلى الصّلاة } . دلّ الحديث على أنّ أداءها الّذي ندب إليه الشّارع هو قبل الخروج إلى مصلّى العيد ، فعلم أنّ وقت وجوبها هو يوم الفطر ، ولأنّ تسميتها صدقة الفطر ، تدلّ على أنّ وجوبها بطلوع فجر يوم الفطر ; لأنّ الفطر إنّما يكون بطلوع فجر ذلك اليوم ، أمّا قبله فليس بفطرٍ ; لأنّه في كلّ ليلةٍ من ليالي رمضان يصوم ويفطر ، فيعتبر مفطرًا من صومه بطلوع ذلك اليوم . وذهب الشّافعيّة في الأظهر والحنابلة ، إلى أنّ الوجوب هو بغروب شمس آخر يومٍ من رمضان ، وهو أحد قولين للمالكيّة ، لقول ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما : { فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرةً للصّائم من اللّغو والرّفث ، وطعمةً للمساكين ، فمن أدّاها قبل الصّلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أدّاها بعد الصّلاة فهي صدقة من الصّدقات } . دلّ الحديث على أنّ صدقة الفطر تجب بغروب شمس آخر يومٍ من رمضان ، من جهة أنّه أضاف الصّدقة إلى الفطر ، والإضافة تقتضي الاختصاص ، أي الصّدقة المختصّة بالفطر ، وأوّل فطرٍ يقع عن جميع رمضان هو بغروب شمس آخر يومٍ من رمضان . ويظهر أثر الخلاف فيمن مات بعد غروب شمس آخر يومٍ من رمضان : فعند الشّافعيّة ومن وافقهم تخرج عنه صدقة الفطر ; لأنّه كان موجودًا وقت وجوبها ، وعند الحنفيّة ومن وافقهم  لا تخرج عنه صدقة الفطر لأنّه لم يكن موجودًا ، ومن ولد بعد غروب شمس آخر يومٍ من رمضان تخرج عنه صدقة الفطر عند الحنفيّة ومن وافقهم ; لأنّه وقت وجوبها كان موجودًا ، ولا تخرج عنه الصّدقة عند الشّافعيّة ومن وافقهم ; لأنّه كان جنينًا في بطن أمّه وقت وجوبها . ومن أسلم بعد غروب الشّمس من آخر يومٍ من رمضان ، لا تخرج عنه الصّدقة عند الشّافعيّة ومن وافقهم ; لأنّه وقت وجوبها لم يكن أهلًا ، وعند الحنفيّة ومن وافقهم تخرج عنه صدقة الفطر ; لأنّه وقت وجوبها كان أهلًا .

 

( وقت وجوب الأداء ) :

9 - ذهب جمهور الحنفيّة إلى أنّ وقت وجوب أداء زكاة الفطر موسّع ، لأنّ الأمر بأدائها غير مقيّدٍ بوقتٍ ، كالزّكاة ، فهي تجب في مطلق الوقت وإنّما يتعيّن بتعيّنه ، ففي أيّ وقتٍ أدّى كان مؤدّيًا لا قاضيًا ، غير أنّ المستحبّ إخراجها قبل الذّهاب إلى المصلّى ، لقوله صلى الله عليه وسلم : { اغنوهم في هذا اليوم } . وذهب الحسن بن زيادٍ من الحنفيّة إلى أنّ وقت وجوب الأداء مضيّق كالأضحيّة ، فمن أدّاها بعد يوم العيد بدون عذرٍ كان آثمًا ، وهو مذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . واتّفق جميع الفقهاء على أنّها لا تسقط بخروج وقتها ; لأنّها وجبت في ذمّته لمن هي له ، وهم مستحقّوها ، فهي دين لهم لا يسقط إلاّ بالأداء ; لأنّها حقّ للعبد ، أمّا حقّ اللّه في التّأخير عن وقتها فلا يجبر إلاّ بالاستغفار والنّدامة

. إخراجها قبل وقتها :

10 - ذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز تقديمها عن وقتها يومين لقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : كانوا يعطون صدقة الفطر قبل العيد بيومٍ أو يومين . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يسنّ إخراجها قبل صلاة العيد ويكره تأخيرها عن الصّلاة ، ومحرّم تأخيرها عن يوم العيد بلا عذرٍ ; لفوات المعنى المقصود ، وهو إغناء الفقراء عن الطّلب في يوم السّرور ، فلو أخّرها بلا عذرٍ عصى وقضى ،  لخروج الوقت . وروى الحسن بن زيادٍ عن أبي حنيفة أنّه يجوز تقديمها عن وقتها سنةً أو سنتين كالزّكاة . وذهب بعض الحنفيّة إلى أنّه يجوز تقديمها في رمضان فقط ، وهو قول مصحّح للحنفيّة .

 

( مقدار الواجب ) :

11 - اتّفق الفقهاء على أنّ الواجب إخراجه في الفطرة صاع من جميع الأصناف الّتي يجوز إخراج الفطرة منها عدا القمح والزّبيب ، فقد اختلفوا في المقدار فيهما : فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، إلى أنّ الواجب إخراجه في القمح هو صاع منه . وسيأتي بيان الصّاع ومقداره كيلًا ووزنًا . واستدلّ الجمهور على وجوب صاعٍ من برٍّ بحديث أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله تعالى عنه قال : { كنّا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعامٍ ، أو صاعًا من تمرٍ ، أو صاعًا من شعيرٍ ، أو صاعًا من زبيبٍ ، أو صاعًا من أقطٍ ، فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت } . وذهب الحنفيّة إلى أنّ الواجب إخراجه من القمح نصف صاعٍ ، وكذا دقيق القمح وسويقه ، أمّا الزّبيب فروى الحسن عن أبي حنيفة أنّه يجب نصف صاعٍ كالبرّ ، لأنّ الزّبيب تزيد قيمته على قيمة القمح ، وذهب الصّاحبان - أبو يوسف ومحمّد - إلى أنّه يجب صاع من زبيبٍ ، واستدلّوا على ذلك بما روي عن أبي سعيدٍ الخدريّ - رضي الله عنه - : { كنّا نخرج إذ كان فينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كلّ صغيرٍ وكبيرٍ ، حرٍّ أو مملوكٍ ، صاعًا من أقطٍ ، أو صاعًا من طعامٍ ، أو صاعًا من شعيرٍ ، أو صاعًا من تمرٍ ، أو صاعًا من زبيبٍ ، فلم نزل نخرج ، حتّى قدم علينا معاوية حاجًّا أو معتمرًا ، فكلّم النّاس على المنبر ، وكان فيما كلّم به النّاس أن قال : إنّي أرى أنّ مدّين من سمراء الشّام يعني القمح تعدل صاعًا من تمرٍ ، فأخذ النّاس بذلك ، أمّا أنا فلا أزال أخرجه أبدًا  ما عشت ، كما كنت أخرجه } . دلّ الحديث على أنّ الّذي كان يخرج على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاع من الزّبيب . استدلّ الحنفيّة على وجوب نصف صاعٍ من برٍّ بما روي { أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم خطب قبل الفطر بيومٍ أو يومين ، فقال : أدّوا صاعًا من برٍّ بين اثنين ، أو صاعًا من تمرٍ ، أو شعيرٍ ، عن كلّ حرٍّ ، وعبدٍ صغيرٍ أو كبيرٍ } .

 

( نوع الواجب ) :

12 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه يجزئ إخراج زكاة الفطر القيمة من النّقود وهو الأفضل ، أو العروض ، لكن إن أخرج من البرّ أو دقيقه أو سويقه أجزأه نصف صاعٍ ، وإن أخرج من الشّعير أو التّمر أو الزّبيب فصاع ، لما روى ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال : { كان النّاس يخرجون على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاعًا من شعيرٍ أو تمرٍ أو سلتٍ أو زبيبٍ } . قال ابن عمر : فلمّا كان عمر ، وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطةٍ ، مكان صاعٍ من تلك الأشياء . ثمّ قال الحنفيّة : ما سوى هذه الأشياء الأربعة المنصوص عليها من الحبوب كالعدس والأرز ، أو غير الحبوب كاللّبن والجبن واللّحم والعروض ، فتعتبر قيمته بقيمة الأشياء المنصوص عليها ، فإذا أراد المتصدّق أن يخرج صدقة الفطر من العدس مثلًا ، فيقوّم نصف صاعٍ من برٍّ ، فإذا كانت قيمة نصف الصّاع ثمانية قروشٍ مثلًا ، أخرج من العدس ما قيمته ثمانية قروشٍ مثلًا ، ومن الأرز واللّبن والجبن وغير ذلك من الأشياء الّتي لم ينصّ عليها الشّارع ، يخرج من العدس ما يعادل قيمته . وذهب المالكيّة ، إلى أنّه يخرج من غالب قوت البلد كالعدس والأرز ، والفول والقمح والشّعير والسّلت والتّمر والأقط والدّخن . وما عدا ذلك لا يجزئ ، إلاّ إذا اقتاته النّاس وتركوا الأنواع السّابقة ، ولا يجوز الإخراج من غير الغالب ، إلاّ إذا كان أفضل ، بأن اقتات النّاس الذّرة فأخرج قمحًا . وإذا أخرج من اللّحم اعتبر الشّبع ، فإذا كان الصّاع من البرّ يكفي اثنين إذا خبز ، أخرج من اللّحم ما يشبع اثنين . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يخرج من جنس  ما يجب فيه العشر ، ولو وجدت أقوات فالواجب غالب قوت بلده ، وقيل : من غالب قوته ، وقيل : مخيّر بين الأقوات ، ويجزئ الأعلى من الأدنى لا العكس . وذهب الحنابلة إلى أنّه يخرج من البرّ أو التّمر أو الزّبيب أو الشّعير ، لحديث أبي سعيدٍ السّابق وفيه : { كنّا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعامٍ ، أو صاعًا من شعيرٍ ، أو صاعًا من تمرٍ ... } الحديث ويخيّر بين هذه الأشياء ، ولو لم يكن المخرج قوتًا . ويجزئ الدّقيق إذا كان مساويًا للحبّ في الوزن ، فإن لم يجد ذلك أخرج من كلّ ما يصلح قوتًا من ذرةٍ أو أرزٍ أو نحو ذلك .

13 - والصّاع مكيال متوارث من عهد النّبوّة ، وقد اختلف الفقهاء في تقديره كيلًا ، واختلفوا في تقديره بالوزن . وينظر تفصيله في مصطلح ( مقادير ) .

 

مصارف زكاة الفطر :

14 - اختلف الفقهاء فيمن تصرف إليه زكاة الفطر على ثلاثة آراءٍ : ذهب الجمهور إلى جواز قسمتها على الأصناف الثّمانية الّتي تصرف فيها زكاة المال ، وينظر مصطلح : ( زكاة ) . وذهب المالكيّة وهي رواية عن أحمد واختارها ابن تيميّة إلى تخصيص صرفها بالفقراء والمساكين . وذهب الشّافعيّة إلى وجوب قسمتها على الأصناف الثّمانية ، أو من وجد منهم .

 

( أداء القيمة ) :

15 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجوز دفع القيمة ، لأنّه لم يرد نصّ بذلك ، ولأنّ القيمة في حقوق النّاس لا تجوز إلاّ عن تراضٍ منهم ، وليس لصدقة الفطر مالك معيّن حتّى يجوز رضاه أو إبراؤه . وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز دفع القيمة في صدقة الفطر ، بل هو أولى ليتيسّر للفقير أن يشتري أيّ شيءٍ يريده في يوم العيد ; لأنّه قد لا يكون محتاجًا إلى الحبوب بل هو محتاج إلى  ملابس ، أو لحمٍ أو غير ذلك ، فإعطاؤه الحبوب ، يضطرّه إلى أن يطوف بالشّوارع ليجد من يشتري منه الحبوب ، وقد يبيعها بثمنٍ بخسٍ أقلّ من قيمتها الحقيقيّة ، هذا كلّه في حالة اليسر ، ووجود الحبوب بكثرةٍ في الأسواق ، أمّا في حالة الشّدّة وقلّة الحبوب في الأسواق ، فدفع العين أولى من القيمة مراعاةً لمصلحة الفقير ، وينظر التّفصيل في الزّكاة .

 

مكان دفع زكاة الفطر :

16 - تفرّق زكاة الفطر في البلد الّذي وجبت على المكلّف فيه ، سواء أكان ماله فيه أم لم يكن ; لأنّ الّذي وجبت عليه هو سبب وجوبها ، فتفرّق في البلد الّذي سببها فيه نقل زكاة الفطر :

17 - اختلف في نقل الزّكاة من البلد الّذي وجبت فيه إلى غيره ، وتفصيله ينظر في مصطلح : ( زكاة ) .

0000000000000000000000

ما يجب على المسلم عمله في عيد الفطر وما يجب عليه تركه

ما يجب على المسلم عمله يوم العيد

تحري رؤية هلال شوال

التكبير

زكاة الفطر

صلاة العيد

إذا اجتمع عيد وجمعة

التهنئة بالعيد

المعايدة

ما يجب على المسلم تجنبه في العيد

ما يجب فعله بعد العيد

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد..

هذه ذكرى لأهم ما يجب على المسلم فعله في عيد الفطر، سواء كان وجوب عين أوكفائي، أحببت أن أذكر بها نفسي وإياكم، إذ الذكرى تنفع المؤمنين، فتنبه الغافلين، وتعين المتيقظين.

أقول وبالله التوفيق..

ما يجب على المسلم عمله يوم العيد

   تحري رؤية هلال شوال

خاصة من أهل القرى والبوادي، إذ تحري الأهلة المرتبطة بها بعض العبادات قربى غفل عنها كثير من الناس.

يثبت هلال شوال بأحد طريقين:

   رؤية مستفيضة، وتجزئ رؤية عدلين.

   أوإكمال رمضان ثلاثين يوماً.

ولا تثبت الأهلة بالحساب، ولهذا لا يجوز الصوم ولا الفطر بالحساب، هذا مذهب سائر أهل السنة، ولم يشذ منهم إلا ابن سُرَيج من الشافعية، وعدّ ذلك من هفواته والله يغفر له، ولم يعمل بالحساب إلا أهل الأهواء الشيعة.

   التكبير

إذا ثبت هلال رمضان يسن التكبير والجهر به في الأسواق، والطرقات، وعقب الصلوات، وعند دخول البيوت والخروج منها، وعند التلاقي، للمسافر والمقيم، وفي مصلى العيد، إلى أن يقوم الناس لصلاة العيد؛ وصيغته: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، ولله الحمد؛ ويمكن أن يزاد عليه: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

   زكاة الفطر

إخراج زكاة الفطر عنه وعن كل من يعول من المسلمين، وهي صاع عن كل واحد من عامة ما يقتاته الناس، ويجوز أن تخرج حباً، أوطعاماً: خبزاً، أولحماً، أوسمكاً، أولبناً، ونحوه؛ ولا يجزئ إخراجها نقداً، ومن أخرجها نقداً اعاد إخراجها طعاماً.

وحكمها أنها فرض، وتجب على كل من ملك ما زاد على قوته وقوت من يعول؛ وتخرج عن اليتيم من ماله؛ وتؤدى قبل الخروج إلى صلاة العيد، وأجاز بعض أهل العلم إخراجها قبل يوم أويومين من العيد، ومصارفها هي مصارف الزكاة الواجبة، ولا يشترط لها نصاب.

   الفطر قبل الخروج إلى الصلاة

   السنة أن يفطر المرء على تمرات قبل خروجه لصلاة العيد.

   الغسل والتنظف ولبس أحسن الثياب

   يستحب الغسل للعيد، فعل ذلك علي وابن عمر من الصحابة، وطائفة من أهل العلم، وكذلك التنظف وحلق الشعور المأذون في حلقها، سوى اللحية إذ حلقها حرام، ويلبس أحسن ثيابه، جديدة كانت أم مغسولة.

   صلاة العيد

وقتها من ارتفاع الشمس مقدار رمح إلى الزوال، والسنة تعجيلها، تصلى في الصحارى، إلا في مكة أولضرورة كمطر أونحوه، تصلى في المسجد.

وهي ركعتان، يكبر في الأولى سبع تكبيرات يرفع يديه فيها، وقيل ست تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام، ويجهر بالقراءة فيهما، ويسن أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة بقاف والقمر، أوبسبح والغاشية.

حكمها أنها فرض كفاية، وقيل سنة مؤكدة؛ ولها خطبتان كخطبتي الجمعة في الهيئة، فقط خطبتا العيد تفتتحان بالتكبير، يجلس بينهما؛ وخطبتا العيد بعد الصلاة، وإذا خطب قبل الصلاة أعاد، والاستماع لهما سنة.

السنة إخراج النساء حتى الحيَّض وذوات الخدور، إذا خرجن متحجبات غير متطيبات في صحبة محارمهن، وإذا اختل شرط من ذلك يحرم خروجهن، والسنة أن يخرج لصلاة العيد من طريق ويرجع من طريق آخر.

   إذا اجتمع عيد وجمعة

مذاهب لأهل العلم، هي:

   يُصلي الجميع العيد والجمعة، وهذا مذهب الجمهور.

   يصلي الجميع الجمعة بعد العيد إلا أهل البوادي.

   يصلي الإمام الجمعة ومن لم يصل العيد، ومن صلى العيد فهو بالخيار.

   يصلي العيد ثم لا يخرج الإمام ولا غيره إلا لصلاة العصر، فعل ذلك ابن الزبير عندما كان حاكماً للحجاز، وعندما بلغ فعل ابن الزبير ابن عباس قال: أصاب السنة؛ كما روى أبو داود، ولهذا ينبغي أن لا يثرب على من ارتضاه.

صلاة العيد لا سنة قبلها ولا بعدها، ولا أذان لها ولا إقامة، وإنما ينادى لها بالصلاة جامعة.

من فاتته صلاة العيد قضاها منفرداً، وإذا ثبت العيد بعد الزوال أفطر الناس وصلوا العيد من الغد.

   التهنئة بالعيد

تقبل الله، ويقول الراد كذلك: تقبل الله.

   المعايدة

يجتهد المرء أن يصل والديه أولاً، ثم أقاربه، وأرحامه، وعامة المسلمين.

   المحافظة على صلاة الجماعة، والذكر، وقراءة القرآن في أيام العيد.

   الحرص على التصدق والإنفاق في أيام العيد.

   التوسعة على العيال والأهل من غير إسراف.

   ممارسة اللهو المباح للصغار والكبار.

   أن يكثر من الدعاء لإخوانه المستضعفين من المسلمين.

   رد الحقوق والمظالم إلى أهلها، أواستسماحهم.

   العزم على التوبة.

   الحرص على الطاعات التي تعودها في رمضان.

   أيام العيد أيام أكل وشرب وذكر لله.

ã

ما يجب على المسلم تجنبه في العيد

   صيام يوم العيد، حيث يحرم صيامه.

   مواصلة خصام ومقاطعة من كان مقاطعاً له من قبل.

   الدخول على النساء الأجنبيات.

   مصافحة النساء الأجنبيات، إذ المصاحفة حرام في العيد وغيره.

   الاختلاط بالنساء.

   تبرج النساء وسفورهن في الطرقات.

   إحياء أيام العيد ولياليه بالحفلات الغنائية ونحوها.

   ممارسة المحرمات كشرب الخمر، ولعب الميسر، والسماع، والموسيقى.

   ضياع الوقت في اللعب بالورق ونحوه.

   تجمع الرجال والنساء في بيوت حديثي الوفاة والبكاء والنحيب.

   زيارة النساء للقبور.

   إحياء ليلة العيد بالسماع الصوفي، والرقص والتواجد فيه.

   تعييد بعض المريدين مع مشايخهم، وتركهم لأهلهم وذويهم.

   الذهاب لزيارة مشايخ الطرق في العيد، والتوسل بالأحياء والأموات، ونحو ذلك.

ã

ما يجب فعله بعد العيد

   التعجيل بقضاء ما عليه من صيام أيام أفطرها في رمضان.

   صيام ستة شوال.

   يجتهد أن تكون حاله بعد رمضان كحاله في رمضان.

   التعجيل بإخراج كفارة الإطعام طعاماً وليس نقداً.

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، والسلام

----------------

عيد بأي حال عدت يا عيد ** بما مضى أم لأمر فيك تجديد

أما الأحبة فالبيـداء دونهم  ** فليت دونك بيد دونهـا بيد

ما إن يمر عيد من أعياد المسلمين القليلة المباركة، إذ ليس للمسلمين إلا عيدان في العام، عيد الفطر وعيد الأضحى، وعيد أسبوعي وهو يوم الجمعة، وهذا هو شأنهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، إلا وتجد البعض يردد هذه الأبيات ويتغنى بها، إذا حيل بينه وبين ما يشتهي ويتمنى من لقاء الأشخاص، وتحقيق الأماني، وهذا يدل على صدق مقولة نبينا الذي لا ينطق عن الهوى: "إن من الشعر لحكمة"، إي وربي إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحراً، وأماني الخلق متباينة، وهممهم متفاوتة، وكل يغني على هواه، وينشد ليلاه، وليس للمسلم هوى إلا فيما يهواه ربه ومولاه، وإلا فيما يحبه رسوله ومصطفاه، وإلا فيما يتعلق بالإسلام ومن والاه.

  لهذا فإنه يعز علينا ويحزننا غاية الحزن والألم أن يعود علينا هذا العيد وأقصانا، وثالث مساجدنا التي تشد إليها الرحال، ومسرى نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم تحت وطئة يهود، وبأيدي أحفاد القردة والخنازير.

   يعز علينا ويسوءنا ويحزننا أن يمر هذا العيد وفلسطين المسلوبة الجريحة في قبضة إسرائيل وتحت وطأة خارطة الطريق.

   يعز علينا خذلان حكامنا لإخوانهم المسلمين في كل مكان.

   يعز علينا أن تكون بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية التليدة وعراق العرب والإسلام قد غزاها الكفار واحتلها الأمركان.

   يعز علينا أن يكون الكفار بقيادة أمريكا هم المسيطرون على العالم، يعزلون من شاءوا من الحكام، ويأتون ويمكنون لمن شاءوا من العملاء.

  يعز علينا تدخل أمريكا السافر في أخص خصائص المسلمين، في توجيه النشء وتربيتهم، وحذف كل الآيات والأحاديث التي تحث على الجهاد، وتنمي في الناشئة عقيدة الولاء والبراء، والعزة، والاعتداد بالدين، وتبغض المسلمين في الكفر والكافرين.

   يعز علينا أن تعلن أمريكا حرباً صليبية على الإسلام والمسلمين، وتجد من عملائها المنتسبين إلى الإسلام من يعينها على ذلك ويحارب معها.

  يعز علينا تزوير الحقائق، بأن يصوَّر الجهاد، والدفاع عن العقيدة، والنفس، والعرض، والوطن، بأنه إرهاب، والغزو لبلاد المسلمين والتدخل في شؤونهم بأنه عمل مشروع متمشٍ مع الشرعية الدولية.

   يعز علينا أن يضيَّق على الأخيار من العلماء والدعاة وشباب الصحوة الإسلامية، ويوسَّع ويمكن للعملاء والمرتزقة.

   يعز علينا أن لا يزال قطاع كبير من المسلمين يعيشون في غفلة، ولا يدرون ما يُحاك بهم، وبدينهم، وبحريمهم، وشبابهم، ونشئهم.

  يعز علينا أن تغزى كثير من البلاد الإسلامية وتستلب كما هو الحال في فلسطين، والعراق، وأفغانستان، والشيشان، وكشمير، وجنوب الفلبين، وغيرها، كما سُلبت من قبل الأندلس، ولا يحرك ذلك في المسلمين ساكناً.

   يعز علينا أن لا تكون للمسلمين منظمة أوهيئة ترعى قضاياهم، وتهتم بمشاكلهم، وتسعى لحل أزماتهم.

   يعز علينا أن تتحكم أمريكا حتى في مصارف الزكاة لدى المسلمين، والعمل الخيري.

   يعز علينا حرص حكام المسلمين على كراسي حكمهم، وتفريطهم في دينهم، وإخوانهم، وموالاتهم للكفار.

   يعز علينا تفرق المسلمين وتشتتهم وتحزبهم، وتجمع الكفار واتحادهم على حرب الإسلام.

   يعز علينا تخلف المسلمين عسكرياً وصناعياً، على الرغم من غنى البلاد الإسلامية بجميع الموارد.

   يعز علينا أن يعود علينا العيد وأسرى المسلمين ظلماً وعدواناً في قواتيمالا، وأبوغريب، وفلسطين المحتلة، وغيرها خلف القضبان.

   يعز علينا أن يعود علينا العيد والأرامل، والأيتام، والعجزة، والزمنى في الأراضي المحتلة لا يجدون من يواسيهم، ويخفف عنهم، ويسليهم.

   يعز علينا أن يعود علينا العيد وطائفتان من المسلمين تتقاتلان تحت رايات عمية، ولحمية جاهلية، وعصبية عرقية.

   وأخيراً يعز علينا جلد الكفار والمنافقين الفجار وضعف الأتقياء الأخيار.

نقول كل هذا ونعلم علم اليقين أن الخير في هذه الأمة باقٍ إلى يوم القيامة، وأن النصر لها في آخر المطاف، وأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرة على أمر الله لا يضرها من خذلها ولا من خالفها حتى تقوم الساعة.

والله نسأل أن يبارك في هذه الصحوة المباركة، وفي هذه النبتة الطيبة، وأن يعيننا على أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلا

-------------------

بم يستقبل المسلم رمضان؟

أولاً: التوبة النصوح من جميع الذنوب والآثام

ثانياً: إخراج الزكاة على من وجبت عليه وحال حَوْلُه أواقترب

ثالثاً: دراسة الأحكام المتعلقة بالصيام، والقيام، وصدقة الفطر

رابعاً: رد المظالم إلى أهلها أواستعفاؤهم منها

خامساً: الخروج من الخصومات والمشاحنات

سادساً: محاولة التفرغ من الأعمال التي يشق معها الصيام، ويصعب معها القيام

سابعاً: تعجيل القضاء والكفارة

ثامناً: أن يعزم على أن يصوم ويقوم إيماناً واحتساباً

تاسعاً: أن يصوم صيام مودع لرمضان

عاشراً: أن يستقبلوه بالبهجة والسرور

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد..

فإن الله عز وجل تفضل على هذه الأمة بمنن عظيمة، وآلاء جسيمة، ومواسم خير كريمة لا تكاد تنقطع، فما يكاد يخرج المسلم من موسم إلا وينتظره آخر، وما ينتهي من وظيفة إلا وتستقبله وظيفة.

من أجلِّ تلك المواسم، وأعظم تلك الوظائف، موسم رمضان، ووظيفة الصيام والقيام فيه.

اعتاد كثير من الناس الاستعداد لرمضان بإعداد أصناف الطعام والشراب، والمبالغة في ذلك والتكلف لها، وهي حاجيات جسدية، وربما كان ضررها على المراد من الصيام والقيام أكثر من نفعها، وتفويتها لمقاصد الصيام الحقيقية أرجح، وينسون أويتناسون الإعداد الروحي، والتهيئة النفسية والعقلية لمدارك علل الصيام وحكمة القيام.

فكيف يمكن للمسلم أن يتهيأ لهذا الشهر العظيم، وهذا الموسم الكريم، روحياً، ونفسياً، وعقلياً؟ ما هي الضروريات التي ينبغي أن يستقبل بها رمضان، ويتهيأ بها للصيام، والقيام، وتلاوة القرآن، وحفظ الجوارح من الوقوع في الآثام، والإحسان إلى الفقراء، والمساكين، من ذوي القربى وغيرهم من المحتاجين، والأرامل، والأيتام؟

سنشير في هذه العجالة إلى أهم ما ينبغي أن يستقبل به رمضان، وإلى أهم ما يعين على الصيام والقيام، وما يجنب المبطلات الحقيقية التي تذهب بالأجر والثواب.

فنقول وبالله التوفيق:

ã

أولاً: التوبة النصوح من جميع الذنوب والآثام

التوبة هي وظيفة العمر، ومُحتاج إليها في كل وقت وحين، وحكمها الوجوب، وينبغي أن يتوب العبد من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها وبقي على البعض الآخر قُبلت توبته إذا توفرت شروطها، وهي:

1.  الإقلاع في الحال عن الذنب.

2.  والندم على ما فات.

3.  والعزم على أن لا يعود.

4.  ومفارقة قرناء السوء.

وإن كان الذنب من حقوق الآدميين كالسرقة، وشهادة الزور، والغيبة، والنميمة، ونحوها، فلابد من رد المظالم إلى أهلها، أواستسماحهم منها، وإن تعذر ذلك فالإكثار من الدعاء والاستغفار لأصحابها.

على الرغم من أن التوبة واجبة في كل وقت وحين، ولكن يتحتم وجوبها في الحالات الآتية:

1.  عند الكبر ونزول الشيب.

2.  عند المرض.

3.  عند الإقدام على موسم من مواسم الخير، نحو رمضان والحج.

4.  عند نزول الفتن.

والناس في التوبة كما قال الحافظ ابن رجب أقسام، ملخصها:

1.  من لا يوفق إلى التوبة، بل ييسر لعمل السيئات من أول عمره حتى الممات، وهذه حالة الأشقياء أعاذنا الله منها.

2.  وأقبح من هذا القسم من ييسر إلى أعمال الخير في أول عمره ثم ينتكس فيختم له بسوء، كما صح بذلك الخبر: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها".

3.  وقسم يفني عمره في الغفلة والبطالة والانغماس في المعاصي، ثم يوفق إلى توبة نصوح، فيموت على عمل صالح، وقد جاء في الأثر: "إذا أراد الله بعبد خير عَسَلَه"، قالوا: وما عَسَلَه؟ قال: "يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه".

ومن هؤلاء من ينتبه قبل موته فيتزود بعمل صالح، ومنه من يوقظ عند حضور أجله.

4.  القسم الرابع وهو أفضل الجميع، وهو أن يفني عمره في طاعة الله، ثم يزداد يقظة في آخر عمره، فيجد ويجتهد أكثر مما كان عليه من قبل.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء نصر الله والفتح" نُعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسُه، فأخذ في أشد ما كان اجتهاداً في أمر الآخرة".

وكان من عادته أن يعتكف في كل رمضان عشراً، ويعرض القرآن على جبريل مرة، فاعتكف في العام الذي توفي فيه عشرين يوماً، وعَرَض القرآن مرتين، وكان يقول: "ما أرى ذلك إلا اقتراب أجلي، ثم حج حجة الوداع.

وباب التوبة مفتوح ما لم تبلغ الروح الحلقوم، وما لم تطلع الشمس من مغربها، ولكن الحذر كل الحذر من التسويف وطول الأمل، واتباع الهوى، والاسترسال مع الشهوات.

قال تعالى: "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حليماً".

فكل من عصى الله فهو جاهل، وكل من تاب قبل الغرغرة وقبل طلوع الشمس من الغرب فقد تاب من قريب، والدنيا كلها قريب.

روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر".

أفضل أوقات التوبة أن يتوب المرء وهو صحيح قبل نزول المرض، وأن يتوب وهو شاب قبل نزول المشيب.

فالتوبة النصوح ـ وهي أن يعزم على أن لا يرجع إلى الذنب حتى يرجع اللبن إلى الضرع ـ أفضل ما يستقبل به رمضان، وأن تكون من جميع الذنوب والآثام.

ã

ثانياً: إخراج الزكاة على من وجبت عليه وحال حَوْلُه أواقترب

كان السلف الصالح يستحبون أن يخرجوا زكاتهم في رمضان، لسببين:

1.  لمضاعفة الأجر والثواب، وذلك لفضل الزمان وهو شهر رمضان.

2.  ليتفرغ الفقراء والمساكين والمحتاجون للصيام والقيام، لأن منهم من لا يتمكن من أداء عمله خاصة لو كان شاقاً وهو صائم، ففي إخراج الزكاة في رمضان عون له على ذلك.

لا شك أن لكل مسلم شهر زكاة، ولكن يجوز أن تُقدَّم الزكاة عن شهرها إذا وجبت، والأفضل أن لا يكتفي الموسرون بإخراج الزكاة الواجبة، وإنما عليهم أن يزيدوا على ذلك وأن يتفضلوا على عباد الله كما تفضل الله عليهم، فمن لا يَرْحم لا يُرْحم، وليتذكروا قوله صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مال من صدقة"، "وفي المال حق سوى الزكاة".

ã

ثالثاً: دراسة ومراجعة الأحكام المتعلقة بالصيام، والقيام، وصدقة الفطر

كذلك مما ينبغي أن نستقبل به رمضان أن ندرس أحكام الصيام والقيام، ومن كان ملماً بها فعليه أن يراجع هذه الأحكام، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فمن وجب عليه الصيام وجب عليه وجوباً عينياً أن يعلم ما لا يصح الصيام إلا به، وأن يعلم مفسدات الصيام، وكيفية صلاة القيام، وأحكام صدقة الفطر، متى تخرج؟ وعمن تخرج؟ ومن أي شيء تخرج؟

ومما تجدر الإشارة إليه أن زكاة الفطر لا تحل إلا من الطعام، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وأجاز أبو حنيفة في رواية عنه إخراجها نقداً، وهو قول مرجوح لمخالفته لظاهر الحديث: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر.." إلخ.

ã

رابعاً: رد المظالم إلى أهلها أواستعفاؤهم منها

مما يجب أن نستقبل به هذا الشهر الكريم، وأن نتوجه به إلى رب العالمين رد الحقوق إلى أهلها ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ومن مات منهم ردت إلى ورثته، أواستعفاؤهم عنها، وإن تعذر كل ذلك فالاجتهاد في الدعاء والاستغفار لأصحابها.

واعلم أخي الكريم أن من أخطـر الحقـوق وأصعبها رداً الغيبة والنميمة وشهادة الزور، ولهذا قـال عبد الله بن المبارك: "لو كنتُ مغتاباً أحداً لاغتبتُ والدي"، لأن القصاص يوم القيامة يكون بالحسنات، فإذا فنيت حسنات العبد أخِذ من سيئات مَنْ ظُلِم وحُطَّت على الظالم.

ã

خامساً: الخروج من الخصومات والمشاحنات

كذلك من أوجب الواجبات التي يجب علينا التخلص منها قبل حلول شهر الصيام والقيام التخلص من الخصومات والمشاحنات والخروج منها، وصلة هؤلاء وطلب العفو والسماح منهم، حيث لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، إلا إن كان صاحب بدعة أوفجور مجاهر بذلك، أما لحظوظ النفس فلا يحل ذلك، والمتصارمان أكثر من ثلاثة أيام لا يرفع لهما عمل حتى يتصالحا، سيما لو كان المخاصَمُ من ذوي الأرحام والقرابات.

ã

سادساً: محاولة التفرغ من الأعمال التي يشق معها الصيام، ويصعب معها القيام

على المسلم أن يجتهد أن يقضي الأعمال التي يشق معها الصيام، أويصعب معها القيام، أوتشغله عن الذكر وتلاوة القرآن، قبل حلول شهر رمضان، حتى يتفرغ لصيامه وقيامه، سيما لو كان رمضان في الصيف.

ã

سابعاً: تعجيل القضاء والكفارة

كذلك ينبغي لمن كان عليه قضاء أوكفارة أن يتعجل قضاء ذلك قبل حلول رمضان، وإلا يكون آثماً، إلا إذا كان المانع من ذلك عذراً شرعياً، وينبغي لأولياء الأمور والأزواج أن ينبهوا حريمهم لذلك، فمن أخر القضاء لغير عذر فعليه القضاء والإطعام عن كل يوم مسكيناً مع الإثم وتكرار الكفارة، والكفارة لا تكون إلا إطعاماً، أما نقداً فلا تصح ولا تجزئ، والعلم عند الله.

ã

ثامناً: أن يعزم على أن يصوم ويقوم إيماناً واحتساباً

أن يعزم على أن يصوم رمضان إيماناً واحتساباً، وعلى أن يقوم لياليه كذلك إيماناً واحتساباً، حتى ينال الفضل والثواب الذي وَعَد به الصادق المصدوق، وهو غفران ما تقدم من الذنوب.

ã

تاسعاً: أن يصوم صيام مودع لرمضان

كذلك على المرء أن يصلي صلاة مودع، وأن يصوم، ويحج، صوم وحج مودع، لعله لا يدرك رمضان القابل، فالعبادة عندما يؤديها العبد بهذه النية وبهذا الخوف يحافظ عليها ويحتاط فيها أكثر، ويخشى من فسادها وضياعها، فالموت آتٍ وكل آتٍ قريب، وهو أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، وإذا تمكن هذا الشعور من قلب المؤمن عوفي من الأدواء الخطيرة، وهي حب الدنيا، وطول الأمل، وكراهية الموت.

ã

عاشراً: أن يستقبلوه بالبهجة والسرور

ينبغي للمسلمين أن يستقبلوا رمضان بالبهجة، والسرور، والفرح، والحبور، كما يستقبلون الغائب العزيز، والضيف الكريم، كما كان يفعل سلفهم الصالح، فقد كانوا يستقبلون رمضان ستة أشهر، ويودعونه ستة أشهر كذلك، ولا ينبغي أن ينظروا إليه كضيف ثقيل، وزائر غير مرغوب فيه، وأن يستشعروا عظمته، ويستصحبوا فضائله، ويتذكروا جوائزه، فإن ذلك يخفف الصعاب، ويقلل المشاق.

اللهم بلغنا رمضان، وأعنا على الصيام والقيام، واحفظ جميع جوارحنا من الوقوع في الآثام، واجعلنا ممن يصومه ويقيم لياليه إيماناً واحتساباً، وأن لا يكون حظنا من الصيام الجوع والعطش، ولا من القيام السهر والتعب، وصلى الله وسلم وبارك على خير من صلى، وصام، واعتكف، وقام، محمد بن عبد الله وصحابته وآله الكرام العظام، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى أن تكتمل العدتان.

00000000000000000000

ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؟!

المراد بالقدر

ما ورد في فضلها

في أي الليالي تلتمس ليلة القدر؟

الأقوال المرجوحة أوالشاذة

العمل فيها

أفضل ما يقال فيها من الدعاء

علاماتها

 

لما قصرت أعمار هذه الأمة عن أعمار الأمم السابقة، حيث أصبحت أعمارهم تراوح بين الستين والسبعين وقليل من يتجاوز ذلك كما أخبر الصادق المصدوق، عوضهم ربهم بأمور أخر كثيرة منها منحهم هذه الليلة، وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، أي أن قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر من غيرها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

المراد بالقدر

سميت ليلة القدر بذلك لعدة معان، هي:

1.   لشرفها وعظيم قدرها عند الله.

2. وقيل لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، لقوله تعالى: "فيها يفرق كل أمر حكيم".

3.   وقيل لأنه ينزل فيها ملائكة ذوات قدر.

4.  وقيل لأنها نزل فيها كتاب ذو قدر، بواسطة ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، وأمة ذات قدر.

5.  وقيل لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً.

6.  وقيل لأن من أقامها وأحياها صار ذا قدر.

والراجح أنها سميت بذلك لجميع هذه المعاني مجتمعة وغيرها، والله أعلم.

ã

ما ورد في فضلها

يدل على فضل هذه الليلة العظيمة وعظيم قدرها وجليل مكانتها عند الله ورسوله ما يأتي:

من القرآن

1.    نزول سورة كاملة فيها، وهي سورة القدر، وبيان أن الأعمال فيها خير من الأعمال في ألف شهر ما سواها.

2.  قوله تعالى:" فيها يفرق كل أمر حكيم. أمراً من عندنا إنا كنا منزلين"، حيث يقدر فيها كل ما هو كائن في السنة، وهو تقدير ثان، إذ أن الله قدر كل شيء قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة.

السنة القولية والعملية

"من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف ويجتهد في الليالي المرجوة فيها ما لا يجتهد في غيرها من ليالي رمضان ولا غيره، حيث كان صلى الله عليه وسلم كما صح عن عائشة رضي الله عنها: "إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله".

ã

في أي الليالي تلتمس ليلة القدر؟

تلتمس ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، خاصة في الوتر منها، سيما ليلتي إحدى وعشرين وسبع وعشرين، وأرجحها ليلة سبع وعشرين.

فعن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر".

وعند مسلم: "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أوعجز فلا يغلبن على السبع البواقي".

وعن عائشة رضي الله عنها كذلك: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان".

ذهب علي، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة من الصحابة، والشافعي وأهل المدينة ومكة من الأئمة إلى أن أرجى لياليها ليلتا إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وقد رجح ذلك ابن القيم رحمه الله.

وذهب أبي بن كعب رضي الله عنه إلى أنها ليلة سبع وعشرين، وكان يحلف على ذلك، ويقول: "بالآية أوالعلامة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها".

وفي مسند أحمد عن ابن عباس أن رجلاً قال: "يا رسول الله، إني شيخ كبير عليل يشق عليَّ القيام، فمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر؛ قال: عليك بالسابعة".

وعن ابن عمر يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين"، أوقال: "تحروها ليلة سبع وعشرين".

ومن الناس من قال: إن وقع في ليلة من أوتار العشر جمعة فهي أرجى من غيرها، ولا دليل عليه، والله أعلم.

ã

الأقوال المرجوحة أوالشاذة

ما ذكرنا سابقاً هو المعتمد عند أهل العلم، وعليه عامة أهل السنة سلفاً وخلفاً، وهناك أقوال مرجوحة أوشاذة عن ليلة القدر، وهي:

1.   أنها رفعت.

2.   أنها في كل سبع سنين مرة.

3.   أنها في كل السنة.

4.   أنها في الشهر كله.

5.   أنها في أول ليلة منه.

ã

العمل فيها

أحب الأعمال لمن وفق وحظي بليلة القدر ما يأتي:

1. أداء الصلوات المكتوبة للرجال مع جماعة المسلمين، سيما الصبح والعشاء.

2. القيام، أي الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم:" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

3. الدعاء.

4. قراءة القرآن.

5. اجتناب المحرمات، دقيقها وجليلها.

ويمكن للمرء أن يجمع بين هذه كلها في الصلاة إذا أطال القيام، وسأل الله الرحمن واستعاذ به من النيران كلما مر بآية رحمة أوعذاب.

قال سفيان الثوري رحمه الله: (الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة، قال: وإذا كان يقرأ وهو يدعو ويرغب إلى الله في الدعاء والمسألة لعله يوافق).

قال ابن رجب: (ومراده ـ أي سفيان ـ أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسناً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها، والله أعلم؛ وقد قال الشعبي في ليلة القدر: ليلها كنهارها؛ وقال الشافعي في القديم: أستحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها).

ã

أفضل ما يقال فيها من الدعاء

أفضل ما يقال فيها من الدعاء: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني؛ يردده ويكثر منه داخل الصلاة وبين تسليمات القيام وفي سائر ليلها ونهارها.

فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيتَ إن وفقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "أعوذ برضاك من سخطك، وعفوك من عقوبتك".

وبما يسره الله له من الدعاء والذكر.

ã

علاماتها

هناك بعض العلامات التي يستدل بها البعض على ليلة القدر، ويعوزها كلها الدليل القاطع، وإنما هي اجتهادات وتخمينات لا يعتمد عليها، من تلك العلامات:

1. طلوع الشمس في صبيحتها من غير شعاع، كما استدل على ذلك أبي بن كعب رضي الله عنه.

2. وكان عبدة بن لبابة يقول: هي ليلة سبع وعشرين؛ ويستدل على ذلك بأنه قد جرب ذلك بأشياء وبالنجوم، والشرع لا يثبت بالتجارب.

وروي عنه كذلك أنه ذاق ماء البحر ليلة سبع وعشرين فإذا هو عذب.

3. أن ليلتها تكون معتدلة ليست باردة ولا حارة.

4. أن الكلاب لا تنبح فيها وكذلك الحمير لا تنهق فيها.

5. أن يرى نور.

6. الملائكة تطوف بالبيت العتيق فوق رؤوس الناس.

7. استجاب الله دعاء البعض في ليلة سبع وعشرين، وإجابة الدعاء ليست دائماً علامة صلاح، فالله كريم يجيب دعوة المضطر ولو كان فاسقاً أوفاجراً، وربما تكون إجابة الدعاء في بعض الأحيان من باب الاستدراج.

وأخيراً احذر أخي الصائم أن ينسلخ رمضان ولم تكن من المغفور لهم، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: "آمين، آمين، آمين!"، قيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت "آمين، آمين، آمين"، قال: "إن جبريل أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له، فدخل النار، فأبعده الله، قل: آمين؛ فقلت: آمين؛ ومن أدرك أبويه أوأحدهما فلم يبرهما، فمات، فدخل النار، فأبعده الله، قل: آمين؛ فقلت: آمين؛ ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك، فمات، فدخل النار، فأبعده الله، قل: آمين؛ فقلت: آمين".

واعلم أن الأعمال بخواتيمها، فإذا فاتك الاجتهاد في أول الشهر فلا تغلب على آخره، ففيه العوض عن أوله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير عباد الله أجمعين، وعلى آله وصحبه وأزواجه الطاهرين الطيبين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوه وفضله وكرمه، آمين.

0000000000000000000

هديه صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح في العشر الأواخر والاحتفاء بليلة القدر

أولاً: إحياء لياليها

ثانياً: إيقاظ الأهل

ثالثاً: شد المئزر

رابعاً: الاغتسال أوالاستحمام بين العشاءين

خامساً: لبس أحسن الثياب والتطيب

 

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية هذا الشهر، وذلك لفضلها وخصوصيتها، ولاحتوائها على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحياء ليله، وأيقظ أهله" متفق عليه، ولمسلم: "أحيا الليل، وأيقظ الأهل، وجد وشد المئزر"، وصح عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره".

فهديه صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح في هذه العشر يتمثل في الآتي:

أولاً: إحياء لياليها

المراد بإحياء الليل

ذهب أهل العلم في ذلك مذاهب، هي:

   إحياء الليل كله للمعتكف ولغيره.

   إحياء أغلب الليل، فما قارب الشيء يعطى حكمه.

   إحياء نصف الليل، ويؤيد ذلك ما صح عن عائشة عند مسلم قالت: "ما أعلمه قام ليلة حتى الصباح".

   أن إحياء ليالي العشر يحصل بقيام ساعة، وقد نقل الشافعي في الأم عن جماعة من أهل المدينة ما يؤيده.

   أن إحياءها يحصل بأن يصلي العشاء في جماعة ويعزم على صلاة الصبح في جماعة، يروى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، ويؤيد ذلك ما رواه مالك في موطئه عن ابن المسيب قال: "من شهد العشاء ليلة القدر يعني في جماعة فقد أخذ بحظه منها".

   بشهود العشاء والصبح في جماعة، وهذا مذهب الشافعي في القديم: من شهد العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها؛ ويؤيد ذلك ماروي عن أبي هريرة: "من صلى العشاء الآخرة في جماعة في رمضان فقد أدرك ليلة القدر".

   ويروى عن علي مرفوعاً بسند ضعيف، وعن أبي جعفر محمد بن علي مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عليه رمضان صحيحاً مسلماً، صام نهاره، وصلى ورداً من ليلله، وغض بصره، وحفظ فرجه ولسانه ويده، وحافظ على صلاته في الجماعة، وبكر إلى الجمعة، فقد صام الشهر، واستكمل الأجر، وأدرك ليلة القدر، وفاز بجائزة الرب عز وجل"، قال أبو جعفر: جائزة لا تشبه جوائز الأمراء.

ã

ثانياً: إيقاظ الأهل

كان من هديه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر إيقاظ أهله للصلاة فيها دون غيرها من الليالي، ففي حديث أبي ذر رضي الله عنه في الصبح: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ليلة ثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين"، ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة، ولهذا يتأكد إيقاظ الأهل في الوتر من ليالي العشر خاصة، وروى الطبراني في الأوسط من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة، لما ثبت في الصحيح، وقد صح عنه أنه كان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر، وصح عنه أنه كان يطرق فاطمة وعلياً ليلاً فيقول لهما: ألا تقومان فتصليان.

وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله له أن يصلي، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة؛ ويتلو هذه الآية: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها".

قال سفيان الثوري: أحب إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه، وينهض زوجه وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك.

ã

ثالثاً: شد المئزر

المراد بشد المئزر قولان:

1.   كناية عن الاجتهاد في العبادة والقيام.

2.   اعتزال النساء، وهذا للمعتكف خاصة.

ã

ثالثاً: تأخير العَشَاء إلى السحر

لأن هذا يعين على القيام، والتخمة والشبع مانعان عن ذلك.

فقد روت عائشة وأنس أنه صلى الله عليه وسلم كان في ليالي العشر يجعل عشاءه سحوراً؛ وفي رواية عن عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شد المئزر، واجتنب النساء، واغتسل بين الأذانين، وجعل العَشَاء سحوراً".

وقد صح عنه أنه كان يواصل في الصيام بين الأيام، وهذا من خصائصه التي لا يشاركه فيها أحد، لأنه كان يبيت يطعمه ربه ويسقيه، وقد أجاز بعض أهل العلم لغيره الوصال إلى السحر.

ã

رابعاً: الاغتسال أوالاستحمام بين العشاءين

وذلك لتجديد النشاط على القيام، لحديث عائشة السابق: "واغتسل بين العشاءين"، أي المغرب والعشاء.

ã

خامساً: لبس أحسن الثياب والتطيب

قال ابن جرير رحمه الله: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة، ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر.

ينبغي لمن لم يتمكن من الاعتكاف أن يحرص على ذلك، فما لا يدرك كله لا يترك جله، وعليك أخي الكريم باستحضار القلب واستصحاب النية الطيبة الخالصة، فإنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، وإنما يتقبل الله من المتقين.

قال جبير: (قلت للضحاك: أرأيت النفساء والحائض والمسافر والنائم لهم في ليلة القدر نصيب؟ قال: نعم، كل من تقبل عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر.

إخواني، المعول على القبول لا على الاجتهاد، والاعتبار ببر القلوب لا بعمل الأبدان، ورب قائم حظه من قيامه السهر، كم من قائم محروم، ومن نائم مرحوم، هذا نام وقلبه ذاكر، وهذا قام وقلبه فاجر، لكن العبد مأمور بالسعي في اكتساب الخيرات، والاجتهاد في الأعمال الصالحات، وكل ميسر لما خلق له.

فالمبادرة إلى اغتنام العمل فيما بقي من الشهر، فعسى أن يستدرك به ما فات من ضياع العمر).

***************

الباب الثامن - ركن  العقيدة

من الحركات الباطنية الهدَّامة البهائية

مؤسس هذه النحلة

تطور النحلة ونشأتها

أ. البابية

ب. ظهور البهائية

من عقائد البهائية

الخلاصة

من فضل الله تعالى على هذه الأمة أن حفظ لها أصول دينها: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، والذكر يشمل القرآن والسنة، وأن هيأ لها العلماء الربانيين، والأحبار الراسخين، الذين ينفون عن الكتاب والسنة تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

لقد ابتليت الأمة الإسلامية في هذا العصر بكم هائل من الحركات الهدامة، والأفكار المنحرفة، والعقائد الباطلة، ما لم تواجه به في عصورها المختلفة، ولولا أن الله عصمها من أن تجتمع على ضلالة لاندثرت معالمها وعفي أثرها، كيف لا؟ وقد تجمعت قوى الشر واتحدت، وعملت بخطى ثابتة، وخطط مدروسة، ونَفَس طويل على إزالة الإسلام من الساحة، بحيث لم يدر المصلحون من أين يبدأوا ولا بم يعتنوا.

تكاثرت الظباء على خـراش                      فما يدري خراش ما  يصيد

لقد قل اوانعدم البناؤون، وكثر وتعدد الهادمون، وتوحدت هموم الأعداء على القضاء على الإسلام، وإقصائه من مناحي الحياة المختلفة، مع اختلاف قلوبهم وتنوع مشاربهم: "تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى"، مما يجعل المرء يعجب لصمود هذا الدين.

متى يبلغ البنيان يوماً تمـامه                    إذا كنت تبنيه وغيرك يهـدم

ولو ألف بانٍ خلفهم هادم كفى                     فكيف ببانٍ خلفه ألف هــادم

من مظاهر العداء السافرة لهذا الدين، زرع قوى الشر من أهل الكتاب والمشركين، وتبنيها، واعتناؤها، وتمويلها، ورعايتها لبعض الفرق الهدامة والأفكار المنحرفة التي تنخر في كيان الأمة الإسلامية، وتفت في عضدها، وتعمل على مسخها وتشويهها وزعزعة الثقة في دينها، بله واختراق بعض الأحزاب والجماعات الإسلامية.

يمثل ذلك أصدق تمثيل تبني الكفار من كتابيين، ومشركين شيوعيين، وغيرهم من الهالكين والخالفين، لفرقة البهائية والحزب الجمهوري لمؤسسه الصوفي الباطني الزنديق محمود محمد طه، حيث تضافرت قوى الشر من الإنجليز والروس الشيوعيين على زرع هذه النبتة الشيطانية في شرقي العالم الإسلامي - إيران والعراق - في القرن الماضي، ويسعى خلفهم الطالح لإدخالها في بعض البلاد الإسلامية السودان وتبنيها والدفاع عنها، مستترين بها كواجهة إسلامية بعد أن فشلوا في ترويج كفرهم الصراح.

كما تبنى الكفار من أمريكان وشيوعيين ترجمة كفريات وضلالات الزنديق محمود محمد طه برطاناتهم، والدفاع عنه بعد هلاكه على صفحات الصحف اليومية وفي بعض المواقع.

وبعد..

فهذا بحث مختصر، وفكرة موجزة عن إحدى تلك الفرق الهدامة المارقة عن الإسلام، ألا وهي فرقة البهائية، كتبته نصحاً لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم.

وقد دفعني إلى ذلك استيراد بعض الشيوعيين والمنافقين باسم التجمع لهذه النبتة الشيطانية من أسمرا إلى الخرطوم، وتبنيهم لها، ودعمهم إياها، لأنها من الوسائل الناجحة لإضلال الناس عن دينهم، مستغلين في ذلك نفس الوسائل التي يستغلها المنصرون في الدول الفقيرة، حيث يقدمون بعض المساعدات الرخيصة بالشمال، والإنجيل أوالانسلاخ من الإسلام باليمين، لينتبه المسؤولون، وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.

فما هي البهائية؟ ومن زعيمها؟ وأين نشأت؟ وما هي أخطر عقائدها؟

نقول وبالله التوفيق:

ã

مؤسس هذه النحلة

مؤسس هذه النحلة هو المدعو الميرزا حسين علي المازندراني.

ولد بقرية "نور" من قرى المازندران بإيران، وقيل بطهران، في 2 من المحرم 1233هـ، الموافق اليوم الثاني عشر من نوفمبر 1817م.

كانت أسرة الميرزا لها علاقات وطيدة بالسفارة الروسية بطهران، وكان له هو علاقات وطيدة بالإنجليز والروس فيما بعد، وظهرت عمالته لهم وتبنيهم له بصورة جلية واضحة.

تلقى العلوم الشيعية والصوفية منذ الصغر.

نفي عدة مرات إلى أدرنة وبغداد، وإلى الأستانة.

هلك في 28 من مايو 1892م، عندما بلغ عمره الخامسة والسبعين، بعدما أصيب بالجنون، وخلف ثلاث زوجات وعدداً من الأبناء والبنات، ووصى المازندراني أن يخلفه ابنه الأكبر عباس ويليه الأصغر منه الميرزا محمد علي.

ã

تطور النحلة ونشأتها

أ. البابية

نشأت هذه النحلة في بيئة شيعية مستغلة فكرة المهدي المنتظر عند الشيعة، ولا شك أن البيئة الشيعية وتليها الصوفية من أخصب وأرتع الأماكن لنشوء مثل هذه الحركات الهدامة، حيث أفرزت العديد من الأفكار المنحرفة والفرق الضالة السابقة واللاحقة لها.

من تلكم الدعوات السابقة على سبيل المثال لا الحصر التي سبقت البابية وسليلتها البهائية في تلكم البيئة الرافضية في إيران الدعوة التي قام بها أحمد زين الإحسائي (1157-1242هـ) وله أتباع يعرفون "بالشيخية".

وتلاه داعية آخر من شيعة إيران كذلك يسمى كاظم الرَّشَتِّي (1209-1259هـ).

تأثر بدعوة هذين الرجلين شاب عامي غر غال يدعي العلم والفهم من غير تعلم ولا شيخ، صحب كاظماً الرَّشَتِّي هذا في أخريات أيامه وحضر دروسه.

تعرف عليه في هذه الدروس رجل يدعى "ملا حسين البشروئي"، بعد هلاك كاظم هذا استغل البشروئي سذاجة هذا الغر، وغلوه، وجهله، وأوهمه أنه سيكون له شأن أي شأن، وأنه قد يكون باباً للمهدي المنتظر يبلغ عنه، وأنه يرجو أن يكون له باب الباب، فيعينه بكل ما يحتاج إليه من وسائل الجدل والمناظرة.

أعلن هذا الشاب المعروف بعلي محمد الشيرازي الذي لم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين، ما مناه به شيخه شيخ السوء البشروئي دعوته في 5 من جمادى الأولى 1260هـ، بأنه باب المهدي، وسرعان ما طمع فيما هو فوق الباب حيث ادعى أنه المهدي المنتظر، ذلكم الطفل الموهوم الذي تزعم الخرافة الشيعية أنه ولد 255هـ، وغاب الغيبة الصغرى في سرداب سامراء 260هـ، ومن حين لآخر يزعم البعض أنه هو المهدي المنتظر.

عندما أعلن دعوته تبعه نفر من أتباع أحمد زين الإحسائي، وتفرقوا في البلاد يدعون الناس إلى هذا المذهب وإلى هذه النحلة.

عقدوا لهم مؤتمراً بـ"بدشت" 1264هـ ومن تبعهم، بحجة وضع خطة لتخليص الباب من المعتقل في قلعة "ماكو"، وفي الحقيقة كان اجتماعهم لتغيير الشريعة والإتيان بدين جديد.

هذه الحلقة الأولى لهذه النحلة التي تعرف "بالبابية" نسبة لباب المهدي.

ã

ب. ظهور البهائية

أعدم الباب علي محمد الشيرازي في شعبان 1266هـ وخلفه على زعامة البابية ميرزا حسين المازندراني (1233-1309هـ)، ولكن ما لبث هذا الخلف أن غير في عقيدتها، وادعى أنه هو "بهاء الله"، أي نوره تجلى فيه، وأن الباب مثل موسى، وعيسى، ومحمد، جاء ليبشر بمجيء البهاء، وهذه هي مهمة جميع الأنبياء في زعمه، حيث بعثوا ليبشروا بظهوره، نازعه كبراء هذه الطائفة في زعامتها، ولم يدخل بعضهم في دعوته الجديدة، وبقوا على بابيتهم.

نفى البهاء هذا إلى أدرنة، ثم إلى عَكَّا بفلسطين، وإلى إسطنبول.

ã

من عقائد البهائية

أولاً: هذه النحلة من الحركات الباطنية التي تؤول القرآن تأويلاً يقوم على الهوى، والذوق، والكشف.

ثانياً: يعتقد البهائيون أن المازندراني رب، وإله، وقِبْلة.

ثالثاً: جحدوا كل أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، ويعتبرون كل ما يضاف إلى الله عز وجل إنما هم رموز لأشخاص امتازوا من بين البشر، فهم مظاهر أمر الله ومهابط وحيه.

رابعاً: أنكروا البعث بعد الموت وما بعده، حيث يعتقدون أن القيامة الكبرى هي مجيء ميرزا حسين المازندراني الذي لقب نفسه ببهاء الله، أي مظهره، فالقيامة قيامه، والبعث رسالته، واليوم الآخر يوم ظهوره، ولقاء الله كناية عن لقائه، والنفخ في الصور كناية عن الجهر بدعوته، والجنة الانتماء إليه، والنار مخالفته وعناده.

خامساًً: يزعمون أن لآيات الكتاب معانٍ غير التي فهمها العلماء والمفسرون من أهل الإسلام.

سادساً: يعتقدون أن دينهم ناسخ للقرآن ولشريعة المنزل عليه القرآن.

سابعاً: يكفرون كل من لم يعتقد فيما جاء به البهاء، حيث ادعى أن كل من كان يدين بالقرآن حتى ليلة القيامة والساعة، ويقصد بها قيامه بالدعوة، فهو على الحق، ومن لم يتبعه ويؤمن به بعد إعلان دعوته، وهو الساعة الثانية والدقيقة الحادية عشرة لغروب شمس اليوم الرابع من جمادى الأولى 1260هـ، فهو كافر مهدر الدم والمال.

ثامناً: يعتقدون بنبوة بوذا، وكنفشيوس، وبرهمة، وزرادشت، وأمثالهم من فلاسفة الصين، والهند، ومن حكماء الفرس القدامى.

تاسعاً: أن الرسالة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم.

عاشراً: وضعت البهائية لأتباعها شرعاً مخالفاً لشرع محمد صلى الله عليه وسلم في الزكاة، والحج، والصيام، والزواج، والجنائز، وغيرها.

أحد عشر: لهم طرائق سرية غامضة تشبه تلك التي تسلكها الماسونية.

الثاني عشر: يغررون بالسذج ويستغلون فقرهم وجهلهم.

الثالث عشر: استغلهم الكفار من يهود، ونصارى، وشيوعيين، في تشويه الإسلام وزعزعة عقائد أبنائه، حيث تبنوها، واحتضنوها، وأظهروها بأنها فرقة من الفرق الإسلامية.

الرابع عشر: إباحة نكاح الأقارب المحرمات.

الخامس عشر: الحج عندهم للبيت الذي أقام فيه المازندراني ببغداد، والبيت الذي سكنه علي محمد الشيرازي بشيراز، وهو واجب على الرجال دون النساء.

السادس عشر: إباحة الزنا وتحريم التعدد.

السابع عشر: الصوم يرفع عن المرضى، والمسافرين، والكسالى.

ã

الخلاصة

أولاً: البهائية من الحركات الباطنية الهدامة والعقائد الباطلة التي قامت على أنقاض الإسلام.

ثانياً: الدخول في هذه النحلة والإيمان بما جاءت به يعتبر كفراً بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً: لا يحل لمؤمن أن يتعاون مع هذه النحلة أوأحد من أفرادها بأي نوع من أنواع التعاون، نحو تأجير المحال لهم أوالعمل معهم.

رابعاً: ينبغي لولاة الأمر أن يقضوا على هذه النبتة الشيطانية في مهدها، وأن لا يسمحوا لها بالعمل تحت أي مظلة من المظلات.

خامساً: لا ينبغي لمسلم أن يتعاطى شيئاً من المساعدات من هذه النحلة المشبوهة، إذ لا يحل لأحد أن يبيع دينه بعرض من أعراض الدنيا مهما كانت حاجته.

سادساً: فضح مثل هذه الحركات وبيان مخالفتها للإسلام من أجل القربات.

اللهم احفظ علينا ديننا وإسلامنا، ونسأله أن لا يزيغ قلوبنا بعد أن هدانا للإسلام، وأن يحيينا على الإسلام، ويتوفانا على الإيمان، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان.

000000000000000000

علامات أهل السُّنة

لأولى: الالتزام بالكتاب والسنة

الثانية: الاشتغال بطلب العلم الشرعي

الثالثة:  وصف الله عز وجل بكل ما وصف به نفسه

الرابعة: الإيمان بأن القرآن كلام الله غير مخلوق

الخامسة: الإيمان قول وعمل واعتقاد

السادسة: الإيمان بعلم الله وقضائه وقدره

السابعة: الحكم على الناس بما ظهر منهم

الثامنة: لا ننزل أحداً من أهل القبلة الموحدين جنة ولا ناراً

التاسعة: الإيمان بالحساب، والحوض، والميزان، والصراط، والجنة، والنار

العاشرة: الإيمان بعذاب القبر

الحادية عشرة: الإيمان بالشفاعة

الثانية عشرة: الإيمان برؤية المؤمنين لربهم في الجنة

الثالثة عشرة: خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين هم الصحابة

الرابعة عشرة: لا ينتقص أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

الخامسة عشرة: السكوت عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

السادسة عشرة: الصحابة كلهم عدول

السابعة عشرة: المحافظة على صلاة الجماعة

الثامنة عشرة: الصلاة خلف كل مسلم مستور الحال

التاسعة عشر: الصلاة على كل مسلم مستور الحال

العشرون: الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة مع كل بر وفاجر

الحادية والعشرون: عدم التكفير بكل معصية

الثانية والعشرون: إكفار من أكفره الله ورسوله

الأدلة على أن الكفر الأكبر منه ما هو اعتقادي ومنه ما هو عملي

الثالثة والعشرون: طاعة أولي الأمر وعدم الخروج عليهم

الرابعة والعشرون: حب العرب والعربية، ونبذ الشعوبية والعنصرية

الأدلة على فضل جنس العرب، ثم قريش، ثم بني هاشم

الخامسة والعشرون: هجر أهل الأهواء

السادسة والعشرون: إذا ذكرت الأهواء لم يغضب لشيء منها

السابعة والعشرون: الخوف والحذر من البدع والمحدثات

آثار وردت في ذم البدع والنهي عن مداخلة أصحابها والغضب عليهم

أخطر الأهواء

الثامنة والعشرون: العمل بأحاديث الآحاد واعتقاد أنها تفيد العلم القطعي والعمل

التاسعة والعشرون: الحذر من الخصومات في الدين، والجدل، والمراء

الثلاثون: حب العلماء وعدم تتبع زلاتهم والحرص على عدم انتقاصهم

نماذج من توقير السلف لعلمائهم

الحادية والثلاثون: النصح لكل مسلم

الثانية والثلاثون: الوسطية

خاتمة

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وترك أمته على المحجة البيضاء والحنيفية السمحة، لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه االله عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته، ورسولاً عن قومه، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

السنة هي الإسلام، هي الشريعة، هي الدين، هي الصراط المستقيم، والنهج القويم، وأهلها هم أهل الإسلام والإيمان، هم السواد الأعظم، هم الجماعة، هم الأمة الوسط، هم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، هم نقاوة المسلمين، هم أهل الحديث والآثار، ولهذا ما من فرقة أوطائفة من طوائف أهل القبلة إلا وهي تدَّعي الانتساب إليها، وتتشرف بالانتماء إليها بلسان المقال، حتى المارقة منها.

وكلٌ يدعي وصلاً بليلى                  وليلى لا تقر لهم بذاك

لكن هذا الادعاء والانتساب سرعان ما يكذبه لسان الحال، حيث ميَّز الله أهل السنة والجماعة بميزة فريدة هي الاتباع والاقتداء والتأسي برسول الإسلام وصحابته الكرام، حتى قال رسوله صلى الله عليه وسلم في افتراق الأمة كما صح عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يرفعانه: "افترقت اليهود على إحدى أواثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أواثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة"، فقيل: ما الواحدة؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي اليوم".

وبعد..

فلأهل السنة علامات وصفات مجمع عليها، ذكرها أئمة أهل السنة الأقدمون منهم والمحدثون في مؤلفاتهم، وهي من المسلمات التي لا يجادل فيها أحد، نود ذكر طائفة منها حتى يعلم المدعون أين موقفهم منها، ويتذكر الغافلون من أتباعها ما نسوه منها، وليحذروا من تلبيس الملبسين.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الذي أمرنا ربنا بطاعته في كل صغير وكبير، وحقير وجليل، من غير قيد ولا شرط، حيث قال: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"، ولم يوجب علينا طاعة أحد في كل ما يقول سواه، مهما كانت منزلته، وحذرنا من تقليد ديننا الرجال، ورحم الله مالكاً وغيره حيث قالوا: "كل يؤخذ من قوله ويُترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم".

والعلامات، بعد تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر، واتباعه في ما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، هي:

الأولى: الالتزام بالكتاب والسنة

الالتزام بكتاب الله، وبما صحَّ من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف هذه الأمة، لا يحيد عن ذلك، ويدور مع الدليل حيث دار.

ã

الثانية: الاشتغال بطلب العلم الشرعي

الاشتغال بطلب العلم الشرعي، لعلمه أن العلم قائد والعمل تبع له: "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات"، وأن عملاً قليلاً في سنة خير من كثير في بدعة.

ã

الثالثة:  وصف الله عز وجل بكل ما وصف به نفسه

يصف الله عز وجل بكل ما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو أعلم الخلق به، من غير تأويل، ولا تعطيل، ولا تشبيه، ولا تمثيل، وأن يمر آيات وأحاديث الصفات كما جاءت، ورحم الله مالكاً عندما قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، وأمر بالمعتزلي أن يخرج من مجلسه.

ã

الرابعة: الإيمان بأن القرآن كلام الله غير مخلوق

الإيمان بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، قال تعالى: "وكلم الله موسى تكليماً"، وقال: "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم اللهُ"، وقال: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله".

قال أحمد رحمه الله: (والقرآن كلام الله تكلم به، ليس بمخلوق، ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف، ولم يقل: ليس بمخلوق، فهو أخبث من قول الأول، ومن زعم أن ألفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله، فهو جهمي، ومن لم يكفِّر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم).

وعندما قال حفص المنفرد المعتزلي للشافعي: القرآن مخلوق؛ قال له الشافعي: كفرتَ وربِّ الكعبة.

ã

الخامسة: الإيمان قول وعمل واعتقاد

الإيمان قول وعمل واعتقاد، قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والآثام، وأن أعمال القلوب والجوارح من الإيمان، ولهذا يعرفه بعضهم بأنه: قول وعمل ونية.

وقد حكى غير واحد من أهل العلم إجماع الصحابة، والتابعين، والفقهاء، والمحدثين على ذلك، منهم على سبيل المثال: الشافعي، والبغوي، وابن عبد البر، رحم الله الجميع.

قال أحمد رحمه الله: (ومن زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجئ، ومن زعم أن الإيمان هو قول والأعمال شرائع فهو مرجئ).

ã

السادسة: الإيمان بعلم الله وقضائه وقدره

الإيمان بعلم الله وقضائه وقدره، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن الله خلق العباد وأعمالهم: "والله خلقكم وما تعملون"، وأن العبد مسؤول عن أفعاله الاختيارية ومجازى عليها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وأنه لا حجة لأحد في قدر الله في ارتكاب المعاصي.

وأن إرادة الله نوعان: شرعية، وهي شاملة للأمور التي أرادها الله وأحبها، وهي الطاعات والقربات؛ وكونية، وتشمل المعاصي وعمارة الكون.

فالكفر والشرك كله بإرادة الله الكونية، لأنه لا خالق إلا الله.

ومن زعم أن الإنسان خالق لفعله فقد أثبت للعالم خالقان، وهذه عقيدة المجوس.

ã

السابعة: الحكم على الناس بما ظهر منهم

الحكم على الناس بما ظهر منهم، أما نياتهم وسرائرهم فلا يطلع عليها إلا علام الغيوب، فمن أظهر خصيصة من خصائص الإسلام حكمنا بإسلامه.

ã

الثامنة: لا ننزل أحداً من أهل القبلة الموحدين جنة ولا ناراً

ã

لا ننزل أحداً من أهل القبلة الموحدين جنة ولا ناراً ولا نشهد لأحد بذلك إلا من شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء كانت شهادة خاصة كشهادته للعشرة المبشرين بالجنة، وخديجة، وبلال، وعكَّاشة بن محصن، والحسن، والحسين، وغيرهم كثير، أوكانت شهادة عامة لجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكلاً وعد الله الحسنى"، والحسنى هي الجنة، إذ لا يوجد شيء أحسن منها إلا رؤيا المؤمنين لربهم ومولاهم في الجنة.

ã

التاسعة: الإيمان بالحساب، والحوض، والميزان، والصراط، والجنة، والنار

الإيمان بالحساب، والحوض، والميزان، والصراط، والجنة، والنار، كما صحت بذلك الأخبار عن الله ورسوله.

ã

العاشرة: الإيمان بعذاب القبر

الإيمان بعذاب القبر أعاذنا الله وإياكم منه فالقبر إما روضة من رياض الجنة، أوحفرة من حفر النار، وأنه حسي ومعنوي، يصيب الجسد والروح معاً، والله قادر أن يوصله لأي ميت قبر أم لم يُقبر، أكلته السباع أوأحرق بالنار.

ã

الحادية عشرة: الإيمان بالشفاعة

الإيمان بالشفاعة في الآخرة لنبينا ولغيره من الأنبياء، والملائكة، والرحم، والقرآن، والمؤمنين، يتمتع بها من مات لا يشرك بالله شيئاً، ولها شرطان:

1.  إذن الرب للشافع.

2.  ورضاه عن المشفوع له.

قال تعالى عن الكفار والمشركين: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين".

ولرسولنا سبع شفاعات، هي:

1.  الشفاعة الكبرى لأهل المحشر.

2.  شفاعته لأهل الكبائر في الخروج من النار.

3.  شفاعته لأهل الجنة في دخولها.

4.  شفاعته في قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.

5.  شفاعته في سبعين ألف من أمته مع كل ألف سبعون ألف.

6.  شفاعته لمن دخل الجنة أن يرفعوا إلى درجات عليا.

7.  شفاعته لعمه أبي طالب في تخفيف العذاب عنه، وليس بخروجه من النار.

وكل هذه الأنواع ثابتة بالكتاب والسنة.

ã

الثانية عشرة: الإيمان برؤية المؤمنين لربهم في الجنة

الإيمان برؤية المؤمنين لربهم في الجنة، حين يحجب عن ذلك الكافرون: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة"، "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون".

وفي الحديث الصحيح: "إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون فيه".

متعنا الله وإياكم برؤياه، وحشرنا في زمرة أوليائه.

ã

الثالثة عشرة: خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين هم الصحابة

خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين هم الصحابة المهديون، أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، الذين شهد القرآن والكتب السماوية بفضلهم، ونطقت السنة المطهرة بما تميزوا به عن غيرهم: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار".

وقال صلى الله عليه وسلم: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" الحديث.

قال ابن مسعود رضي الله عنه في مدح الصحابة وبيان فضلهم على من بعدهم، حاضاً على التأسي والاقتداء بهم، واتخاذهم القدوة المثلى والأسوة الحسنة: (من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها خلالاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم).

وقال الشافعي في رسالته البغدادية التي رواها عنه الحسن بن الزعفراني، وهذا لفظه : (قد أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله وهنأهم بما آتاهم من ذلك بلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، أدوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً، وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم، واجتهاد، وورع، وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد، وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى، أوحكي لنا عنه ببلدنا، صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة إلى قولهم إذا اجتمعوا، أوقول بعضهم إن تفرقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله).

وإن أفضل الصحابة هم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون، أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، ولهذا روي عن سفيان الثوري رحمه الله أنه قال: (من قدم علياً على أبي بكر فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وأخشى أن لا يقبل له عمل).

ã

الرابعة عشرة: لا ينتقص أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

الصحابة رضوان الله عليهم بشر غير معصومين، تجوز عليهم الكبائر والصغائر، مع ندرة حدوث ذلك منهم، وسابق مغفرته وتجاوزه عنهم: "ما ضرَّ عثمان بعد اليوم"، "اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ"، "من يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم".

حكم سب وانتقاص الصحابة منه ما هو كفر، نحو:

1.  وصف جميعهم أومعظمهم بالكفر، والردة، والفسق، والتضليل.

2.  تضليل وتكفير الخلفاء الراشدين.

3.  اتهام عائشة بما برأها الله منه.

ومن صدر منه شيء من ذلك فقد كفر، وحكمه القتل.

أما من انتقصهم أوبعضهم بما دون ذلك نحو البخل وسوء التدبير فهو فاسق، وعقوبته أن يُعزر ويؤدب بما يناسبه، ويوقف غيره عند حده.

قال هشام بن عمار: سمعت مالكاً يقول: "من سب أبابكر وعمر قتل، ومن سب عائشة رضي الله عنها قتل، لأن الله تعالى يقول فيها: "يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين" ، فمن رماها فقد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قتل".

وقال مرة: "من سب أبابكر جلد ومن سب عائشة قتل"، قيل له: لِمَ؟ قال: "من رماها فقد خالف القرآن".

مراده في هذه الرواية والله أعلم أن من سب أبابكر بغير الكفر والتضليل، أما من رماه بالكفر والتضليل وتحريف الكتاب العزيز فلا شك في كفره عند مالك ولا غيره.

بل ذهب مالك إلى تكفير وتضليل كل من أصبح وفي قلبه غل على أي فرد من آحاد الصحابة، فكيف بسادتهم وكبرائهم؟

جاء في تفسير قوله تعالى: "ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا" عن الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وما أحسن ما استنبطه الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية الكريمة، أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب، لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم: "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم").

روى ابن أبي زيد عن سُحنون قال: "من قال في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي أنهم كانوا على ضلال وكفر قتل، ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل ذلك نكل النكال الشديد".

وقال الهيثمي: (الخلاف فيمن سب بعضهم، أما سب جميعهم فلا شك أنه كفر).

وقال البغدادي: (وقالوا بتكفير كل من أكفر واحداً من العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقالوا بموالاة جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأكفروا من أكفرهن، أوأكفر بعضهن).

وقال القاضي عياض: (وسب أحدهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا ومذهب الجمور أنه يعزر لا يقتل).

هذا إن سبهم من غير تضليل أوتكفير.

وقد صح عن أنس عند الشيخين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار"، وفي رواية: "لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق"، وقد ضرب عمر بالدرة من فضَّله على أبي بكر، ثم قال: "أبوبكر خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا وكذا"، وقال: "من قال غير هذا أقمنا عليه ما يقام على المفتري".

وقال علي كذلك: "لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري".

بل لا ينبغي لأحد أن يفضل تابعياً مهما كانت منزلته ومكانته ولو كان عمر بن عبد العزيز على أحد من الصحابة.

فقد أنكر التابعي الجليل يزيد بن الأسود على من فضل عمر بن عبد العزيز على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وقال: "لمداد في ثوب معاوية لأنه كان من كتاب الوحي خير من ملء الأرض من عمر بن عبد العزيز"، وفي رواية: لشعـرة في أنف معاوية خير من ملء الأرض من عمر بن عبد العزيز".

وقال هارون الحمَّال: سمعتُ أحمد بن حنبل وأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله: إن هاهنا رجلاً يفضل عمر بن عبد العزيز على معاوية بن أبي سفيان، فقال أحمد: "لا تجالسه، ولا تؤاكله، ولا تشاربه، وإذا مرض فلا تعده").

فقد صدقا، فإن الله اختار أصحابه لنبيه اختياراً، وشرفهم بالنظر إليه والجهاد معه، فلا يمكن لأحد أن يدانيهم أبداً.

ã

الخامسة عشرة: السكوت عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

من علامات السني التي تميزه عن البدعي عدم الخوض فيما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدوتهم في ذلك ابن عمر، وقد كان شاهداً ومعاصراً لتلك الأحداث، ومع ذلك كان إذا سئل عنها قال: "تلك فتنة طهر الله منها أيدينا وسيوفنا، ولا نريد أن نخوض فيها بألسنتنا".

والخليفة الراشد والإمام العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله، الذي كان يقول إذا سئل عنها: "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت".

ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال: الأخبار التي وردت في الفتن جلها كذب، وبعضها زيد فيه ونقص، وما صح منها فالصحابة فيه مجتهدون مأجورون، إما أجراً واحداً وإما أجرين.

أخرج الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا".

يقول أبونُعَيْم: (فالإمساك عن ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر زلاتهم، ونشر محاسنهم ومناقبهم، وصرف أمورهم إلى أحسن الوجوه، من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسان، الذين مدحهم الله عز وجل بقوله: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان".

إلى أن قال:

لم يأمرهم بالإمساك عن ذكر محاسنهم وفضائلهم، إنما أمروا بالإمساك عن ذكر أفعالهم وما يفرط منهم في ثورة الغضب وعارض الموجدة).

كان عدد الصحابة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وظهور الخلاف عشرة آلاف، فما شارك في الفتنة سوى أربعين أوثلاثين.

قال محمد بن سيرين رحمه الله: (هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين).

أي كل الذين كانوا مع علي، ومعاوية، وعائشة، وطلحة، والزبير رضي الله عنهم جميعاً لم يزد عددهم على الثلاثين، وما كان أحد منهم يريد القتال، ولكن مؤججي الفتنة في كل فريق كانوا هم السبب في حدوث القتال وإراقة الدماء.

وكان الجميع مجمعين على تقديم علي وعلى أفضليته، ولم يكن هدفهم منازعته، ولكنهم طالبوه بالقصاص من قتلة عثمان، وأن يسلمهم إليهم، وكان علي يرى أن يدخلوا أولاً في بيعته، ثم بعد ذلك يتعاون الجميع في الاقتصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه.

فالكل مجتهد، والكل مأجور إن شاء الله، وإن كان الحق مع علي رضي الله عنه.

فعائشة رضي الله عنها لم تخرج طالبة زعامة، وإنما خرجت تريد الصلح بين الفريقين، وقد أشار عليها بذلك مروان بن الحكم.

يقول عمر بن شبة: (إن أحداً لم ينقل عن عائشة ومن معها نازعوا علياً في الخلافة، ولا ادعوا أحداً ليولوه الخلافة، وإنما أنكروا على علي منعه من قتال قتلة عثمان، وترك الاقتصاص منهم).

وكانت عائشة رضي الله عنها بعد إذا ذَكَرَت خروجها أوذُكِّرَت به تبكي حتى تبل خمارها.

وذكر الذهبي رحمه الله: (أن أبا مسلم الخولاني وأناساً معه جاءوا إلى معاوية، وقالوا: أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: لا والله، إني لأعلم أنه أفضل مني، وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً، وأنا ابن عمته، والطالب بدمه، فأتوه فقولوا له، فليدفع إليَّ قتلة عثمان، وأسلم له؛ فأتوا علياً فكلموه، فلم يدفع إليه).

وفي رواية عند ابن كثير في "البداية والنهاية": (فعند ذلك صمم أهل الشام على القتال مع معاوية).

قلت: ما كان في مقدور علي رضي الله عنه في ذلك الوقت أن يسلم إليهم قتلة عثمان أوأن يقتص منهم، لأن عثمان قتل في فتنة، ونفس الذين قتلوا عثمان بايعوا علياً، وكانت لهم شوكة ومنعة، بدليل أن معاوية رضي الله عنه والذين جاءوا من بعده لم يتمكنوا من الاقتصاص من قتلة عثمان.

الخوض والبحث والتفتيش في الفتنة التي حدثت بين الصحابة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه لا فائدة منه، لأسباب هي:

أولاً: نحن غير مسؤولين عن ذلك.

ثانياً: البحث والتفتيش عن ذلك يحتاج إلى جهد وإلى تثبت وتحقق من نقلة أخبارها وهذا أمر عسير.

ثالثاً: جل المصادر التي أرخت لذلك قديماً وحديثاً مصادر مشبوهة لها غرض في تزييف الحقائق وتزويرها.

يقول الإمام أبوبكر بن العربي في كتابه القيم: "العواصم من القواصم" محذراً من بعض المؤرخين والأدباء وحتى بعض المفسرين: (إنما ذكرت لكم هذا لتحترزوا من الخلق، وخاصة من المفسرين، والمؤرخين، وأهل الأدب، بأنهم أهل جهالة بحرمات الدين، أوعلى بدعة مصرين، فلا تبالوا بما رووا، ولا تقبلوا رواية إلا عن أئمة الحديث، ولا تسمعوا لمؤرخ كلاماً إلا للطبري، وغير ذلك الموت الأحمر، والدواء الأكبر).

ومما تجدر الإشارة إليه التحذير من كتب بعض المحدثين أمثال النصراني الماروني جورجي زيدان وطه حسين، وغيرهما كثير.

ã

السادسة عشرة: الصحابة كلهم عدول

من علامات أهل السنة المميزة لهم عن أهل الأهواء اعتقادهم في عدالة جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم، فقد اختارهم الله اختياراً لصحبة نبيه، ونقل دينه، والمحافظة عليه، ولله در أبي زُرعة الرازي المتوفى 264ﻫ حين قال: (إذا رأيتَ الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجَرْح بهم أولى وهم زنادقة).

فالرافضة مثلاً لا يعتمدون رواية أحد من الصحابة إلا أولئك الذين وقفوا مع علي رضي الله عنه، وكان عددهم لا يزيد على سبعة عشر صحابياً.

والمعتزلة يردون من الأحاديث ما لا تهواه عقولهم، وهكذا.

وإذا كان الإمام أحمد رحمه الله وصف رجلاً بأنه زنديق لأنه نال من أصحاب الحديث ممن هم دون الصحابة بكثير، فكيف بمن يجرح وينتقص الصحابة الكرام؟

(قال أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله، ذكروا لابن قتيلة بمكة أصحاب الحديث، فقال: أصحاب الحديث قوم سوء؛ فقام أبو عبد الله أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه، ويقول: زنديق، زنديق، زنديق؛ ودخل بيته).

ã

السابعة عشرة: المحافظة على صلاة الجماعة

من علامات أهل السنة أداء الصلوات المكتوبة مع جماعة المسلمين في المساجد، وعدم التخلف عن ذلك إلا لعذر شرعي، لقوله عز وجل: "واركعوا مع الراكعين"، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة".

ولما صح عن ابن مسعود رضي الله عنه: "من سرَّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليؤد هذه الصلوات حيث يُنادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو صليتم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنن نبيكم، ولو تركتموها لضللتم، وقد كان يؤتى بالرجل يُهادى بين الرجلين ليوضع في الصف، وما كان يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق".

فالجماعة حكمها الوجوب في الصلوات المكتوبة على الرجال البالغين العاقلين في أرجح قولي العلماء، ومنهم من قال: إنها من آكد السنن.

فتخلف الرجل عن صلاة الجماعة من علامات النفاق، سيما صلاتي الصبح والعشاء، قال ابن عمر رضي الله عنهما: "إذا فقدنا الرجل في العشاء والصبح أسأنا به الظن أن يكون قد نافق"، ويصدق ذلك قوله: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً".

ã

الثامنة عشرة: الصلاة خلف كل مسلم مستور الحال

لعلمهم بوجوب الجماعة فإنهم يصلونها خلف كل مسلم مستور الحال.

قال القحطاني رحمه الله:

قم للصلاة الخمس واعرف حقها          فلهن عند الله أعظــم شان

مع كل بر صلهـا أو فاجــر          مـا لم يكن في دينه  بمُشان

فالصلاة لا تصح خلف الكافر، أوالمشرك، أوالمبتدع بدعة كفرية مجاهراً بها؛ رضي الله عن ابن مسعود، وابن عمر، وأنس، حيث كانوا يصلون خلف الحجاج، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وغيرهما من الأمراء، خوف حدوث الفتنة والاختلاف، مع تأخيرهم لها أحياناً، ودنو حالهم عن حال أولئك الصحابة الأخيار.

عندما حُصر عثمان رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين ومنع من أن يؤم الناس، وقدِّم أحد رؤوس الفتنة، سأل عثمانَ بعضُ الناس قائلاً: نصلي خلف هذا، وأنت إمامنا محصور؟ فقال: "الصلاة أحسن ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسنوا معهم".

وكان ابن عمر رضي الله عنهمـا وهو شيخ الصحابة في وقته، عندما كان الحجـاج محاصـراً لابن الزبير رضي الله عنهما في الكعبة، إذا سمع أذان الحجاج أولاً ذهب وصلى معه، وإذا سمع أذان ابن الزبير أولاً ذهب فصلى معه، وقيل له أتصلي خلف الحجاج؟ قال: "من قال: حي على الصلاة حي على الفلاح أجبناه، ومن قال: حي على قتل أخيك المسلم لم نجبه".

وصلى مرة ابن مسعود رضي الله عنه خلف الوليد بن عقبة عندما كان أميراً على العراق، وكان شارباً للخمر، ولم يعلموا بذلك، فصلى بهم الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم قائلاً: يكفي أم أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود: "يكفي، ما زلنا معك منذ الصبح في زيادة".

هذا على الرغم من أن ما رُفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "صلوا خلف كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر" ضعيف كما قال أهل العلم المختصون بذلك، وإن صحَّ معناه.

فقد صحح الصلاة خلف الفسقة غير المجاهرين بفسقهم وفجورهم جمهور أهل العلم، ولم يأمروا بإعادتها بل بدَّعوا من أعادها.

وعدَّ أهل السنة إقامة جماعتين في المسجد الواحد بسبب الإحن والضغائن من أخطر البدع، وشنعوا وأبطلوا صلاة المخالفين.

ومن العجيب الغريب أن يكون المخالفون هم من أهل البدع المجاهرين ببدعتهم، والمعترَض عليهم من أهل السنة الذين لا ينبغي أن يتقدم عليهم أحد، ولكن كما قيل: "رمتني بدائها وانسلت".

أما نهيه صلى الله عليه وسلم أن يؤم الرجل القوم وهم له كارهون، أوبعضهم كاره له، فالمراد بذلك الكراهية بسبب البدع والفسوق، وليس من أجل الاقتداء بالسنة والتأسي بالسلف الصالح.

ã

التاسعة عشر: الصلاة على كل مسلم مستور الحال

من علامات أهل السنة أنهم يرون الصلاة على كل من مات من المسلمين إلا على الكفار، والمشركين، والمنافقين نفاق الاعتقاد، وأصحاب البدع الكفرية المجاهرين ببدعهم الداعين لها، فهؤلاء لا يُصلى عليهم ولا كرامة.

أما أهل البدع والفسق والفجور غير المجاهرين، نحو من قُتِل في حد في من حدود الله، ومن قَتَل نفسه، والبغاة، فهؤلاء يعتزل الصلاة عليهم أهل الفضل والصلاح، ويصلي عليهم بعضُ المسلمين، فصلاة الجنازة من فروض الكفاية، فإذا قام بها البعض ولو واحد سقط عن الباقين الإثم.

ولا يجوز أن يدفن مسلم من غير أن يُصلى عليه.

قال ابن عبد البر رحمه الله: (وقال مالك في آخر هذا الباب: لم أر أحداً من أهل العلم يكره أن يصلى على ولد الزنا وأمه، وهذا ما لا أعلم فيه خلافاً من العلماء.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على ولد زنا وأمه ماتت من نفاسها.

وقال أبو وائل: يصلى على كل من صلى إلى القبلة.

وسئل أبو أمامة عن الصلاة على جنازة شارب الخمر؟ قال: نعم، إذا شهد بشهادة الحق.

وذكر أبوبكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حفص بن غياث عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر قال: سألته عن المرأة تموت في نفاسها من الفجور أن يصلى عليها؟ فقال: صلِّ على من قال: لا إله إلا الله.

قال: وحدثنا جرير عن مغبرة عن حماد عن إبراهيم قال: يصلى على الذي قتل نفسه، وعلى النفساء من الزنا، وعلى الذي يموت غريقاً من الخمر.

قال: وحدثنا أبو خالد الأحمر عن عثمان بن الأحمر عن عطاء قال: تصلي على من صلى إلى قبلتك.

وقال: وحدثنا عبد الله بن إدريس عن هشام عن ابن سيرين قال: ما أعلم أحداً من الصحابة والتابعين ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة آثماً.

وقال ابن عبد الحكم عن مالك: لا تترك الصلاة على أحد مات ممن يصلي إلى القبلة.

وهو قول الشافعي وجماعة الفقهاء: يصلى على كل من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكره مالك من بين سائر العلماء أن يصلي أهل العلم والفضل على أهل البدع).

قال البسام ملخصاً مذاهب أهل العلم فيمن لا يصلى عليه: (وذهب الأحناف إلى أن أربعة لا يصلى عليهم، وهم:

1. البغاة الذين خرجوا عن طاعة الإمام بغير حق.

2. قطاع الطرق الذين يسلبون المارة أموالهم.

3. العصبة المتعاونة على ظلم العباد بقهرهم وغصبهم.

4. المكابرون بالمدن والقرى بالسلاح فهو من الحرابة وقطع الطرق.

فهؤلاء لا يغسلون ولا يصلى عليهم إهانة لهم، وزجراً لغيرهم.

   وذهب المالكية إلى أن الإمام لا يصلي على من قتل في حد أوقصاص، ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز، ولم ينه عن الصلاة عليه.

  وذهب الشافعية إلى الصلاة على كل مسلم مهما كان عصيانه وفسقه.

قال النووي في شرح المهذب: المرجوم في الزنا، والمقتول قصاصاً، والصائل، وولد الزنا، والغالّ من الغنيمة، ونحوهم، يُغسلون ويصلى عليهم بلا خلاف عندنا، ودليلهم ما ثبت في مسلم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المرجوم في الزنا"، وفي البخاري من رواية جابر أنه صلى الله عليه وسلم: "صلى على ماعز بعد أن رجمه".

قال البيهقي: تشرع الصلاة على كل بر وفاجر، وعلى كل من قال: لا إله إلا الله، وكل ما خالف ذلك فأحاديثه ضعيفة.

وذهب الحنابلة إلى الصلاة على كل مسلم عاصٍٍ إلا الغال من الغنيمة، وقاتل نفسه، فلا يصلي عليه الإمام ونائبه، عقوبة له وزجراً لغيره، ويصلي عليهما غير الإمام.

أما دليلهم: فقاتل نفسه، فيما جاء في مسلم من حديث جابر بن سمرة قال: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه فلم يصل عليه".

وأما الغالّ فما رواه الخمسة عن زيد بن خالد: "أن رجلاً من جهينة قُتِل يوم خيبر، فقال صلى الله عليه وسلم: "صلوا على صاحبكم، فإنه غلَّ في سبيل الله".

قال الإمام أحمد: ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا الغالّ، وعلى قاتل نفسه.

قال ابن القيم: وكان هديه صلى الله عليه وسلم أنه لا يصلي على من قتل نفسه ولا على الغالّ.

قال محرره: ومذهب الحنابلة هو أرجحها وأحقها دليلاً، فالعصاة على اختلافهم هم أحق بالصلاة وشفاعة المسلمين، ولكن خصَّ هذان بالدليل، وما عداهما فعلى أصل عموم الحكم في صلاة الجنازة، والله أعلم).

الراجح والله أعلم جواز الصلاة على كل مسلم مستور الحال، إلا المجاهرين ببدعهم وفسوقهم، فهؤلاء لا يصلى عليهم، سيما أهل العلم والفضل.

كان عمر رضي الله عنه لا يصلي على المنافقين نفاق الاعتقاد، وكان إذا مات من يشك فيه أرسل إلى حذيفة يسأله هل هو منافق أم لا؟ وكان حذيفة يخبره أولاً ثم أمسك عن ذلك، فكان عمر يرسل غلامه، فإن خرج حذيفة خرج عمر، وإن لم يخرج حذيفة لم يخرج عمر رضي الله عنهما.

لقد تساهل الناس في هذه الأزمنة في الصلاة على أئمة البدع والفجور، حتى أضحت جنائزهم تضاهي جنائز أئمة أهل السنة، حيث قال أحمد رحمه الله: بيننا وبين أهل البدع يوم الجنائز؛ أما اليوم فيوم الجنائز ليس فارقاً بين السني والمبتدع، فكم رأينا تدافع الخلق على جنائز المبتدعة، والفنانين، ولاعبي الكرة، بل حتى الكفار.

قال القاضي عيـاض رحمه الله في ترجمـة الإمـام ابن فرُّوخ المالكي رحمه الله، حاكيـاً عن أبي خارجة: (فوالله لقد كنتُ معه حتى سئل عن المعتزلة، فقال للسائل: وما سؤالك عن المعتزلة؟ فعلى المعتزلة لعنة الله قبل يوم الدين، وفي يوم الدين، وبعد يوم الدين، وفي طول دهر الداهرين، فقال له: وما فيهم قوم صالحون؟ فقال: ويحك، وهل فيهم رجل صالح؟

قال سُحنون: مات رجل من أصحاب البهلول، فحضر هو، وابن غانم، وابن فروخ، فصلوا عليه، وجيء بجنازة صخر المعتزلي، فقالوا لابن غانم: الجنازة؛ فقال: كل حي ميت، قدمـوا دابتي؛ وقيل لابن فرُّوخ مثل ذلك، فقال مثله، وقيل للبهلول مثل ذلك، فقال مثله، وانصرفوا ولم يصلوا عليه).

ففساق أهل السنة أفضل وأحسن حالاً في البرزخ والآخرة من زهاد أهل البدع.

قال الإمام أحمد كما روى عنه ابنه عبد الله: (قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة، وقبور أهل البدع من الزهاد حفرة، فساق أهل السنة أولياء الله، وزهاد أهل البدعة أعداء الله).

ولهذا كان الحسن البصري وأبوحنيفة رحمهما الله يلعنان عمرو بن عبيد المعتزلي مع شهادتهما له بالزهد، ولعن الشـافعي حفص المنفـرد المعتزلي وقد جـاء لعيادته، وأمر مالك بطرد أحد تلاميذ عمرو بن عبيد من مجلسه.

فأئمة أهل البدع لا يُترحم عليهم، ولا يُستغفر لهم، ولا يُصلى عليهم، هذا ما عليه أهل السنة قديماً وحديثاً، ولا تغتر بما يصنعه جل أهل زماننا، فهم مجانبون للحق، جاهلون بالسنة.

ã

العشرون: الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة مع كل بر وفاجر

من علامات أهل السنة المميزة لهم اعتقادهم أن الجهاد بنوعيه:

1. جهاد الطلب.

2. وجهاد الدفع.

ماضٍ إلى يوم القيامة، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، ولا تخذيل وتثبيط وتخدير المخذلين، والمثبطين، والمخدرين، ولا قلة عدد وعتاد، لاعتقادهم أن النصر من عند الله عز وجل إذا نصروا دينه، وأن المسلمين في جميع غزواتهم وحروبهم للكفار لم يكونوا أكثر عدداً ولا عتاداً من الكفار، مع الأخذ بالأسباب من إعداد المستطاع من القوة، عملاً بقوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".

وأن جهاد الدفع كما هو الحال في البلاد التي احتلها وغزاها الكفار من اليهود، والنصارى، والشيوعيين، والهندوس، والبوذيون، نحو فلسطين، وأفغانستان، والعراق، والشيشان، وكشمير، وجنوب الفلبين، وتايلاند، وغيرها، لا يحتاج إلى إذن إمام ولا والدين، وإنما لهم أن يجاهدوا تحت إمرة من يأنسون فيه الكفاءة من المسلمين، فالمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، وعلى إخوانهم المسلمين أن يمدوهم بالمال، والعتاد، والدعاء، وإن احتاجوا إلى الرجال وجب على من يليهم من المسلمين المقتدرين أن يمدوهم بما يمكنهم من دحر عدوهم.

من أنجح الوسائل للمدافعين المستضعفين في تلك البلاد حرب العصابات والاستنزاف، التي شرعها لهم أسلافهم الأخيار أبوبصير، وأبوجندل، وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهم، ضد كفار قريش، على الرغم من أنهم كانوا في هدنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، بما في ذلك العمليات الفدائية الجهادية التي مارسها عدد من الأبطال: غلام أصحاب الأخدود، والبراء بن مالك، وغيرهما كثير.

إن لم يكن إلا الأسنة مركباً           فما حيلة المضطر إلا ركوبها

ã

الحادية والعشرون: عدم التكفير بكل معصية

من علامات أهل السنة التي خالفوا فيها أهل الأهواء من خوارج ومعتزلة عدم تكفير أحد من أهل القبلة الموحدين بكل ذنب، إذ هناك ذنوب يكفر صاحبها، كالسجود للصنم، ووضع المصحف على الأرض ودوسه بالرجل، والنيل من أحد الأنبياء، ونحو ذلك، ما لم يستبح تلك المعصية، فإن استباحها واستحلها فقد كفر، فالذي يشرب الخمر ويعلم أن الخمر حرام من الكبائر فهو مسلم، والذي لا يشرب الخمر مثلاً ويزعم أن الخمر حلال فقد كفر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة.

ã

الثانية والعشرون: إكفار من أكفره الله ورسوله

الإكفار ملك لله ولرسوله، فلا يكفر أحد ما لم يكفره الله ورسوله بإثبات ما نفياه، أوبنفي ما أثبتاه، مع توفر الشروط وانتفاء الموانع.

فأهل السنة يكفرون من أكفره الله ورسوله ولا يتحرَّجون في ذلك أبداً، ولا يقولون بقول أهل البدع من المرجئة، القائلين: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

وأن الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد، ويكون بالفعل والترك، وفي حالي الجد والهزل.

لهذا اشتد نكير السلف الصالح على المرجئة، ووصفوا بدعتهم بأنها شر البدع، وأنها أشر من بدعة الخوارج، وإليك طرفاً من ذلك :

قال الزهري: "ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على الملة من هذه"، يعني المرجئة.

وقال أبوحمزة الثمالي لإبراهيم النخعي: ما ترى في رأي المرجئة؟ فقال: "أوه، لفقوا قولاً، فأنا أخافهم على الأمة، والشر من أمرهم أكثر، فإياك وإياهم".

وقال إبراهيم: "المرجئة أخوف عندي على الإسلام من عدتهم من الأزارقة".

قال أيوب السختياني: "قال لي سعيد بن جبير: رأيتك مع طلق؟ قلت: بلى، فماله؟ قال: لا تجالسه فإنه مرجئ".

وقال سفيان عن المرجئة: "رأي محدث أدركنا الناس على غيره".

قال الأوزاعي: قد كان يحيى وقتادة يقولان: "ليس في الأهواء شيء أخوف على الأمة من الإرجاء".

وقال منصور بن المعتمر في شيء: "لا أقول كما قالت المرجئة الضالة المبتدعة".

وقال شريك وذكر المرجئة -: "هم أخبث قوم، وحسبك بالرافضة خبثاً، ولكن المرجئة يكذبون على الله".

وقال الحميدي: سمعتُ وكيعاً يقول: "أهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل، والمرجئة يقولون: الإيمان قول، والجهمية يقولون: الإيمان المعرفة".

فالإكفار منه ما هو بدعي كالإكفار باقتراف كل الكبائر، ومنه ما هو شرعي كالإكفار بنفي ما أثبته الله ورسوله أوإثبات ما نفياه.

من محدثات البدع في هذا العصر زعم البعض أن المرء لا يكفر مهما ارتكب من الأعمال والأقوال الكفرية ما لم يستحل ذلك بقلبه، فالحاكم الذي يسن دستوراً على غرار الدستور الفرنسي مثلاً وينبذ شرع الله وراءه ظهرياً، والذابح للموتى، والساجد للصنم، لا يكفر أحد منهم إلا إذا استحل ذلك بقلبه الذي لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، فأحالوا الأمر على مستحيل، ومعلوم أن الإسلام يحكم على الناس بما ظهر منهم.

ولهذا قال الشافعي لحفص المنفرد عندما قال القرآن مخلوق: كفرتَ ورب الكعبة.

وقد أوتوا من شبهة أن الكفر العملي لا يخرج صاحبه من الإسلام، وإنما هذا هو الكفر الأصغر.

وهذا القول مخالف لما عليه أهل السنة قديماً وحديثاً، فكما أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وفعل وترك، فكذلك الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد، وبالفعل والترك، وبالجد والهزل: "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".

قال ابن الوزير الصنعاني اليماني المتوفى 840هـ في رده على فرقة البهاشمة من المعتزلة: (ومن العجب أن الخصوم من البهاشمة وغيرهم لم يساعدوا على تكفير النصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، ومن قال بقولهم، مع نص القرآن على كفرهم، إلا بشرط أن يعتقد ذلك مع القول، وعارضوا هذه الآية الظاهرة بعموم مفهوم قوله: "ولكن من شرح بالكفر صدراً".. وعلى هذا لا يكون شيء من الأفعال والاقوال كفراً إلا مع الاعتقاد، حتى قتل الأنبياء، والاعتقاد من السرائر المحجوبة، فلا يتحقق كفر كافرٍ قط إلا بالنص الخاص في شخص شخص.. قال جماعة جلة من علماء الإسلام أنه لا يكفر المسلم بما يندر منه من ألفاظ الكفر إلا أن يعلم المتلفظ بها أنها كفر.. وهذا خلاف متجه، بخلاف قول البهاشمة: لا يكفر وإن علم أنه كفر حتى يعتقده).

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في "كتاب الصلاة": (وشعب الإيمان قسمان: قولية وفعلية، وكذلك شعب الكفر نوعان: قولية وفعلية، ومن شعب الإيمان القولية شعبة يوجب زوالها زوال الإيمان، وكذلك من شعبه الفعلية ما يوجب زوال الإيمان، وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية، فكما يكفر بالإتيان بكلمة الكفر اختياراً وهي شعبة من شعب الكفر، فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه كالسجود للصنم والاستهزاء بالمصحف..

إلى أن قال: وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب، فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح، ولا سيما إذا كان ملزوماً لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم.

وقال رحمه الله في نونيته "الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية" مبشعاً بعقيدة المرجئة:

وكذلك الإرجـــاء حين تقر بالـ          معبــود كامـــل  الإيمان

فارم المصاحف في الحشوح وخرِّب          البيت العتيق وجد في العصيان

واقتل إذا ما استطعت كل موحــدٍ          و تمسحـنْ بالقـس والصُّلبان

واشتم جميع المرسلين ومن أتــوا          من عنده جهـــراً بلا كتمان

و إذا رأيت حجارة فاسجد لهـــا          بـل خِـرَّ للأصنـام والأوثان

و أقر أن الله جـل جـــــلالُه          هو وحده البـادي لذي الأكوان

و أقر أن رســوله حقـــاً أتى          من عنده بالوحي والقـــرآن

فتكـون حقـاً مؤمنـاً وجميـعُ ذا          وزرٌ عليك و ليس بالكفــران

هذا هو الإرجاء عند  غلاتهـــم          من كل جهمي  أخي الشيـطان

وقال زين الدين عمر بن مظفر الوردي الشافعي في قصيدته التي بلغت خمسة آلاف بيت في الفقه الشافعي :

أفحش كفـر ارتـداد مسلـــم            مكلف بفعـل أو تكلـــــم

محض عنـاداً وبالاستهـــزاء           وباعتقاد منه  كالإلقـــــاء

للمصحف العزيز في القــاذورة            وسجدة لكوكب وصــــورة

وقال تقي الدين السبكي في فتاويه: (التكفير حكم شرعي سببه جحد الربوبية أوالوحدانية أوالرسالة، أوقول أوفعل حكم الشارع بأنه كفر وإن لم يكن جحداً).

وقال محمد بن عبد الرحمن العثماني الشافعي، وهو من علماء القرن الثامن الهجري، في كتابه "رحمة الأمة في اختلاف الأئمة": (الردة هي قطع الإسلام بقول، أوفعل، أونية).

وقال ابن فرحون المالكي رحمه الله المتوفى 799هـ: (الردة والعياذ بالله، ونسأل الله حسن الخاتمة، وهي الكفر بعد الإسلام، قال ابن الحاجب: وتكون بصريحٍ وبلفظ تقتضيه، وبفعل يتضمنه).

وقال البزاز الحنفي المتوفى 827هـ: (من لقن إنساناً كلمة الكفر ليتكلم بها كفر، وإن كان على وجه اللعب والضحك).

وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند.. فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده فهو منافق، وهو شر من الكافر الخالص.

وهذه المسألة مسألة كبيرة طويلة، تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس، ترى من يعرف الحق ويترك العمل به، لخوف نقص دنيا، أوجاه، أومداراة، وترى من يعمل به ظاهراً لا باطناً، فإذا سألته عما يعتقد بقلبه، فإذا هو لا يعرفه، ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله، أولاهما ما تقدم من قوله: "لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم"، فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه المزح واللعب، تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر أويعمل به خوفاً من نقص مال، أوجاه، أومداراة لأحد أعظم ممن تكلم بكلمة يمزح بها.

والآية الثانية قوله تعالى: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"، فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفاً، أومداراة، أومشحة بوطنه، أوأهله، أوعشيرته، أوماله، أوفعله على وجه المزح، أولغير ذلك من الأغراض، إلا المكره.

إلى أن قال:

ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على العمل أوالكلام، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها.

والثانية قوله تعالى: "ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة"، فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد، أوالجهل، أوالبغض للدين، أومحبة الكفر، وإنما سببه أنه له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا، فآثره على الدين، والله سبحانه وتعالى أعلم).

الأدلة على أن الكفر الأكبر منه ما هو اعتقادي ومنه ما هو عملي

قال الحافظ الحكمي رحمه الله في "أعلام السنة المنشورة": (نحن لم نعرف الكفر الأصغر بالعملي مطلقاً، بل بالعملي المحض، الذي يستلزم الاعتقاد ولم يناقض قول القلب ولا عمله).

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (الذبح لغير الله والسجود لغير الله كفر عملي مخرج من الملة، وهكذا لو صلى لغير الله أوسجد لغيره سبحانه، فإنه يكفر كفراً عملياً أكبر والعياذ بالله وهكذا إذا سب الدين، أوسب الرسول، أواستهزأ بالله ورسوله، فإن ذلك كفر عملي أكبر عند جميع أهل السنة والجماعة).

سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية السؤال التالي: "اعتبار تارك الصلاة كافراً كفراً عملياً والكفر العملي لا يخرج صاحبه من الملة إلا ما استثنوه من سب الله تعالى وما شابهه، فهل تارك الصلاة مستثنى؟ وما وجه الاستثناء؟"، فأجابت: (ليس كل كفر عملي لا يخرج من ملة الإسلام، بل بعضه يخرج من ملة الإسلام).

ليس هناك عقيدة ولا فكر أضر على الإسلام من العقيدة والفكر الإرجائي، لما فيه من التسيب، سيما في هذا العصر الذي أضحى فيه البعض مسلماً حكماً واسماً.

بجانب ما ذكره ابن القيم في الأبيات الماضية فإن الفكر الإرجائي في هذا العصر:

  يمثل الغطاء لكثير من الممارسات الشركية.

يبيح للحاكم أن يحكم بما شاء، وأن يسن من الدساتير والقوانين الوضعية ما شاء، ولا يعترض عليه معترض، دعك أن يحكم عليه بحكم الله: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً".

يشجع الكفار على غزو بلاد الإسلام والسيطرة عليها، لأنه ينهى عن مقاومة الكفار إلا إذا تكافأت القوتان، وهو ما لم يحدث في تاريخ الإسلام كله.

ينهى عن مناصحة الحكام وتبصيرهم بواجبهم بحجة أن ذلك يدعو إلى الخروج عليهم.

كفوا الكفار والمنافقين مؤنة بعض العلماء والدعاة، إذ أضحى شغل كثير من العلماء والدعاة الرد والطعن والتشكيك والانتقاص في إخوانهم من العلماء والدعاة الذين لم يوافقوهم فيما ذهبوا إليه.

  الفكر الإرجائي مثبط ومخذل ومخدر للأمة.

أعطى المنافقين والعلمانيين والمنتسبين للإسلام الأمان في الاستمرار في الطعن والتشكيك في الثوابت والمسلمات وكثير من الكفريات.

ã

الثالثة والعشرون: طاعة أولي الأمر وعدم الخروج عليهم

من علامات أهل السنة طاعة ولاة الأمر المحكمين لشرع الله في المعروف، وعدم الخروج المسلح عليهم ما لم يروا كفراً بواحاً، وحتى في هذه الحال ينبغي مراعاة درء المفاسد وجلب المنافع، وهذا لا يعني عدم المناصحة لولاة الأمر في السر، وإن لم تجد وتفد فلا مانع من الجهر بها كما جهر بها كثير من أئمة أهل السنة.

ومن الخطأ الفاحش الربط بين المناصحة والأمر والنهي ولو كان جهراً إن دعى الحال ولم تغن المناصحة سراً وبين الخروج على الحكام.

فالإسلام يقوم على مبدأ الحقوق والواجبات، فولاة الأمر لهم حقوق على الرعية، وهي:

1.  طاعتهم في المعروف.

2.  وإعانتهم في القيام بواجبهم.

3.  وعدم الخروج عليهم.

وعليهم واجبات، هي:

1.  تحكيم شرع الله في الرعية، إذ لا يحل استبداله لأي سبب من الاسباب.

2.  تأمين الناس في أموالهم وممتلكاتهم وطرقهم.

3.  الحكم بينهم بالعدل والسوية.

4.  رفع المعاناة عن الفقراء والمساكين.

5.  حماية العقيدة والأخلاق الإسلامية.

ã

الرابعة والعشرون: حب العرب والعربية، ونبذ الشعوبية والعنصرية

من علامات أهل السنة كذلك التي غفل عنها كثير من المسلمين حب العرب والتشبه بهم، وحب العربية وتعلمها، لأنها لغة القرآن ورسول الإسلام، كثير من العادات والأعراف التي كانت عند العرب عند ظهور الإسلام هي من بقايا ملة إبراهيم عليه السلام.

قال الإمام أحمد رحمه الله معدداً للفرق المنحرفة ومحذراً منها: (والشعوبية وهم أصحاب بدعة وضلالة، وهم يقولون: إن العرب والموالي عندنا واحد، لا يرون للعرب حقاً، ولا يعرفون لهم فضلاً، ولا يحبونهم، بل يبغضون العرب ويضمرون لهم الغل والحسد والبغضة في قلوبهم، وهذا قول قبيح ابتدعه رجل من أهل العراق، فتابعه عليه يسير).

هذا مع يقيننا أن الكرم الحقيقي هو في الإيمان والتقوى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".

وكان سلمان بن الإسلام رضي الله عنه يقول لإخوانه المسلمين من العرب: "من حقكم علينا أن لا نؤمكم في الصلاة وأن لا نتزوج نساءكم"، وهذا من تواضعه رضي الله عنه، فلا يعرف الفضل لأهله إلا أهله، وإلا فكل مسلم كفء لكل مسلمة في أرجح قولي العلماء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإن الذي عليه أهل السنة أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، عبرانيهم، وسريانيهم، ورومهم، وفرسهم، وغيرهم، وأن قريش أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق نفساً، وأفضلهم نسباً.

وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم مجرد كون رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، وإن هذا من الفضل، بل هم في أنفسهم أفضل، وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفساً ونسباً، وإلا لزم الدور.

وذهب فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم، وهؤلاء يسمُّون الشعوبية، لانتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل، كما يقال: القبائل للعرب، والشعوب للعجم.

ومن الناس من قد يفضل أنواع العجم على العرب، والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نفاق، ولهذا جاء في الحديث: "حب العرب إيمان وبغضهم نفاق"، مع أن الكلام في هذه المسائل لا يكاد يخلو عن هوى للنفس ونصيب للشيطان من الطرفين، وهو محرم في جميع المسائل، فإن الله أمر بالاعتصام بحبله ونهى عن التفرق والاختلاف).

الأدلة على فضل جنس العرب، ثم قريش، ثم بني هاشم

1. عن العباس يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق الخلق فجعلني في خير فرقهم، وخيَّر الفرقتين، ثم خير القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم خير البيوت فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً، وخيرهم بيتاً".

2. وفي صحيح مسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".

3. قال صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش".

4. وقد أوصى عمر رضي الله عنه الخليفة بعده الاهتمام بالأعراب، وعلل ذلك بأنهم مادة الإسلام.

5. وجاء في الأثر: "أفضل العجم أشبههم بالعرب، وشر العرب أشبههم بالعجم".

فحب العرب من الإيمان، وبغضهم من علامات النفاق.

ã

الخامسة والعشرون: هجر أهل الأهواء

من علامات أهل السنة المميزة لهم هجرهم لأهل البدع والفجور، سيما المجاهرين ببدعهم وفجورهم، ومن باب أولى هجرهم للكفار والمنافقين.

قال تعالى: "وإذا رأيتَ الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين".

يتهاون كثير من المسلمين في هذا الأمر، بل وينكرون على من حاول الالتزام بذلك، بل نجد كثيراً من الناس يهجر ويخاصم ويفجر في خصومته لمن قصر في حقه، ويجامل ويسامح من هو مقصِّر في حقوق الله عز وجل وحقوق رسوله صلى الله عليه وسلم.

رحم الله الإمام ابن عقيل الحنبلي حين قال مقارناً بين ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل زمانه، فما عساه قائلاً لو رأى حال أهل زماننا؟!!: (الصحابة رضي الله عنهم آثروا فراق نفوسهم لأجل مخالفتها للخالق سبحانه وتعالى، فهذا يقول: زنيتُ فطهرني؛ ونحن لا نسخوا أن نقاطع أحداً فيه لمكان المخالفة).

وقال كذلك: (إذا أردتَ أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، ولكن انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعرى عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون، هذا يقول: حديث خرافة؛ والمعرى يقول:

تلوا باطلاً، وجَلوا صارماً                  وقالوا: صدقنا، فقلنا: نعم

يعني بالباطل كتاب الله عز وجل، وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب).

قال الإمام أحمد: ويجب هجر من كفر، أوفسق ببدعة، أودعا إلى بدعة مضلة أومفسقة، على من عجز عن الرد عليه، أوخاف الاغترار به، والتأذي دون غيره؛ وقيل: يجب هجره مطلقاً، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد السابق، وقطع به ابن عقيل في "معتقده"، قال: ليكون ذلك كسراً واستصلاحاً؛ وقال الخلال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري أن أبا عبد الله سئل عن رجل له جار رافضي، يسلم عليه؟ قال: لا، وإذا سلم عليه لا يرد.

وقال ابن تميم الحنبلي: وهجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم - والمتظاهرين بالمعاصي، وترك السلام عليهم فرض كفاية، ومكروه لسائر الناس، وقيل: لا يسلم أحد على فاسق معلن، ولا مبتدع معلن داعية، ولا يهجر مسلماً مستوراً غيرهما من السلام فوق ثلاثة أيام.

وقال القاضي أبو الحسين: لا تختلف الرواية عن أحمد في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة؛ أطلق كما ترى، وظاهره: أنه لا فرق بين المجاهر وغيره في المبتدع والفاسق، قال: ولا فرق في ذلك بين ذي الرحم والأجنبي إذا كان الحق لله تعالى، فأما إذا كان الحق لآدمي كالقذف، والسب، والغيبة، وأخذ ماله غصباً ونحو ذلك، نظرت، فإن كان المجاهر والفاعل لذلك من أقاربه وأرحامه لم تجز هجرته، وإن كان غيره فهل تجوز هجرته أم لا؟ على روايتين.

إلى أن قال:

وسأله أي أحمد رجل عن ابنة عم له تنال منه وتظلمه وتشتمه وتقذفه، فقال: سلم عليها إذا لقيتها، اقطع المصارمة، المصارمة شديدة؛ وهذا يدل على منع الهجر لأقاربه لحق نفسه، وقال في رواية المروذي وقد سأله رجل فقال: إن رجلاً من أهل الخير قد تركتُ كلامه لأنه قذف مستوراً بما ليس منه، ولي قرابة يسكرون، فقال: اذهب إلى ذلك الرجل حتى تكلمه، ودع هؤلاء الذين يسكرون.

ذكر ابن مفلح عدداً من الآثار في هجر أهل البدع، نذكر منها ما يلي:

روى الخلال عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يضحك في جنازة، فقال: أتضحك مع الجنازة؟ لا أكلمك أبداً.

روى الخلال بإسناده عن أنس قيل له: إن قوماً يكذبون بالشفاعة، وقوماً يكذبون بعذاب القبر، قال: لا تجالسوهم.

وروى الخلال كذلك بإسناده عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال لرجل جعل في عضده خيطاً من الحمى: لو متَّ وهذا عليك لم أصل عليك.

وقال الحسن: قيل لسمرة رضي الله عنه: إن ابنك أكل طعاماً حتى كاد أن يقتله، قال: لو مات ما صليت عليه.

وبإسناده أي الخلال أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل البصرة: أن لا تجالسوا صبيغاً.

وبإسناده عن مجاهد قال: قلت لابن عباس: إن أتيتك برجل يتكلم في القدر؟ فقال: لو أتيتني به لأوجعت رأسك، ثم قال: لا تكلمهم ولا تجالسهم.

وقال سعيد بن جبير لأيوب: لا تجالس طلق بن حبيب فإنه مرجئ.

وغطى عمر بن عبد العزيز وجهه عن رجل مبتدع.

قال القرطبي: (قال ابن العربي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: "وإذا رأيتَ الذين يخوضون في آياتنا.." الآية: (وهذا دليل على أن مجالسة أهل الكبائر لا تحل، قال ابن خويزمنداد: من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر، مؤمناً كان أوكافراً، قال: وكذلك منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو ودخول كنائسهم والبيع، ومجالسة الكفار وأهل البدع، وألا تعتقد مودتهم، ولا يسمع كلامهم ولا مناظرتهم، وقد قال بعض أهل البدع لأبي عمران النخعي: اسمع مني كلمة، فأعرض عنه، وقال: ولا نصف كلمة؛ ومثله عن أيوب السختياني، وقال الفضيل بن عياض: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام من قلبه، ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها، ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة، وإذا علم الله عز وجل من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له؛ وروى أبو عبد الله الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام"، فبطل بهذا كله قول من زعم أن مجالستهم جائزة إن صانوا أسماعهم).

ã

السادسة والعشرون: إذا ذكرت الأهواء لم يغضب لشيء منها

السني يحب السنة ويبغض البدع المحدثات، ولا يغضب ويثور إذا ذكرت الأهواء وانتقدت، وإنما يغضب ويثور إذا غيرت السنن وأميتت، وحلت محلها البدع، وإذا انتهكت محارم الله عز وجل، والأهواء والبدع كلها ضلال وهلاك، وإن تفاوتت.

قال رجل لأبي بكر بن عياش: يا أبا بكر من السني؟ قال: "الذي إذا ذكرت الأهواء لم يغضب لشيء منها".

لما بويع عمر بن عبد العزيز بالخلافة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنتكم سنة، ولا بعد أمتكم أمة، ألا وإن الحلال ما أحل الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإني لست بمبتدع، ولكني متبع، ألا وإني لست بقاضٍ ولكني منفذ، ألا وإني لست بخازن ولكني أضع حيث أمرت، ألا وإني لست بخيركم ولكني أثقلكم حملاً، ألا ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ثم نزل.

ولهذا رثاه عروة بن أذينة قائلاً:

وأحييتَ في الإسلام علماً وسنة      ولم تبتدع حكماً من الحكم أسمحاً

ففي كل يوم كنت تهـدم بدعة      وتبني لنــــا من سنة  ما تهدم

وقال ابن المبارك رحمه الله: اعلم أخي! إن الموت كرامة لكل مسلم لقي الله على سنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فإلى الله نشكو وحشتنا وذهاب الإخوان، وقلة الأعوان، وظهور البدع، وإلى الله نشكو عظيم ما حل بهذه الامة من ذهاب العلماء، وأهل السنة، وظهور البدع.

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله يكتب إلى عماله: إني أحذركم ما مالت إليه الأهواء والزيغ البعيدة.

ã

السابعة والعشرون: الخوف والحذر من البدع والمحدثات

لقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الابتداع في دين الله ما لم ينزل به سلطاناً، فقال: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة"، وقال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".

ولهذا كان مالك رحمه الله كثيراً ما ينشد:

وخير أمور الدين ما كان سنة           وشر الأمور المحدثات البدائع

فالمبتدع في دين الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، أي لا فرضاً ولا سنة، والبدع درجات، منها ما هو كفر، ومنها ما هو محرم، ومنها ما هو مكروه، وكلها ضلال بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وليس هناك بدعة حسنة وأخرى سيئة: "فكل بدعة ضلالة" شامل لجميع البدع، صغيرها وكبيرها، حقيرها وجليلها، فمن لم يسعه ما وسع رسول الله، وصحبه الكرام، والسلف العظام، والخلف، فلا وسع الله عليه.

ولهذا ينبغي للمسلم أن يفر من المبتدع أشد من فراره من الاسد، فضرر المبتدع على الدين الذي هو رأس مال المسلم.

الدين رأس المال فاستمسك به            فضياعه من أعظم الخسران

فأهل البدع يستحقون الذل والإهانة، والبعد عنهم والتقرب إلى الله بلعنهم والترفع عليهم.

آثار وردت في ذم البدع والنهي عن مداخلة أصحابها والغضب عليهم

عن الحسن قال: صاحب البدعة لا يزداد اجتهاداً، صياماً ولا صلاة، إلا ازداد من الله بعداً.

وقال أبو إدريس الخولاني التابعي: لأن أرى في المسجد ناراً لا أستطيع إطفاءها أحب إليَّ من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها.

وقال الفضيل بن عياض: اتبع طريق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين.

وعن الحسن قال: لا تجالس صاحب هوى فيقذف في قلبك ما تتبعه عليه فتهلك، أوتخالفه فيمرض قلبك.

وقال أيوب السختياني: ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله بعداً.

وقال أبو قِلابة: ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف.

وكان الحسن البصري وأبو حنيفة يلعنان عمرو بن عبيد مع شهادتهما له بالزهد، فكان الحسن يقول: ما أزهده لعنه الله.

ورأى يونس بن عبيد ابنه يخرج من بيت عمرو بن عبيد فقال: لأن رأيتك خارجاً من بيت هيتي أحب إلي من أن أراك خارجاً من بيت عمرو بن عبيد.

وكان يقال يأبى الله لصاحب بدعة بتوبة، وما انتقل صاحب بدعة إلا إلى شر منها.

وقال أبو العالية: تعلموا الإسلام فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام، ولا تحرَّفوا يميناً أوشمالاً، وعليكم بسنة نبيكم وما كان عليه أصحابه.

  وقال مقاتل بن حيان: أهل هذه الأهواء آفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

أخطر الأهواء

أشد الأهواء خطورة منها ما يعتقده البعض من غير انتساب إليه، كعقيدة الخروج والرفض التشيع، والإرجاء، والاعتزال، والقدر.

ومنها ما ينتسب إليه، كالانتساب للأحزاب العلمانية، والطرق الصوفية العديدة، لمخالفتها لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.

ã

الثامنة والعشرون: العمل بأحاديث الآحاد التي تلقتها الأمة بالقبول واعتقاد أنها تفيد العلم القطعي والعمل

من العلامات المميزة والفوارق الواضحة بين أهل السنة وأهل الأهواء العمل بأحاديث الآحاد التي تلقتها الأمة بالقبول، خاصة ما ورد في الصحيحين واعتقاد أنها تفيد العلم والعمل.

رد السنن الصحيحة ودفعها من أوائل البدع التي ظهرت في الإسلام على لسان ذي الخويصرة التميمي، وجاراه أتباعه من الخوارج ومن شايعهم من المعتزلة والرافضة ومن قلدهم من العوام.

ومن المعلوم من دين الله أن تقسيم الأحاديث إلى أحاديث متواترة وأحاديث آحاد تقسيم فني حادث لم يكن معروفاً في القرون الفاضلة، أما تقسيم الأحاديث إلى قطعي الدلالة وظني الدلالة فمن الآثار السيئة والنتـائج الخبيثة لعلم الكـلام، الذي لو كان علمـاً لاشتغـل به الصحـابة والتابعـون كمـا قـال عبد الرحمن بن مهدي، ولكنه باطل دل على باطل.

ومعلوم كذلك أن الأحاديث المتواترة تواتراً لفظياً لا تزيد على أصابع اليدين، وكذلك الأحاديث المتواترة تواتراً معنوياً ليست كثيرة.

ونتج عن هذا السلوك الجائر الذي هدف من ورائه إلى رد السنن التي تخالف الأهواء الزعم الباطل بأن أحاديث الآحاد لا يعمل بها في العقائد والأحكام، ونسي هؤلاء أوتناسوا أن حديث: "إنما الأعمال بالنيات" الذي يمثل ثلث الدين حديث آحاد، بل عزيز.

من أخطر المسائل العقدية وغيرها التي ردها أهل الأهواء من المعتزلة ومن سبقهم ولحقهم ما يأتي:

1. إنكار حد الردة.

2. إنكار رجم الزاني المحصن.

3. رؤية المؤمنين لربهم في الجنة حين يحجب عنه الكافرون.

4. عذاب القبر، حيث جعلوه عذاباً معنوياً يصيب الروح فقط.

5. كثير من المعجزات الكبرى نحو انشقاق القمر.

6. كثير من علامات الساعة الكبرى، نحو خروج المسيح الدجال، ونزول عيسى ابن مريم، ومنهم من يؤول بعضها تاويلاً فاسداً يخرجها عن مرادها.

هذا على سبيل المثال لا الحصر، مما يدل على خطورة هذه الدعوة الباطلة، فليبشر هؤلاء بما توعدهم به ربهم: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أويصيبهم عذاب أليم"، حيث فسر الإمام أحمد الفتنة بأنها الشرك.

الأدلة على حجية أحاديث الآحاد الصحيحة التي تلقتها الأمة بالقبول وإفادتها العلم اليقيني والعمل كثيرة جداً، ومن المصادر والمراجع التي يمكن أن يرجع إليها طالب العلم في ذلك ما يأتي:

1. الإمام الشافعي في رسالته، فهو أول من دلل على ذلك، حيث أورد في رسالته هذه نيفاً وثمانين دليلاً على حجية خبر الواحد.

2.  وابن الصلاح في "علوم الحديث".

3.  الحافظ ابن كثير في "الباحث الحثيث اختصار علوم الحديث".

4.  وابن القيم في "مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة".

5.  وابن حزم في "الإحكام في أصول الأحكام" المجلد الأول.

6.  الشيخ الألباني في كتابه "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام".

7.  "حُجِّية أحاديث الآحاد" للعبد الفقير الفاني كاتب هذه الأسطر.

فلتهنأ أيها السني بقبول كل ما صح عن نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وبدورانك مع الدليل حيث دار، واحذر من مسلك الأشرار الفجار الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، المتوعدون بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول: ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه"، أوكما قال.

ã

التاسعة والعشرون: الحذر من الخصومات في الدين، والجدل، والمراء

من علامات أهل السنة عدم الجدل والمراء، لأنهما لا يأتيان بخير، ويكونان سبباً للنفرة وداعيان للخصومة، وإنما وظيفتهم بيان الحق وتوضيحه، وإزالة الشبه عنه، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ويتعين بغض الجدل والمراء في أمور هي:

1. القرآن.

2. والقدر.

3. والنجوم.

4. ومجادلة المبتدع لغير المتمكن، فلا ينبغي أن يرد على أهل الأهواء إلا المتمكنون من أنفسهم الواثقون من علمهم.

فالموفق من أعين العمل، والمحروم من حرم العمل وتفرغ للجدل والمراء.

قال تعالى: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن".

وقال صلى الله عليه وسلم: "ما أوتي قوم الجدل إلا ضلوا".

وقال: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محاً".

جاء رجل لمالك رحمه الله فقال: أريد أن أجادلك! فقال له مالك: إن غلبتني؟ قال: تتبعني؛ قال: إن غلتبك؟ قال: أتبعك؛ قال: فإن جاء ثالث فغلبنا؟ قال: نتبعه؛ فقال له مالك: أنت ليس لك دين.

مراد مالك أن المسلم الذي وفقه الله لاتباع الحق ليس له مجال لتركه أبداً، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟

ولهذا جاء في الأثر: ما خاصم تقي قط.

ã

الثلاثون: حب العلماء وعدم تتبع زلاتهم والحرص على عدم انتقاصهم

المراد بذلك علماء أهل السنة والجماعة، ولا يدخل في ذلك المنتسبين إلى العلم من أهل الأهواء ولا علماء السوء.

لا لأنهم فوق النقد والجرح، ولكن لمكانتهم في نفوس أتباعهم، ولتجاوزهم للقنطرة، وكما قيل: إذا بلغ الماء قلتين لا يحمل الخبث؛ ومن ذلك عدم نشر زلاتهم وتقليدهم فيها، ولا يعني ذلك تقليدهم في كل ما يقولون والتعصب لأقاويلهم وإن خالفت الدليل.

يتأكد النهي عن الطعن في العلماء من صغار الطلاب وأتباع المشايخ، وينبغي لشيوخهم أن يحذروهم عن ذلك تحذيراً شديداً، وأن يمنعوهم من الخوض في ذلك منعاً باتاً.

وليحذر الذين يطلقون ألسنتهم بالسب، والشتم، والانتقاص لأهل العلم من قول الله عز وجل: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً".

ومن قوله صلى الله عليه وسلم: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" الحديث.

والأولياء هم العلماء، إذ حاشا الله أن يتخذ ولياً جاهلاً.

قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه "التبيان": (قال الإمامان الجليلان أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله: "إن لم يكن العلماء هم أولياء الله فليس لله ولي"، وفي لفظ: "إن لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي".

ورحم الله الحافظ أبا القاسم بن عساكر حين قال: (اعلم يا أخي، وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب).

هذه الكلمة ينبغي أن تكتب بماء الذهب، وأن يعيها طلاب العلم ويرعوها.

روى البيهقي في "السنن الكبرى" عن أبي أمامة يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من توقير جلال الله: ذو الشيبة في الإسلام، وحامل كتاب الله عز وجل، وحامل العلم من كان صغيراً أوكبيراً".

نماذج من توقير السلف لعلمائهم

قال الشعبي: أخذ ابن عباس بركاب زيد بن ثابت، وقال: هكذا يصنع بالعلماء.

وقال أيوب عن مجاهد أن ابن عمر أخذ له أي لزيد بالركاب.

وأخذ الليث بركاب الزهري.

وقال الثوري عن مغيرة: كنا نهاب إبراهيم النخعي كما نهاب الأمير.

وكذلك كان أصحاب مالك مع مالك، ولذلك قال الشاعر:

يدع الجوابَ فما يراجَع هيبــة       والسائلـون نواكـــس الأذقان

أدب الوقار وعز سلطان التقى       فهو الأميـر وليس ذا سلطان

وقال الربيع المرادي تلميذ الشافعي: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر هيبة له.

وقال الشافعي: إذا رأيتَ رجلاً من أصحاب الحديث فكأنما رأيتَ رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

  وقال الفضيل بن عياض: ارحموا عزيز قوم ذلَّ، وغني قوم افتقر، وعالماً بين جهال.

  أخذ أحمد بركاب الشافعي ومشى راجلاً مودعاً له.

  وقال أبو داود صاحب السنن: ما لعنتُ أحداً قط إلا أحداً سمعته ينتقص مالكاً.

  وأنشد الشافعي رحمه الله لنفسه:

ومنزلــة الفقيه من السفيـــه        كمنزلــة السفيه من الفقيه

فهذا زاهــد في قرب هــــذا        وهذا فيه أزهــد منه  فيـه

إذا غلب الشقاء على السفيه         تنطع في مخالفــة  الفقيه

  وأمر أحمد رحمه الله بهجر من انتقص مالكاً رحمه الله.

ã

الحادية والثلاثون: النصح لكل مسلم

من علامات أهل السنة إسداء النصيحة لكل مسلم حسب الطاقة، مع مراعاة الحكمة، والموعظة الحسنة، والرفق، والتلطف، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحـة"، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم".

وحاجة المسلمين عامة والمسؤولين خاصة للمناصحة أشد من حاجتهم للأكل والشرب، وكان السلف الصالح يدعون لمن أسدى إليهم نصيحة، كما قال عمر: "رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي".

فالحذر أخي المسلم من الاستنكاف والاستكبار من قبول النصيحة من أي جهة جاءتك.

ã

الثانية والثلاثون: الوسطية

إن السمة الجامعة لجل سمات وعلامات أهل السنة هي الوسطية، فأهل السنة هم الفرقة الخيرة الناجية، فهم وسط في باب الصفات بين نفاة الصفات وبين المجسمة، وهم وسط في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المدعين لهم العصمة من الرافضة والمكفرين لهم من الخوارج وغيرهم، وهم وسط بين نفاة القياس من الظاهرية وبين الغارقين فيه، وهم وسط كذلك بين الغالين والجافين، فلا تفريط ولا إفراط، ولا شطط ولا وكس؛ ولهذا وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأنهم نقاوة المسلمين، كما أن المسلمين نقاوة الأمم كلها.

ã

خاتمة

علامات أهل السنة كلها حميدة، وهي كثيرة جداً، ولا يمكن الإحاطة بها، وفيما ذكرنا كفاية وغنى عما أغفلنا عنه، فالموفق من وفقه الله للاتباع، والمحروم من حرم الاقتداء والتأسي بسلف الأمة الأخيار والأئمة الأطهار.

وصلى الله وسلم على رسوله وصحابته والتابعين لهم بإحسان.

والسلام عليكم ورحمة الله

00000000000000000000000

الكفر ملة واحدةد

المستجير بعمرو عند كربته     كالمستجير من الرمضاء بالنار

لقد تعجبت جداً لوجد المسؤولين السودانيين على الصين ولومهم لها لعدم استعمالها لحق "النقض" ضد القرار الجائر الظالم رقم 1593 في مجلس الأمن، ليحولوا دون صدوره، ومن قبل ألقى بعض العرب والمسلمين باللائمة على روسيا عندما صدر القرار الأمريكي باجتياح العراق وغزوه، للصداقة الحميمة والمصالح المشتركة بين العراق وروسيا، ونسي هؤلاء وأولئك أن الكفر ملة واحدة، وأن عدوك هو عدو دينك، وقد أتي الجميع بسبب خلل في عقيدة الولاء والبراء التي كادت أن تنعدم بالكلية عند كثير من المسلمين.

لقد صنف الله الخلق إلى مؤمنين وكافرين، ويدخل فيهم المنافقون نفاق الاعتقاد، وإلى حزبين: حزب الله وحزب الشيطان، ولهذا عندما استاذن جعفر وأصحابه بالحبشة على النجاشي قالوا: يستأذن عليك حزب الله.

لقد نهى الله عباده عن موالاة الكفار والمشركين، الأقربين منهم والأبعدين، وعن صداقتهم، والركون إليهم، ورفض رسوله صلى الله عليه وسلم الاستعانة بالمشركين وهو في أحلك الظروف وأشدها قسوة عليه وعلى أصحابه.

قال تعالى عن حزب الشيطان الذين يتولون الكفار والمنافقين: "ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم.. استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون".

وقال عن حزبه، حزب الرحمن: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أوأبناءهم أوإخوانهم أوعشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون".

وعندما لحق أحد المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الغنيمة في طريقه إلى بدر قال له رسول الله: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: لا، فرده مرتين ولم يسمح له بالقتال معه، حتى شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

إن لم يجد المسلمون العون من الكفار الكتابيين فمن باب أولى أن لا يجدوا ذلك ممن سواهم من الهندوس، والبوذيين، والوثنيين، والشيوعيين، ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم أمته بمخالفة اليهود والنصارى في أمور شتى تقرباً إلى الله عز وجل، لما ثبت له بالتجربة عداوتهم وبغضهم ومكرهم بالإسلام والمسلمين، بعد أن كان يحب موافقتهم في أول الأمر.

اعلم أخي الكريم أن عداء الكفار المشركين من هندوس، وبوذيين، ووثنيين، وشيوعيين، وغيرهم أشد من عداء اليهود والنصارى، وما فعله الهندوس، والسيخ، والبوذيون، والشيوعيون بإخواننا المسلمين بالهند، وروسيا، وكشمير، والصين، ليس عنا ببعيد، ومن قبل في أندونيسيا وماليزيا وغيرهما.

لقد حكى لي أحد الإخوة الماليزيين أن ما عاناه وقاساه الشعب المسلم الماليزي والأندونيسي من الاستعمار الياباني في ظرف تسع سنوات تقريباً لم يعانه من الاستعمار البرتغالي الذي استمر أربعمائة عام، فقد كانوا يطلبون من أحدهم أن يمشي على أربع، وكانوا يَرْدُمون الجداول بالأحياء منهم حتى تمشي عليها دباباتهم، وما أصاب اليابانيين في الحرب العالمية السابقة من التدمير والخراب ما هو إلا نتيجة ظلمهم وتجبرهم وتسلطهم على الشعوب المستضعفة التي استعمروها، فالله سبحانه وتعالى ليس بظلام للعبيد، فهو يمهل ولا يهمل.

وأخيراً اعلموا أيها المسلمون حكاماً ومحكومين في السودان وغيره أن ليس لكم خلاص مما أنتم فيه إلا بالرجوع إلى دينكم والاعتماد والتوكل على ربكم وتغيير ما بأنفسكم، لقد جربتم كل السبل فلم تغن عنكم شيئاً، ويكون ذلك بالآتي:

1.  تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله، وما أجمع عليه السلف.

2. نبذ الشرك والكفر بكل صوره من الدعاء والاستغاثة بغير الله، إلى التحاكم لغير شرع الله، إلى التمسك بهدي وسمت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها وما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً.

3.  رفع راية الجهاد فهو طريق العزة والنصر.

4.  إعداد القوة بالإمكانات المتاحة، فعالم اليوم لا حق فيه لضعيف.

5.  بعث عقيدة الولاء والبراء في الأمة.

6.  الحذر من الابتداع في دين الله ما لم ينزل به سلطاناً.

7.  إعادة النظر في كل نظم حياتنا التعليمية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، فكلها أوجلها مغاير للشرع.

8.  الخروج من المنظمات الكنسية الدولية مثل مجلس الأمن وهيئة الظلم وكل ما انبثق منهما.

9.  اليقين بأن التمكين مع البلاء، سأل رجل الشافعي: أيهما افضل البلاء أم التمكين؟ فقال: لا يمكن حتى يبتلى.

هذا هو الطريق وما أنتم عليه الآن هو عين بُنيات الطريق، واعلموا أن ما عند الله خير وأبقى، وأن الدنيا لو كانت تسوى عند الله جناح بعوضة ما سقى منها الكافر جرعة ماء، ولما حجبها عن رسوله وأوليائه، ومنحها لألد أعدائه.

اللهم إنك تعلم أن الأمركان وعملاءهم طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم يا ربنا سوط عذاب، اللهم إنك آتيتهم زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك، ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، اللهم عليكهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أرنا فيهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

اللهم ألف بين قلوب المسلمين واهدهم سبل السلام.

اللهم هيئ للأمة الإسلامية أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، وصلى الله وسلم وبارك على نبي الرحمة ورسول الملحمة القائل: "وجعل رزقي تحت ظل رمحي"، وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين.

000000000000000000000000000

الكفر ملة واحدة‍‍ !؟!؟

إن ما يجري على الأرض الفلسطينية من تقتيل وتشريد وتدمير واعتقالات وإبعاد وسفك لدماء الأبرياء هو ذاته الذي يجري على أرض الرافدين المسلمة وبنفس الآلة التدميرية الأمريكية وبنفس اليد الحاقدة الصليبية التوراتية المجرمة وإن اختلفت المسميات ففي فلسطين الهوية يهودية صهيونية وفي العراق نصرانية صليبية , وهدفهما واحد ألا وهو القضاء على الإسلام والصامدين من أبناء هذا الدين أينما كانوا باسم محاربة الإرهاب .

فهوية المجرم واحدة !! وعقيدته واحدة !! وهدفه واحد !! والمستهدف واحد !! , والمصيبة الكبرى أن موقف العرب وكثير من المسلمين واحد !!!! فقد بات سكوت العرب على جرائم المعتدين على إخوان العروبة والعقيدة أمرا طبيعيا وغير مستهجن أبدا ؟؟ بل إن بعض الأنظمة المسماة مسلمة وعربية تتفانى في إذلال شعوبها ومواطنيها خوفا من التعبير عن غضبهم إزاء ما يجري على الساحتين العراقية والفلسطينية وخوفا على شعور المحتل الباغي ؟؟!!.

ومن هنا يتجلى لنا بعض الحقائق التي لا يمكن لعاقل منصف أن يتجاوزها ومنها :-

أولا : يقينا لكل مسلم أن الكفر ملة واحدة من شك في ذلك يشك في دينه وعقيدته وكل من تولى الكافرين ينسب إليهم وينضوي تحت رايتهم في حكمه الشرعي وليس ثمة دليل أكبر مما يجري على أرض فلسطين والعراق وأفغانستان فالوجوه الكافرة عدة ولكن الملة والهدف واحد وهو القضاء على الإسلام فقد قال تعالى :

{ يا أيها الذين لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} .

ثانيا : الواجب على كل مسلم موحد مؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا أن يعلن بكل وضوح وصراحة أنه مع المؤمنين معادٍ للكافرين متبرئ منهم؛

فقد قال تعالى :

{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء } .

ثالثا : لا يسمع أبدا صوت المنادين بالركون للظالمين ومهادنة الكافرين باسم المصلحة الوطنية المزعومة لأن هذا هو طريق الهزيمة والبعد عن النصر كما أخبر العليم في كتابه فقال جل جلاله :

{ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون }.

رابعا : المطلوب أصلا خفض الجناح للمؤمنين والضرب بكل القوة على أيدي الكافرين وجهادهم بالمتاح من أساليب المقاومة دون الوقوف كثيرا عند عدتهم وعتادهم وقد خاطب الله الموالين لهم الخائفين منهم قائلا :

{ يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } .

‍‍‍‍‍خامسا : مِن المسلّم لدى المؤمنين أن الملك والأرض لله يعطيهما من يشاء من عباده ولن يتحصل هذا بمهادنة الكافرين ولا قبول الذل للأمة فقال تعالى :

{ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} .

وقال تعالى :

{ وأن الأرض يورثها من يشاء من عباده } .

سادسا : الصبر والإيمان بالله هو طريق النصر واستبدال الخوف أمنا وليس التنازل والمفاوضات ما يرجع الحقوق .

قال تعالى :

{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا } .

سابعا : وأخيرا لنا في محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام خير قدوة حيث ضربوا المثل الحقيقي برجوعهم إلى الله واستجابتهم لأمر الله ورسوله لما اجتمع عليهم الناس وبعد إصابتهم بالأذى وكان مراد الكفار حينها القضاء على الإسلام والمسلمين كما هو حال الكفرة في هذه الأيام فوصف الله تعالى ذلك بقوله :

{الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}

فحسبنا الله ونعم الوكيل .

أما أنتم أيها المجاهدون في كل مكان ...........

إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم

ولا نظنكم أبدا من أولياء الشيطان فلن تخافوهم أبدا وحتما أنتم من تخافون الله

لأنكم أنتم المؤمنين .... نعم أنتم المؤمنون .... وغيركم الله أعلم بهم وبأحوالهم .

فالثبات الثبات والله معكم ولن يتركم أعمالكم , ولن يضيع جهادكم وصبركم إن شاء الله تعالى   -----------

مسائل فقهية في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

 

 

 

ترددت في الآونة الأخيرة العديد من المطالبات و الدعاوى المرتجلة و العشوائية بخصوص قضية الإساءة لرسول الله صلى الله عليه و سلم والتي تفتقر في معظمها إلى أبسط أصول الدقة و الأمانة في تأصيل أحكامها الشريعة لدرجة تجعل بعضها يخرج تماماً من دائرة الأحكام الموافقة للشريعة الإسلامية .

 

فالبعض يطالب بسن قانون لاحترام الأديان!! والآخر يطالب الأوروبيين بفهم جديد لديموقراطيتهم!!

وآخر يطالبهم بعدم ازدواجية المعايير!! وآخر يطالب بالاعتذار!!

و هذا ينصب نفسه خليفة للمسلمين يتحدث نيابة عنهم فيما يقبلونه وما يشترطونه لقبول الاعتذار!!

و ذاك يطالبهم بضبط النفس والوفاء بالعهود والمواثيق!! وآخر يشبه القرآن بالتوراة!!

 

و هنا لا بد أن نتفق على أنه لا يجوز نصرة رسول الله إلا بالحق الذي جاء به محمد نفسه صلى الله عليه و سلم فالله طيب و لا يقبل إلا طيباً ..

 

فكما لا تجوز نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالكذب أو بالتضليل أو بالخداع أو من مال حرام فإنه قطعا لا يجوز نصرته صلى الله عليه و سلم بالاحتكام للطاغوت أو بتلفيق الأحكام الشرعية أو بالاحتكام إلى ما لم ينزل به الله سلطاناً من الأحكام الوضعية، قولاً واحداً .

 

فالله يتوعد الذين يجادلون في الله بغير علم بالضلال وعذاب السعير { يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب الله شديد * و من الناس من يجادل في الله بغير علم و يتبع كل شيطان مريد * كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله و يهديه إلى عذاب السعير } [ سورة الحج : 1-4 ]

فحتى لا تنقلب نصرتنا لله و رسوله وبالاً علينا، و حتى ينصرنا الله بنصره نصراً عزيزاً و يفتح لنا فتحاً مبيناً لا بد لنا من تمحيص الأحكام الشرعية المتعلقة بقضية نصرته صلى الله عليه وسلم ولنذكر أننا نبتغي بهذا العمل وجه الله تعالى وأننا نطمع أن يرى عملنا هذا الله و رسوله والمؤمنون فلنتق الله حق تقاته في عملنا هذا، و لنرقُب الله في كل حكم نصدره وفي كل رأي نقول به  ..

 

مدرج أدناه بعض المسائل التي ظهرت مؤخراً في قضية نصرة رسول الله صلى الله عليه و سلم والتي كان الأجدر بعلمائنا الأجلاء أن يبحثوا في أحكامها الفقهية وأن يؤصلوا أدلتها الشرعية بدلا من إضاعة الوقت في تلقي الإملاءات من الأجهزة الأمنية وأسلمة الحلول الديمقراطية و العلمانية و ادعاء العلم بغير علم نعرضها عليكم راجين منكم بحثها و إبداء الرأي فيها، بصفتكم ممن نحسبهم من رجال العلم و الرأي في هذه الأمة و الله حسيبكم ولا نزكي على الله أحداً

 

وقبل أن نبدأ لا بد لنا أن ننوه إلى أن جميع المسائل الواردة أدناه إنما هي مسائل مطروحة للنقاش بين علماء الأمة الإسلامية للوقوف على أحكامها الشرعية الواجب اتباعها و هي لا تمثل بأي حال من الأحوال رأياً تنظيميا أوحركياً أو حزبياً لأحد وليست ملزمةً إلا بما يثبت من أدلتها الشرعية الوارد فيها، وهي جميعها مطروحة للنقاش بين علماء الأمة ؛ رحم الله كل من صححها وكل من قومها وكل من نظر فيها فوقف عندها على حد سواء و جعلنا الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ..

1: هل يجوز اصدار قانون دولي يلزم الدول الإسلامية باحترام جميع الأديان ؟

و ما هي تلك الأديان المقصودة هنا ؟ و ما هو معنى ذلك الاحترام؟ فهل هذا يشمل نصرانية التثليث، أم يهودية يهوه، أم البوذية، أم الهندوسية، أم عبادة النار، أم عبادة الفرج، أم عبادة الشيطان أوليست هذه بعض الأديان المخالفة للإسلام ؟؟ و هناك الكثير غيرها مما يمكن أن ينطبق عليه معنى " جميع الأديان " ؟

فهل سيلتزم العالم الإسلامي باحترام كل هذه الأديان؟ و هل سنضطر لفتح معابد للشيطان في الرياض مثلاً، لاحترام هذه الديانة كسائر الديانات الأخرى؟ أم سنفرض على الأمم المتحدة استثناء الديانات الوثنية والتي يشكل أتباعها قرابة ثلث سكان العالم؟؟ وهل عبادة الشيطان ديانة وثنية أم لا ؟؟ هاتوا برهانكم ؟؟

أم هل سنعتبر عدم إنشاء كنيسة في مكة مثلاً عملاً عدائياً لمخالفته لقانون احترام الأديان؟ مما قد يستدعي احتلالها مثلا بموجب القانون الدولي؟ أو تدويلها، كما يطالب به بعض المشبوهين من أعداء الله ؟ وكما حدث في أندونيسيا و السودان و غيرها من تقسيم طائفي لبلاد المسلمين!!

و هل ستعتبر تلاوة الآيات التي تلعن اليهود و المنافقين والكفار مساساً باحترام باقي الأديان؟؟ أم هل سيتوجب علينا إلغاءها من المناهج .. ثم من البرامج .. ثم من المآتم؟؟ أم سيتوجب علينا منع تحفيظها في دور القرآن كما يطالب به أعداء الله ؟؟

مالكم كيف تحكمون ؟!

 

و هنا لا بد من تذكير الغافلين و المستغفلين الى أن الدين عند الله واحد و هو الإسلام لا غير و كل ما خلا الإسلام من الديانات الأخرى فهو باطل، مذموم، محتقر حامله، لا اعتبار له كدين، و لا احترام، و عد الله حامله بأشد العذاب لأن { الدين عند الله الإسلام } ولأنه { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه }

فملة الكفر ملة واحدة ..

وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يترك أمته إلا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك

و اذكروا أن النصرانية و اليهودية ليستا أديان مخالفة للإسلام، إنما هي شرائع من قبلنا من الأمم المسلمة يقرها الاسلام بصورتها الأصلية و لا يقر ما كان فيها محرفاً ولا يحترمه كدين آخر بأي حال من الأحوال، و ينعي على محرفيها و حامليها وناشريها

وهنا لابد من الإشارة أن المسلمين خاصة لا يلزمهم قانون لفرض احترام باقي الشرائع السماوية ذلك أن الإيمان بحرمة الكتب السماوية و باقي الرسل إنما هو جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية بل يصح القول أنه يكفي للقانون الدولي أن يقتصر على تجريم الإساءة للديانة الإسلامية وحدها ليشمل بذلك كل الشرائع السماوية الأخرى

و هذا ما يمكنكم المطالبة به

" قانون دولي يجرم الاساءة للإسلام بصفته دين الله الجامع للشرائع السماوية كلها " فإن استحييتم من دين الله أو أبيتم المطالبة بحمايته فاعلموا أن الله لا يستحيي من الحق وأن الله متم نوره و لو كره الكافرون

ولكن لا تقربوا حدود الله!!

2: هل يجوز اعتبار مقاطعة الدول المسيئة وإغلاق سفاراتهم نكثاً بالعهود و المواثيق الموقعة مع تلك الدول ؟

ألا تعتبر الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم انتهاكاً لحرمات المسلمين كافة واعتداء على كل مسلم بعينه؟ و ألا يعتبر هذا الاعتداء خرق واضح وصريح لنصوص واتفاقيات التبادل الدبلوماسي مع تلك الدول ونكث بكافة العهود والمواثيق السياسية الموقعة مع تلك الدول المسيئة؟؟ خاصة تلك الدول التي تصر على الإساءة لرسول الله (صلى الله عليه و سلم) و تعتبرها حق مشروع يكفله الدستور، وترفض التراجع عن تلك الإساءة!!

ألا يعني إصرارها هذا إعلان الحرب على المسلمين كافة ؟؟ ألا يكفي اعتداءهم السافر هذا و المستمر يومياً لاعتبار كافة مواثيق الصلح و عهود الهدنة والتبادل الدبلوماسي الموقعة مع تلك الدول المسيئة باطلة وفي حكم الملغاة؟؟

ولنقرأ قوله تعالى :  { إن الذين يحادون الله و رسوله أولئك في الأذلين * كتب الله لأغلبن أنا و رسلي إن الله قوي عزيز * لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، رضي الله عنهم و رضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون } [ سورة المجادلة : 20 - 22 ]

أو قوله تعالى : { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون * ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم و هموا باخراج الرسول و هم بدءوكم أول مرة، أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين } [ سورة التوبة ]

ألا تعتبر الإساءة لرسول الله طعناً في الدين ؟! أم أنكم لا تعتبرون الطعن في الدين نكثاً بالعهود؟

مالكم كيف تحكمون ؟!

وإذا كان نكثهم هذا موجب لقتالهم ، أفلا يكون موجباً من باب أولى لمقاطعتهم ولطرد رعاياهم وسفراءهم وموجباً لإغلاق سفاراتهم وموجباً لإلغاء كافة العقود التجارية و السياسية و الثقافية الموقعة معهم ؟؟

كان الأجدر بعلمائنا الأجلاء أن يبحثوا حكم الدول و الأفراد الذين يرفضون مقاطعة تلك الدول المسيئة؛ خاصة على ضوء تلك الأيات الصريحة التي تنفي الإيمان عمن يلقون بالمودة لأولئك الكفار!!

فهل يجوز لأي دولة أو جماعة أن تقبل بهذه الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن تقلل من شأنها أو تمتنع عن اتخاذ العقوبات في حق من يقوم به من الدول أو الأفراد؟ ألا يضع كل من يقر بهذه الإساءة أو يسكت عنها أو يمتنع عن تجريمها من الدول و الأفراد، ألا يضع نفسه في خانة المنافقين؟؟

{ ألم يعلموا أنه من يحادد الله و رسوله فأن له نار جهنم خالداً فيها، ذلك الخزي العظيم * يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم ، قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون * و لئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض و نلعب ، قل أبالله و ءاياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمنكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين * المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض، يأمرون بالمنكر و ينهون عن المعروف و يقبضون أيديهم، نسوا الله فنسيهم، إن المنافقين هم الفاسقون * وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خلدين فيها، هي حسبهم، و لعنهم الله، ولهم عذاب مقيم } [ سورة التوبة : 63 - 68 ]

3: من الذي يحق له أن يقبل الاعتذار وأن يسقط حق 1,400 مليون مسلم في العالم ؟

أليست الإساءة لرسول الله جرم بحق المسلمين كافة؟ أليس المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم؟ فكيف يجوز لمفتي كذا أو ممثل مؤتمر كذا أن يتحدث نيابة عن المسلمين كافة و يحدد ما يقبل به المسلمون و ما لا يقبلوه أو ما يشترطوه لإسقاط حقهم؟ فلا يجوز أن يسقط هذا الحق نيابة عن المسلمين كافة إلا من ينوب عنهم كافة

فلو افترضنا جدلاً أن المسلمون كافة، ما عدا رجلٍ واحد، اتفقوا على إسقاط حقهم عن المعتدين، لسعى هذا الواحد بذمتهم جميعا و لما سقط الحق..

فما بالكم بمئات الآلاف من المتظاهرين الذين يعربون يومياً عن رفضهم المساومة في قضية رسول الله (صلى الله عليه و سلم)

فمن هذا الذي يدعي أنه ينوب عن المسلمين كافة ؟؟ حتى يحكم فيما يقبلوه أو ما يشترطوه؟؟ فحق النيابة عن المسلمين كافة هو حق للإمام أو لخليفة المسلمين وحده أو من ينوب عنه، وفي حالتنا اليوم تبقى ذمة المسلمين بذمة كل واحد منهم إلا أن ينيب عنه وكيلاً

فاتقوا الله يا أولى الألباب ولا تُلبسوا أنفسكم ثياب الزور ..

4: هل يجوز لنا أن نفسر الديموقراطية و حرية التعبير بغير ما يقرره أهلها ؟

وهل يجوز لنا أن نضع لها الضوابط التي نتصورها نحن خلاف ما يقرره أهلها، ثم نحاسب الدول المسيئة وفق فهمنا نحن لقيمهم هم؟؟ كيف لنا أن نفرض عليهم خلاف ما يقرروه هم عن معتقداتهم؟؟

فالثابت أن عـقيدة المرء لا تُفسّر إلا بما يقرره هو عن نفسه، لا بما نظنه نحن، واقرأ إن شئت { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } و حديث أسامة رضي الله عنه : ( أفلا شققت قلبه.. )  و حديث الحسن رضي الله عنه : ( .. إنما كان يعبر عنه لسانه.. )

فهم يقولون أنه لا يمكنهم استصدار قانون يجرم الإساءة للدين لأن ذلك مخالف للقيم العلمانية و بالتالي لا يمكن التصويت عليه في أنظمتهم الديموقراطية و نحن نصر على أن الديموقراطية لاتعني الإساءة للدين

من الذي يقرر معنى الديموقراطية، و حرية التعبير والعلمانية .. نحن المسلمون، أم هم أصحابها ودعاتها وأهلها

فلا يجوز لنا بحال من الأحوال أن نقرر عنهم معنى الديموقراطية ولا معنى حرية التعبير ولا معنى العلمانية ولا أن نضع لهم الضوابط لأي منها أو نفرض عليهم ما يعتقدوه من حدود لهذه المفاهيم فهذه معتقداتهم هم و لا يجوز لنا إلباسها الثوب الذي تهواه أنفسنا نحن

بل لا بد من تفسيرها تماماً كما يقرروه هم عن أنفسهم ألا تكفي ألسنتهم و أقلامهم و تصريحات زعمائهم لنفهم معنى الديمقراطية ، و حرية التعبير منهم ؟؟

5: هل يجوز اعتبار عدم اعتذار الدول المسيئة ازدواجية في المعايير ؟؟

هذا يعتمد على فهمنا نحن لهذه المعايير

فهم لم يألوا جهدا لإفهامنا أن ما نطالب به من اعتذار و تراجع عن الإساءة إنما يتناقض مع معتقداتهم ذلك أن حرية التعبير كما يرددون تعني حق المرء في أن يقول ما يشاء حتى و لو كان كفراً صريحاً وأن العلمانية تفرض عليهم أن لا يكون للدين أي احترام في الدولة لا عرفاً و لا قانوناً و أن الديموقراطية تعني حكم الشعب للشعب بغض النظر عن موافقة ذلك لحكم الله أو مخالفته فالقانون عندهم يمكن أن يعاقب الأب إذا أجبر ابنته على التقيد باللباس الشرعي مثلاً و لكنه لا يمكن أن يعاقب من يسب الذات الإلهية مثلاً و لا يمكن إصدار قانون بذلك من مجلس الشعب فهذه منظومة فكرية واحدة لا يمكننا أن نفصل بعضها عن بعض فمفهوم العلمانية هو أساس نظام الحكم عند هذه الدول المسيئة و العلمانية تقوم على أساس الديموقراطية والديموقراطية تقوم على أساس مفهوم حرية التعبير فاللذين يطالبونهم بالاعتذار أو التراجع إنما يطالبونهم بهدم كل هذه المنظومة فاعتذارهم عن الإساءة سيكون هو ازدواجية المعايير لما في ذلك من مخالفة لقيمهم الأصلية

مالكم كيف تحكمون ؟!

6: هل يجوز الاحتكام للديموقراطية أو العلمانية أو حرية الرأي في حل قضية الإساءة لرسول الله (صلى الله عليه و سلم) ؟

الثابت شرعاً أنه لا يجوز الاحتكام إلا لدين الله { فمن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } { .. و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } {.. و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } .

فأي نظام لا بد له أن يطابق الإسلام تماماً ليكون الاحتكام إليه جائزاً، و هذا يجعل المفاضلة سهلة :

فالعلمانية كما يقررها أهلها هي فصل الدين عن الدولة أما الإسلام فلاحكم إلا بما أنزل الله و على العكس تماماً تتحمل الدولة عبء الدعوة لله و مسؤولية تطبيق الشرع أما الديموقراطية فهي حكم الشعب للشعب (كما يعِّرفها أهلها) أما الإسلام فهو حكم الله للناس كافة و حرية التعبير تعني إباحية نشر الأفكار بغض النظر عن محتواها ومهما كانت هدامة فان قيمتها لا تتجاوز القيمة المادية لوسائل التعبير عنها أما بالإسلام فالكلمة مسؤولية، فيبيع المرء ويشترى بكلمة، و يتزوج بكلمة، و يدخل الإسلام بكلمة ويخرج من الملة بكلمة

فمنظومة الديموقراطية منظومة واحدة تقوم بعضها على بعض وهي مناقضةٌ تماماً للإسلام ولأن { الدين عند الله الإسلام } ولأن {من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } فملة الكفر ملة واحدة تشمل نصرانية التثليث، و يهودية يهوه، والبوذية، والهندوسية، وعبادة النار، وعبادة الفرج، وعبادة الشيطان والعلمانية والديموقراطية كلها على حد سواء .

و الاحتكام للديموقراطية وللعلمانية و لحرية التعبير إنما هو احتكام للطاغوت...

فكيف يكون جائزاً ؟ وكيف يدعوا له علماؤنا الأجلاء ؟

مالكم كيف تحكمون ؟!

 

7: هل يجوز لعلماء المسلمين أن يخفوا حقيقة الديموقراطية و العلمانية و حرية التعبير عن المسلمين و أن يقوموا بالترويج لها و المطالبة بتطبيقها كأنظمة حكم شرعية ؟

وبأي وجه سيقابلونه صلى الله عليه و سلم على الحوض يوم القيامة ؟؟

فعن أبي سعيد أنه قال: قال رسول الله صلى الله عيه وسلم : ( لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة يُرفع بقدرِ غدرِه، ألا و لا غادرَ أعظمُ غدراً من أميرِ عامة )

{ يأيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً * إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا * ليعذب الله المنافقين والمنافقات و المشركين والمشركات و يتوب الله على المؤمنين والمؤمنات، وكان الله غفورا رحيما } [ سورة الأحزاب ]

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إخوتكم من الراجين رحمة ربهم

في حملة التصدي للإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم

---------------

الإرهاب اليهودى

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة  فكشف الله به الغمة ، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته.

وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد:

فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الفضلاء الأعزاء وأيتها الأخوات الفاضلات وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم تبأتم من الجنة منزلاً ، وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنا فى هذه الدنيا دائما وأبدا على طاعته أن يجمعنا فى الأخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار مقامته إنه ولى ذلك والقادر عليه.

أحبتى فى الله . الإرهاب اليهودى هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم فى هذا اليوم الكريم ، وكعادتى حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم فى هذا الموضوع الذى يجمع بين الآلام والآمال وبين الجراح والأفراح فى العناصر المحددة الآتية:

أولا: واقع ينزف .

ثانيا: اليهود هم اليهود.

ثالثاً: الكفر ملة واحدة.

رابعاً: فما الحل؟

وأخيراً : لا تيأسوا فمن رحم الظلام يولد الصباح فأعيرونى القلوب والأسماع والله أسأل أن يقر أعيننا فى ذل اليهود والأمريكان ونصرة الإسلام والمسلمين ، إنه ولى ذلك والقادر عليه.

أحبتى فى الله : واقع ينزف

آه يا مسلمون آه يا مسلمون متم

أى شئ فى عالم الغاب

نحن لحم للوحش والطير منا

وعلى المحصنات تبكى البواكى يا

قد هوينا لما هودت واعدوا

واقتلعنا الإيمان فاسودت الدنيا

وإذا الجذر مات فى باطن

القدس تباد والعالم كله

القدس من دولة المجد

القدس من قلب مكة بالتو

تركوها وحولها من كلاب

قدمته الصلبان لليهود قربانا

ولو فعلنا فى اليهود ما فعلوها لرأينا

قد حفظنا للمرة الأف عنكم قرونا والمحاق الأعمى يليه محاق

نحن آدميون أم نعاج نساق

الجثث الحمر والدم الدفاق

لعرض الإسلام كيف يراق

واعدوا من الردى ترياق

علينا واسودت الأعماق

الأرض تموت الأغصان والأوراق

خزى وخيانة ونفاق

عثمان أبوها والفاتح العملاق

حيد يعلو لواءها الخفاق

اليهود وطوق من خلفه أطواق

ولليهود كلهم عشاق

مثل الذى رأه أفغان وعراق

عالم الغاب ما له ميثاق

واقع ينزف طفل لا يعرف أين ذهب أبوه ولا أين ذهبت أمه ولا أين ذهب إخوانه طفل فى الثانية من عمره ينظر إلى السماء التي حولها السلاح الأمريكى فى أيدى اليهود إلى نهار مشرق مضئ فهو يتساءل ما هذه الأنوار فى جو السماء فى ظلام الليل الدامس ما الذى ما الذى حول سماء فلسطين المظلمة إلى نهار مشرق إلى أنوار متأججة متوهجة وهو لا يدرى أن الصواريخ والطائرات والدبابات والمدافع قد حولت هذا الدامس الحالك إلى نور وإلى نهار مضئ ثم ينظر فيرى أشلاء أمه تتناثر ويرى أشلاء أبيه تتمزق ويرى دماء إخوانه تنساب فى كل واد فيخرج الطفل مذعوراً مفزوعاً يخرج إلى الشوارع والطرقات فيرى جنديا يهودياً يقابله بهذا المدفع الرشاش أو بهذه الدبابة بل بدبابات ومجنزرات حتى لا يبقى اليهود على بيت لا يبقى بيت ولا يبقى رجل ولا يبقى امرأة ولا يبقى طفل لا يحمل حتى حجر فى يده لأنه ما زال لا يقدر على حمل الحجر فى يده دكوا مخيم جنين وسووا هذا المخيم بالأرض ، وانبعث رائحة لا أقول الجثث بل رائحة خيانة العالم الغربى خيانة زعماء العالم كله فى الداخل والخارج فى الشرق والغرب لا أقول انبعثت روائح جثث إخواننا من الشهداء ، أسأل الله أن يتقبلهم عنده فى الشهداء بل ابنعثت روائح الخيانة ، من أين ؟! من تحت الأنقاض من المقابر الجماعية من الصنع اليهودى المحكم ما الذى فعله اليهودى إلى الآن لم تستطيع قوة على وجه الأرض أن تحصر عدد القتلى أو عدد الشهداء ، لأن اليهود دكوا المخيم دكا فى تسعة أيام متواصلة سووا المخيم بالأرض ودفنوا الجثث بصورة جماعية فى مقابر جماعية وهالوا على هذه الجثث الزكية التراب من رجال ونساء وأطفال حتى وصل بالأمس مبعوث الأمم المتحدة فى الشرق الأوسط وصرح تصريحات واضحة ، وقال : إن ما حدث فى مخيم جنين فاق كل التصورات ، هذا غربى فاق كل التصورات قال : حتى شممت رائحة الجثث فى الشوارع فى الطرقات بل ورأى على حد تعبيره مجموعة من الفلسطينيين ما زالوا إلى يومنا هذا يستخرجون الجثث من بين الأنقاض وبوش الظالم السفاح يقول بالأمس: شارون رجل سلام وعلى عرفات أن يفي بما وعد به من القضاء على الإرهاب.

أمر يفجر الدم من الرأس أية إرهاب يا مسلمون أية إرهاب ، الدفاع عن العرض صار إرهابا صار الدفاع عن المقدسات إرهابا صار الدفاع عن الرجال والنساء والأطفال إرهابا ، قتل امرئ فى غاية جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر لو قتل غربى قام العالم كله ولو قتل شعب آمن أعزل لا يملك شيئا فإنها أمر عادى إنهم إرهابيون كما فعل هذا الإنجليزى الوقح الذى كان يذبح يوما مصرياً فى بلادنا فقام المصرى ليدفع الإنجليزى فعض المصرى الإنجليزى فى يده ، هذا هو كل ما استطاع أن يفعله فذبحه الإنجليزى بدم بارد ثم انطلق هذا المجرم السفاح لزميله ليقول له : إن المصرى عض يدى وأنا أذبحه ، إن الفلسطينيين هم الإرهابيون أما شارون السفاح المجرم مدير كل هذه المجازر من أول صبرا وشتيلا وحى الزعتر ودير ياسين وبحر البقر إلى آخر هذه المجازر فى مخيم جنين وستبدأ المجازر قريباً فى مخيم رفح ، لأنهم يريدون أن يدكوا الفليسطينيين دكا حتى لا يبقى فى هذا الأرض رجل أو امرأة ولا حتى طفل يرفع الراية من جديد راية الشرف راية الكرامة راية العزة على هذه لأرض التي تعطشت للشرف والكرامة منذ أمد بعيد إنا لله وإنا إليه راجعون.

أصرخ ولكن فى صحراء مقفرة ويصرح الأحرار والشرفاء فى الشوارع والطرق ولكن أين المعتصم.

عبثا دعوت وصحت يا أحرار

عبثا لأن عيوننا مملوءة بالوهم

عبثا لأن شئوننا ياقومنا

ولأننا خشب جامدة فلا

أما سقوط الأقصى فحال

هذه شئون القدس ليس لنا

ويحكم يا مسلمون قلوبكم ماتت

أنكرتم الفعل الشنيع بقولكم

عبثا لأن قلوبنا أحجار

تظلم عندها الأنوار

فى الغرب يفتل حبلها وتدار

ندرى ماذا يصنع المنشار

مألوفة تجرى بها الأقدار

بها شأن ولا للمسلمين خيار

فليست للخطوب تثار

شكراً لكم لن ينفع الإنكار

شكراً لقادة العرب

شكراً على تنظيم مؤتمراتكم

وعلى تعاطفكم فتلك مزية

وعلى القرار يصاغ منه قرار

فيكم تصاغ لمدحها الأشعار

يا ويحكم يا مسلمون

نساؤكم فى فلسطين نساؤكم

هذه تساق إلى سراديب الهوى

لو أن سائحة من الغرب اشتكت

أما الصغار فى فلسطين

تسل عن حالهم مرض

يسألن عنكم والدموع غزار

سوقا وتلك يقودها الجزار

فى أرضكم لتحرك الإعصار

أما الصغار فلا

وجوع وخوف قاتل وحصار

واليهود يذبحون ويقتلون رجالهم

ويقتلون رجالهم ونساءهم وما لهم

يا ويحكم يا مسلمون تنسون أن

هذه هى القدس يحرق ثوبها

تبكى وأنتم تشربون دموعها وعن

وهذا هو الأقصى يهود

هذا هو الأقصى يطحنه الأسى

من ناصر ودموع عيونهم مدرار

الضعف فى وجه العدو مذلة وصغار

عمداً ويهتك عرضها الأشرار

الحقائق زاغت الأبصار

جهرت وبجرحه تتحدث الأخبار

وجموعكم يا مسلمون تثار

مليارنا لا خير فيه

مليارنا لا خير فيه كأتنما

ما أجر اليهود إلا صمتنا

بنت سياسة أمة غاياتها

كتب وراء الواحد الأصفار

ولكم يذل بصمته المغوار

تحقيق ما يرضى به الكفار

واقع ينزف متى سيفيق الحكام والزعماء ؟ فوالله الذى لا إله غيره إن المخطط اليهودى لا يقتصر على فلسطين لا بل اقرؤوا خريطة اليهود على الكنيست وقد صرح بهذا ابن غوريون فى أول يوم اعترفت فيه الدول الغريبة الظالمة بهذه الغدة السرطانية الخبيثة على الثرى الطاهر قال ابن غوريون : قد لا يكون لنا الحق فى فلسطين من منظور سياسى أو قانونى ولكن فلسطين حق لنا من منظور دينى عقدى فهى أرض الميعاد التي وعدنا الله بها من النيل إلى الفرات انظروا إلى خريطة وتاريخ اليهود لتعرفوا أن القوم يخططون ولن يقتصر اليهود على فلسطين لا ورب الكعبة بل إن لليهود هدفاً واحدا قد بينه لنا ربنا جل جلاله ألا وهو أن يخرج المسلمون من دينهم كما قال الله تعالى :  وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ   [البقرة : 120] وهذا هو عنصرنا الثانى بإيجاز شديد اليهود هم اليهود مكمن الخطر والذي يؤلم القلب أن الحكام والزعماء والساسة ما زالوا يتفاوضون وهم لا يعرفون شيئاً ألبته عن طبيعة اليهود وما زلنا نسمع من يقول شارون رجل سلام اليهود حمائم السلام أمريكا هى الراعى الأوحد لعملية السلام فى المنطقة لابد من التدخل الأوروبى لابد أن نناشد هيئة الأمم ومجلس الأمن ، لابد من أن يتدخل بوتن السفاح الروسى الملحد حتى يتم التوازن فى المنطقة إلى آخر هذه الكلمات التي تنم على جهل فاضح بطبيعة اليهود بطبيعة من تفاوض ، لماذا لأن القرآن غيب عن الساحة ، فصار كل أحد يهرف بما لا يعرف ، أما لو ُظللت الساحة من جديد كلمات ربنا وكلمات الصادق نبينا لعلم المفاوض مع من يتفاوض لعلم الساسة مع من يتحدثون وعلى مائدة من يجلسون ، اليهود لا يعرفون سلاما ولن يعرفوا سلاما قط حتى ولو منحوا الفلسطينين أو الأمة هدنة لأنها للتجديد هدنة للتخطيط هدنة للإعداد فاليهود لا يعرفون ولن يعرفوا السلام قط هل تصدقون الله هل تصدق الأمة رسول الله  اليهود ، ما ثبتوا على عهد قط ، هذا كلام ربنا إن كنا لا زلنا نصدق ربنا  لا يقول زعيم !! ولا يقول عالم !! يبل يقول ربنا جل جلاله :  الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ   [ الأنفال : 56 ] هذا قرآن يا مسلمون وددت لو أسمعت زعماء الأمة هذا ربما كانوا لا يسمعون القرآن ولا يقرأ أحد منهم كلام الرحمن  الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ  ، قال تعالى :  أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ   [ البقرة : 100 ] استحقوا أن يبتليهم الله بقسوة قلوبهم قال تعالى قال جل جلاله قال عز وجل ، قال الله :  فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ    [ المائدة : 13 ] الله أكبر ولا تزال ترى خيانة منهم بعد خيانة

فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ    [ المائدة : 13 ] .

فاليهود لا يعرفون عهداً ولا ميثاقاً ولا وفاء بإختصار اليهود نقضوا العهود مع الرسول والأنبياء بل ونقض اليهود العهود مع رب الأرض والسماء أفينقض اليهود العهود مع الرسول والأنبياء بل مع رب الأرض والسماء ثم يفي اليهود بالعهود اليوم مع الزعماء والحكام ؟! نعم قد يقع ذلك إذا تخلت الكلاب عن نباحها وتخلت الحمير عن نهيقها وتخلت الأفاعى عن سمها وتخلت الثعالب عن مكرها قد يفي اليهود بالعهود إذا استخرجنا من النار يوما ماء عذبا زلالا قد يفي اليهود بالعهود يوما إذا جنينا من الشوك يوما الورد والرياحين وإن استخرجنا من المستراح طيبا وإذا رأينا بأم أعيينا الجمل والفيل يدخل من سم الخياط ، هذه طبيعة القوم كيف ولا ينبئك عن اليهود مثل خيبر قال جل وعلا :  أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ   [ الملك : 14 ] لابد أن تتأصل فى قلب كل رجل وكل امرأة وكل طفل من أطفالنا وأنا أتعجب غاية العجب ممن ينتظرون أن تنصر أمريكا القضية أو أن ينصر الغرب القضية فالكفر ملة واحدة وهذا هو عنصرنا الثالث بإيجاز شديد الكفر ملة واحدة.

لابد من تكرار هذه المادة العقدية ولابد من تأصيلها الآن فى القلوب لا  ينصر الشرك ايماناً ولا ينصر الكفر توحيداً قط  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ   [ المائدة : 51 ] قال الله جل جلاله :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ  [ آل عمران: 118 ] قال الله جل جلاله:  ِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا    [البقرة:217 ] قال الله جل جلاله:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ   [ الممتحنة : 1 ]

هل تريد الأمة أدلة أكثر من ذلك متى نصر الكفر إيمانا لتنتظر الأمة أن تنصر أمريكا القضية .

فحال أمتنا حال عجيبة وهى لعمر الله بائسة كئيبة

يحتاجها الطوفان طوفان المؤامرة الرهيبة

ويخطط المتآمرون كى يغرقونها فى المصيبة

وسيحفرون لهم قبورا ضمن خطتهم رحيبة

قالوا : السلام .. قالوا السلام

قالوا السلام .. قلت : يعود الأهل للأرض السليبة

ويلبس الأقصى غدا أثوابا قشيبة

فإذا سلامهم هو التنازل عن القدس الحبيبة

فبئس سلامهم إذاً وبئس هذه الخطط المريبة

فالمسجد الأقصى فى الدماء له ضريبة

فالمسجد الأقصى فى الدماء له ضريبة

فالمسجد الأقصى فى الدماء له ضريبة

أين النظام العالمى أما له أثر ؟ ألم تنعق به الأبواق أين السلام العالمى لقد بدا كذب السلام وزاغت الأحداق يا مجلس الأمن ..يا مجلس الامن ..أستغفر الله ، يا مجلس الخوف ، الذى فى ظله كسر الإيمان ، وضيع  الميثاق أو ما يحركك الذى يجرى لنا أو ما يثيرك جرحنا الدفاق ، وحشية يقف الخيال أمامها متضائلا وتجمها الأذواق !!

قالوا لنا الغرب قلت صناعة

لكنة خاو من الإيمان لا

الغرب مقبرة المبادئ لم يزل

الغرب مقبرة العدالة كلما

الغرب يكفر بالسلام

الغرب يحمل خنجراَ ورصاصة

كفر وإسلام فأنى يلتقى

أنا لا الوم الغرب فى تخطيطه

وألوم فينا نخوة لم تنتفض       وسياحة ومظاهر تغرينا

يرعى ضعيفا أو يسر حزينا

يرمى بسهم المغريات لدنيا

رفعت يدا أبدى لها السكينا

وإنما بسلامه الموهوم يستهوينا

فغلام يحمل قومنا الزيتونا

هذا بذلك أيها اللاهونا

ولكن ألوم المسلم المفتونا

إلا لتضر بنا على أيدينا

يا مجلس الخوف ... إلى متى ترضى...

لقد أبرزت وجه حضارة غربية

يا مجلس الأمن انتظر إسلامنا

يا مجلس الخوف إلى متى

إلى متى ترضى بسلب حقوقنا منا

إن كنت فى شك فسل فرعون

لبس القناع سنينا

سيريك ميزان الهدى وبربنا

تبقى لتجار الحروب رهينة

وتطلبنا ولا تعطينا

عن غرق وسل عن خسفة قارونا

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد     إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ    الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاد   وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَاد     ِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَاد      الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاد    فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَاد    َفَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ     إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ    [الفجر : 6 - 13]

أيها الناس المظلوم صبرا لا تهن إن عين الله يقظى لا تنام ، نم قرير العين واهنأ ، فعدل الله دائم بين الأنام  وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ   [إبراهيم : 42]

ورب الكعبة نؤمن بهذا إلى حد اليقين  فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ    [إبراهيم : 47]  الغرب لن ينصر لنا قضية لأن الكفر ملة واحدة والسؤال الآن ما الحل ؟

وهذا هو العنصر الرابع بإيجاز والحل على مستويين مستوى الأمة ومستوى الساسة والحكام وعلى مستوى الأفراد على مستوى الزعماء أول خطوة تجب عليهم أن يرجعوا إلى الله وأن يعلنوا توحيدهم لله وأن يحكموا فى البلاد والعباد شرعه وأن يمتثلوا أمره وأن يجتبوا نهيه ويقفوا عند حدوده وأن يرددوا مع شعوبهم المسلمة قول السابقين الأولين

]سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير   [البقرة : 285] ونحن بهذا أمام حد الإيمان وشرط الإسلام قال تعالى  فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما   [النساء : 65]

فأنا لا أفهم من آية قرآنية أو سنة ربانية كونية أو كلمات نبوية لا أفهم البتة أن رب البرية ينصر أناسا قد خذلوا دينه وشريعته تبارك وتعالى ، فى الجملة لابد أن يرجعوا إلى الله ابتداء وأن يحكموا فى البلاد آيات الله ومنهج الصادق رسول الله  حينئذ تكون الأمة مهيأة للخطوة التى لا كرامة لها الآن إلا بها ألا وهى أن ترفع راية الجهاد فى سبيل الله أنا أعى ما أقول ماذا لو اتخذت عبر قادتها قرارات سياسية ودبلوماسية فإن لم تجدى فنحن لا نحب الحرب ولا أحب سفك الدماء إطلاقا لكن لابد من أن تروى شجرة الدعوة بدماء الأطهار الأبرار لتظل هذه الشجرة مثمرة هذا أمر كونى قدرى قضاه الله تبارك وتعالى وقدره على أهل التوحيد لنفوز بإحدى الحسنين إما النصر وإما الشهادة ولا يكون هذا إلا أذا عدنا إلية سبحانه وتعالى إلا إذا اعتصمنا به وحده ولجأنا إليه وحده وجددنا الثقة فيه وحده ، ورجوناه وحده وقطعنا كل العلائق والروابط وارتبطت قلوبنا بالله سبحانه وتعالى قرارات سياسية دبلوماسية كطرد سفراء أو سحب سفراء وإن كنت أعلم أن هذا لا يغير من الواقع شيئاً ولكن لن تخطو الأمة خطوات إلا عن طريق القادة ثم سلاح المقاطعة للسلع التى تستغنى عنها الدول والشعوب وهى الكثير من السلع التى لا نحتاج إليها أو لن نموت بدونها ،أما السلع الرئيسية التى تحتاج إليها الشعوب والامم لا حرج فى ذلك ولا بأس وهذا أدعى الآن إلى أن تبدع الأمة وهى لا تفتقر إلى العقول والأدمغة لكنها الهزيمة النفسية التى منيت بها أمة سيد البشرية ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم تستثمر الأمة ما رزقها الله تبارك وتعالى من طاقات كالبترول ، فإن استخدمت الأمة كل هذه الخيارات السليمة ولن تجدى شيئا مع السفاح شارون ، وأنا أعلم أنها لن تجدى شيئاً ولكن هذا من باب الطرح فحينئذ لا خيار أمام الأمة إلى أن يفتح الباب لملايين الرجال والشباب ممن تحترق قلوبهم شوقاً للشهادة فى سبيل الله لماذا لا ُيمكن العلماء اليوم والدعاة من تجييش طاقة الأمة لإحياء روح الجهاد فى سبيل الله فليمت مليون فأين يذهبون إن صحت النوايا إلى الفردوس الأعلى ، يا إخوة تصوروا أن رجلا   قد أذنب ما قدر الله له من الوزر ، فنحن نؤمن بأن الخير والشر مخلوقان لله ومع أول قطرة دم تنبعث من جسده الطاهر فى ساحة الجهاد يغفر الله له كل ذنوبه أى مكسب هذا فى عالم المكسب والخسران أى مكسب هذا أى مكسب هذا إما عظماء فوق الأرض بكرامة وإما عظام تحت الأرض نسأل الله الشهادة أقسم بالله إن نساءنا سيسبقن إن أطفالنا سيسبقوننا لقتل كلاب الأرض من اليهود مهما كانت مجنزراتهم وأسلحتهم ورب الكعبة سيعلم شباب محمد  كلاب الأرض من اليهود أن محمدا ما مات وما خلف بنات بل خلف رجالاً تشتاق وتحترق قلوبهم شوقا للشهادة فى سبيل الله . لو ُمكن العلماء من وسائل الإعلام لجيشوا والله ملايين من الشباب من الأمة يحترقون الآن للشهادة فى سبيل الله ولا خوف من هذا الشباب لا خوف منه لأنه سيرجع ليسمع ويطيع فشبابنا لا يبحث عن الزعامات ، ولا يبحث عن القيادات إنما يريد فقط أن يحكم بقال الله ورسول الله ، ولو حكمنا عبد حبشى مقطوع الأنف سنسمع له ونطيع سنكون سهاما فى كنانته  يحركنا حيث يشاء ما دام لمرضاة الله تعالى أما على مستوى الأفراد فأنا أنكر أشد الإنكار على كل شاب مسلم يخرج فى مظاهرة ليحطم سيارة أو محلا لماذا ؟! نحطم بلادنا أرضنا لماذا نحطم سيارة لرجل يسير فى أمن وأمان لماذا نعتدى على محل لأخ من إخوتنا المطحونين أصلا؟ لماذا؟ نريد تعقلا نريد فهما نريد وعياً إسلامياً فى التفكير والسلوك .ما قيمة هذه المظاهرات التى تخر ب وتدمر ؟ أنا لا أنكر عليك أن تعبر عن غضبك وأن تعبر عن احتراقك لكن بأسلوب شرعى حضارى وأنا لا أستعير هذه الفظة من هؤلاء المجرمين لا إن الإسلام هو أول من أسس الحضارة وما انتشرت فى أوروبا الحضارة إلا من الأندلس وما عرفت فرنسا الطاقة الكهربائية إلا من المسلمين يوم رصفت شوارع الأندلس كانت فرنسا فى الوحل والطين ولما أضيئت شوارع الأندلس كانت فرنسا رائدة الحضارة فى ذلك الزمان وإنجلترا التى كانت لاتغيب عنها الشمس كانت تعيش فى الظلام الدامس ، فالإسلام هو الذى أسس الحضارة نريد أن نعبر عن غضبنا بأسلوب شرعى وحضارى يبتعد كل البعد عما يغضب الله جل وعلا وعما يفسد علينا أرضنا وبلادنا أنا لا أجامل بذلك مخلوقا إنما هذا ما أدين به ربى تبارك وتعالى.

طريق النصر يا اخوة تصحيح العقيدة وتصحيح العبادة وتحكيم الشريعة وتصحيح ما فسد واعوج من الأخلاق وتهيئة جيل النصر بالتربية على القران والسنة كل هذا التأصيل يأتى بعده حتما رفع راية الجهاد فى سبيل الله سيسألنى طالب من طلابنا هل ستنتظر الأمة أيها الشيخ لتربى على العقيدة ، والإجابة الجهاد نوعان جهاد طلب وجهاد دفع ، أما جهاد الطلب فلا بد فيه من إعداد لابد فيه من تربية لابد من أن ترجع الأمة إلى هذه الشروط ، ولن تحقق الأمة نصراً فى هذا الميدان إلا بهذه الضوابط وهذه الشروط أما جهاد الدفع فهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة هذا بالإجماع إذا داهم عدو كاليهود مثلا أرضاً من أراضى المسلمين كأرض فلسطين صار جهاد الدفع فرض عين على كل مسلم ومسلمة فى أرض فلسطين لدفع العدو الظالم كل حسب قدرته واستطاعته ، ويحرم حينئذ على طلبة العلم أن يجلسوا ويتعلموا دون أن يخرجوا لساحة الجهاد فى سبيل الله جل وعلا لابد من هذا التأصيل لابد من فهم  هذا الواقع ، فجهاد الدفع يجب عليك أم تدفع هذا العدو ويحم عليك أن تتقاعس عن الجهاد لأى سبب إن كنت قادرا على الجهاد فى حدود قدراتك واستطاعتك وإمكانياتك فأرجو من شبابنا أن يؤصلوا هذه المسائل الشائكة الدقيقة، لأن الحماس وحده لا يكفى ولأن الإخلاص وحده لا يكفى لكن لابد أن يكون الحماس والإخلاص منضبطين بضوابط الشرع حتى نرضى ربنا جل جلاله وحتى نكون بحق من أنصار نبينا  فإذا لم تستطع أن تجاهد بنفسك مع أخواتك . فبمالك فقد ذكرت ذلك فى الأربعاء الماضى ، إننا لو استطعنا أن نتبرع بمائه جنيه وأنا أعلم يقيناً أنه لن يصل من المائة جنيه إلا عشرة جنيهات سأبذل المائة جنيه لتصل العشرة جنيهات ، إخواننا هناك فى حاجة إلى جنيه لا إلى عشرة جنيهات أنا أتحدث أيضا من خلال الواقع الذى نعرفه فجاهد بمالك فإن لم تستطع فبدعائك لا تحتقر الدعاء ولا تستهن به .

لا تحتقر الدعاء يا أخى ولا تستهن به بل إننى أقول : لقد خذلنا إخواننا فى الدعاء ، أسألكم بالله من منا دعا يوم الخميس الماضى فى كل سجدات صلواته لإخوانه فى فلسطين ، أقسم بالله لو قدمنا استمارة استبيان لهذا الحشد الهائل من الصفوة لرأينا قلة هى التى دعت لإخوانها فى فلسطين فى كل سجدة من سجدات الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء ، والله لن نرى إلا قلة فاسمحوا لى أن أقول : أمة بخلت بالدعاء فهل تجود بالأموال والدماء .

هذا التأصيل بعيد عن التنظير البارد ، أمة بخلت بالدعاء فهل تجود بالأموال والدماء ثم الجهاد بالكلمة بالحاضرات بالدروس فى الشوارع فى الطرقات فى المكاتب إن كنت تستطيع أن تتصل على مسؤول اتصل إن كنت تقدر أن تعبر فى جريدة من الجرائد افعل إن كنت تقدر أن تعبر برسم كريكاتيرى معبر افعل إن كنت لا تستطيع أن تتحدث عن هذه القضية إلا إلى أولادك وامرأتك افعل إن كنت لا تستطيع أن تتحدث عن هذه القضية إلا مع زملاء العمل فافعل ، المهم أن تشغل القضية عقولنا وقلوبنا وأن نجاهد بالكلمة ، فالكلمة ، فالكلمة من أعظم صور الجهاد فى سبيل الله ، ولن يسألنا الله تبارك وتعالى عن شىء لا نقدر عليه والله سبحانه وتعالى يعلم الصدق من الكاذب وبذلك يسقط الواجب بالعذر عنه.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحى قلوبنا وينصر إخواننا وأكمل فى عجالة بعد جلسة الاستراحة وأسأل الله لإخواننا الذين يجلسون قبل أن أرتقى المنبر فى حرارة الشمس أسأل الله أن يقيهم حر جهنم وأقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم..

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين واشهد أن لا إله  واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصل الهم وزد وبارك عليه وعلى أله واصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من أهتدى بهديه واسنن بسننه واقتفى أثره إلى يوم الدين ..

أما بعد.. فأخيراً أيها الأحبة الكرام لا تيأسوا ، فمن رحم الظلام يولد الصباح قد صرح جنرالات اليهود أن فلسطين سطروا ملحمة من أروع ملاحم البطولة والفداء فى مخيم جنين قرأت لضابط للجيش الصهيونى يقولون . لقد تحولت شوارع جنين إلى ألغام محرقة حتى نتصور ماذا فعل إخواننا فى جنين فهى عبارة عن مكان لا تزيد مساحته عن أربعة كم  مربع فقط لا يزيد اتساع الشارع فى كل شوارع مخيمات جنين عن مترين فقط ، فخخ إخواننا أعمدة الكهرباء وضعوا العبوات الناسفة على أعمدة الكهرباء وعلى أغطية الصرف الصحى ، وفخخوا بعض اليهود وعجز الجيش اليهودى بأركانه وصواريخه وطائراته لمدة ثلاثة أيام متواصلة أن يقتحم هذا المخيم أمام هذا الصمود الباسل لإخواننا على أرض فلسطين فما كان من المجرم رئيس الأركان إلا أن يقود العملية بنفسه فبدأت الجرافات تهدم البيوت لتزيد أتساع الشوارع الذى لايزيد اتساعها عن مترين فقط ففتحوا مجموعة من الشوارع يزيد اتساع الشارع عن 20 مترا ، تصور معى حجم الهدم للبيوت ليجعلوا الشارع بهذا الاتساع وهدموا البيوت وصمد الأبطال إلى أخر طلقة فى بنادقهم التى لا يزيد مداها عن مائتى متر أما الطائرات الإف 16 صنع أمريكا أمام الدبابات الأباتشى الأمريكية أمام الرشاشات التى تعمل بالليزر ، صمد هؤلاء الذين يعلمون يقيناً أن الغرب والشرق لن ينصروا لهم قضية فراحوا واستعانوا برب البرية، سمعت أما قد تجاوز عمرها السبعين ترفع رأسها ويدها إلى السماء وهى تقول : النصر منك يارب . قلت : من هنا يأتى النصر إن شاء الله حينما تقطع كل العلائق بهؤلاء فى الدنيا وتتعلق القلوب بمن يدبر أمر الكون فيأتى النصر إن شاء الله ، وما يحدث الآن على أرض فلسطين ورب الكعبة إنه النصر مع هذه الدماء ؟! نعم مع هذه الأشلاء ؟! نعم لابد أن تروى شجرة الدعوة بالماء لابد ليذهب الشهداء فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وليبقى ما قدر الله له أن يبقى فى عزة وكرامة هذا وعد الله جل وعلا وهذه سنة ربانية لا تتبدل ولا تتغير ، صمد إخواننا فى جنين إلى أخر طلقة رصاص فى بنادقهم الآلية وسطروا ملحمة من أروع ملاحم البطولة الأم الفلسطينية الطفل الفلسطينى الشاب الفلسطينى الذى لم يبلغ العشرين من عمره يعلم العالم كله الآن حقيقة التضحية وعظمة الفداء وشرف البطولة ، وإن الله الذى جعل الأقصى والقدس سكنا للرسل والأنبياء لن يديم القدس أبدا سكنا لقتلة الأنبياء قال تعالى :  لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ    [ أل عمران : 111]  هذه الأية فى اليهود  لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ  بل ستنزل الخلافة الارض المقدسة كما قال الصادق المعصوم الذى لا ينطق عن الهوى فى الحديث الذى رواه أحمد بسند صححه الحكام والألبانى أن النبى  وضع يده على رأس أبى حوالة الأزدى وقال:" يابن حوالة إذارأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدى هذه من رأسك .. "([1]) فستنزل الخلافة الأرض المقدسة بموعود الصادق الذى لاينطق عن الهوى لكن الله لا يعجل بعجلة أحد ومع ذلك ليس أحد أرحم بالمستضعفين من رب العالمين جل جلاله ، والحديث الذى ذكره أبو يعلى وذكره الهيثمى ورجاله الثقات من حديث أبى الدرداء أن النبى  قال " لاتزال عصابة من أمتى يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله وعلى أبواب المقدس وما حوله ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة "([2]) وفى الحديث الذى رواه أحمد بسند صحيح عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى  قال: "بينما أنا نائم إذا رأيت عمود الكتاب قد احتمل من تحت رأسى فظننت أنه مذهوب به فاتبعته بصرى فعمد به إلى الشام إلا أن الإيمان حيث تقع الفتن بالشام "([3]) ..

هذا وعد الله ووعد الصادق رسول الله   وأنا لا أريد أن أشق على إخواننا خارج المسجد.                             الدعاء.

000000000000

(1) رواه أحمد فى (5/288) وقد سبق تخريجه.

(2) رواه أبو يعل (6386) وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/60 ، 61) رجاله ثقات.

(3) رواه أحمد (4/198) عن عمرو بن العاص ، (5/198 / 199) عن أبى الدرداء.

----------------

مقارنة بين جهال الرافضة وجهال الصليب في تعذيب الذات .

________________________________________

 

ملتان كفريتان شركيتان نجستان وعلى الرغم من أن الكفر ملة واحدة ولكن يوجد تفاضل بين ملتي الشرك هاتين , فان كان عباد الصليب أنجاس فهم أقل نجاسة من عباد القبور كفضل البول على الغائط أجلكم الله وكفضل الكلب على الخنزير رغم أنها جميعا أعيان نجسة .

 

فالرافضة أنجس وأتعس وأغبى وأضل سبيلا .

 

عبد النصارى الصليب حين شبه لهم أن ابن مريم عليه السلام قتل على أيدي الرومان وصلب , ومن قبل كانوا يغلون فيه حتى ألهوه فلما رأوا من شبه لهم به يفعل به ذلك غلوا ثم غلوا إلى أن عبدوا الخشبة التي تراءى لهم أنه صلب عليها وجعلوا لها تماثيل وسجدوا لها .

 

أما الروافض لعنهم الله فقد استدعوا الحسين عليه السلام ليكون لهم إماما , فبايعوه على ذلك فكانت في أعناقهم بيعة ملزمة ثم نكثوا بيعتهم له , ولم يكتفوا بذلك حتى قتلوه بأيديهم ومثلوا به وبأهل بيته كما قتلوا من قبل أبيه وأخيه عليهم السلام اجمعين ، فلما تطاول عليهم العمر غلوا فيهم رغم أنهم ضحاياهم , وألهوهم ومن ثم عبدوا قبورهم وقبور أبناءهم - أليس هذا غباءا وخرقا منقطع النضير؟ - ثم تطور حالهم من فرط ما فتح لهم علماءهم وآياتهم الشيطانية في الحوزات الابليسية من أبواب كل هوىً وبدعة , فاقتبسوا من كل ملة طقس من طقوسها وعبادة من عباداتها , واقتبسوا من إخوانهم النصارى هذه العبادة الشنيعة , ثم طوروها وزادوا عليها من بنات أفكارهم ومن سلاسة انقيادهم لشيطانهم المريد , فراحوا يوغلون أكثر في بدعهم المقتبسة من اديان النصارى والمجوس وعبد الطاغوت .

 

فمن جلد الظهور بالسلاسل المنتهية بالمواسي والسكاكين الى ضرب الرؤوس بالخناجر والسيوف , وادخلوا فيها الطبول والمزامير ويضربون رؤوسهم وظهورهم على ايقاعها ويتصافّون لهذه العبادة صفوفا منتظمة ويجوبون بدمائهم الساكبة على ثيابهم الحواري والازقة وسيارات الاسعاف ترافقهم فإذا سقط احدهم من فرط النزيف حمل على الحمالات وأخذ الى سيارة الاسعاف ومن ثم الى المستشفى فإن كان محظوظا ووجد له متبرع بالدم نجى من الموت وقلما يجدون له دما في مواسم عبادتهم هذه , لكثرة الطلب عليه من الساقطين النازفين , فإن لم يجدوا له دما ينقذه فإلى القبر ومن ثم الى النار وبئس المصير , وهذا لا يكون عند اخوانهم النصارى فهؤلاء الجالدين أنفسهم من النصارى هم رهبان يمارسون عبادة جلد الذات وتعذيب النفس , وهم لا يأمرون العوام بهذا إلا من تدرج بزعمهم إلى مراتب إيمانية ابليسية معينة , أما رهبان وقساوسة الرافضة خَلَف المجوس فقد القوا بثقل هذه العبادة وأخاطرها على عامتهم وبقوا هم قابعين في قصورهم يتمتعون ببنات عامة الرافضة ويمتصون أموالهم بفرض الخمس عليهم , واستحلالهم له لمعيشتهم وبذخهم على ملذاتهم ونزواتهم , ولذلك تميز عوام وعلماء النصارى على عوام وعلماء الرافضة بهذا وكانوا أقل غباءا وأقل خسّة من رافضة أهل البيت عليهم السلام .

-------------

ألا إن نصر الله قريب...

إن العالم العربي و الإسلامي يمر في هذا الوقت المعاصر وفي هذه الآونة الأخيرة بحملة شرسة ضد الإسـلام و المسلمـين ، و هذا ليس بالأمر الغريب و لكنه امتداد لسلسة من الحملات الصليبية عبر التاريخ منذ البعثة المحمدية و في أول بزوغ لها ، حيث بعثه الله سبحانه و تعالى للناس أجمعين و للثقلين ليخرجهم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام و عدله ، فبلغ المصطفى صلى الله عليه و سلم هذا الدين و جاهد في الله حق جهاده فأيده الله بنصره المبين ، بعد مـا أوذي أشد الأذى من أهله و عشيرته الأقربين صلوات الله و سلامه عليه و من تبعه من صحابته الكرام رضوان الله عليهم ، فامتحنوا حتى جاءت من بعدها المنح ليفرح المؤمنين بنصر الله ، حيث قال الله جلا و علا ( وزلزلوا زلزالاً شديدا حتى يقول الرسـول و الذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ).

لقد أعز الله هذه الأمة بالإسلام فإن بغت العزة في غيره أذلها الله كما قال الله تعالى ( قل إن العزة لله و لرسوله و للمؤمنين و لكن المنافقين لا يعلمون ). و بعد أن فضلنا الدنيا الفانية على الآخرة الباقية و قعدنا عن الجهاد في سبيل الله و قصرنا أيمـا تقصير في تبليغ هذه الرسالة للعالمين ، سلط الله علينا ذلا لا ينزعه عنـا إلا بالرجـوع إلى ديننـا و العض عليـه بالنواجـذ ، بالتوحيـد الخالص لله تعالى و تحقيـق العبودية مع تمام الحب و تمام الذل لله وحده لا شريك له مخلصين له الديـن و لا نخشى في الله لومة لائم .

و ملة الكفر ملة واحدة ما فتئت تتآمر و تكيد لهذه الأمة بشتى أنواع الأساليب من قتل و دهاء و غدر و نقض للعهود و المواثيق ، حتى صرنا إلى ما صرنا إليه من تشتت و تفرق بعد ما كنا خير أمة أخرجـت للنـاس كمـا قال الله تعـالى ( و إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فأعبدون ) .

حـتى صار أراذل القوم يسخروا و يستهزؤا بشعائر الإسلام و تجرؤا على حربنا في عقر ديارنا و يعبثـون بمقدستنـا الإسلاميـة عبر مر التاريخ إلى يومنا هذا ، و كأن التاريخ يعيد نفسه و للأسف الشديد فنحن في سبات عميق في ظـل غياب راية إسلامية موحدة تتصدى لهذه الحملات الصليبية و من ورائها اليهود (المغضوب عليهم ) ، كما قال الله تعالى فيهم : ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفئها الله ) . ليضربونا في صميم عقيدتنا و من ورائها المليار و أزيد مسلـم في العالم اليـوم ، و لا يحلوا لهم إلا النيل من نبينا محمد صلى الله عليه و سلم و التمثيل به على مرئ و مسمع من العالم و أمـام حضارة إسلامية عريقة عرفها التاريخ ( و لازالت إلى قيام الساعة ) .

فكيف نفسر إذن تصرف وسائل الإعلام الغربية الحاقدة على الإسلام بفعلهم الشنيع هذا لأفضل خلق الله ، لخاتم النبيين و إمام المرسلين و خليل الله سبحانه و تعالى .كما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم محدثا أبا بكر الصديق رضـي الله عنه ( لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبابكر خليلاً و لكن اتخذني الله خليلا ) .في حين يدعون للحوار بين الحضـارات و الأديان و نحن ننساق دائما ورائهم. و الله تعالى يقول: ( و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم ).

و قال أيضا عزوجل:( ود الذين كفروا لو يردوكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم ).

ألا يمكن أن يكون هذا مؤشرا ظاهرا و جليا لا يمكن غض الطرف عنه ، بأنه صراع بين الكفر و الإيمـان ، بين الإسلام و اليهوديـة و الصليبية ، الحاقدتين على المسلمين في أرجاء العالم ، و هم قد بادؤنا أول مرة بالرغم لمغالطتهـم للتاريخ و لشعوبهـم و لزيفهم بحرية التعبير و حرية الأديان و الاعتقاد و لحقوق الإنسان ..إلخ من الشعـارات الواهية و يا لها من أكـذوبة ساذجة و ساخرة عرفها القرن 21 . حيث قوله تعالى : ( ضرب عليهم بسور له باب باطنـه فيه الرحمـة و ظاهره من قبله العذاب ). ألا يا أمة الإسـلام هبي للتغيير حتى ينصرنا الله نصرا مؤزرا و يشفي صدور قـوم مؤمنين يحبهم و يحبونه و يحبون نصرة نبيهم صلى الله عليه و سلم ، إن التمكين للإسلام يبدأ من تغيير ما بأنفسنا مصداقا لقوله تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).و بمعرفة الله تعالى و معـرفة أسمائه و صفاتـه ( و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) و الإنابة إليه بالقلب و القول و العمل ، و معرفة نبيه صلى الله عليه و سلم و إتباع النور الذي جاء به هدى للناس متبعين غير مبتدعين و اقتفاء أثار الخلفاء الراشدين المهديين من بعده و صحابته الكرام رضوان الله عليهم و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين فحينئذ يفرح المؤمنين بنصر الله و ليخسأ أعداء الله . قال الله تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم ) . و قوله تعالى ( و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت مصيرا ) .و ما لنا إلا أن نقول مثل ما قال نبينا محمد صلى الله عليه و سلم :( حسبنا الله و نعم الوكيل ، اللهم ربنا أكفينهم بما شئت . اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، إهزم الأحزاب ، اللهم إهزمهم و زلزلهم ) .اللهم أمين

أخوكم في الله:سمير

-------------

بيان في حكم التطبيع مع اليهود

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

أولا : مقدمة في بيان معنى الصلح الشرعي ، والفرق بينه وبين التطبيع العصري :

لا بد للمسلم أن يعتني بمعرفة حقائق الأمور ، وإدراك ذلك يساعد على معرفة حكم الله على الحقيقة ويساعد في مسألة تحقيق المناط ، وحسن تنزيل الوقائع على الأعيان والمعاني تنزيلا صحيحا . وأن لا يغتر المسلم بالألفاظ البراقة الخادعة التي هي بخلاف حقيقتها ، فكم سُمي الشرك تعظيما للأولياء ، وسمى الربا بغير اسمه ، وسمي الخمر بمشروبات روحية وهكذا ، ويجب أن لا ننظر للأسماء فقط مع مخالفة الحقيقة ونحكم بمجرد ذلك . قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله في منهاج التأسيس ص12 ( وكم هلك بسبب قصور العلم وعدم معرفة الحدود والحقائق من أمة وكم وقع بذلك من غلط وريب وغمة اهـ ) .

ومن ذلك ما يجري اليوم مع اليهود حيث يُسمي صلحا ، ومصالحة ، وفي حقيقة الأمر هو استسلام وتبديل وإلغاء لبعض الأحكام الشرعية وموالاة الكافرين، والاتفاق على شروط باطلة . على ما سوف نوضحه إن شاء الله , لأن مصطلح الصلح اليوم تغيّر عن المعنى القديم الموجود في القرون المفضلة وفي عرف العلماء والفقهاء ، وأصبح يعني اليوم أمورا أخرى ، وعليه يجب أن نفهم الصلح حسب عرف من يتكلم به وحسب المفهوم المعاصر لكي نعرف الحكم الشرعي الصحيح ولكي نصل إلى تحقيق المناط الصحيح وأيضا لكي نفهم اللعبة .

وبعد ذلك نقول ماذا يعني التطبيع في عرف اليهود والأمريكان والساسة العرب , وهل هو منطبق على معنى الصلح الشرعي ؟ وما معناه من خلال واقع ثلاث معاهدات تمت مع اليهود ( مع السلطة الفلسطينية و مصر و الأردن ) إذا عرفنا ذلك أمكن تصور معالم هذا التطبيع الجديد , والصلح العصري والتطبيع يعني تمكين اليهود من أرض إسلامية ، وعلى رقاب شعب مسلم ، ووجود سفارات وبعثات دبلوماسية ــ ولا يخفى أن هذه تتحول إلى أوكار للجاسوسية ــ ، ووجود شركات اقتصادية وملاحق عسكرية وثقافية وفنانين ، وتعني تطبيعا سياحيا لاستجلاب اليهود يؤدي إلى إنشاء فنادق ومطاعم وبنوك ومراقص ومسارح و فن. وزيارة اليهود للمدينة لإقامة مهرجانات أعيادهم وزيارتهم لآثار أجدادهم وهذا هو الذي ينادون به وهو الذي حصل في الدول التي قبلت التطبيع المزعوم مع اليهود ، فاسأل به خبيرا ، واسأل شعوبها ماذا حصل ؟ ففيهم لنا عبرة فاعتبروا يا أولى الأبصار .

ويؤدي إلى ضياع المناهج التعليمية مع التطبيع ، و ضياع عقيدة البراءة في تلك المناهج من الكفار عموما و من اليهود خصوصا .

ويقصدون بالتطبيع الكامل إقامة علاقات تجارية وسياحية ودبلوماسية وثقافية وتاريخية طبق قرارات هيئة الأمم المتحدة ، وليس طبق قرارات القرآن والسنة . هذا هو معنى الصلح عندهم . وبذلك نعرف أنه يعني الاستسلام للكفار وعلو شأنهم وإضاعة للدين وللأراضي الإسلامية .

أما معنى الصلح الشرعي المجمع عليه فهو : الصلح مع الكفار إن دعت المصلحة على وضع الحرب مدة معلومة إن كان عقدا لازما ، أو مدة مطلقة إن كان عقدا جائزا ممكن الفسخ وقت الحاجة , هذا هو حدود الصلح الشرعي بالإجماع , أما المصالحة المتضمنة تنازلات عقدية وإلغاء لأحكام شرعية فهذا صلح باطل شرعا بالإجماع ولا يجوز ، و ليس هو صلحا مسموحا به شرعا بل حقيقته استسلام ونكوص عن الشريعة وتخل عن بعض أحكامها وشرائعها ، وهذا لم يحصل من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اعتقد أن ذلك حدث من الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد .

 

ثانيا : أدلة التحريم والمنع من الكتاب والسنة والإجماع وباعتبار المفاسد والمآل .

إذا عرفنا ذلك فإن التطبيع مع اليهود محرم شرعا ، ولا يجوز لأحد كائنا من كان أن يعقده بتلك الصورة ، وإذا وقع كذلك فإنه يقع صلحا باطلا . أما الأدلة على ذلك :

1 ـ قال تعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) وهذا التطبيع يعطل هذه الآية .

2 ـ ويضاد قوله تعالى ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) وإذا كان الله أوجب القتال لإنقاذ المستضعفين فكيف نصالحهم صلحا يمكنهم من المستضعفين من المسلمين وهذا مما يتضمنه التطبيع .

3 ـ قال تعالى ( فإن نقضوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم ) فأمر بمقاتلة الناقض والطاعن في الدين ، فكيف نعقد معهم ما يسمونه صلحا في الوقت الذي يحرم عقده كما في الآيات السابقة .

4 ـ قال تعالى ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) .

5 ـ ويضاد مقاصد الجهاد الشرعي الثابت في الكتاب والسنة والإجماع .

6 ـ وهو صلح باطل لما فيه من الشروط الباطلة المضادة للإسلام ، وقد جاء في حديث عائشة مرفوعا ( ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق ) متفق عليه . ففيه من الشروط الاعتراف بالكيان اليهودي ، وإلغاء الجهاد وأمثال ذلك .

7 ـ ويضاد الأحاديث الصحيحة التي تأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وبالصلح المزعوم اليوم أدخلوا اليهود والنصارى إلى جزيرة العرب .

8 ـ ويضاد حديث ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه الشيخان من حديث عائشة واللفظ لمسلم ، وهذا الصلح المذموم ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو مضاد له .

9 ـ ويضاد الأصول المجمع عليها في الجهاد والولاء والبراء وأصل عدم تمكين اليهود من جزيرة العرب .

ثالثا : مناقشة من أجاز التطبيع العصري بناء على صلح الحديبية ونحوه :

وقبل مناقشة هؤلاء يُقال لهم وهل الحكام أصلا عند قراراتهم السياسية يبحثون عن الدليل الشرعي حتى نحاول التطوع بالتسويغ الشرعي لهم ، أم أن آخر ما يفكرون به الناحية الشرعية , هذا إذا فكروا .

ويتضح الكلام في مسألة التطبيع المحرم لو أننا فرضنا أمورا تمت في صلح الرسول صلى الله عليه وسلم ( وحاشاه ) مع الكفار لأنه بضدها تتبين الأشياء كما قال الشاعر :

الضد يظهر حسنه الضد ............ وبضدها تتبين الأشياء

صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم صالح الكفار سواء مع قريش أو يهود المدينة أو بعض قبائل العرب ولكن : ليس بتنازلات عقدية وشروط تضاد الإسلام . وهنا نسأل من استدل بذلك :

هل صالح الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار على إبقائهم في بلادهم دائما ومطلقا ؟ وهل صالحهم على إلغاء الجهاد ؟ وهل صالحهم على إنهاء حالة البغضاء و العداوة معهم . وهل صالحهم على تمكينهم من أراض إسلامية اغتصبوها ؟ وهل صالحهم على سيطرتهم على رقاب المسلمين ؟ .

وهل صالحهم على عدم تعرضه لديانة الكفار وآلهتهم ، وإذا كان لم يقبل ذلك منهم والدعوة في بدايتها في مكة ( كما صح ذلك في السيرة ) لما عرضت عليه قريش أن يترك سب دينها وآلهتها مقابل أن يعطوه السيادة أو الملك أو المال ومع ذلك لم يقبل وهو في أمس الحاجة لمهادنتهم ، فكيف يقبل ذلك وهو في دولة ذات شوكة وقوة ! . وهل صالحهم على أن لهم حق حكم المسلمين المستضعفين في مكة بشريعة الكفار ، أو أن تبقى زمام الكعبة بأيديهم كيف شاؤا ، ولو كانت قريش تخطط لقتل المسلمين هل كان يصالحهم ؟ وهو الذي بايع الصحابة في الحديبية تحت الشجرة لما قيل إن عثمان رضي الله عنه قُتل ، فأصبح القتل مانعا من المصالحة . ولو كانت قريش تنتهك أعراض المسلمين ، وتخطط لهدم الكعبة وبناء أصنام العزى وهبل ومناة الثالثة الأخرى هل كان يصالحهم ؟ .

وهل يصح صلح يمكّن اليهود من المقام في جزيرة العرب باسم السياحة أو إدارة اقتصادهم وأموالهم وشركاتهم وتمكينهم من إقامة معابد لهم ؟ .

إن من تأمل الإجابة على هذه الأسئلة يدرك بعين البصيرة شناعة ما يُسمى بالصلح والتطبيع مع اليهود ومضادته المضادة الصريحة للإسلام .

ونناقشهم أيضا في أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل قريشا قتال طلب فقد ذهب إليهم في أرضهم ثم صالحهم ، فصلحه معهم في حكم جهاد الطلب فهو صلح طلب ، بخلاف قتال اليهود اليوم فهو جهاد دفع ، وأحكام جهاد وصلح الطلب يختلف عن جهاد وصلح الدفع فكيف يُقاس هذا على هذا ؟ .

ونناقشهم أيضا ونقول هاتوا دليلا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين صالحوا كفارا على التنازل لهم عن أرض إسلامية ؟ .

وهاتوا دليلا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين صالحوا كفارا سيطروا على أرض إسلامية فصالحوهم على أن يأخذ المسلمون جزءا من هذه الأرض التي سيطر عليها الكفار ليقيموا عليها حكما علمانيا ديمقراطيا لا دينيا ؟ .

ويقال لهم هل تجوز المصالحة بهدف إقناع الشعب اليهودي أن العرب لا يرفضونهم ولا يكرهونهم كما جاء في حيثيات إحدى المبادرات . وهل هدف المصالحة الإثبات لليهود أننا نحبهم ، أليس هذا يصادم القرآن والسنة والإجماع لأنه صلح يريد إزالة العداوة والبغضاء بين المسلمين واليهود .

ثم ما حكم الصلح لو كان ركونا للدنيا وكراهية لجهاد الدفع ؟ وما حكم الصلح لو كان ينتج عنه دولة علمانية لا دينية في الأراضي التي سوف ينسحب منها يهود إن صدقوا في الانسحاب ؟

وهل من المناسب أن يُفرض التطبيع الآن بعد أن اشتد رعبهم وهلعهم وبعد أن قويت شوكة إخواننا المجاهدين وفقهم الله في فلسطين ؟

وما حكم الصلح إذا كان فيه شروط باطلة تخالف أصول العقيدة .

ثم يقولون إن الضرورة أباحت الصلح ! فنقول وهل تبيح الضرورة الكفر والشرك المتعدي وهل تبيح إلغاء أصول الشريعة .

ثم إن مكة وقت صلح الرسول صلى الله عليه وسلم لهم دار كفر أصلي لم تدخل بعد وتتحول إلى دار إسلامية ، وفلسطين دار إسلام في الأصل فتحها المسلمون فكيف يُقاس هذا بهذا ؟

فإن احتجوا بقوله تعالى ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) قلنا أكملوا الآيات ! تجدوا أن المخادع الخائن في العهد لا يصالح ، بل يُحرّض المسلمون على قتاله ، والله ناصرنا عليه وهو حسبنا ( وإن يريدوا أن يخدعوك ــ أي اليهود ــ فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ) الآية ، ثم قال بعدها ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ) الآيات . فكيف نستدل بأول الآيات ونترك آخرها ؟ . ويدل على هذا المعنى مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شأن المعاهدين ( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) فإن لم يستقيموا لنا كما هو حال اليهود الخائنين ، فكيف نصالحهم ؟ مع أن القضية في حقيقتها تطبيع وليست صلحاً.

رابعا : موقف العلماء المعنيين ( في فلسطين ) والعلماء الآخرين من هذا التطبيع .

لقد أوجب أهل العلم في العصر الحديث منذ بدأت قضية فلسطين قبل أكثر من خمسين عاما أوجبوا القتال ضد اليهود الغاصبين ، ومنعوا الصلح معهم ، الصلح الذي بمعنى الاستسلام ويعنى مضادة الشريعة وإلغاء بعض أحكامها ، وان سُمي صلحا .

وحسب علمنا فإنه منذ نشأت المشكلة الفلسطينية إلى قبل سنوات قليلة ما كان العلماء يختلفون في حرمة التطبيع مع اليهود ، ووجوب قتالهم .

فمن الفتاوى في ذلك :

1 ـ فتوى علماء وقضاة وخطباء فلسطين الذي انعقد في القدس عام 1355هـ الموافق 1935م وأصدروا فتوى بحرمة بيع الأراضي الفلسطينية على اليهود، لأنه يحقق المقاصد الصهيونية في تهويد أرض فلسطين ، وأن من باع الأرض عالما بنتيجة ذلك راضيا به فهذا يستلزم الكفر والردة ، وأشاروا إلى فتاوى علماء المسلمين في العراق ومصر والهند والمغرب وسوريا والأقطار الأخرى بأنها أيضا تحرم بيع الأرض في فلسطين لليهود ، ثم ذكروا الأدلة في ذلك .

2 ـ وكذلك فتوى علماء الأزهر عام 1366 هـ وأيضا عام 1367 هـ بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين .

3 ـ وفتوى علماء المؤتمر الدولي الإسلامي المنعقد في باكستان عام1388هـ ، 1968 م .

4 ـ وكذلك فتوى لجنة الفتوى في الأزهر الصادرة عام 1375 هـ بتحريم التطبيع مع اليهود .

5 ـ أيضا أصدر مجموعة من العلماء عام1409 هـ ، 1989 م ، بلغ عددهم ( 63 ) عالما من ثماني عشرة دولة فتوى بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين .

6 ـ وأصدر مجموعة كبيرة جدا من علماء اليمن فتوى في تحريم التطبيع مع اليهود .

7 ـ وفتوى مؤتمر علماء فلسطين المنعقد في 1412 هـ أفتوا بحرمة المشاركة في مؤتمر مدريد وأفتوا أيضا بحرمة التطبيع مع اليهود ثم ذكروا الأدلة الشرعية في ذلك .

8 ـ ثم إن علماء وأهل الجهاد والشوكة من أهل الحل والعقد من أهل فلسطين لم يرتضوا هذه المبادرات القديم منها والحديث ، وحتى الشعب الفلسطيني ، فلماذا يُفتات عليهم ولهم ذمة مستقلة تتيح لهم أن يكونوا أولى الناس بأمورهم ، وقد عارضت حركة حماس الجهادية بقيادة رئيسها الشيخ أحمد ياسين وفقه الله في بيان أعلن فيه رفضه لتلك المبادرات ، وقال : نحن نرفض أي اقتراح يتنازل عن أراضي فلسطين وأعلن أنهم سوف يواصلون الجهاد ضد اليهود اهـ .

 

وأخيرا :

يقال أيهما أولى التطبيع مع اليهود الخائنين والملحدين والغاصبين ، أم التطبيع ونفع إخواننا المجاهدين المضطهدين في أفغانستان وفلسطين والشيشان وكشمير والفلبين أو أهل السنة في العراق وغيرهم , أم نبذهم والتخلي عنهم ، بل وأعانوا أعداءهم عليهم .

فان قالوا الحكومات ضعيفة ولا تستطيع بجيوشها قتال اليهود قلنا إذا كانوا لا يستطيعون فليسلّحوا الشعوب المسلمة ويتركوها تقاتل عنهم ، بل ليفتحوا حدودهم فقط للمجاهدين وهذا يكفي ، بل ليسلّحوا الشعب الفلسطيني الشهم المجاهد ويدعموه ليقوم بأعباء الجهاد عنهم ، وما ضاع حق وراءه مطالب ، قال تعالى ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) .

ونقول لإخواننا المجاهدين في فلسطين المباركة إلى مزيد من العمليات الاستشهادية الجهادية ، فإنها اليوم من أعظم الجهاد ومن أقوى النكاية في اليهود .

وندعوا إلى المقاطعة الاقتصادية لليهود والأمريكان وللدول والشركات التي تساعدهم ، وكذلك ننصح إخواننا العلماء وطلبة العلم والدعاة والمعلمين والأغنياء والخطباء والأئمة أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من تبيين قضية البراء من الكافرين وتبيين حكم هذا الاستسلام لليهود ، وأن يساعدوا إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله من الفلسطينيين كل بما يستطيع ، قال صلى الله عليه وسلم ( جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وأيديكم وألسنتكم ) رواه أحمد وأهل السنن من حديث أنس , ولابد من الدعاء والقنوت لهم في هذه النازلة التي ألمت بهم .

وننصح الحكام العرب أن يتقوا الله ، ويراجعوا دينهم ، ويبتعدوا عن هذا التطبيع المحرم مع اليهود قبل أن يحل عليهم غضب الله ونقمته .

ولا يعني حديثنا عن اليهود قاتلهم الله أننا نهوّن الأمر مع غيرهم من الكفار من نصارى وغيرهم فإن الكفر ملة واحدة , وحكمنا في هؤلاء مثل حكمنا في أولئك .

نقول هذا إبراء للذمة ونصحا للأمة وبيانا للحق ودفعا للالتباس والتضليل والله أعلم

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الموقعون :

محمد بن فهد العلي الرشوديعلي بن خضير الخضيرحمد بن ريس الريسصالح العبد الله الرشوديأحمد بن صالح السنانيناصر بن حمد الفهدحمد بن عبد الله بن إبراهيم الحميديعبد الله بن عبد الرحمن آل سعد

000000000000000000000000

أخطر صور موالاة الكفار

عجبتُ لمبتاع الضـلالة بالهدى     ***     وللمشتري دنياه بالدين أعجب

وأعجب من هذين من باع دينه     ***     بدنيا سواه فهو من ذين أعجب

من نواقض الإسلام الخطيرة، ومبطلاته الكبيرة، موالاة الكفار من اليهود، والنصارى، والهندوس، والبوذيين، والشيوعيين، ومن شابههم.

فموالاة الكافرين محادَّة لرب العالمين، وخروج عن شرعة سيد المرسلين، وخذلان لإخوة العقيدة والدين.

لم يبتل الإسلام في عصر من عصوره بأشد ولا أخطر من معاداة المسلم لأخيه المسلم، وموالاة الكافر ومشايعته ومصانعته، والتعاون والتنسيق معه، بل والوقوف معه في خندق واحد لضرب الإسلام وإذلال أتباعه، وانتهاك كرامتهم، وغزو ديارهم.

لقد تجلت خطورة موالاة أعداء الدين بصورة ليس لها شبيه ولا مثيل في الحرب الصليبية التي تقودها أمريكا وربائبها من الكفار، وعملاؤها من المنتسبين إلى الإسلام، تحت مظلة الاتحاج اليهودي الكنسي، بضغط من اللوبي الصهيوني، وبغرض القضاء على الإسلام وهيمنة أمريكا على كل العالم، حيث سار الجميع في فلكها، وأصبح هدفهم خطب ودها من حكام المسلمين وغيرهم، سوى ثلة وطائفة لا تزال ظاهرة على الحق، مدافعة عنه، لا يضرها كيد الكائدين، ولا مخالفة المخالفين، ولا خذلان المخذلين إلى أن تقوم الساعة كما أخبر الصادق الأمين.

لقد حذر الله ورسوله والسلف الصالح من موالاة الكافرين ومظاهرتهم، سيما على المسلمين، وبين الشارع الحكيم أن في ذلك ردة وخروج عن الدين، مهما كان الدافع لذلك، وإليك طرفاً من ذلك:

1.   قوله تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء".

2. وقوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودُّوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون".

قال القرطبي رحمه الله في تفسيرها: (أكد الله تعالى الزجر عن الركون إلى الكفار، وقال: نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم، ويقال: كل من كان على خلاف مذهبك العقدي ودينك فلا ينبغي لك أن تحادثه).

3. وقوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين".

4. وقوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل".

5. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا في خواتيمكم غريباً"، فسَّره الحسن رحمه الله بقوله: "أراد عليه السلام لا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم ولا تنقشوا في خواتيمكم محمداً".

6. لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استظهار المسلمين بالكافرين فكيف باستظهار المسلمين بالكافرين على المسلمين؟!

فقد قال لمشرك أراد أن يخرج معه في غزاة: "لا نستعين بمشرك"، وقال لعبادة بن الصامت وكان له حلف من اليهود في أول الإسلام يوم الأحزاب، عندما قال عبادة: يا نبي الله إن معي خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأيتُ أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو؛ فأنزل قوله تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين" الآية.

7. وقال عمر رضي الله عنه: لا تستعملوا أهل الكتاب فإنهم يستحلون الرِّشا، واستعينوا على أموركم ورعيتكم بالذين يخشون الله تعالى.

وقيل لعمر إن ها هنا رجلاً من نصارى الحيرة لا أحد أكتب منه، ولا أخط بقلم، أفلا يكتب عندك؟ فقال: لا آخذ بطانة من دون المؤمنين.

وعندما استكتب أبو موسى الأشعري ذمياً كتب إليه عمر يعنفه، وقال عمر له: لا تدنهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله، ولا تأمنهم وقد خونهم الله.

قلت: إذا كان هذا في اتخاذ كاتب، فكيف باتخاذ الكفار مستشارين وأمناء وأصدقاء وحلفاء؟!!

قال القرطبي رحمه الله بعد أن أورد تلك الآثار عن عمر رضي الله عنه: (وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان باتخاذ أهل الكتاب كتبة وأمناء، وتسودوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والأمراء).

لقد ضعفت عقيدة الولاء والبراء عند كثير من المسلمين في هذا العصر، بل وانعدمت بالكلية عند البعض الآخر، وذلك لجهلهم بعقيدة التوحيد، حيث أضحى جل المسلمين لا يميز بين ولاء وبراء، بل قد يتبرأ ممن تتحتم عليه موالاتهم، ويوالي من تجب عليه معاداتهم، واستحدثت كثير من صور الموالاة الكفرية التي يتسابق إليها البعض مسابقة، لنيل شيء من حطام الدنيا الفاني، وهو لا يدري أنه باع آخرته بدنياه، بل بدنيا غيره.

وقد أصبح الإنسان يعجب والله من صنيع هؤلاء أكثر من عجب الأول القائل:

عجبتُ لمبتاع الضلالة  بالهدى   ***    وللمشتري دنياه بالدين أعجب

وأعجب من هذين من باع دينه   ***    بدنيا سواه فهو من ذين أعجب

فهل تصدق أن يتجسس من يدعي الإسلام، ويسلم المسلم للكافر ليقتله وليمثل به مقابل دولارين، أوأن يبيع بلداً مسلماً كاملاً ويسلمه للكفار مقابل أن يبقى في كرسي الحكم مدة لا يدري أتطول أم تقصر؟ وهب أنها طالت، فما النتيجة يا ترى؟ ألم يعلم هؤلاء أن الملك بيد الله عز وجل ليس بيد أحد سواه؟ وأن الله يمهل ولا يهمل.

فموالاة الكفار والتجسس والعمالة لهم ومظاهرتهم قبيحة من كل من انتسب إلى الإسلام، سيما إذا صدرت ومارسها من ينتسب إلى العلم.

أخطر صور الموالاة الكفرية في هذا العصر

صور الموالاة الكفرية كثيرة جداً، ولكن سنشير في هذه العجالة إلى أكثرها ضرراً وأعظمها خطراً، نصحاً لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، لجهل بعض من يمارسها بخطورتها، لعل الله ينفع بذلك، فالذكرى تنفع المؤمنين، وتعذر الناصحين، وترفع غضب رب العالمين.

من ذلكم ما يأتي:

1.   القتال معهم، سيما ضد المسلمين.

2.   التجسس ضد المسلمين لصالح الكافرين.

3.   الدخول معهم في أحلاف، سيما ضد طائفة من المسلمين.

4.   السماح لهم بإنشاء قواعد عسكرية في ديار الإسلام.

5. تولي الحكم نيابة عنهم في البلاد التي اغتصبوها من المسلمين، كما هو الحال في أفغانستان، والعراق، والشيشان، وغيرها من البلدان.

6.   العمل على تنفيذ مخططاتهم.

7.   عقد المؤتمرات والندوات لتهيئة الجو للتعايش السلمي معهم في ديار الإسلام.

8. العمل وتولي المناصب القيادية في المنظمات الدولية التي يهيمن عليها الكفار برئاسة أمريكا، حيث لا يلي ذلك إلا من وثق به الكفار واطمأنوا له.

9.   فتح الأجواء والطرق البرية والمياه الإقليمية لطائرات العدو وسفنهم لغزو ديار الإسلام.

10.     الخضوع والاستكانة والتنازل لهم مقابل البقاء في الحكم أطول مدة ممكنة

والله أسأل أن ينفعنا بالذكرى، وأن ييسرنا لليسرى، وأن يرينا وجميع إخواننا المسلمين الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يؤلف بين قلوب المسلمين ويهديهم سبل السلام، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن ينتقم من أعداء الملة والدين.

وآخر دوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

00000000000000

في ظلال القرآن - (ج 2 / ص 388)

إنها تعني التناصر والتحالف معهم . ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم . فبعيد جداً أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين . إنما هو ولاء التحالف والتناصر ، الذي كان يلتبس على المسلمين أمره ، فيحسبون أنه جائز لهم ، بحكم ما كان واقعاً من تشابك المصالح والأواصر ، ومن قيام هذا الولاء بينهم وبين جماعات من اليهود قبل الإسلام ، وفي أوائل العهد بقيام الإسلام في المدينة ، حتى نهاهم الله عنه وأمر بإبطاله .

بعد ما تبين عدم إمكان قيام الولاء والتحالف والتناصر بين المسلمين واليهود في المدينة . .

وهذا المعنى معروف محدد في التعبيرات القرآنية . وقد جاء في صدد الكلام عن العلاقة بين المسلمين في المدينة والمسلمين الذين لم يهاجروا إلى دار الإسلام . فقال الله سبحانه : { ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } . وطبيعي أن المقصود هنا ليس الولاية في الدين . فالمسلم ولي المسلم في الدين على كل حال . إنما المقصود هو ولاية التناصر والتعاون . فهي التي لا تقوم بين المسلمين في دار الإسلام والمسلمين الذين لم يهاجروا إليهم . . وهذا اللون من الولاية هو الذي تمنع هذه الآيات أن يقوم بين الذين آمنوا وبين اليهود والنصارى بحال ، بعد ما كان قائماًَ بينهم أول العهد في المدينة .

إن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيء ، واتخاذهم أولياء شيء آخر ، ولكنهما يختلطان على بعض المسلمين ، الذين لم تتضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين ووظيفته ، بوصفه حركة منهجية واقعية ، تتجه إلى إنشاء واقع في الأرض ، وفق التصور الإسلامي الذي يختلف في طبيعته عن سائر التصورات التي تعرفها البشرية؛ وتصطدم - من ثم - بالتصورات والأوضاع المخالفة ، كما تصطدم بشهوات الناس وانحرافهم وفسوقهم عن منهج الله ، وتدخل في معركة لا حيلة فيها ، ولا بد منها ، لإنشاء ذلك الواقع الجديد الذي تريده ، وتتحرك إليه حركة إيجابية فاعلة منشئة . .

وهؤلاء الذين تختلط عليهم تلك الحقيقة ينقصهم الحس النقي بحقيقة العقيدة ، كما ينقصهم الوعي الذكي لطبيعة المعركة وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها؛ ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة الصريحة فيها ، فيخلطون بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه مكفولي الحقوق ، وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة . ناسين ما يقرره القرآن الكريم من أن أهل الكتاب . . بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة . . وأن هذا شأن ثابت لهم ، وأنهم ينقمون من المسلم إسلامه ، وأنهم لن يرضوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويتبع دينهم . وأنهم مصرون على الحرب للإسلام وللجماعة المسلمة . وأنهم قد بدت البغضاء من أفواهم وما تخفي صدورهم أكبر . . إلى آخر هذه التقريرات الحاسمة .

إن المسلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب ، ولكنه منهي عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم . وإن طريقه لتمكين دينه وتحقيق نظامه المتفرد لا يمكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب ، ومهما أبدى لهم من السماحة والمودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتحقيق نظامه ، ولن يكفهم عن موالاة بعضهم لبعض في حربه والكيد له . .

وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة ، أن نظن أن لنا وإياهم طريقاً واحداً نسلكه للتمكين للدين! أمام الكفار والملحدين! فهم مع الكفار والملحدين ، إذا كانت المعركة مع المسلمين!!!

وهذه الحقائق الواعية يغفل عنها السذج منا في هذا الزمان وفي كل زمان؛ حين يفهمون أننا نستطيع أن نضع أيدينا في أيدي أهل الكتاب في الأرض للوقوف في وجه المادية والإلحاد - بوصفنا جميعاً أهل دين! - ناسين تعليم القرآن كله؛ وناسين تعليم التاريخ كله .

فأهل الكتاب هؤلاء هم الذين كانوا يقولون للذين كفروا من المشركين : { هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً } . وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين ألبوا المشركين على الجماعة المسلمة في المدينة ، وكانوا لهم درعاً وردءاً . وأهل الكتاب هم الذين شنوا الحروب الصليبية خلال مائتي عام ، وهم الذين ارتكبوا فظائع الأندلس ، وهم الذي شردوا العرب المسلمين في فلسطين ، وأحلوا اليهود محلهم ، متعاونين في هذا مع الإلحاد والمادية! وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان . . في الحبشة والصومال واريتريا والجزائر ، ويتعاونون في هذا التشريد مع الإلحاد والمادية والوثنية ، في يوغسلافيا والصين والتركستان والهند ، وفي كل مكان!

ثم يظهر بيننا من يظن - في بعد كامل عن تقريرات القرآن الجازمة - أنه يمكن أن يقوم بيننا وبين أهل الكتاب هؤلاء ولاء وتناصر . ندفع به المادية الإلحادية عن الدين!

إن هؤلاء لا يقرأون القرآن . وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة التي هي طابع الإسلام؛ فظنوها دعوة الولاء الذي يحذر منه القرآن .

إن هؤلاء لا يعيش الإسلام في حسهم ، لا بوصفه عقيدة لا يقبل الله من الناس غيرها ، ولا بوصفه حركة إيجابية تستهدف إنشاء واقع جديد في الأرض؛ تقف في وجه عداوات أهل الكتاب اليوم ، كما وقفت له بالأمس . الموقف الذي لا يمكن تبديله . لأنه الموقف الطبيعي الوحيد!

وندع هؤلاء في إغفالهم أو غفلتهم عن التوجيه القرآني ، لنعي نحن هذا التوجيه القرآني الصريح :

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض . . ومن يتولهم منكم فإنه منهم . إن الله لا يهدي القوم الظالمين } . .

هذا النداء موجه إلى الجماعة المسلمة في المدينة - ولكنه في الوقت ذاته موجه لكل جماعة مسلمة تقوم في أي ركن من أركان الأرض إلى يوم القيامة . . موجه لكل من ينطبق عليه ذات يوم صفة : { الذين آمنوا } . .

ولقد كانت المناسبة الحاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا ، أن المفاصلة لم تكن كاملة ولا حاسمة بين بعض المسلمين في المدينه وبعض أهل الكتاب - وبخاصه اليهود - فقد كانت هناك علاقات ولاء وحلف ، وعلاقات اقتصاد وتعامل ، وعلاقات جيره وصحبه . . وكان هذا كله طبيعياً مع الوضع التاريخي والاقتصادي والاجتماعي في المدينة قبل الإسلام ، بين أهل المدينة من العرب وبين اليهود بصفة خاصة . . وكان هذا الوضع يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم في الكيد لهذا الدين وأهله؛ بكل صنوف الكيد التي عددتها وكشفتها النصوص القرآنية الكثيرة؛ والتي سبق استعراض بعضها في الأجزاء الخمسة الماضية من هذه الظلال؛ والتي يتولى هذا الدرس وصف بعضها كذلك في هذه النصوص .

منهجه الجديد في واقع الحياة . ولينشئ في ضمير المسلم تلك المفاصلة الكاملة بينه وبين كل من لا ينتمي إلى الجماعة المسلمة ولا يقف تحت رايتها الخاصة . المفاصلة التي لا تنهي السماحة الخلقية . فهذه صفة المسلم دائماً . ولكنها تنهي الولاء الذي لا يكون في قلب المسلم إلا لله ورسوله والذين آمنوا . . الوعي والمفاصلة اللذان لا بد منهما للمسلم في كل أرض وفي كل جيل .

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض . ومن يتولهم منكم فإنه منهم . إن الله لا يهدي القوم الظالمين } .

بعضهم أولياء بعض . . إنها حقيقة لا علاقة لها بالزمن . . لأنها حقيقة نابعة من طبيعة الأشياء . . إنهم لن يكونوا أولياء للجماعة المسلمة في أي أرض ولا في أي تاريخ . . وقد مضت القرون تلو القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة . . لقد ولي بعضهم بعضاً في حرب محمد - صلى الله عليه وسلم - والجماعة المسلمة في المدينة . وولي بعضهم بعضاً في كل فجاج الأرض ، على مدار التاريخ . . ولم تختل هذه القاعدة مرة واحدة؛ ولم يقع في هذه الأرض إلا ما قرره القرآن الكريم ، في صيغة الوصف الدائم ، لا الحادث المفرد . . واختيار الجملة الأسمية على هذا النحو . . بعضهم أولياء بعض . . ليست مجرد تعبير! إنما هي اختيار مقصود للدلالة على الوصف الدائم الأصيل!

ثم رتب على هذه الحقيقة الأساسية نتائجها . . فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فإنه لا يتولاهم إلا من هو منهم . والفرد الذي يتولاهم من الصف المسلم ، يخلع نفسه من الصف ويخلع عن نفسه صفة هذا الصف « الإسلام » وينضم إلى الصف الآخر . لأن هذه هي النتيجة الطبيعية الواقعية :

{ ومن يتولهم منكم فإنه منهم } . .

وكان ظالماً لنفسه ولدين الله وللجماعة المسلمة . . وبسبب من ظلمه هذا يدخله الله في زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولاءه . ولا يهديه إلى الحق ولا يرده إلى الصف المسلم :

{ إن الله لا يهدي القوم الظالمين } . .

لقد كان هذا تحذيراً عنيفاً للجماعة المسلمة في المدينة . ولكنه تحذير ليس مبالغاً فيه . فهو عنيف . نعم؛ ولكنه يمثل الحقيقة الواقعة . فما يمكن أن يمنح المسلم ولاءه لليهود والنصارى - وبعضهم أولياء بعض - ثم يبقى له إسلامه وإيمانه ، وتبقى له عضويته في الصف المسلم ، الذين يتولى الله ورسوله والذين آمنوا . . فهذا مفرق الطريق . .

وما يمكن أن يتميع حسم المسلم في المفاصلة الكاملة بينة وبين كل من ينهج غير منهج الإسلام؛ وبينه وبين كل من يرفع راية غير راية الإسلام؛ ثم يكون في وسعه بعد ذلك أن يعمل عملاً ذا قيمة في الحركة الإسلامية الضخمة التي تستهدف - أول ما تستهدف - إقامة نظام واقعي في الأرض فريد؛ يختلف عن كل الأنظمة الأخرى؛ ويعتمد على تصور متفرد كذلك من كل التصورات الأخرى .

إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم الذي لا أرجحة فيه ولا تردد بأن دينه هو الدين الوحيد الذي يقبله الله من الناس بعد رسالة محمد ص وبأن منهجه الذي كلفه الله أن يقيم الحياة عليه منهج متفرد ; لا نظير له بين سائر المناهج ; ولا يمكن الاستغناء عنه بمنهج آخر ; ولا يمكن أن يقوم مقامه منهج آخر ; ولا تصلح الحياة البشرية ولا تستقيم إلا أن تقوم على هذا المنهج وحده دون سواه ; ولا يعفيه الله ولا يغفر له ولا يقبله إلا إذا هو بذل جهد طاقته في إقامة هذا المنهج بكل جوانبه الاعتقادية والاجتماعية ; لم يأل في ذلك جهدا ولم يقبل من منهجه بديلا ولا في جزء منه صغير ولم يخلط بينه وبين أي منهج آخر في تصور اعتقادي ولا في نظام اجتماعي ولا في أحكام تشريعية إلا ما استبقاه الله في هذا المنهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم بهذا كله هو وحده الذي يدفعه للاضطلاع بعبء النهوض بتحقيق منهج الله الذي رضيه للناس ; في وجه العقبات الشاقة والتكاليف المضنية والمقاومة العنيدة والكيد الناصب والألم الذي يكاد يجاوز الطاقة في كثير من الأحيان وإلا فما العناء في أمر يغني عنه غيره مما هو قائم في الأرض من جاهلية سواء كانت هذه الجاهلية ممثلة في وثنية الشرك أو في انحراف أهل الكتاب أو في الإلحاد السافر بل ما العناء في إقامة المنهج الإسلامي إذا كانت الفوارق بينه وبين مناهج أهل الكتاب أو غيرهم قليلة ; يمكن الالتقاء عليها بالمصالحة والمهادنة إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية يخطئون فهم معنى الأديان كما يخطئون فهم معنى التسامح فالدين هو الدين الأخير وحده عند الله والتسامح يكون في المعاملات الشخصية لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي إنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم بأن الله لا يقبل دينا إلا الإسلام وبأن عليه أن يحقق منهج الله الممثل في الإسلام ولا يقبل دونه بديلا ; ولا يقبل فيه تعديلا ولو طفيفا هذا اليقين الذي ينشئه القرآن الكريم وهو يقرر إن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم وفي القرآن كلمة الفصل ولا على المسلم من تميع المتميعين وتمييعهم لهذا اليقين ويصور السياق القرآني تلك الحالة التي كانت واقعة ; والتي ينزل القرآن من أجلها بهذا التحذير فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة روى ابن جرير قال حدثنا أبو كريب حدثنا إدريس قال سمعت أبي عن عطية بن سعد قال جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله ص فقال يا رسول الله إن لي موالي من يهود كثير عددهم ; وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي رأس النفاق إني رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالي فقال رسول الله ص لعبد الله بن أبي « يا أبا الحباب ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة ابن الصامت فهو لك دونه » قال قد قبلت فأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء وقال ابن جرير حدثنا هناد حدثنا يونس بن بكير حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري قال لما انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر فقال مالك بن الصيف أغركم أن أصبتم رهطا من قريش لا علم لهم بالقتال أما لو أصررنا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يد أن تقاتلونا فقال عبادة بن الصامت يا رسول الله إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم كثيرا سلاحهم شديدة شوكتهم وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ولا مولى لي إلا الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي لكني لا أبرأ من ولاية يهود إني رجل لا بد لي منهم فقال رسول الله ص « يا أبا الحباب أرأيت الذي نفست به من ولاية يهود على عبادة ابن الصامت فهو لك دونه » فقال إذن أقبل قال محمد بن إسحق فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله ص بنو قينقاع فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال فحاصرهم رسول الله ص حتى نزلوا على حكمه فقام إليه عبدالله بن أبي بن سلول حين أمكنة الله منهم فقال يا محمد أحسن في موالي وكانوا حلفاء الخزرج قال فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال يا محمد أحسن في موالي قال فأعرض عنه قال فأدخل يده في جيب درع رسول الله ص فقال له رسول الله ص « أرسلني » وغضب رسول الله ص حتى رأوا لوجهه ظللا ثم قال « ويحك أرسلني » قال لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر وثلاثمائه دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة إني امرؤ أخشى الدوائر قال فقال رسول الله ص « هم لك » قال محمد بن إسحق فحدثني أبي إسحق بن يسار عن عبادة عن الوليد بن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع رسول الله ص تشبث بأمرهم عبدالله بن أبى وقام دونهم ; ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله ص وكان أحد بني عوف بن الخزرج له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي فجعلهم إلى رسول الله ص وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم وقال يا رسول الله أبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم وأتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم ففيه وفي عبدالله بن أبي نزلت الآية في المائدة يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض إلى قوله ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون وقال الإمام أحمد حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبى زيادة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عودة عن أسامة بن زيد قال دخلت مع رسول الله ص على عبدالله بن أبى نعوده فقال له النبي ص « قد كنت أنهاك عن حب يهود » فقال عبدالله فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات وأخرجه أبو داود من حديث محمد بن إسحق فهذه الأخبار في مجموعها تشير إلى تلك الحالة التي كانت واقعة في المجتمع المسلم ; والمتخلفة عن الأوضاع التي كانت قائمة في المدينة قبل الإسلام ; وكذلك عن التصورات التي لم تكن قد حسمت في قضية العلاقات التي يمكن أن تقوم بين الجماعة المسلمة واليهود والتي لا يمكن أن تقوم غير أن الذي يلفت النظر أنها كلها تتحدث عن اليهود ولم يجى ء ذكر في الوقائع للنصارى ولكن النص يجمل اليهود والنصارى ذلك أنه بصدد إقامة تصور دائم وعلاقة دائمة وأوضاع دائمة بين الجماعة المسلمة وسائر الجماعات الأخرى سواء من أهل الكتاب أو من المشركين كما سيجيء في سياق هذا الدرس ومع اختلاف مواقف اليهود من المسلمين عن مواقف النصارى في جملتها في العهد النبوي ومع إشارة القرآن الكريم في موضع آخر من السورة إلى هذا الاختلاف في قوله تعالى لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى الخ مع هذا الاختلاف الذي كان يومذاك فإن النص هنا يسوي بين اليهود والنصارى كما يسوي النص القادم بينهم جميعا وبين الكفار فيما يختص بقضية المحالفة والولاء ذلك أن هذه القضية ترتكز على قاعدة أخرى ثابتة هي أن ليس للمسلم ولاء ولا حلف إلا مع المسلم ; وليس للمسلم ولاء إلا لله ولرسوله وللجماعة المسلمة ويستوي بعد ذلك كل الفرق في هذا الأمر مهما اختلفت مواقفهم من المسلمين في بعض الظروف على أن الله سبحانه وهو يضع للجماعة المسلمة هذه القاعدة العامة الحازمة الصارمة كان علمه يتناول الزمان كله لا تلك الفترة الخاصة من حياة رسول الله ص وملابساتها الموقوتة وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء النصارى لهذا الدين وللجماعة المسلمة في معظم بقاع الأرض لم يكن أقل من عداء اليهود وإذا نحن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى مصر في حسن استقبال الإسلام فإننا نجد الرقعة النصرانية في الغرب قد حملت للإسلام في تاريخها كله منذ أن احتكت به من العداوة والضغن وشنت عليه من الحرب والكيد ما لا يفترق عن حرب اليهود وكيدهم في أي زمان حتى الحبشة التي أحسن عاهلها استقبال المهاجرين المسلمين واستقبال الإسلام عادت فإذا هي أشد حربا على الإسلام والمسلمين من كل أحد ; لا يجاريها في هذا إلا اليهود وكان الله سبحانه يعلم الأمر كله فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة بغض النظر عن واقع الفترة التي كان هذا القرآن يتنزل فيها وملابساتها الموقوتة وبغض النظر عما يقع مثلها في بعض الأحيان هنا وهناك إلى آخر الزمان وما يزال الإسلام والذين يتصفون به ولو أنهم ليسوا من الإسلام في شيء يلقون من عنت الحرب المشبوبة عليهم وعلى عقيدتهم من اليهود والنصارى في كل مكان على سطح الأرض ما يصدق قول الله تعالى بعضهم أولياء بعض وما يحتم أن يتدرع المسلمون الواعون بنصيحة ربهم لهم بل بأمره الجازم ونهيه القاطع ; وقضائه الحاسم في المفاصلة الكاملة بين أولياء الله ورسوله وكل معسكر آخر لا يرفع راية الله ورسوله إن الإسلام يكلف المسلم أن يقيم علاقاته بالناس جميعا على أساس العقيدة فالولاء والعداء لا يكونان في تصور المسلم وفي حركته على السواء إلا في العقيدة ومن ثم لا يمكن أن يقوم الولاء وهو التناصر بين المسلم وغير المسلم ; إذ أنهما لا يمكن أن يتناصرا في مجال العقيدة ولا حتى أمام الإلحاد مثلا كما يتصور بعض السذج منا وبعض من لا يقرأون القرآن وكيف يتناصران وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه إن بعض من لا يقرأون القرآن ولا يعرفون حقيقة الإسلام ; وبعض المخدوعين أيضا يتصورون أن الدين كله دين كما أن الإلحاد كله إلحاد وأنه يمكن إذن أن يقف التدين بجملته في وجه الإلحاد لأن الإلحاد ينكر الدين كله ويحارب التدين على الإطلاق ولكن الأمر ليس كذلك في التصور الإسلامي ; ولا في حس المسلم الذي يتذوق الإسلام ولا يتذوق الإسلام إلا من يأخذه عقيدة وحركة بهذه العقيدة لإقامة النظام الإسلامي إن الأمر في التصور الإسلامي وفي حس المسلم واضح محدد الدين هو الإسلام وليس هناك دين غيره يعترف به الإسلام لأن الله سبحانه يقول هذا يقول إن الدين عند الله الإسلام ويقول ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وبعد رسالة محمد ص لم يعد هناك دين يرضاه الله ويقبله من أحد إلا هذا الإسلام في صورته التي جاء بها محمد ص وما كان يقبل قبل بعثة محمد من النصارى لم يعد الآن يقبل كما أن ما كان يقبل من اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلام لم يعد يقبل منهم بعد بعثته ووجود يهود ونصارى من أهل الكتاب بعد بعثه محمد ص ليس معناه أن الله يقبل منهم ما هم عليه ; أو يعترف لهم بأنهم على دين إلهي لقد كان ذلك قبل بعثة الرسول الأخير أما بعد بعثته فلا دين في التصور الإسلامي وفي حس المسلم إلا الإسلام وهذا ما ينص عليه القرآن نصا غير قابل للتأويل إن الإسلام لا يكرههم على ترك معتقداتهم واعتناق الإسلام لأنه لا إكراه في الدين ولكن هذا ليس معناه أنه يعترف بما هم عليه ديناً ويراهم على دين ومن ثم فليس هناك جبهه تدين يقف معها الإسلام في وجه الإلحاد هناك دين هو الإسلام وهناك لا دين هو غير الإسلام ثم يكون هذا اللادين عقيدة أصلها سماوي ولكنها محرفه أو عقيده أصلها وثني باقيه على وثنيتها أو إلحاداً ينكر الأديان تختلف فيما بينها كلها ولكنها تختلف كلها مع الإسلام ولا حلف بينها وبين الإسلام ولا ولاء والمسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلاء ; وهو مطالب بإحسان معاملتهم كما سبق ما لم يؤذوه في الدين ; ويباح له أن يتزوج المحصنات منهن على خلاف فقهي فيمن تعتقد بألوهية المسيح أو بنوته وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابيه تحل أم مشركة تحرم وحتى مع الأخذ بمبدأ تحليل النكاح عامه فإن حسن المعامله وجواز النكاح ليس معناها الولاء والتناصر في الدين ; وليس معناها اعتراف المسلم بأن دين أهل الكتاب بعد بعثة محمد ص هو دين يقبله الله ; ويستطيع الإسلام أن يقف معه في جبهه واحدة لمقاومة الإلحاد إن الإسلام قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب ; كما جاء ليصحح اعتقادات المشركين والوثنيين سواء ودعاهم إلى الإسلام جميعاً لأن هذا هو الدين الذي لا يقبل الله غيره من الناس جميعاً ولما فهم اليهود أنهم غير مدعوين إلى الإسلام وكبر عليهم أن يدعوا إليه جابههم القرآن الكريم بأن الله يدعوهم إلى الإسلام فإن تولوا عنه فهم كافرون والمسلم مكلف أن يدعوا أهل الكتاب إلى الإسلام كما يدعو الملحدين والوثنيين سواء وهو غير مأذون في أن يكره أحداً من هؤلاء ولا هؤلاء على الإسلام لأن العقائد لا تنشأ في الضمائر بالإكراه فالإكراه في الدين فوق أنه منهي عنه هو كذلك لا ثمره له ولا يستقيم أن يعترف المسلم بأن ما عليه أهل الكتاب بعد بعثة محمد ص هو دين يقبله الله ثم يدعوهم مع ذلك إلى الإسلام إنه لا يكون مكلفاً بدعوتهم إلى الإسلام إلا على أساس واحد ; هو أنه لا يعترف بأن ما هم عليه دين وأنه يدعوهم إلى الدين وإذا تقررت هذه البديهيه فإنه لا يكون منطقياً مع عقيدته إذا دخل في ولاء أو تناصر للتمكين للدين في الأرض مع من لا يدين بالإسلام إن هذه القضيه في الإسلام قضيه اعتقاديه إيمانيه كما أنها قضيه تنظيميه حركيه من ناحيه أنها قضيه إيمانيه اعتقاديه نحسب أن الأمر قد صار واضحاً بهذا البيان اذي أسلفناه وبالرجوع إلى النصوص القرآنيه القاطعه بعدم قيام ولاء بين المسلمين وأهل الكتاب ومن ناحية أنها قضية تنظيمية حركية الأمر واضح كذلك فإذا كان سعي المؤمن كله ينبغي أن يتجه إلى إقامة منهج الله في الحياة وهو المنهج الذي ينص عليه الإسلام كما جاء به محمد ص بكل تفصيلات وجوانب هذا المنهج وهي تشمل كل نشاط الإنسان في الحياة فكيف يمكن إذن أن يتعاون المسلم في هذا السعي مع من لا يؤمن بالإسلام دينا ومنهجا ونظاما وشريعة ; ومن يتجه في سعيه إلى أهداف أخرى إن لم تكن معادية للإسلام وأهدافه فهي على الأقل ليست أهداف الإسلام إذ الإسلام لا يعترف بهدف ولا عمل لا يقوم على أساس العقيدة مهما بدا في ذاته صالحا والذين كفروا أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف والإسلام يكلف المسلم أن يخلص سعيه كله للإسلام ولا يتصور إمكان انفصال أية جزئية في السعي اليومي في حياة المسلم عن الإسلام لا يتصور إمكان هذا إلا من لا يعرف طبيعة الإسلام وطبيعة المنهج الإسلامي ولا يتصور أن هناك جوانب في الحياة خارجة عن هذا المنهج يمكن التعاون فيها مع من يعادي الإسلام أو لا يرضى من المسلم إلا أن يترك إسلامه كما نص الله في كتابه على ما يطلبه اليهود والنصارى من المسلم ليرضوا عنه إن هناك استحالة اعتقادية كما أن هناك استحالة عملية على السواء ولقد كان اعتذار عبدالله بن أبي بن سلول وهو من الذين في قلوبهم مرض عن مسارعته واجتهاده في الولاء ليهود والاستمساك بحلفه معها هي قوله إنني رجل أخشى الدوائر إني أخشى أن تدور علينا الدوائر وأن تصيبنا الشدة وأن تنزل بنا الضائقة وهذه الحجة هي علامة مرض القلب وضعف الإيمان فالولي هو الله ; والناصر هو الله ; والاستنصار بغيره ضلالة كما أنه عبث لا ثمرة له ولكن حجة ابن سلول هي حجة كل بن سلول على مدار الزمان ; وتصوره هو تصور كل منافق مريض القلب لا يدرك حقيقة الإيمان وكذلك نفر قلب عبادة بن الصامت من ولاء يهود بعد ما بدا منهم ما بدا لأنه قلب مؤمن فخلع ولاء اليهود وقذف به حيث تلقاه وضم عليه صدره وعض عليه بالنواجذ عبدالله بن أبى بن سلول إنهما نهجان مختلفان ناشئان عن تصورين مختلفين وعن شعورين متباينين ومثل هذا الاختلاف قائم على مدار الزمان بين قلب مؤمن وقلب لا يعرف الإيمان ويهدد القرآن المستنصرين بأعداء دينهم المتألبين عليهم المنافقين الذين لا يخلصون لله اعتقادهم ولا ولاءهم ولا اعتمادهم يهددهم برجاء الفتح أو أمر الله الذي يفصل في الموقف ; أو يكشف المستور من النفاق فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين وعندئذ عند الفتح سواء كان هو فتح مكة أو كان الفتح بمعنى الفصل أو عند مجيء أمر الله يندم أولئك الذين في قلوبهم مرض على المسارعة والاجتهاد في ولاء اليهود والنصارى وعلى النفاق الذي انكشف أمره وعندئذ يعجب الذين آمنوا من حال المنافقين ويستنكرون ما كانوا فيه من النفاق وما صاروا إليه من الخسران

أعمال وخسرت فئات ونحن على وعد من الله قائم بأن يجيء الفتح كلما استمسكنا بعروة الله وحده ; وكلما أخلصنا الولاء لله وحده وكلما وعينا منهج الله وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا وكلما تحركنا في المعركة على هدى الله وتوجيهه فلم نتخذ لنا وليا إلا الله ورسوله والذين آمنوا الدرس الثاني صفات الذين ينصرون دين الله الجديرين بالولاية وإذ ينتهي السياق من النداء الأول للذين آمنوا أن ينتهوا عن موالاة اليهود والنصارى وأن يحذروا أن يصيروا منهم بالولاء لهم وأن يرتدوا بذلك عن الإسلام وهم لا يشعرون أو لا يقصدون يرسل بالنداء الثاني يهدد من يرتد منهم عن دينه بهذا الولاء أو بسواه من الأسباب بأنه ليس عند الله بشيء وليس بمعجز الله ولا ضار بدينه وأن لدين الله أولياء وناصرين مدخرين في علم الله إن ينصرف هؤلاء يجيء بهؤلاء ويصور ملامح هذه العصبة المختارة المدخرة في علم الله لدينه وهي ملامح محببة جميلة وضيئة ويبين جهة الولاء الوحيدة التي يتجه إليها المسلم بولائه ويختم هذا النداء بتقرير النهاية المحتومة للمعركة التي يخوضها حزب الله مع الأحزاب والتي يتمتع بها من يخلصون ولاءهم لله ولرسوله وللمؤمنين يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون إن تهديد من يرتد عن دينه من الذين آمنوا على هذه الصورة وفي هذا المقام ينصرف ابتداء إلى الربط بين موالاة اليهود والنصارى وبين الارتداد عن الإسلام وبخاصة بعد ما سبق من اعتبار من يتولاهم واحدًا منهم منسلخا من الجماعة المسلمة منضما إليهم ومن يتولهم منكم فإنه منهم وعلى هذا الاعتبار يكون هذا النداء الثاني في السياق توكيدا وتقريرا للنداء الأول يدل على هذا كذلك النداء الثالث الذي يلي هذا النداء والسياق وهو منصب على النهي عن موالاة أهل الكتاب والكفار يجمع بينهم على هذا النحو الذي يفيد أن موالاتهم كموالاة الكفار سواء وأن تفرقة الإسلام في المعاملة بين أهل الكتاب والكفار لا تتعلق بقضية الولاء إنما هي في شئون أخرى لا يدخل فيها الولاء يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم إن اختيار الله للعصبة المؤمنة لتكون أداة القدر الإلهي في إقرار دين الله في الأرض وتمكين سلطانه في حياة البشر وتحكيم منهجه في أوضاعهم وأنظمتهم وتنفيذ شريعته في أقضيتهم وأحوالهم وتحقيق الصلاح والخير والطهارة والنماء في الأرض بذلك المنهج وبهذه الشريعة إن هذا الاختيار للنهوض بهذا الأمر هو مجرد فضل الله ومنته فمن شاء أن يرفض هذا الفضل وأن يحرم نفسه هذه المنة فهو وذاك والله غنى عنه وعن العالمين والله يختار من عباده من يعلم أنه أهل لذلك الفضل العظيم والصورة التي يرسمها للعصبة المختارة هنا صورة واضحة السمات قوية الملامح وضيئة جذابة حبيبة للقلوب فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فالحب والرضى المتبادل هو الصلة بينهم وبين ربهم الحب هذا الروح الساري اللطيف الرفاف المشرق الرائق البشوش هو الذي يربط القوم بربهم الودود وحب الله لعبد من عبيده أمر لا يقدر على إدراك قيمته إلا من يعرف الله سبحانه بصفاته كما وصف نفسه وإلا من وجد إيقاع هذه الصفات في حسه ونفسه وشعوره وكينونته كلها أجل لا يقدر حقيقة هذا العطاء إلا الذي يعرف حقيقة المعطي الذي يعرف من هو الله من هو صانع هذا الكون الهائل وصانع الإنسان الذي يلخص الكون وهو جرم صغير من هو في عظمته ومن هو في قدرته ومن هو في تفرده ومن هو في ملكوته من هو ومن هذا العبد الذي يتفضل الله عليه منه بالحب والعبد من صنع يديه سبحانه وهو الجليل العظيم الحي الدائم الأزلى الأبدي الأول والآخر والظاهر والباطن وحب العبد لربه نعمة لهذا العبد لا يدركها كذلك إلا من ذاقها وإذا كان حب الله لعبد من عبيده أمرا هائلا عظيما وفضلا غامرا جزيلا فإن إنعام الله على العبد بهدايته لحبه وتعريفه هذا المذاق الجميل الفريد الذي الذي لا نظير له في مذاقات الحب كلها ولا شبيه هو إنعام هائل عظيم وفضل غامر جزيل وإذا كان حب الله لعبد من عبيده أمرا فوق التعبير أن يصفه فإن حب العبد لربه أمر قلما استطاعت العبارة أن تصوره إلا في فلتات قليلة من كلام المحبين وهذا هو الباب الذي تفوق فيه الواصلون من رجال التصوف الصادقين وهم قليل من بين ذلك الحشد الذي يلبس مسوح التصوف ويعرف في سجلهم الطويل ولا زالت أبيات رابعة العدوية تنقل إلى حسي مذاقها الصادق لهذا الحب الفريد وهي تقول فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب وهذا الحب من الجليل للعبد من العبيد والحب من العبد للمنعم المتفضل يشيع في هذا الوجود ويسري في هذا الكون العريض وينطبع في كل حي وفي كل شيء فإذا هو جو وظل يغمران هذا الوجود ويغمران الوجود الإنساني كله ممثلا في ذلك العبد المحب المحبوب والتصور الإسلامي يربط بين المؤمن وربه بهذا الرباط العجيب الحبيب وليست مرة واحدة ولا فلتة عابرة إنما هو أصل وحقيقة وعنصر في هذا التصور أصيل إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًا إن ربي رحيم ودود وهو الغفور الودود وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان والذين آمنوا أشد حبا لله قل إن كنم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وغيرها كثير وعجبا لقوم يمرون على هذا كله ليقولوا إن التصور الإسلامي تصور جاف عنيف يصور العلاقة بين الله والإنسان علاقة قهر وقسر وعذاب وعقاب وجفوة وانقطاع لا كالتصور الذي يجعل المسيح ابن الله وأقنوم الإله فيربط بين الله والناس في هذا الازدواج إن نصاعة التصور الإسلامي في الفصل بين حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية لا تجفف ذلك الندى الحبيب بين الله والعبيد فهي علاقة الرحمة كما أنها علاقة العدل وهي علاقة الود كما أنها علاقة التجريد وهي علاقة الحب كما أنها علاقة التنزية إنه التصور الكامل الشامل لكل حاجات الكينونة البشرية في علاقتها برب العالمين وهنا في صفة العصبة المؤمنة المختارة لهذا الدين يرد ذلك النص العجيب يحبهم ويحبونه ويطلق شحنته كلها في هذا الجو الذي يحتاج إليه القلب المؤمن وهو يضطلع بهذا العبء الشاق شاعرا أنه الاختيار والتفضل والقربى من المنعم الجليل ثم يمضي السياق يعرض بقية السمات أذلة على المؤمنين وهي صفة مأخوذة من الطواعية واليسر واللين فالمؤمن ذلول للمؤمن غير عصي عليه ولا صعب هين لين ميسر مستجيب سمح ودود وهذه هي الذلة للمؤمنين وما في الذلة للمؤمنين من مذلة ولا مهانة إنما هي الأخوة ترفع الحواجز وتزيل التكلف وتخلط النفس بالنفس فلا يبقى فيها ما يستعصي وما يحتجز دون الآخرين إن حساسية الفرد بذاته متحوصلة متحيزة هي التي تجعله شموسا عصيا شحيحا على أخيه فأما حين يخلط نفسه بنفوس العصبة المؤمنة معه فلن يجد فيها ما يمنعه وما يستعصي به وماذا يبقى له في نفسه دونهم وقد اجتمعوا في الله إخوانا ; يحبهم ويحبونه ويشيع هذا الحب العلوي بينهم ويتقاسمونه أعزة على الكافرين فيهم على الكافرين شماس وإباء واستعلاء ولهذه الخصائص هنا موضع إنها ليست العزة للذات ولا الاستعلاء للنفس إنما هي العزة للعقيدة والاستعلاء للراية التي يقفون تحتها في مواجهة الكافرين إنها الثقة بأن ما معهم هو الخير وأن دورهم هو أن يطوعوا الآخرين للخير الذي معهم لا أن يطوعوا الآخرين لأنفسهم ولا أن يطوعوا أنفسهم للآخرين وما عند الآخرين ثم هي الثقة بغلبة دين الله على دين الهوى ; وبغلبة قوة الله على تلك القوى ; وبغلبة حزب الله على أحزاب الجاهلية فهم الأعلون حتى وهم ينهزمون في بعض المعارك في أثناء الطريق الطويل يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم فالجهاد في سبيل الله لإقرار منهج الله في الأرض وإعلان سلطانه على البشر وتحكيم شريعته في الحياة لتحقيق الخير والصلاح والنماء للناس هي صفة العصبة المؤمنة التي يختارها الله ليصنع بها في الأرض ما يريد وهم يجاهدون في سبيل الله ; لا في سبيل أنفسهم ; ولا في سبيل قومهم ; ولا في سبيل وطنهم ; ولا في سبيل جنسهم في سبيل الله لتحقيق منهج الله وتقرير سلطانه وتنفيذ شريعته وتحقيق الخير للبشر عامة عن هذا الطريق وليس لهم في هذا الأمر شيء وليس لأنفسهم من هذا حظ إنما هو لله وفي سبيل الله بلا شريك وهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم وفيم الخوف من لوم الناس وهم قد ضمنوا حب رب الناس وفيم الوقوف عند مألوف الناس وعرف الجيل ومتعارف الجاهلية وهم يتبعون سنة الله ويعرضون منهج الله للحياة إنما يخشى لوم الناس من يستمد مقاييسه وأحكامه من أهواء الناس ; ومن يستمد عونه ومدده من عندالناس ; أما من يرجع إلى موازين الله ومقاييسه وقيمه ليجعلها تسيطر على أهواء الناس وشهواتهم وقيمهم ; وأما من يستمد قوته وعزته من قوة الله وعزته فما يبالي ما يقول الناس وما يفعلون كائنا هؤلاء الناس ما كانوا ; وكائنا واقع هؤلاء الناس ما كان وكائنة حضارة هؤلاء الناس وعلمهم وثقافتهم ما تكون إننا نحسب حسابا لما يقول الناس ; ولما يفعل الناس ; ولما يملك الناس ; ولما يصطلح عليه الناس ; ولما يتخذه الناس في واقع حياتهم من قيم واعتبارات وموازين لأننا نغفل أو نسهو عن الأصل الذي يجب أن نرجع إليه في الوزن والقياس والتقويم إنه منهج الله وشريعته وحكمه فهو وحده الحق وكل ما خالفة فهو باطل ; ولو كان عرف ملايين الملايين ولو أقرته الأجيال في عشرات القرون إنه ليست قيمة أي وضع أو أي عرف أو أي تقليد أو أية قيمة أنه موجود ; وأنه واقع ; وأن ملايين البشر يعتنقونه ويعيشون به ويتخذونه قاعدة حياتهم فهذا ميزان لا يعترف به التصور الإسلامي إنما قيمة أي وضع وأي عرف وأي تقليد وأية قيمة أن يكون لها أصل في منهج الله الذي منه وحده تستمد القيم والموازين ومن هنا تجاهد العصبة المؤمنة في سبيل الله ولا تخاف لومة لائم فهذه سمة المؤمنين المختارين ثم إن ذلك الاختيار من الله وذلك الحب المتبادل بينه وبين المختارين وتلك السمات التي يجعلها طابعهم وعنوانهم وهذا الاطمئنان إلى الله في نفوسهم والسير على هداه في جهادهم ذلك كله من فضل الله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يعطي عن سعة ويعطي عن علم وما أوسع هذا العطاء ; الذي يختار الله له من يشاء عن علم وعن تقدير ويحدد الله للذين آمنوا جهة الولاء الوحيدة التي تتفق مع صفة الإيمان ; ويبين لهم من يتولون إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون هكذا على وجه القصر الذي لا يدع مجالا للتمحل أو التأول ; ولا يترك فرصة لتمييع الحركة الإسلامية أو تمييع التصور ولم يكن بد أن يكون الأمر كذلك لأن المسألة في صميمها كما قلنا هي مسألة العقيدة ومسألة الحركة بهذه العقيدة وليكون الولاء لله خالصا والثقة به مطلقة وليكون الإسلام هو الدين وليكون الأمر أمر مفاصلة بين الصف المسلم وسائر الصفوف التي لا تتخذ الإسلام دينا ولا تجعل الإسلام منهجا للحياة ولتكون للحركة الإسلامية جديتها ونظامها ; فلا يكون الولاء فيها لغير قيادة واحدة وراية واحدة ولا يكون التناصر إلا بين العصبة المؤمنة ; لأنه تناصر في المنهج المستمد من العقيدة ولكن حتى لا يكون الإسلام مجرد عنوان أو مجرد راية وشعار أو مجرد كلمة تقال باللسان أو مجرد نسب ينتقل بالوراثة أو مجرد وصف يلحق القاطنين في مكان فإن السياق يذكر بعض السمات الرئيسية للذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون فمن صفتهم إقامة الصلاة لا مجرد أداء الصلاة وإقامة الصلاة تعني أداءها أداء كاملا تنشأ عنه آثارها التي يقررها قوله تعالى إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر والذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يقم الصلاة ; فلو أقامها لنهته كما يقول الله ومن صفتهم إيتاء الزكاة أي أداء حق المال طاعة لله وقربى عن رضى نفس ورغبة فليست الزكاة مجرد ضريبة مالية إنما هي كذلك عبادة أو هي عبادة مالية وهذه هي ميزة المنهج الإسلامي الذي يحقق أهدافا شتى بالفريضة الواحدة وليس كذلك الأنظمة الأرضية التي تحقق هدفا وتفرط في أهداف إنه لا يغني في إصلاح حال المجتمع أن يأخذ المجتمع المال ضريبة مدنية أو أن يأخذ المال من الأغنياء للفقراء باسم الدولة أو باسم الشعب أو باسم جهة أرضية ما فهي في صورتها هذه قد تحقق هدفا واحدا ; وهو إيصال المال للمحتاجين فأما الزكاة فتعني اسمها ومدلولها إنها قبل كل شيء طهارة ونماء إنها زكاة للضمير بكونها عبادة لله وبالشعور الطيب المصاحب لها تجاه الإخوان الفقراء بما أنها عبادة لله يرجو عليها فاعلها حسن الجزاء في الآخرة كما يرجو منها نماء المال في الحياة الدنيا بالبركة وبالنظام الاقتصادي المبارك ثم بالشعور الطيب في نفوس الفقراء الآخذين أنفسهم ; إذ يشعرون أنها فضل الله عليهم إذ قررها لهم في أموال الأغنياء ; ولا يشعرون معها بالحقد والتشفي من إخوانهم الأغنياء مع تذكر أن الأغنياء في النظام الإسلامي لا يكسبون إلا من حلال ولا يجورون على حق أحد وهم يجمعون نصيبهم من المال وفي النهاية تحقق هدف الضريبة المالية في هذا الجو الراضي الخير الطيب جو الزكاة والطهارة والنماء وأداء الزكاة سمة من سمات الذين آمنوا تقرر أنهم يتبعون شريعة الله في شئون الحياة ; فهي إقرار منهم بسلطان الله في أمرهم كله وهذا هو الإسلام وهم راكعون ذلك شأنهم كأنه الحالة الأصلية لهم ومن ثم لم يقف عند قوله يقيمون الصلاة فهذه السمة الجديدة أعم وأشمل إذ أنها ترسمهم للخاطر كأن هذا هو شأنهم الدائم فأبرز سمة لهم هي هذه السمة وبها يعرفون وما أعمق إيحاءات التعبيرات القرآنية في مثل هذه المناسبات والله يعد الذين آمنوا في مقابل الثقة به والالتجاء إليه والولاء له وحده ولرسوله وللمؤمنين بالتبعية ومقابل المفاصلة الكاملة بينهم وبين جميع الصفوف إلا الصف الذي يتمحض لله يعدهم النصر والغلبة ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون وقد جاء هذا الوعد بالغلب بعد بيان قاعدة الإيمان في ذاتها وأنها هي الولاء لله ورسوله وللمؤمنين ; وبعد التحذير من الولاء لليهود والنصارى واعتباره خروجا من الصف المسلم إلى صف اليهود والنصارى وارتدادا عن الدين وهنا لفتة قرآنية مطردة فالله سبحانه يريد من المسلم أن يسلم لمجرد أن الإسلام خير لا لأنه سيغلب أو سيمكن له في الأرض ; فهذه ثمرات تأتي في حينها ; وتأتي لتحقيق قدر الله في التمكين لهذا الدين ; لا لتكون هي بذاتها الإغراء على الدخول في هذا الدين والغلب للمسلمين لا شيء منه لهم لا شيء لذواتهم وأشخاصهم وإنما هو قدر الله يجريه على أيديهم ويرزقهم إياه لحساب عقيدتهم لا لحسابهم فيكون لهم ثواب الجهد فيه ; وثواب النتائج التي تترتب عليه من التمكين لدين الله في الأرض وصلاح الأرض بهذا التمكين كذلك قد يعد الله المسلمين الغلب لتثبيت قلوبهم ; وإطلاقها من عوائق الواقع الحاضر أمامهم وهي عوائق ساحقة في أحيان كثيرة فإذا استيقنوا العاقبة قويت قلوبهم على اجتياز المحنة ; وتخطي العقبة والطمع في أن يتحقق على أيديهم وعد الله للأمة المسلمة فيكون لهم ثواب الجهاد وثواب التمكين لدين الله وثواب النتائج المترتبة على هذا التمكين كذلك يشي ورود هذا النص في هذا المجال بحالة الجماعة المسلمة يومذاك وحاجتها إلى هذه البشريات بذكر هذه القاعدة من غلبة حزب الله مما يرجح ما ذهبنا إليه من تاريخ نزول هذا القطاع من السورة ثم تخلص لنا هذه القاعدة ; التي لا تتعلق بزمان ولا مكان فنطمئن إليها بوصفها سنة من سنن الله التي لا تتخلف وإن خسرت العصبة المؤمنة بعض المعارك والمواقف فالسنة التي لا تنقض هي أن حزب الله هم الغالبون ووعد الله القاطع أصدق من ظواهر الأمور في بعض مراحل الطريق وأن الولاء لله ورسوله والذين آمنوا هو الطريق المؤدي لتحقق وعد الله في نهاية الطريق الدرس الثالث دعوة المسلمين لعدم موالاة الكافرين وبعد فلقد سلك المنهج القرآني في هذا السياق طرقا منوعة لنهي الذين آمنوا عن تولي المخالفين لهم في عقيدتهم من أهل الكتاب والمشركين ولتقرير هذه القاعدة الإيمانية في ضمائرهم وإحساسهم وعقولهم مما يدل على أهمية هذه القاعدة في التصور الإسلامي ; وفي الحركة الإسلامية على السواء وقد رأينا من قبل أنه سلك في النداء الأول طريق النهي المباشر وطريق التخويف من أن يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده فينكشف ستر المنافقين وسلك في النداء الثاني طريق التحذير من الردة بموالاة أعداء الله ورسوله والمؤمنين ; وطريق التحبيب في أن يكونوا من العصبة المختارة ممن يحبهم الله ويحبونه ; وطريق الوعد بالنصر لحزب الله الغالب فالآن نجده في النداء الثالث في هذا الدرس للذين آمنوا يثير في نفوسهم الحمية لدينهم ولعبادتهم ولصلاتهم التي يتخذها أعداؤهم هزوا ولعبا ونجده يسوي في النهي عن الموالاة بين أهل الكتاب والكفار وينوط هذا النهي بتقوى الله ; ويعلق على الاستماع إليه صفة الإيمان ; ويقبح فعلة الكفار وأهل الكتاب ويصفهم بأنهم لا يعقلون يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون وهي ملابسة مثيرة لكل من له حمية المؤمن ; الذي لا يرى لنفسه كرامة إذا أهين دينه وأهينت عبادته وأهينت صلاته واتخذ موقفه بين يدي ربه مادة للهزء واللعب فكيف يقوم ولاء بين الذين آمنوا وبين أحد من هؤلاء الذين يرتكبون هذه الفعلة ; ويرتكبونها لنقص في عقولهم فما يستهزى ء بدين الله وعبادة المؤمنين به إنسان سوي العقل ; فالعقل حين يصح ويستقيم يرى في كل شيء من حوله موحيات الإيمان بالله وحين يختل وينحرف لا يرى هذه الموحيات لأنه حينئذ تفسد العلاقات بينه وبين هذا الوجود كله فالوجود كله يوحي بأن له إلها يستحق العبادة والتعظيم والعقل حين يصح ويستقيم يستشعر جمال العبادة لإله الكون وجلالها كذلك فلا يتخذها هزوا ولعبا وهو صحيح مستقيم ولقد كان هذا الاستهزاء واللعب يقع من الكفار كما كان يقع من اليهود خاصة من أهل الكتاب في الفترة التي كان هذا القرآن يتنزل فيها على قلب رسول الله ص للجماعة المسلمة في ذلك الحين ولم نعرف من السيرة أن هذا كان يقع من النصارى ولكن الله سبحانه كان يضع للجماعة المسلمة قاعدة تصورها ومنهجها وحياتها الدائمة وكان الله سبحانه يعلم ما سيكون على مدار الزمان مع أجيال المسلمين وها نحن أولاء رأينا ونرى أن أعداء هذا الدين وأعداء الجماعة المسلمة على مدار التاريخ أمس واليوم من الذين قالوا إنهم نصارى كانوا أكثر عددا من اليهود ومن الكفار مجتمعين فهؤلاء كهؤلاء قد ناصبوا الإسلام العداء وترصدوه القرون تلو القرون وحاربوه حربا لا هوادة فيها منذ أن اصطدم الإسلام بالدولة الرومانية على عهد أبى بكر وعمر رضي الله عنهما حتى كانت الحروب الصليبية ; ثم كانت المسألة الشرقية التي تكتلت فيها الدول الصليبية في أرجاء الأرض للإجهاز على الخلافة ; ثم كان الاستعمار الذي يخفي الصليبية بين أضلاعه فتبدو في فلتات لسانه ; ثم كان التبشير الذي مهد للاستعمار وسانده ; ثم كانت وما تزال تلك الحرب المشبوبة على كل طلائع البعث الإسلامي في أي مكان في الأرض وكلها حملات يشترك فيها اليهود والنصارى والكفار والوثنيون وهذا القرآن جاء ليكون كتاب الأمة المسلمة في حياتها إلى يوم القيامة الكتاب الذي يبني تصورها الاعتقادي كما يبني نظامها الاجتماعي كما يبني خطتها الحركية سواء وها هو ذا يعلمها ألا يكون ولاؤها إلا لله ولرسوله وللمؤمنين ; وينهاها أن يكون ولاؤها لليهود والنصارى والكافرين ويجزم ذلك الجزم الحاسم في هذه القضية ويعرضها هذا العرض المنوع الأساليب إن هذا الدين يأمر أهله بالسماحة وبحسن معاملة أهل الكتاب ; والذين قالوا إنهم نصارى منهم خاصة ولكنه ينهاهم عن الولاء لهؤلاء جميعا لأن السماحة وحسن المعاملة مسألة خلق وسلوك أما الولاء فمسألة عقيدة ومسألة تنظيم إن الولاء هو النصرة هو التناصر بين فريق وفريق ; ولا تناصر بين المسلمين وأهل الكتاب كما هو الشأن في الكفار لأن التناصر في حياة المسلم هو كما أسلفنا تناصر في الدين ; وفي الجهاد لإقامة منهجه ونظامه في حياة الناس ; ففيم يكون التناصر في هذا بين المسلم وغير المسلم وكيف يكون إنها قضية جازمة حاسمة لا تقبل التميع ولا يقبل الله فيها إلا الجد الصارم ; الجد الذي يليق بالمسلم في شأن الدين الدرس الرابع بيان حقيقة كفر أهل الكتاب ونقمتهم على المسلمين وحين تتم النداءات الثلاثة للذين آمنوا يتوجه الخطاب إلى الرسول ص ليواجه أهل الكتاب فيسألهم ماذا ينقمون من الجماعة المسلمة وهل ينقمون منها إلا الإيمان بالله وما أنزل إلى أهل الكتاب ; وما أنزله الله للمسلمين بعد أهل الكتاب هل ينقمون إلا أن المسلمين يؤمنون وأنهم هم أهل الكتاب أكثرهم فاسقون وهي مواجهة مخجلة ولكنها كذلك كاشفة وحاسمة ومحددة لأصل العداوة ومفرق الطريق قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل إن هذا السؤال الذي وجه الله رسوله إلى توجيهه لأهل الكتاب هو من ناحية سؤال تقريري لإثبات ما هو واقع بالفعل منهم ; وكشف حقيقة البواعث التي تدفع بهم إلى موقفهم من الجماعة المسلمة ودينها وصلاتها وهو من ناحية سؤال استنكاري لاستنكار هذا الواقع منهم واستنكار البواعث الدافعة عليه وهو في الوقت ذاته توعية للمسلمين وتنفير لهم من موالاة القوم وتقرير لما سبق في النداءات الثلاثة من نهي عن هذه الموالاة وتحذير إن أهل الكتاب لم يكونوا ينقمون على المسلمين في عهد الرسول ص وهم لا ينقمون اليوم على طلائع البعث الإسلامي إلا أن هؤلاء المسلمين يؤمنون بالله ; وما أنزله الله إليهم من قرآن ; وما صدق عليه قرآنهم مما أنزله الله من قبل من كتب أهل الكتاب إنهم يعادون المسلمين لأنهم مسلمون لأنهم ليسوا يهودا ولا نصارى ولأن أهل الكتاب فاسقون منحرفون عما أنزله الله إليهم ; وآية فسقهم وانحرافهم أنهم لا يؤمنون بالرسالة الأخيرة وهي مصدقة لما بين أيديهم لا ما ابتدعوه وحرفوه ولا يؤمنون بالرسول الأخير وهو مصدق لما بين يديه ; معظم لرسل الله أجمعين إنهم يحاربون المسلمين هذه الحرب الشعواء ; التي لم تضع أوزارها قط ولم يخب أوارها طوال ألف وأربعمائة عام ; منذ أن قام للمسلمين كيان في المدينة ; وتميزت لهم شخصية ; وأصبح لهم وجود مستقل ; ناشى ء من دينهم المستقل وتصورهم المستقل ونظامهم المستقل في ظل منهج الله الفريد إنهم يشنون على المسلمين هذه الحرب المشبوبة لأنهم قبل كل شيء مسلمون ولا يمكن أن يطفئوا هذه الحرب المشبوبة إلا أن يردوا المسلمين عن دينهم ; فيصبحوا غير مسلمين ذلك أن أهل الكتاب أكثرهم فاسقون ; ومن ثم لا يحبون المستقيمين الملتزمين من المسلمين والله سبحانه يقرر هذه الحقيقة في صورة قاطعة وهو يقول لرسوله ص في السورة الأخرى ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ويقول له في هذه السورة أن يواجه أهل الكتاب بحقيقة بواعثهم وركيزة موقفهم قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله ; وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون وهذه الحقيقة التي يقررها الله سبحانه في مواضع كثيرة من كلامه الصادق المبين هي التي يريد تمييعها وتلبيسها وتغطيتها وإنكارها اليوم كثيرون من أهل الكتاب وكثيرون ممن يسمون أنفسهم مسلمين باسم تعاون المتدينين في وجه المادية والإلحاد كما يقولون أهل الكتاب يريدون اليوم تمييع هذه الحقيقة بل طمسها وتغطيتها لأنهم يريدون خداع سكان الوطن الإسلامي أو الذي كان إسلاميا بتعبير أصح وتخدير الوعي الذي كان قد بثه فيهم الإسلام بمنهجه الرباني القويم ذلك أنه حين كان هذا الوعي سليما لم يستطع الاستعمار الصليبي أن يقف للمد الإسلامي فضلا على أن يستعمر الوطن الإسلامي ولم يكن بد لهؤلاء بعد فشلهم في الحروب الصليبية السافرة وفي حرب التبشير السافرة كذلك أن يسلكوا طريق الخداع والتخدير فيتظاهروا ويشيعوا بين ورثة المسلمين أن قضية الدين والحرب الدينية قد انتهت وأنها كانت مجرد فترة تاريخية مظلمة عاشتها الأمم جميعا ثم تنور العالم و تقدم فلم يعد من الجائز ولا اللائق ولا المستساغ أن يقوم الصراع على أساس العقيدة وأنما الصراع اليوم على المادة على الموارد والأسواق والاستغلالات فحسب وإذن فما يجوز للمسلمين أو ورثة المسلمين أن يفكروا في الدين ولا في صراع الدين وحين يطمئن أهل الكتاب وهم الذين يستعمرون أوطان المسلمين إلى استنامة هؤلاء لهذا التخدير ; وحين تتميع القضية في ضمائرهم ; فإن المستعمرين يأمنون غضبة المسلمين لله ; وللعقيدة الغضبة التي لم يقفوا لها يوما ويصبح الأمر سهلا بعد التنويم والتخدير ولا يكسبون معركة العقيدة وحدها بل يكسبون معها ما وراءها من الأسلاب والمغانم والاستثمارات والخامات ; ويغلبون في معركة المادة بعدما يغلبون في معركة العقيدة فهما قريب من قريب وعملاء أهل الكتاب في الوطن الإسلامي ممن يقيمهم الاستعمار هنا وهناك علانية أو في خفية يقولون القول نفسه لأنهم عملاء يؤدون الدور من داخل الحدود وهؤلاء يقولون عن الحروب الصليبية ذاتها إنها لم تكن صليبية ويقولون عن المسلمين الذين خاضوها تحت راية العقيدة إنهم لم يكونوا مسلمين وإنما هم كانوا قوميين وفريق ثالث مستغفل مخدوع ; يناديه أحفاد الصليبين في الغرب المستعمر أن تعالوا إلينا تعالوا نجتمع في ولاء ; لندفع عن الدين غائلة الملحدين فيستجيب هذا الفريق المستغفل المخدوع ; ناسيا أن أحفاد الصلييبين هؤلاء وقفوا في كل مرة مع الملحدين ; صفا واحدا حينما كانت المواجهة للمسلمين على مدار القرون وما يزالون وأنهم لا يعنيهم حرب المادية الالحادية قدر ما تعنيهم حرب الإسلام ذلك أنهم يعرفون جيدا أن الإلحادية المادية عرض طارى ء وعدو موقوت ; وأن الإسلام أصل ثابت وعدو مقيم وإنما هذه الدعوة المموهة لتمييع اليقظة البادئة عند طلائع البعث الإسلامي ; وللانتفاع بجهد المستغفلين المخدوعين في الوقت ذاته ليكونوا وقود المعركة مع الملحدين لأنهم أعداء الاستعمار السياسيون وهؤلاء كهؤلاء حرب على الإسلام والمسلمين حرب لا عدة فيها للمسلم إلا ذلك الوعي الذي يربيه عليه المنهج الرباني القويم إن هؤلاء الذين تخدعهم اللعبة أو يتظاهرون بالتصديق فيحسبون أهل الكتاب جادين إذ يدعونهم للتضامن والولاء في دفع الإلحاد عن الدين إنما ينسون واقع التاريخ في أربعة عشر قرنا لا استثناء فيها كما ينسون تعليم ربهم لهم في هذا الأمر بالذات وهو تعليم لا مواربة فيه ولا مجال للحيدة عنه وفي النفس ثقة بالله ويقين بجدية ما يقول إن هؤلاء يجتزئون فيما يقولون ويكتبون بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تأمر المسلمين أن يحسنوا معاملة أهل الكتاب ; وأن يتسامحوا معهم في المعيشة والسلوك ويغفلون التحذيرات الحاسمة عن موالاتهم ; والتقريرات الواعية عن بواعثهم والتعليمات الصريحة عن خطة الحركة الإسلامية وخطة التنظيم التي تحرم التناصر والموالاة لأن التناصر والموالاة لا يكونان عند المسلم إلا في شأن الدين وإقامة منهجه ونظامه في الحياة الواقعية وليست هناك قاعدة مشتركة يلتقي عليها المسلم مع أهل الكتاب في شأن دينه مهما يكن هناك من تلاق في أصول هذه الأديان مع دينه قبل تحريفها إذ هم لا ينقمون منه إلا هذا الدين ولا يرضون عنه إلا بترك هذا الدين كما يقول رب العالمين إن هؤلاء ممن يجعلون القرآن عضين ; يجزئونه ويمزقونه فيأخذون منه ما يشاءون مما يوافق دعوتهم الغافلة الساذجة على فرض براءتها ويدعون منه ما لا يتفق مع اتجاههم الغافل أو المريب ونحن نؤثر أن نسمع كلام الله في هذه القضية على أن نسمع كلام المخدوعين أو الخادعين وكلام الله سبحانه في هذه القضية حاسم واضح صريح مبين ونقف وقفة قصيرة في هذا الموضع عند قوله تعالى بعد تقرير أن سبب النقمة هو الإيمان بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل أن بقية السبب وأن أكثركم فاسقون فهذا الفسق هو شطر الباعث فالفسق يحمل صاحبه على النقمة من المستقيم وهي قاعدة نفسية واقعية ; تثبتها هذه اللفتة القرآنية العجيبة إن الذي يفسق عن الطريق وينحرف لا يطيق أن يرى المستقيم على النهج الملتزم إن وجوده يشعره دائما بفسقه وانحرافه إنه يتمثل له شاهدا قائما على فسقه هو وانحرافه ومن ثم يكرهه وينقم عليه يكره استقامته وينقم منه التزامه ; ويسعى جاهدا لجره إلى طريقه ; أو للقضاء عليه إذا استعصى قياده إنها قاعدة مطردة تتجاوز موقف أهل الكتاب من الجماعة المسلمة في المدينة إلى موقف أهل الكتاب عامة من المسلمين عامة إلى موقف كل فاسق منحرف من كل عصبة ملتزمة مستقيمة والحرب المشبوبة دائما على الخيرين في مجتمع الأشرار وعلى المستقيمين في مجتمع الفاسقين وعلى الملتزمين في مجتمع المنحرفين هذه الحرب أمر طبيعي يستند إلى هذه القاعدة التي يصورها النص القرآني العجيب ولقد علم الله سبحانه أن الخير لا بد أن يلقى النقمة من الشر وأن الحق لا بد أن يواجه العداء من الباطل وأن الاستقامة لا بد أن تثير غيظ الفساق وأن الالتزام لا بد أن يجر حقد المنحرفين وعلم الله سبحانه أن لا بد للخير والحق والاستقامة والالتزام أن تدفع عن نفسها وأن تخوض المعركة الحتمية مع الشر والباطل والفسق والانحراف وأنها معركة لا خيار فيها ولا يملك الحق ألا يخوضها في وجه الباطل لأن الباطل سيهاجمه ولا يملك الخير أن يتجنبها لأن الشر لا بد سيحاول سحقه وغفلة أي غفلة أن يظن أصحاب الحق والخير والاستقامة والالتزام أنهم متروكون من الباطل والشر والفسق والانحراف ; وأنهم يملكون تجنب المعركة ; وأنه يمكن أن تقوم هناك مصالحة أو مهادنة وخير لهم أن يستعدوا للمعركة المحتومة بالوعي والعدة ; من أن يستسلموا للوهم والخديعة وهم يومئذ مأكولون مأكولون ثم نمضي مع السياق القرآني في توجيه الله سبحانه لرسوله ص لمواجهة أهل الكتاب بعد تقرير بواعثهم واستنكار هذه البواعث في النقمة على المسلمين فإذا هو يجبههم بتاريخ لهم قديم وشأن لهم مع ربهم وعقاب أليم قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل وهنا تطالعنا سحنة يهود وتاريخ يهود إنهم هم الذين لعنهم الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير إنهم هم الذين عبدوا الطاغوت وقصة لعنة الله لهم وغضبه عليهم واردة في مواضع شتى من القرآن الكريم ; وكذلك قصة جعله منهم القردة والخنازير فأما قضية عبادتهم للطاغوت فتحتاج إلى بيان هنا لأنها لفتة ذات دلالة خاصة في سياق هذه السورة إن الطاغوت هو كل سلطان لا يستمد من سلطان الله وكل حكم لا يقوم على شريعة الله وكل عدوان يتجاوز الحق والعدوان على سلطان الله وألوهيته وحاكميته هو أشنع العدوان وأشده طغيانا وأدخله في معنى الطاغوت لفظا ومعنى وأهل الكتاب لم يعبدوا الأحبار والرهبان ; ولكن اتبعوا شرعهم وتركوا شريعة الله فسماهم الله عبادا لهم ; وسماهم مشركين وهذه اللفتة هنا ملحوظ فيها ذلك المعنى الدقيق فهم عبدوا الطاغوت أي السلطات الطاغية المتجاوزة لحقها وهم لم يعبدوها بمعنى السجود لها والركوع ولكنهم عبدوها بمعنى الاتباع والطاعة وهي عبادة تخرج صاحبها من عبادة الله ومن دين الله والله سبحانه يوجه رسوله ص لمجابهة أهل الكتاب بهذا التاريخ وبذلك الجزاء الذي استحقوه من الله على هذا التاريخ كأنما هم جيل واحد بما أنهم جبلة واحدة يوجهه ليقول لهم إن هذا شر عاقبة قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله أي شر من نقمة أهل الكتاب على المسلمين وما يكيدون لهم وما يؤذونهم بسبب إيمانهم وأين نقمة البشر الضعاف من نقمة الله وعذابه وحكمه على أهل الكتاب بالشر والضلال عن سواء السبيل أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل الدرس الخامس نماذج من كفريات وتلاعب اليهود ويمضي السياق في التنفير من موالاتهم بعرض صفاتهم وسماتهم بعد عرض تاريخهم وجزائهم ويجيء التحذير والتوعي ة منهم بكشف ما يبيتون ويبرز اليهود كذلك في الصورة لأن الحديث عن وقائع جارية ومعظم الشر كان يجيء من قبل يهود وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ; بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين إنها عبارات تنشى ء صورا متحركة مشاهد حية على طريقة التعبير القرآنية الفريدة ومن وراء القرون يملك قارى ء هذه الآيات أن يشهد بعين التصور هؤلاء القوم الذين يتحدث عنهم القرآن من يهود على الأرجح فالسياق يتحدث عنهم وإن كان من الجائز أنه يعني كذلك بعض المنافقين في المدينة يشهدهم يجيئون للمسلمين فيقولون آمنا ويشهد في جعبتهم الكفر وهم يدخلون به ويخرجون ; بينما ألسنتهم تقول غير ما في الجعبة من كفر يحملونه داخلين خارجين ولعلهم من يهود أولئك الذين كانوا يبيتون البلبلة وهم يقولون بعضهم لبعض آمنوا بهذا القرآن وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون أي لعل المسلمين يرجعون عن دينهم بسبب هذه البلبلة والتشكيك الخبيث اللئيم والله أعلم بما كانوا يكتمون

يقولها الله سبحانه لأنها الحقيقة ; ثم لكي يطمئن المؤمنون إلى كلاءة ربهم لهم وحفظهم من كيد عدوهم ; وإحاطته علما بهذا الكيد المكتوم ثم ليهدد أصحاب هذا الكيد لعلهم ينتهون ويمضي السياق يرسم حركاتهم كأنها منظورة تشهد وتلحظ من خلال التعبير وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون والمسارعة مفاعلة تصور القوم كأنما يتسابقون تسابقا في الإثم والعدوان وأكل الحرام وهي صورة ترسم للتبشيع والتشنيع ولكنها تصور حالة من حالات النفوس والجماعات حين يستشري فيها الفساد ; وتسقط القيم ; ويسيطر الشر وإن الإنسان لينظر إلى المجتمعات التي انتهت إلى مثل هذه الحال فيرى كأنما كل من فيها يتسابقون إلى الشر إلى الإثم والعدوان قويهم وضعيفهم سواء فالإثم والعدوان في المجتمعات الهابطة الفاسدة لا يقتصران على الأقوياء ; بل يرتكبهما كذلك الضعفاء فحتى هؤلاء ينساقون في تيار الإثم وحتى هؤلاء يملكون الاعتداء ; إنهم لا يملكون الاعتداء على الأقوياء طبعا ولكن يعتدي بعضهم على بعض ويعتدون على حرمات الله لأنها هي التي تكون في المجتمعات الفاسدة الحمى المستباح الذي لا حارس له من حاكم ولا محكوم ; فالإثم والعدوان طابع المجتمع حين يفسد ; والمسارعة فيهما عمل هذه المجتمعات وكذلك كان مجتمع يهود في تلك الأيام وكذلك أكلهم للحرام فأكل الحرام كذلك سمة يهود في كل آن لبئس ما كانوا يعملون ويشير السياق إلى سمة أخرى من سمات المجتمعات الفاسدة ; وهو يستنكر سكوت الربانيين القائمين على الشريعة والأحبار القائمين على أمر العلم الديني سكوتهم على مسارعة القوم في الإثم والعدوان وأكل السحت ; وعدم نهيهم عن هذا الشر الذي يتسابقون فيه لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون فهذه السمة سمة سكوت القائمين على أمر الشريعة والعلم الديني عما يقع في المجتمع من إثم وعدوان هي سمة المجتمعات التي فسدت وآذنت بالانهيار وبنو إسرائيل كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه كما حكى عنهم القرآن الكريم إن سمة المجتمع الخير الفاضل الحي القوي المتماسك أن يسود فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يوجد فيه من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ; وأن يوجد فيه من يستمع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; وأن يكون عرف المجتمع من القوة بحيث لا يجرؤ المنحرفون فيه على التنكر لهذا الأمر والنهي ولا على إيذاء الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر وهكذا وصف الله الأمة المسلمة فقال كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ووصف بني إسرائيل فقال كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه فكان ذلك فيصلا بين المجتمعين وبين الجماعتين أما هنا فينحي باللائمة على الربانيين والأحبار الساكتين على المسارعة في الإثم والعدوان وأكل السحت ; الذين لا يقومون بحق ما استحفظوا عليه من كتاب الله وإنه لصوت النذير لكل أهل دين فصلاح المجتمع أو فساده رهن بقيام الحفظة على الشريعة والعلم فيه بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; والأمر كما قلنا من قبل في الظلال يقتضي سلطة تأمر وتنهى والأمر والنهي أمر غير الدعوة فالدعوة بيان والأمر والنهي سلطان وكذلك ينبغي أن يحصل الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر على السلطان الذي يجعل لأمرهم ونهيهم قيمته في المجتمع ; فلا يكون مطلق كلام وكنموذج من قولهم الإثم في أبشع صوره يحكي القرآن الكريم قول اليهود الغبي اللئيم وقالت اليهود يد الله مغلوله غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وذلك من سوء تصور يهود لله سبحانه فقد حكى القرآن الكريم الكثير من سوء تصورهم ذاك وقد قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء عندما سئلوا النفقة وقالوا يد الله مغلولة يعللون بذلك بخلهم ; فالله بزعمهم لا يعطي الناس ولا يعطيهم إلا القليل فكيف ينفقون وقد بلغ من غلظ حسهم وجلافة قلوبهم ألا يعبروا عن المعنى الفاسد الكاذب الذي أرادوه وهو البخل بلفظه المباشر ; فاختاروا لفظا أشد وقاحة وتهجما وكفرا فقالوا يد الله مغلولة ويجيء الرد عليهم بإحقاق هذه الصفة عليهم ولعنهم وطردهم من رحمة الله جزاء على قولهم غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا وكذلك كانوا فهم أبخل خلق الله بمال ثم يصحح هذا التصور الفاسد السقيم ; ويصف الله سبحانه بوصفه الكريم وهو يفيض على عباده من فضله بلا حساب بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وعطاياه التي لا تكف ولا تنفد لكل مخلوق ظاهرة للعيان شاهدة باليد المبسوطة والفضل الغامر والعطاء الجزيل ناطقة بكل لسان ولكن يهود لا تراها ; لأنها مشغولة عنها باللم والضم وبالكنود وبالجحود وبالبذاءة حتى في حق الله ويحدث الله رسوله ص عما سيبدو من القوم وعما سيحل بهم بسبب حقدهم وغيظهم من اصطفاء الله له بالرسالة ; وبسبب ما تكشفه هذه الرسالة من أمرهم في القديم والحديث وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرًا فبسبب من الحقد والحسد وبسبب من افتضاح أمرهم فيما أنزل الله إلى رسوله سيزيد الكثيرون منهم طغيانا وكفرا لأنهم وقد أبوا الإيمان لا بد أن يشتطوا في الجانب المقابل ; ولا بد أن يزيدوا تبجحا ونكرا وطغيانا وكفرا فيكون الرسول ص رحمة للمؤمنين ووبالا عن المنكرين ثم يحدثه عما قدر الله لهم من التعادي والتباغض فيما بينهم ; ومن إبطال كيدهم وهو في أشد سعيره تلهبا ; ومن عودتهم بالخيبة فيما يشنونه من حرب على الجماعة المسلمة وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفاها الله وما تزال طوائف اليهود متعادية وإن بدا في هذه الفترة أن اليهودية العالمية تتساند ; وتوقد نار الحرب على البلاد الإسلامية وتفلح ولكن ينبغي ألا ننظر إلى فترة قصيرة من الزمان ولا إلى مظهر لا يشتمل على الحقيقة كاملة ففي خلال ألف وثلاثمائة عام بل من قبل الإسلام واليهود في شحناء وفي ذل كذلك وتشرد ومصيرهم إلى مثل ما كانوا فيه مهما تقم حولهم الأسناد ولكن مفتاح الموقف كله في وجود العصبة المؤمنة التي يتحقق لها وعد الله فأين هي العصبة المؤمنة اليوم التي تتلقى وعد الله وتقف ستارا لقدر الله ويحقق الله بها في الأرض ما يشاء ويوم تفيء الأمة المسلمة إلى الإسلام تؤمن به على حقيقته ; وتقيم حياتها كلها على منهجه وشريعته يومئذ يحق وعد الله على شر خلق الله واليهود يعرفون هذا ومن ثم يسلطون كل ما في جعبتهم من شر وكيد ; ويصبون كل ما في أيديهم من بطش وفتك على طلائع البعث الإسلامي في كل شبر من الأرض ويضربون لا بأيديهم ولكن بأيدي عملائهم ضربات وحشية منكرة ; لا ترعى في العصبة المؤمنة إلا ولا ذمة ولكن الله غالب على أمره ووعد الله لا بد أن يتحقق وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله إن هذا الشر والفساد الذي تمثله يهود لا بد أن يبعث الله عليه من يوقفه ويحطمه ; فالله لا يحب الفساد في الأرض ; وما لا يحبه الله لا بد أن يبعث عليه من عباده من يزيله ويعفي عليه ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين

----------------

كلمات في الولاء والبراء

 

رئيسي :عقائد :الأحد 24 ذو الحجة 1424هـ - 15 فبراير 2004م

من الانحرافات الظاهرة التي تبدو طافية على السطح في مثل هذه الأيام ما نسمعه ونقرؤه من نشاط محموم ومكثف من أجل إقامة 'السلام' مع يهود، وإنهاء الصراع معهم في ظل الوفاق الدولي .

ومن جانب آخر نشاهد كثرة ما يعقد في الساحة من مؤتمرات وملتقيات للتقارب بين الأديان ! والحوار والزمالة - بالذات - بين الإسلام والنصرانية.

وتلحظ على هؤلاء المشاركين في تلك المؤتمرات ممن يحسبون من أهل الإسلام هزيمة بالغة في نفوسهم، وحبّاً للدعة والراحة، وكرهاً للجهاد وتوابعه، فالإسلام: دين السلام والوئام و'التعايش السلمي'! حتى قال أحدهم:' هيئة الأمم المتحدة تأخذ بالحل الإسلامي لمعالجة المشكلات التي تواجه الإنسانية![ د. معروف الدواليبي / انظر جريدة العالم الإسلامي بمكة عدد 1243 . وانظر دور هيئة الأمم في إسقاط عقيدة الولاء في كتاب الجهاد للعلياني ] . كما تلمس من كلامهم: استعداداً كاملاً للارتماء في أحضان الغرب.. فضلاً عن جهلهم المركب بعقيدة الإسلام الصحيح، ومن أهمها عقيدة الولاء والبراء.

وهذه المخططات حلقة من حلقات تستهدف القضاء على عقيدة: 'البراءة من الكفار وبغضهم'. إضافة إلى كيد المبتدعة من الباطنيين وأشباههم. ومع هذه الحملة الشرسة والمنظمة من أجل 'مسخ ' عقيدة البراء فإنك ترى - في الوقت نفسه - الفرقة والشحناء بين الدعاة المنتسبين لأهل السنة.

ولأجل هذا وذاك، أحببت أن أؤكد على موضوع الولاء والبراء من خلال النقاط التالية:

1- إن الولاء والبراء من الإيمان، بل هو شرط من الإيمان: كما قال سبحانه:{ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ[80]وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ[81]}[سورة المائدة].

يقول ابن تيمية عن هذه الآية :'فذكر جملة شرطية تقتضي أن إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف 'لو' التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال:{وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ...[81]}[سورة المائدة]. فدل ذلك على: أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، لا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودلَّ ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي، وما أنزل إليه..'[ من كتاب الإيمان ص 14].

والولاء والبراء أوثق عرى الإيمان: كما قال صلى الله عليه وسلم: [أَوْثَق عُرَى الْإِيمَان الْحُبّ فِي اللَّه وَالْبُغْض فِي اللَّه] رواه أحمد-بنحوه- والحاكم . يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب:'فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله...ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان'[ من رسالته أوثق عرى الإيمان ص 38] .وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: [أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتُنَاصِحَ الْمُسْلِمِينَ وَتُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ]رواه النسائي وأحمد . وتأمل معي هذه العبارة الرائعة التي سطرها أبو الوفاء بن عقيل [ت 513 ه]:

'إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون كفراً... وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب'[من الآداب الشرعية لابن مفلح 1/268] .

2-  الولاء معناه المحبة والمودة والقرب، والبراء هو البغض والعداوة والبعد: والولاء والبراء أمر قلبي في أصله، لكن يظهر على اللسان والجوارح، فالولاء لا يكون إلا لله، ورسوله، وللمؤمنين، كما قال سبحانه:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا...[55]}[سورة المائدة]. فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم، ونصرتهم، والإشفاق عليهم، والنصح لهم، والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيارة مريضهم، وتشييع ميتهم، ومواساتهم وإعانتهم، والسؤال عن أحوالهم، وغير ذلك من وسائل تحقيق هذا الولاء .

والبراءة من الكفار تكون: ببغضهم - ديناً - وعدم بدئهم بالسلام، وعدم التذلل لهم أو الإعجاب بهم، والحذر من التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم - شرعاً - وجهادهم بالمال واللسان والسنان، والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وغير ذلك من مقتضيات البراءة منهم [انظر تفصيل ذلك في كتاب:' الولاء والبراء' للقحطاني، وكتاب:'الموالاة والمعاداة' للجلعود].

3- أهل السنة يرحمون الخلق ويعرفون الحق: فهم أحسن الناس للناس، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، وهم في وئام تام، وتعاطف وتناصح وإشفاق كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، حتى قال أحد أيوب السَّخِتْياني:'إنه ليبلغني عن الرجل من أهل السنة أنه مات، فكأنما فقدت بعض أعضائي'[ 'الحجة في بيان المحجة' للأصفهاني-قوام السنة- : 2/487] .

ولذا قال قوام السنة إسماعيل الأصفهاني: 'وعلى المرء محبة أهل السنة في أي موضع كانوا؛ رجاء محبة الله له، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ] رواه مالك وأحمد. وعليه بغض أهل البدع في أي موضع كانوا حتى يكون ممن أحب في الله وأبغض في الله'[المرجع السابق 2/501] . وهذا الولاء فيما بين أهل السنة، إنما هو بسبب وحدة منهجهم، واتحاد طريقتهم في التلقي والاستدلال، والعقيدة والشريعة والسلوك .

4- الكفار هم أعداؤنا قديماً وحديثاً سواء كانوا كفاراً أصليين كاليهود والنصارى، أو مرتدين: قال تعالى:{ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً...[28]}[سورة آل عمران].فهذه حقيقة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وهي أن الكفار دائماً وأبداً هم أعداؤنا وخصومناً، كما قرر ذلك سبحانه فقال عنهم:{لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً...[10]}[سورة التوبة].  وقال تعالى:{ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ...[105]}[سورة البقرة].

وقال سبحانه:{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ...[109]} [سورة البقرة].

هكذا حذر الله من الكفار:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[14]}[سورة الملك]. ولكي يطمئن قلبك؛ فانظر إلى التاريخ في القديم والحديث، وما فعله الكفار في الماضي، وما يفعلونه في هذه الأيام، وما قد يفعلونه مستقبلاً . ورحم الله ابن القيم عندما عقد فصلاً، فقال:'فصل: في سياق الآيات الدالة على غش أهل الذمة للمسلمين، وعداوتهم وخيانتهم، وتمنيهم السوء لهم، ومعاداة الرب تعالى لمن أعزهم، أو والاهم، أو ولاّهم أمر المسلمين'[أحكام أهل الذمة 1/238] .

5- إن الناس في ميزان الولاء والبراء على ثلاثة أصناف:

فأهل الإيمان والصلاح: يجب علينا أن نحبهم ونواليهم .

وأهل الكفر والنفاق: يجب بغضهم والبراءة منهم.

وأما من خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً: فالواجب أن نحبهم ونواليهم لما لهم من إيمان، وفي الوقت نفسه نبغضهم ونعاديهم لما تلبسوا به من معاصٍ وفجور . وذلك لأن الولاء والبراء من الإيمان، والإيمان عند أهل السنة ليس شيئاً واحداً لا يقبل التبعيض والتجزئة، فهو يتبعض لأنه شعب متعددة كما جاء في الحديث .

6- موالاة الكفار ذات شعب متعددة، وصور متنوعة: وكما قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله:'مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة، منها ما يوجب الردة وذهاب الإسلام بالكلية.. ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات'[الدرر السنية 7/159] .

فمن شعب موالاة الكفار، التي توجب الخروج من الملة:

مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين: كما قال سبحانه:{...وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ...[51]}[سورة المائدة].

ومنها:عدم تكفير الكفار، أو التوقف في كفرهم، أو الشك فيه، أو تصحيح مذهبهم[انظر الشفا لعياض 2/1071]: فما بالك بحال من يدافع عنهم، ويصفهم بأنهم إخواننا في الإنسانية - إن كانوا ملاحدة، أو وثنيين - ، أو 'أشقاؤنا' - إن كانوا يهوداً أو نصارى - فالجميع في زعمهم على ملة إبراهيم عليه السلام!

7- من أعظم ثمرات القيام بهذا الأصل:

تحقيق أوثق عرى الايمان، والفوز بمرضاة الله، والنجاة من سخط الجبار جل جلاله: كما قال سبحانه:{تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ[80]وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ[81]}[سورة المائدة]..

ومن ثمرات القيام بالولاء والبراء: السلامة من الفتن: قال سبحانه:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ[73]}[سورة الأنفال]. يقول ابن كثير: 'أي إن تجانبوا المشركين، وتوالوا المؤمنين، وإلا وقعت فتنة في الناس، وهو التباس واختلاط المؤمنين بالكافرين، فيقع بين الناس فساد منتشر عريض طويل'[ تفسير ابن كثير 2/316].

ومن ثمرات تحقيق هذا الأصل: حصول النعم والخيرات في الدنيا، والثناء الحسن في الدارين: كما قال أحد أهل العلم: 'وتأمل قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام:{ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا[49]وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا[50]}[سورة مريم]. فهذا ظاهر أن اعتزال الكفار سبب لهذه النعم كلها، ولهذا الثناء الجميل...'[ من كتاب منهاج الصواب في قبح استكتاب أهل الكتاب ص 52 ، وانظر اضواء البيان للشنقيطي 2/485].

وهذا أمر مشاهد معلوم، فأعلام هذه الأمة ممن حققوا هذا الأصل قولاً وعملاً، لا زلنا نترحم عليهم، ونذكرهم بالخير، ولا يزال لهم لسان صدق في العالمين، فضلاً عن نصر الله لهم، والعاقبة لهم، فانظر مثلاً إلى موقف الصديق رضي الله عنه من المرتدين ومانعي الزكاة، عندما حقق هذا الأصل فيهم، فنصره الله عليهم، وأظهر الله بسببه الدين.. وهذا إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله يقف موقفاً شجاعاً أمام المبتدعة في فتنة القول بخلق القرآن، فلا يداهن، ولا يتنازل، فنصر الله به مذهب أهل السنة، وأخزى المخالفين، وهذا صلاح الدين الأيوبي رحمه الله يجاهد الصليبيين - تحقيقاً لهذا الأصل - فينصره الله عليهم، ويكبت القوم الكافرين، والأمثلة كثيرة.

فيجب على الدعاة إلى الله تعالى أن يحققوا هذا الأصل في أنفسهم اعتقاداً وقولاً وعملاً، وأن تقدم البرامج الجادة - للمدعوين - من أجل تحقيق عقيدة الولاء والبراء ولوازمهما، وذلك من خلال ربط الأمة بكتاب الله تعالى، والسيرة النبوية، وقراءة كتب التاريخ، واستعراض تاريخ الصراع بين أهل الإيمان والكفر القديم والحديث، والكشف عن مكائد الأعداء ومكرهم 'المنظم' في سبيل القضاء على هذه الأمة ودينها، والقيام بأنشطة عملية في سبيل تحقيق الولاء والبراء كالإنفاق في سبيل الله، والتواصل واللقاء مع الدعاة من أهل السنة في مختلف الأماكن، ومتابعة أخبارهم ونحو ذلك .

من :' كلمات في الولاء والبراء' للشيخ/ عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف

000000000000

أغير الله أتخذ وليًا

رئيسي :المنهج :الأربعاء 22 ذو القعدة 1424هـ

الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد:

فولاية المسلم لربه هي أصل الأصول التي تتشعب عنها التصورات، وتنطلق منها المواقف، وتزداد الحاجة للتركيز على هذا الأصل في غمرة الخلط الحاصل اليوم في ولاءات المسلمين، وفي غيابة فقدان هذا الأصل عند من أمسكوا بشيء من الأزمة، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وهذا عرض لبعض مقتضيات هذه المسألة:

1 - إفراد الله بالولاية:ويدل عليه قوله تعالى:{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ ولِياً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ...[14]}[سورة الأنعام] ويربي القرآن المسلم على تحديد هذا الأمر بينه وبين نفسه، وأمام الآخرين بوضوح وجلاء:{إنَّ ولِيِّيَ اللَّهُ الَذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ[196]}[سورة الأعراف] .

وولاية المسلم للرسل وللمؤمنين نابعة من هذه الولاية، وهذه الولاية متبادلة بين العبد وربه، ولاء العبد لله وتولى الله لعبده؛ {اللَّهُ ولِيُّ الَذِينَ آمَنُوا...[257]}[سورة البقرة]. إذن: فولاء المسلم لا يصح أن يتجزأ شيء لله وشيء لغير الله.

2 - إفراد الله بالعبادة:{قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ...[162]} [سورة الأنعام].

3-توحيد مصدر التلقي: عن الله وحده الذي يقول:{...وأَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ...[1]}[سورة الأنفال] ويقول محذراً:{اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ...[3]}[سورة الأعراف] فمصدر التلقي إذن هو الوحي فقط، وليس القوانين الكافرة، أو عادات القبائل، أو أعراف المجتمعات، أو بيوت الأزياء. وحق التحليل والتحريم لله وحده وليس لأحد بعده سبحانه.

4 - التحاكم إلى الله وحده: القاعدة: {إنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ...[40]}[سورة يوسف]. والاستفهام القرآني قوي إنكاري: {...أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً...[114]}[سورة الأنعام] . والقرآن يحدد موقف المخالفين لهذه المسألة في آية:{...يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ...[60]}[سورة النساء] فكيف إذاً صار المبدأ عند البعض الاعتراض على أحكام الله؟ وكيف إذا آل أمر الآخرين إلى أن كرهوا ما أنزل الله ، فأحبط أعمالهم؟!

5-توحيد الانتماء إلى حزب الله [أهل السنة والجماعة]: قال ابن القيم رحمه الله:'ومن صفات هؤلاء الغرباء التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس، وترك ما أحدثوه ، وإن كان هو المعروف عندهم ، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله: لا شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً، وأكثر الناس - بل كلهم - لائم لهم'.

وتوحيد هذا الانتماء يفيد كثيرًا في تجميع الجهود وتوجيهها؛ لرفع شأن أهل الحق، وصد كيد أهل الباطل.

6 - استبدال ولاية الله بالولاءات الجاهلية:كثيرون أولئك الذين لا يزالون يمتون بصلات وولاءات لأعداء الله بشكل جزئي أو كلي ، قد يأخذ صوراً مادية أو معنوية. على هؤلاء إن أرادوا النجاة من نار جهنم أن يستدبروا أهل الباطل، ويولوا وجوههم لأهل الحق، وتبني دين الله عز وجل، وأن يقوم العزم في أنفسهم على عدم وصل حبال الكفار مرة أخر ى.

ونظرة تقويمية للواقع تخبرنا أن ولاء كثير من العجائز في قعر بيوتهن خير وأحب إلى الله من كثير ممن ابتليت بهم الدعوة الإسلامية، والذين تنازعتهم الولاءات للجاهلية من كل جانب .

7- محبة أولياء الله وفي مقدمتهم محمد بن عبد الله-صلى الله عليه وسلم-: في الصحيح المسند من أسباب النزول، من رواية الطبراني في الصغير عن عائشة قالت:جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلى من نفسي، وإنك لأحب إلى من أهلي ومالي وأحب إلى من ولدي ، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك ، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك، فلم يرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئاً حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً] [69]}[سورة النساء].

وهذا يقوي الأواصر والروابط بين أفراد المسلمين وخلاياهم في المجتمع الإسلامي الكبير ، ويقضي على دخائل النفس الخبيثة التي تنحرف بالمحبة في الله إلى أغراض أخرى، وذلك إذا والى كل مسلم أخاه ، بحسب حاله من الإيمان والعمل الصالح.

8 - تحمل الأذى في سبيل تحقيق ولاية الله: وقد جرت سنة الله بامتحان المؤمنين {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ...[179]}[سورة آل عمران].

ولابد أن يلاقي المؤمن في سبيل تحقيق ولاية الله أنواعاً من الأذى المادي والمعنوي - خصوصاً في هذا العصر - وانظر ماذا جمعت هذه الآية: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً؛ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ[186]}[سورة آل عمران].

وقدوتنا -صلى الله عليه وسلم- يعبر لنا عما لقي في هذا السبيل: [ لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ] رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد .

قال ابن القيم في 'المدارج': 'فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه، وفقهاً في سنة رسوله وفهماً في كتابه، أراد أن يسلك هذا الصراط؛ فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه، وطعنهم عليه، وإزرائهم به، وتنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه صلى الله عليه وسلم'.

9 - الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام: وهذه الخطوة ضرورية حماية لدين المسلم، واستفادة من طاقاته في المجتمع الإسلامي، وحرمان الكفار من ذلك

وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمَا أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ إِمَّا قَالَ بِضْعًا وَإِمَّا قَالَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي قَالَ فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ فَقَالَ جَعْفَرٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا هَاهُنَا وَأَمَرَنَا بِالْإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا قَالَ فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا أَوْ قَالَ أَعْطَانَا مِنْهَا وَمَا قَسَمَ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إِلَّا لِأَصْحَابِ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ قَالَ فَكَانَ نَاسٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا يَعْنِي لِأَهْلِ السَّفِينَةِ نَحْنُ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ  .

قَالَ فَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَةً وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ مَنْ هَذِهِ قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ قَالَ عُمَرُ الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ نَعَمْ فَقَالَ عُمَرُ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ كَلِمَةً كَذَبْتَ يَا عُمَرُ كَلَّا وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ وَكُنَّا فِي دَارِ أَوْ فِي أَرْضِ الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ فِي الْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ وَايْمُ اللَّهِ لَا أَطْعَمُ طَعَامًا وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُهُ وَ وَاللَّهِ لَا أَكْذِبُ وَلَا أَزِيغُ وَلَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ] قَالَتْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مِنْ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بُرْدَةَ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي . رواه البخاري ومسلم . هذا الحديث العظيم في الجانب الإيجابي.

وفي الجانب السلبي نجد في الحديث: [ لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ- يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ- ] رواه البخاري ومسلم . نقرأ الحديث ونحن نتوجع ونتألم عندما نرى آلاف الطاقات الإسلامية تعمل في تقوية أنظمة الكفار، وأجهزتهم، ونتساءل أين تسخير الطاقات والمواهب لخدمة هذا الدين؟!  أليس الولاء لله يمنع من تقوية الكفار ومناصرتهم والإقامة بين أظهرهم.

10- رفض موالاة الكفار أو التحالف معهم: لا يجتمع حب الله وحب أعداء الله في قلب مسلم أبداً، وما حلاّ في قلب إلا تدافعا حتى يخرج أحدهم صاحبه:

أتحب أعداء الحبيب وتدعي        حباً له ما ذاك في إمكان

وتحقيق الولاية يقتضي بغض الكفار وعدم توليهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ، أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً[144]}[سورة النساء].

وتتضح خطورة هذا الأمر في قوله تعالى:{...وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ...[51]}[سورة المائدة].

قال العلامة صديق حسن خان في كتابه'العبرة مما جاء في الغزوة والشهادة والهجرة'، ص 243:

'وأما القوم الذين في بلاد المسلمين، ويدعون أنهم من رعية النصارى ويرضون بذلك، ويفرحون به وأنهم يتخذون لسفنهم بيارق وهي التي تسمى الرايات مثل رايات النصارى إعلاماً منهم بأنهم من رعاياهم، فهؤلاء قوم أشربوا حب النصارى في قلوبهم... وقصروا نظرهم على عمارة الدنيا وجمعها.. وأن النصارى أقوم لحفظها ورعايتها. فإن كان القوم المذكورون جهالاً يعتقدون رفعة دين الإسلام وعلوه على جميع الأديان، وأن أحكامه أقوم الأحكام، وليس في قلوبهم مع ذلك تعظيم للكفر وأربابه [ما أصعب هذه الشروط !] فهم باقون على أحكام الإسلام لكنهم فساق مرتكبون لخطب كبير يجب تعزيرهم عليه، وتأديبهم وتنكيلهم، وإن كانوا علماء بأحكام الإسلام، ومع ذلك صدر منهم ما ذكر فيستتابوا، فإن رجعوا عن ذلك وتابوا إلى الله، وإلا فهم مارقون... فإن اعتقدوا تعظيم الكفر ارتدوا وجرى عليهم أحكام المرتد' اه.

وانظر للتقريع في هذه الآية: {بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً[138] الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً[139]}[سورة النساء]. إن هذه المواقف القلبية لبعض المسلمين تجاه الكفار تناقض ولاية الله.

إلى هؤلاء نسوق هذا النص لفقهائنا: في [الروضة النواوية] في باب الردة:' ولو قال معلم الصبيان أن اليهود خير من المسلمين بكثير؛ لأنهم يقضون حقوق معلمي صبيانهم كَفَرَ'. انتهي.  إذن لابد من بغض الكفار وعداوتهم، ولكي تتحقق ولاية الله لابد من:

11 - مفاصلة الكفار واتخاذ المواقف منهم: إذا كانت ولاية المؤمن تقتضي موالاة أحبابه ومعاداة أعدائه، فعليه لا تجوز موادة الكافر، ولو كان أخاً شقيقاً، ونحب أخا الإسلام ولو كان حبشياً أو رومياً أو فارسياً أو قوقازياً.

وفقه الصحابة لمسألة المفاصلة عظيم فهماً وتطبيقاً: قال ابن حجر رحمه الله في ترجمة عامر بن عبد الله الجراح، وهو أبو عبيدة في [الإصابة]: 'نزلت فيه {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ...[22]}[سورة المجادلة]  وهو فيما أخرج الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن شوذب قال: جعل والد أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة  يوم  بدر فيحيد عنه، فلما أكثر، قصده فقتله فنزلت' .

وألفاظ القصة تغني عن التعليق عليها.

ولم تقتصر المفاصلة واتخاذ المواقف من الكفار على مسألة القتال فقط، ففي حديث إسلام ثمامة سيد اليمامة:' ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ صَبَوْتَ قَالَ لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ'. رواه البخاري ومسلم

الله أكبر... كم في هذا الموقف من عجب.. رجل يسلم لتوه، فيفهم أن ولايته لله تفرض عليه أن يفاصل الكفار، ويعبر عن عدائهم- وهو بين أظهرهم- ويصارحهم بموقفه منهم في وجوههم. اللهم مِنّ علينا بولايتك، وتولنا برحمتك، وارزقنا حب أوليائك، وبغض أعدائك، والحمد لله أولاً وآخراً.

من :'أغير الله أتخذ وليا' للشيخ/ محمد صالح المنجد

00000000000000

ما الفرق بين موالاة الكفار وتوليهم؟ وما حكم كل منهما بالتفصيل؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله، لقد نهى الله عباده المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء في آيات عدة كما قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً" [النساء:144]، وقال: "لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً" الآية

[آل عمران: 28]، وقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:51]، فاتخاذهم أولياء هو اعتبارهم أصدقاء وأحباباً وأنصاراً، وذلك يظهر بالحفاوة بهم وإكرامهم وتعظيمهم، ومما يوضح ذلك قوله -سبحانه وتعالى- : "لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" الآية [المجادلة: 22] وقال تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ" الآية [الممتحنة: 1] فدلت الآيتان على أن اتخاذهم أولياء يتضمن مودتهم، وجاء ذكر التولي في آية واحدة وهي قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" الآية [المائدة: 51]، والذي يظهر أن توليهم هو معنى اتخاذهم أولياء، وفسر "التولي" في قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" بنصرتهم على المسلمين، ولهذا كانت مظاهرة الكفار ومعاونتهم ضد المسلمين من أنواع الردة، لأن ذلك يتضمن مقاومة الإسلام، والرغبة في اضمحلاله، وذل أهله، وأما الموالاة فلم يأت لفظها في القرآن فيما أذكر، والذي يظهر أن الموالاة والتولي معناهما واحد أو متقارب، ولكن من العلماء من فرق بينهما فخصَّ الموالاة بتقديم الخدمات للكفار حفاوة بهم وإكراماً والتولي بنصرتهم على المسلمين، وأن الموالاة كبيرة، والتولي ردة كما تقدم، فالواجب على المسلمين أن يبغضوا الكافرين وأن يعادوهم في الله، وأن يجاهدوهم بالله ولإعلاء كلمة الله، وهذا لا يمنع من معاملتهم في أمور الحياة كالتجارة، ولا يوجب الغدر بما أعطوا من عهد، بل يجب الوفاء بعهدهم كما قال تعالى: "إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" [التوبة:4] فبغض الكفار والبراءة منهم هي من أصول الدين، وهي مقتضى الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، ولكن ذلك لا يوجب ولا يبيح الخيانة أو الظلم، فالظلم حرام، ونقض العهد حرام، "...تلك حدود الله فلا تقربوها..." [البقرة: 187] نسأل الله أن ينصر دينه ويعز المؤمنين ويذل الكافرين، والله أعلم.

0000000000000

يا أتباع الطرق الصوفية، أين أنتم من الطريقة المحمدية؟

يا أتباع الطرق الصوفية، أين أنتم من الطريقة المحمدية، لقد جاءكم بها نبيكم بيضاء نقية، لماذا آثرتم المتسخة الردية؟ لماذا استبدلتم الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ لماذا فضلتم طاعة مشايخكم على طاعة رسولكم المعصوم عن الزلل؟ لماذا أصبحتم فرقاً وطوائف وأحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون، وكل طريقة بما عندها مغترة، وكل طائفة ترى أنها أهدى من أختها؟

ما هذا التفرق والتشرذم والتحزب؟ لماذا هذا قادري، وهذا سماني، وهذا تجاني، وهذا ختمي، وهذا دندراوي، إلخ؟ هل أثرت هذه الطرق عن أحد من السلف المقتدى بهم؟ لم يكن السلف الصالح إلا حنفاء مسلمين، ولا يرد على ذلك اختلاف أهل المذاهب السنية، ولا الجماعات السلفية، لأن اختلافهم في الجملة سائغ، ومن غلا منهم وتعصب فهو آثم وأمره إلى الله.

هل ما ابتدعه مشايخكم من الأوراد والأحزاب أفضل مما جاءكم به نبيكم؟ إن قلتم نعم فقد كفرتم، وإن قلتم لا فقد ضللتم، فأنتم تتقلبون بين ضلالتين، وتترددون بين سوأتين.

ألم يأمركم ربكم بطاعة أولي الأمر من العلماء؟ لِمَ تقدِّمون طاعة مشايخكم الجهلاء على العلماء؟ هل أمر نبيكم أن يكون المريد مع شيخه كالميت بين يدي مغسله؟ هل صح عن رسولكم أنه قال: لا تعترض فتطرد؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف"؟ هل أمر ربكم بالاستغاثة بالأموات، والاستعانة بهم لقضاء الحاجات؟ هل قصر عنكم ربكم حتى تشكوه إلى الموتى؟ ألم يقل: "ادعوني أستجب لكم"؟ كيف يعتقد جلكم أن الولي يحضر عند محاسبة مريده في القبر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "يا فاطمة، يا عباس، يا صفية، سلوني من مالي ما شئتم، والله لا أغني عنكم من الله شيئاً"؟ أوكما قال.

ما جواب من يعتقد أن صلاة الفاتح لِمَا أغلق تعدل القرآن ستة آلاف مرة؟ ما هي حجتك إذا قال لك رسولك لِمَ تركتَ الصلاة التي شرعتها لك، والأذكار التي رتبتها لك، واتبعت غيرها؟

هل يعتقد مسلم أن أقل مرتبة الولاية أن يقول الشيخ للشيء كن فيكون، كما قرر ذلك الشعراني في طبقاته، ونقل ذلك عنه ود ضيف الله في طبقاته، وصاغ ذلك الشيخ المكاشفي في قصيدته "جل جلاله":

بُهَاري بَهَر بنور الكون  ***  من الله محروس بالصَّون  ***  أوتي الحرف الكاف والنون

ماذا دهاكم أيها المسلمون؟ لماذا يكون المشركون الأوائل خيراً منكم وأعقل؟ حيث كانوا عند الشدة يدعون الله، وعند الرخاء يدعون الأصنام؟ لماذا تدعون هؤلاء الشيوخ أحياء وأمواتاً، في الشدة والرخاء، وتنسون خالق الأرض والسماء؟ هل أنتم أعلم من عمرعندما طلب من العباس أن يدعو لهم في السقيا ولم يذهب إلى قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل من العباس حياً وميتاً؟

هل الله سبحانه محتاج إلى من يعينه من الأغواث والأقطاب والأبدال كما يعتقد جلكم؟ ومن لا يعتقد لا ينكر على غيره، فأنتم في الإثم سواء.

هل من الإسلام في شيء أن يعتقد بعض الصوفية إن لم نقل كلهم أوجلهم في الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله أنه "سيد السموات والأرض"، و"النفاع الضرار"، و"المتصرف في الأكوان"، و"المطلع على أسرار الخليقة"، و"المحيي المميت"، و"مبرئ الأعمى والأبرص والأكمه"، و"دافع البلاء"، و"الرافع الواضع"، و"صاحب الشريعة" ، وفي غيره كما يقول عبد الرحيم البرعي السماني السوداني في لحوق الشيخ لمريده عند الاحتضار والقبر:

يحضر مريده في النزع والقبير   ***   للحجـة يلقن بأحـسن التعبيــر

وله يؤانس في الوحدة  والشبير   ***   في جنان الخلد شاهده مولاه الكبير

ويقول في قصيدة مصر المؤمنة، وهي قصيدة شركية تغنى في الإذاعة والتلفزيون وتحيى بها الحفلات، وتشغل مسجلات الحافلات والأمجاد والرقشات:

ندعووك بالأربعة   ***   والكتب الأربعـة

والفقهاء  السبعـة   ***   وأقطابنا  الأربعة

أوتــاد  الأرض   ***   في القبل الأربعة

الأبدال والنقبــة   ***   العشرة في أربعة

ويقول البرعي عن الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله:

هو القطب والغوث الكبيـر هو الذي     ***    أفاض على الأكوان بالبحر والسيل

وعند ظهور الحال يخطو على الهوى    ***     ويظهـر شيئاً ليس يدرك بالعقـل

بأكفان من قـد مـات إن كتب اسمه    ***     يكون له ستراً من  النار والهـول

وكــل ولي عنـقه تحـت رجـله    ***     بامر رسول الله يا لها  من رجـل

ينوب عن المختار في حضرة العـلا    ***     ويحكم بالإحسان والحـق  والعدل

هل هذه العقائد جاء بها رسول الهدى ونبي الرحمة؟ إن لم يكن هذا هو الشرك الأكبر فلا يوجد شرك في الوجود أبداً.

ألم تعلموا أن على رأس كل فرقة من هذه الفرق وغيرها داعٍ يدعو من اتبعه إلى نار جهنم، كما أخبر الصادق المصدوق، لأنها مخالفة للطريقة المثلى، والحنيفية السمحة التي تركنا عليها الحبيب المصطفى، التي أولها عندنا وآخرها في الجنة.

اعلم أخي الحبيب أن من مات وهو معتقد لواحدة من هذه العقائد أوما شابهها مات على غير ملة الإسلام بحكم الصادق المصدوق، فعليك أن تبادر بتجديد إيمانك، وبالتوبة من هذ العقائد الكفرية، وأن تتخلى عن هذه الممارسات الوثنية قبل فوات الأوان ونزول الكرب العظام، فإني والله لك ناصح أمين، وعلى خيرك ومصلحتك من الحادبين، فما لم يكن في ذاك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً، كما قال مالك رحمه الله، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فلن يضر واللهِ إلا نفسه.

واعلم كذلك أن نطقك بالشهادتين وأداءك للصلاة وغيرها من الأركان وانتهاءك عن المحارم والآثام لن يغني عنك شيئاً مع هذه النواقض العظام والطوام الجسام.

اللهم من كان من هذه الأمة يظن أنه على الحق وهو ليس عليه اللهم فرده إلى الحق رداً جميلاًحتى يكون من أهله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، وعنا معهم بعفوك وفضلك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين

0000000000000000

المشاهد والقبور الصحيح منها والمكذوب، وخطورة التعلق بها

أولاً: ما صح من قبور الأنبياء والرسل عليهم السلام

ثانياً: المشاهد المكذوبة المنسوبة لبعض الأنبياء والرسل عليهم السلام

ثالثاً: المشاهد المكذوبة المنسوبة إلى بعض الصحابة والتابعين وغيرهم

النهي والتحذير من بناء المشاهد والقباب على القبور

ما يستفاد من مجموع هذه الأحاديث والآثار

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الناصح الأمين، ورضي الله عن آله وصحابته الغر الميامين، وبعد..

على الرغم من أن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم نهى وحذر أمته من التعلق بالقبور، وسدَّ كل الذرائع المؤدية إلى ذلك، ما فتئت طائفة من المسلمين كبيرة متعلقة بذلك، ومتخذة لما حذرهم رسولهم عن اتخاذه من الوسائط والعلائق التي هي أوهى من خيط العنكبوت، مع سبق الإصرار والعزم، والمضي قدماً فيه، رادِّين للأحاديث والأوامر الصريحة.

وليت قومي اكتفوا بما صح من مشاهد وما علم من مقابر، بل اخترعوا مشاهد موهومة ومقابر مزعومة، ومراقد مكذوبة، وبالغوا في تعظيمها، واجتهدوا في تكريمها، ولا يزال الشيطان يزين لهم هذا الباطل، ويؤكده لهم، ويشجعهم ويحثهم على العكوف عليه.

المشاهد والقبور التي يتعلق بها قطاع كبير من المسلمين لبعض الأنبياء والرسل، والعلماء، والصالحين، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو كذب، ومنها ما هو مختلف فيه.

وقد نبه شيخ الإسلام ومفتي الأنام أحمد بن عبد الحليم الإمام الشهير بابن تيمية إلى أهم المشاهد التي يتعلق بها الناس قديماً وحديثاً، وبين الصحيح منها والمكذوب، والمختلف فيها، وإليك خلاصة ما ذكره  ابن تيمية ومثل به:

ã

أولاً: ما صح من قبور الأنبياء والرسل عليهم السلام

لم يصح من قبور الأنبياء والرسل عليهم السلام سوى قبرين، هما:

1. قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، وهو منقول بالتواتر، ولم يشك فيه أحد.

2. وقبر الخليل إبراهيم عليه السلام.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (القبر المتفق عليه هو قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقبر الخليل فيه نزاع، لكن الصحيح الذي عليه الجمهور أنه قبره).

وقال في موضع آخر من الكتاب: (وأما قبر الخليل عليه السلام قالت العلماء على أنه حق، لكن كان مسدوداً بمنزلة حجرة النبي، ولم يكن عليه مسجد، ولا يصلي أحد هناك، بل المسلمون لما فتحوا البلاد على عهد عمر بن الخطاب بنوا لهم مسجداً يصلون فيه في تلك القرية، منفصلاً عن موقع الدير، ولكن بعد ذلك نقبت حائط المقبرة كما هو الآن النقب الظاهر فيه، فيقال: إن النصارى لما استولوا على البلاد نقبوه وجعلوه كنيسة، ثم لما فتحه المسلمون لم يكن المتولي لأمره عالماً بالسنة حتى يسده، ويتخذ المسجد في مكان آخر، فاتخذ ذلك مسجداً، وكان أهل العلم والدين العالمون بالسنة لا يصلون هناك).

ã

ثانياً: المشاهد المكذوبة المنسوبة لبعض الأنبياء والرسل عليهم السلام

كل مشهد أوقبر أضيف لنبي من الأنبياء سوى نبينا محمد وأبينا إبراهيم عليهما السلام فهو كذب محض، لعدم قيام الدليل على ذلك، مثل المشاهد المضافة إلى كل من نوح، وهود، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، ويونس، وإلياس، واليسع، وشعيب، وموسى، وزكريا، ويحيى عليهم السلام، وإليك بعض توضيح ذلك:

1. القبر المضاف إلى هود عليه السلام بجامع دمشق، هو قبر معاوية، لأن هود بعث باليمن وهاجر إلى مكة ولم يذهب إلى الشام، وقيل إنه مات بمكة، وقيل باليمن.

2. كان بحـران مسجـد يقـال له مسجـد إبراهيـم يظن الجهـال أنه إبراهيم الخليـل، وإنما هو إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عباس، الذي كانت دعوة الخلافة العباسية له، فحبس هناك حتى مات وأوصى بالخلافة إلى أخيه أبي جعفر المنصور.

3. المسجد الذي كان بجانب عُرَنَة الذي بني في موضعه مسجد عرفة الذي يقال له مسجد إبراهيم، فإن بعض الناس يظن أنه إبراهيم الخليل، وإنما هو من ولد العباس، والمسجد إنما بني في دولة بني العباس، علامة على الموضع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر يوم عرفة.

4.  القبر المنسوب إلى نوح عليه السلام ببعلبك كذب قطعاً.

5.  القبران المنسوبان لزكريا ويحيى عليهما السلام بالمسجد الأموي بدمشق كذب محض أيضاً.

ã

ثالثاً: المشاهد المكذوبة المنسوبة إلى بعض الصحابة والتابعين وغيرهم

هناك العديد من القبور التي بنيت عليها مشاهد قباب ونحوها المنسوبة لبعض الصحابة والتابعين، وغيرهم، لا تصح نسبة هذه القبور لمن نسبت إليهم، وإليك نماذج من ذلك:

1. المشهد المنسوب لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه والذي تؤلهه الشيعة بالنجف هو قبر المغيرة بن شعبة رضي الله عنه

قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يعدد المشاهد المختلقة: (وكذلك قبر علي رضي الله عنه الذي بباطنة النجف بالكوفة، فإن المعروف عند أهل العلم أنه دفن بقصر الإمارة بالكوفة كما دفن معاوية بقصر الإمارة بالشام، ودفن عمرو بن العاص بقصر الإمارة بمصر، خوفاً عليهم من الخوارج أن ينبشوا قبورهم، فإن الخوارج تحالفوا على قتلهم، فقتل عبد الرحمن بن ملجم علياً وهو خارج إلى صلاة الفجر بمسجد الكوفة باتفاق الناس، ومعاوية ضربه الذي أراد قتله على إليته فعولج من ذلك وعاش، وعمرو بن العاص استخلف على الصلاة رجلاً اسمه خارجة، فضربه الخارجي فظنه عمراً، وقال: أردت عمراً وأراد الله خارجة).

لقد خذل الله الرافضة بعبادة رجل من ألد أعدائهم، المغيرة، وهم يحسبون أنه علي الذي يرفعونه هو وبعض آل بيته إلى درجة الألوهية.

2.  مشهد رأس الحسين رضي الله عنه بالقاهرة

هذا المشهد الذي أصبح صنماً يعبد من دون الله ويطاف حوله كما يطاف بالكعبة المشرفة ينسب زوراً وبهتاناً للإمام البطل الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنهما، ويؤكد العلماء الأثبات والمؤرخون الثقات أن رأس الحسين رضي الله عنه بالمدينة بالبقيع، وأن جسده الطاهر بالمدينة بكربلاء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكذلك مشهد الرأس الذي بالقاهرة، فإن المصنفين في مقتل الحسين اتفقوا على أن الرأس لم يعرف، وأهل المعرفة بالنقل يعلمون أن هذا أيضاً كذب، وأصله أي المشهد الذي بالقاهرة أنه نقل من مشهد بعسقلان، وذاك المشهد بني قبل هذا بنحو من ستين سنة، في أواخر المائة الخامسة، وهذا بني في أثناء المائة السادسة، بعد مقتل الحسين بنحو من خمسمائة عام، والقاهرة بنيت بعد مقتل الحسين بنحو من ثلاثمائة عام، وهذا المشهد بني بعد بناء القاهرة بنحو مائتي عام.

وقال:

وأما المكذوب قطعاً من المشاهد فكثير، مثل قبر علي بن الحسين الذي بمصر، فإن علي بن الحسين توفي بالمدينة بإجماع الناس ودفن بالبقيع، ويقال إن قبة العباس بها قبره، وقبر الحسن، وعلي بن الحسين، وأبي جعفر الباقر، وجعفر بن محمد، وفيها أيضاً رأس الحسين.

وأما بدنه فهو بكَرْبَلاء باتفاق الناس، والذي صح ما ذكره البخاري في صحيحه من أن رأسه حُمل إلى عبيد الله بن زياد، وجعل ينكت بالقضيب على ثناياه، وقد شهد ذلك أنس بن مالك، وفي رواية أخرى أبو بَرْزَة الأسلمي، وكلاهما كانا بالعراق، وقد روي بإسناد منقطع أومجهول أنه حمل إلى يزيد وجعل ينكت بالقضيب على ثناياه، وأن أبا برزة كان حاضراً وأنكر ذلك، وهذا كذب، فإن أبا برزة لم يكن بالشام عند يزيد، وإنما كان بالعراق).

3. القبر المنسوب إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بالجزيرة بالعراق

وذلك لأن الأمة متفقة على أن عبد الله بن عمر مات بمكة، عام قتل ابن الزبير، وأوصى أن يدفن في الحل لأنه من المهاجرين، فشق عليهم فدفنوه بأعلى مكة، ويقال بالحجون، والصحيح القول الأول.

4. القبر المضاف إلى أبَيّ بن كعب رضي الله عنه بشرق دمشق

من الكذب البين، لأن أبي بن كعب مات بالمدينة باتفاق أهل العلم.

5. القبر المنسوب إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بظاهر حَرَّان

لأن لعلماء متفقون على أن جابراً توفي بالمدينة ودفن بها، وهو آخر من مات من الصحابة بها.

6. المشاهد المنسوبة لبعض أمهات المؤمنين أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما بدمشق

من المشاهد المكذوبة التي يتعلق بها الجهلة والعوام قبر لأم حبيبة أوأم سلمة بدمشق، وذلك لأن الناس متفقون على أن سائر أمهات المؤمنين متن بالمدينة ودفنَّ بها، إلا جويرية بنت الحارث رضي الله عنها فقد ماتت ودفنت في نفس المكان الذي بنى عليها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنعيم بين مكة والجموم.

قال شيخ الإسـلام ابن تيمية: (وكذلك أمهات المؤمنين كلهن توفين بالمدينة، فمن قـال بظاهـر دمشق قبر أم حبيبـة أوأم سلمـة أوغيرهما فقد كذب، ولكن من الصحابيات بالشـام امرأة يقال لها أم سلمـة أسماء بنت يزيد بن السكن، فهذه توفيت بالشام، فهذه قبرها محتمل، كما أن قبر بلال ممكن لأنه دفن بباب الصغير بدمشق، فنعلم أنه دفن هناك، وأما القطع بتعيين قبره ففيه نظر، فإنه يقال: إن تلك القبور حَدَثت).

7. القبر المضاف لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بباب الصغير كذب كذلك

وإنما هو قبر معاوية بن يزيد بن معاوية، الذي تولى الخلافة مدة قصيرة ثم مات، ولم يعهد إلى أحد، وكان فيه دين وصلاح، ولكن لما اشتهر القبر أنه قبر معاوية ظن الناس أنه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

8. القبر المنسوب إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه بحمص

هو قبر خالد بن يزيد بن معاوية أخو يزيد ابن معاوية بن يزيد ولما اشتهر أنه خالد والمشهور عند العامة خالد بن الوليد ظنوا أنه خالد بن الوليد رضي الله عنه.

9. القبر المنسوب إلى التابعي الجليل أويس القرني رحمه الله غربي دمشق

من المشاهد المكذوبة المشهد المنسوب إلى أويس القرني غربي دمشق، لأن أويساً لم يجئ إلى الشام، وإنما ذهب إلى العراق، وهذا يكذب ما حكاه أبو عبد الرحمن السلمي أن أويساً توفي بدمشق.

10. القبر المنسوب لعلي بن الحسين بمصر

فعلي بن الحسين كما مر توفي بالمدينة ودفن بالبقيع.

هذا قليل من كثير، وغيض من فيض من المشاهد، والقبور، و"البيانات" التي ينسبها الجهال لبعض الأنبياء، والصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، هذا بجانب القبور المختلف عليها والمشتبه فيها.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذه المشاهد حدثت بعد القرون الثلاثة الفاضلة، سيما في عصر دولة بني "بُوَيه" الرافضية ومن تلاهم.

ã

النهي والتحذير من بناء المشاهد والقباب على القبور

لم ينتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن دل أمته على كل خير، ونهاهم وحذرهم عن كل شر، من ذلك نهيه وتحذيره لهم من التعلق بالقبور والبناء عليها، وسؤال أصحابها، وإليك الأدلة:

1. قال في مرضه الذي مات فيه: "لعن الله اليهودَ والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يحذر ما صنعوا، قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً".

2 . وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك".

والمراد باتخاذها مساجد الدعاء عندها، والصلاة إليها، وطلب الحاجات من أصحابها، والذبح والنذر لها، سواء بني عليها مسجد أم لا.

3. وفي الموطأ: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

4 . وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد".

5. وصح عنه أنه قال: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها".

6. وعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته"، وفي رواية "صورة"، مما يدل على عدم التفريق بين المجسمات التي لها ظل وما ليس لها ظل.

7. وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن الله زوَّارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج".

8. استشار رجل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يبني فسطاطاً على ميت له، فقال له: "لا تفعل، إنما يظله عمله".

9. وفي الصحيحين عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة، وذكرتا حسنها، وتصاوير فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة".

10 . روى حرب الكرماني عن زيد بن ثابت أن ابناً له مات فاشترى غلام له جَصاً وآجُراً ليبني على القبر، فقال له زيد: حفرتَ وكفرتَ، أتريد أن تبني على قبر ابني مسجداً؟ ونهاه عن ذلك.

11. لما فتح المسلمون تُسْتَر، ووجدوا فيها قبر دانيال، ووجدوا عنده مصحفاً، قال أبو العالية: أنا قرأت ذلك المصحف، فإذا فيه أخباركم وسيركم، ولحون كلامكم؛ وشموا من القبر رائحة طيبة، ووجدوا الميت بحاله لم يبل، فكتب في ذلك أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب، فأمره أن يحفر بالنهار بضعة عشر قبراً، فإذا كان الليل دفنه في قبر من تلك القبور ليخفي أثره، لئلا يفتتن به الناس، فينزلون به، ويصلون عنده، ويتخذونه مسجداً.

12. وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أصلي وهناك قبر، فقال عمر بن الخطاب: القبر القبر! فظننته يقول: القمر، وإذا هو يقول: القبر، أوكما قال.

ã

ما يستفاد من مجموع هذه الأحاديث والآثار

أولاً: أن المسلم إذا مات يدفن في مقابر المسلمين، ولا يدفن في غيرها، وإن وصى أن يدفن عند مسجد أوفي بيته لا تنفذ وصيته لكي لا يتخذ قبره عيداً، سيما لو كان ممن يعتقد فيه بعض العوام.

ثانياً: لا يحل البناء على القبور، ولا تجصيصها، ولا الكتابة عليها، ولا إنارتها إلا من أجل الدفن ليلاً، أومنعاً لدفن أحد من غير شهادة وفاة أومعرفة، تحسباً من استغلال المجرمين لذلك.

ثالثاً: يحرم الدفن في المساجد سواء كان إلى جهة القبلة أم لا، ومن باب أولى بناء مسجد على قبر، ولا مصلى في مقبرة، سداً للذريعة، وبالأحرى كذلك بناء القباب، ولا ينبغي لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعين على ذلك، بأجرة أوبغير أجرة، لا مهندساً ولا بناء ونحوهما.

رابعاً: زيارة القبور جائزة للرجال ومنعت منها النساء في أرجح قولي العلماء، وقد أجاز مالك للمتجالة، والأرجح منع الجميع.

وينبغي أن يكون غرض الزائر العظة، والاعتبار، والسلام، والدعاء للأموات، أما من كان غرضه التبرك بأحد القبور، وطلب الحوائج من أصحابها، أوالنذر والذبح لأحدهم، فهذه هي الزيارة الشركية التي منع منها الشارع.

خامساً: ينبغي لولاة الأمر منع البناء على القبور وهدم البناء الموجود، ونشر الأموات الذين دفنوا في المساجد، فهذا من أوجب الواجبات على الحاكم.

سادساً: من نذر لقبر أوميت فلا يحل له الوفاء بهذا النذر لأنه نذر معصية، بل شرك، وكذلك يحرم الوقف من أجل القبور.

قال العلماء: إنه لا يجوز أن ينذر للقبور، لا زيت، ولا شمع، ولا نفقة، ولا نحو ذلك.

سابعاً: لا تشد الرحال لتلك القبور والمشاهدن بل لا تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى: "لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا".

وفي السنن أن بصرة بن أبي بصرة لما رأى بعض من زار الطور الذي كلم الله عليه موسى نهاه عن ذلك، وقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال.." الحديث.

ثامناً: يحرم عمل الحوليات والموالد للمشايخ، لا عند قبورهم، ولا في دورهم، ولا غير دورهم.

تاسعاً: من زار القبور سلم عليهم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين.

عاشراً: الطعام والذبائح التي تقدم إلى هؤلاء المشايخ الأموات لا يحل أكلها سواء سمى الذابح باسم الله أم لا؟ فهي مما أهل به لغير الله، ولهذا لابد من الانتباه لبعض "الكرامات" التي يحضرها البعض في المساجد.

والله الموفق للصواب، وله المرجع والمآب، وصلى الله وسلم على محمد وآله والأصحاب

00000000000000000

هل إخوة يوسف عليه السلام أنبياء؟ أم ليسوا بأنبياء؟

أدلة القائلين بنبوتهم

أدلة القائلين بأن إخوة يوسف عليه السلام ليسوا بأنبياء

أقوال المفسرين والعلماء وحججهم في ذلك

 

الحمد لله رب الأرباب، وصلى الله وسلم على محمد الذي أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وأنزل عليه أحسن القصص وخص بخير كتاب.

وبعد..

لقد اختلف أهل العلم قديماً وحديثاً في نبوة إخوة يوسف عليه السلام، بسبب ما صدر منهم نحو أخيهم وأبيهم، وما اقترفته أيديهم، وذهبوا في ذلك مذاهب هي:

1. أن إخوة يوسف عليه السلام أنبياء.

2. أن إخوة يوسف عليه السلام ليسوا بأنبياء.

3. أن إخوة يوسف عليه السلام نبئوا بعد ما صدر منهم نحو يوسف عليه السلام.

4. ومن أهل العلم من توقف في ذلك.

أدلة القائلين بنبوتهم

استدل القائلون بنبوتهم بظاهر آيتي البقرة والنساء، وهما قوله تعالى في البقرة: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وبما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون"، وقوله تعالى في النساء: "إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً"، حيث فسروا الأسباط في الآيتين بأنهم هم أولاد يعقوب عليه السلام من صلبه.

قال القرطبي: (والأسبـاط ولد يعقوب عليه السـلام، وهم اثنا عشـر ولداً، ولكل ولد منهم أمة من الناس).

أدلة القائلين بأن إخوة يوسف عليه السلام ليسوا بأنبياء

استدل القائلون بعدم نبوتهم بالآتي:

1. أن المراد بالأسباط ليس أبناء يعقوب عليه السلام من صلبه، وإنما شعوب وقبائل بني إسرائيل.

2. وبما صدر منهم نحو يوسف عليه السلام من فعال تنافي عصمة الأنبياء.

أقوال المفسرين والعلماء وحججهم في ذلك

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية": (قد قدمنا أن يعقوب كان له من البنين اثنا عشر ولداً ذكراً، وسميناهم، وإليهم تنسب أسباط بني إسرائيل كلهم، وكان أشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه السلام، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبي غيره، وباقي إخوته لم يوح إليهم، وظاهر ما ذكرنا من فعالهم ومقالهم في هذه القصة يدل على هذا القول، ومن استدل على نبوتهم بقوله: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط"، وزعم أن هؤلاء الأسباط، فليس استدلاله بقوي، لأن المراد بالأسباط شعوب بني إسرائيل، وما كان يوجد فيهم من الأنبياء الذين ينزل عليهم الوحي من السماء.

ومما يؤيد أن يوسف عليه السلام هو المختص من بين إخوته بالرسالة والنبوة أنه نص على واحد من إخوته سواه، فدل على ما ذكرناه، ويستأنس لهذا يعني بقوله صلى الله عليه وسلم: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم").

وقال القرطبي معلقاً على صنيع إخوة يوسف عليه السلام: (وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أولاً ولا آخراً، لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم، بل كانوا مسلمين فارتكبوا معصية ثم تابوا، وقيل كانوا أنبياء، ولا يستحيل في العقل زلة نبي، فكانت هذه زلة منهم، وهذا يرده أن الأنبياء معصومون من الكبائر على ما قدمنا، وقيل: ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء، ثم نبأهم الله، وهذا أشبه، والله أعلم).

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة يوسف: (واعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف، وظاهر هذا السياق على خلاف ذلك، ومن الناس من يزعم أنه أوحي إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر، ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل، ولم يذكروا سوى قوله تعالى: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط"، وهذا فيه احتمال، لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط، كما يقال للعرب قبائل، وللعجم شعوب، يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من بني إسرائيل، فذكرهم إجمالاً لأنهم كثيرون، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف، ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم، والله أعلم).

وقال ابن عطية المفسر رحمه الله في تفسير قوله تعالى: "يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك" الآية: (تقتضي هذه الآية أن يعقوب عليه السلام كان يحس من بنيه حسد يوسف وبغضته، فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم، خوفاً أن يشعل بذلك غل صدروهم، فيعملوا الحيلة في هلاكه، ومن هنا ومن فعلهم بيوسف الذي يأتي ذكره يظهر أنهم لم يكونوا أنبياء، وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنيوي، وعن عقوق الأنبياء، وتعريض مؤمن للهلاك، والتوافر على قتله).

وقال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله وقد سئل عن إخوة يوسف هل كانوا أنبياء؟: (الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياء، وليس في القرآن، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا عن أصحابه خبر بأن الله تعالى نبأهم، وإنما احتج من قال أنهم نبئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء "والأسباط"، وفسر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب، والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصلبه بل ذُرِّيَّتُه، كما يقال فيهم أيضاً "بنو إسرائيل"، وكان في ذريته الأنبياء، فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل.

قال أبو سعيد الضرير: أصل السِّبْط، شجرة ملتفة كثيرة الأغصان.

فسموا الأسباط لكثرتهم، فكما أن الأغصان من شجرة واحدة كذلك الأسباط كانوا من يعقوب، ومثل السِّبط الحافد، وكان الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأسباط حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر، وقال تعالى: "ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون. وقطعناهم اثني عشر أسباطاً أمماً"، فهذا صريح في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل، كل سبط أمة، لا أنهم بنوه الاثنا عشر، بل لا معنى لتسميتهم قبل أن تنتشر عنهم الأولاد أسباطاً، فالحال أن السبط هم الجماعة من الناس.

ومن قال: الأسباط أولاد يعقوب، لم يرد أنهم أولاده لصلبه، بل أراد ذريته، كما يقال: بنو إسرائيل، وبنوآدم، فتخصيص الآية ببنيه لصلبه غلط، لا يدل عليه اللفظ ولا المعنى، ومن ادعاه فقد أخطأ خطأ بيناً.

والصواب أيضاً أن كونهم أسباطاً إنما سموا به من عهد موسى للآية المتقدمة، ومن حينئذ كانت فيهم النبوة، فإنه لا يعرف أنه كان فيهم نبي قبل موسى إلا يوسف، ومما يؤيد هذا أن الله تعالى لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال: "ومن ذريته داود وسليمان" الآيات، فذكر يوسف ومن معه، ولم يذكر الأسباط، فلو أن إخوة يوسف نبئوا كما نبئ يوسف لذُكروا معه.

وأيضاً فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء، وما يناسب النبوة، وإن كان قبل النبوة، كما قال عن موسى: "ولما بلغ أشده" الآية، وقال في يوسف كذلك.

وفي الحديث: "أكرم الناس يوسف بن يعقـوب بن إسحـاق بن إبراهيم، نبي من نبي من نبي"، فلو كانت إخوته أنبياء كانوا قد شاركوه في هذا الكرم، وهو تعالى لما قص قصة يوسف وما فعلوه معه ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة، ولا شيئاً من خصائص الأنبياء، بل ولا ذكر عنهم توبة باهرة كما ذكر عن ذنبه دون ذنبهم، بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار، ولا ذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء لا قبل النبوة ولا بعدها أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة، من عقوق الوالد، وقطيعة الرحم، وإرقاق المسلم، وبيعه إلى بلاد الكفر، والكذب البين، وغير ذلك مما حكاه عنهم، ولم يَحْكِ شيئاً يناسب الاصطفاء والاختصاص الموجب لنبوتهم، بل الذي حكاه يخالف ذلك، بخلاف ما حكاه عن يوسف.

ثم إن القرآن يدل على أنه لم يأت أهل مصر نبي قبل موسى سوى يوسف، لآية غافر، ولو كان من إخوة يوسف نبي لكان قد دعا أهل مصر، وظهرت أخبار نبوته، فلما لم يكن ذلك عُلم أنه لم يكن منهم نبي، فهذه وجوه متعددة يقوي بعضها بعضاً.

وقد ذكر أهل السير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر، وهو أيضاً، وأوصى بنقله إلى الشام فنقله موسى.

والحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم حَصَل من ظن أنهم هم الأسباط، وليس كذلك).

وقال الإمام السيوطي رحمه الله: (مسألة في رجلين قال أحدهما إن إخوة يوسف عليه السلام أنبياء، وقال الآخر: ليسوا بأنبياء فمن أصاب؟

الجواب: في إخوة يوسف عليه السلام قولان للعلماء، والذي عليه الأكثرون سلفاً وخلفاً أنهم ليسوا بأنبياء، أما السلف فلم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم قالوا بنبوتهم كذا قال ابن تيمية -  ولا أحفظه عن أحد من التابعين، وأما أتباع التابعين فنُقِل عن ابن زيد أنه قال بنبوتهم، وتابعه على هذا فئة قليلة، وأنكر ذلك أكثر الأتباع فمن بعدهم، وأما الخلف فالمفسرون فِرَقٌ، منهم من قال بقول ابن زيد كالبغوي، ومنهم من بالغ في رده كالقرطبي، والإمام فخر الدين، وابن كثير، ومنهم من حكى القولين بلا ترجيح كابن الجوزي، ومنهم من لم يتعرض للمسألة ولكن ذكر ما يدل على عدم كونهم أنبياء كتفسيره الأسباط بمن نبئ من بني إسرائيل، والمنزل إليهم بالمنزل على أنبيائهم، كأبي الليث السمرقندي والواحدي، ومنهم من لم يذكر شيئاً من ذلك، ولكن فسر الأسباط بأولاد يعقوب، فحسبه ناس قولاً بنبوتهم، وإنما أريد بهم ذريتهم لا بنوه لصلبه).

وقال القاضي عياض رحمه الله في "الشفا" بتعريف حقوق المصطفى وهو يتحدث عن عصمة الأنبياء: (وأما قصة يوسف وإخوته فليس على يوسف منها تعقب، وأما إخوته فلم تثبت نبوتهم فيلزم الكلام على أفعالهم، وذكر الأسباط وعدهم في القرآن عند ذكر الأنبياء.

قال المفسرون: يريد من نبئ من أبناء الأسباط.

وقد قيل: إنهم كانوا حين فعلوا بيوسف ما فعلوه صغار الأسنان، ولهذا لم يميزوا يوسف حين اجتمعوا به، ولهذا قالوا: أرسله معنا غداً يرتع ويلعب؛ وإن ثبتت لهم نبوة، فبعد هذا الفعل، والله أعلم).

قلت: لا شك أن الأنبياء عليهم السلام معصومون عن الكبائر والصغائر، وكل ما يشين المروءة قبل وبعد البعثة، وأن سائر ما صدر منهم لا يخرج إما أن يكون بسبب نسيان أوخطأ في اجتهاد، ولا يقرون على خطأ ولا نسيان أبداً.

أما فيما يتعلق بإخوة يوسف عليه السلام فالذي يظهر لي والله أعلم أن القول بنبوتهم له حظ من النظر، وتدل عليه اللغة، ولا يبعد كثيراً عن الحقيقة، وذلك للآتي:

أولاً: أن كلمة "الأسباط" تشمل الأحفاد المباشرين بالأولى والأحرى وتشمل ذراريهم، وأن من قال من المفسرين أن المراد بالأسباط الأحفاد فمن العسير تخطئته.

قال ابن منظور رحمه الله في مادة سبط: (قال أبو العباس: سألت ابن الأعرابي: ما معنى السبط في كلام العرب؟ قال: السِّبط، والسبطان، والأسباط خاصة الأولاد، والمُصَاص منهم، وقيل: السبط واحد الأسباط وهو ولد الولد.

ابن سِيده: السبط ولد الابن والابنة، وفي الحديث: "الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم.."، وقيل الأسباط خاصة الأولاد، وقيل أولاد الأولاد.

إلى أن قال: والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب، وهم الذين يرجعون إلى أب واحد، سمي سبطاً ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق).

ثانياً: أن إخوة يوسف فعلوا الذي فعلوا مع يوسف وهم صغار، غير مدركين، بدليل أنهم عندما اجتمعوا بيوسف لم يعرفوه.

ثالثاً: أن الدافع لهم على ذلك فرط غيرتهم من يوسف لتميزه عليهم.

رابعاً: كون الله سبحانه وتعالى لم يذكر شيئاً من أمرهم ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لا ينفي نبوتهم، لأن الرسل كثر، منهم من سمى الله، ومنهم من لم يسم: "منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك" الآية.

خامساً: قولهم عندما اتهموا بسرقة صواع الملك: "لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين" الآية يدل على أنهم من المصلحين، ولا يبعد أن يكونوامن النبيين.

سادساً: ندمهم على ما صدر منهم، وطلبهم من يوسف وأبيهم أن يستغفروا لهم.

سابعاً: كان هدفهم مما صنعوا بيوسف أن يبعدوا يوسف عن وجه أبيهم، ولم يقصدوا بيعه ولااسترقاقه، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية.

ثامناً: ما صنعوه بيوسف يمكن أن يدخل في دائرة الخطأ في تقدير الأمور والعواقب، وهو من الأمور الجائزة في حق الأنبياء.

تاسعاً: ما أصاب يوسف وأبيه من صنيعهم من باب الابتلاء الذي خص الله به الأنبياء والرسل: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل" الحديث، لرفع درجتهم وإعلاء منزلتهم عند الله.

عاشراً: هذه المسألة من المسائل الخلافية، وعلى المرء أن يعتقد فيها إلى ما أداه إليه اجتهاده، ولا يثرب على الآخرين.

والله أعلم بالصواب، وله المرجع والمآب، وصلى الله على جميع رسل الله والأصحاب

0000000000000000000000

الخزي المبين في اعتقاد الرؤساء والملوك في السحرة والمشعوذين

تعريف السحر

نماذج لما هو كفر من السحر

السحر له حقيقة وتأثير

الأدلة على كفر متعلم السحر المتعلق بالشياطين والكاوكب، والمشتغل به، ومصدقه

حد الساحر قتله

حكم تعلم السحر لغرض طيب

هل يجوز لمن سُحر أن يذهب إلى ساحر ليحله؟

نماذج للنشرة الجائزة

مخاطر الإيمان بالسحر والاشتغال به وتصديق السحرة

نماذج لتكذيب أئمة الهدى للكهنة والمنجمين والمتشعوذين

نماذج لتصديق الكفرة والجهلة وقليلي الإيمان للسحرة والكهنة والمنجمين والمشعوذين

 

السحر خطره عظيم، وضرره جسيم إذا تمشى في مجتمع، حيث لا يجتمع هو والإيمان برب العالمين، ولا بتصديق نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو القائل: "من أتى كاهناً فعرفه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".

وليس من العجيب اعتقاد الجهلة، والنساء، ولاعبي الكرة، والفنانين، فيما يقوله السحرة، والكهنة، والمشعوذين، ولكن الغريب اعتقاد بعض الملوك، والرؤساء، والوزراء، والوكلاء، ومديري البنوك وغيرهم في ذلك، الأقدمين منهم والمحدثين، المسلمين منهم وغير المسلمين، العرب منهم والأعجمين.

وصدق من قال: إن الأول لم يترك للآخر شيئاً، خيراً كان أم شراً، ويرجع ذلك لأسباب، هي:

1.  عدم اليقين أوقلته.

2.  الجهل بخطورة الاشتغال بالسحر وتصديق السحرة.

3.   ضعف العقول.

4.   الحرص على متع الدنيا الفانية.

5.   الغفلة وطول الأمل.

6.   عدم إقامة الحد على الساحر.

7.   سكوت العلماء عن مخاطر الشرك.

8.   انتشار الفكر الصوفي، لأن معظم المشتغلين بذلك من الطرقيين.

9.   الجهل بالدين.

10. الوهن والضعف.

تعريف السحر

لغة: هو كل ما دق ولطف وخفي سببه.

اصطلاحاً: السحر أنواع كثيرة، قيل ثمانية بل تزيد.

قال محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: (اعلم أن السحر في الاصطلاح لا يمكن حده بحد جامع مانع لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته، ولا يتحقق قدر مشترك بينها يكون جامعاً لها مانعاً لغيرها، ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حده اختلافاً متبايناً).

منه ما هو كفر، ومنه ما ليس بكفر ولكنه من كبائر المحرمات.

الذي يهمنا من هذه الأنواع ما هو كفر من السحر.

ذكر الحافظ ابن حجر عن الراغب الأصفهاني وغيره: (السحر يطلق على معان)، ملخصها:

1.    ما لطف ودق، ومنه سحرت الصبي إذا استملته، ومنه حديث: "إن من البيان لسحراً".

2.  ما يقع بخداع وتخيلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعوذ من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده، قال تعالى: "يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى"، وقال: "سحروا أعين الناس واسترهبوهم".

3.    ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم.

4.    ما يحصل بمخاطبة الكواكب واستنزال روحانياتها.

فالسحر الذي يكون تعلمه والاشتغال به وتصديقه كفر هو ما يتعلق بالشياطين، والكواكب، وقلب الأشياء وتغييرها عن حقيقتها.

ã

نماذج لما هو كفر من السحر

1.  الذي يركب المكنسة أويجلس على السرير ويطير به في الهواء.

2.  الذي يدعي أن الكواكب تخاطبه.

3.  الحل والعقد، أوالصرف والعطف.

4.  الذي يطيع الشياطين، ويذبح لها، ويستنزلها بالبخور ونحوه.

5.  تعاطي بعض المحرمات كشرب الدم، وتشبه النساء بالرجال.

قال ابن حزم: ومنه ما يوجد من الطلسمات كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب، في وقت كون القمر في العقرب، فينفع إمساكه من لدغة العقرب ـ كالمشاهد في بعض بلاد المغرب ـ وهي سرقسطة ـ فإنها لا يدخلها ثعبان قط إلا إن كان بغير إرادته، وقد يجمع بعضهم بين الأمرين الأخيرين كالاستعانة بالشياطين ومخاطبة الكواكب، فيكون هذا أقوى بزعمهم.

قال ابن العربي المالكي عن تعريف السحر: كلام مؤلف يعظَّم به غير الله تعالى، وتنسب إليه في المقادير والكائنات.

وقال ابن قدامة: السحر هو عقد ورقى وكلام يتكلم به، أويكتبه، أويعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور، أوقلبه، أوعقله.

ã

السحر له حقيقة وتأثير

ذهب أهل السنة قاطبة إلى أن للسحر حقيقة، وله تأثير بإذن الله، وبإرادة الله لحكمة يعلمها هو، وهو الراجح للأدلة النقلية الكثيرة، ولما هو مشاهد، وذهب أهل الأهواء من المعتزلة وغيرهم إلى أنه لا حقيقة له، وإنما هو مجرد خيالات باطلة.

قال الإمام المازري المالكي رحمه الله: جمهور العلماء على إثبات السحر، وأن له حقيقة، ونفى بعضهم حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة، وهو مردود لورود النقل بإثبات السحر.

وقال النووي رحمه الله: والصحيح أن له حقيقة وبه قطع الجمهور، وعليه عامة العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة.

ã

الأدلة على كفر متعلم السحر المتعلق بالشياطين والكاوكب، والمشتغل به، ومصدقه

الأدلة على كفر متعلم هذا النوع من السحر، والمشتغل به، والذاهب إليه، والمصدق له كثيرة جداً، نذكر منها ما يأتي:

1.  قوله تعالى: "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما مايفرِّقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله".

2.  وقوله تعالى: "ولا يفلح الساحر حيث أتى"، فقد نفى الله جميع أنواع الفلاح عن الساحر، كما نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفلاح بالكلية عمن ولوا أمرهم النساء.

3.  قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "اتقوا السبع الموبقات"، أي المهلكات، وذكر منهن السحر، بل قرنه بالإشراك بالله عز وجل.

4.  وقوله صلى الله عليه وسلم: "من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً وكل إليه".

5.  وقال ابن مسعود رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرقي والتمائم والتِّولة شرك".

قال الأصمعي رحمه الله: وهو الذي يحبب المرأة إلى زوجها.

6.  وعن ابن مسعود كذلك قال: "من أتى عرافاً، أوساحراً، أوكاهناً، فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم".

7.  واستدل الجمهورعلى كفر الساحر بقتل الصحابة له، وذلك لردته عن الدين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (أكثر العلماء على أن الساحر كافر يجب قتله، وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وحفصة بنت عمر، وعبد الله بن عمر، وجندب بن عبد الله).

ã

حد الساحر قتله

حد الساحر الذي يكفر بسحره القتل، ذكراً كان أم أنثى، مسلماً كان أم ذمياً، وذلك للأدلة الآتية:

1.  عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب: "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة"، قال: "فقتلنا ثلاث سواحر".

وقال ابن قدامة معلقاً على أثر بجالة هذا: فهذا مما اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعاً.

2.  وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: "حد الساحر ضربة بالسيف".

3. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها سحرتها جارية لها، فأقرَّت بالسحر وأخرجته، فقتلتها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فغضب، فأتاه ابن عمر فقال: جاريتها سحرتها، أقرت بالسحر وأخرجته؛ قال: فكفَّ عثمان رضي الله عنه؛ قال: إنما كان غضبه لقتلها إياها بغير أمره".

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وقد استدل بهذه الآية على أن السحر كفر، ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه التي قدمتها، وهو التعبد بالشياطين أوالكواكب، وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر به من تعلمه أصلاً، قال النووي: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفراً، ومنه ما لا يكون كفراً بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أوفعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر واستتيب منه ولا يقتل، فإن تاب قبلت توبته، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر، وعن مالك: الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب بل يتحتم قتله كالزنديق؛ قال عياض: وبقول مالك قال أحمد وجماعة من الصحابة والتابعين).

الراجح والله أعلم ما ذهب إليه مالك ومن وافقه أن الساحر كالزنديق لا يستتاب وإنما يقتل فإن تاب نفعته توبته في الآخرة.

ã

حكم تعلم السحر لغرض طيب

ذهب أهل العلم في حكم تعلم السحر لمن أراد أن يميز بين ما هو كفر وما ليس بكفر، ولمن أراد أن يحل به المسحورين مذهبين، منهم من أجاز ذلك، ومنهم من منع منه سداً للذريعة، وقفلاً لهذا الباب الخطر، وهو الأولى والأحوط، فدرء المفاسد مقدم على جلب المنافع.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وقد أجاز بعض أهل العلم تعلم السحر لأحد أمرين، إما لتمييز ما فيه  كفر من غيره، وإما لإزالته عمن وقع فيه، فأما الأول فلا محذور فيه إلا من جهة الاعتقاد، فإذا سلم الاعتقاد فمعرفة الشيء بمجرده لا تستلزم منعاً، كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثان للأوثان، لأن كيفية ما يعمله الساحر إنما هي حكاية قول أوفعل، بخلاف تعاطيه والعمل به، وأما الثاني فإن كان لا يتم كما زعم بعضهم إلا بنوع من أنواع الكفر والفسق فلا يحل أصلاً، وإلا جاز للمعنى المذكور).

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية في رد على سؤال: ما المقصود بقوله: "تعلموا السحر ولا تعملوا به"، لأن بعض الناس يقول: إنه حديث ضعيف؟ ما يأتي: (يحرم تعلم السحر سواء للعمل به أوليتقه، وقد نص الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم على أن تعلمه كفر.

إلى أن قال:

وأما ما ذكرت من قول: "تعلموا السحر ولا تعملوا به" فليس بحديث، لا صحيح ولا ضعيف، فيما يعلم).

ã

هل يجوز لمن سُحر أن يذهب إلى ساحر ليحله؟

ذهب أهل العلم في ذلك مذهبين، هما:

الأول: لا يحل السحر بسحر، ومن ثم لا يجوز الذهاب إلى ساحر ليحله مما به، وهذا هو الراجح، وهو مذهب الحسن، للأدلة الآتية:

1.  روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه فلم تقبل له صلاة أربعين يوماً".

2.  وفي رواية لأبي هريرة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم".

3.  وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النُّشْرَة فقال: "هي من عمل الشيطان"، والمراد هنا النُّشْرَة المحرمة.

قال ابن القيم: النُّشْرَة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان.. فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور).

4.  وروي عن الحسن: "لا يحل السحر إلا ساحر".

الثاني: يجوز، لأن الضرورات تبيح المحظورات، وإلى هذا ذهب سعيد بن المسيب، وأحمد بن حنبل.

قـال البخـاري في صحيحه في كتـاب الطب بـاب "هل يستخـرج السحر؟": "وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب ـ أويؤخذ عن امرأته ـ أيحل عنه أوينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه".

قال الحافظ في شرح هذا الأثر: (وصله الأثرم في "كتاب السنن" من طريق أبان العطار عن قتادة، ومثله من طريق هشام الدستوائي عن قتادة بلفظ "يلتمس من يداويه"، فقال: "إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع"، وأخرجه الطبري في "التهذيب" من طريق يزيد بن زريع عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى باساً إذا كان بالرجل سحر أن يمشي إلى من يطلق عنه، فقال: هو صلاح؛ قال قتادة: وكان الحسن يكره ذلك، يقول: "لا يعلم ذلك إلا ساحر"، قال: فقال سعيد بن المسيب: "إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع"، وقد أخرج أبو داود في "المراسيل" عن الحسن رفعه: "النُّشْرَة من عمل الشيطان"، ووصله أحمد وأبو داود بسند حسن عن جابر، قال ابن الجوزي: "النُّشْرَة حَلُّ السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر، وقد سئل أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور، فقال: لا بأس به؛ وهذا هو المعتمد، ويجاب عن الحديث والأثر بأن قوله: "النُّشْرَة من عمل الشيطان" إشارة إلى أصلها، ويختلف الحكم بالقصد، فمن قصد بها خيراً كان خير، وإلا فهو شر، ثم الحصر المنقول عن الحسن ليس على ظاهره، لأنه قد ينحل بالرقى والأدعية والتعاويذ، ولكن يحتمل أن تكون النُّشْرَة نوعين).

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في سؤال عن ذلك: (لا يجوز لك أن تذهب إلى ساحر من أجل أن يحل السحر الذي تجده في نفسك بسحر مثله، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من تطيَّر أوتطيِّر له، أو تكهَّن أوتكهِّن له، أوسحَر أوسُحِر له"، رواه الطبراني عن عمران بن الحصين، قال المناوي: إسناده جيد، ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن النُّشْرَة: "هي من عمل الشيطان"، رواه الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد، والنُّشْرَة: هي حل السحر عن المسحور بالسحر).

وفي إجابة عن سؤال مماثل قالت:

لا يجوز ذلك، وعللت ذلك: وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي ونهى عن التداوي بالحرام، فقال صلى الله عليه وسلم: "تداووا، ولا تداووا بالحرام"، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها").

ã

نماذج للنشرة الجائزة

من أنفع العلاجات وأفيدها الرقى بالقرآن وبالأذكار النبوية الصحيحة، وبالتحصينات اليومية صباح مساء.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (والثاني: النُّشْرَة بالرقية والتعوذات والدعوات وأدوية مباحة فهذا جائز).

1. ومما جاء في صفة النُّشْرَة الجائزة ما روى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله، تقرأ في إناء فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور، الآية التي في سورة يونس: "ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين" إلى قوله: "ولو كره المجرمون".

وقوله: "فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون"، إلى آخر الآيات الأربع.

وقوله: "إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى".

2. وقال ابن بطال المالكي في كتاب وهب بن منبه: أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر، فيدقه بين حَجَرَين، ثم يضربه بالمـاء، ويقرأ فيه آية الكرسي، والقواقل، ثم يحسـو منه ثلاث حسـوات، ثم يغتسل به، يذهب كل ما به، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله).

ã

ما قارب الشيء يعطى حكمه

ما يتعلق ويرتبط بالسحر كالتنجيم، والكهانة، والرمل، والودع، والدجالين، والطرقيين، والاعتقاد في المشعوذين، وكتابة أبجاد، وقراءة الكف، والطيرة، والزجر، والتشاؤم، وادعاء معرفة الغيب بأي وسيلة من الوسائل.

هذه الوسائل كلها تلحق بالسحر، وحكمها حكمه إذا ارتبطت بالشياطين، لمن اعتقد فيها وصدق مدعيها.

ã

الأدلة على ذلك

الأدلة على ارتباط هذه الأعمال بالسحر ما يأتي:

1.  قوله صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحـر".

2.  قوله صلى الله عليه وسلم: "العيافة، والطرق، والطيرة من الجبت".

3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر"، متفق عليه، زاد مسلم: "ولا نوء ولا غول".

4. وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه إثر سماء ـ أي مطر ـ: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؛ قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب".

5. هذا بجانب حديث: "من أتى كاهناً فصدقه فقد كذب بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم".

ã

مخاطر الإيمان بالسحر والاشتغال به وتصديق السحرة

تعلم السحر المتعلق بالكواكب والشياطين ناقض من نواقض الإسلام المتفق عليها، لأنه لا يتم للساحر ما يريد إلا بعبادة هذه الكواكب والشياطين، وإلا يترك فرضاً من فرائض الدين، بأن يأمره الشيطان والعياذ بالله مثلاً أن يضع عذرة على المصحف، أو أن يصلي من غير طهارة، أوأن يترك الجمع والجماعات، أوأن يفطر يوماً من رمضان من غير عذر، ونحو ذلك.

قال ابن حجر الهيتمي: (إن اشتمل السحر على عبادة مخلوق كالشمس، أوالقمر، أوكوكب، أوغيرها، أوالسجود له، أوتعظيمه كما يعظم الله تعالى، أواعتقاد أن له تأثير بذاته، أوتنقيص نبي، أومَلَك.. كان كفراً وردة).

وقال السعدي: (السحر يدخل في الشرك من  جهتين: من جهة ما فيه من استخدام الشياطين، ومن التعلق بهم، وربما تقرب إليهم بما يحبون ليقوموا بخدمته ومطلوبه، ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب، ودعوى مشاركة الله في علمه، وسلوك الطرق المفضية إلى ذلك، وذلك من شعب الشرك والكفر).

والخلاصة أن السحر والإيمان لا يجتمعان في قلب امرئ، فإذا دخل السحر خرج الإيمان، وإذا استقر الإيمان في القلب لا يجاوره السحر فيه أبداً.

ã

نماذج لتكذيب أئمة الهدى للكهنة والمنجمين والمتشعوذين

هذه بعض النماذج لتكذيب بعض أئمة الهدى للسحرة والكهنة والمنجمين وغيرهم:

1.  سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم يكذب الكهنة والمنجمين

o     عندما خبأ لابن الصياد الدخان، فقال ابن الصياد: الدخ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخسأ يا عدو الله، فلن تعدو قدرك".

o     عندما قال له بعض المنجمين: لا تغزُ في صفر، فإنك إن غزوت فيه ستهزم؛ فغزا فيه وانتصر، ولقبه بصفر الخير.

2.  هدم خالد لصنم العُزَّى وقتل الشيطانة التي كانت بداخله

روى البيهقي بسنده عن أبي الطفيل قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العُزَّى فأتاها، وكانت على ثلاث سَمُرات، فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال له: "ارجع فإنك لم تصنع شيئاً".

فرجع خالد، فلما نظرت إليه السدنة وهم حجابها أمعنوا هرباً في الجبل وهم يقولون: يا عُزَّى خَبِّليه، يا عُزَّى عوِّريه، وإلا فموتي برَغْم!

قال: فأتاها خالد، فإذا امرأة عارية ناشرة شعرها، تحثو التراب على رأسها ووجهها، فعممها بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "تلك العزى".

وروى الواقدي وغيره أنه لما قدمها خالد لخمس بقين من رمضان فهدمها ورجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما رأيتَ؟" قال: لم أر شيئاً؛ فأمره بالرجوع، فلما رجع خرجت إليه من ذلك البيت امرأة سوداء ناشرة شعرها تولول، فعلاها بالسيف، وجعل يقول:

يا عُزَّى كفرانك لا سبحانك            إني رأيتُ الله قد أهانك

ثم خرب البيت الذي كانت فيه، وأخذ ما كان فيه من الأموال، رضي الله عنه وأرضاه، ثم رجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تلك العزى ولا تعبد أبداً".

3.  ما قاله عمرو بن العاص لأقباط مصر وكتاب عمر رضي الله عنه لنيل مصر

كانت للقبط عادة وثنية وهي أنهم يزعمون أن النيل لا يجري ولا يفيض إلا إذا ألقيت فيه جارية عذراء، فأرادوا أن يجروا على هذه القاعدة في الإسلام، فنهاهم عمرو بن العاص وكتب إلى أمير المؤمنين عمر.

(أتى أهلُ مصر عمرو بن العاص فأخبروه أن لنيلهم سنة، وهو أنه لا يجري حتى تلقى فيه جارية بكر بين أبويها، ويجعل عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، فقال لهم عمرو بن العاص: إن هذا لا يكون، وإن الإسـلام يهدم مـا قبله؛ فأقامـوا ثلاثة أشهر لا يجري قليلاً ولا كثيراً، حتى هموا بالجلاء، فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه عمر: قد أصبتَ، إن الإسلام يهدم ما قبله، وقد بعثتُ إليك بطاقة فألقها في النيل؛ ففتح عمرو البطاقة قبل إلقائها، فإذا فيها: من عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد، فإن كنتَ تجري من قِبَلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك؛ فالقى عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها، فأصبحوا وقد أجراه الله ستة عشر ذراعاً في ليلة).

4.  أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كذب المنجمين وسفَّه أحلامهم

قال القرطبي: (قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أراد لقاء الخوارج: أتلقاهم والقمر في العقرب؟ فقال رضي الله عنه: فأين قمرهم؟ وكان ذلك في آخر الشهر.

فانظر إلى هذه الكلمة التي أجاب بها، وما فيها من المبالغة في الرد على من يقول بالتنجيم، وإلإفحام لكل جاهل يحقق أحلام النجوم، وقال له مسافر بن عوف: يا أمير المؤمنين! لا تسر في هذه الساعة، وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار؛ فقال له علي: ولِمَ؟ قال له: إن سرتَ في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك بلاء وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك بها ظفرتَ وظهرتَ وأصبتَ ما طلبت؛ فقال علي رضي الله عنه: ما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم منجم، ولا لنا من بعده ـ في كلام طويل يحتج بآيات من التنزيل ـ فمن صدقك في هذا القول لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله نداً أوضداً، اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك؛ ثم قال للمتكلم: نكذبك ونخالفك، ونسير في الساعة التي تنهانا عنها؛ ثم أقبل على الناس، فقال: أيها الناس إياكم وتعلم النجوم، إلا ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر، وإنما المنجم كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، والله لئن بلغني أنك تنظر في النجوم وتعمل بها لأخلدنك في الحبس ما بقيتَ وبقيتُ، ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان؛ ثم سافر في الساعة التي نهاه عنها، ولقي القوم فقتلهم، وهي وقعة النهروان الثابتة في الصحيح لمسلم.

ثم قال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا وظفرنا وظهرنا لقال قائل: سار في الساعة التي أمر بها المنجم، ما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم منجم ولا لنا من بعده، فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر وسائر البلدان؛ ثم قال: أيها الناس! توكلوا على الله وثقوا به، فإنه يكفي ممن سواه).

5.  ما قاله عبد الملك بن مروان عند قتل الحارث الكذاب

الحارث الكذاب أضلته الشياطين، فكانت الحصاة تسبح بين يديه، وعندما جيء به ليُقتل على كفره وردته سنة 80 ﻫ بدمشق، ضرب بالحربة فلم تنفذ فيه، فقال عبد الملك للضارب: قل باسم الله واطعن؛ فنفذت فيه وقتل.

6.  قتيبة بن مسلم الباهلي حَرَّق أصناماً ولم يأبه بقول العجم

ذكر الإمام الطبري رحمه الله في تاريخه أن قتيبة بن مسلم الباهلي رحمه الله (دخل المدينة -سمرقند- وبُنِيَ له فيها مسجد، وصلى فيه، وأنه أتي بالأصنام فسلبت، ثم وضعت بين يديه، فكانت كالقصر حين جمعت، فأمر بتحريقها، فقالت الأعاجم: إن فيها أصناماً مَنْ حرقها هلك؛ فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي؛ فجاء "قوزك"، فجثا بين يديه، وقال: أيها الأمير! إن شكرك عليَّ واجب، لا تعرض لهذه الأصنام؛ فدعا قتيبة بالنار، وأخذ شعلة بيده، وخرج وكبر ثم أشعلها، وأشعل النار فاضطرمت، فوجدوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال).

7.  المعتصم العباسي يخالف أمر المنجمين في فتح عموريا

عندما حاصر المعتصمُ العباسي عموريا لفتحها قال له بعض المنجمين: مدينتنا هذه لا تفتح في هذه الأيام؛ فتفه كلامهم وسفه أحلامهم، وشد عليها حتى فتحها الله على يديه، وصاغ ذلك شعراً أبو تمام رحمه الله، في قصيدته البديعة:

السيف أصدق إنبـاءً من  الكتب        في حده الحد بين  الجد واللعب

بيضُ الصفائح لا سودُ الصحائف        في متونهن جلاء الشك والريب

ã

نماذج لتصديق الكفرة والجهلة وقليلي الإيمان للسحرة والكهنة والمنجمين والمشعوذين

وبضدها تتميز الأشياء، حتى تكتمل الصورة لابد من ذكر بعض النماذج لتصديق الكفرة، والجهلة، وقليلي أوعديمي الإيمان للسحرة، والكهنة، ومدعي معرفة الغيب، حتى يتضح لك صدق التوكل واليقين مقارناً بالخور، والضعف، والعجز، والجهل بالأحكام الشرعية، ولتعلم الفرق الواسع والبون الشاسع بين الموحدين المتوكلين وبين المشعوذين الخرافيين.

1. المَلِكُ الذي فتن أصحاب الأخدود

من أجل الأمثلة على وهن كثير من الملوك والرؤساء وحرصهم على عروشهم، ولو أدى ذلك إلى كفرهم وخسرانهم للآخرة مَلِك أصحاب الأخدود الذين حكى الله لنا قصتهم في سورة البروج، الذي أصبح قدوة لغيره من الملوك والحكام.

خرج مسلم في صحيحه بسنده إلى صهيب بن سنان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر -أي الساحر- قال للملك: إني قد كبرت، فابعث إليَّ غلاماً أعلمه السحر، فبعث إليه غلاماً يعلمه، فكان في طريقه -أي الغلام- إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب فقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إن خشيتَ الساحر فقل حبسني أهلي، وإن خشيتَ أهلك فقل حبسني الساحر؛ فبينما هو كذلك إذا أتى على دابة عظيمة، قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؛ فأخذ حجراً، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس؛ فرماها فقتلها ومضى الناس.

فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب: أي بني، أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليَّ؛ وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما ههنا لك أجمع، إن أنت شفيتني؛ فقال: إني لا أشفي أحـداً، إنما يشفـي الله، فإن أنت آمنت بالله، دعـوتُ الله فشفاك؛ فآمن فشفاه الله، فأتى الملك، فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي؛ قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله؛ فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل؟ فقال: إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله؛ فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك؛ فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه.

ثم جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دينك؛ فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه.

ثم جيء بالغلام، فقيل له: ارجع عن دينك؛ فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به، فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفينيهم بما شئت؛ فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله؛ فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا فاحملوه في قرقور، فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه، وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم اكفينيهم بما شئت؛ فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله.

فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به؛ قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني؛ فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوضع السهم في صدغه، فوضع -أي الغلام- يده في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام؛ فأتى الملك، فقيل له: أرأيتَ ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس؛ فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت، وأضرب النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها؛ أوقيل: اقتحم؛ ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق.

هذه البدعة الخبيثة والسنة السيئة يمارسها كثير من الملوك والرؤساء في العالم، كفاراً ومسلمين، وأضحى بعضهم يدل الغافل عنها عليها ويهدي بعض السحرة والكهان لمن يريد برهم.

ومن لم يتجاسر على ذلك منهم استغنى عنه بالمنجمين والمشعوذين والقبوريين، فما منهم من أحد إلا وهو يحتضن بعضاً من هؤلاء، ويصدقونهم في إفكهم، ويأتمرون بأمرهم، وينتهون بنهيهم، متظاهرين بكسب أتباعهم، خاصة عندنا في السودان قديماً وحديثاً.

2.  يقول محقق كتاب طبقات ود ضيف ـ دكتور يوسف فضل ـ في مقدمة التحقيق: (ولم يكن الاعتقاد في الأولياء وقفاً على عامة الناس، بل اعتقد الملوك والسلاطين فيهم، وكانوا لا يشرعون في عمل هام إلا بعد مشورتهم كما فعل الشيخ عجيب عندما عزم على حرب الفونج فنهاه الشيخ إدريس "ود الأرباب" متنبئاً بأنهم سينتصرون عليه، وسيسودون ذريته إلى يوم القيامة (!!).

وحين طلب الملك بادي مشورته على حرب العبدلاب وافقه وتنبأ له بالنصر، ولما استجارت الأميرة كميرة بالشيخ خليل الرومي ليساعد أخاها الملك بادي ود أونسة على استرداد عرشه اشترط أن يعلن الملك توبته أولاً ففعل، قائلاً: أنا تبت عن جميع ما نهاني عنه؛ فقال له الشيخ خليل: الفونج أخذوا عمامة الملك منك فخذ عمامتي هذه، وضمنت لك ملك أبيك إلى أن تموت.

ولما تعرض مُلْك المك عبد السلام للضياع استغاثوا بالشيخ بدوي ود أبي دليق فنجدهم، وكان حمل طينة من الشيخ خوجلي بن عبد الرحمن كفيلة بجلب البركة لمن ينوي مقابلة حاكم أوسلطان.

لم يكتف البعض بالاعتماد والاستغاثة بالمخلوقين الأحياء بل تعدوا ذلك إلى الأموات.

3.  لما هاجم التتار بلاد الشام خرج كثير من أهلها يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضرهم، حتى قال شاعرهم منبهاً الغافلين عن ذلك:

يا خائفين من  التتر            لوذوا بقبر أبي عمر

لوذوا بقبر أبي عمر           ينجيكـم من  الخطر

فقال لهم شيخ الإسلام ابن تيمية مخاطباً لهم: لو كان أبو عمر حياً ما أغنى عنكم وأنتم في هذه الحال من ضعف الإيمان والعدة.

فأخذ يأمر الناس بإخلاص الدين لله، ويحثهم ويحضهم هو وتلاميذه على الجهاد، "فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الاستغاثة بربهم نصرهم على عدوهم نصراً عزيزاً".

ولا تزال هذه السنة سائدة في حكامنا، فما منهم من أحد إلا وهو محتضن لقبوري ومتشعوذ.

فعلى المسلمين حكاماً ومحكومين أن يحققوا توحيدهم لربهم، وأن يخلصوا دينهم لله، وليعلموا أن الأمة لو اجتمعت على أن تنفع إنساناً بشيء لم يكتبه الله له ما استطاعت، ولو اجتمعت على أن تضره بشيء لم تستطع أن تضره إلا بما كتبه الله له، رُفعت الأقلام وجفت الصحف.

وأربأ بحكام المسلمين أن يقتدوا بالكفرة والمعاندين، وأن يبيعوا آخرتهم بمُلْكٍ فانٍ، فالإيمان بما يقوله السحرة، والكهنة، والمشعوذون، والقبوريون يتنافى مع الإيمان بقضاء الله وقدره، وأن الإيمان بما يقوله هؤلاء لا يوافق الإيمان برب الأرض والسماء، فالإيمان بالله ورسوله لا يجتمع في قلب امرئ يؤمن ويصدق ما يقوله السحرة والكهنة ومن شابههم.

والله أسأل لي ولإخواني المسلمين إيماناً صادقاً، ويقيناً كاملاً، وتوبة نصوحاً، وعلماً نافعاً.

وصلى الله وسلم على إمام الموحدين، وسيد المتوكلين، وعلى آله وصحابته الطاهرين الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

00000000000000000000

الخوف من الأعداء والتأهب عند اللقاء لا ينافي التوكل على الله

الأخذ بالأسباب المشروعة، والوسائل غير الممنوعة، من جملة التوكل على الله عز وجل، قـال تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن ربـاط الخيل ترهبـون به عدو الله وعـدوكم".

وقال صلى الله عليه وسلم: "لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خمصاً وتعود بطاناً"، وقال للأعرابي الذي قال له: إني متوكل، هل اطلق ناقتي أم أعقلها؟ قال: "اعقلها وتوكل".

ولله در الإمام الحسن البصري الرضا حين أخْبِر أن عامر بن عبد الله بن الزبير نزل مع أصحابه في طريق الشام على ماء فحال الأسد بينهم وبين الماء، فجاء عامر إلى الماء فأخذ منه حاجته، فقيل له: قد خاطرت بنفسك؛ فقال: لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إليَّ من أن يعلم الله أني أخاف شيئاً سواه، فقال: قد خاف من كان خيراً من عامر، موسى صلى الله عليه وسلم حين قال له: "إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين. فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين".

وقال: "وأصبح في المدينة خائفاً يترقب"، وقال حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم: "فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى".

ورسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام عندما قال لهم الناس: "إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"، أخذوا كذلك من أسباب التحصين، فحفروا الخندق حول المدينة تحصيناً للمسلمين وأموالهم، مع إنه إمام المتوكلين وسيد المتيقنين.

وكذلك عندما اشتد أذى المشركين للمستضعفين في مكة أذن لهم في الهجرة إلى الحبشة، وقال لهم: إن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد؛ فخرج أصحابه مستخفين من المشركين.

وقد هاجر إلى المدينة سراً ودخل الغار هو وصاحبه، وعملوا من الترتيبات الدقيقة الحصيفة الكثير.

فعلوا كل ذلك خوفاً من مشركي مكة، وهرباً بدينهم أن يفتنوهم بتعذيبهم.

وكان أبو بكر الصديق وهو في الغار، وهو من الأئمة المتوكلين، يخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتقدمه تارة، ويتأخر عنه أخرى، حتى طمأنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما".

قالت أسماء بنت عميس لعمر رضي الله عنهما لما قال لها: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؛ قالت: كذبتَ، كلاوالله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار ـ أوأرض ـ البُعَداء البُغَضاء في الحبشة، وذلك في الله ورسوله، وأيم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف.

قال القرطبي معلقاً على مقولة عامر بن عبد الله: (قال العلماء: فالمخبر عن نفسه بخلاف ما طبع الله نفوس بني آدم عليه كاذب، وقد طبعهم على الهرب مما يضرها ويؤلمها أويتلفها، قالوا: ولا ضار أضر من سبع عادٍ في فلاة من الأرض على من لا آلة معه يدفعه بها عن نفسه من سيف، أورمح، أونبل، أوقوس، وما أشبه ذلك.

وقال في تفسير قوله تعالى: "لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى": (قال العلماء: لما لحقهما ما يلحق البشر من الخوف على أنفسهما عرَّفهما الله سبحانه أن فرعون لا يصل إليهما ولا قومه، وهذه الآية ترد على من قال: إنه لا يخاف، والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم).

قال عمر رضي الله عنه لجماعة من الأعراب كانوا إذا مرضت إبلهم سألوا عجوزاً الدعاء: "اجعلوا مع دعاء العجوز شيئاً من القطران".

000000000000

حدُّ الردَّة هو السِّياج المنيع والحصن الحصين لحماية هذا الدِّين والحفاظ على المسلمين

تمهيد

تعريف الردة

أدلة كفر المرتد

كيفية توبة المرتد ردة مجردة

أدلة قتل المرتد

لا فرق بين الرجل والمرأة في إقامة حد الردة

أنواع الردة

أقوال أهل العلم في ذلك

نماذج للفرق المعاصرة المرتدة عن الإسلام

أسباب الوقوع في الردة

حكم من أباح الردة وأنكر حدها

تمهيد

الحمد لله الذي جعل الدَِّين قواماً، ومحمد بن عبد الله للمتقين إماماً صلى الله عليه وآله وسلم، والحدود الشرعية حافظاً وسياجاً، والعلماء العاملين ردءاً لدين الله عز وجل، ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل المبطلين، وشبه وتشكيك الشاكين، ودعاوى المارقين، فجزى الله الإسلام وجزاهم عنه خير الجزاء، وأمدَّهم بعونه وتوفيقه، وحفظهم وكلأهم بعين رعايته، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ولا حول ولا قوة إلا به.

لقد رفع المنافقون ـ نفاق الاعتقاد ـ في الآونة الأخيرة عقيرتهم، وأبانوا عن سوأتهم، وكشفوا عن قبيح معتقداتهم، وناصبوا الأمة الإسلامة بعداوتهم، وحاربوها بالتشكيك والطعن في الثوابت والمسلمات، بل بلغت بهم الجرأة والوقاحة أن أباحوا الردة وأنكروا حدها، وساووا بين دين الحق والأديان الباطلة، فازدادوا كفراً ونفاقاً إلى كفرهم ونفاقهم، لردهم لآي القرآن، وصحيح السنة، ودفعهم لما هو معلوم من الدين ضرورة، وذلك كله لسكوت العلماء، ولإحجام الحكام عن حماية شرع الله، فمن لم يردعه القرآن أخافه السلطان، فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن: "من أمن العقوبة أساء الأدب"، ورحم الله الإمام أبا بكر بن العربي المالكي عندما وصف كفر غلاة الشيعة بأنه "كفر بارد لا تسخنه إلا حرارة السيف، أما دفء المناظرة فلا يؤثر فيه".

فما الذي يردع هؤلاء؟ وهم يرون من سبقهم من الزنادقة أمثال سلمان رشدي، ونصر أبي زيد، والبغدادي، وغيرهم كثير لا كثر الله من أمثالهم، يسرحون ويمرحون ويُحمون، وينادي بعض المنهزمين من العلماء بعدم إقامة الحد على بعضهم بدعوى أنهم تابوا !!

ترى ما الذي منع بشر المريسي من إظهار بدعة الاعتزال وكان يعتقدها ويخفيها منذ عهد الرشيد؟ سوى خوفه من الرشيد، ولما أمن العقوبة في عهد المأمون أساء الأدب وأظهر ما كان يخفيه.

وبعد..

فهذا بحث عن تعريف الردة، وحدها، وأقسامها، وأدلة ذلك، والأسباب الداعية لها، وهل للمرتد من توبة؟ وعن أحكام المرتد، وعمن قتله ولاة أمر المسلمين من المرتدين قديماً وحديثاً، كتبت ذلك نصحاً للأمة، ومعذرة إلى ربي، ولعلهم يرجعون، ورداً على ما سطر ويسطر في الصحف هذه الأيام من المتطفلين الجرآء الجاهلين، وتهجمهم على الدين، وتشكيكهم في هذا الحد الذي جعله الله حماية للدين، وزجراً للزنادقة المارقين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإنه لو لم يقتل ذلك المرتد لكان الداخل في الدين يخرج منه، فقتله حفظ لأهل الدين وللدين، فإن ذلك يمنع من النقص، ويمنعهم من الخروج عنه).

إذ لا يحل تأخير البيان عن وقت الحاجة، وقد تأخر، مما حدى بهؤلاء الورَّاقين السفهاء أن ينادوا بإسقاط حد الردة، ويعتبروا إقامة حدها جريمة لا تغتفر: "كبُرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً"، ونبشر هؤلاء أن حد الردة قائم ما قامت السموات والأرض، ولو اجتمع من في الأرض جميعاً لما استطاعوا أن يسقطوا حداً من حدود الله، دعك عن مجموعة الوراقين، ونذكرهم بأن دين الله منصور، وعليهم أن لا يغتروا بغلبة إخوانهم أهل الكفر والفجور، فالأيام دول، والحرب سجال، والله غالب على أمره، ونذكرهم كذلك بأن إقامة الحد عليهم في الدنيا أفضل لهم من إقامته عليهم يوم يقوم الأشهاد.

على المسؤولين أن يتقوا الله في دينه، ويعملوا على إيقاف هذه الحملات الكفرية التي يقودها الشيوعيون والمنافقون في الصحف، وفي بعض الجامعات؛ في الصحف الحائطية، وأركان النقاش، وليعلموا أن ذلك من أوجب واجباتهم، فليس هناك شيء أوجب على الحاكم من حماية الدين وردع الزنادقة المارقين بعد أن خرجوا من أجحارهم، ويمّموا نحو "الإمبريالية العالمية"، بعد سقوط روسيا الشيوعية، عجباً لهؤلاء الذين لم يرضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً، واستعاضوا عن ذلك بالعبودية لغير الله، والعمالة لكل من يحادّ الله ورسوله والمؤمنين: "ومن يهن الله فما له من مكرم"، لا غرو في ذلك فقد أصبحت روسيا نفسها عميلة لأمريكا، فالعقوق سمة من سمات هؤلاء القوم، ومن قبل عقوا لدين آبائهم وأجدادهم.

والله أسأل أن يوفق ولاة الأمر من الحكام والعلماء للقيام بدورهم، وتحمل مسؤولياتهم، وأداء واجباتهم على الوجه الذي يرضيه، وأن ينتقم من الكفار والمنافقين، وأن يخالف بين قلوبهم، ويجعل كيدهم في نحورهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على حامي حمى الدين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

تعريف الردة

الرِّدَّة هي الرجوع عن الإسلام كلياً أوجزئياً بإنكار ما هو معلوم من الدين ضرورة، بنفي ما أثبته الله ورسوله، أوإثبات ما نفاه الله ورسوله، وتكون بالفعل، والترك، والنطق، والاعتقاد، والشك، جاداً كان المرتد أم هازلاً.

وبلفظ آخر أن يرتكب الإنسان ناقضاً من نواقض الإسلام.

قال الكاساني الحنفي المتوفي 587: (أما ركن الردة فهو إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود الإيمان، إذ الردة عبارة عن الرجوع عن الإيمان).

وقال الصاوي المالكي المتوفى 1241هـ في "الشرح الصغير": (الردة كفر مسلم بصريح من القول، أوقول يقتضي الكفر، أوفعل يتضمن الكفر).

وقال الشربيني الشافعي المتوفى 977هـ في "مغني المحتاج": (الردة هي قطع الإسلام بنية أوفعل، سواء قاله استهزاءً أوعناداً أواعتقاداً).

وقال البهوتي الحنبلي المتوفى 1050هـ في "كشَّاف القناع": (المرتد شرعاً الذي يكفر بعد إسلامه نطقاً، أواعتقاداً، أوشكاً، أوفعلاً).

أدلة كفر المرتد

كثيرة جداً، منها:

   قوله تعالى: "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".

   قوله تعالى: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".

   وقوله: "إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".

   وقوله: "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً".

   وقوله: "ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين".

   وقوله: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين"، فلم يستثن إلا المكره من الكفر.

   وقال عن كفر المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر: "ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون".

   وقال مميزاً المنافقين على إخوانهم الكافرين لعظيم ضررهم على الإسلام والمسلمين: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً".

   وقوله تعالى: "كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق.. أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".

   وقال عن كفر تاركي الصلاة: "ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين. وكنا نخوض مع الخائضين. وكنا نكذب بيوم الدين".

   وقال عن المنافقين: "ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون".

حكم المرتد

)  في الدنيا

1. يُفرَّق بينه وبين زوجته، فإن تاب قبل انقضاء عدتها رجعت إليه، وإن انقضت عدتها قبل أن يتوب تبيَّن فسخ النكاح منذ ارتداده، سواء كانت ردته قبل الدخول بها أوبعد الدخول.

2. يُمنع من التصرف في ماله، وينفق منه على عياله، وتقضى ديونه.

3. لا يرث، ولا يورث، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ"، ويكون ما تركه فيئاً لبيت مال المسلمين، ومن أهل العلم من قال لورثته.

قال القرطبي عن ميراث المرتد: (قال علي بن أبي طالب، والحسن، والشعبي، والحَكَم، والليث، وأبوحنيفة، وإسحاق بن رَاهَوَيْه: ميراث المرتد لورثته من المسلمين، وقال مالك، وربيعة، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبو ثور: ميراثه في بيت المال).

والراجح ما ذهب إليه مالك والشافعي ومن وافقهما أن ميراثه لبيت مال المسلمين، للحديث: "لا يرث المسلمُ الكافرَ.."، وينفق على عياله من بيت مال المسلمين.

4. يُقتل المرتد من غير استتابة إن قُدِر عليه، إذا كانت ردته مغلظة، لأن الردة تنقسم إلى قسمين:

   مغلظة، وهي ما تكون مصحوبة بمحاربة الله، ورسوله، وأوليائه من العلماء العاملين، وعداوتهم، والمبالغة في الطعن في الدين، والتشكيك في الثوابت.

   ومجردة، وهي التي لم تصحب بمحاربة ولا عداوة ولا طعن وتشكيك في الدين، وكل الآثار التي وردت في استتابة المرتد متعلقة بالردة المجردة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن الردة على قسمين: ردة مجردة، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها، وكلاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها، والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعمُّ القسمين، بل إنما تدل على القسم الأول ـ الردة المجردة ـ كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد، فيبقى القسم الثاني ـ الردة المغلظة ـ وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها، ولم يأت نص ولا إجماع على سقوط القتل عنه، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي، فانقطع الإلحاق، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أوبأي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرَّق بين أنواع المرتدين).

قال في "نيل المآرب في تهذيب عمدة الطالب": (ولا تقبل في الدنيا توبة من سبَّ الله تعالى، أورسوله، سباً صريحاً، أوتنقصه، ولا توبة من تكررت ردته، بل يقتل بكل حال، لأن هذه الأشياء تدل على فساد عقيدته).

5. يتولى قتله الإمامُ أومن ينوب عنه.

6. لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.

7. يبطل عمله، نحو حجة الإسلام، وهذا مذهب مالك ومن وافقه، لقوله تعالى: "لئن أشركتَ ليحبطنَّ عملك ولتكونن من الخاسرين"، وذهب الشافعي وأحمد إلى أن: (من ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم يحبط عمله ولا حجه الذي فرغ منه، بل إن مات على الردة فحينئذ تحبط أعماله، وقال مالك: تحبط بنفس الردة، ويظهر الخلاف في المسلم إذا حجَّ ثم ارتد ثم أسلم، فقال مالك: يلزمه الحج لأن الأول قد حبط بالردة).

) في الآخرة

إن تاب وصدق في توبته قبلت منه إن شاء الله، وإن لم يتب ولو قتل في الدنيا فهو من أهل النار خالداً مخلداً فيها.

كيفية توبة المرتد ردة مجردة

1.  أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.

2. أن يعلن رجوعه عما كان يعتقده، أويقوله، أويفعله بالتفصيل على العامة، قال تعالى: "إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا" الآية، بأن يقول: كنتُ أعتقدُ كذا وكذا، أوكنتُ أقولُ كذا وكذا، أوكنتُ أفعلُ كذا وكذا، وأنا راجع عن كل ذلك؛ ويُكتب ويُختم ويشهد على ذلك، وإلا لا تقبل توبته.

أدلة قتل المرتد

حد المرتد ثبت بالسنة القولية، والفعلية، والتقريرية، وبما صحَّ عن الخلفاء الراشدين وحكام المسلمين، وإليك الأدلة:

(أ) من السنة القولية، والفعلية، والتقريرية

1.  خرَّج البخاري في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح، وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: ابن أخطل متعلق بأستار الكعبة؛ فقال: اقتله".

وفي رواية للدارقطني كما قال الحافظ في الفتح: "من رأى منكم ابن أخطل فليقتله"، ومن رواية زيد بن الحباب عن مالك بهذا الإسناد: "وكان ابن أخطل يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر".

وقال الحافظ ابن حجر: (وأخرج عمر بن شبة في "كتاب مكة" من حديث السائب بن يزيد قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن أخطل فضربت عنقه صبراً بين زمزم ومقام إبراهيم، وقال: "لا يقتلن قرشي بعد هذا صبراً"، ورجاله ثقات، إلا أن في أبي معشر مقالاً، والله أعلم.

وقال: وروى الطبراني من حديث ابن عباس ..وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أمراءه أن لا يقتلوا إلا من قاتلهم، غير أنه أهدر دم نفر سمَّاهم، وقد جمعت أسماءهم من مفرقات الأخبار، وهم: عبدالعزى بن أخطل، وعبد الله بن أبي السرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحويرث بن نُقَيد بنون وقاف مصغَّر، ومقيس بن صَبَابة بمهملة مضمومة وموحدتين الأولى خفيفة، وهبار بن الأسود، وقينتان كانتا لابن أخطل كانتا تغنيان بهجو النبي صلى الله عليه وسلم، وسارة مولاة بني عبد المطلب وهي التي وُجِدَ معها كتاب حاطب، فأما ابن أبي السرح فكان أسلم ثم ارتد فشفع فيه عثمان يوم الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وقبل إسلامه.. وأما مقيس بن صَبَابة فكان أسلم ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله، وكان الأنصاري قتل أخاه هشاماً خطأ، فجاء مقيس فأخذ الدية ثم قتل الأنصاري ثم ارتد، فقتله نميلة بن عبد الله يوم الفتح).

وشاهدنا من هؤلاء في إهدار دم وقتل من أسلم ثم ارتد وهم: عبد الله بن أبي السرح، ومقيس بن صبابة، وسارة.

2.  ما صحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قال: "من بدَّل دينه فاقتلوه".

3. وما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث"، وذكر منهم: "التارك لدينه المفارق للجماعة".

(ب) قتل الخلفاء الراشدين والصحابة المهديين للمرتدين

قتل أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما ليهودي أسلم ثم تهوَّد

خرَّج البخاري في صحيحه بسنده إلى أبي موسى عندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ثم أتبعه بمعاذ، فلما قدم معاذ على أبي موسى ألقى له وسادة، قال: انزل، فإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهودياً فأسلم ثم تهود؛ قال: اجلس؛ قال: لا أجلس حتى يُقتل قضاء الله ورسوله، ثلاث مرات؛ فأمر به فقتل".

إقناع أبي بكر لعمر وغيره بقتال المترتدين، وإجماع الصحابة على قتلهم بعدُ

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر، وكفر من كفر من العرب، قال عمر: يا أبا بكر، كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله؛ قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها؛ قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيتُ أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفتُ أنه الحق".

الذين قاتلهم الصديقُ ثلاث طوائف كما قال ابن حزم رحمه الله في الملل والنحل:

   طائفة أعلنت الكفر وارتدت، واتبعت المتنبئين مسيلمة، وطليحة، والأسود، وسجاح.

   وطائفة بقيت على إسلامها ولكن منعوا الزكاة.

   وطائفة تربصت حتى ترى لمن الغلبة.

فقُتل الأسود العنسي، ومسيلمة، وعاد طليحة إلى الإسلام وكذا سجاح، ورجع غالب من كان ارتد إلى الإسلام، ولم يحل الحول إلا والجميع قد راجعوا دين الإسلام ولله الحمد كما قال الحافظ ابن حجر، وذلك بفضل الله، ثم عزيمة وشجاعة أبي بكر وإقامة هذا الحد على المرتدين، الذي لولاه لضاع الدين ولتهدمت أركانه.

قتل عليّ وحرقه لجماعة من الرافضة ألَّهوه وعبدوه

خرَّج البخاري في صحيحه عن عكرمة قال: أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنتُ أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعذبوا بعذاب الله"، ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدَّل دينه فاقتلوه".

خرج علي يوماً من المسجد بالكوفة بباب كندة فإذا جماعة من الرافضة المخذولين سجدوا له، فقال لهم: ما هذا؟ قالوا له: أنت خالقنا ورازقنا؛ فقال لهم: سبحان الله إنما أنا بشر مثلكم إن شاء رحمني، وإن شاء عذبني؛ فاستتابهم عليٌّ ثلاثة أيام، وتهددهم إن لم يتوبوا بالإحراق بالنار، فلم يفد، فأمر بحفر الأخاديد وملأها بالحطب وأشعلها ناراً، ثم ألقاهم فيها، وقال مرتجزاً:

لما رأيتُ الأمر أمراً منكراً               أججت ناري ودعوتُ قنبرا

فهؤلاء الزنادقة لم يقاتلوا ولم يحاربوا علياً، بل عبدوه، ومع ذلك قتلهم ثم حرقهم بالنار بعد قتلهم تعزيراً، مما يدل على أنه لا فرق بين الردة الفكرية أوالمصحوبة بمحاربة في العقوبة، بل كانت عقوبة هؤلاء الزنادقة أشد، لاتخاذهم علياً رضي الله عنه إلهاً.

قتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لشيخ نصراني أسلم ثم ارتد عن الإسلام

فقال له علي: لعلك إنما ارتددت لأن تصيب ميراثاً ثم ترجع إلى الإسلام؟ قال: لا؛ قال: فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها، فأردت أن يزوجوكها ثم تعود إلى الإسلام؟ قال: لا؛ قال: فارجع إلى الإسلام؛ قال: لا، حتى ألقى المسيح؛ قال: فأمر به عليّ فضربت عنقه، ودفع ميراثه إلى ولده من المسلمين.

وعن أبي عمرو الشيباني أن المِسْوَر العجلي تنصَّر بعد إسلامه

فبعث به عتيبة بن أبي وقاص إلى علي فاستتابه، فلم يتب، فقتله، فسأله النصارى جيفته بثلاثين ألفاً، فأبى عليٌّ وأحرقه.

قتل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه لستة نفر من بكر بن وائل كانوا قد ارتدوا عن الإسلام

أخذ ابن مسعود رضي الله عنه قوماً ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق

فكتب فيهم إلى عثمان رضي الله عنه، فردّ عليه عثمان: أن اعرض عليهم دين الحق، وشه،ادة أن لا إله إلا الله، فإن قبلـوها فخلِّ عنهم، فإن لم يقبلوها فاقتلهم، فقبلهـا بعضهم فتركهم، ولم يقبلها بعضهم فقتلهم.

(ج) الإجماع

لهذا أجمعت الأمة من لدن الصحابة ومن بعدهم على قتل المرتد.

(د) قتل ولاة أمر المسلمين للزنادقة والمرتدين

قتل عبد الملك بن مروان رحمه الله لمعبد الجهني، لأنه أول من تكلم في القدر

قال ابن كثير: (وقد كانت لمعبد عبادة وفيه زهادة.. وقال الحسن البصري: إياكم ومعبداً فإنه ضال مضل.. صلبه عبد الملك بن مروان في سنة ثمانين بدمشق ثم قتله)، جزاه الله خيراً.

قتل عبد الملك بن مروان للحارث الكذاب

وكانت له علاقة بالشياطين، فأضلته، فقتله عبد الملك بن مروان بدمشق.

قتل الأمير خالد بن عبد الله القسري للجعد بن درهم، لإنكاره لصفتين من صفات الله عز وجل

عن حبيب بن أبي حبيب قال: (خطبنا خالد بن عبد الله القسري بواسط يوم الأضحى فقال: أيها الناس ارجعوا فضحوا تقبل الله منا ومنكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله تبارك وتعالى لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، سبحانه وتعالى عما يقوله الجعد بن درهم علواً كبيراً؛ ثم نزل فذبحه، وكان ذلك في سنة 124ﻫ ).

قتل أسلم بن أحوز للجهم بن صفوان لإنكاره لصفات الله عز وجل متوهماً تنزيهه بذلك

قـال الذهبي رحمـه الله: (إن أسلم بن أحـوز قتل جهمَ بن صفـوان لإنكاره أن الله كلم موسى)، وكان ذلك في سنة 128ﻫ .

قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله: (وكان الجعد يسأل وهباً عن صفات الله عز وجل، فقال له وهب يوماً: ويلك يا جعد، أقصر المسألة عن ذلك، إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يداً ما قلنا ذلك، وأن له عيناً ما قلنا ذلك، وأن له سمعاً ما قلنا ذلك).

هذه السلسلة الشيطانية الخبيثة: الجهم بن صفوان، عن الجعد بن درهم، عن معبد الجهني، ثمرة خبيثة من ثمار علم الكلام والجدل.

وروى الدارمي عثمان بن سعيد في كتابه "الرد على الجهمية"

(أتى خالد بن عبد الله القسري برجل قد عارض القرآن، فقال: قال الله في كتابه: "إنا أعطيناك الكوثر. فصلِّ لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر"، وقلت أنا: إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك وجاهر، ولا تطع كل سافه وكافر؛ فضرب خالد عنقه، وصلبه، فمرَّ به خلف بن خليفة وهو مصلوب، فضرب بيده على خشبته فقال: إنا أعطيناك العمود، فصل لربك على عود، فأنا ضامن لك ألا تعود).

روى الذهبي بسنده إلى أبي بكر بن عياش

قال: "رأيتُ خالداً القسري حين أتى بالمغيرة بن سعيد وأصحابه، وكان يريهم ـ أي المغيرة ـ أنه يحيي الموتى، فقتل خالد واحداً منهم، ثم قال للمغيرة: أحيه؛ فقال: والله ما أحيي الموتى؛ قال: لتحيينه أولأضربن عنقك؛ ثم أمر بطَنٍّ من قصب فأضرموه، فقال: اعتنقه فأبى؛ فعدا رجل من أتباعه فاعتنقه، قال أبو بكر: فرأيتُ النار تأكله وهو يشير بالسبابة، فقال خالد: هذا والله أحق بالرئاسة منك؛ ثم قتله وقتل أصحابه.

قال الذهبي عن المغيرة هذا: (كان رافضياً، خبيثاً، كذاباً، ساحراً، ادعى النبوة، وفضَّل علياً على الأنبياء، وكان مجسماً، سقت أخباره في "ميزان الاعتدال" )

ثم ذكر الذهبي قتل خـالد للجعد بن درهم، ثم قال: (هذه من حسنـاته، هي وقتله مغيرة الكـذاب).

قلتُ: كان خالد القسري شجاعاً كريماً، ولكنه كان رقيق الدين مبيراً كالحجاج بن يوسف، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر"، لأن فجوره لنفسه، وقتله لهذين المرتدين من حسناته التي نسأل الله أن يكفر بها سيئاته.

قتل هشام بن عبد الملك لغيلان القدري لإنكاره القدر، بعد أن تهدده عمر بن عبد العزيز بالقتل من قبل، ولكنه تظاهر بالتوبة.

تتبع الخليفة المهدي العباسي للمرتدين والزنادقة وقتله لهم

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله وهو يؤرخ لعام ست وسبعين ومائة: (وفيها تتبع المهدي جماعة من الزنادقة في سائر الآفاق فاستحضرهم وقتلهم صبراً بين يديه، وكان المتولي أمر الزنادقة عمر الكلواذي).

وقال الذهبي في ترجمة المهدي: (كان جواداً، ممداحاً، معطاءً، محبباً إلى الرعية، قصاباً في الزنادقة، باحثاً عنهم).

وقال ابن الجوزي في كتابه "المنتَظَم في تاريخ الملوك والأمم" وهو يؤرخ لعام سبع وستين بعد المائة: (وفيها جدَّ المهدي في طلب الزنادقة والبحث عنهم في الآفاق وقتلهم، فولى أمرهم عمـر الكلواذيّ، فأخـذ يزيد بن الفيض كاتب المنصور، فأقر فحبس فهرب من الحبس.

ثم روى بسنده قائلاً: اتهم المهدي صالحَ بن عبد القدوس البصري بالزندقة، فأمر بحمله إليه فأحضر.

إلى أن قال: قال ابن ثابت: وقيل إنه بلغه عنه أبيات يعرِّض فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: ويقال إنه كان مشهوراً بالزندقة، وله مع أبي الهذيل العلاف مناظرات).

قتل الخليفة موسى الهادي العباسي لبعض الزنادقة والمرتدين

روى ابن الجوزي بسنده إلى المطلب بن عكاشة المزني قال: (قدمنا على أمير المؤمنين الهادي شهوداً على رجل منا شتم قريشاً وتخطى إلى ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، فجلس لنا مجلساً أحضر فيه فقهاء أهل زمانه، ومن كان بالحضرة على بابه، وأحضر الرجل وأحضرنا، فشهدنا عليه بما سمعنا منه، فتغير وجه الهادي ثم نكس رأسه ثم رفعه فقال: إني سمعت أبي المهدي يحدث عن أبي المنصور، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عباس قال: من أراد هوان قريش أهانه الله، وأنت يا عدو الله لم ترض بأن أردت ذلك من قريش حتى تخطيتَ إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، اضربوا عنقه؛ فما برحنا حتى قتل).

وقال ابن الجوزي وهو يؤرخ لسنة تسع وستين ومائة: (وفيها اشتدّ طلب موسى للزنادقة، فقتل منهم جماعة، فكان فيمن قتل كاتب يقطين وابنه علي بن يقطين، وكان علي قد حج فنظر إلى الناس في الطواف يهرولون، فقال: ما أشبههم ببقر يدور في البيدر؛ فقال شاعر:

قـل لأمين الله في خـلقه           وارث الكعبـة  و المنبـر

ماذا ترى في رجل كافـر          يشبِّه الكعبـة  بالبيــدر؟

ويجعل الناس إذا ما سعوا           حُمْراً يَدُوس البُرَّ والدَّوسر؟

فقتله موسى ثم صلبه.

إلى أن قال: وقتل من بني هاشم يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان المهدي أتى به وبابن لداود بن علي فحبسهما لما أقرّا بالزندقة، وقال ليعقوب: لولا محمد رسول الله من كنتَ! أما والله لولا أني كنت جعلتُ على الله عهداً إن ولاني أن لا أقتل هاشمياً لما ناظرتك؛ ثم التفت إلى الهادي، فقال: يا موسى، أقسمتُ عليك بحقي إن وليتَ هذا الأمر من بعدي أن لا تناظرهما ساعة واحدة، فمات ابن داود بن علي في الحبس قبل وفاة المهدي، فلما قدم الهادي من جرجان ذكر وصية المهدي، فأرسل إلى يعقوب وألقى عليه فراشاً وأقعِدت عليه الرجال حتى مات، ولها عنه).

قتل أبي منصور الحلاج وصلبه لادعائه الألوهية، والقول بالحلول، وقوله: "أنا الحق"، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة

قال القاضي عياض رحمه الله: (وقد أحرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ادعى الألوهية، وقد قتل عبد الملك بن مروان الحارث المتنبئ وصلبه وفعل ذلك غير واحد من الخلفاء والملوك بأشباههم، وأجمع علماء وقتهم على صواب فعلهم.. والمخالف في ذلك في كفرهم كافر.

وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر (توفي 320ﻫ) من المالكية ـ وغيرهم ـ وقاضي قضاتها أبو عمر المالكي على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الألوهية، والقول بالحلول، وقوله: "أنا الحق"، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته).

وقال الذهبي عن الحلاج: (فهو صوفي الزي والظاهر، متستر بالنسب إلى العارفين، وفي الباطن فهو من صوفية الفلاسفة أعداء الرسل، كما كان جماعة في أيام النبي منتسبون إلى صحبته وإلى ملته وهم في الباطن من مردة المنافقين، قد لايعرفهم النبي ولا علم بهم، قال تعالى: "ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم"، فإذا جاز على سيد البشر أن لا يعلم ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات فبالأولى أن يخفى حال جماعة من المنافقين الفارغين عن دين الإسلام بعده عليه السلام على العلماء من أمته).

روى الحـافظ ابن كثير عن الخطيب البغـدادي بسنده عن أبي عمـر بن حيـوة قال: (لما أُخرج الحسين بن منصور الحلاج للقتل، مضيت في جملة الناس، ولم أزل أزاحم حتى رأيته فدنوت منه فقال لأصحابه: لا يهولنكم هذا الأمر، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوماً؛ ثم قتل فما عاد، وذكر الخطيب أنه قال وهو يُضرب لمحمد بن عبد الصمد والي الشرطة: ادع بي إليك فإن عندي نصيحة تعدل فتح القسطنطينية؛ فقال له: قد قيل لي إنك ستقول مثل هذا، وليس إلى رفع الضرب عنك سبيل؛ ثم قطعت يداه ورجلاه، وحز رأسه، وأحرقت جثته، وألقي رمادها في دجلة، ونصب الرأس يومين ببغداد على الجسر، ثم حمل إلى خرسان، وطيف به في تلك النواحي، وجعل أصحابه يَعِدُون أنفسهم برجوعه إليهم بعد ثلاثين يوماً، وزعم بعضهم أنه رأى الحلاج من آخر ذلك اليوم وهو راكب على حمار في طريق النهروان، فقال: لعلك من هؤلاء النفر الذين ظنوا أني أنا هو المضروب المقتول، إني لست به، وإنما ألقي شبهي على رجل ففعل به ما رأيتم (!!)؛ وكانوا بجهلهم يقولون: إنما قتل عدو من أعداء الحلاج؛ فذكر هذا لبعض علماء ذلك الزمان، فقال: إن كان هذا الرائي صادقاً، فقد تبدى له شيطان على صورة الحلاج ليضل الناس به، كما ضلت فرقة النصارى بالمصلوب.

إلى أن قال الخطيب: ونودي ببغداد أن لا تشترى كتب الحلاج ولا تباع، وكان قتله لست بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة ببغداد).

ابن أبي الفراقيد قتل بسبب ادعائه الألوهية سنة 322ﻫ

قال القاضي عياض: (وكذلك حكموا ـ أي العلماء ـ في ابن أبي الفراقيد وكان على نحو مذهب الحلاج بعد هذا أيام الراضي بالله ـ العباسي المتوفي 329هـ وقاضي قضاة بغداد يومئذ أبو الحسين بن أبي عمر المالكي).

قال محقق الشفا: (هو محمد بن علي بن أبي الفراقيد، شاع أمره في بغداد، وادعى الألوهية، وأنه يحيي الموتى، فطلبه الراضي فهرب سنين، ثم عاد فهجم عليه ابن مقلة وأمسكه فأثبت كفره وكتب عليه القضاة، وأفتوا بقتله، وأحرقت جثته سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة).

ابن أبي عون، وكان على طريقة الحلاج فقتل

قال محقق الشفا: (وتبعه ـ أي ابن أبي الفراقيد ـ على حاله ابن أبي عون صاحب "كتاب التنبيه" فقتل معه).

قتل الأمير عبد الرحمن بن الحكم رحمه الله "لابن أخي عَجَب" لتعرضه بساقط القول وسخيفه للرب جل جلاله

قال القاضي عياض رحمه الله: (وأما من تكلم من سقط وسخف اللفظ ممن لم يضبط كلامه، وأهمل لسانه، بما يقتضي الاستخفاف بعظمة ربه، وجلالة مولاه.. أوتمثل في بعض الأشياء ببعض ما عظم الله من ملكوته، أونزع من الكلام لمخلوق بما لا يليق إلا حق خالقه غير قاصد للكفر والاستخفاف ولا عامد للإلحاد، فإن تكرر هذا منه، وعرف به، دلّ على تلاعبه بدينه، واستخفافه بحرمة ربه، وجهله بعظيم عزته وكبريائه، هذا كفر لا مرية فيه، وكذلك إن كان ما أورده يوجب الاستخفاف والتنقص لربه.

وقد أفتى ابن حبيب وأصْبَغ بن خليل من فقهاء قرطبة بقتل المعروف بابن أخي عَجَب، وكان خرج يوماً فأخذه المطر، فقال: "بدأ الخراز يرش جلوده"، وكان بعض الفقهاء بها.. أبو زيد صاحب الثمانية، وعبد الأعلى بن وهب، وأبان بن عيسى، وقد توقفوا عن سفك دمه، وأشاروا إلى أنه عبث بالقول، ويكفي فيه الأدب، وأفتى بمثله القاضي حينئذ موسى بن زياد، فقال ابن حبيب: دمه في غيض.. أيشتم رباً عبدناه ثم لا ننتصر له؟! إنا إذاً لعبيد سوء، ما نحن له بعابدين؛ وبكى، ورُفِع المجلس إلى الأمير بها عبدالرحمن بن الحكم الأموي، وكانت عَجَب عمة هذا المطلوب من حظاياه، وأعلِم باختلاف الفقهاء، فخرج الإذن من عنده بالأخذ بقول ابن حبيب وصاحبه، وأمر بقتله، فقتل وصلب بحضرة الفقيهين، وعزل القاضي بالمداهنة في هذه القضية، ووبخ بقية الفقهاء وسبهم).

جزى الله الأمير عبد الرحمن بن الحكم ومن قبل الإمامين ابن حبيب وأصبغ على غيرتهما على الدين، وحمايتهما لجناب رب العالمين، ولأخذهما بالعزيمة، وعدم التفاتهما للأقوال الضعيفة، والهفوات، والزلات التي ليس فيها نصر للإسلام، ولا للسفهاء اللئام من الأنام.

قتل ابن الهيثي لكفره واستهانته بآيات الله 626ﻫ

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله وهو يؤرخ لسنة 626ﻫ: (وفي يوم الثلاثاء حادي عشرين ربيع أول ضربت عنق ناصر بن الشرف أبي الفضل بن إسماعيل بن الهيثي بسوق الخيل على كفره واستهانته واستهتاره بآيات الله، وصحبته الزنادقة، كالنجم بن خلكان، والشمس محمد الباجريقي، وابن المعمار البغدادي، وكل فيه انحلال وزندقة مشهور بها بين الناس.

قال الشيخ علم الدين البرزالي: وربما زاد هذا المذكور المضروب العنق عليهم بالكفر والتلاعب بدين الإسلام، والاستهانة بالنبوة والقرآن، قال: وحضر قتله العلماء والأكابر وأعيان الدولة، قال: وكان هذا الرجل في أول امره قد حفظ التنبيه، وكان يقرأ في الختم بصوت حسن، وعنده نباهة وفهم، وكان منزلاً في المدارس والترب، ثم إنه انسلخ من ذلك جميعه، وكان قتله عزاً للإسلام وذلاً للزنادقة وأهل البدع).

قتل الرئيس نميري للزنديق المرتد الصوفي الباطني محمود محمد طه في 1985م

لتركه للصلاة وادعائه الرسالة ثم الألوهية، وفتنته للعامة والدهماء، ونشره الضلال والكفر، وكان أتباعه يعتقدون أنه لن يموت، فقد مات شر مِيتة، وقتل شر قِتلة.

لا فرق بين الرجل والمرأة في إقامة حد الردة

يدعي البعضُ أن حد الردة لا يقام على المرأة، وتمسكوا ببعض النصوص التي وردت عن بعض السلف، وهي خاصة بالكافرة الأصلية، أما من دخلت في الإسلام ولو نفاقاً، ثم انسلخت منه قتلت، وإليك الأدلة:

1.  أمره صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بقتل أربعة نفر وامرأتين، إحداهما مرتدة عن الإسلام وهي سارة مولاة بني عبد المطلب، ولو وُجِدوا متعلقين بأستار الكعبة.

2.  ما صح عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن أم ولد لرجل سبَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلها، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دمها هدر".

وفي رواية للدارقطني عن ابن عباس: "أن رجلاً أعمى كانت له أم ولد له منها ابنان مثل اللؤلؤتين، فكانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلم تنته، ويزجرها فلم تنزجر، فلما كان ذات ليلة ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم فما صبر سيدها أن قام إلى معول فوضعه في بطنها، ثم اتكأ عليها حتى أنفذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أشهد أن دمها هدر"، وفي رواية قال لرسول الله: "وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فقتلتها".

3.    سبَّت امرأة النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقتلها خالد بن الوليد رضي الله عنه.

4 .  وعن محمد بن المنكدر عن جابر قال: "ارتدت امرأة عن الإسلام فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعرض عليها الإسلام، فإن قبلت وإلا قتلت؛ فعرضوا عليها الإسلام فأبت إلا أن تقتل فقتلت".

5.  وفي رواية عن جابر: "أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعرض عليها الإسلام فإن رجعت وإلا قتلت".

6 .    وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ارتدت امرأة يوم أحد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت".

7.    قتل أبي بكر الصديق رضي الله عنه لامرأة يقال لها أم قرفة في الردة.

أما ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لا يُقتل النساء إذا ارتددن"، فضعيف.

روى البيهقي بسنده إلى عبد الرحمن بن مهدي معلقاً على حديث ابن عباس هذا، قال: (سألتُ سفيان عن حديث عاصم في المرتدة؟ فقال: أما عن ثقة فلا؛ ثم نقل عن الزهري في المرأة أن تكفر بعد إسلامها قال: تستتاب، فإن تابت وإلا قتلت، وعن إبراهيم النخعي مثل ذلك).

ومن العجيب أن القائلين بعدم قتل المرتدة هم منكرون لجميع الحدود، وداعون لتسوية المرأة بالرجل في الميراث وفي الحقوق السياسية ونحوها، مخالفين بذلك كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة، مما يدل على جهلهم الفاضح وتناقضهم، وأنهم في الحقيقة متبعون لأهوائهم.

أنواع الردة

نواقض الإسلام لا تحصى كثرة، ولكن سنذكر أخطرها، وهي:

1. الشرك الأكبر، وهوأن يتخذ الإنسان مع الله نداً أوشريكاً يصرف إليه شيئاً من العبادة، كالدعاء، والاستغاثة، والذبح، والنذر، واتخاذ الوسائط.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر إجماعاً).

2. نفي ما أثبته الله ورسوله، أوإثبات ما نفاه الله ورسوله.

3. من ادعى النبوة أوصدَّق من يدعيها، كالإخوان الجمهوريين.

4. التحاكم لغير شرع الله أوالرضا به.

5. السخرية والاستهزاء بالله ورسوله وآياته.

6. من لم يكفِّر الكفار، كاليهود والنصارى والمشركين، أوشكَّ في كفرهم، أوصحَّّح مذاهبهم.

7. تعلم السحر والكهانة والاشتغال بذلك.

8. استحلال ما حرَّم الله أوتحليل ما حرَّم الله.

9. اعتقاد أن بعض المشايخ تُرفع عنهم التكاليف الشرعية.

10. تضليل وتكفير جل الصحابة أوالخلفاء الراشدين.

11. اتهام عائشة بما برَّأها الله منه.

12. السجود لصنم.

13. الاستخفاف بالمصحف، أوالقرآن، أو بنبي من الأنبياء، أومَلَك من الملائكة، أوبأي أمر من الدين.

14. سبُّ الدين.

15. الدعوة إلى توحيد الأديان أوالتقارب بين دين الحق وغيره من الأديان المنسوخة.

16.   اعتقاد أن أحداً من الثقلين يمكنه الاستغناء عن شرع محمد صلى الله عليه وسلم.

أقوال أهل العلم في ذلك

1.  قال ابن عبد الحكم في المبسوط: "من تنبَّأ قُتل".

2.  وقال أبو حنيفة وأصحابه: "من جحد أن الله خالقه أوربه، أوقال: ليس لي رب، فهو مرتد"، كالشيوعيين ونحوهم.

3. وقال مالك في كتاب ابن حبيب ومحمد، وقال ابن القاسم، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، وسُحنون، فيمن شتم الأنبياء أوأحداً منهم أوتنقصه: قتل ولم يستتب، ومن سبهم من أهل الذمة قتل إلا أن يسلم.

4.  وفي النوادر عن مالك، فيمن قال: إن جبريل أخطأ بالوحي، وإنما كان النبي علي بن أبي طالب، استتيب فإن تاب وإلا قتل.

5. وقال أبو الحسن القابسي في الذي قال لآخر: "كأنه وجه مالك الغضبان"، لوعرف أنه قصد ذم المَلَك ـ خازن النار عليه السلام ـ قتل.

6. وقال ابن القاسم: من قال إن الله تعالى لم يكلم موسى تكليماً قتل؛ وقاله عبد الرحمن بن مهدي.

7. وقال محمد بن سُحنون فيمن قال: "المعوذتان ليستا من كتاب الله": يضرب عنقه إلا أن يتوب، وكذلك كل من كذَّب بحرف منه.

8. وقال عبد الله بن مسعود: "من كفر بآية من القرآن فقد كفر به كله.

9. روي عن مالك: من سبّ أبا بكر ـ بغير تضليل ولا تكفير ـ جُلد، ومن سبّ عائشة قتل؛ قيل له: لِمَ؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن.

10. وقال الفوزان: ومن حكّم القوانين الوضعية بدل الشريعة الإسلامية، يرى أنها أصلح من الشريعة الإسلامية، أواعتنق فكرة الشيوعية، أوالقومية العربية بديلاً عن الإسلام، فلا شك في ردته.

وأنواع الردة كثيرة، مثل من ادّعى علم الغيب، ومثل من لم يكفِّر المشركين أويشك في كفرهم أويصحح ما هم عليه.

11. وقال محمد بن عبد الوهاب، ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل، والجاد، والخائف، إلا المكره.

12. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (من لعن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كمعاوية، وعمرو بن العاص، أومن هو أفضل من هؤلاء كأبي موسى، وأبي هريرة، أومن هو أفضل من هؤلاء كطلحة، والزبير، أوعثمان، أوعلي، أوأبي بكر، أوعمر، أوعائشة، أونحو هؤلاء من الصحابة فإنه يستحق العقوبة البليغة باتفاق المسلمين، وتنازعوا هل يعاقب بالقتل أوما دون ذلك؛ وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا أصحابي"، وعموم الصحبة يندرج فيها كل من رآه مؤمناً به).

نماذج للفرق المعاصرة المرتدة عن الإسلام

من أمثلة الفرق المرتدة عن الإسلام على سبيل التمثيل لا الحصر ما يأتي:

1.    النصيرية

قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: (هم أكفر من كثير من المشركين، وفيهم من جنس دين البراهيمة، والوثنيين، والملحدين).

2.  الماسونية

قال مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي عنها: (يقرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين، وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام ومجانب لأهله).

3.  الشيوعية

قال عنها مجمع الفقه الإسلامي بالرابطة: (..من المُسَلَّم به يقيناً أن الشيوعية منافية للإسلام، وأن اعتناقها كفر بالدين الذي ارتضاه الله لعباده، وهي هدم للمثل الإنسانية، والقيم الأخلاقية، وانحلال للمجتعات البشرية، والشريعة الإسلامية المحمدية التي هي خاتمة الأديان السماوية.. كذا فإن المجلس يوصي الدول والشعوب الإسلامية أن تنتبه إلى وجوب مكافحة هذا الخطر الداهم بالوسائل المختلفة.

والحمد لله فالآن عام 1412هـ انتهى هذا المبدأ الخبيث في عقر داره، وتبرأ منه وحاربه أبناء وأحفاد الذين أسسوه، بعدما جرّ عليهم الفقر والخراب والدمار).

4.  البهائية والبابية

جاء في قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة عن البهائية والبابية: (أن البهائية دين جديد مخترع قام على أساس البابية التي هي أيضاً دين جديد مخترع.

يقرر المجمع الفقهي بالإجماع خروج البهائية والبابية عن شريعة الإسلام، واعتبارها حرباً عليه، وكفر أتباعها كفراً بواحاً سافراً لا تأويل فيه، وإن المجمع ليحذر المسلمين في جميع بقاع الأرض من هذه الفئة المجرمة الكافرة، ويهيب بهم أن يقاوموها، ويأخذوا حذرهم منها، لا سيما أنه قد ثبت مساندة الدول الاستعمارية لها لتمزيق الإسلام والمسلمين، والله الموفق).

5.  القاديانية ـ الأحمدية

جاء في قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة عن القاديانية ـ الأحمدية: (قرر المجلس بالإجماع اعتبار العقيدة القاديانية ـ المسماة أيضاً بالأحمدية ـ عقيدة خارجة عن الإسلام خروجاً كاملاً، وأن معتنقيها كفار مرتدون عن الإسلام، وإن تظاهر أهلها بالإسلام، وإنما هو للتضليل والخداع، ويعلن المجلس الفقهي أنه يجب على المسلمين حكومات وعلماء وكتاباً ومفكرين ودعاة وغيرهم مكافحة هذه النحلة الضالة وأهلها في كل مكان من العالم، وبالله التوفيق.

6.  الأخوان الجمهوريون

وهم أتباع الزنديق الصوفي الباطني السوداني المرتد المقتول محمود "مذموم" محمد طه، الذي ادعى الرسالة ثم الألوهية، وزعم أن الصلاة رفعت عنه، والذي حكم العلماء في السودان بكفره وردته، وقتل في عهد الرئيس نميري، جزاه الله خيراً على ذلك.

لقد رحل كثير من أتباعه إلى أمريكا وكندا، واحتضنهم الكفار، وقاموا بترجمة كفرياته في أمريكا وكندا مكافأة له على تحريفه لدين الله وتضليله لفئة من أبناء المسلمين، وانتحل بعض اتباعه الشيوعية ووجدوا فرصة في الإعلام السوداني، وما فتئ الجميع يعمل على تحريف الدين والتدليس والتضليل والخداع على السذج من الناس.

ã

أسباب الوقوع في الردة

أسباب الوقوع في الردة كثيرة، ولكن أهمها ما يأتي:

1. الجهل بدين الإسلام، فمن جهل شيئاً عاداه، يكاد أن يكون هذا السبب الرئيس لارتداد المرتدين ورجوعهم عن الإسلام، ومن يطلع على مقالاتهم وأقوالهم يتضح له جهل هؤلاء بالإسلام جهلاً فاضحاً، إذ لا يعرفون عن القرآن إلا رسمه، ولا عن الإسلام إلا اسمه، والشبهات التي أثارها أعداء الدين من المستشرقين وتلاميذهم من المنتسبين إلى الإسلام.

2. ردود الأفعال: الدافع لكثير من المرتدين عن الإسلام هو عبارة عن ردة فعل للبيئات والظروف التي عاشوا وتربوا فيها، ولبعض الممارسات الخاطئة والتصرفات المشينة التي لامسوها، والتي لا يقرها الإسلام، نحو الممارسات الشركية والعقائد الخرافية، وكثير من مظاهر الشعوذة والدجل.

3. تأثير الفكر الإرجائي عبر العقيدة الأشعرية والماتريدية التي تدرس في كثير من المعاهد والمدارس والجامعات الإسلامية، الذي تولد كردة فعل للغلو والخروج في بداية الأمر، من غير انتساب إلى هذه المذاهب.

إذ الإيمان عند بعض طوائف المرجئة عبارة عن النطق بالشهادتين، وعند بعضهم عبارة عن المعرفة، ولا يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان، مما أعطى الفرصة لكثير من المنافقين المتظاهرين بالإسلام أن يعيثوا في الأرض الفساد، حيث جعلوا التلفظ بالشهادتين عبارة عن جواز سفر لترك الواجبات واقتراف المحرمات، إذ لا يكون الشخص مرتداً في شرع هؤلاء إلا إذا كان مكذباً جاحداً، أما الاستهزاء بالله، ودينه، ورسوله، والسجود إلى الصنم، والطواف بالقبور، والاستغاثة بالأموات، والتحاكم إلى الطواغيت، فليس من أسباب الردة، إذ الردة لا تقع بقول ولا عمل.

وثمة شيء آخر كان سبباً في ارتداد البعض عن الإسلام، وهو التوسع في التأويل غير المستساغ الذي تميزت به العقيدتان الأشعرية والماتريدية، حيث وجد المتفلتون عن الإسلام في ذلك بغيتهم، حيث قسموا المسلمين إلى مدرستين، مدرسة الحَرْفيين أو النصوصيين المتحجرين الذين لا يجاوزون النصوص الشرعية، ومدرسة المستنيرين ـ في زعمهم ـ الذين اكتفوا من الإسلام بروحه ومزاجه، ومعلوم في شرع الله أن التأويل منه ما هو محمود وهو الذي يقوم على الدليل، ومنه ما هو مذموم محرم وهو الذي يعتمد على الهوى.

4. التحاكم إلى القوانين الوضعية، وتنحية القوانين والأحكام الشرعية مكَّن كثيراً من المتظاهرين بالإسلام من إعلان ردتهم وزندقتهم والتبجح بها، وأمنهم من إقامة حد الردة عليهم، أوتعزيرهم وتأديبهم جعلهم لا يترددون فيما يريدون قوله أوفعله أواعتقاده، "فمن أمِنَ العقوبة أساء الأدب".

5.  التسيب الفكري، فقد اختلت المفاهيم وتغيرت الموازين، وضعف الوازع الديني.

6. تقليد الكفار والتشبه بهم وبدينهم، فطالما أن الكفار نبذوا الدين وحصروه في الذهاب إلى الكنيسة ساعة يوم الأحد للاستماع للموسيقى، وقد نتج عن ذلك تقدمهم الحضاري والعسكري، فما بالنا نحن متمسكون بديننا مطالبون بتحكيمه في كل مناحي الحياة؟!

7. تقصير العلماء في القيام بدورهم في توعية المسلمين وتبصيرهم بأمر دينهم، ومنافقتهم الناس فيما يعتقدون ويمارسون، من أقوى أسباب تفشي ظاهرة الارتداد عن دين الله.

8. الفتاوى الانهزامية التي تصدر من بعض المنتسبين إلى العلم من العصرانيين وغيرهم.

9.  التشبث بالزلات والهفوات التي صدرت أونسبت لبعض أهل العلم، ومعلوم أن من تتبع زلات العلماء وهفواتهم تزندق أوكاد، وتجمع فيه الشر كله.

10. توهم البعض واستغلال أهل الأهواء للدعوى الباطلة، وهي أن أحاديث الآحاد لا يعمل بها في العقائد والأحكام

تقسيم الأحاديث إلى متواتر وآحادي تقسيم حادث، وهو نتيجة خبيثة وأثر سيئ لعلم الكلام، وما تبع ذلك من أن أحاديث الآحاد ظنية الثبوت ولهذا لا يعمل بها في العقائد والأحكام، وقد رد على هذه الشبهة القذرة الأئمة الكبار أمثال الشافعي في "الرسالة" وابن حزم في "الإحكام لأصول الأحكام"، حتى أصبحت هذه المسالة هي الفارق بين السُّنِّي والبدعي.

فكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حجة بنفسه من غير قيد ولا شرط: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"، ويفيد العلم والعمل في العقائد، والأحكام، والعبادات، والسلوك، والآداب سواء، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

ويكفي في رد هذه الشبهة القذرة أن حديث: "إنما الأعمال بالنيات" الذي يعتبر ثلث الدين حديث آحاد، مشهور، عزيز، إذ لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن عمر ولا عن راويه عن عمر إلا واحد، فلماذا يقبله أهل الأهواء المتزيين بالإسلام، وينكرون حدَّ الردة، ورجمَ الزاني المحصن، وكلها أحاديث آحاد؟ لولا مرض القلوب.

ã

حكم من أباح الردة وأنكر حدها

من أباح الردة وأنكر حدها فهو كافر مُهدَر الدم ما لم يتب عن ذلك ويراجع الإسلام، لأن ذلك إنكار لما هو معلوم من الدين ضرورة، وطعن وتشكيك في الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، والحكام الغيورين الذين حكموا بردة المرتدين، وأقاموا عليهم حدها.

يتشبث المبيحون للردة الداعون لإنكار حدها ببعض الزلات والهفوات، نحو ما نسب للشيخ شلتوت رحمه الله أنه قال: (يتغير وجه النظر في المسألة إذا لوحظ أن كثيراً من العلماء يرى أن الحدود لا تثبت بأحاديث الآحاد، وأن الكفر نفسه ليس مبيحاً للدم، وإنما المبيح للدم هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم، ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وأن ظواهر القرآن في صمته عن عقوبة المرتد تؤيد هذا)، مما يدل على خطورة الزلات والهفوات وتلقف أهل الأهواء لها.

يردُّ هذا الزعم الباطل قتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لتلك الطائفة المخذولة من الرافضة وحرقه لهم، الذين لم يحاربوا علياً ولم يخرجوا عليه، بل ألّهوه، فالمرتد مفارق لجماعة المسلمين ومحارب لهم ولعقيدتهم.

وإذا لم يكن الكفر بعد الإيمان مبيحاً للدم فما الذي يبيح الدم ياترى؟! إذا كان الراجع عن الماسونية والشيوعية ونحوهما، وهي فرق كافرة، يُقتل أويُضيَّق عليه، وقد يكون رجوعه إلى الحق، إلى الإسلام، وكذلك التارك لجماعة من الجماعات الإسلامية يُهجر، ويُضيَّق عليه، ويوصف بالخيانة والخروج والعمالة، وقد يكون محقاً في خروجه وتمرده على التسلط والجبروت والمخالفات الشرعية، فكيف بالراجع عن الإسلام، وهو الدين الخاتم لجميع الأديان؟ فمالِ هؤلاء القوم لا يستحون؟!

السنة حجة بنفسها، فقد حرمت السنة الجمع بين المرأة وعمتها أوخالتها، ونهت عن الوصية للوارث، ومنعت كذلك أن يرث المسلمُ الكافرَ والكافرُ المسلمَ.

وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم لها شقان؛ البلاغ والبيان، فهو المبيِّن لمراد الله عز وجل، ولهذا يقول بعض العلماء: "القرآن أحوج إلى السنة"، لأن السنة مبينة لكثير مما أجمل في كتاب الله عز وجل.

وهب أن مسألة قتل المرتد ليس فيها نص، فهل نترك فعل أبي بكر، وعمر، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى رضي الله عنهم، وقول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم من الأئمة رحمهم الله لهذه الزلات والهفوات، ولما تهواه نفوس المنافقين وأعداء الملة والدين؟!

وأخيراً أرجو من دعاة إباحة الردة وإنكار حدها والداعين لتوحيد الأديان أن يراجعوا إسلامهم قبل أن تبلغ الروح الحلقوم، ويُحال بينهم وبين ما يشتهون، وإلا فليعلموا أنهم لن يضرُّوا الله شيئاً، ومن إخواني المسلمين أن ينتبهوا لخطورة المنافقين من الشيوعيين، والجمهوريين، والقوميين، والمتزيين بالدين، وغيرهم، (فإن بلية الإسلام بالمنافين شديدة جداً، لأنهم منتسبون إليه، وهم أعداؤه في الحقيقة، يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وصلاح، وهو غاية الجهل والفساد.

فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه؟ وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه، وكم من عَلَم له قد طمسوه؟ وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه؟ وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه ليقلعوها، فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية، ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية، يزعمون أنهم بذلك مصلحون، ألا إنهم المفسـدون ولكن لا يشعـرون).

لذلك حذر القرآن من المنافقين وبين صفاتهم: (فكان الحديث عن النفاق والمنافقين في القرآن في سبع عشرة سورة مدنية من ثلاثين سورة، واستغرق ذلك قرابة ثلاثمائة وأربعين آية، حتى قال ابن القيم رحمه الله: "كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم").

ومن إخواني الصحفيين الإسلاميين، السودانيين وغيرالسودانيين، أمثال الاستاذ صادق عبد الله عبدالماجد، والدكتور الطيب زين العابدين، والأستاذ موسى يعقوب، والدكتور حسن مكي، والاستاذ مهدي البوني، والأستاذ علي إسماعيل العتباني، والأستاذ محجوب عروة، والأستاذ محمد أحمد شاموق، والأستاذ عادل الباز، والأستاذ عثمان ميرغني، والأستاذ حسين خوجلي، والأستاذ محمد طه محمد أحمد، وغيرهم ممن لم أذكر، أن يقوموا بواجبهم خير قيام، فهم على ثغرة، والحذر كل الحذر أن يؤتى الإسلام من قبلهم، وعليهم أن يدعوا الحياد الذي تميزت به كتاباتهم، فالمسلم لا يليق به أن يكون محايداً أومستقلاً، وفي الحقيقة "مُسْتَغَلاً"، بينما نجد مِلل العلمانيين متحدة متضافرة جهودها، على الرغم من أنها لا يجمعها شيء سوى محاربة الإسلام والكيد له، وليعلموا أنهم لن تزول أقدامهم عن الصراط حتى يُسألوا عن تفريطهم في هذا الجانب الذي تعين عليهم، ولا يُمكّن منه غيرُهم.

من العجيب أن يتشاغل هؤلاء الإخوة بالدفاع عن الديمقراطية ـ صنم العصر ـ، والمحاماة عن الشيوعيين والعلمانيين، والتحليلات السياسية، والهنات العادية، ومدح بعض أهل الأهواء والمبتدعة، ويتخلوا عن الدفاع عن الدين، وقد أصيب في عقر داره!!

ولا يفوتني في هذا المقام أن أتوجه بالشكر الجزيل وبالدعاء الكثير للأخ الأستاذ إسحاق فضل الله لقيامه بالواجب خير قيام، ولثباته على المبادئ، وتفرده، وعدم مجاملته لمن تعتبر مجاملتهم مداهنة ونفاق، نسأل الله أن يوفقه ويزيده من فضله، وأن يثبت أجره ويبارك فيما يكتب، كما أرجو من إخواننا المسؤولين أن يراقبوا ما يدور في الصحف من كفريات وضلالات.

اللهم إنا نشكو إليك ضعف التقيَّ واستكانته، وجلد الفاجر وجرأته، واللهَ أسألُ أن يؤلف بين قلوب المسلمين، وأن يهديهم سبل الرشاد، وأن يهيئ للأمة الإسلامية أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلىآله وصحبه أجمعين.

ã

المراجع

§       البداية والنهاية للحافظ ابن كثير.

§       الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.

§       الرد القويم للأمين الحاج.

§       سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي.

§       الشفا بتعريف أحوال المصطفى للقاضي عياض.

§       فتح الباري للحافظ ابن حجر.

§       مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.

§       مقالات في عقيدة أهل السنة للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف.

§       الملخص الفقهي للشيخ الفوزان.

§       المنتظم في تاريخ الملوك والأمم للحافظ ابن حجر.

§       نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب، ومعه الاختيارات الجلية في المسائل الخلافية ـ تهذيب الشيخ عبد الله البسَّام.

000000000000000000000000

السُّودان فُتح عُنْوَة فلا يحلُّ بناء كنيسة جديدة فيه ولا صيانة قديمة

جدول يوضح جملة إمكانيات الكنائس بولايات السودان

حكم الكنائس والمعابد في البلاد التي فتحت عُنْوَة

الحالة الأولى: إذا لم ينقض أهلها العهد

الحالة الثانية: إذا نقض أهلها العهد، كحال السودان مثلاً

 

الحمد لله الذي حصر العزة فيه وفي رسوله والمؤمنين، فقال: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون"، وقال بعد موقعة أحد التي استشهد فيها أربعة وسبعون بطلاً، في مقدمتهم سيد شهداء هذه الأمة حمزة: "ولا تَهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين".

وكتب الذل والصغار على من خالف أمره من الجاهليين من الكتابيين والأميين الكفار، الأقدمين منهم والمحدثين، فالإسلام في كل زمان ومكان يعلو ولا يعلى عليه، لأن شريعته ناسخة للشرائع السابقة، وكتابه مهيمن على سائر الكتب الماضية، ورسوله خاتم لرسل رب العالمين، فلا يسع أحد من هذه الأمة من يهودي ولا نصراني ولا غيرهما سمع به إلا أن يؤمن به، وإلا كان من أصحاب النار، كيف لا؟ ولو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعه، وعندما ينزل عيسى عليه السلام لا ينزل بشريعته السابقة ولا بشرع جديد، وإنما يكون مقتدياً ومتبعاً لشرع محمد عليه وعلى عيسى أفضل الصلاة والسلام.

عداوة المنافقين للإسلام عداوة أبدية أزلية، وهم أشد ضرراً وأعظم خطراً من الكفار، لإظهارهم الإسلام وإبطانهم الكفر، ولهذا امتازوا على إخوانهم الكفار: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار".

هذا العداء لا ينقطع أبداً، ولكنه يزداد ويظهر جلياً عندما تنزل بالمسلمين نازلة أو تحل بهم كارثة، ولهذا نهانا الشارع الحكيم عن موالاة الكفار والمنافقين، وعن الانخداع بهم وبأقوالهم: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون. ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور. إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم مصيبة يفرحوا بها".

من وسائل المنافقين التي لا ينفكون عنها أبداً ولا يجدون عنها حولاً إثارة الشبه، والتشكيك في الثوابت والمسلمات، والتلبيس على الناس، مستغلين بذلك وسائل الإعلام، سيما الصحف، حيث لا رقيب عليهم ولا محاسب لما يكتبون خاصة فيما يتعلق بأمر الإسلام، فقد عاد الإسلام غريباً كما بدأ.

من تلكم الشبه التي أثيرت وتثار من حين إلى آخر أن السودان فتح صلحاً وليس عُنْوَة، وأن المسلمين تعايشوا فيه تعايشاً سلمياً مع الكفار، ويدغدغون عواطف الناس بتعليلهم لذلك بأن الشعب السوداني شعب متسامح! وهذا لعمر الله من باب المدح الذي هو عين الذم، لأن هذا التسامح لا يقوم إلا على أنقاض عقيدة الولاء والبراء، وإلا على حساب التنازل عن كثير من أمور الدين.

هذه الشبهة ما هي إلا وسيلة للتوصل إلى الهدف الأكبر والغرض الأسمى لديهم، الذي يسعون إليه جاهدين، مستغلين الهيمنة الأمريكية على الإسلام والمسلمين في هذا الوقت لتحقيقه والتمكين له، وهو أن تحل المواطنة أوالعلمانية أواللادينية محل الإسلام، حيث تقوم العلائق بين الخلق على أساس إبعاد الدين عن جميع مناحي الحياة، اللهم إلا في جانب الشعائر التعبدية، أما ما سوى ذلك فالكل "لقيصر"، وينتج عن ذلك أن تتساوى الأديان، ويزال الإسلام، وتعيش الأمة حياة متحضرة لا عقد فيها بزعمهم، كما يعيش إخوانهم في أمريكا وأوروبا: "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم"، خاب فألهم وتبددت آمالهم.

فهل حقاً أن السودان فتح صلحاً؟ وما هي الفروق بين أن يُفتح البلد صلحاً أوعُنْوَة، خاصة فيما يتعلق ببناء الكنائس وصيانتها في حكم الشرع؟

هذا ما نود الإشارة إليه وتوضيحه في هذه العجالة، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيَّ عن بينة.

فالسودان فتح عُنْوَة في سنة 31هـ، بقيادة البطل عبد الله بن أبي السرح رضي الله عنه، والدليل على ذلك تحويل كنيسة دنقلا "العجوز" مسجداً، ولولا أن البلاد فتحت عُنْوَة لما حوِّلت الكنيسة إلى مسجد، ثم عقد المسلمون هدنة وصلحاً مع النصارى.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (ثم غزا عبد الله بن سعد بعد أفريقيا "الأساود" من أرض النوبة فهادنهم، فهي إلى اليوم، وذلك سنة إحدى وثلاثين).

وذلك في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما أمَّره عثمان على مصر.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى عندما نقض النصارى العقد وأقاموا لهم دُوَلاً جاهدهم المسلمون الفاتحون، وفي عهد دولة الفونج الإسلامية، ودكوا تلك الدول، وقَضَوْا على النصرانية في السودان الشرقي قضاءً تاماً، وهُدِّمت كل الكنائس والمعابد الخاصة بهم.

ثم لما نبتت النصرانية مرة ثانية في العهد الخديوي الغاشم، هيَّأ الله المهدية، فجاهدتهم وخيَّرتهم بين الدخول في الإسلام أوالهجرة عن السودان، فاختار بعضهم الدخول في الإسلام، وهاجر بعضهم غير مأسوف عليهم، وهدِّمت جميع الكنائس، حيث لم تبق كنيسة واحدة.

بعد أن قضى الإنجليز على المهدية نبتت النصرانية مرة ثانية، ومكن لها الإنجليز وغيرهم من نصارى أوروبا، وأعيد بناء الكنائس في كل مدن السودان، واستمر الحال في بناء الكنائس ونشر التعليم الكنسي الذي هدفه زرع الحقد والكراهية في قلوب المنصَّرين ضد الإسلام والعرب، حتى بلغ الأمر ذروته وحقق النصارى ما لم يكونوا يحلمون به في عهد الإنقاذ، حيث زاد عدد الكنائس، وتنوعت، وأصبح عدد الكنائس العشوائية التي أقيمت في المدن والأقاليم قرابة ثلاثة أضعاف الكنائس الرسمية.

وإليك هذا الجدول الذي يبين عدد الكنائس الثابتة والعشوائية، وملحقاتها، والإمكانيات المتاحة لها، وهو من إعداد وزارة التخطيط الاجتماعي ـ إدارة شئون الكنائس.

ã

جدول يوضح جملة إمكانيات الكنائس بولايات السودان

البنود     الكمية والأعداد

الكنائس الثابتة    200

الكنائس العشوائية  506

المبشرين الأجانب   458

العربات 568

المنازل    422

المدارس والمعاهد     244

مراكز صحية ومستوصفات 113

مقر المنظمات الطوعية + تبشيرية    42

مراكز خدمات اجتماعية   124

مزارع    8

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يقول الدكتور إبراهيم الجاك إبراهيم: (لقد ذكرت المراجع التاريخة أن النصرانية دخلت بلاد السودان منذ عهد الإمبراطور جستنيان (517 565 م) وزوجته ثيودورا، وكانت بلاد النوبة جسراً عاماً لمرور الديانة النصرانية إلى وسط السودان، مما أدى إلى قيام ممالك مسيحية في شمال ووسط السودان، مثل مملكة "المقرة" في الشمال، ومملكة "علوة" في وسط السودان، لكن هاتين المملكتين لم تصمدا أمام الزحف العربي الإسلامي من مصر نحو بلاد السودان، فقد سقطت مملكة النوبة المسيحية "المقرة" في أيدي العرب المسلمين في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي، كما سقطت مملكة "علوة" أمام التحالف الإسلامي "الفونجي العبدلابي" 1504ﻫ، وانمحت بعد ذلك الديانة النصرانية تماماً من بلاد السودان لمدة تزيد عن ثلاثة قرون بقليل، ثم عادت النصرانية تطل برأسها من جديد في العهد التركي المصري في السودان، ولا سيما في عهد والي مصر عباس باشا (1264 1270ﻫ = 1848 1854م) الذي شجع الأجانب للعمل في السودان، وقد تمتع النصارى واليهود من الأوروبيين والأقباط والأحباش في العهد التركي المصري بتسامح ديني كبير، إذ لم تكن الإدارة التركية المصرية تتدخل في شؤونهم الدينية، أوتحد من نشاطهم التبشيري المسيحي، بل سمحت لهم ببناء كنائسهم، حتى أصبح في كل مدينة من مدن السودان الكبرى كنيسة بجوار المسجد، ونشطت حركة التبشير بصفة خاصة في جبال النوبة وجنوب السودان، وعندما ذهب صموئيل بيكر إلى أعالي النيل وجد كنيسة للمبشرين النمساويين تقوم بتعليم أبناء جنوب السودان الدين المسيحي.

وفي عهد الخديوي إسماعيل (1863-1879م) سعت بريطانيا لتعيين عدد من البريطانيين والأوربيين في مناصب إدارية وعسكرية عليا في السودان، وعلى رأسهم غردون الذي عُين حكمداراً للسودان عام 1877م، ومُنح سلطات مدنية وعسكرية وقضائية واسعة.

إلى أن قال:

وفي عام 1290ﻫ/ 1872م وصلت إلى السودان دفعة جديدة من المبشرين برئاسة المطران دانيال كمبوني.. هذه الحركة التبشيرية الواسعة التي كانت تتم بموافقة حكام مصر جلبت الكراهية والبغضاء من قبل السودانيين لحكام القاهرة).

نتج عن فتح المجال من قبل الحكومة الخديوية للكفار من يهود ونصارى للعمل في السودان أن ازداد عدد المنصرين في السودان، وأسست كنائس كثيرة، وكذلك مدارس كنسية ولاهوتية، ونصِّر عدد من سكان جبال النوبة والمديريات الجنوبية، يتمثل ذلك في الآتي:

1.  أصبح في كل مدينة من مدن السودان الكبرى كنيسة بجوار المسجد.

2. كانت أصوات أجراس الكنائس تعلو على أصوات الأذان بمسجد الخرطوم وغيره من المساجد.

3. فُتِح العديد من المدارس الكنسية واللاهوتية، وانتشرت مدارس المطران دانيال كمبوني في كل مدن السودان الكبرى.

4. نُصِّر عدد كبير من أبناء جبال النوبة والمديريات الجنوبية.

5. جُلبت منهم أعداد كبيرة للدراسة بالخرطوم، بلغ عددهم ألف دارس.

6. قُدِّر عدد اليهود والنصارى الأوروبيين والأقباط في العهد التركي المصري في السودان قبيل إعلان الثورة المهدية بـ1500 نسمة، منتشرين في مدن السودان المختلفة.

7. أشهر جنسيات المنصِّرين: إغريق، وشوام، وأقباط، ونمساويون، وروس، وألمان، وإيطاليون.

لكن سرعان ما قُضِيَ على ذلك بقيام دولة المهدية، وذلك بالآتي:

1. خيِّر كل الكفار بين الإسلام والهجرة عن السودان، فمنهم من أسلم ومنهم تظاهر بالإسلام وأبطن الكفر "كسلاطين"، حيث لم يكن في عهد المهدية أهل ذمة.

2. هُدِّمت كل الكنائس.

3. هُدِّمت كل المدارس الملحقة بتلك الكنائس وفي مقدمتها الكنيسة الكاثوليكية التي أسسها الأب "أيناسوكنونجُيز" الألماني، وموقعها حالياً مبنى ولاية الخرطوم.

4. توقف النشاط الكنسي تماماً.

لقد طُهرت أرض السودان من النصرانية التي جلبها ومكن لها الخديوية بعد أن تخلص السودان منها في عهد الفونج.

وقد تولى كبر إعادة النصرانية في السودان بعد أن كفاه الله شرها، وبذر هذه البذرة الخبيثة فيه، وتسبب في كل الكوارث والمآسي التي عانى منها السودان منذ عهد الاستقلال وحتى الآن، وكان مسؤولاً عن كل الدماء الطاهرة التي أريقت فيه، الحكم الخديوي المصري، سيما الخديوي عباس والخديوي إسماعيل عليهما من الله ما يستحقانه، يضاف ذلك كله إلى الجرم الكبير والإثم الخطير الذي اقترفه محمد علي وأسرته على الأمة العربية والإسلامية، مما جعله يستحق بجدارة لقب أبي العلمانية في العالم العربي، ويتمثل ذلك بجانب ما جنته هذه الأسرة المشبوهة على المسلمين في السودان في الآتي:

1.  خروجه على الخلافة العثمانية.

2. استقلاله بمصر والسودان، مما أدى إلى إضعاف الدولة العثمانية، وتسبب في سقوطها.

3. فتح المجال للكفار وموالاتهم.

4. نقل سلبيات الحضارة الغربية من غير تحفظ، مما أدى إلى فساد الأخلاق.

5. حَكَم مصر بدستور علماني مستمد من الدستور الفرنسي.

6. محاولته القضاء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

هذا قليل من كثير، فنسأل الله أن ينتقم منه ومن أحفاده من بعده، ومن شاكلهم بقدر ما أساءوا إلى الإسلام والمسلمين.

ã

حكم الكنائس والمعابد في البلاد التي فتحت عُنْوَة

الحالة الأولى: إذا لم ينقض أهلها العهد

ذهب أهل العلم في الكنائس التي وجدت في البلاد التي فتحت عُنْوَة ولم ينقض أهلها العهد مذهبين:

1.  يجب إزالتها ويحرم تبقيتها لأن البلاد صارت مِلْكاً للمسلمين، كالبلاد التي مصَّرها المسلمون تماماً، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلح قِبلتان ببلد".

وهو وجه للشافعية وقول لأحمد.

2.    يجوز الإبقاء عليها.

واستدل هذا الفريق بأن الرسول صلى الله عليه وسلم فتح خيبر عُنْوَة وأقرَّهم على معابدهم فيها ولم يهدمها، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم فتحوا كثيراً من البلاد عُنْوَة فلم يهدموا شيئاً من الكنائس التي بها، وبقول ابن عباس رضي الله عنهما: "أيُّما مِصْر مصرته العجم ففتحه الله على العرب فنزلوه فإن للعجم ما في عهدهم"، وبما كتبه عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى عماله أن: "لا تهدموا كنيسة، ولا بَيْعة، ولا بيت نار".

ã

الحالة الثانية: إذا نقض أهلها العهد، كحال السودان مثلاً

يهدم القديم منها ولا يصان ولا يعاد بناء الآيل إلى السقوط، ولا يُبنى جديد منها، لا بطريق رسمي ولا عشوائي.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (أما الكنائس التي بالشام ونحوها من أرض العُنْوَة، فما كان منها مُحْدَثاً وجب هدمه، وإذا اشتبه المُحْدَث بالقديم وجب هدمها جميعاً لأن هدم المحدث واجب، وهدم القديم جائز، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وما كان منها قديماً فإنه يجوز هدمه ويجوز إقراره بأيديهم.

فينظر الإمام في المصلحة، فإن كانوا قد قلوا والكنائس كثيرة أخذ منهم أكثرها، وكذلك ما كان على المسلمين فيه مضرة فإنه يؤخذ أيضاً، وما احتاج المسلمون إلى أخذه أخذ أيضاً، وأما إذا كانوا كثيرين في قرية ولهم كنيسة قديمة لا حاجة إلى أخذها ولا مصلحة فيه فالذي ينبغي تركها، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه لهم من الكنائس ما كانوا محتاجين إليه، ثم أخذ منهم.

وأما ما كان لهم بصلح قبل الفتح، مثل ما في داخل مدينة دمشق ونحوها، فلا يجوز أخذه ما داموا موفين بالعهد إلا بمعاوضة أوطيب أنفسهم، كما فعل المسلمون بجامع دمشق لما بنوه.

فإذا عرف أن الكنائس ثلاثة أقسام: منها ما لا يجوز هدمه، ومنها ما يجب هدمه، ومنها ما يفعل المسلمون فيه الصلح.

فما كان قديماً على ما بيناه، فالواجب على ولي الأمر فعل ما أمره الله به، وكما هو أصلح للمسلمين من إعزاز دين الله، وقمع أعدائه، وإتمام ما فعله الصحابة من إلزامهم بالشروط عليهم، ومنعهم من الولايات في جميع أرض الإسلام.

إلى أن قال رحمه الله ناصحاً لإخوانه المسلمين ومحذراً لهم من الخذلان والمخذلين:

ولا يلتفت في ذلك إلى مُرْجِف أومخذِّل يقول: إن لنا عندهم مساجد وأسرى نخاف عليهم، فإن الله تعالى يقول: "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز".

وإذا كان فوروز في مملكة التتار قد هدم عامة الكنائس على رغم أنف أعداء الله، فحزب الله المنصور وجنده الموعود بالنصر إلى قيام الساعة أولى بذلك وأحق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم لا يزالون ظاهرين إلى يوم القيامة، ونحن نرجو أن يحقق الله وعد رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "يبعث الله لهذه الأمة على رأس مائة سنة من يجدد لها دينها"، ويكون من أجرى الله ذلك على يديه وأعان عليه من أهل القرآن والحديث داخلين في هذا الحديث النبوي، فإن الله بهم يقيم دينه كما قال: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز").

وأخيراً أسأل الله أن يبصر المسلمين ويفقهم في الدين، وأن يؤلف بين قلوبهم ويهديهم سبل السلام، ويردهم إلى دينه رداً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأن يصلح أحوالهم، ويحكم فيهم خيارهم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله صادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين.

ã

المراجع

1.  أحكام أهل الذمة للعلامة ابن قيم الجوزية، تحقيق وتعليق طه عبد الرؤوف سعد.

2.  البداية والنهاية للحافظ ابن كثير.

3.  المسيحية في السودان، تأليف الأستاذة أنجيل إسحاق جرجس.

4. مجلة "دراسات إفريقية" ـ مجلة بحوث نصف شهرية يصدرها مركز البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة إفريقيا العالمية ـ العدد الواحد والعشرون، يونيو صفر 1420ﻫ/1999م.

000000000000000000000

التبرك بفضلات وآثار الصالحين لا يحلُّ، لأنه من خصائص رسول رب العالمين

لقد خُصَّ رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة لم يشاركه فيها أحد من أمته، من تلك الأمور التمسُّـح والتبرُّك بما انفصـل عنه صلى الله عليه وسلم وبآثـاره، كما صحَّ بذلك الخبـر عن عـروة بن مسعود الثقفي وأبي جُحيفة رضي الله عنهما.

بل من الصحابة من شرب دمه، وهو عبد الله بن الزبير، ومنهم من شرب بوله، وهي بركة، ومنهم من كان يسلت عَرَقه ويضعه في طيبه ويتطيب به، ويقول: هو من أطيب الطيب، وهي أم سُليم رضي الله عنهم جميعاً.

خرَّج البخاري في صحيحه بسنده عن أبي جُحيفة رضي الله عنه قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، فأتي بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به"، وفيه: "كان إذا توضأ يقتتلون على وضوئه".

وخرَّج البخاري في صحيحه عن عروة عندما جاء مفاوضاً عن قريش في الحديبية: "وما انتخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده".

قال الشاطبي رحمه الله: (وخرَّج غيره ـ أي البخاري ـ من ذلك كثيراً في التبرك بشعره وثوبه وغيرهما، حتى أنه مس بأصبعه أحدهم بيده فلم يحلق ذلك الشعر الذي مسه عليه السلام حتى مات).

ماكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بذلك، بل قد أنكر على بعضهم، فقد قال لعبد الله بن الزبير عندما علم أنه شرب دمَ حجامته: ويحك، لِمَ شربتَ الدم؟!

وقال كذلك لبركة عندما وجد القدح الذي كان يبول فيه من الليل فارغاً: لعلك شربته؟! متعجباً ومستنكراً لفعلها.

قال الشاطبي رحمه الله: (خرَّج ابن وهب في جامعه من حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: حدثني رجل من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أوتنخم ابتدر من حوله من المسلمين وضوءه ونخامته فشربوه ومسحوا به جلودهم، فلما رآهم يصنعون ذلك سألهم: "لِمَ يفعلون هذا؟"، قالوا: نلتمس الطهور والبركة بذلك؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان منكم يحب أن يحبه الله ورسوله فليصدق الحديث، وليؤد الأمانة، ولا يؤذ جاره".

فإن صحَّ هذا النقل فهو مشعر بأن الأولى تركه، وأن يتحرى ما هو الآكد والأحرى من وظائف التكليف، ولا يلزم الإنسان في خاصة نفسه، ولم يثبت من ذلك كله إلا ما كان من قبيل الرقية وما يتبعها).

مما يدل على أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأنه انفرد بذلك عن أمته، أنه لم يقع من الصحابة رضي الله عنهم أنهم فعلوا ذلك بعد موته لأحد منهم، لا لأفضلهم وأفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين أبي بكر ولا لغيره.

لقد ردَّ الشاطبي رحمه الله على من يعتقد مشروعية هذا في حق من ثبتت ولايته واتباعه لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبرك بفضل وضوئه ويستشفي بآثاره ونحو ذلك قائلاً: (إلا أنه عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه.. وهو أن الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه السلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو كان خليفته، ولم يفعل به شيء من ذلك ولا عمر رضي الله عنهما، وهو كان أفضلَ الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركاً تبرَّك به على أحد تلك الوجوه، أونحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسِّير التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء.

ثم ردَّ عدم فعلهم لذلك لأحد سببين، هما:

1.   اعتقادهم أن ذلك كان من خصائصه التي انفرد بها عن أمته.

2.   أوأنهم تركوا ذلك سداً للذريعة.

حيث قال: وبقي النظر في وجه ترك ما تركوا منه، ويحتمل وجهين:

أحدهما: أن يعتقدوا فيه الاختصاص، وأن مرتبة النبوة يسع فيها ذلك كله، للقطع بوجود ما التمسوا من البركة والخير، لأنه عليه السلام كان نوراً كله في ظاهره وباطنه، فمن التمس منه نوراً وجده على أي جهة التمسه، بخلاف غيره من الأمة ـ وإن كان حصل له من نور الاقتداء به والاهتداء بهديه ما شاء الله ـ لا يبلغ مبلغه على حال توازيه في مرتبته، ولا تقاربه، فصار هذا النوع مختصاً به كاختصاصه بنكاح ما زاد على الأربع، وإحلال بعض الواهبة نفسها له، وعدم وجوب القسم على الزوجات، وشبه ذلك، فعلى هذا المأخذ لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة.

الثاني: أن لا يعتقدوا الاختصاص ولكنهم تركوا ذلك من باب الذرائع، خوفاً من أن يجعل ذلك سنة ـ كما تقدم ذكره في اتباع الآثار ـ والنهي عن ذلك، أولأن العامة لا تقتصر في ذلك على حد، بل تتجاوز فيه الحدود، وتبالغ بجهلها في التماس البركة حتى يداخلها للمتبرَّك به تعظيم يخرج به عن الحد، فربما اعتقد في المتبرَّك به ما ليس فيه، وهذا التبرك هو أصل العبادة، ولأجله قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو كان أصل عبادة الأوثان في الأمم الخالية.. فخاف عمر رضي الله عنه أن يتمادى الحال في الصلاة إلى تلك الشجرة حتى تعبد من دون الله، فكذلك يتفق عند التوغل في التعظيم).

وعليه فإنه لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتدلك أويتمسَّح بوضوء ونخامة أوما انفصل من شخص مهما كانت مكانته ومنزلته، فإن فعل فليعلم أنه مبتدع وأنه غير مقتدٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مقتدٍ بأتباع زنادقة الصوفية كالحلاج ونحوه.

قال الشاطبي رحمه الله: (حكى الفرغاني في مذيل تاريخ الطبري عن الحلاج أن أصحابه بالغوا في التبرك به حتى كانوا يتمسحون ببوله ويتبخرون بعذرته، حتى ادعوا فيه الألوهية، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

ولأن الولاية وإن ظهر لها في الظاهر آثار قد يخفى أمرها، لأنها في الحقيقة راجعة إلى أمر باطن لا يعلمه إلا الله، فربما ادعيت الولاية لمن ليس بوليّ، أوادعا هو لنفسه، أوأظهر خارقة من خوارق العادات هي من باب الشعوذة، لا من باب الكرامة، أومن باب السحر، أو الخواص، أوغير ذلك، والجمهور لا يعرف الفرق بين الكرامة والسحر، فيعظمون من ليس بعظيم، ويقتدون بمن لا قـدوة فيه ـ وهو الضلال البعيد ـ إلى غير ذلك من المفاسد، فتركوا العمل بما تقدم ـ وإن كان له أصل ـ لما يلزم عليه من الفساد في الدين).

قلت: هنيئاً لأتباع الحلاج ومن اقتدى بهم بهذا المسوح والبخور، فقد ازدادوا رجساً حسياً إلى رجسهم المعنوي، حيث اعتقدوا ألوهية الحلاج، لا شك أن الله جامع بينهم وبينه إن لم يكونوا قد تابوا ورجعوا إلى الإسلام.

لقد أجمع علماء الإسلام في بغداد في عصره على كفر الحلاج، وأباحوا قتله، فقتل بسيف الشرع لزندقته دون استتابة، مع ذلك نجد بعض المتصوفة يستغيثون به وبأمثاله حتى اليوم: "بالشبلي، بالحلاج، بابن عربي".

قال القاضي عياض رحمه الله: (وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الألوهية، والقول بالحلول، وقوله أنا الحق، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته).

وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: (قدِّم الحلاج فضرب ألف سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، وحزَّ رأسُه، وأحرقت جثته، وألقي رمادها في دجلة، ونصب الرأس يومين ببغداد على الجسر، ثم حمِل إلى خرسان وطيف به في تلك النواحي).

مع كل ذلك نجد من بعض مرضى القلوب من يصف الحلاج وأمثاله كمحمود محمد طه أو غيرهما بشهداء الفكر، نعوذ بالله من الضلال والخذلان.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، حامي حمى التوحيد، وعلى وآله وصحبه أجمعين.

00000000000000000000

احذر أخي المسلم صغائر البدع، فإنها تقود إلى كبارها

شبه المجيزين لاستعمال السُّبحة ونحوها في التسبيح ودحضها

 

الحمد لله الذي أمر بطاعة رسوله ونهى عن مخالفته من غير قيد ولا شرط، فقال: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"، وصلى الله وسلم على محمد القائل: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشرُّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".

وبعد..

فما أشأم البدعة وما أشد ضررها على الدين، لا فرق في ذلك بين صغيرها وكبيرها، ولا حقيرها وجليلها، "فكل بدعة ضلالة"، ورحم الله مالكاً الإمام عندما سئل عن مسألة وقيل له إنها مسألة يسيرة، فزجر القائل وقال: ليس في الدين أمر يسير؛ وقد قال الله تعالى: "إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً"، وكما أن المعاصي بريد الكفر، فإن صغار البدع تقود إلى كبارها، إلى البدع الكفرية المغلظة، ولا غرابة في ذلك، فمعظم النار من مستصغر الشرر.

كان السلف الصالح من الصحابة ومن دونهم يخافون من البدع ويحذرون منها، لا يفرِّقون في ذلك بين بدعة وبدعة، بينما تهاون الخلف في ذلك وتجاسروا وتباروا في الابتداع في دين الله، وأتوا بالطوام العظام، والمخالفات الجسام، لما شرعه لنا الله على لسان سيد ولد عدنان، محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.

روى الإمام الدارمي رحمه الله في سننه بسنده إلى عمرو بن سلمة قال: "كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا؛ فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيتُ في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيراً؛ قال: فما هو؟ قال: إن عشتَ ستراه؛ قال: رأيتُ في المسجد قوماً حِلقاً جلوساً، ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبِّحوا مائة، فيسبحون مائة؛ قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلتُ لهم شيئاً أنتظر رأيك؛ قال: أفلا تأمرهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنتَ لهم أن الله لا يضيع من حسناتهم شيء؟ ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحِلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير، والتهليل، والتسبيح؛ قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن الله لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون، وهذه ثيابه لم تَبْلَ، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم على ملة هي أهدى من ملة محمد، أومفتتحو باب ضلالة! قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير؛ قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله حدثنا إن قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله لعل أكثرهم منكم؛ ثم تولى عنهم.

قال عمرو بن سلمة: فرأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج".

يستفاد من هذا الأثر ما يأتي:

1.  أن البدع كلها محرمة، حقيقية كانت أم إضافية، كالتسبيح بالحصى، لأن التسبيح مشروع ولكن الوسيلة التي استعملها هؤلاء محرمة، صغيرة كانت أم كبيرة.

2.  أن التسبيح والتهليل ونحوهما لا يكون إلا بالأنامل "أصابع اليد"، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً وتقريراً، سواء كان الذكر مقيداً بزمان، أومكان، أوعدد، أما المطلق فهو لا يحتاج إلى عدّ.

3.  أن التسبيح بالحصى، أوالخيط، أو السُّبحة، أوالآلة العادة، كل ذلك مخالف للسنة، كما بين ذلك ابن مسعود رضي الله عنه، ولا يحل لمسلم أن يستحسن عبادة بعقله.

4.  أن صغار البدع تقود إلى كبـارها، ولهذا صدقت نبـوءة ابن مسعود في هؤلاء كما وضح ذلك عمرو بن سلمة، فإن عامة هؤلاء كانوا من الخارجين على عليّ والصحابة، فقد بدأ هؤلاء بالإعراض عن سنة التسبيح باليد التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التسبيح بالحصى، إلى أن انتهى بهم الأمر إلى أن خرجوا على خيار الصحابة، وفارقوا جماعة المسلمين، وسفكوا دماءهم، ونهبوا أموالهم.

ولله در مجاهد عندما أشار إلى تدرج البدع، وأن الابتداع في الدين هو طريق إلى الإشراك بالله، فقال: "يبدأون جهمية، ثم يكونون قدرية، ثم يصيرون مجوساً".

5.  أن صدق النية وحده لا يكفي في قبول العبادات، بل لابد للعبادة من موافقة السنة، وإلا فهي باطلة، قال تعالى: "هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية"، حيث لم يغن عنهم إخلاصُهم شيئاً عندما خالفوا المتابعة، وكان عليٌّ رضي الله عنه يرى أنها نزلت في الخوارج.

ومما يدل على خطورة عدم الاتباع للسنة في العبادة ما قاله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته ثلاثاً: "صلِّ فإنك لم تصلِّ"، حيث خالفت صلاتُه صلاةً رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاطمئنان، ولم يستفسر عن صدقه وإخلاصه.

ã

شبه المجيزين لاستعمال السُّبحة ونحوها في التسبيح ودحضها

يستدل المجيزون لاستعمال السُّبحة في عدِّ التسبيح ونحوه بشبه هي:

1.  أن ذلك من باب البدع الحسنة، وما علموا أنه ليس هناك بدعة حسنة بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ بدعة ضلالة"، فلم يفرِّق بين بدعة وبدعة، وقد أوتي جوامع الكلم، وذلك لخلطهم بين المصالح المرسلة الجائزة، نحو كتابة المصحف، وتدوين العلم، وبين البدع المحدثة المحرمة؛ وبمقولة عمر رضي الله عنه: "إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة هي"، وصلاة القيام سنة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يداوم عليها مخافة أن تفرض، هذا بجانب أن عمل عمر سنة، فمراد عمر رضي الله عنه بذلك البدعة اللغوية، وليست البدعة الشرعية؛ وكذلك يستدلون على تقسيم البدع إلى حسنة وسيئة بقوله صلى الله عليه وسلم: "من سنَّ سنة حسنة.." الحديث، ومناسبة الحديث ترد هذه الشبهة، وذلك عندما أسرع أحد الصحابة بإحضار كمية من الطعام والملابس لبعض الأعراب الذين ضافوا الرسول صلى الله عليه وسلم، واقتدى به غيره، فقال صلى الله عليه وسلم: "من سنَّ سنة حسنة..".

2.  أن السُّبحة وسيلة وليست عبادة، ويردُّ ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن لأصحابه وسيلة الذكر باللسان المقيد بأن عدَّه بأنامل يده، فمن رغب عن سنته إلى غيرها فليس منه.

3.  بعض الآثار التي وردت عن بعض الصحابة في التسبيح بالحصى وغيره: لقد وردت آثـار عن بعض الصحابة في التسبيح بالحصى كلها ضعيفة، ووردت آثـار في النهي عن ذلك، منها الصحيح، وهو أثـر ابن مسعود، ومنها الضعيف، وفيما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً، وعملاً، وتقريراً، أنه لم يستعمل قط إلا أنامل يده، غنى وكفاية.

قال الشيخ الدكتور بكر أبو زيد في كتابه القيم "السُّبحة تاريخها وحكمها": (الخلاصة أن في الإنكار على من سبَّح بالحصى أوالنوى آثاراً عن ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم، وهي عن عمر رضي الله عنه، رواه ابن أبي شيبة وفي سنده انقطاع، وعن عائشة رضي الله عنها، رواه ابن أبي شيبة وفي سنده جهالة، وعن ابن مسعود رضي الله عنه، وجلُّ أسانيده كالشمس صحة وصراحة في النهي والإنكار، وفي وقائع متعددة.

وأن في الإقرار ستة آثار عن ستة من الصحابة رضي الله عنهم، وهي عن عليّ رضي الله عنه، رواه ابن أبي شيبة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أثران، أحدهما في أبي داود وغيره، وفي سنده جهالة، والثاني لم أقف عليه، وعن أبي الدرداء من فعله رضي الله عنه، وفي سنده انقطاع رواه عبد الله في زوائد الزهد لأبيه، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من فعله، رواه ابن أبي شيبة، وعن أبي صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم من فعله رضي الله عنه، رواه أحمد في الزهد والعلل وفي سنده جهالة، فصارت آثار التسبيح بالحصى المذكورة لا تخلو أسانيدها من مقال، وآثار النهي والإنكار عن عمر وعائشة رضي الله عنهما كذلك، وأما عن ابن مسعود فهي صحيحة صريحة في النهي والإنكار على من فعله، ولا معارض له في إنكاره على من فعله، وإعلانه له، وقولته العظيمة: "لقد أحدثتم بدعة ظلماً، أوفضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علماً"، والله أعلم).

ثم ذكر طرفة شبيهة بما يفعله البعض الآن، وهو ما يعرف بـ"الجرد"، رواها الجاحظ في البيان والتبيين، وابن قتيبة في عيون المعارف: "أن عبد الملك بن هلال الهنائي عنده زنبيل ملآن حصى، فكان يسبح بواحدة واحدة، فإذا ملَّ شيئاً طرح اثنتين اثنتين، ثم ثلاثاً ثلاثاً، فإذا ملَّ قبض قبضة وقال: سبحان الله بعدد هذا كله، وإذا بكَّر لحاجة وكان مستعجلاً لحظ الزنبيل لحظة وقال: سبحان الله عدد ما فيه.

ثم بيَّن في بحثه هذا عن السُّبحة أنها دخيلة على كل الأديان، وأنها كانت معروفة منذ عصور ما قبل التاريخ، قيل منذ عام 800م، وأنها من وسائل التبعد لدى البوذيين والبراهمة وغيرهم، ثم تسربت إلى القسس والرهبان، ثم إلى المسلمين.

والله أسأل أن يوفقنا وجميع إخواننا المسلمين إلى ما يحب ويرضى، وأن ييسرنا لليسرى، وينفعنا بالذكرى، إنه ولي لك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

00000000000000

مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (ج 13 / ص 175)

استعمال المسبحة

559 ... سئل فضيلة الشيخ - أعلى الله مكانه ومكانته عنده -: ما حكم استعمال السبحة؟

... فأجاب فضيلته بقوله: السبحة ليست بدعة دينية، وذلك لأن الإنسان لا يقصد التعبد لله بها، وإنما يقصد ضبط عدد التسبيح الذي يقوله، أو التهليل، أو التحميد، أو التكبير، فهي وسيلة وليس مقصودة، ولكن الأفضل منها أن يعقد الإنسان التسبيح بأنامله - أي بأصابعه - لأنهن "مستنطقات"(1) كما أرشد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن عد التسبيح ونحوه بالمسبحة يؤدي إلى غفلة الإنسان، فإننا نشاهد كثيراً من أولئك الذين يستعملون المسبحة نجدهم يسبحون وأعينهم تدور هنا وهناك لأنهم قد جعلوا عدد الحبات على قدر ما يريدون تسبيحه، أو تهليله أو تحميده، أو تكبيره، فتجد الإنسان منهم يعد هذه الحبات بيده وهو غافل القلب، يتلفت يميناً وشمالاً، بخلاف ما إذا كان يعدها بالأصابع فإن ذلك أحضر لقلبه غالباً، الشيء الثالث أن استعمال المسبحة قد يدخله الرياء، فإننا نجد كثيراً من الناس الذين يحبون كثرة التسبيح يعلقون في أعناقهم مسابح طويلة كثيرة الخرزات، وكأن لسان حالهم يقول: انظروا إلينا فإننا نسبح الله بقدر هذه الخرزات.

... وأنا أستغفر الله أن أتهمهم بهذا، لكنه يخشى منه، فهذه ثلاثة أمور كلها تقتضي بأن يتجنب الإنسان التسبيح بالمسبحة، وأن يسبح الله سبحانه وتعالى بأنامله.

... ثم أن الأولى أن يكون عقد التسبيح بالأنامل في اليد اليمنى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه(1) واليمنى خير من اليسرى بلا شك، ولهذا كان الأيمن مفضلاً على الأيسر، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل بشماله أو يشرب بشماله وأمر أن يأكل الإنسان بيمينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا غلام سم الله، وكل بيمينك وكل مما يليك"(2). وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يأكلن أحدكم بشماله، ولا يشربن بشماله فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله"(3). فاليد اليمنى أولى بالتسبيح من اليد اليسرى اتباعاً للسنة، وأخذاً باليمين فقد: "كان النبي عليه الصلاة والسلام يعجبه التيامن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله"(4).

... وعلى هذا فإن التسبيح بالمسبحة لا يعد بدعة في الدين؛ لأن المراد بالبدعة المنهي عنها هي البدع في الدين، والتسبيح بالمسبحة إنما هو وسيلة لضبط العدد، وهي وسيلة مرجوحة مفضولة، والأفضل منها أن يكون عد التسبيح بالأصابع.

 

560 ... وسئل فضيلة الشيخ - غفر الله له-: ما رأيكم في استخدام المسبحة في التسبيح؟ جزاكم الله خيراً.

... فأجاب فضيلته بقوله: استخدام المسبحة جائز، لكن الأفضل أن يسبح بالأنامل وبالأصابع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اعقدن بالأصابع فإنهن مستنطقات"(5).

__________

(1) رواه أبو داود في الصلاة/ باب التسبيح بالحصى (1502).

(2) متفق عليه، رواه البخاري في الأطعمة باب 2 - التسمية على الطعام والأكل باليمين (5376)، ورواه مسلم في الأشربة باب 13 - آداب الطعام والشراب 3/1599 ح108 (2022).

(3) رواه مسلم في الموضع السابق ح106 (2020).

(4) متفق عليه، رواه البخاري في الوضوء، باب 31 - التيمن في الوضوء والغسل (168)، ورواه مسلم في الطهارة باب 19: التيمين في الطهور وغيره 1/226 ح66 و 67 (268).

(5) راجع تخريجه في السؤال السابق.

... ولأن حمل السبحة قد يكون فيه شيء من الرياء؛ ولأن الذي يسبح بالسبحة غالباً تجده لا يحضر قلبه فيسبح بالمسبحة وينظر يميناً وشمالاً. فالأصابع هي الأفضل وهي الأولى

---------------

الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 7530)

«استخدام السّبحة في عدد الأذكار»

48 - السّبحة كما قال ابن منظورٍ هي الخرزات الّتي يعدّ بها المسبّح تسبيحه قال : وهي كلمة مولّدة ، وقد قال : المسبحة.

قال الشّيخ محمّد شمس الحقّ شارح السّنن بعد أن أورد حديث سعد بن أبي وقّاصٍ السّابق ذكره : الحديث دليل على جواز عدّ التّسبيح بالنّوى والحصى ، وكذا بالسّبحة ، لعدم الفارق ، لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأة على ذلك وعدم إنكاره ، والإرشاد إلى ما هو أفضل منه لا ينافي الجواز.

قال : وقد وردت في ذلك آثار ، ولم يصب من قال إنّ ذلك بدعة.

وجرى صاحب الحرز على أنّها بدعة إلاّ أنّه قال : إنّها مستحبّة ، ونقل ابن علّان عن شرح المشكاة لابن حجرٍ قوله : في الحديث المذكور ندب اتّخاذ السّبحة ، وزعم أنّها بدعة غير صحيحٍ ، إلاّ أن يحمل على تلك الكيفيّات الّتي اخترعها بعض السّفهاء ، ممّا يمحّضها للزّينة أو الرّياء أو اللّعب.

ا هـ.

وردّ ابن علّان القول بأنّها بدعة بأنّ إقرار النّبيّ صلى الله عليه وسلم تلك المرأة على العدّ بالحصى أو النّوى ينفي أنّها بدعة فإنّ الإقرار هو من السّنّة ، والسّبحة في معنى العدّ بالحصى ، إذ لا يختلف الغرض من كونها منظومةً - أي منظومةً بخيطٍ - أو منثورةً.

قال : وقد أفردت السّبحة بجزءٍ لطيفٍ سمّيته « إيقاد المصابيح لمشروعيّة اتّخاذ المسابيح » أوردت فيها ما يتعلّق بها من الأخبار والآثار والاختلاف في تفاضل الاشتغال بها أو بعقد الأصابع.

وحاصله أنّ العقد بالأنامل أفضل لا سيّما مع الأذكار بعد الصّلاة ، أمّا في الأعداد الكثيرة الّتي يلهي الاشتغال بعدّها عن التّوجّه للذّكر فالأفضل استعمال السّبحة.

000000000000000

__________

(1) لما رواه الإمام أحمد في المسند 611/370، وأبو داود في الصلاة/ باب التسبيح بالحصى (1501)، والترمذي في الدعوات، باب فضائل التسبيح (3583) ونص الحديث: عن يسيرة قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكن بالتهليل والتسبيح والتقديس، ولا تغفلن فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات".

0000000000000000000000

الخلق عند الله صنفان: مؤمن، وكافر

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد..

فإن الخلق عند الله وعند المؤمنين في الدنيا والآخرة صنفان لا ثالث لهما، مؤمن وكافر، وإن تفاوتت درجاتهم في الدنيا واختلفت درجاتهم ودركاتهم في الآخرة.

فالمؤمنون منهم السابقون، ومنهم أصحاب اليمين؛ والكافرون تختلف دركاتهم، فالمنافقون في الدرك الأسفل من النار، حيث يعلوهم إخوانهم الكفار.

دليل هذا التصنيف الإلهي والتقسيم الرباني العادل للخلق:

   قوله تعالى: "ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون... إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً..".

   وقوله: "هو الذي خلقكم فمنكم مؤمن ومنكم كافر والله بما تعملون بصير".

   وفي الحديث القدسي الذي رواه زيد بن خالد رضي الله عنه: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم؛ قال: "قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكواكب".

هذا التصنيف للخلق يريد بعضُ من هم من بني جلدتنا، ويتكلمون بلغتنا، ويتسمَّون بأسمائنا، وينتسبون إلى آباء مسلمين، يريد البعضُ أن يغيروه ويبدلوه، ويقسِّموا الناس على أسس جديدة مما تعارف عليه أسيادُهم الكفار، يريدون أن يصنِّفوا الخلق إلى متحضر وهو المنسلخ عن دين الإسلام وإن تظاهر به، ومتخلف وهو الملتزم بدين الإسلام والمتقيد بحدوده وقواعده.

لقد ازدادت جرأة هذه الفئة في الآونة الأخيرة بعد أن أحكمت أمريكا قبضتها وهيمنتها على العالم، خاصة العالم الإسلامي، لأنهم أريد منهم أن يدفعوا "فاتورة" عمالتهم وارتزاقهم، وأن ينفذوا مخططات الأسياد، وأن ينوبوا عنهم في القضاء على ما تبقى من خير وعزة واعتداد في هذه الأمة، خاب فألُهم، وتبددت آمالهم، ونُكِّسَت راياتهم، ونسوا أن للباطل صولة سرعان ما تنقشع، وأن العاقبة للتقوى.

لقد تجمعت قوى الشر، وعملاء الشرق والغرب، وعبَّاد الشهوات، ولقاط فتات موائد الكفار، على الإسلام وأهله، ولا غرابة في ذلك إذ الكفر في كل وقت وحين ملة واحدة، ولكن الغرابة كل الغرابة أن يختلف أهل الإسلام ويتفرقوا ويتشرذموا، ويكيد بعضُهم لبعض، في حين تتوحَّد صفوف من تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، فقط للقضاء على هذا الدين، ولتحقيق الشهوات والرغبات، ولنيل رضا الأسياد.

ما كان لهؤلاء من سبيل لإبطال هذا التصنيف الرباني، والمجيء بتصيف شيطاني للخلق على أسس مادية شهوانية، إلا بعد أن أنكروا حداً من حدود الله وهو حد الردة، وإلا بعد أن سوَّوا بين الحق والباطل، بين الإسلام والكفر، بين الأديان، بين الدين الناسخ المهيمن والأديان المحرَّفة المنسوخة، فأجازوا التدين بأي دين والخروج والولوج من وإلى أي دين، حيث لا يترتب على ذلك حكم شرعي، وصدق الله العظيم حيث قال: "بل يريد الإنسانُ ليفجُر أمامه يسألُ أيان يوم القيامة".

فإنكار من ينكر الردة وحدها وسَوَّى بين الأديان لا يقل من إنكار من أنكر البعث ليهيئ نفسه للتمادي في كفره وعناده، وفجوره.

ومن عجيب أمر هذه الشرذمة وأمرها كله عجب، النابذة لدين آبائها وأجدادها، المحاربة له، الموالية لأعداء الدين، المنفذة لتعاليمهم ومخططاتهم، أنهم متمتعون بكل ما يتمتع به الكفار من قول وفعل واعتقاد، بل في بعض الأحيان يزيدون عليهم، ومع ذلك يستنكفون، ويستكبرون، ويغضبون، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها إذا رموا بالكفر والنفاق، بل يودُّون لو أزالوا كلمة الكفر هذه من المصطلحات الشرعية، وأنى لهم ذلك؟!

وأخيراً أحب أن أختم حديثي هذا بأن ما رآه المؤمنـون ـ وهم أهل الحل والعقد من علماء أهل السنة والجماعة ـ في كل وقت وحين حقاً وحسناً فهو عند الله حق وحسن، وما رَأوه قبيحاً فهو عند الله قبيح، ومن حكموا بكفره ونفاقه فهو عند الله كافر ومنافق، ومن حرَّموا التعامل معه حرُم التعامل معه، إلا أن يعود إلى حظيرة الإيمان قبل أن تبلغ الروحُ الحلقوم، ولا يغير من ذلك شيئاً تلك الجعجعة الإعلامية والفوضى الكلامية التي أقامها أعداء الدين في الآونة الأخيرة في الصحف في السودان، فالذي ينفي ما أثبته الله ورسوله أويثبت ما نفاه الله ورسوله فقد كفر، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع.

والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لا ينالُ سلامُ الله وسلامُنا الكفار وإخوانهم من المنافقين.

0000000000000000000000

نواقض الإسلام

نواقض الإسلام

نبذة عن بعض هذه النواقض

1. تولي الكفار والمشركين

مظاهر موالاة الكفار

جل النكبات التي حلت بالمسلمين مردها إلى الإخلال بهذه العقيدة

2. التحاكم بغير شرع الله والرضا بذلك

3. عدم تكفير الكفار، أوالشك في كفرهم، أوتصحيح مذهبهم

4. الإيمان بالسحر المتعلق بالكواكب والشياطين والاشتغال به

5. الاستهزاء والسخرية بالدين

6. بغض شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

7. الإعراض الكلي عن الإسلام أو ما لا يصلح الإسلام إلا به

8. اعتقاد أن بعض الناس يمكنهم الخروج عن شرع محمد صلى الله عليه وسلم

9. إنكار ما هو معلوم من الدين ضرورة

نواقض الإسلام

وهي مبطلاته ومزيلاته، فالدخول في الإسلام والنطق بالشهادتين وممارسة بعض الشعائر كالصلاة والصوم والحج ونحوها، لا يعصم من الخروج من الإسلام: "يصبح الرجل مسلماً ويمسي كافراً ، ويمسي كافراً ويصبح مسلماً".

قال صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: "ينكر أحدُكم صلاته إلى صلاتهم، وقيامه إلى قيامهم، يخرجون من الدين كما تخرج الشعرة من العجين"، وفي رواية: "ثم لا يعودون" أوكما قال.

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليقول الكلمة لا يلقي لها بالاً من سخط الله عز وجل يهوي بها في النار سبعين خريفاً".

وهذه النواقض قد تكون قولية أو عملية أو اعتقادية، فعلية كان أم تركية، فمن سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أواعتقد أن أحداً يسعه الخروج عن شرع محمد صلى الله عليه وسلم، أوسجد لصنم فقد كفر، هذا كله مع إقامة الحجة بتوفر الشروط وانتفاء الموانع، أخطر هذه النواقض والمبطلات هي:

   الشرك الأكبر.

   اتخاذ الوسائط.

   تولي الكفار.

   التحاكم بغير شرع الله والرضا به.

   عدم تكفير الكفار كاليهود والنصارى ، أوالشك في كفرهم ، أوتصحيح مذاهبهم.

   الإيمان بالسحر المتعلق بالكواكب والشياطين والاشتغال به.

   الاستهزاء والسخرية بالدين.

   بغض شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

   الإعراض الكلي عن الإسلام.

   اعتقاد أن بعض الناس يمكنهم ويسعهم الخروج على شرع محمد صلى الله عليه وسلم.

   إنكار ما هو معلوم من الدين ضرورة.

هذه النواقض توصل إليها العلماء من طريق الاستقراء، ونواقض الإسلام لا تحصى كثرة، ولكن هذه أهمها وأخطرها.

ã

نبذة عن بعض هذه النواقض

1. تولي الكفار والمشركين

من العقائد الإسلامية العظيمة التي أخل بها غالب المسلمين في هذا العصر عقيدة الولاء والبراء، حيث أوجب الله على المسلم أن يوالي أخاه المسلم على ما فيه وإن ظلمه، وأن يتبرأ من الكافر والمشرك وإن أعانه.

الولاء يراد به الحب والمناصرة، وهو عكس البراء من الكفار والمشركين الذين يعني البغض والمنافرة.

ولا يعني البراء الظلم والتعدي، قال تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم".

وكما أن الولاء درجات يوالى المسلم حسب إيمانه وتقواه ومجاهداته، كذلك البراء دركات، حيث يتبرأ من الكافر والمشرك بحسب موقفه من الإسلام والمسلمين، فأشد الكفار عداوة ينبغي أن يتبرأ منهم براءة كاملة، قال تعالى: "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى".

ã

مظاهر موالاة الكفار

مظاهر موالاة الكفار في هذا العصر لا تحصى كثرة، وسنشير إلى  أشدها ضرراً وأعظمها خطراً، مع بيان أن هذه المظاهر متباينة، فمنها ما هو كفر ، ومنها ما هو حرام، ومنها ما هو مكروه، وكلها ممنوعة ومنهي عنها وإن اختلفت درجاتها، من تلك المظاهر:

   الدخول معهم في أحلاف ضد المسلمين.

   القتال تحت رايتهم.

   التجسس لصالحهم.

   عدم تكفيرهم.

   محبتهم والإعجاب بهم.

   التشبه بهم في المظهر.

   تعلم رطانتهم والتحدث بها لغير ضرورة.

   السفر إلى بلادهم لغير ضرورة.

   السكنى بين ظهرانيهم من غير ضرورة.

   الدخول معهم في منظمات دولية.

   تهنئتهم في المناسبات المختلفة.

   تهنئتهم ومشاركتهم في الأعياد.

   الإهداء لهم وقبول هداياهم.

   اتخاذ بعضهم مستشارين وأعوان.

ã

جل النكبات التي حلت بالمسلمين في الماضي والحاضر مردها إلى الإخلال بهذه العقيدة

جل النكبات التي حلت بالمسلمين في الماضي والحاضر حدثت نتيجة لما قام به بعض المسلمين أو المنتسبين إليه، وإليك طرف منها:

   وزير الخليفة العباسي ابن العلقمي السبعي مهد الطريق لجيش التتار لاجتياح بغداد وقتل العلماء والقضاة.

   وما فعله ابن العلقمي فعله النصير الطوسي الرافضي في تلك الفتنة.

   ما أصاب سواحل الشام من الصليبيين كان بسبب خيانات بعض الحكام المنتسبين للإسلام.

   لقد ضاعت الأندلس بسبب هذه الموالاة.

   استعانة سليمان بن يقظان الكلبي على عبد الرحمن الداخل بملك الإفرنج شارمان، وإن انتصر عبد الرحمن على شارمان وأعوانه من الخونة.

   لقد بيعت فلسطين لليهود بسبب موالاة وخيانة بعض حكام المسلمين.

   القضاء على الدولة العثمانية عن طريق كمال أتاتورك الصديق لليهود.

وفي العصر الحاضر:

   ضرب الشعب العراقي وأضعفت قوته بسبب تحالف بعض حكام المسلمين مع الكفار الأمريكان ومن والاهم.

   وكذلك قضي على دولة الطالبان الإسلامية وحلت محلها دولة علمانية بسبب خيانة وموالاة ومقاتلة بعض الحكام وغيرهم مع رائدة الكفر وحاميته أمريكا.

ã

2. التحاكم بغير شرع الله والرضا بذلك

كان المسلمون إلى سقوط الدولة العثمانية في 1925هـ يتحاكمون لشرع الله ولا يعرفون له بديلاً أبداً، ولكن بعد أن تآمرت قوى الشر مستعينة بالخونة من المنتسبين إلى الإسلام زوراً وبهتاناً، وبعد أن قسمت الدولة الإسلامية إلى دويلات صغيرة بحدود سياسية وهمية واستعمرت، حلت التشريعات الوضعية محل الشريعة الإسلامية، وأصبح جل المسلمين اليوم يحكمون بغير شرع الله.

الحكم بغير شرع الله والرضا به إما أن يكون كفراً أصغر، وليس لهذا إلا صورتين هما:

   حاكم أو قاضي علِم حكم الله في القضية ولكنه تركه لهوى في نفسه، وحكم بغيره مع يقينه أنه ترك الحق.

   حاكم أو قاضي أخطأ في معرفة الحكم الشرعي في قضية معينة .

فهاتان الصورتان كفر الحاكم أو القاضي فيهما كفر أصغر، وما سوى ذلك فكله كفر أكبر مخرج من الملة، من دون دخول في تفاصيل لا حد لها، قال تعالى: "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون"، وقال: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً"، وقال: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم الكافرون"، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!

فالحاكم أو القاضي الذي يحكم بالدساتير العلمانية، والقوانين الجنائية الوضعية كفره بين واضح، لا يجادل في ذلك إلا صاحب هوى معاند، أما ما تزعمه المرجئة المحدثون بأن الحاكم بغير ما أنزل الله لا يكفر إلا إذا جحد ذلك بقلبه، الذين اختزلوا الإيمان في المعرفة، فهم يريدون إيماناً كإيمان إبليس وفرعون ونحوهما، وليس الإيمان الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم .

ã

3. عدم تكفير الكفار، أوالشك في كفرهم، أوتصحيح مذهبهم

هذا من نواقض الإسلام الجلية، إذ ليس بعد الحق إلا الضلال، فمن لم يكفر اليهود والنصارى مثلاً مع الأدلة الكثيرة التي وردت في ذلك قوله تعالى: "إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين"، وقوله: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما يسمع بي من يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار"، فقد كذّب القرآن والسنة وأنكر ما هو معلوم من الدين ضرورة، حيث كانت معظم الغزوات والملاحم ضد اليهود وعباد الصليب.

ã

4. الإيمان بالسحر المتعلق بالكواكب والشياطين والاشتغال به

من نواقض الإسلام المجمع عليه كذلك الإيمان بالسحر المتعلق بالكواكب والشياطين، والاشتغال بذلك، لقوله تعالى: "وما يعلِّمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه".

وأخطر أنواع السحر الحل والعقد، أوالصرف والعطف، بأن يصرف الرجل عن محبة زوجه أو يرغب في محبتها.

وحد الساحر المنتسب للإسلام ضربة بالسيف، وقد أقيم هذا الحد على عدد من السحرة في عهد عمر وغيره.

الكهانة، والتنجيم، وقراءة الكف، والرمل، والودع

ما قارب الشيء يعطى حكمه، ولهذا حرم الإسلام الكهانة، والتنجيم، وقراءة الكف، والرمل، والودع، وما شـاكل ذلك، وحـرم الذهاب لهؤلاء وتصديقهم فيما يقولـون، فقد صح: "أن من أتى كاهناً أوعرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد"، فالحذر كل الحذر من إتيان السحرة والكهنة والمنجمين وغيرهم من الدجالين والمشعوذين، مهما اختلفت أسماؤهم وتنوعت وسائلهم.

واعلم أخي المسلم أن الإيمان بالله وبالسحر لا يجتمعان في قلب واحد أبداً.

ã

5. الاستهزاء والسخرية بالدين

يجب على المسلم أن يكون معتداً بدينه معتزاً به، معظماً لشعائر الله، مبجلاً لحرماته، محباً لله ولكتابه ولرسوله وسنته، وللعلماء والمصلحين، ولسائر العبادات والشعائر ولمظاهر الإسلامية، فحب المرء لذلك من علامات الإيمان، واستهزاؤه وسخريته بشيء من ذلك من سمات المنافقين.

فمن استهزأ أوسخر بأي أمر من أمور الدين كبيرها وصغيرها، جليلها ودقيقهـا، فقد كفـر، قال تعالى: "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".

ã

6. بغض شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

من أبغض أمراً من أمور الدين نحو الذين يبغضون الحدود، أوالحجاب، أوبعض المظاهر الدينية، فقد كفر، قال تعالى: "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم"، فالمطلوب من  المسلم التسليم التام والقبول المطلق لكل ما شرعه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

ã

7. الإعراض الكلي عن الإسلام، أوما لا يصلح الإسلام إلا به

كالإعراض عن الجهاد وعن العلم الشرعي مثلاً، لقوله تعالى: "والذين كفروا عما أنذروا معرضون"، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ã

8. اعتقاد أن بعض الناس (المشايخ) يمكنهم الخروج عن شرع محمد صلى الله عليه وسلم

مثال ذلك اعتقاد الجمهوريين أن الصلاة رفعت عن محمود محمد طه، فمن اعتقد ذلك فقد كفر، ونحو من يقول: "حدثني قلبي عن ربي"، ومن يعتقد أنه يأخذ العلم مكافحة من الله عز وجل.

ã

9. إنكار ما هو معلوم من الدين ضرورة

كمن يبيح الردة وينكر حدها، وينكر كفر اليهود والنصارى، والإسراء والمعراج، ونزول عيسى، ونحو ذلك، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

000000000000000000000

نواقض الإيمان العملية

 

الحمد لله الذي أمرنا بتوحيده، وفضَّل المسلمين على غيرهم من الأمم وجعلهم خير عبيده، وجعل لهم في الآخرة داراً هي خير لهم من هذا العالم وتنكيده، وصلى الله على محمد الذي هدى الله به الناس إلى رحمة الله وتوحيده، ونور طريقهم بتلاوة القرآن وترديده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.. أما بعد:

فإن نواقض الإيمان كثيرة، وهي تنقسم إلى نواقض عملية ونواقض قولية ونواقض اعتقادية، وما يهمنا ذكره في هذا الموضوع هو ذكر النواقض العملية والتي يعد ارتكابها خروجاً من الإسلام، نعوذ بالله من الخذلان. وسوف نعتمد بعد الله على كتاب لطيف للشيخ د/ عبد العزيز العبد اللطيف، واسم الكتاب: نواقض الإيمان القولية والعملية..

فمن النواقض العملية:

نواقض تتعلق بالتوحيد، وهي أنواع:

أولاً: الشرك في العبادة:

من النواقض التي يكفر بها العبد ويصير من الخارجين عن الإسلام:

1.  الذبح لغير الله: الأدلة معلومة حول الذبح لله، وأنه من العبادة كما قال الله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (سورة الأنعام: 162). وقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (سورة الكوثر: 02)، وإذا تقرر أن الذبح عبادة فإن صرفها لغير الله شرك.. وصاحبها ملعون، وقد قال الله -عز وجل-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ) (سورة المائدة: 3) ، قال مجاهد وابن جريج: (كانت النصب حجارة حول الكعبة، قال ابن جريج: وهي هذه الذبائح التي فعلت عند النصب، حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب، فهو من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وينبغي أن يحمل هذا على هذا).1

وهكذا بيَّن المفسرون ذلك، وأن المقصود به الذبح لغير الله عند الأوثان والقبور والقباب وغيرها..

وعن عامر بن واثلة قال: كنت عند علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- فأتاه رجل فقال ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إليك قال: فغضب وقال ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلي شيئاً يكتمه الناس غير أنه قد حدثني بكلمات أربع قال: فقال: ما هن يا أمير المؤمنين, قال: قال: "لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غيَّر منار الأرض" رواه مسلم في صحيحه.

والعجيب أن الذين يذبحون عند قبور من يسمونهم (الأولياء) وكذا عند القباب وغيرها، يقولون: نحن نذكر اسم الله، مع أنهم يتقربون بها لذاك الميت، ويريدون تعظيمه، فكان هذا هو عين الذبح لغير الله، وكلام العلماء في هذا يطول ذكره.. لكن الذي يجب أن يُعلم أن من ذبح عند قبر يريد تعظيم من فيه، والتقرب بذلك إليه، حتى ولو قال قد ذكرت اسم الله عليه، أو أني أقصد به الله، فإن ذلك متناقض، ويعد ذلك من الشرك الذي نهى الله عنه ورسوله..

2.  النذر لغير الله: من الشرك، ومن نواقض لا إله إلا الله؛ لأن النذر المراد به التقرب والتعظيم، ومن نذر لغير الله - تعالى- بفعل طاعة أو قربة فقد أشرك.

3.  السجود والركوع لغير الله: من الشرك ومن نواقض لا إله إلا الله؛ لأن السجود والركوع يقصد بهما التعظيم والتقرب، ولا يجوز صرف ذلك إلا لمن يستحق العبادة والتقديس -سبحانه وتعالى-.

يقول الله -عز وجل-: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (سورة فصلت: 37).

ومن أنواع ذلك السجود الذي وقع فيه أهل الضلال والشرك:

أ-        سجود الصوفية الذي يفعله جُهّالهم عند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم.. قال ابن القيم: (ومن أنواع الشرك سجود المريد- الصوفي- للشيخ، فإنه شرك من الساجد والمسجود له).

ب-     قال ابن القيم: (ومن أنواعه: سجود المتعممين بعضهم لبعض عند الملاقاة، وهذا سجود في اللغة، وبه فسر قوله -عز وجل-: (ادخلوا الباب سجداً) أي منحنين، وإلا فلا يُمكن بالجبهة على الأرض)2.

ومن هذا القبيل ما يفعله الناس اليوم عند دخولهم على القادة والزعماء والرؤساء من إحناء الرأس والركوع لهم..

4 0 الطواف لغير الله.. كما يفعل كثير من الضُلَّال عند مزاراتهم، وعند قبور الموتى، والقباب وغير ذلك.. لأن المقصود بالطواف تعظيم من أمر بذلك والتقرب إليه به. وصرف ذلك لغير الله -عز وجل- عند قبور الموتى يعد من الشرك، ومن نواقض التوحيد..

ووجه كون صرف هذه الأمور لغير الله من الشرك:-

1.  أن هذه الأعمال شرك يناقض توحيد العبادة، فإذا كان الذبح والنذر والسجود والركوع والطواف عبادات لا يجوز صرفها لغير الله، فمن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا له فهو كافر بالإجماع.

2.    أن من صرف تلك العبادات لغير الله فقد شبه المخلوق الضعيف العاجز بالخالق القوي القادر.

ثانياً: من الشرك في التوحيد ومن نواقض لا إله إلا الله:

الحكم بغير ما أنزل الله:

أصبح الحكم بغير ما أنزل الله وتحكيم القوانين البشرية من أخطر وأبرز مظاهر الانحراف في دول المسلمين.. لقد كانت عواقب الحكم بغير ما أنزل الله كثيرة: الفساد الأخلاقي، وصنوف الظلم والذل والمحق..

ولا بد من بيان هذا الخطر الذي التهم البلدان، وقلب الأوضاع، وجعل الرعاع يستولون على خيرات المسلمين، وظهر كثير ممن يدعي الثقافة يتحدث باسم الدين حتى ميعوا شريعة الله وأحكامه وجعلوها في نطاق خاص..

الحكم بما أنزل الله من أعظم القربات والعبادات التي يتقرب بها إلى الله كما قال الله على لسان يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (سورة يوسف: 40) ، فجعل الحكم هنا هو العبادة.. والآيات في هذا كثيرة..

وقد ذم الله المتحاكمين إلى أهوائهم وعاداتهم، وما تمليه مصالحهم، التاركين شرعه وراء ظهورهم، بل جعلهم ظالمين فاسقين كافرين، بنص الآيات: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وفي آية أخرى: (هم الفاسقون) و (هم الكافرون).

بل جعل الأحبار والرهبان الذين يحلون الحرام ويحرمون الحلال أرباباً من دون الله، فقال عن أهل الكتاب: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (سورة التوبة: 31).

ولما سمع عدي ابن حاتم هذه الآية قال يا رسول الله:‏ إنا لسنا نعبدهم‏، قال‏: ‏‏(‏ أليس يحرمون ما أحل اللّه فتحرمونه، ويحلون ما حرم اللّه فتحلونه‏؟‏‏!‏‏)‏ قال‏:‏ فقلت‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏‏(‏فتلك عبادتهم‏)‏‏3.‏ وكذلك قال أبو البختري‏:‏ (أما إنهم لم يصلوا لهم، ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون اللّه ما أطاعوهم، ولكن أمروهم، فجعلوا حلال اللّه حرامه، وحرامه حلاله، فأطاعوهم، فكانت تلك الربوبية).

‏وسمى الله الحكم بغير شريعته طاغوتاً: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (سورة النساء: 60).

والآيات والأحاديث وكلام السلف والعلماء مشهور لا يتسع المجال لذكر ذلك، ولكن حسبنا بما ذكرنا إشارات يعرف بها ذلك الأمر..

لكن متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله -عز وجل- ناقضاً من نواقض الإيمان؟!

1.  من شرّع شرعاً يخالف ما أنزل الله: لأن التشريع حق خالص لله، من نازعه شيئاً منه فهو مشرك: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة الشورى: 21).

(وغالب الأنظمة التي تحكم بلاد المسلمين -من خلال استقراء دساتيرها- إنما هو انسلاخ من عقيدة إفراد الله وحده بالتشريع، حيث جَعلت التشريع والسيادة للأمة أو الشعب، وربما جَعلت الحاكم مشاركاً في سلطة التشريع، وقد يستقل بالتشريع في بعض الأحوال، وكل ذلك تمرد على حقيقة الإسلام التي توجب الانقياد والقبول لدين الله، والله المستعان)4.

2.  أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله -عز وجل- أحقية حكم الله ورسوله؛ كما جاء في رواية لابن عباس في قول الله: ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: (من جحد ما أنزل الله فقد كفر ) رواه ابن جرير في تفسيره (6/149) واختاره.

3.  أن يفضِّل حكم الطاغوت على حكم الله، سواء كان هذا التفضيل مطلقاً أو مقيداً في بعض المسائل.. وقد ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب هذه الحالة ضمن نواقض الإسلام..

ولقد فعل ذلك التتار عندما أسقطوا الخلافة الإسلامية، فقدَّموا حكم الياسق (كتاب تشريعي مختلط) وفرضوه على المسلمين، ونبذوا حكم الله، وقد كفَّرهم علماء عصرهم، وقد ذكر ذلك ابن كثير عند تفسير قوله -تعالى-: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (سورة المائدة: 50).

وهذا صار شائعاً في قوانين الدول اليوم، حيث أحلوا القوانين الوضعية محل شرع الله، وجعلوها أفضل منه، وقالوا: شريعة الله كانت خاصة بالأزمنة الأولى، وهي لا تتماشى مع روح العصر، فكفروا بالله من حيث يشعرون أو لا يشعرون.. وهؤلاء لا تنفعهم صلاتهم وصيامهم وزعمهم بأنهم مسلمون ما داموا لم يحكِّموا شريعة الله، فإن الحكم بشرع الله من صميم العبادة، كما تبين ذلك..

ويلحق بهذه الحالة: من لم يحكم بما أنزل الله استهانة لحكم الله، واستخفافاً واحتقاراً له، فقد اجتمع فيه من الشناعة أمران:

العدول عن حكم الله، والاستهزاء {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ} (سورة التوبة: 65).

4.  من ساوى بين حكم الله وحكم الطاغوت.. فهذا من نواقض التوحيد؛ لأن ذلك يقتضي مساواة المخلوق بالخالق في التشريع، وقد قال الله: (ليس كمثله شيء) وقوله: (فلا تجعلوا لله أنداداً) والند: هو المثيل والشبيه..

5.    أن يجوّز الحكم بغير شريعة الله، أو يعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، فهذا ردة عن الإسلام..

من لم يحكم بما أنزل الله إباءً وامتناعاً، فهو كافر خارج عن الملة.. وإن لم يجحد أو يكذب حكم الله..

ثالثاً: الإعراض التام عن دين الله:

فلا يتعلم الدين ولا يعمل به.. والإعراض معناه في اللغة: الصدّ والتولِّي، يقول الراغب الأصفهاني: (وإذا قيل: أعرض عني، فمعناه: ولّى مبدياً عرضه)5.

والمقصود بالإعراض -هاهنا- والذي يعد ناقضاً من نواقض لا إله إلا الله العملية هو: الإعراض عن دين الله، فلا يتعلمه ولا يعمل به، وهو التولي عن طاعة الرسول، والامتناع عن الاتباع، والصدود عن قبول حكم الشريعة.. قال الله -عز وجل-: {..وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا} (سورة طـه: 99-101).

والإعراض عن دين الله وشرعه هو حقيقة النفاق قال الله -عز وجل-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} (سورة النساء: 61) ء ، يقول ابن القيم في هذه الآية: (فجعل الإعراض عما جاء به الرسول، والالتفات إلى غيره هو حقيقة النفاق، كما أن حقيقة الإيمان هو تحكيمه وارتفاع الحرج عن الصدور بحكمه، والتسليم لما حكم به رضىً واختياراً ومحبة، فهذا حقيقة الإيمان، وذلك الإعراض حقيقة النفاق..)6.

والإعراض من صفات الكافرين:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ} (سورة الأحقاف: 3) ، {وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} (سورة القمر :2).

مفاسد الإعراض عن دين الله:

1.  أنه سبب المصائب والبلايا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} (سورة النساء: 61-62) ، وقال: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (سورة المائدة: 49).

2.    الإعراض سبب لفساد النفس، بل وفساد العالم: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} (سورة آل عمران: 63).

3.  الضنك والقلق في الدنيا، والعذاب الشديد في الآخرة: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (سورة طـه: 124).

4.  أن المعرض يُشبه أقبح وأبلد الحيوانات، وهو الحمار حال نفرته: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ* كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} (سورة المدثر: 49-51).

وغيرها من العقوبات والمفاسد العاجلة والآجلة، مع كونه كفراً بالله، وكفى بذلك إثماً مبيناً..

ومن النواقض العملية لـ (لا إله إلا الله) في جانب التوحيد:

مظاهرة المشركين وتوليهم وإعانتهم على المسلمين:

وذلك أن ذلك مخالف لما يجب أن يكون عليه المسلم تجاه الكفار؛ لأنهم أعداء الله ورسوله.. ونذكر أمثلة من موالاة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين؛ لأن البلوى عمت بذلك في هذا الزمن، وحصل خلط شديد، وتداخل رهيب، فيما يخص عقيدة الولاء والبراء، فمن ذلك:

1.  الإقامة ببلاد الكفار حباً ورغبةً في صحبتهم فيرضى دينهم ويمدحهم عليه، أو يرضيهم بعيب المسلمين، فهذا كافر عدو لله ورسوله، كما قال -عز وجل-: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ} (سورة آل عمران: 28)..

2.  من أطاع الكفار في التشريع، والتحليل والتحريم، فأظهر موافقتهم على ذلك، فهو خارج عن الملّة قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (سورة آل عمران: 100).. وقال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ} (سورة آل عمران: 149). وقال -تعالى-: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (سورة الأنعام: 121). فصرح بأنهم مشركون في طاعة أولئك الكفار، حينما وافقوهم في تحليل أو تحريم.

ومن ذلك التجنس بجنسية الدول الكافرة رغبة في بلاد الكفار، وانتماء إليهم، ورضى بأحكامهم الطاغوتية، وتبعية لأنظمتهم الوضعية، فهذا لا شك أن فاعله خارج من الإسلام..

لكن هناك ظروف أخرى تدفع كثيراً من الناس إلى أخذ الجنسية من الدول الكافرة، فلا يعد ذلك من الكفر؛ لأسباب ودوافع وملابسات، يمكن الاطلاع عليها في مواطنها..

3.  التشبه المطلق بهم، أو التشبه بهم فيما يوجب الكفر والخروج عن الملة.. لأن المشابهة الكلية في الظاهر تدل على حب في الباطن، وتعظيم لما هم عليه من تلك المظاهر... وليس المقصود أن كل من تشبه بهم في أمر ما يعد كافراً، بل المقصود أن يتشبه بهم فيما يناقض العقيدة، أما التشبه في أمور نادرة فهذا من المعاصي.. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- عند حديث: ((من تشبه بقوم فهو منهم))7 قال: (فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً أو معصية أو شعاراً لهم كان حكمه كذلك.. وبكل حال يقتضي تحريم التشبه)8

من أمثلة التشبه:

قال القاضي عياض: (وكذلك نكفِّر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر، وإن كان صاحبه مصرحاً بالإسلام مع فعله ذلك، كالسعي إلى الكنائس والبيع مع أهلها بزيهم، من شد الزنانير، وفحص الرؤوس، فقد أجمع المسلمون أن هذا الفعل لا يوجد إلا من كافر)9.

وكذلك من التشبه لبس الصليب وتعليقه على الصدر أو أي مكان، أو رفعه في أي مكان مع الرضى بالانتساب إليهم، والإصرار على ذلك، فهذا كله من الكفر..

ومن ذلك مشاركة الكفار في أعيادهم، وهذا خطر كبير انتشر في زماننا، بين كثير من بني جلدتنا الجهلاء، الذين لم يعرفوا دينهم، وضرورة الاعتزاز به..

يقول الذهبي: (وقد أوجب الله عليك -يا هذا المسلم- أن تدعو الله -عز وجل- كل يوم وليلة سبع عشرة مرة بالهداية إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.. فكيف تطيب نفسك بالتشبه بقوم هذه صفتهم، وهم حطب جهنم؟! ولو قيل لك: تشبه بمسخرة لأنِفْت من ذلك وغضبت! وأنت تتشبه بأقلف عابد صليب في عيده!! وتكسو صغارك وتفرحهم، وتصبغ البيض، وتشتري البخور، وتحتفل بعيد عدوك، كاحتفالك لعيد نبيك ! فأين يُذهب بك إن فعلت ذلك إلا إلى مقت الله وسخطه، إن لم يغفر الله لك، إن علمت أن نبيك محمداً -صلى الله عليه وسلم- كان يحض على مخالفة أهل الكتاب في كل ما اختصوا به)10

قال محمد بن إسماعيل الرشيد الحنفي: (وفي الخلاصة: من أهدى بيضة إلى المجوس يوم النيروز كفر!) وهذا ما لم يختلف فيه العلماء، وهو أن من شارك الكفار في أعيادهم كفر..

4.  إقامة ملتقيات من أجل تقرير وحدة الأديان، وإزالة الخلاف العقدي، وإسقاط الفوارق الأساسية بين تلك الديانات، وذلك لتوحيد هذه الأديان والملل المختلفة.. وقد يطلقون على الأديان الثلاثة الإسلام والنصرانية واليهودية: الديانة الإبراهيمية، أوالديانة العالمية..

وقد نشأت هذه الدعوات المضللة في أحضان التنصير والصهيونية العالمية. وجمال الدين الفارسي، المشهور بالأفغاني، هو مِن أشهر مَن سعى إلى ذلك، وتلقف هذه الدعوة عنه تلميذه محمد عبده.

وهذا من أكبر الكفر وأظلم الظلم.. كيف يمكن التوفيق بين الإسلام وبين دياناتٍ جُلُّ القرآن يتحدث عن بطلانها.. أين هؤلاء من آيات تكفير اليهود والنصارى، وأن ملتهم وكتبهم محرفة! وأن الإسلام مهيمن ومسيطر على ما سبقه؟!!

وهذا الموضوع لا يحتاج إلى مزيد بيان لوضوحه.. والله أعلم.

وأما مظاهرة الكفار على المسلمين: فالمقصود بها: أن يكون أولئك أنصاراً وظهوراً وأعواناً للكفار ضد المسلمين، فينضمون إليهم، ويذبون عنهم بالمال والسنان والبيان، فهذا كفر بـالله.

قال ابن كثير في تفسير الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} (سورة الممتحنة: 13) قال- رحمه الله-: (.. فكيف توالونهم وتتخذونهم أصدقاء وأخلاء). ولو نظرت إلى واقع العلاقات الدولية اليوم وأنزلت هذه الآيات على ذلك، لوقفت حيران من الفارق الهائل بين كلام السلف ومواقفهم، وصريح آيات القرآن، وبين تلك العلاقات بين كثير من أولئك ( المستسلمين) الذين يزعمون الإسلام، وترى منهم كافة المعونات والدعم والحب الذي يظهر عن طريق التصريحات، كالدول الشقيقة، والدول الصديقة، والأخ السيد فلان.. اليهودي أو النصراني.. فإلى الله الشكوى مما حل بنا..

وما دعم النصارى والجيوش الأمريكية في كل مكان لضرب المسلمين في كل أرض عنا ببعيد.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (سورة المائدة: 51).

ومن نواقض لا إله إلا الله العملية: ما يتعلق بالنبوات:

ومنه الاستهانة بالمصحف.. فهو ناقض للتوحيد، ومخرج فاعل ذلك من الملة؛ لعدة أمور:

1.    أن الاستهانة بالمصحف تناقض الإيمان بالله وإجلاله وإجلال كلامه..

2.    أن الله توعد من اتخذ آياته هزواً بالعذاب المهين.. ولم يجئ العذاب المهين إلا في حق الكفار.

3.    أن الاستهانة بالمصحف -تحريفاً أو تبديلاً- استهانة بالدين، وهدم لأصول هذه الشريعة وفروعها..

4.    أجمع العلماء على كفر من استهان بالمصحف وأنه خارج عن الملة..

وهناك نواقض أخرى سواء كانت قولية أو عملية أذكرها باختصار:

أ-       سب الصحابة، رضي الله عنه: بالقدح في عدالتهم ودينهم قدحاً يعرف به انحراف اعتقاده وفساد طويته؛ كأن يقصد رد كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيما ثبت لهم من فضل أو الطعن في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالوقوع في نسائه، أو يطعن في فضل الصحبة فيطعن في فضل الصحابة، ونحو ذلك.

ب-     الاستهزاء بالعلماء والصالحين؛ لدينهم وتمسكهم بسنة نبيهم. فإن ذلك من صفات الكافرين: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ } (سورة البقرة: 212) ، {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} (سورة البقرة: 29-30) .. أما الاستهزاء بخلقتهم أو بعض أمور فيهم، غير دينهم واستقامتهم، فإن ذلك ذنب كبير لا يصل إلى الكفر كما قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (سورة الحجرات: 11).

ت-     ترك الصلاة: من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها كفر بإجماع المسلمين سلفاً وخلفاً.. ومن تركها كسلاً وتهاوناً وهو مقر لوجوبها، فهذا كافر في قول عامة الصحابة، وكثير من السلف والخلف، وخالف في ذلك أقوام.. وقد نقل إجماع الصحابة غير واحد.. وعدوا خلاف من بعدهم غير مقبول؛ لأنه حاصل بعد إجماع.. وعلى العموم فهذه مسألة اختلف فيها الفقهاء فيما بعد عصر الصحابة الكرام.. لكن الذي يُجزم به أن من تركها جاحداً لوجوبها منكراً لها فهو كافر.. وأن من تهاون بتركها وهو معتقد لوجوبها مقراً بذلك فهو أيضاً كافر.. بل قد ذهب بعض العلماء إلى أن من ترك فرضاً واحداً متعمداً حتى خرج وقته فهو كافر، ونقل ابن حزم ذلك عن جمع من السلف11.

ث-     السحر: تعلم السحر والعمل به كفر بنص قوله -تعالى-: (إنما نحن فتنةٌ فلا تكفر..) الآية. ومن العلماء من قال إن ذلك كبيرة من كبائر الذنوب لا يصل إلى حد الكفر، ومنهم من فصل في ذلك.. ولمزيد من الإيضاح انظر (نواقض الإيمان القولية والعملية) ص504 وما بعدها..

وقد أتينا على ذكر مجمل لنواقض لا إله إلا الله  العملية..

وبالله نستعين، ومنه نستمد التوفيق..

وصلى الله على محمد رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..

 

 

 

________________________________________

1- تفسير ابن كثير (2/12).

2- مدارج السالكين (1/344).

3- رواه أحمد والترمذي والطبري ، وهو حديث حسن كما ذكر ذلك ابن تيمية في مجموع الفتاوى.  قال أحمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري رقم (16632): غطيف بن أعين الشيباني الجزري أو غصيف وثقه ابن حبان، وقال الترمذي: ليس بمعروف في الحديث، وضعفه الدارقطني. وأخرجه الطبراني في الكبير (17/92). قال الحافظ في غطيف: ضعيف. التقريب (5399).

4- نظرية السيادة وأثرها على شرعية الأنظمة الوضعية (صلاح الصاوي) ص19-20.

5- المفردات ص495.

6-   مختصر الصواعق المرسلة (2/353).

7- رواه أحمد وأبو داود ، عن عبد الله بن عمر مرفوعاً، وصححه الألباني.

8- اقتضاء الصراط المستقيم (1/237).

9- الشفا (2/1072).

10- من كتاب: (تشبه الخسيس بأهل الخميس) ص21-23.

11- انظر المحلى (2/326).

----------------

نواقض الإيمان

الله -عز وجل- جعل للإسلام بابًا يدخل منه الإنسان، وهو الإقرار والتصديق بالشهادتين، فمن دخل من هذا الباب كان مسلمًا، ولا يخرج من الإسلام إلا أن يصدر عنه قول أو عمل أو اعتقاد يناقض إقراره السابق وتصديقه بالشهادتين، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله: توحيد الله في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وأفعاله، وعدم التوجه بالعبادة إلى غيره. ومعنى شهادة أنَّ محمدًا رسول الله: الإقرار والتصديق بكل ما جاء به النبي ( من الشرائع، وما أخبر به من أمور الغيب، والاعتراف له بجميع أخلاق النبوة من أمانة وصدق وعصمة وتبليغ.

فمن قال قولا أو فعل فعلا يطعن في ربوبية الله، أو في ألوهيته، أو في أسمائه وصفاته، أو طعن في الرسول (، أو في شيء جاء به واتفق عليه الصحابة والتابعون، فقد نقض بذلك إقراره السابق، وخرج من دين الله تعالى.

نواقض الربوبـية:

سبق معرفة أن توحيد الربوبية هو اعتقاد المسلم بأن الله هو رب كل شيء ومليكه، وخالق كل شيء، ورازق كل حي، ومدبر كل أمر...، فكل قول أو اعتقاد فيه إنكار لهذه الخصائص التي يختص بها الله -عز وجل- أو بعضها هو من نواقض الإيمان، التي يصبح فاعلها مرتدًا عن دين الله -عز وجل-.

ويدخل في هذا إنكار الخلق للخالق، أو إسناد الخلق إلى غير الله، كالقول بأن الكون خلق صدفة، أو أن الطبيعة هي الخالقة، والقول بقدم العالم، أو ادعاء الرزق من غير الله، أو إشراك غيره معه في ذلك، أو الادعاء بأن الله قد خلق الخلق وأهملهم، كل ذلك مما يمس ربوبية الله -تعالى-، وكذلك من الكفر أن يدعي شخص لنفسه شيئًا من هذه الخصائص كما ادعى فرعون الربوبية وقال: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24].وكذلك يكفر كل من صدقه في هذه الدعوى وآمن به.

نواقض الألوهية:

وتوحيد الألوهية هو أن يعتقد المسلم بأن الله هو المعبود بحق وأن غيره لا يستحق أي شيء من هذه العبادة، فمن قال قولا، أو فعل فعلا، أو اعتقد اعتقادًا يتضمن إنكار هذا الحق لله -عز وجل-، فقد كفر وارتد عن دين الله. وخروج الناس وارتدادهم عن دين الله -عز وجل- كثيرًا ما يرجع إلى هذا النوع، فإن أكثر الناس في الماضي والحاضر يعترفون لله بربوبيته وخلقه ورزقه وتدبيره، قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولون الله فأني يؤفكون} [الزخرف: 87].

ولكنهم أنكروا استحقاق الله للعبادة وانفراده بها فكانوا من الكافرين، لذلك جعل الله -عز وجل- توحيده في عبادته موضع امتحان لعباده، فمن نفى استحقاق الله العبادة، وأثبت استحقاق العبادة لأي مخلوق من مخلوقات الله -عز وجل-، فقد خرج من دين الله وارتد، فكل قول أو فعل أو اعتقاد يتضمن أحد هذين الأمرين يدخل صاحبه في الكفر والردة.

فمن نفى بقول أو عمل أو اعتقاد استحقاق الله لهذه المعاني كفر، فيكفر من قال أو اعتقد أن الله سبحانه لا يخشى أو لا يستعان به...، ويكفر من سخر أو استخف بعبادة من العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والطواف، أو أي فعل أو قول يعده الشارع عبادة، ويكفر من نفى استحقاق البارئ -عز وجل- لهذه العبادات، وكذلك يكفر من أنكر استحقاقه للطاعة ولم يمتثل أمره ويجتنب نهيه، وكذلك يكفر من ادَّعى أن شرع الله -عز وجل- لا يصلح في زمن معين أو لا يستحق الامتثال أو التطبيق، لأن الأمر والحكم والتشريع من خصائص الألوهية، {إن الحكم إلا لله} [يوسف: 40]، {فالحكم لله العلي الكبير} [غافر: 12].

ويكفر كل من أثبت شيئًا من هذه العبادات لغير الله، فيكفر من ادعى لنفسه استحقاقه لتلك العبادات، أو أمر الناس بممارستها من أجله، ويكفر كل من صدقه في ذلك، وكذلك من أحب أن يعبد من دون الله، كمن أحب أن يسْجَد له، أو يرْكَع له، أو يتَوَكَّل عليه، أو غير ذلك من المعاني التي لا ينبغي التوجه بها إلا إلى الخالق وحده.

وكذلك من ادعى لنفسه الحق في تشريع لم يأذن به الله، فيدعي لنفسه تحليل الحرام، وتحريم الحلال، ومن ذلك وضع القوانين التي تبيح الزنى والربا وغيرهما من الجرائم التي جعل الله -عز وجل- لها عقوبات محددة في كتابه أو في سنة الرسول (.

نواقض الأسماء والصفات:

توحيد الله في أسمائه وصفاته يتضمن إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ( من صفات الكمال والجلال، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله من صفات النقصان، وعلى ذلك يكون من نفى شيئًا مما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ( كمن نفى قدرة الله، أو قيوميته أو بصره أو استواءه أو علمه أو كلامه، وغير ذلك مما هو ثابت لله في القرآن وفي السنة فقد كفر، ويدخل في ذلك من أنقص من صفات كمال الله -عز وجل-، كمن قال -مثلا-: إن الله عليم، ولكنه علم إجمالي، وأنه سبحانه لا يعلم بالجزئيات والتفصيلات.

وكذلك من شبه صفات الله بصفات المخلوقين، كمن ادعى أن الله يبصر كما يبصر البشر، أو يسمع كسمع البشر، أو يتكلم ككلام البشر، وفي ذلك قدح فيما نفاه الله-عز وجل- عن نفسه من صفات النقصان، وكذلك يكفر من أثبت

لله -عز وجل- أية صفة نفاها سبحانه عن نفسه أو نفاها عنه الرسول (، كمن أثبت لله الصاحبة أو الولد أو البنات، أوْمن أثبت لله النوم أو الموت أو الغفلة، وكل هذه النواقص لا تجوز في حق الله -تعالى-، وكذلك يكفر كل من ادعى لنفسه صفة من صفات الله، أو أثبت هذه الصفة لأي مخلوق، كقول من قال: عندي من الحكمة كما عند الله. أو قال: أنا أعلم كعلم الله. فيكفر من قال ذلك، وكذلك يكفر من يصدقه في دعواه.

الطعن في الرسالة:

الطعن في الرسالة وإنكار بعض ما أخبر به الرسول ( من نواقض الإيمان، فالمسلم يصدق بكل ما ثبت عن النبي (، ويعلم أن الله اصطفى نبيه محمدًا وزينه بكل الصفات التي تمكنه من أداء الرسالة وتبليغها على أكمل وجه، وهذا معنى شهادة أن محمدًا رسول الله. فيكفر كل من قال قولا أو اعتقد اعتقادًا أو فعل فعلا يتضمن الطعن في الرسالة أو في صاحبها (، فيكفر كل من طعن في صدق النبي وأمانته، أو صلاح عقله، أو عفته، كذلك يكفر من استهزأ بفعل من أفعال الرسول الثابتة عنه، كذلك يكفر من أنكر شيئًا من القرآن، لأنه مما أخبر به الرسول (، فمن أنكره فقد كذب الرسول (، ويكفر كل من أنكر أمرًا من الأمور التي أخبر عنها الرسول (، وثبتت عنه كالميزان والبعث والحساب والصراط والجنة والنار، وغير ذلك من المغيبات.

إنكار أحكام القرآن والسنة:

كذلك يكفر كل من أنكر حكمًا من الأحكام الثابتة في القرآن أو السنة، فيكفر من أنكر حرمة الزنى أو شرب الخمر أو السرقة، ويكفر كل من أنكر فريضة الزكاة أو الصلاة، أو من ادعى زيادة ركعة في إحدى الصلوات، أو من أجاز الصلاة بدون وضوء، ونحو ذلك. ولكن لا يكفر من أنكر حكمًا مُجْتَهَدًا فيه وليس مُجْمَعًا عليه، أو أنكر شيئًا ليس مُشْتَهَرًا من الدين ولا يعلمه إلا

خاصة العلماء.

ويكفر من أنكر نبوة أو رسالة من أثبت القرآن لهم النبوة أو الرسالة، وكذلك من ادعى النبوة بعد النبي (، ويكفر من أنكر إرسال الرسل قبل محمد (، أو جحد ما ذكره الله -عز وجل- من قصصهم مع أقوامهم، ويكفر من أنكر شيئًا جاء به القرآن وأثبته كالجن والملائكة والعرش واللوح والقلم، وكذلك يكفر من طعن في رسول من رسل الله، وأنكر رسالته أو نبوته، وكذلك يكفر من أنكر إعجاز القرآن الكريم لأن ذلك ثابت بإخبار  الله -عز وجل-.

----------------------

مقتضى كلمة التوحيد

أولاً ـ حقوق الرب عز وجل على عباده

ثانياً ـ حق الرسول صلى الله عليه وسلم

ثالثاً ـ حق العبد المسلم

رابعاً ـ حق العبد الكافر

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وشرفنا بالانتساب إلى ملة خير الأنام، وفضلنا وميزنا على الأمم السابقة بالميزات العظام، وجعلنا شهداء الله على جميع الإنس والجان، وصلّى الله وسلم على محمد خاتم الرسل الكرام، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، حتى تكتمل العدتان، وتنقضي النفختان.

وبعد ...

فإن مقتضيات ومستوجبات كلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" كثيرة جداً، منها ما يتعلق بحقوق الخالق العظيم، والرب الكريم، والإله الذي ليس له شبيه ولا مثيل ولا قسيم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً؛ ومنها ما يتعلق بحقوق الرسول المصطفى، والحبيب المجتبى، شافع الخلق يوم يقوم الناس حفاة عراة، ويعتذر عن ذلك أولو العزم من الرسل الأنبياء، صلّى الله وسلم عليه ما غاب نجم وظهر ضياء؛ ومنها ما يتعلق بالعبد المسلم، الذي تحمَّل الأمانة بعد أن أبت وأشفقت من حملها الجبال، والأرض، والسماء؛ ومنها ما يتعلق بالعبد الكافر، إذ جميع الخلق من ملة خير الورى، فمن آمن به واتبع هداه أحلَّه دار الكرامة، ومن كفر به وعصى أمره أكبَّه الله على منخريه في دار الحسرة والندامة، وذلك أن الإسلام دين الحق والعدل، يقوم على مبدأ الحقوق والواجبات، فكما تدين تدان .

وسنشير في هذه العجالة إلى أهم تلك الحقوق والمقتضيات، مستعينين على ذلك برب الأرض والسموات .

ã

أولاً: حقوق الرب عز وجل على عباده

من حق ربنا على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به ولا معه شيئاً غيره من مخلوقاته، لا ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولا ولياً مكرماً، ولا جاناً، لا صالحاً ولا متمرداً .

قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، وقال: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة"، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا معاذ بن جبل؛ قلت: لبيك رسول الله وسعديك؛ قال: هل تدري ما حق الله على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم؛ قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً؛ ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ بن جبل؛ قلت: لبيك رسول الله وسعديك؛ قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم؛ قال: أن لا يعذبهم".

ومقتضى هذه العبادة ما يأتي:

1. الإيمان والتصديق بأنه هو الخالق، الرازق، المحيي، المميت، المدبر، المتصرف في هذا الكون، لا رب سواه، ولا إله غيره.

2. أن يؤمن ويصدق ويقر أنه هو الإله الوحيد الذي يستحق العبادة، وكل ما عداه باطل، ألا كل شيء ما خلا الله باطل.

3. يفرده بكل أنواع العبادات، فلا يدعو ولا يستغيث بغير الله، ولا يذبح ولا ينذر ولا يحلف إلا لله وبالله، ولا يخاف ولا يرجو إلا الله، ولا يتحاكم إلا لشرع الله.

4. أن يؤمن بجميع أسمائه الحسنى وصفاته العلا التي سمى ووصف بها نفسه، أوسماه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف، ولا تأويل، ولا تعطيل، ولا تشبيه، ولا تمثيل.

5. أن يحب الله عز وجل أكثر من ماله، وأهله، وولده، ونفسه: "والذين آمنوا أشد حباً لله".

6. أن ينصح لله عز وجل بالتزام أوامره واجتناب نواهيه، وهذا معنى النصيحة لله عز وجل التي حقيقتها نصح أنفسنا.

7. أن يعمل لإعلاء كلمة الله.

8. أن يدفع عن هذا الدين.

9. أن يرد الشبه التي تثار نحو القرآن والإسلام.

10. أن يتفكـر ويتدبـر في مخلـوقـات الله عـز وجـل، فقد مدح الله المؤمنين بذلك: "ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار"، لأن ذلك يزيد في الإيمان، ويعمق الحب في القلوب لربنا الرحمن.

11. يوالي من يواليه، ويعادي من يعاديه.

ã

ثانياً: حق الرسول صلى الله عليه وسلم

حقوق رسولنا علينا كثيرة جداً، كيف لا؟ وقد أخرجنا الله به من الضلالة، وبصرنا به بعد العماية، ودلنا به إلى طريق الهداية، فجزاه الله عنا خير ما يجزي نبياً عن أمته، ووفقنا للقيام بأداء بعض حقه، إذ لا طاقة لنا بالقيام بكل حقه، ولا بإسداء شكره، والله يجزي بالقليل كثيراً؛ من تلك الحقوق:

1.  الإيمان به والتصديق بأنه عبد الله، ورسوله، وصفيه، وخليله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً .

2.  أن لا يعبد الله عز وجل إلا وفق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3. أن يطيعه في كل ما أمر به وينتهي عن كل ما عنه نهى وزجر، فقد أمر الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم  في كتابه في حوالي ثلاث وثلاثين آية، وقرن محبته بطاعة رسوله، فقال: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ثلاثة لا تقبل إلا بثلاثة"، وذكر منها: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، فقال: "من أطاع الله ولم يطع الرسول لا يقبل الله طاعته"، أوكما قال؛ بل لقد أمر بطاعته من غير قيد ولا شرط، فقال: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم  لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فلا يحتاج ما صح عنه أن يعرض على القرآن كما يزعم ويدعي بعض المتفلتين، الذين يردون ما لا تهواه نفوسهم من سنة خير الأنام.

4.  أن يؤمن ويعتقد أنه خاتم الرسل أجمعين وأنه سيد ولد آدم، فلا نبي بعده، ولا مخلوق فوقه.

5.  أن يؤمن ويصدق أن شريعته خاتمة للشرائع، وكتابه مهيمن وناسخ لجميع الكتب، ودينه خاتم للأديان.

6.  أن يؤمن ويعتقد أنه لا يسع أحد كائناً من كان الخروج على شريعته، والاستغناء عن طريقته.

7. أن يحبه أكثر من ماله، وولده، وأهله، ونفسه التي بين جنبيه، فحبه صلى الله عليه وسلم  له أصل وكمال، وأن يتأسى في ذلك بصحابته الكرام، وأتباعه العظام، حيث وصف عروة بن مسعود الثقفي قبل إسلامه عندما جاء مفاوضاً عن قريش في صلح الحديبية طرفاً من ذلك لكفار قريش عندما رجع إليهم قائلاً: "دخلت على الملوك: كسرى، وقيصر، والنجاشي، فلم أر أحداً يعظمه أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمداً، كان إذا أمرهم ابتدروا أمـره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون له النظر تعظيماً له".

8.  أن يعتقد أنه معصوم من الزلل والخطأ ومن الناس .

9.  أن يحب سنته ويعمل على نشرها بين الناس .

10. أن يحب آله وصحبه وآل بيته، وأن لا يؤذيه فيهم، فمن انتقص أحداً منهم فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد توعد الله من آذى رسوله بقوله: "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً"، فالحذر الحذر أخي المسلم أن تتعرض لأحد من أصحاب رسول الله فيبعدك الله من رحمته التي وسعت كل شيء، لا السابقين ولا اللاحقين منهم، فكلاً وعد الله الحسنى.

11.  أن لا يرد شيئاً من سنته الصحيحة، ولا يؤولها تأويلاً غير مستساغ، فيكون من الظالمين لأنفسهم المعتدين على دين الله .

12.  أن يتحاكم إلى شرعه ولا يرضى بغيره بديلاً .

13.  أن لا يقدم قول أحد كائناً من كان على قوله وحكمه .

14.  أن لا يغلو فيه ويرفعه من درجة العبودية إلى درجة الربوبية أو الألوهية.

ã

ثالثاً: حق العبد المسلم

الحقوق التي ينالها العبد المسلم بنطقه للشهادتين، ودخوله في الدين، كثيرة هي الأخرى وعظيمة، نشير إلى أهمها وأخطرها:

1.  من حق العباد على ربهم إذا عبدوه ولم يشركوا معه غيره أن يدخلهم الجنة ويعيذهم من النار، كما ورد في حديث معاذ السابق، وهذه بشرى لا تدانيها بشرى، ونعمة لا تساويها نعمة، وفوز ليس بعده خسران: "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز"، إي وربي فقد فاز، ونجح، وطاب.

فالمؤمن الموحِّد مصيره إلى الجنة مهما ارتكب من الذنوب والآثام، فقد يطهر بالنار، وقد تسبق عليه رحمة الحنَّان المنَّان فتحول بينه وبينها، حيث لا يخلد في النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.

2.  مما توجبه هذه الكلمة لقائلها المؤمن بها الذي يصدق قولَه عملُه الاستفادة من شفاعة سيد الأبرار، حيث يحرم من ذلك الملحدون والكفار.

3. كذلك من مقتضياتها أنها تعصم دم قائلها وعرضه وماله في هذه الحياة الدنيا، إلا بحق الإسلام، وحسابه على الله.

4. يتمتع بكل حقوق المسلم على إخوانه المسلمين، وهي كثيرة جداً، عدَّ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث واحد ستة حقوق، فقد صحَّ عنه أنه قال: "حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعـاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه"، وهي وغيرها واجبات كفائية، وقد تتعين على بعض المسلمين لبعض.

5. إحسان الظن بالمسلمين عموماً، والعلماء وطلاب العلم الشرعي على وجه الخصوص.

6. موالاة المسلمين بحسب تمسكهم بالسنة .

7. عدم تكفير أحد منهم بكل ذنب يرتكبه .

8. لا يحكم على أحد منهم مات بجنة ولا نار إلا لمن شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم  .

9. السعي لإصلاحهم في دينهم ودنياهم ، والتعاون معهم على البر والتقوى .

ã

رابعاً: حق العبد الكافر

مما تقتضيه كلمة التوحيد على أتباعها كذلك للكفار بأصنافهم المختلفة، محاربين كانوا، أم معاهدين، أم ذميين، ما يأتي:

1. دعوتهم للإسلام ومجادلتهم بالحسنى: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم".

2. دعوتهم للدخول في الإسلام والصبر على ذلك.

3. إزالة الشبه التي افتراها أعداء الإسلام على الإسلام ورسول الإسلام وعلى المسلمين.

4. تطبيق شرع الله على الذميين الذين يعيشون بين ظهراني المسلمين.

5. رفع راية جهاد الطلب لمجاهدة من يحول بين الخلق وبين الدخول في الإسلام.

6. عدم المساس بكنائسهم ودور عبادتهم القائمة، وعدم تمكينهم من إنشاء كنائس ومعابد جديدة ، أوإظهار شعائرهم في أعيادهم ونحوها.

7. الإحسان إلى الضعفاء والفقراء منهم: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين".

8.  عدم سبِّ آلهتهم أو إشهار تفضيل نبينا على أنبيائهم: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبـوا الله عَـدْواً بغير علم".

9. عدم إقرارهم على باطلهم بالتشبه بهم، وتعلم رطاناتهم، والعيش بين ظهرانيهم.

10. الالتزام بالأحكام الشرعية والآداب السنية في التعامل معهم، حتى لا نكون فتنة لهم بصدهم عن الإسلام لعدم التزامنا بتعاليمه.

مقتضيات "لا إله إلا الله" كثيرة، وحقوقها عظيمة، ومكانتها سامية رفيعة، ولكن نكتفي بهذا القدر.

اللهم اجعلنا من أهل "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وأعنا للعمل بمقتضاها، والسير على فحواها، واجعلها آخر كلامنا من الدنيا، وانفعنا بها في الأخرى، ونعوذ بك اللهم من فهم المرجئة المحدثين والقدماء لها، ونبرأ إليك من اختزالهم لمقتضياتها التي عليها قوام الأرض والسمـوات، وصلاح الآخـرة والأولى، والصلاة والسـلام على من أنزلت عليه: "فاعلم أنه لا إله إلا الله"، "ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء"، وعلى آله وصحبه وعنا معهم يا من لا يخيب رجاء ولا يظلم أحداً، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ومن اتبع الهدى.

------------------

لا إِله إِلاّ اللهُ مَنْهَجُ حَيَاة

العبودية لله وحده هي شطر الركن الأول في العقيدة الإسلامية المتمثل في شهادة : أن لا إله إلا الله . والتلقي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كيفية هذه العبودية - هو شطرها الثاني ، المتمثل في شهادة أن محمداً رسول الله .

والقلب المؤمن المسلم هو الذي تتمثل فيه هذه القاعدة بشطريها ، لأن كل ما بعدهما من مقومات الإيمان ، وأركان الإسلام ، إنما هو مقتضى لها . فالإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وكذلك الصلاة والزكاة والصيام والحج ، ثم الحدود والتعازير والحل والحرمة والمعاملات والتشريعات والتوجيهات الإسلامية ... إنما تقوم كلها على قاعدة العبودية لله وحده ، كما أن المرجع فيها كلها هو ما بلَّغه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه .

والمجتمع المسلم هو الذي تتمثل فيه تلك القاعدة ومقتضايتها جميعاً لأنه بغير تمثل تلك القاعدة ومقتضايتها فيه لا يكون مسلماً .

ومن ثم تصبح شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، قاعدة لمنهج كامل تقوم عليه حياة الأمة المسلمة بحذافيرها ، فلا تقوم هذه الحياة قبل أن تقوم هذه القاعدة ، كما أنها لا تكون حياة إسلامية إذا قامت على غير هذه القاعدة ، أو قامت على قاعدة أخرى معها ، أو عدة قواعد أجنبية عنها : { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } ... [ يوسف : 40 ]

{ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } .. [ النساء : 80 ]

00000000000000

هذا التقرير الموجز المطلق الحاسم يفيدنا في تحديد كلمة الفصل في قضايا أساسية في حقيقة هذا الدين ، وفي حركته الواقعية كذلك :

إنه يفيدنا أولاً في تحديد " طبيعة المجتمع المسلم " .

ويفيدنا ثانياً في تحديد " منهج نشأة المجتمع المسلم " .

ويفيدنا ثالثاً في تحديد " منهج الإسلام في مواجهة المجتمعات الجاهلية " .

ويفيدنا رابعاً في تحديد " منهج الإسلام في مواجهة واقع الحياة البشرية " .

وهي قضايا أساسية بالغة الخطورة في منهج الحركة الإسلامية قديماً وحديثاً .

000000000000000

إن السمة الأولى المميزة لطبيعة ( المجتمع المسلم ) هي أن هذا المجتمع يقوم على قاعدة العبودية لله وحده في أمره كله ..

هذه العبودية التي تمثلها وتكيفها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله .

وتتمثل هذه العبودية في التصور الاعتقادي ، كما تتمثل في الشعائر التعبدية ، كما تتمثل في الشرائع القانونية سواء .

فليس عبداً لله وحده من لا يعتقد بوحدانية الله سبحانه : { وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ، وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ } ... [ النحل : 51 - 52 ]

ليس عبداً لله وحده من يتقدم بالشعائر التعبدية لأحد غير الله - معه أو من دونه :

{ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [ الأنعام : 162 - 163 ]

وليس عبداً لله وحده من يتلقى الشرائع القانونية من أحد سوى الله ، عن الطريق الذي بَلَّغَنَا الله به ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم :

{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } [ الشورى : 21 ]

{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [ الحشر : 7 ]

هذا هو المجتمع المسلم . المجتمع الذي تتمثل العبودية لله وحده في معتقدات أفراده وتصوراتهم ، كما تتمثل في شعائرهم وعبادتهم ، كما تتمثل في نظامهم الجماعي وتشريعاتهم .. وأيما جانب من هذه الجوانب تخلف عن الوجود فقد تخلف الإسلام نفسه عن الوجود . لتخلف ركنه الأول ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .

ولقد قلنا : إن العبودية لله تتمثل في " التصور الاعتقادي " .. فيحسن أن نقول ما هو التصور الاعتقادي الإسلامي .. إنه التصور الذي ينشأ في الإدراك البشري من تلقيه لحقائق العقيدة من مصدرها الرباني ، والذي يتكيف به الإنسان في إدراكه لحقيقة ربه ، ولحقيقة الكون الذي يعيش فيه - غيبه وشهوده - ولحقيقة الحياة التي ينتسب إليها - غيبها وشهودها - ولحقيقة نفسه .. أي لحقيقة الإنسان ذاته .. ثم يكيف على أساسه تعامله مع هذه الحقائق جميعاً ، تعامله مع ربه تعاملاً تتمثل فيه عبوديته لله وحده ، وتعامله مع الكون ونواميسه ومع الأحياء وعوالمها ، ومع أفراد النوع البشري وتشكيلاته تعاملاً يستمد أصوله من دين الله - كما بَلَّغَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم - تحقيقاً لعبوديته لله وحده في هذا التعامل .. وهو بهذه الصورة يشمل نشاط الحياة كله .

0000000000000000

فإذا تقرر أن هذا هو " المجتمع المسلم " ، فكيف ينشأ هذا المجتمع ؟ ما منهج هذه النشأة ؟

إن هذا المجتمع لا يقوم حتى تنشأ جماعة من الناس تقرر أن عبوديتها الكاملة لله وحده ، وأنها لا تدين بالعبودية لغير الله .. لا تدين بالعبودية لغير الله في الاعتقاد والتصور ، ولا تدين لغير الله في العبادات والشعائر .. ولا تدين بالعبودية لغير الله في النظام والشرائع .. ثم تأخذ بالفعل في تنظيم حياتها كلها على أساس هذه العبودية الخالصة .. تنقي ضمائرها من الاعتقاد في ألوهية أحد غير الله - معه أو من دونه - وتنقي شعائرها من التوجه بها لأحد غير الله - معه أو دونه - وتنقي شرائعها من التلقي عن أحد غير الله - معه أو من دونه .

عندئذ - وعندئذ فقط - تكون هذه الجماعة مسلمة ، ويكون هذا المجتمع الذي أقامته مسلماً كذلك .. فأما قبل أن يقرر ناس من الناس إخلاص عبوديتهم لله - على النحو الذي تقدم - فإنهم لا يكونون مسلمين .. وأما قبل أن ينظموا حياتهم على هذا الأساس فلا يكون مجتمعهم مسلماً .. ذلك أن القاعدة الأولى التي يقوم عليها الإسلام ، والتي يقوم عليها المجتمع المسلم - هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - لم تقم بشطريها ..

وإذن فإنه قبل التفكير في إقامة نظام مجتمع إسلامي ، وإقامة مجتمع مسلم على أساس هذا النظام .. ينبغي أن يتجه الاهتمام أولاً إلى تخليص ضمائر الأفراد من العبودية لغير الله - في أي صورة من صورها التي أسلفنا - وأن يتجمع الأفراد الذين تخلص ضمائرهم من العبودية لغير الله في جماعة مسلمة .. وهذه الجماعة التي خلصت ضمائر أفرادها من العبودية لغير الله ، اعتقاداً وعبادة وشريعة ، هي التي ينشأ منها المجتمع المسلم ، وينظم إليها من يريد أن يعيش في هذا المجتمع بعقيدته وعبادته وشريعته التي تتمثل فيها العبودية لله وحده .. أو بتعبير آخر تتمثل فيها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله .

هكذا كانت نشأة الجماعة المسلمة الأولى التي أقامت المجتمع المسلم الأول .. وهكذا تكون نشأة كل جماعة مسلمة ، وهكذا يقوم كل مجتمع مسلم .

إن المجتمع المسلم إنما ينشأ من انتقال أفراد ومجموعات من الناس من العبودية لغير الله - معه أو من دونه - إلى العبودية لله وحده بلا شريك ، ثم من تقرير هذه المجموعات أن تقيم نظام حياتها على أساس هذه العبودية .. وعندئذ يتم ميلاد جديد لمجتمع جديد ، مشتق من المجتمع الجاهلي القديم ، ومواجه له بعقيدة جديدة ، ونظام للحياة جديد ، يقوم على أساس هذه العقيدة ، وتتمثل فيه قاعدة الإسلام الأولى بشطريه .. شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ..

وقد ينضم المجتمع الجاهلي القديم بكامله إلى المجتمع الإسلامي الجديد وقد لا ينضم ، كما أنه قد يهادن المجتمع المسلم الجديد أو يحاربه ، وإن كانت السنة قد جرت بأن يشن المجتمع الجاهلي حرباً لا هوادة فيها ، سواء على طلائع هذا المجتمع في مرحلة نشوئه - وهو أفراد أو مجموعات - أو على هذا المجتمع نفسه بعد قيامه فعلاً - وهو ما حدث في تاريخ الدعوة الإسلامية منذ نوح عليه السلام ، إلى محمد عليه الصلاة والسلام ، بغير استثناء .

وطبيعي أن المجتمع المسلم الجديد لا ينشأ ، ولا يتقرر وجوده إلا إذا بلغ درجة من القوة يواجه بها ضغط المجتمع الجاهلي القديم ، قوة الاعتقاد والتصور ، وقوة الخلق والبناء النفسي ، وقوة التنظيم والبناء الجماعي ، وسائر أنواع القوة التي يواجه بها ضغط المجتمع الجاهلي ويتغلب عليه ، أو على الأقل يصمد له !

0000000000000

ولكن ما هو " المجتمع الجاهلي " ؟ وما هو منهج الإسلام في مواجهته ؟

إن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم ! وإذا أردنا التحديد الموضوعي قلنا : إنه هو كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده .. متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي ، وفي الشعائر التعبدية ، وفي الشرائع القانونية ..

وبهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار " المجتمع الجاهلي " جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلاً !!

تدخل فيه المجتمعات الشيوعية .. أولاً : بإلحادها في الله - سبحانه - وبإنكار وجوده أصلاً ، ورجع الفاعلية في هذا الوجود إلى " المادة " أو " الطبيعة " ، ورجع الفاعلية في حياة الإنسان وتاريخه إلى " الاقتصاد " أو " أدوات الإنتاج " ، ثانياً " : بإقامة نظام العبودية فيه للحزب - على فرض أن القيادة الجماعية في هذا النظام حقيقة واقعة ! - لا لله سبحانه ! ثم ما يترتب على ذلك التصور وهذا النظام من إهدار لخصائص " الإنسان " وذلك باعتبار أن " المطالب الأساسية " له هي فقط مطالب الحيوان ، وهي : الطعام والشراب والملبس والمسكن والجنس ! وحرمانه من حاجات روحه " الإنساني " المتميز عن الحيوان ، وفي أولها : العقيدة في الله ، وحرية اختيارها ، وحرية التعبير عنها ، وكذلك حرية التعبير عن " فرديته " وهي من أخص خصائص " إنسانيته " . هذه الفردية التي تتجلى في الملكية الفردية ، وفي اختيار نوع العمل والتخصص ، وفي التعبير الفني عن " الذات " إلى آخر ما يميز " الإنسان " عن " الحيوان " أو عن " الآلة " إذ أن التصور الشيوعي والنظام الشيوعي سواء ، كثيراً ما يهبط بالإنسان عن مرتبة الحيوان إلى مرتبة الآلة !

وتدخل فيه المجتمعات الوثنية - وهي ما تزال قائمة في الهند واليابان والفلبين وأفريقية - تدخل فيه - أولاً : بتصورها الاعتقادي القائم على تأليه غير الله - معه أو من دونه - وتدخل فيه ثانياً : بتقديم الشعائر التعبدية لشتى الآلهة والمعبودات التي تعتقد بألوهيتها .. كذلك تدخل فيه بإقامة أنظمة وشرائع ، المرجع فيها لغير الله وشريعته . سواء استمدت هذه الأنظمة والشرائع من المعابد والكهنة والسدنة والسحرة والشيوخ ، أو استمدتها من هيئات مدنية " علمانية " تملك سلطة التشريع دون الرجوع إلى شريعة الله .. أي أن لها الحاكمية العليا باسم ( الشعب ) أو باسم ( الحزب ) أو باسم كائن من كان .. ذلك أن الحاكمية العليا لا تكون إلا لله سبحانه ، ولا تزاول إلا بالطريقة التي بَلَّغها عنه رسله .

وتدخل فيه المجتمعات اليهودية والنصرانية في أرجاء الأرض جميعاً .. تدخل فيه هذه المجتمعات أولاً : بتصورها الاعتقادي المحرَّف ، الذي لا يفرد الله - سبحانه - بالألوهية بل يجعل له شركاء في صورة من صور الشرك ، سواء بالبنوة أو بالتثليث ، أو بتصور الله سبحانه على غير حقيقته ، وتصور علاقة خلقه به على غير حقيقتها :

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } .. [ التوبة : 30 ]

{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ... [ المائدة : 63 ]

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } ... [ المائدة : 64 ]

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } ... [ المائدة : 18 ]

وتدخل فيه كذلك بشعائرها التعبدية ومراسمها وطقوسها المنبثقة من التصورات الاعتقادية المنحرفة الضالة .. ثم تدخل فيه بأنظمتها وشرائعها ، وهي كلها لا تقوم على العبودية لله وحده ، بالإقرار له وحده بحق الحاكمية ، واستمداد السلطان من شرعه ، بل تقيم هيئات من البشر ، لها حق الحاكمية العليا التي لا تكون إلا لله سبحانه .. وقديماً وصمهم الله بالشرك لأنهم جعلوا هذا الحق للأحبار والرهبان ، يشرعون لهم من عند أنفسهم فيقبلون منهم ما يشرعونه :

{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } .. [ التوبة : 31 ]

وهم لم يكونوا يعتقدون في ألوهية الأحبار والرهبان . ولم يكونوا يتقدمون لهم بالشعائر التعبدية ، إنما كانوا فقط يعترفون لهم بحق الحاكمية ، فيقبلون منهم ما يشرعونه لهم ، بما لم يأذن به الله ، فأولى أن يوصموا اليوم بالشرك والكفر ، وقد جعلوا ذلك لناس منهم ليسوا أحباراً ولا رهباناً ..

وكلهم سواء ..

وأخيراً يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها " مسلمة " ! .

وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله ، ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضاً ، ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها . فهي - وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله - تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله ، فتدين بحاكمية غير الله ، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها ، وشرائعها وقيمها ، وموازينها ، وعاداتها وتقاليدها .. وكل مقومات حياتها تقريباً ! .

والله سبحانه يقول عن الحاكمين :

{ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } .. [ المائدة : 44 ]

ويقول عن المحكومين :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ... } إلى أن يقول { ... فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } .. [ النساء : 60 - 65 ]

كما إنه - سبحانه - قد وصف اليهود والنصارى من قبل بالشرك والكفر والحيدة عن عبادة الله وحده ، واتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً من دونه ، لمجرد أن جعلوا للأحبار والرهبان ما يجعله الذين يقولون عن أنفسهم أنهم " مسلمون " لناس منهم ! واعتبر الله سبحانه ذلك من اليهود والنصارى شركاً كاتخاذهم عيسى ابن مريم رباً يؤلهونه ويعبدونه سواء . فهذه كتلك خروج من العبودية لله وحده ، فهي خروج من دين الله ، ومن شهادة أن لا إله إلا الله .

وهذه المجتمعات بعضها يعلن صراحة " علمانيته " وعدم علاقته بالدين أصلاً ، وبعضها يعلن أنه " يحترم الدين " ولكنه يخرج الدين من نظامه الاجتماعي أصلاً ، ويقول : إنه ينكر " الغيبية " ويقيم نظامه على " العلمية " باعتبار أن العلمية تناقض الغيبية ! وهو زعم جاهل لا يقول به إلا الجهال (1) وبعضها يجعل الحاكمية الفعلية لغير الله ويشرع ما يشاء ثم يقول عما يشرعه من عند نفسه : هذه شريعة الله ! .. وكلها سواء في أنها لا تقوم على العبودية لله وحده ..

وإذا تعين هذا ، فإن موقف الإسلام من هذه المجتمعات الجاهلية كلها يتحدد في عبارة واحدة :

إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها وشرعيتها في اعتباره .

إن الإسلام لا ينظر إلى العنوانات واللافتات والشارات التي تحملها هذه المجتمعات على اختلافها .. إنها كلها تلتقي في حقيقة واحدة .. وهي أن الحياة فيها لا تقوم على العبودية الكاملة لله وحده . وهي من ثم تلتقي - مع سائر المجتمعات الأخرى - في صفة واحدة .. صفة " الجاهلية " ..

0000000000000

وهذا يقودنا إلى القضية الخطيرة وهي منهج الإسلام في مواجهة الواقع البشري كله .. اليوم وغداً وإلى آخر الزمان .. وهنا ينفعنا ما قررناه في الفقرة الأولى عن " طبيعة المجتمع المسلم " ، وقيامه على العبودية لله وحده في أمره كله .

إن تحديد هذه الطبيعة يجيب إجابة حاسمة عن هذا السؤال :

- ما الأصل الذي ترجع إليه الحياة البشرية وتقوم عليه ؟ أهو دين الله ومنهجه للحياة ؟ أم هو الواقع البشري أيّاً كان ؟

إن الإسلام يجيب على هذا السؤال إجابة حاسمة لا يتلعثم فيها ولا يتردد لحظة .. إن الأصل الذي يجب أن ترجع إليه الحياة البشرية بجملتها هو دين الله ومنهجه للحياة .. إن شهادة أن لا إله إلا الله

وأن محمداً رسول الله التي هي ركن الإسلام الأول ، لا تقوم ولا تؤدى إلا أن يكون هذا هو الأصل .. وأن العبودية لله وحده مع التلقي في كيفية هذه العبودية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تتحقق إلا أن يعترف بهذا الأصل ، ثم يتبع اتباعاً كاملاً بلا تلعثم ولا تردد :

{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [ الحشر: 7 ]

ثم إن الإسلام يسأل :{ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ }

ويجيب :

{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } .. { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً } ..

والذي يعلم - والذي يخلق ويرزق كذلك - هو الذي يحكم .. ودينه الذي هو منهجه للحياة ، هو الأصل الذي ترجع إليه الحياة .. أما واقع البشر ونظرياتهم ومذاهبهم فهي تفسد وتنحرف ، وتقوم على علم البشر الذين لا يعلمون ، والذين لم يؤتوا من العلم إلا قليلاً !

ودين الله ليس غامضاً ، ومنهجه للحياة ليس مائعاً .. فهو محدد بشطر الشهادة الثاني : محمد رسول الله ، فهو محصور فيما بَلَّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من النصوص في الأُصول .. فإن كان هناك نص فالنص هو الحكم ، ولا اجتهاد مع النص . وإن لم يكن هناك نص فهنا يجيء دور الاجتهاد - وفق أصوله المقررة في منهج الله ذاته . لا وفق الأهواء والرغبات - :

{ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } .. [ النساء : 59 ]

والأصول المقررة للاجتهاد والاستنباط مقررة كذلك ومعروفة وليست غامضة ولا مائعة .. فليس لأحد أن يقول لشرع يشرعه : هذا شرع الله ، إلا أن تكون الحاكمية العليا لله معلنة ، وأن يكون مصدر السلطات هو الله سبحانه لا ( الشعب ) ولا ( الحزب ) ولا أي من البشر ، وأن يرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة ما يريده الله ولا يكون هذا لكل من يريد أن يدعي سلطاناً باسم الله . كالذي عرفته أوروبا ذات يوم باسم " الثيوقراطية " أو " الحكم المقدس " فليس شيء من هذا في الإسلام . وما يملك أحد أن ينطق باسم الله إلا رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هنالك نصوص معينة هي التي تحدد ما شرع الله ..

إن كلمة " الدين للواقع " يساء فهمها ، ويساء استخدامها كذلك . نعم إن هذا الدين للواقع . ولكن أي واقع !

.. إنه الواقع الذي ينشئه هذا الدين نفسه ، وفق منهجه ، منطبقاً على الفطرة البشرية في سوائها ، ومحققاً للحاجات الإنسانية الحقيقية في شمولها . هذه الحاجات التي يقررها الذي خلق ، والذي يعلم من خلق :

{ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [ الملك : 14 ]

والدين لا يواجه الواقع أيا كان ليقرَّه ويبحث له عن سند منه ، وعن حكم شرعي يعلقه عليه كاللافتة المستعارة ! إنما يواجه الواقع ليزنه بميزانه ، فيقر منه ما يقر ، ويلغي منه ما يلغي ، وينشئ واقعاً غيره إن كان لا يرتضيه ، وواقعه الذي ينشئه هو الواقع . وهذا هو المعنى بأن الإسلام : " دين للواقع " .. أو ما يجب أن تعنيه في مفهومها الصحيح !

ولعله يثار هنا سؤال :

" أليست مصلحة البشر هي التي يجب أن تصوغ واقعهم ؟ " ! .

ومرة أخرى نرجع إلى السؤال الذي يطرحه الإسلام ويجيب عليه :

{ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ } ؟

{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } !

إن مصلحة البشر متضمنة في شرع الله ، كما أَنزله الله ، وكما بَلَّغه عنه رسول الله .. فإذا بدا للبشر ذات يوم أن مصلحتهم في مخالفة ما شرع الله لهم ، فهم .. أولاً : " واهمون " فيما بدا لهم .

{ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ، أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى ، فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى } ... [ النجم :23-25 ]

وهم .. ثانياً : " كافرون " .. فما يدعي أحد أن المصلحة فيما يراه هو مخالفاً لما شرع الله ، ثم يبقى لحظة واحدة على هذا الدين . ومن أهل هذا الدين ! .( معالم في الطريق)

0000000000000000000

لا إله إلا الله تعني : لا معبود إلا الله

تاريخ النشر : 09-26-2003

لما كان التقديس في الإنسان فطرياً ، كان الإنسان من فطرته أن يعبد شيئاً . فالعبادة رجع طبيعي لغريزة التدين . ولذلك يشعر الإنسان حين يؤدي العبادة براحة وطمأنينة ، لأنه في أدائه العبادة يكون قد أشبع غريزة التدين . إلا أن هذه العبادة لا يجوز أن تترك للوجدان أن يقررها كما يتطلب ، ويؤديها الإنسان كما يتخيل . بل لا بد أن يشترك العقل مع الوجدان لتعيين الشيء الذي يجب أن يعبد . لأن الوجدان عرضة للخطأ ، ومدعاة للضلال . وكثيراً ما يدفع الوجدان الإنسان لعبادة أشياء يجب أن تحطم ، وكثيراً ما يدفع لتقديس أشياء يجب أن تحتقر . فإذا ترك الوجدان وحده يقرر ما يعبده الإنسان ، أدى ذلك إلى الضلال في عبادة غير الخالق ، أو إلى الخرافات في التقرب إلى الخالق بما يبعد عنه . وذلك أن الوجدان إحساس غريزي ، أو شعور داخلي ، يظهر بوجود واقع محسوس يتجاوب معه ، أو من تفكير بما يثير هذا الشعور . فإذا أحدث الإنسان رجعاً لهذا الشعور بمجرد وصوله دون تفكير ، قد يؤدي ذلك إلى الضلال أو الخطأ .

فمثلاً قد ترى في الليل شبحاً فتظنه عدواً لك ؛ فتتحرك فيك غريزة البقاء في مظهر الخوف ؛ فإذا استجبت لهذا الشعور ، وأحدثت الرجع الذي يتطلبه وهو الهرب مثلاً ، كان ذلك خطأ منك ، لأنك قد تهرب من لاشيء ! وقد تهرب من شيء لا تنفع فيه إلا المقاومة فيكون رجعك الذي أحدثته خطأ . ولكن حين تستعمل عقلك ، وتفكر في هذا الشعور الذي ظهر لديك قبل أن تحدث الرجع الذي يتطلبه ، يتبين لك ما هو الذي يجب أن تقوم به من الأعمال . فقد يتبين لك أن الشبح عامود كهرباء ، أو شجرة ، أو حيوانا ، وحينئذ يتبدد لديك الخوف وتظل سائراً . وقد يتبين لك أنه سبع لا تقوى على الركض أمامه ، فتلجأ إلى الحيلة في تسلق شجرة ، أو اللجوء إلى منزل فتنجو . لذلك لا يجوز أن يقوم الإنسان بالرجع الذي تتطلبه الغريزة ، إلا مع استعمال العقل ، أي لا يجوز أن يقوم بأعمال بناء على دافع الوجدان وحده ، بل لا بد من استعمال العقل مع الوجدان . ومن هنا كان لا بد أن يكون التقديس مبنياً على التفكير مع الوجدان ، لأنه رجع لغريزة التدين . فلا يجوز أن يحصل هذا الرجع دون تفكير ، لأنه قد يؤدي إلى الضلال أو الخطأ . فوجب أن لا يحدث الإنسان هذا الرجع لغريزة التدين ، إلا بعد التفكير ، أي إلا باستعمال العقل . ولذلك لا يجوز أن تكون عبادة إلا وفق ما يرشد إليه العقل ، حتى تكون هذه العبادة لمن تهدي الفطرة لعبادته ، وهو الخالق المدبر الذي يشعر الإنسان أنه محتاج إليه .

 

والعقل يحتم أن لا تكون العبادة إلا للخالق لأنه هو الأزلي ، وهو واجب الوجود ، فلا يجوز أن تكون العبادة لغيره . فهو الذي خلق الإنسان والكون والحياة ؛ وهو المتصف بصفات الكمال المطلق ، فإذا اعتقد الإنسان بوجوده فيتحتم أن يعبده ، ويتحتم أن تكون العبادة له وحده . فالإقرار بكونه خالقاً ، فطرياً وعقلياً ، يحتم على المقر أن يعبده ، لأن العبادة رجع لشعوره بوجوده ، وهي أعظم مظهر من مظاهر الشكر التي يجب أن يقوم بها المخلوق لمن أنعم عليه بنعمة الخلق والإيجاد . فالفطرة تحتم العبادة ، والعقل يحتم العبادة . والفطرة تحتم أن تكون هذه العبادة لهذا الخالق وحده دون غيره ، والعقل يحتم أن يكون الذي يستحق العبادة والشكر والثناء هو الخالق وحده دون سواه . ولذلك نجد الذين استسلموا للوجدان وحده في إحداث رجع التقديس دون أن يستعملوا العقل ، ضلوا ، فعبدوا معبودات متعددة مع اعترافهم بوجود الخالق الواجب الوجود ، ومع اعترافهم بأن هذا الخالق واحد . ولكنهم حين أحدثوا رجع التدين ، قدسوا الخالق ، وقدسوا معه غيره . فعبدوا الخالق ، وعبدوا المخلوقات ، إما باعتبارها آلهة تستحق العبادة لذاتها ، وإما ظنا منهم أن الخالق حل بها ، أو أنه يرضى بالتقرب إليه في عبادتها . فالفطرة تحتم وجود الخالق ، ولكن رجع التقديس الذي يتحتم إحداثه حين يحصل ما يحرك مشاعر التدين يؤدي إلى جعل التقديس لكل ما يظن فيه أنه المستحق للعبادة ، إما لكونه خالقاً ، أو لتصور رضا الخالق بتقديسه ، أو للظن بأنه حل به . فيؤدي ذلك إلى تعدد المعبودات ، مع وحدة الخالق .

 

ولذلك جاء ظن التعدد متجهاً نحو المعبود ، لا نحو الخالق ، فكان النفي للتعدد يجب أن يكون نفياً للمعبودات ، وحصراً للعبادة بالخالق الأزلي الذات ، الواجب الوجود .

ولذلك جاء الإسلام مبيناً لبني الإنسان كلهم ، أن العبادة لا تكون إلا للذات الواجب الوجود ، وهو الله سبحانه وتعالى ، وشارحاً هذا البيان بطريق عقلي صريح . فسألهم عن الأشياء التي يجب أن يقوم بها المعبود ، فأجابوا أنه هو الله ، وألزموا أنفسهم الحجة ،  ﴿ وما من اله إلا اله واحد ﴾ أي ما من معبود إلا معبود واحد .

 

فالإسلام جاء بتوحيد العبادة بالذات الواجب الوجود ، الذي يحتم العقل والفطرة وجوده وهو الله . والآيات القرآنية تدل دلالة صريحة في نفي تعدد الآلهة  ﴿ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ﴾ ، أي جاءت الآيات في نفي تعدد المعبودات ، وفي حصر العبادة بالإله الواحد وهو الله ، أي جاءت بأن المعبود واحد هو الذات الواجب الوجود .

 

و" اله " في اللغة ليس لها إلا معنى واحد هو المعبود ، وليس لها أي معنى شرعي غير ذلك . فلا اله ، معناها في اللغة وفي الشرع ، لا معبود . وإلا الله ، معناها في اللغة ، وفي الشرع ، الذات الواجب الوجود ، وهو الله . وعلى هذا فيكون المراد من الشهادة الأولى في الإسلام ، ليس شهادة بوحدانية الخالق فحسب ، كما يتوهم الكثيرون ، وإنما المراد من الشهادة هو أن يشهد أنه لا معبود إلا الله الواجب الوجود ، حتى يفرد وحده بالعبادة والتقديس ، وتنفى نفياً قاطعاً العبادة عن أي شيء غير الله .

ومن هنا كان الاعتراف بوجود الله غير كاف في الوحدانية ، بل لا بد من وحدانية الخالق ، ووحدانية المعبود ، لأن معنى لا إله إلا الله هو لا معبود إلا الله ، ولذلك كانت شهادة المسلم بأنه لا إله إلا الله ، ملزمة له قطعاً بالعبادة لله ، وملزمة له بإفراد العبادة بالله وحده . فالتوحيد هو توحيد التقديس بالخالق ، أي توحيد العبادة بالله الواحد الأحد .

من كتاب الفكر الاسلامي لمحمد محمد اسماع

--------------

شروط لا إله إلا الله

شروط لا إله إلا الله ذكر العلماء لكلمة الإخلاص شروطا سبعة , لا تصح إلا إذا اجتمعت , واستكملها العبد , والتزمها بدون مناقضة لشيء منها , وليس المراد من ذلك عد ألفاظها وحفظها ؟ فكم من عامي اجتمعت فيه , والتزمها ولو قيل له عددها لم يحسن ذلك وكم حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم , وتراه يقع كثيرا فيما يناقضها .

وهذه الشروط مأخوذة بالتتبع والاستقراء , وقد نظمها الشيخ حافظ الحكمي - رحمه الله - بقوله : العلم واليقين والقبول والانقياد فادر ما أقول والصدق والإخلاص والمحبة وفقك الله لما أحبه ونظمها بعضهم بقوله : علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها وأضاف بعضهم شرطا ثامنا ونظمه بقوله : وزيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأوثان قد ألها وهذا الشرط مأخوذ من قوله - صلى الله عليه وسلم - : من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه .

هذه هي الشروط السبعة مع زيادة الشرط الثامن على وجه الإجمال , وإليك تفصيلها : والمراد به العلم بمعناها نفيا وإثباتا , وما تستلزمه من عمل , فإذا علم العبد أن الله - عز وجل - هو المعبود وحده , وأن عبادة غيره باطلة وعمل بمقتضى ذلك العلم - فهو عالم بمعناها .

وضد العلم الجهل ؟ بحيث لا يعلم وجوب إفراد الله بالعبادة , بل يرى جواز عبادة غير الله مع الله , قال تعالى :  فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وقال : إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  أي من شهد بلا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم , وقال تعالى :  شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  وقال تعالى :  قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ  وقال :  إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وقال : وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ  وفي الصحيح عن عثمان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة - اليقين : وهو أن ينطق بالشهادة عن يقين يطمئن قلبه إليه , دون تسرب شيء من الشكوك التي يبذرها شياطين الجن والإنس , بل يقولها موقنا بمدلولها يقينا جازما .

فلا بد لمن أتى بها أن يوقن بقلبه , ويعتقد صحة ما يقوله من أحقية إلهية الله تعالى , وبطلان إلهية من عداه , وأنه لا يجوز أن يصرف لغيره شيء من أنواع التأله والتعبد , فإن شك في شهادته أو توقف في بطلان عبادة غير الله كأن يقول : أجزم بألوهية الله ولكنني متردد ببطلان إلهية غيره - بطلت شهادته ولم تنفعه , قال تعالى مثنيا على المؤمنين :  وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ  وقد مدح الله المؤمنين أيضا بقوله :  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وذم المنافقين بقوله : وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ  وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة وعنه - رضي الله عنه - أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة - القبول : والقبول يعني أن يقبل كل ما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه , فيصدق بالأخبار ويؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - , ويقبل ذلك كله , ولا يرد منه شيئا , ولا يجني على النصوص بالتأويل الفاسد والتحريف الذي نهى الله عنه , قال تعالى واصفا المؤمنين بامتثالهم وقبولهم وعدم ردهم :  آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ  وقال تعالى :  قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا

وضد القبول : الرد , فإن هناك من يعلم معنى الشهادة ويوقن بمدلولها ولكنه يردها كبرا وحسدا , وهذه حال علماء اليهود والنصارى كما قال تعالى عنهم :  الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  . وقال تعالى :  حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ  , وكذلك كان المشركون يعرفون معنى لا إله إلا الله وصدق رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم يستكبرون عن قبوله كما قال تعالى عنهم :  إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وقال تعالى عنهم : فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ  وكذلك كان شأن فرعون مع موسى - عليه السلام - .

ويدخل في الرد وعدم القبول من يعترض على بعض الأحكام الشرعية أو الحدود أو يردها , كالذين يعترضون على حد السرقة , أو الزنا , أو على تعدد الزوجات أو المواريث , وما إلى ذلك , فهذا كله داخل في الرد وعدم القبول , لأن الله يقول :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ويقول : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ  ويدخل في الرد أيضا من يعطل أسماء الله وصفاته , أو يمثلها بصفات المخلوقين . - الانقياد المنافي للترك : وذلك بأن ينقاد لما دلت عليه كلمة الإخلاص , ولعل الفرق بين الانقياد والقبول أن القبول إظهار صحة معنى ذلك بالقول , أما الانقياد فهو الاتباع بالأفعال , ويلزم منهما جميعا الاتباع , فالانقياد هو الاستسلام والإذعان وعدم التعقب لشيء من أحكام الله , قال تعالى :  وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ وقال تعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وقال تعالى : وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى  وقال تعالى مثنيا على إبراهيم - عليه السلام - :  إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ

ومن الانقياد أيضا لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - والرضى به والعمل به دون تعقب أو زيادة أو نقصان قال تعالى :  فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .  وإذا علم أحد معنى لا إله إلا الله , وأيقن بها , وقبلها , ولكنه لم ينقد , ويذعن , ويستسلم ويعمل بمقتضى ما علم فإن ذلك لا ينفعه , كما هي حال أبي طالب فهو يعلم أن دين محمد حق وينطق بذلك ويعترف , حيث يقول مدافعا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - : والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك لا عليك غضاضة وافرح وقر بذاك منك عيونا ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا فما الذي نقص أبا طالب ؟ الذي نقصه هو الإذعان والاستسلام .

وكذلك الحال بالنسبة لبعض المستشرقين ؟ فهم يعجبون بالإسلام ويوقنون بصحته ويعترفون بذلك , وتجد بعض المسلمين يهشون لذلك ويطربون لهؤلاء , ويصفونهم بالموضوعية والتجرد , ولكن إعجابهم ويقينهم واعترافهم لا يكفي , بل لا بد من الانقياد .

ومن عدم الانقياد ترك التحاكم لشريعة الله - عز وجل - واستبدالها بالقوانين الوضعية , الفرنسية , والإنجليزية , والسويسرية وغيرها . - الصدق : وهو الصدق مع الله , وذلك بأن يكون صادقا في إيمانه صادقا في عقيدته , ومتى كان ذلك - فإنه سيكون مصدقا لما جاء من كتاب ربه , وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - , فالصدق أساس الأقوال , ومن الصدق أن يصدق في دعوته وأن يبذل الجهد في طاعة الله , وحفظ حدوده , قال تعالى :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ  وقال في وصف الصحابة :  رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ وقال : وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ .

وقد ورد اشتراط الصدق في الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - من قال لا إله إلا الله صادقا من قلبه دخل الجنة . وضد الصدق الكذب , فإن كان العبد كاذبا في إيمانه فإنه لا يعد مؤمنا بل هو منافق , وإن نطق بالشهادة بلسانه , وحاله هذه أشد من حال الكافر الذي يظهر كفره , فإن قال الشهادة بلسانه وأنكر مدلولها بقلبه فإن هذه الشهادة لا تنجيه , بل يدخل في عداد المنافقين , الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا  نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ  فرد الله عليهم تلك الدعوى بقوله :  وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ  وقال تعالى أيضا في شأن هؤلاء :  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ وقال : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ  والأدلة في ذلك كثيرة جدا وهي مبسوطة في أوائل سورة البقرة , وفي سورة التوبة أيضا وغيرها , فإذا قامت أعمال الإنسان واعتقاداته على عقيدة سليمة كان الإيمان قويا سليما , وبالتالي يكون العمل مقبولا بإذن الله والعكس بالعكس , والناس يتفاوتون في الصدق تفاوتا عظيما .

ومما ينافي الصدق في الشهادة تكذيب ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو تكذيب بعض ما جاء به لأن الله سبحانه أمرنا بطاعته وتصديقه , وقرن ذلك بطاعته - سبحانه وتعالى - وقد يلتبس على بعض الناس الأمر في موضوع اليقين والصدق , لذا نقول : إن اليقين أعم من التصديق , وعلى ذلك يكون كل موقن مصدقا وليس كل مصدق موقنا . أي بينهما عموم وخصوص كما يقول أهل الأصول ؟ أي أن الموقن قد مر بمرحلة التصديق . - الإخلاص : وهو تصفية الإنسان عمله بصالح النية عن جميع شوائب الشرك , وذلك بأن تصدر منه جميع الأقوال والأفعال خالصة لوجه الله , وابتغاء مرضاته , ليس فيها شائبة رياء , أو سمعة , أو قصد نفع , أو غرض شخصي أو شهوة ظاهرة أو خفية أو الاندفاع للعمل لمحبة شخص , أو مذهب , أو مبدأ , أو حزب يستسلم له بغير هدى من الله , والإخلاص كذلك مهم في الدعوة إلى الله تعالى فلا يجعل دعوته حرفة لكسب الأموال أو وسيلة للتقرب إلى غير الله , أو الوصول للجاه والسلطان , بل لا بد أن يكون مبتغيا بدعوته وجه الله والدار الآخرة , ولا يلتفت بقلبه إلى أحد من الخلق يريد منه جزاء أو شكورا . والقرآن والسنة مليئان بذكر الإخلاص , والحث عليه , والتحذير من ضده , ومن ذلك قوله تعالى :  أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ  وقال :  وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ  وقال :  قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي  .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه . وفي الصحيحين من حديث عتبان فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله . ويدخل في ذلك - الإخلاص في اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - , بالاقتصار على سنته وتحكيمه , وترك البدع , والمخالفات , وترك ما يخالف شرعه من التحاكم إلى ما وضعه البشر من عادات وقوانين فإن رضيها أو حكم بها - لم يكن من المخلصين .

وضد الإخلاص الشرك والرياء وابتغاء غير وجه الله . فإن فقد العبد أصل الإخلاص فإن الشهادة لا تنفعه أبدا قال تعالى :  وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا  . فلا ينفعه حينئذ أي عمل يعمله لأنه فقد الأصل :  إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا  وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله تبارك وتعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك , من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه

وإن فقد الإخلاص في عمل من الأعمال ذهب أجر ذلك العمل . - المحبة : أي المحبة لهذه الكلمة العظيمة , ولما دلت عليه واقتضته , فيحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ويقدم محبتهما على كل محبة , ويقوم بشروط المحبة ولوازمها . فيحب الله محبة مقرونة بالإجلال والتعظيم والخوف والرجاء , ويحب ما يحبه الله من الأمكنة : كمكة المكرمة والمدينة النبوية والمساجد - عموما - والأزمنة كرمضان وعشر ذي الحجة وغيرها , والأشخاص كالأنبياء والرسل والملائكة والصديقين والشهداء والصالحين , والأفعال كالصلاة والزكاة والصيام والحج , والأقوال كالذكر وقراءة القرآن , . ومن المحبة - أيضا - تقديم محبوبات الله على محبوبات النفس وشهواتها ورغباتها , وذلك لأن النار حفت بالشهوات والجنة حفت بالمكاره .

ومن المحبة أيضا أن يكره ما يكرهه الله ؟ فيكره الكفار , ويبغضهم , ويعاديهم , ويكره الكفر والفسوق والعصيان , قال تعالى :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ  وقال تعالى :  لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ  . وقال تعالى :  قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ  . وقال - صلى الله عليه وسلم - : ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .

وعلامة هذه المحبة الانقياد لشرع الله واتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى :  قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ  , وضد المحبة الكراهية لهذه الكلمة ولما دلت عليه وما اقتضته , أو محبة غير الله مع الله . قال تعالى :  ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ  . وقال الله تعالى :  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ  فهؤلاء الذين بين الله - جل وعلا - شأنهم في هذه الآية يحبون الله ولكنهم يحبون غيره مثل محبته على أحد التفسيرين , ومع ذلك سماهم الله ظالمين والظلم هنا بمعنى الشرك بدليل قوله تعالى في الآية التي تليها :  وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ  . فإذا كان هذا هو شأن - من أحب الله وأحب غيره مثل حبه - فكيف بمن أحب غير الله أكثر من حبه لله ؟ , وكيف بمن أحب غير الله ولم يحب الله - سبحانه وتعالى - بل وكيف بمن أحب غير الله , وكره الله وحارب الله - سبحانه وتعالى ؟ ؟

ومما ينافي المحبة أيضا بغض الرسول - صلى الله عليه وسلم - , ومما ينافيها موالاة أعداء الله من اليهود والنصارى وسائر الكفار والمشركين ومما ينافيها أيضا معاداة أولياء الله المؤمنين . ومما ينافي كمالها - المعاصي والذنوب . نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يرزقنا حبه وحب من يحبه والعمل الذي يقربنا إلى حبه إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين . الزلفي الجمعة : ه الرمز ص . ب

0000000000000

معنى لا إله إلا الله وشروطها

لا إله إلا الله هي كلمة التوحيد الخالص، وهي أعظم فريضة فرضها الله على عباده، وهي من الدين بمنزلة الرأس من الجسد.

وقد ورد في فضلها أحاديث منها:

ما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان ».

وما رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ».

ومنها ما رواه البخاري في " الأدب المفرد " وصححه الشيخ الألباني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن نبي الله نوحاً صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قال لابنه: آمرك بلا إله إلا الله، فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعن في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن. ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله » فهذه بعض فضائل هذه الكلمة العظيمة.

أما معناها فقال العلماء إنه: لا معبود يستحق العبادة إلا الله، فهي تتكون من ركنين أساسيين، الأول: نفي الألوهية الحقيقية عن غير الله سبحانه، والثاني: إثبات الألوهية الحقيقية له سبحانه دون من سواه.

غير أنه ليس المقصود من دعوة الرسل مجرد التلفظ بالكلمة فحسب، بل لا بد من توفر شروطها حتى تكون نافعة عند الله سبحانه وتعالى. وقد ذكر العلماء من شروط لا إله إلا الله ما يلي:

1- العلم بمعناها: وذلك بأن يعلم الناطق بها معنى هذه الكلمة وما تضمنته من نفي الألوهية عن غير الله وإثباتها له سبحانه، قال تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلأ اللَّهُ } [محمد:19].

2- اليقين: بمعنى ألا يقع في قلب قائلها شك فيها أو فيما تضمنته، لقوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [الحجرات:15] وقال صلى الله عليه وسلم: « أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة » رواه مسلم.

3- القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه: والمراد بالقبول هنا هو المعنى المضاد للرد والاستكبار، ذلك أن الله أخبرنا عن أقوام رفضوا قول لا إله إلا الله، فكان ذلك سبب عذابهم، قال تعالى: { إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ.إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } [الصافات:34-35]

4- الانقياد لما دلت عليه: بمعنى أن يكون العبد عاملاً بما أمره الله به، منتهياً عما نهاه الله عنه، قال تعالى: { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأَمُورِ } [لقمان:22]، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: " العروة الوثقى هي لا إله إلا الله ".

5- الصدق: ومعناه أن يقولها صادقاً من قلبه، يوافق قلبه لسانه قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ.يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ } [البقرة:8-9].

6- الإخلاص: وهو إرادة وجه الله تعالى بهذه الكلمة، قال تعالى: { وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ } [البينة:5].

7- المحبة لهذه الكلمة ولأهلها العاملين بها الملتزمين بشروطها، وبُغض ما ناقضها، قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } [البقرة:165].

فهذا هو معنى هذه الكلمة، وهذه هي شروطها التي بها تكون سبب النجاة عند الله سبحانه. وقد قيل للحسن إن أناساً يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة. فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.

فلا إله إلا الله لا تنفع قائلها إلا أن يكون عاملاً بها، آتيا بشروطها، أما من تلفظ بها مع تركه العمل بما دلت عليه، فلا ينفعه تلفظه حتى يقرن بالقول العمل، نسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا من أهل لا إله إلا الله العاملين بها ولأجلها

00000000000000000000

العين حق "ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين"

تعريف العين

تأثير العائن على المعيون

سبب وجهة تأثير العين

كل عائن حاسد وليس كل حاسد عائناً

الأدلة على تأثير العين على المعيون

العين عينان

صنفا العائن

العين تسرع إلى الأطفال ولبعض الناس أكثر من غيرهم

التحرز من أضرار العين

أ. ما يتعلق بالعائن

ب. ما يتعلق بالمعيون أو من يخشى عليه العين

علاج العين

أولاً: العلاج بالاغتسال إذا عُلم العائن وحُدِّد

ثانياً: العلاج بالرقى والتعاويذ النبوية

الاستشفاء والاسترقاء بالقرآن

متى يجوز أخذ الأجرة على الرقية

حكم الذهاب إلى السحرة والكهان والمتشعوذين

حكم العلاج بالنُّشْرَة المحرمة

نماذج لبعض العائنين والمعيونين

الحجر على من عرف بالإصابة بالعين من مداخلة الناس

من ثبت أنه قتل بعينه هل يقتاد منه ويقتص أم لا ؟

 

تعريف العين

لغة

عان فلاناً يعينه إذا أصابه بعينه، فهو معين، ومعيون؛ ورجل عائن، ومعيان، وعيون.

اصطلاحاً

نظر باستحسان، مشوب بحسد، من خبيث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر.

تأثير العائن على المعيون

ما من شيء يحدث في هذا الكون إلا بإرادة الله وتدبيره، ولحكمة يعلمها هو، ولهذا لا يستطيع أحد أن يؤثر أويتصرف في أحد، لا عائناً، ولا حاسداً، ولا ساحراً، ونحوهم، إلا إذا أراد الله ذلك: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون"، وقال صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف" الحديث.

حقيقة وكيفية تأثير العائن على المعيون من الكيفيات التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، وعلينا أن نؤمن ونقر بآثار ذلك، وإن لم ندر كيفية حدوث ذلك، تصديقاً لما صح عن الشارع الحكيم: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين".

سبب وجهة تأثير العين

ذهب الناس في سبب تأثير العين على المعيون مذاهب، هي:

1.  يحدث ذلك بعد إرادة الله نتيجة لانبعاث قوة سمية من عين العائن ذي النفس الخبيثة تتصل بالمعين فتضره.

2.  يحدث ذلك نتيجة انبعاث جواهر لطيفة من عين العائن تتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه فيتأذى من ذلك.

3.   يحدث ضرر العائن على المعين بقدرة الله من غير سبب ولا تأثير، وهذا مذهب منكري الأسباب غير المرئية والمحسوسة، وهذا مذهب مرجوح.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية كما يظن من قلَّ علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة، بل التأثير يكون تارة بالاتصال، وتارة بالمقابلة، وتارة بالرؤية، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه، وتارة بالأدعية والرقي والتعوذات، وتارة بالوهم والتخيل.

ونفس العين لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه، وإن لم يره، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية، وقد قال تعالى لنبيه: "وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر"، وقال: "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد".

وقال: أبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجاباً، وأكثفهم طباعاً، وأبعدهم من معرفة الأرواح والنفوس وصفاتها، وأفعالها، وتأثيراتها.

وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وقد أشكل ذلك على بعض الناس، فقال: كيف تعمل العين من بُعد حتى يحصل الضرر على المعيون؟ والجواب أن طبائع الناس تختلف، فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون، وقد نقل عن بعض من كان معنياً أنه قال: إذا رأيتُ شيئاً يعجبني وجدتُ حرارة تخرج من عيني، ويقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد، ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد، وكذا تدخل البستان فتضر بكثير من الغروس من غير أن تمسها يدها، ومن ذلك أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد، ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب هو، أشار إلى ذلك ابن بطال، وقال الخطابي: في الحديث أن للعين تأثيراً في النفوس، وإبطال قول الطبائعيين أنه لا شيء إلا ما تدرك الحواس الخمس، وما عدا ذلك لا حقيقة له، وقال المازري: زعم بعض الطبائعيين أن العائن ينبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك، أويفسد، وهو كإصابة السم من نظر الأفعى، وأشار إلى منع الحصر في ذلك مع تجويزه، وأن الذي يتمشى على طريقة أهل السنة أن العين إنما تضر عند نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عن مقابلة شخص لآخر، وهل ثم جواهر خفية أولا؟ هو أمر محتمل لا يقطع بإثباته ولا نفيه).

كل عائن حاسد وليس كل حاسد عائناً

ليس كل وصَّاف عائناً، لكن الوصف الذي قد يضر ويؤثر في النفوس والأبدان وغيرها هو الوصف الصادر من نفس خبيثة وقلب حسود حقود، ولهذا قالوا: كل عائن حاسد، وليس كل حاسد عائناً؛ فالحسد أعم من العين والنظرة، ولهذا أمرنا بالاستعاذة من شر حاسد إذا حسد لأنها شاملة ومتضمنة للاستعاذة من العين.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين، فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة، وتقابل المحسود، فتأثر بتلك الخاصية، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى، فإن السم كامن فيها بالقوة، فإذا قابلت عدوها انبعث منها قوة غضبية، وتكيفت نفسُها بكيفية خبيثة مؤذية، فمنها ما تشتد كيفيتتها، وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين، ومنها ما يؤثر في طمس البصر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأبتر وذي الطُّفَيَّتين من الحيات: "إنهما يلتمسان البصر، ويسقطان الحَبَل"، ومنها ما تؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية، من غير اتصال به، لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة.

إلى أن قال:

فكل عائن حاسد، وليس كل حاسد عائناً، فلما كان الحاسد أعم من العائن، كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن، وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين، تصيبه تارة وتخطئه تارة).

الأدلة على تأثير العين على المعيون

الأدلة النقلية من الكتاب والسنة على تأثير العين بعد إرادة الله على المعيون، وعلى التوقي والاسترقاء منها ما يأتي:

من القرآن

1. قوله تعالى: " قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد"12، حيث أمر الله بالاستعاذة من شر الحاسد والعائن.

2. قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام موصياً بنيه: "وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلتُ وعليه فليتوكل المتوكلون".

قال القرطبي رحمه الله في تفسيرها: (لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين، فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب، وكانت مصر لها أربعة أبواب، وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلاً لرجل واحد، وكانوا أهل جمال وبسطة، قاله ابن عباس، والضحاك، وقتادة، وغيرهم).

3.  وقوله: "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله".

قال أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى شيئاً فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله، لم يضرَّه عين".

وقال القرطبي: (وروي أن من قال أربعاً أمِن من أربع: من قال هذه أمِن العين؛ وقال أشهب: قال مالك: ينبغي لكل من دخل منزله أن يقول هذا؛ وقال ابن وهب: قال لي حفص بن ميسرة: رأيتُ على باب وهب بن منبه مكتوباً: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله").

4.  وقوله: "وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون".

قال القرطبي في تفسيرها: (أخبر بشدة عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وأرادوا أن يصيبوه بالعين، فنظر إليه قوم من قريش وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حجته، وقيل: كانت العين في بني أسد حتى إن البقرة السمينة أوالناقة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها، ثم يقول: يا جارية خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة؛ فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر، وقال الكلبي: كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئاً يومين أوثلاثة، ثم يرفع جانب الخباء، فتمر به الإبل أوالغنم، فيقول: لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه! فما تذهب إلا قليلاً حتى تسقط منها طائفة هالكة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعين فأجابهم، فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم أنشد:

قد كان قومك يحسبونك سيداً          وإخـال إنك سيـد معيون

فعصم الله النبي صلى الله عليه وسلم، ونزلت: "وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك"، وذكر نحوه الماوردي، وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحداً ـ يعني في نفسه وماله ـ تجوع ثلاثة أيام، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول: تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثرمنه ولا أحسن، فيصيبه بعينه، فيهلك هو وماله، فأنزل الله تعالى هذه الآية).

من السنة

الأدلة من السنة على حقيقة العين وتأثيرها وكيفية التوقي والاسترقاء منها كثيرة جداً، نذكر منها ما يأتي:

1.  قوله صلى الله عليه وسلم: "العين حق".

2. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا اسْتُغسِلتم فاغسلوا".

3. وعن جابر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس".

4. عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم ـ أوأمر ـ أن يسترقى من العين".

5.  وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال: "استرقوا لها فإن بها النظرة"24، والنظرة هي العين، وقيل هي المس من الشيطان.

6. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان إذا اشتكى رسول الله صلى رقاه جبريل، قال: "باسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد وشر كل ذي عين".

7. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين، والحُمَة، والنملة".

8. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس: "مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة27، تصيبهم الحاجة؟ قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم؛ قال: ارقيهم".

9. وعن أبي أمامة سهل بن حُنيف قال: "رأى عامر بن ربيعة سهل بن حُنيف يغتسل، فقال: والله ما رأيتُ كاليوم ولا جلد مخبأةٍ عذراء؛ قال: فلبط سهل، فأتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عامراً، فتغيظ عليه، وقال: علام يقتل أحدُكم أخاه؟ ألا برَّكتَ، اغتسل له؛ فغسل له عامر وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صبّ عليه، فراح مع الناس".

10. وروي عن الحسن مرفوعاً: "إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر".

11. وعن أبي سعيـد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان، ومن عين الإنسان".

العين عينان

1. عين إنسية.

2. وعين جنية، وهي التي يعبَّر عنها بالنظرة.

ولهذا أمرنا بالتعوذ من شياطين الإنس والجن.

والدليل على العين الجنية ما صحَّ عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال: "استرقوا لها، فإن بها النظرة".

قال ابن القيم: (قال الحسين بن مسعود الفراء: وقوله "سفعة" أي نظرة، يعني من الجن، يقول بها عين أصابتها من نظر الجن، أنفذ من أسنة الرِّماح).

صنفا العائن

العائنون صنفان:

1.  عائن بإرادته.

2. وعائن بطبعه من غير إرادة، وهذا أخسّ وأردأ من الصنف الأول، وهو الذي يمكن أن يعين نفسه، أوولده، أوأهله، أوماله، من غير إرادة منه، نتيجة لما غرز في قلبه من الحسد.

العين تسرع إلى الأطفال ولبعض الناس أكثر من غيرهم

الدليل على أن العين تسرع إلى الأطفال وإلى بعض الناس الحسان دون بعض قول أسماء بنت عميس رضي الله عنها عن أبناء جعفر رضي الله عنه عندما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة؟ أتصيبهم الحاجة؟"، قالت: "لا، ولكن تسرع إليهم العين"، وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لها بقوله: "ارقيهم".

قال القرطبي: (ويقال إن العين أسرع إلى الصغار منها إلى الكبار، والله أعلم).

التحرز من أضرار العين

كما علمنا فإن العين حق، ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين، كما أخبر الصادق المصدوق، وأن العين لها آثار جانبية وأضرار بليغة على الأنفس والأموال، كل ذلك يحدث بقضاء الله وقدره وتدبيره، لحكمة يعلمها هو، وقد أمرنا الشارع الحكيم بالتحرز منها، وبالأخذ بالأسباب التي يمكن أن تكفَّ شرَّ العائن بإذن الله.

هذه التحرزات والتحفظات منها ما يتعلق بالعائن ومنها ما يتعلق بالمعيون.

أ. ما يتعلق بالعائن

لقد أمر رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم العائنين خاصة وجميع المسلمين بالتبريك إذا رأوا شيئاً أعجبهم، سواء كان هذا الشيء لهم أو لغيرهم من إخوانهم المسلمين، وسواء الذين عرفوا بالعين والذين لم يعرفوا بها، وسواء كان المرئي المُعْجِب نَفْساً أومالاً، فما هو التبريك؟ وما حكمه؟

كيفية التبريك

لقد وردت صيغ عدة للتبريك، وهي:

1.  تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم بارك فيه.

2.  ما شاء الله، لا قوة إلا بالله.

3.  بارك الله فيه.

4.  اللهم بارك عليه.

حكم التبريك

التبريك واجب، خاصة لمن عرف بالعين واشتهر بها.

دليل التبريك

قوله صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة رضي الله عنه عندما عان سهل بن حنيف رضي الله عنه: "علام يقتل أحدُكم أخاه؟ ألا بركتَ" الحديث.

أقوال العلماء في ذلك

قال القرطبي رحمه الله: (واجب على كل مسلم أعجبه شيء أن يبرِّك، فإنه إذا دعا بالبركة صُرف المحذور لا محالة، ألا ترى قوله عليه السلام: "ألا بركتَ"، فدل على أن العين لا تضر ولا تعدو إذا برَّك العائن، وأنها تعدو إذا لم يبرِّك، والتبريك أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم بارك فيه).

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: (وإذا كان العائن يخشى ضرر عينه، وإصابتها للمعين، فليدفع شرها بقوله: اللهم بارك عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حُنيف: "ألا بركت؟"، أي قلت: اللهم بارك عليه.

ومما يدفع إصابة العين قول "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"، روى هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا رأى شيئاً يعجبه أودخل حائطاً من حيطانه قال: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله").

ب. ما يتعلق بالمعيون أو من يخشى عليه العين

أما التحرز والتحفظ من ضرر العين من الجانب الآخر، وهو جانب المعيون أومن يخشى عليهم من العين بصفة خاصة، وغيرهم بصفة عامة، لأن كل ذي نعمة محسود، فيكون بالآتي:

1. المحافظة على أذكار الصباح والمساء

ونعني بذلك الأذكار والأوراد السنية التي أثرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست الأوراد التي ألفها بعض المشايخ وألزم بها مريديهم.

2. الإكثار من قراءة فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، والمعوذتين

3. التعاويذ النبوية، خاصة:

   "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق".

   و"أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة".

   و"أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برٌّ ولا فاجر، من شر ما خلق، وذرأ، وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر طوارق الليل والنهار، إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن".

   و"أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه، وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون".

قال العلامة ابن القيم بعد أن ذكر عدداً من التعاويذ النبوية: (ومن جرَّب هذه الدعوات والعُوذ، عرف مقدار منفعتها، وشدة الحاجة إليها، وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله، بحسب قوة إيمان قائلها، وقوة نفسه واستعداده، وقوة توكله وثبات قلبه، فإنها سلاح والسلاح بضاربه).

4. عدم التعري والتكشف

يجب على المسلم أن يستـر جسمه وأن يحـرص على عدم التكشف والتعري أمام الآخرين، فسهل بن حُنيف رضي الله عنه لولا أنه نزع جبة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر، وكان سهل رجلاً أبيض حسن الجلد، فقال عامر: "ما رأيتُ كاليوم ولا جلد عذراء"، ما تمكن عامر من النظر إلى محاسنه ومن ثم إصابته بعينه، فالسبب الرئيس في ذلك تكشف سهل أمامه.

وكذلك عندما ركب سعد بن وقاص يوماً فانكشف بطنه، فنظرت إليه امرأة فقالت: إن أميركم هذا ليعلم أنه أهضم الكشحين؛ فرجع إلى منزله فسقط.

ومن المؤسف حقاً تفشي العري والتفسخ والتزيي بالأزياء الضيقة والقصيرة والواصفة التي تصف العورة وتكشف المحاسن، سيما لدى النساء والبنين والبنات، فعلى هؤلاء أن يتقين الله في أنفسهن، وفي أولادهن، وليعلمن أن في ذلك ضرر بليغ في الدين والبدن، فإن كن لا يخفن الله فعليهن أن يتقين عين العائنين وحسد الحاسدين.

فلا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسمح لزوجه ولبناته ولمن يعول، سواء كن بلغن أوتحت البلوغ أن يخرجن غير متسترات متحجبات، وإلا فليعلم أنه ديوث يقرُّ الفاحشة في أهله، وقد حرمَّ الله الجنة على الديوث، وهؤلاء عليهن أن يبشرن إن لم يرجعن بأنهن من عمَّار نار جهنم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما"، وذكر من هذين الصنفين: "نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات.." إلخ.

واعلمي أختي المسلمة أنه لا يحل لك أن تخرجي من بيتك إلا لحاجة ماسة، ولا تخرجي إلا وأنت متحجبة تفلة، غير متطيبة ولا متزينة، واعلمي أن خروجك من بيتك بما يعرف بـ"الإسكيرت والبلوزة" لا يحل لك، لأنه كاشف لعورتك واصف لها، وهو زينة في نفسه.

أما الأطفال والصغار فمسؤوليتهم على أوليائهم، وعليهم أن لا يتركوا اختيار ملابسهم للنساء، وعليهم أن يتولوا ذلك بأنفسهم، وليتذكروا قول الناصح الأمين: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، سواء كانت هذه الولاية خاصة أوعامة.

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

فستر البدن عند الاستحمام، وعند قضاء الحاجة، وعند ممارسة الألعاب الرياضية واجب، وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة كلها عورة بما في ذلك الوجه واليدان.

وقد أخبرني من أثق به أن رجلاً كان جالساً لقضاء حاجته، فرأى رجل عائن طرفاً من إليته ـ وهو في هذا الوضع ـ فشبه هذا الطرف بجزء من أجزاء الساقية حسب بيئته، فلم يتحرك هذا الرجل من مكانه إلا بعد أن لدغته عقرب، فانتبهوا يا أولي الأبصار، واحذروا العري والتكشف ولو كنتم خالين بأنفسكم، فكيف بين الناس؟ فالوقاية خير من العلاج.

5. ستر محاسن من يخاف عليه العين

من وسائل التحرز التي أمر بها الشارع لرد كيد العائنين ودفع ضررهم ستر محاسن من يخشى عليه من العين، سواء كان صغيراً أم كبيراً، فالعين تسرع إلى الحسان أكثر من غيرهم، وإلى الصغار أكثر منها إلى الكبار.

ذكر الإمام البغوي في شرح السنة له: (عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه رأى صبياً مليحاً، فقال: دسِّموا نونته.

فقال أبو عمر: سألتُ أحمد بن يحيى عنه، فقال: أراد بالنونة النُّقرَة التي في ذقنه، والتدسيم التسويد، أراد سوِّدوا ذلك الموضع من ذقنه ليرد العين).

وكان المقنع الكندي واسمه محمد بن عمير بن أبي شمر الكندي من أجمل أهل زمانه، وأحسنهم وجهاً، وأتمهم قامة، فكان إذا كشف وجهه يُؤذى، فكان يتقنع دهره، فسمي لذلك بالمقنع).

6. عدم تجمع الإخوة والأبناء والأهل في مكان واحد ملفت للنظر

من التحوطات التي تدفع ضرر العين عدم تجمع الأبناء أو الإخوان إذا كانوا جماعة في مكان واحد، وعدم خروجهم ودخولهم مجتمعين، صرفاً لأذى العائنين، ولهذا وصى يعقوب نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله أبناءه ـ وكانوا ذوي حسن وعدد ـ بعدم دخول مصر من باب واحد، وكان لها أربعة أبواب، فأمرهم أن يدخلوا متفرقين على أبوابها الأربعة، حيث قال: "يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء" الآية.

قال ابن القيم: (ومن علاج ذلك ـ دفع ضرر العين ـ أيضاً والاحتراز منه: ستر محاسن من يخاف عليه من العين بما يردها عنه).

وقال ابن مفلح رحمه الله: (وليحترز الحَسَن من العين والحسد بتوحيش حسنه).

وفي الجملة على جميع الخلق الاحتراز من العين، سيما الأطفال، وحسان الخلقة، والعرسان، والمرأة في حال الوضوع، والأولاد والبنات عند الختان، وعند شهود الاحتفالات الجامعة.

علاج العين

ما ذكرناه سابقاً هو التحرز من العين قبل وقوع الضرر، أما بعد وقوع الضرر والأذى فيتقى شر العين بأمور هي:

أولاً: العلاج بالاغتسال إذا عُرف العائن وحُدِّد.

ثانياً: العلاج بالرقى والتعاويذ إذا لم يُعرف العائن.

ثالثاً: النُّشرة.

وسنتحدث عن كل من وسائل العلاج هذه بشيء من الإيجاز، فنقول:

أولاً: العلاج بالاغتسال إذا عُلم العائن وحُدِّد

علاج المعيون إذا أصيب بضرر أن يؤمر العائن إن كان معلوماً معروفاً بالاغتسال له، بكيفية معينة، وأن يصب عليه الماء بطريقة خاصة سنبينها، فما دليل الاغتسال؟ وما كيفيته؟ وما الحكمة والعلة من ذلك؟

دليل اغتسال العائن للمعيون

خرَّج مالك وغيره من أهل السنن عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف قال: "رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل، فقال: والله ما رأيتُ كاليوم ولا جلد مخبأة عذراء؛ قال: فلبط سهل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامراً فتغيظ عليه، وقال: علامَ يقتل أحدُكم أخاه؟ ألا بركتَ، اغتسل له؛ فغسل له عامر.." الحديث.

وفي رواية: "إن العين حق، توضأ له، فتوضأ له".

وعن معمر عن ابن طاوس عن أبيه مرفوعاً: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، فإذا استغسل أحدكم فليغتسل".

حكم هذا الغسل

الوجوب، لأن الأمر للوجوب ما لم يصرفه صارف.

قال ابن عبد البر في شرحه لحديث مالك السابق: (وفيه أن العائن يؤمر بالاغتسال للذي عانه، ويجبر ـ عندي ـ على ذلك إن أباه، لأن الأمر حقيقته الوجوب، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه ولا يضره هو، ولا سيما إذا كان بسببه، وكان الجاني عليه، فواجب على العائن الغسل، والله أعلم).

وقال الحافظ ابن حجر في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا استغسلتم فاغسلوا": (وهي أمر العائن بالاغتسال عند طلب المعيون منه ذلك، ففيها إشارة إلى أن الاغتسال لذلك كان معلوماً بينهم، فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم، وأدنى ما في ذلك رفع الوهم الحاصل في ذلك، وظاهر الأمر الوجوب، وحكى المازري فيه خلافاً، وصحح الوجوب، وقال: متى خشي الهلاك، وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين، وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر وهذا أولى).

وقال القرطبي: (العائن إذا أصاب بعينه ولم يبرِّك، فإنه يؤمر بالاغتسال ويُجبر على ذلك إن أباه، لأن الأمر على الوجوب، لا سيما هذا، فإنه قد يخاف على المعين الهلاك، ولا ينبغي لأحد أن يمنع).

كيفية اغتسال العائن للمعيون

خرَّج أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف: "أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف ـ وكان أبيض حسن الجسم والجلد ـ فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخباة؛ فلبط ـ أي صُرع وزناً ومعنى ـ سهل، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تتهمون به من أحد؟ قالوا: عامر بن ربيعة؛ فدعا عامراً فتغيظ عليه، فقال: علام يقتل أحدُكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟ ثم قال: اغتسل له؛ فغسل وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم يصب ذلك الماء عليه رَجُلٌ من خلفه على رأسه وظهره، ثم يكفأ القدح، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس".

قال المازري: المراد بداخلة الإزار الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن، قال: فظن بعضهم كناية عن الفَرْج.

وقال ابن القيم تحت عنوان "رفع الضرر بالغسل": (ومنها أن يؤمر العائن بغسل مغابنه وأطرافه، وداخلة إزاره، وفيه قولان:

أحدهما: أنه فرجه.

والثاني: أنه طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده من الجانب الأيمن، ثم يصب على رأس المعين من خلفه بغتة، وهذا مما لا يناله علاج الأطباء، ولا ينتفع به من أنكره، أوسخر منه، أوشـك فيه، أوفعله مجـرباً لا يعتقد أن ذلك ينفعه).

الحكمة والعلة في اغتسال العائن للمعيون بهذه الكيفية

قال ابن القيم: (فاعلم أن ترياق سم الحية في لحمها، وأن علاج تأثير النفس الغَضَبيَّة في تسكين غضبها وإطفاء ناره، بوضع يدك عليه، والمسح عليه، وتسكين غضبه، وذلك بمنزلة رجل معه شعلة من نار، وقد أراد أن يقذفك بها، فصببت عليها الماء وهي في يده، حتى طفئت، وذلك أمر العائن أن يقول: اللهم بارك عليه، ليدفع تلك الكيفية الخبيثة بالدعاء الذي هو إحسان إلى المعين، فإن دواء الشيء بضده، ولما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد، لأنها تطلب النفوذ فلا تجد أرق من المغابن، وداخلة الإزار، ولا سيما إن كان كناية عن الفرْج، فإذا غسلت بالماء بطل تأثيرها وعملها، وأيضاً فهذه المواضع للأرواح الشيطانية بها اختصاص، والمقصود أن غسلها بالماء يطفئ تلك النارية، ويذهب بتلك السمية، وفيه أمر آخر، وهو وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها تنفيذاً).

ثانياً: العلاج بالرقى والتعاويذ النبوية

إذا لم يعرف العائن ولم يتمكن المعيون ولا غيره من تحديده وتعيينه، يعالج المعيون بالرقى والتعاويذ النبوية، فهي أنجع علاج وأفضل دواء لذلك.

لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاسترقاء من العين.

   فقد صـح عن عائشـة رضي الله عنها أنها قالت: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم ـ أوأمـر أن يسترقى من العين".

   وصح عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال: استرقوا لها فإن بها النظـرة".

   وعن أسماء بنت عميس قالت: "يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين، أفأسترقي لهم؟ قال: نعم".

ومن الرقى النافعة بجانب ما سبق ذكره في التحرز من العين ما يأتي:

1. "أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً".

2. رقية جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس أوعين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك".

3. "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت، وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم".

4. "تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء، واعتصمت بربي ورب كل شيء، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الرب من العباد، حسبي الخالق من المخلوق، حسبي الرازق من المرزوق، حسبي الله هو حسبي، حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، وليس وراء الله مرمى، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم".

وبالجملة، فيجوز الاسترقاء بما سوى ذلك إذا توفرت في الرقية هذه الشروط:

1.  إذا خلت من الشرك.

2.  إذا كانت باللسان العربي.

3.  إذا كانت بكلام معلوم مفهوم.

الاستشفاء والاسترقاء بالقرآن

القرآن فيه شفاء من كل الأدواء الحسية والمعنوية، فيجوز الاستشفاء والاسترقاء به.

للناس في الاستشفاء بالقرآن طرق عدة، منها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه، ومنها ما هو ممنوع.

فمن المتفق عليه بين أهل العلم

1.  قراءة شيء من القرآن ثم النفث في اليد أواليدين ومسـح العضو المصاب وغير المصاب بهما.

2.  قراءة شيء من القرآن ثم النفث في سائل كالزيت، والماء، واللبن، ونحوهما، وشربه والتمسح به.

ومن المختلف فيه

كتابة شيء من القرآن وتعليقه على بدن المريض أوالمصاب بعد نزول البـلاء، فمن أهـل العلم من أجـاز ذلك، منهم مـالك، ومنهم من منع منه لأنه لم يؤثـر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفـائه، وإن أثـر عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه كان يُعَلِّم من عقل من أبنائه: "أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة"، ومن لم يعقل منهم كتبها وعلقها عليه.

ومن الممنوع

1. كتابة شيء من القرآن في إناء ثم غسله وسقيه للمريض، حيث لم يصح في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحبه الكرام.

2. كتابة شيء من القرآن في ورقة "بخرة"، ثم حرق ذلك بالنار واستنشاق المريض لهذا الدخان، وهذه الطريقة أقبح من سابقتها ولا يحل استعمالها.

قال ابن القيم رحمه الله: (ورأى جماعة من السلف أن يكتب له ـ أي للمعيون ـ الآيات من القرآن، ثم يشربها، قال مجاهد: لا بأس إن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض؛ ومثله عن أبي قِلابة، ويذكر عن ابن عباس أنه أمر أن يكتب لامرأة يعسر عليها ولادها آيتان من القرآن، يغسل ويسقى، وقال أيوب ـ السختياني ـ: رأيت أبا قِلابة كتب كتاباً من القرآن، ثم غسله بماء وسقاه رجلاً كان به وجع).

قلت: قول الصحابي وعمله حجة إذا لم يخالفه غيره، أما إذا خالفه غيره من الصحابة فقوله ليس بحجة، وقد خالف ذلك ابن مسعود وغيرُه من الصحابة رضوان الله عليهم، وإجابة الدعاء والشفاء من المرض ليس دليلاً على صحة الرقية إذا لم يكن لها مستند في الشرع.

سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية عن كتابة شيء من القرآن في لوح أوإناء وغسله وشربه رجاء شفاء أوعلم أوكسب، فقالت: (أذن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية بالقرآن والأذكار والأدعية ما لم تكن شركاً أو كلاماً لا يفهم معناه، لما روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك قال: "كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا عليَّ رقاكم، لا بأسب الرقى ما لم يكن فيها شرك".

وقد أجمع العلماء على جواز الرقى إذا كانت على الوجه المذكور آنفاً مع اعتقاد أنها سبب لا تاثير له إلا بتقدير الله تعالى، أما تعليق شيء بالعنق أوربطه بأي عضو من أعضاء الشخص، فإن كان من غير القرآن فهو محرم، بل شرك، لما رواه أحمد في مسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صُفر، فقال: "ما هذا؟ قال: من الواهنة؛ فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو متَّ وهي عليك ما أفلحتَ أبداً"، وما رواه عن عقبة بن عامر عنه صلى الله عليه وسلم قال: "من تعلق بتميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له"، وفي رواية لأحمد أيضاً: "من تعلق تميمة فقد أشرك"، وما رواه أحمد وأبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرُّقى والتمائم والتولة شرك".

وإن كان ما علقه من آيات القرآن فالصحيح أنه ممنوع أيضاً لثلاثة أمور:

الأول: عموم أحاديث النهي عن تعليق التمائم، ولا مخصص لها.

الثاني: سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك.

الثالث: أن ما علق من ذلك يكون عرضة للامتهان بحمله معه في حال قضاء الحاجة، والاستنجاء، والجماع، ونحو ذلك.

وأما كتابة سورة أوآيات من القرآن في لوح، أوطبق، أوقرطاس، وغسله بماء، أوزعفران، أوغيرهما، وشرب تلك الغسلة رجاء البركة، أواستفادة علم، أوكسب مال، أوصحة، أوعافية، ونحو ذلك، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله لنفسه أوغيره، ولا أنه أذن فيه لأحد من أصحابه، أورخَّص فيه لأمته، مع وجود الدواعي التي تدعو إلى ذلك، ولم يثبت في أثر صحيح فيما علمنا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه فعل ذلك أورخص فيه، وعلى هذا فالأولى تركه، وأن يستغني عنه بما ثبت في الشريعة من الرقية بالقرآن وأسماء الله الحسنى، وما صح من الأذكار والأدعية النبوية ونحوها، مما يعرف معناه، ولا شائبة للشرك فيه، وليتقرب إلى الله بما شرع، رجاء التوبة، وأن يفرج الله كربته، ويكشف غمته، ويرزقه العلم النافع، ففي ذلك الكفاية، ومن استغنى بما شرع الله أغناه الله عما سواه، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم).

متى يجوز أخذ الأجرة على الرقية

يجوزأخذ الأجرة على الرقية، وإن كان احتسابها على الله أفضل وأنفع للراقي والمسترقي، إذا توفرت فيها هذه الشروط:

1.  أن تكون رقية شرعية، وهي التي تتوفر فيها الشروط الآنفة الذكر.

2.  أن يصح الانتفاع بها والشفاء بعدها.

3.  أن لا يبالغ في الأجرة ويستغل حاجة المرضى، فتشمله حرمة بيع المضطر، وليس في مبالغة أبي سعيد في الأجرة دليل لأحد في المبالغة، لأن أبا سعيد غضب من أهل ذلك الوادي لعدم إقرائهم لهم مع حاجتهم الماسة للإقراء، ولو أقرَوْهم لما أخذ منهم شاة واحدة دعك عن مائة شاة، فإنه أراد أن يعزرهم ويؤدبهم على سوء صنيعهم معهم.

وقد تعجبت كثيراً عندما علمت أن بعض الراقين يطلب في الجلسة الواحدة مائة ألف من الجنيهات، اقتداء بالجشعين من الأطباء الذين جعلوا هذه المهنة الإنسانية مصدراً للغنى السريع باستغلالهم لحاجة الناس إليهم، حيث لم ينصاعوا لقول نبيهم: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، ولم يتأسوا بقول وفعل أبقراط الكافر.

4.  أن لا يأخذ ذلك مقدماً.

قال ابن عبد البر رحمه الله: (وإذا كانت مباحة ـ أي الرقية ـ فجائز أخذ البدل عليها، وهذا إنما يكون إذا صح الانتفاع بها، فكل ما لا ينتفع به بيقين فأكل المال عليه باطل محرم).

حكم الذهاب إلى السحرة والكهان والمتشعوذين

لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يذهب إلى السحرة والكهنة والمشعوذين، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهم كل من له علاقة بالشياطين، والكواكب، والسحر، ويستعمل الرقى الشركية، ويمارس الحل والعقد، وإن صلى وصام، سواء كان منتسباً إلى الإسلام أوكافراً مشركاً، لقوله عز وجل: "وما يعلِّمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر" الآية.

فمن ذهب إلى أحد من هؤلاء فصدقهم فيما يقولون فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، لقوله فيما صحَّ عنه: "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم".

وإن ذهب ولم يصدقهم فيما يقولون لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، بخبر الصادق المصدوق: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً"، توفيقاً وجمعاً بين الحديثين.

حكم العلاج بالنُّشْرَة المحرمة

تعريف النشرة

قال أبو السعادات: النُّـشرة ضرب من العلاج والرقية يعالج به من كان يظن أن به مساً من الجن، سميت نُشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء، أي يكشف ويزال.

وقال ابن الجوزي: النُّشْرَة حل السحرعن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر.

نوعا النشرة

1.  نشرة بالرقى والتعاويذ والدعوات المباحة، فهذه جائزة ومشروعة.

2. نشرة محرمة، وهي حل السحر بمثله، أوالعلاج بالسحر، والاستعانة بالشياطين، واستعمال الرقى الشركية.

بعد أن أجمع أهل العلم على جواز النُّشْرَة الشرعية اختلفوا في حكم ذهاب المضطر المسحور والمعيون ونحوهما، الذين لم يجدوا من يعالجهم مما بهم من أدواء على قولين، فمنهم من أجاز الذهاب، منهم سعيد بن المسيب، ويُحمل كلامه على ما لا يعلم أنه سحر، ومنهم من منع، منهم الحسن البصري.

قال ابن القيم رحمه الله: (النُّشْرَة حل السحر من المسحور، وهي نوعان: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور، والثاني النُّشْرَة بالرقية، والتعوذات، وأدوية مباحة، فهذا جائز.

ومما جاء في صفة النُّشْرَة الجائزة ما روى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تعالى، تقرأ في إناء فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور، الآية التي في سورة يونس: "ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين" إلى قوله: "ولو كره المجرمون"، وقوله: "فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون" إلى آخر الآيات الأربع، وقوله: "إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى".

وقال ابن بطال: في كتاب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء، ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل، ثم يحسو منه ثلاث حسوات، ثم يغتسل به، يذهب عنه كل ما به، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله.

وقال: ومن الرقى التي ترد العين، ما ذكر عن أبي عبد الله التَّنَّاحي أنه كان في بعض أسفاره للحج أوالغزو على ناقة فارهة، وكان في الرفقة رجل عائن، قلما نظر إلى شيء إلا أتلفه، فقيل لأبي عبد الله: احفظ ناقتك من العائن؛ فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل؛ فأخبر العائن بقوله، فتحين غيبة أبي عبد الله، فجاء إلى رحله، فنظر إلى الناقة، فاضطربت وسقطت، فجاء أبو عبد الله، فأخبر أن العائن قد عانها، وهي كما ترى، فقال: دلوني عليه؛ فدُلَّّ، فوقف عليه، وقال: بسم الله، حبس حابس، وحجر يابس، وشهاب قابس، رددت عين العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه، "فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير"؛ فخرجت حدقتا العائن، وقامت الناقة لا بأس بها).

روى ابن عبد البر بسنده إلى الأسود قال: سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النُّشْرَة، فقالت: ما تصنعون بالنشرة والفرات إلى جانبكم، ينغمس فيه أحدكم سبع انغماسات إلى جانب الجرية؟!

وروي عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن الرجل يأبق له العبد أيؤخذه؟ فقال سعيد: قد وخذنا فما رد علينا شيء، أورد علينا شيئاً.

وروي عن ابن جريج قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن النُّشْرَة، فكره نشرة الأطباء، وأما شيء تصنعه أنت فلا بأس.

وعن سعيد بن المسيب في الرجل يؤخذ عن امرأته فيلتمس من يداويه، قال: إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع.

وقال أحمد: رخص فيه بعض الناس وما أدري ما هذا؟!

نماذج لبعض العائنين والمعيونين

العين ليست قاصرة على الحاسدين، فقد يعين الرجل الصالح إذا أعجبه شيء ولم يبرِّك من حيث لا يشعر، قد يعين نفسه، أوولده، أوماله، أوغيرهم.

قال ابن القيم: (وقد يعين الرجل نفسه، وقد يعين بغير إرادته).

وقـال القرطبي: (إن الرجل الصـالح قد يكون عائنـاً، وأن هذا ليس من بـاب الصـلاح ولا من بـاب الفسـق في شيء).

ولكن أغلب ضرر العائنين يأتي من الحاسدين الحاقدين، وإليك هذه النماذج من الصالحين وغيرهم:

1. عامر بن ربيعة عان سهل بن حُنَيف حتى سقط إلى الأرض رضي الله عنهما، وقد مر.

2. سعد بن أبي وقاص عانته امرأة عندما خرج يوماً وهو أمير الكوفة، فنظرت إليه امرأة فقالت: إن أميركم هذا لأهضم الكشحين، فرجع إلى منزله فوعك، ثم إنه بلغه ما قالت، فأرسل إليها، فغسلت له أطرافها ثم اغتسل به، فذهب ذلك عنه.

والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، وهو من لدن السرة إلى المتن، وهو موقع السيف من المتقلد، وأهضم الكشحين أي دقيق الخصرين.

3. من العائنين المشهورين هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي، فقد عان سالم بن عبد الله بن عمر، حكى المدائني عن الأصمعي قال: حج هشام بن عبد الملك فأتى المدينة، فدخل عليه سالم بن عبد الله بن عمر، فلما خرج من عنده قال هشام: ما رايت ابن سبعين أحسن كدنة منه! فلما صار سالم في منزله حُمَّ، فقال: أترون أن الأحول لقعني بعينه؟ فما خرج هشام من المدينة حتى صلى عليه.

4. وذكر القاضي حسين من الشافعية أن نبياً من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام استكثر قومه ذات يوم فأمات الله تعالى منهم مائة ألف في ليلة واحدة، فلما أصبح شكا إلى الله ذلك، فقال الله تعالى له: إنك لما استكثرتهم عنتهم فهلا حصنتهم؟

5. وقال الدميري في حياة الحيوان75 له: رأيت بخط بعض العلماء المتقدمين من المبرزين أنه كان بخرسان رجل عائن، فجلس يوماً إلى جماعة فمر بهم قطار جِمَال، فقال العائن من أي جمل تريدون أن أطعمكم من لحمه؟ فأشاروا إلى جمل من أحسنها، فنظر إليه العائن فوقع الجمل لساعته.

6. وروى ابن عبد البر بسنده إلى سحيم بن نوفل قال: كنا عند عبد الله نعرض المصاحف فجاءت جارية أعرابية إلى رجل منا فقالت: إن فلاناً قد لقع مهرك بعينه فهو يدور في فلك، لا يأكل، ولا يشرب، ولا يبول، ولا يروث، فالتمس له راقياً؛ فقال عبد الله: لا تلتمس له راقياً، ولكن ائته فانفخ في منخره الأيمن أربعاً، وفي الأيسر ثلاثاً، وقل: لا بأس، أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا يكشف الضر إلا أنت؛ فقام الرجل فانطلق، فما برحنا حتى رجع، فقال لعبد الله: الذي أمرتني به، فما برحت حتى أكل، وشرب، وبال، وراث.

7.  وقال ابن عبد البر: روينا عن الأصمعي أنه قال: رأيت رجلاً عيوناً سمع بقرة تحلب فأعجبه صوت شخبها، فقال: أيتهن هذه؟ قالوا: الفلانية؛ لبقرة أخرى يورُّون عنها، فهلكتا جميعاً، المورَّى بها والمورَّى عنها.

وقال الأصمعي: وسمعته يقول: إذا رأيتُ الشيء يعجبني وجدتُ حرارة تخرج من عيني.

8.  وقال الأصمعي: وكان عندنا رجلان يعينان الناس، فمر أحدهما بحوض من حجارة، فقال: تالله ما رأيت كاليوم قط؛ فطار الحوض فرقتين، فأخذه أهله، فصبوه بالحديد، فمر عليه ثانية، فقال: وأبيك لعل ما أضررت أهلك فيك؛ فتطاير أربع فرق.

9.  قال: وأما الآخر فسمع صوت بول من وراء حائط، فقال: إنه لبن الشخب؛ فقالوا: إنه فلان، ابنك! فقال: وانقطاع ظهراه؛ قالوا: إنه لا بأس عليه؛ قال: لا يبول بعدها أبداً؛ فما بال حتى مات.

الحجر على من عرف بالإصابة بالعين من مداخلة الناس

ذهب أهل العلم في ذلك مذهبين:

1.  يحجر عليه ويمنع من مداخلة الناس ويمنع من شهود الجمع والجماعات، وينفق عليه من بيت المال إن كان فقيراً.

2.  لا يحجر عليه.

قال القرطبي: (من عرف بالإصابة بالعين منع من مداخلة الناس دفعاً لضرره، وقد قال بعض العلماء: يأمره الإمام بلزوم بيته، وإن كان فقيراً رزقه ما يقوم به، ويكف أذاه عن الناس، وقيل إنه ينفى، وحديث مالك الذي ذكرناه يرد هذه الأقوال، فإنه عليه السلام لم يأمر في عامر بحبس ولا بنفي، بل قد يكون الرجل الصالح عائناً، ولا يقدح فيه ولا يفسق به، ومن قال يحبس ويؤمر بلزوم بيته فذلك احتياط ودفع ضرر، والله أعلم).

وقال ابن مفلح: (وللإمام حبس العائن، ذكره في "الترغيب"، وفي "الرعاية": من عرف بأذى الناس حتى بعينه ولم يكف حُبس حتى يموت؛ فظاهره يجب أويستحب لما فيه من المصلحة وكف الأذى، ونفقته من بيت المال، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحبسه، وفي "الأحكام السلطانية": للوالي فعله ليدفع ضرره لا للقاضي.

قال القاضي عياض: ينبغي للإمام منعه من مداخلة الناس، ويأمره بلزوم بيته، ويرزقه إن كان فقيراً، فضرره أشد من ضرر آكل الثوم والبصل الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم دخول المسجد، ومن ضرر المجذوم الذي منعه عمر والعلماء بعدم الاختلاط بالناس، ومن ضرر المؤذيات من المواشي التي يؤمر بتغريبها، بحيث لا يتأذى بها أحد، قال أبو زكريا النووي: هذا صحيح متعين لا يعرف من غيره تصريح بخلافه).

من ثبت أنه قتل بعينه هل يقتاد منه ويقتص أم لا ؟

الراجح أنه لا قَوَد عليه ولا دية ولا كفارة، والله أعلم.

قال الدميري الشافعي: (العائن إذا اعترف أنه قتل غيره بالعين فلا قوَد عليه، ولا دية، ولا كفارة، وإن كانت العين حقاً، لأنه لا يفضي إلى القتل غالباً، ويندب للعائن أن يدعو له بالبركة).

 

المراجع

o الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح المقدسي المتوفى 763ﻫ، تحقيق شعيب الأرناؤوط وعمر القيام، الطبعة الثانية 1417ﻫ .

o  التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد مرتباً على الأبواب الفقهية للموطأ لحافظ المغرب أبي عمر يوسف بن عبد البر (368-463ﻫ)، طبع 1422ﻫ .

o     الجامع لأحكم القرآن لأبي عبد الله محمد الأنصاري القرطبي.

o     حياة الحيوان الكبرى للدميري المتوفى 808ﻫ، الطبعة الأولى 1415ﻫ .

o  الطب النبـوي لشمس الدين محمـد بن أبي بكر بن قيم الجـوزية 691-751ﻫ، راجعه عبد الغني عبد الخالق، طبع 1410ﻫ ، دار الكتب العلمية.

o     فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش، الطبعة الثالثة 1419ﻫ .

o     فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ أحمد بن علي بن حَجَر، نشر وتوزيع هيئة الإفتاء.

o  قرة عيون الموحـدين في تحقيق دعـوة الأنبيـاء والمرسلين للعلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (1193-1285ﻫ)، الناشر أنصار السنة المحمدية، لاهور، باكستان

0000000000000000000

كل من سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار، أوبالقرآن، أوبالإسلام، فقد قامت عليه الحجة

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله وكيلاً، فهدى به من الضلالة، وأنقذ به من الجهالة، وبصَّر به من العماية، ونجى به من الغواية، ونصح به الأمة، وكشف به الغمة، وأوضح به المحجة، وأقام به الحجة، حيث جعل كتابه آخر الكتب، وشريعته ناسخة للشرائع، وأمته شاهدة على الأمم، فصلوات ربي وسلامه وبركاته عليه وعلى آل بيته الطاهرين الطيبين، وعلى صحابته الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان واقتدى بهم من الإنس والجان.

وبعد...

اعلم أخي الحبيب أن سائر المكلفين من الإنس والجن من أمة محمد البشير النذير، مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمنون أمة الاستجابة، والكافرون أمة الدعوة؛ وأن الله لا يقبل من أحد منهم بعد بعثته ديناً سوى الإسلام، ولا دستوراً ومنهجاً سوى القرآن، وأنه ما من أحد سمع به إلا ووجب عليه اتباعه والإيمان به، وإلا أكبه الله في النار وجعل مثواه دار البوار، لا يستثنى من ذلك يهودي، ولا نصراني، ولا عربي، ولا عجمي، ولا هندوسي، ولا بوذي، ولا شيوعي، ولا علماني، ولا غير ذلك، كما أخبر بذلك الناصح الأمين الرؤوف الرحيم.

خرَّج الإمام مسلم بسنده في صحيحه عن حافظ الأمة أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"؛ وليس هذا خاصاً بعصره فقط، بل هو عام لكل العصور، ولا باليهود والنصارى دون غيرهم من الملل، بل هو عام لكل الملل والنحل إلى يوم الوقف والنشور.

قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: (فيه نسخ الملل كلها برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي مفهومه دلالة على أن من لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور، وهذا جارٍ على ما تقدم في الأصول أنه لا حكم قبل ورود الشرع على الصحيح والله أعلم ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يسمع بي أحد من هذه الأمة "، أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة، فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته؛ وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهاً على ما سواهما، وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى، والله أعلم).

قال الإمام الحجة واضح المحجة أبو محمد بن حزم رحمه الله مستدلاً بهذا الحديث الصحيح الصريح في كفر المعرضين عن الدين الصحيح المتكبرين عن قبوله: (فإنما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم  الإيمان به على من سمع بأمره، فكل من كان في أقاصي الجنوب، والشمال، والمشرق، وجزائر البحور، والمغرب، وأغفال الأرض من أهل الشرك، فسمع بذكره صلى الله عليه وسلم،  ففرض عليه البحث عن حاله وإعلامه والإيمان به.

إلى أن قال: وأما ما بلغه ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، ثم لا يجد في بلاده من يخبره عنه ففرض عليه الخروج عنها إلى بلاد يستبرئ فيها الحقائق، ولولا إخباره صلى الله عليه وسلم أنه لا نبي بعده، للزمنا ذلك في كل من نسمع عنه أنه ادعى النبوة، ولكنا قد أمنـا ذلك والحمـد لله).

والذي يترجح لدي أن عامة الكفار اليوم سمعوا بالإسلام، أو برسول الإسلام، أو بالقرآن، في معظم أنحاء المعمورة، اللهم إلا في الأصقاع النائية، والقمم الشاهقة، والمناطق القطبية، وبعض الأحراش والأدغال المعزولة؛ سيما في المدن الكبيرة والحواضر الجامعة، وذلك للأسباب الآتية:

¨  عالم اليوم أصبح كالقرية الواحدة بسبب كثرة وسائل الاتصال، وتنوعها، وسهولتها، ويسرها مقارنة بالأزمنة السابقة، سيما في ديار الكفار.

¨  هجـرة العديد من المسلمين إلى كل بلاد الكفار، البعيدة والقريبة، القاصية والدانية، وسكناهم ومخالطتهم ومعاشرتهم للكفـار.

¨  انتشار العديد من المساجد، والمراكز، والجمعيات، والاتحادات، والمدارس، والجامعات الإسلامية في معظم أنحاء ديار  الكفار.

¨  دراسة التاريخ، خاصة لفترة الحروب الصليبية على بلاد الإسلام، التي يفخر بها الكفار ويعملون على نشرها.

¨ العديد من الكتب والمذكرات التي كتبت عن بلاد الإسلام والمسلمين، بواسطة المنصِّرين، والجواسيس، والمكتشفين.

¨ كتب أئمة الكفر والمتحللين من الأخلاق، نحو كتاب آيات شيطانية الذي ترجم إلى كل اللغات وطبع عشرات المرات لعدو الله وعدو نفسه سلمان رشدي، ومن شاكله، أمثال نزار قباني، وفرج فودة، وأنيس منصور، ومحمود محمد طه، وغيرهم كثير؛ التي يحتفل بها الكفار ويعملون على نشرها وتوزيعها على أوسع نطاق .

¨ الحروب الدائرة في الشرق الأوسط وبلاد الإسلام: حرب الخليج، والحرب الصليبية التي تدور هذه الأيام في فلسطين، وأفغانستان، والصومال، وكشمير، وغيرها كثير.

¨ الدورات الأولمبية والرياضية المشتركة.

¨  هيئة الأمم المتحدة والمنظمات العديدة المنبثقة منها، ومشاركة كل الدول العربية والإسلامية فيها.

¨ الحملات التبشيرية الضخمة تحت عدة مسميات، المستهدفة لبلاد الإسلام الفقيرة كأندونيسيا وغيرها.

¨ الفنانين، والمصارعين، والممثلين، أمثال مايكل جاكسون أشهر الفنانين الذي له أغنية يشتم فيها الإسلام، واستكبر أن يكون له معجبين من المسلمين، وحق له ذلك "من يهن يسهل الهوان عليه".

¨ البعثات الطلابية العديدة منذ عهد محمد علي.

¨ الاستعمار الأوربي والياباني لكل الدول الإسلامية سوى الجزيرة العربية وأفغانستان ، التي جلب لها أصحاب الشمال الأفغاني الاستعمار الأمريكي الآن، حتى لا تحرم من هذا النعيم كما حرمت في الماضي!

¨ العديد من المخطوطات التي سرقت من المكتبات الإسلامية وحازتها مكتبات أوربا، والعديد من الكتب الإسلامية ترجمت واستفيد منها.

هذه مجرد أمثلة وإلا فالأسباب التي تجعل الكفار في جل بلاد الدنيا يسمعون بالإسلام وبرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم لا تحصى.

ثم كيف لا يكون البحث عن الإسلام ومعرفته واجبة لمن سمع به ولو بصورة مشوهة من الكفار مع وجود الإمكانات الواسعة لديهم والأموال الطائلة عندهم، مع اشتغالهم بسفاسف الأمور، وبمغامرات تافهة، وبحوث رخيصة، حيث لم يكتفوا بهذا الكوكب بل تعدوه إلى كواكب أخرى القمر والمشتري ونحوهما، ومع بذلهم جل ميزانياتهم لصنع أسلحة الدمار الشامل وتطويرها مع تحريم ذلك على كل بلاد الإسلام، وصرف الأموال كذلك على القطط، والكلاب، والحشرات، والطيور، والحيوانات البرية والبحرية المهددة بالانقراض.

هذا مع سعي كثير من الكفار في الماضي والحاضر لمعرفة الإسلام والدخول فيه، مع قلة إمكانياتهم، وصعوبة تحركاتهم، وتحملهم للمشاق القاسية في سبيل ذلك، وإليك بعض الأمثلة:

¨  سعي سلمان الفارسي وتطوافه البلاد حتى دُل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهاجر إليه.

¨ سعي أبي ذر رضي الله عنه ومجيئه إلى مكة للتثبت من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد أن أرسل أخاه الذي لم يشف غليله، وقد جلس مع ذلك ثلاثين يوماً وليلة لا يطعم إلا ماء زمزم إلى أن استضافه علي الذي أوصله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم على يديه، وأمره أن يرجع إلى بلاده، ولكنه أصر أن يصرخ بكلمة التوحيد بين ظهراني الكفار، وقد كادوا أن يقتلوه لولا أن حماه العباس رضي الله عنه.

¨ الطفيل بن عمرو الدوسي، وقد حذره أهل مكة من السماع من الرسول صلى الله عليه وسلم  حتى وضع في أذنيه الكرسف لكيلا يسمع منه، ولكنه على الرغم من ذلك أصر على السماع والتعرف على رسول الهدى، فأسلم.

¨  وفد نصار نجران ونصارى الحبشة، هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وتثبتوا من صدقه فآمنوا به.

¨ تميم الداري وقد كان نصرانياً فأسلم.

¨ وفود القبائل العربية العديدة من العام الخامس الهجري إلى العام السابع الذي عرف بعام الوفود .

¨  ومن قبل سعي الغلام ـ ثامر ـ واجتهاده لمعرفة الحق، وتردده بين الساحر والراهب، وتحمله المشاق، وأخيراً جـاد بنفسه ليدخل الناس في دين الله أفواجاً، كما في قصة أصحاب الأخدود.

¨  سعي وبحث واجتهاد معظم الذين أسلموا في بلاد الكفار، ولولا أن الله يسر لهم هذا البحث والاجتهاد لمعرفة الإسلام والاتصال بالمسلمين لما دخلوا في الدين الإسلامي.

و الأمثلة على ذلك كثيرة، وفيما ذكرنا عوض عما أغفلنا.

هذا مع العلم أن الكفار أنواع حسب السبب المانع للإنسان من دخول الإسلام، فهناك:

1.     كفر تكذيب كما قال تعالى: "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون".

2.     كفر إباء واستكبار: "وقالوا لولا نُزِّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم"، "أنؤمن ببشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون".

3.     كفر إعراض: "والذين كفروا عما أنذروا معرضون".

والسببان الثاني والثالث هما المانعان كثيراً من الكفار اليوم من السعي والبحث لمعرفة الإسلام، فهم معرضون عن الأسباب المعينة على ذلك، ومستكبرون ومستنكفون عن الدخول في الإسلام، على الرغم من سماع الكثير منهم به وبرسوله، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي صلى الله عليه وسلم  عندما استجار بأهل الطائف فلم يجيروه: "إن كنت صادقاً فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذباً فأنت أحقر من أن أكلمك".

4.     وهناك كفر الشك، حيث لا يصدق ولا يكذب.

أبعد كل هذا يمكن أن نقول إن معظم الكفار اليوم لم تقم لديهم الحجـة؟!! مستدلين بقوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً"؟ كيف والرسول قد بُعث، وسُمع به، ولكن لم يسعوا ولم يجتهدوا في التعرف على دينه والبحث والتفتيش عما يعينهم على الدخول فيه، سيما وأن هناك العديد من  المسلمين في الماضي والحاضر سعوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى أتباعه وأتباع أتباعه، فكتبت لهم الهداية، ولو انصرفوا عن ذلك لصرفت قلوبهم عن الإسـلام.

علماً أن هذا كله لا يعفي المسلمين عن مسؤوليتهم تجاه هذا الدين، وتبليغه لكل البشرية، ومجاهدة من يحول دون ذلك، والمصابرة على ذلك، ولكن ينبغي ألا نلتمس للكفار العذر، كما لا نلتمس للمسلمين كذلك المعاذير.

والله أسأل أن يرينا وجميع إخواننا المسلمين الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على المبعـوث رحمــة للعالمين محمـد بن عبد الله صادق الوعد الأمين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

00000000000000

الخلاف الذي يوجب العداء وما لا يوجبه عند أهل السنة

الخلاف مذموم

أقسام الاختلاف وأنواعه

الخلاف والبدعة اللذان يوجبان العداء والهجر

الهجر وأنواعه

أول من ابتدع هذا الخلاف

نماذج وأمثلة لهجر وقطيعة أئمة أهل السنة لأهل الأهواء والبدع الفاحشة

المبتدع لا تقبل له توبة حتى يتوب عما كان يقول أو يفعل إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا:

نماذج وأمثلة لتعامل أهل السنة مع من خالفهم في أمر يسوغ فيه الاجتهاد

نماذج لتعصب أهل المذاهب

 

الخلاف معروف وهو ضد الاتفاق، وهو أن يذهب أحدهما إلى ما يخالف الآخر، ولا فرق بين الاختلاف والخلاف ، لا في اللغة ولا في الاصطلاح.

ã

الخلاف مذموم

قال تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا".

وقال: "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون".

وقال: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم".

وقال: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".

وقال صلى الله عليه وسلم :" إياكم وذات البين فإنها الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين".

ã

الاختلاف كائن في هذه الأمة كما كان فيما قبلها

قال تعالى: "ولا يزالون مختلفين إلا ما شاء ربك ولذلك خلقهم".

ã

عند الاختلاف علينا الرد إلى الله والرسول

"فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله  والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر"، "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم".

ã

أقسام الاختلاف وأنواعه

أولاً : اختلاف تضاد

وهو المذموم وهو المحذر منه، وأنواعه:

أ. اختلاف في القرآن ـ كقولهم القرآن مخلوق.

ب. اختلاف بسبب نفي أو تأويل بعض آي القرآن.

والتأويل:

§ محمود وصاحبه مأجور، وهو بمعنى التفسير والبيان.

§ مذموم وصاحبه آثم: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ".

وقد قسمه بعض العلماء إلى ثلاثة أنواع:

§ تأويل صادر عن اجتهاد وحسن نية، وإذا تبين لصاحبه الحق رجع.

§ تأويل صادر عن هوى وتعصب، وله وجه في اللغة، فصاحبه فاسق أومخطئ.

§ تأويل صادر عن هوى وتعصب، وليس له وجه في اللغة، وصاحبه كافر.

ويدخل في النوع الثاني تأويل بعض السلف لصفات الله، كابن حجر، والنووي، وابن العربي.

ج. اختلاف بسبب رد السنن بالأهواء، سيما أحاديث الآحاد، وأول من ابتدع ذلك الخوارج، حيث اعترض شقيهم على قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعتزلة، والعلمانيين.

د. اختلاف بسبب العمل بالأحاديث الموضوعة، والهواتف، والذوق، والمحدثات.

ثانياً : اختلاف التنوع

نحو صيغ الأذان والإقامة، وأوجه الإحرام، أن تكون كل الأقوال مشروعة وإن كان بعضها أرجح من بعض.

أن يختلف القولان لفظاً ويتحدا معنى، نحو الحدود والتعريفات.

ثالثاً : اختلاف اجتهاد

1.  اختلاف بسبب تعدد الأدلة، مثال:

§ رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه.

§ تعذيب الميت ببكاء أهله عليه.

§ تكفير تارك الصلاة.

§ الترويح في الصلاة.

§ قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة الجهرية.

2.   اختلاف بسبب تأويل وفهم نص ـ لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة.

3.   اختلاف بسبب ترجيح السنة العملية على القولية ـ مالك عمل أهل المدينة.

4.   اختلاف بسبب عدم بلوغ الخبر.

5.   اختلاف بسبب بلوغه بطريق ضعيف.

6.   اختلاف بسبب وجود دليل أقوى.

7.   اختلاف بسبب اعتقاد أن هذا الخبر منسوخ.

8.   اختلاف بسبب نفي القياس ـ الظاهرية.

9.   اختلاف بسبب شبهة عرضت لبعض أهل السنة، وهي أن الحاكم لا يكفر إلا إذا اعتقد ذلك بقلبه إذا حكم بغير شرع الله.

رابعاً : اختلاف بسبب التقليد والتعصب للأئمة والفرق والجماعات ومشايخ الطرق .

خامساً : اختلاف بسبب الحسد والبغضاء والتنافس والمعاصرة ، مثل ما حدث لابن تيمية .

سادساً : اختلاف في أولويات العمل الدعوي ووسائله .

الخلاف والبدعة اللذان يوجبان العداء والهجر

أولاً: اختلاف التضاد بأنواعه الأربعة.

ثانياً: البدعة الفاحشة الكفرية ـ البدع درجات: كفرية، محرمة، ومكروهة.

ã

أنواع البدعة

البدعة الكفرية.

البدعة الشرعية: فعلية، تركية.

البدعة الإضافية ـ الذكر الجماعي.

البدع المكفرة: بدعة القدرية ـ نفاة القدر ـ نفاة علم الله خاصة، بدعة الخوارج.

ã

الفرق التي نتجت عن ذلك

الخوارج، القدرية، الجهمية، الرافضية، المرجئة، المعتزلة.

ã

الهجر وأنواعه

أولاً : الهجر الجائز

1. هجر لحق الصحبة والعشرة ـ لا يزيد على ثلاثة أيام.

2. هجر تأديب للزوجة، والأبناء، والأقارب: "واهجروهن"، كهجره صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش ثلاثة أشهر لا يزيد على أربعة أشهر، وهجر عبد الله بن عمر لولده بلال، وهجر ابن مسعود لمن رآه يضحك وهو مشيع جنازة، وهجر عبد الله بن المغفل.

وفي كل ذلك تراعى المصلحة وقاعدة أخف الضررين.

3. هجر أهل البدع الكفرية والأهواء الداعين لها والمجاهرين بها غير مستوري الحال، قال أحمد: (إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك ، ولكن انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة).

ثانياً : الهجر المحرم المذموم

1. الهجر في حق الصحبة والعشرة أكثر من ثلاثة أيام ـ البعض يفتخر أنه لم يسلم على أخيه منذ أكثر من سنوات، "لا يحل لأحد أن يهجر أخاه.." الحديث .

2. هجر من يخالف في مسائل الفروع والاجتهاد السائغ، أوفي أمور اختلف فيها السلف : ككفر تارك الصلاة.

ã

أول من ابتدع هذا الخلاف

الخوارج، الرافضة.

قال شيخ الإسلام:( وأما اختلاف الأحكام فأكثر من أن ينضبط، ولو كان كل ما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة، ولقد كان أبو بكر وعمر سيدا المسلمين يتنازعان في أشياء لا يقصدان إلا الخير).

ã

نماذج وأمثلة لهجر وقطيعة أئمة أهل السنة لأهل الأهواء والبدع الفاحشة

1.  هجر رسول الله لكعب ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية ـ لمخالفتهم أمر الرسول ومخالفة أمر الرسول كفر ونفاق ـ للتثبت من نفاقهم أو عدمه.

ملحوظة : يستدل البعض بهذه القصة لمقاطعة من خرج من جماعة إلى جماعة ، وهذا باطل ، قول ابن عمر :" ما تقول في فتية شببة ظراف نظاف .." .

2.   هجره صلى الله عليه وسلم لزينب ثلاثة أشهر .

3.   هجره صلى الله عليه وسلم لعائشة عندما رميت بالإفك للتثبت من ذلك.

4.   هجر عمر لصبيع بن عِسْل التميمي لسؤاله عن المتشابهات: "الذاريات ذرواً" ونحو ذلك.

5.   زجر وحبس عمر للخطيئة لهجائه الزِّبرقان بقوله:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها           واقعد فإنك انت الطاعم الكاسي

قال حسان: لم يهجه ولكن سَلَح عليه ـ سلح الطائر تغوط.

6.   عمر وحذيفة ما كانا يصليان على المنافقين نفاق الاعتقاد.

7.   حرق عمر وعلي لبيوت تصنع وتباع فيها الخمر ـ بيت رويشد ـ ومن قبلُ حرق الرسول صلى الله عليه وسلم لمسجد الضرار.

8.   هجر ابن عمر لصديق له بالشام.

9.  عمر بن عبد العزيز يتهدد غيلان القدري، وقتله هشام.

10. تضليل وطرد مالك لأحد تلاميذ عمرو بن عبيد المعتزلي.

11. الشافعي يلعن ويكفر حفص الفرد، وكان يلقبه بحفص المنفرد.

مرض الشافعي بمصر مرضة ثقل فيها، فدخل عليه قوم منهم حفص، فكل منهم يقول له: من أنا؟ حتى قال له حفص: من أنا يا أبا عبد الله؟ فقال: أنت حفص الفرد لا حفظك الله ولا رعاك حتى تتوب مما أنت فيه.

12. هجر يونس بن عبيد لولده وقد رآه خارجاً من عند عمر بن عبيد: "لئن أراك خرجت من بيت هيتي أحب إلي من أن أراك خرجت من بيت فلان".

13. هجر أحمد للكرابيسي ويحيى بن معين وعلي، لعدم تصريحهم في فتنة خلق القرآن.

14. وقال له رجل هنا رجل يفضل عمر بن عبد العزيز على معاوية: فقال أحمد: لا تجالسه، ولا تواكله، ولا تشاربه، وإذا مرض فلا تعده.

ã

المبتدع لا تقبل له توبة حتى يتوب عما كان يقول أو يفعل "إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا":

وممن تاب وأعلن توبته:

§   أبو الحسن الأشعري.

§   ابن عقيل الحنبلي، استتيب لمجالسته بعض المعتزلة.

§   عون بن عبد الله بن عقبة بن مسعود، كان يقول بالإرجاء.

§   عبيد الله بن الحسن العنبري، قال: كل مجتهد في الأديان مصيب.

§   يزيد بن صهيب الطويل، كان يرى رأي الخوارج.

ã

نماذج وأمثلة لتعامل أهل السنة مع من خالفهم في أمر يسوغ فيه الاجتهاد

* علي بن أبي طالب:

   قوله فيمن تأخر عن بيعته: (أولئك قوم قعدوا عن الحق ولم يقوموا مع الباطل).

   ثناؤه على الذين اعتزلوا الفتنة: (لله در مقام قامه سعد بن مالك وعبد الله بن عمر ، إن كان براً إن أجره لعظيم، وإن كان إثماً إن خطأه ليسير).

   إنصافه لعثمان: (اتقوا الله أيها الناس وإياكم في الغلو في عثمان، وقولكم حراق المصاحف، فوالله ما حرقها إلا على ملأ منا أصحاب محمد)، وكان قد خالفه بالتمتع بالعمرة في الحج وعندما أتم عثمان بمنى قصر علي؛ وقال علي: لبيك بعمرة؛ وقال: ليعلم الناس أنها سنة.

   إكرام علي لعائشة وردها في نسوة معززة مكرمة.

   حزنه على قتل طلحة والزبير: (بشر قاتل ابن صفية بالنار)، وقال عندما رأى طلحة مقتولاً: (عزيز عليّ يا أبا محمد أن أراك مجندلاً في الأودية وتحت نجوم السماء إلى الله أشكو عُجري وبُجري ـ أي سرائري وأحزاني).

   وقال : ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة .

* ما قاله عمار لمن سمعه يسب عائشة: (اسكت مقبوحاً منبوحاً، والله إنها لزوجة رسولكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعوه أم لا  ـ عائشة خرجت للصلح ولم تخرج لقتال ولا لنيل رئاسة.

* ثناء عمر على أبي بكر: ليتني كنت شعرة، ليتني كنت يوماً من أيام أبي بكر.

* تبادل الثناء بين عمر وابن مسعود، وقد اختلفا في مائة مسألة ؛ قال ابن مسعود: "عمر كان للإسلام حصناً"، وقال عمر عنه: "كنيف ملئ فقهاً".

* تبادل الثناء بين زيد وابن عباس وقد خالف ابن عباس زيداً في الفرائض وفي مسائل عدة، في ميراث الجد، وقال: (ألا يتقي الله زيد! يجعل ابن الابن يحل محل الابن ولا يجعل الجد يحل محل الأب؟)، وفي العَوَل حتى قال ابن عباس: (لوددت أني وهؤلاء الذين يخالفونني في الفريضة نجتمع فنضع أيدينا على الركن ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)، مع كل ذلك مسك ابن عباس بركاب دابة زيد فقال له: خل عنك يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل علمائنا. وعندما مات زيد قال ابن عباس: هكذا ذهاب العلم، لقد دفن اليوم علم كبير.

* ما قاله معاوية لملك الروم عندما طمع في بلاد الشام: (والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت).

* طلب معاوية من ضرار أن يصف علياً، وعندما أثنى عليه ضرار قال معاوية: (رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك)، وبكى حتى اخضلت لحيته.

* مروان يثني على علي: (ما رأيت أحداً أكرم من عليّ ما إن ولينا يوم الجمل إلا نادى مناديه: لا تجهز على جريح).

* تبادل الشافعي وأحمد الثناء والمدح وقد تناظرا واختلفا في مسألة عقدية هي تكفير تارك الصلاة كسلاً ، قال الشافعي: (ما رأيت أعقل من أحمد)، وقال أحمد: (الشافعي إمام في عشرة أشياء ذكر منها: الفقر والزهد).

وقال أحمد: (الشافعي حبيب قلبي)، وكان يدعو له مع أبويه، وقال له ابنه صالح: أي رجل كان الشافعي، فإني أسمعك تكثر الدعاء له؟ فقال: (يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو عوض؟).

وقال أحمد: (إذا سئلت في مسألة لا أعرف فيها خبراً قلت فيها بقول الشافعي، لأنه إمام عالم من قريش)، وقال صالح: (لقيني يحيى بن معين فقال: أما يستحي أبوك بما يفعل؟ قلت: وما يفعل؟ قال: رأيه مع الشافعي راكباً وهو راجل آخذ بزمام دابته، فقلت لأبي ذلك. فقال: إن لقيته فقل يقول لك أبي: إذا أردت أن تتفقه فتعال فخذ بركابه من الجانب الآخر).

وقال الشافعي لأحمد: (أما أنتم فأعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث صحيحاً فأعلموني، إن يكن كوفياً أو بصرياً أوشامياً أذهب إليه إذا كان صحيحاً).

* ثناء شعبة على أبي حنيفة، قال شعبة عند موت أبي حنيفة: (لقد ذهب معه فقه الكوفة، تفضل الله عليه وعلينا برحمته).

* وقال مالك عن أبي حنيفة: (لو جاء إلى أساطينكم هذه فقايسكم على أنها خشب لظننتم أنها خشب).

* وقال الشافعي: (الناس كلهم عيال على أبي حنيفة في الفقه).

* سفيان بن عيينة لم يرض أن يقارن بمالك، ومثل:

وابن اللبون إذا ما لز في قرن            لم يستطع صولة البز القناعيس

* رجوع أبي يوسف لقول مالك في الأذان وزكاة الخضر والمكاييل.

*  عفو ابن تيمية عمن وشى به وسعى إلى قتله، عندما قال له الناصر بن قولون، وأراد أن ينتقم وينتصر له، قال: أنا أقللت كل من آذاني. وعندما استفتاه في قتل من تسببوا في سجنه وسعوا لقتله، قال: (إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم)، وقال له: قد آذوك؛ فقال: (من آذاني فهو في حل، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي).

قال ابن مخلوف قاضي المالكية: (ما رأيت مثل ابن تيمية حرضنا عليه فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا وحاجّ عنا).

وقال ابن القيم عنه: (كان يدعوا لأعدائه ولا يدعوا عليهم).

وقد نعيت له يوماً أحد معارضيه فزجرني وأعرض عني، وذهب إلى أهله وعزاهم وصبرهم، وقال لهم: اعتبروني خليفة له، ونائباً عنه.

ã

نماذج لتعصب أهل المذاهب

لقد نهى الأئمة الأعلام المقتدى بهم عن تقليدهم وحذروا عن ذلك تحذيراً شديداً.

قال أبو حنيفة: إذا خالف قول الحديث فاضربا بقولي عرض الحائط.

وقال: هذا رأيي فمن جاءني برأي خير منه قبلته.

وقال مالك: كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر، وكان يشير إلى قبره صلى الله عليه وسلم.

وقال: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكل ما لم يوافق ذلك فاتركوه.

وقال: ليس كل ما قال الرجل وإن كان فاضلاً يتبع ويجعل سنة ويذهب به إلى الأمصار.

وقال ابن وهب ومسائل الليث تقرأ عليه فمرت مسألة فاستحسنوها فقال رجل: ما أحسن ما قال الليث، كأنه كان يسمع مالكاً فيجيب؛ قال ابن وهب: بل لعل مالكاً يسمع الليث فيجيب، والله الذي لا إله إلا هو ما رأينا قط أفقه منه.

وقال مال: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا بـه، وكل ما لم يوافق ذلك فاتركوه.

وقال الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا وجدتم الحديث في قارعة الطريق فخذوا به ودعوا قولي.

وقال أحمد: لا تقلدني ولا تقلد مالكاً، ولا الثوري، ولا الأوزاعي، ولكن خذ من حيث أخذوا.

ã

أما بعض أصحاب المذاهب فقد غالوا في تقليدهم وتعصبهم لأئمتهم

يقول الحصفكي الحنفي: (إذا سئلنا عن مذهبنا ومذهب مخالفتنا قلنا وجوباً: مذهبنا صواب يحتمل الخطأ، ومذهب مخالفنا خطأ يحتمل الصواب).

وقال:

لعنة ربنا أعداد رمل           على من رد قول أبي حنيفة

وقال: (والحاصل أن أبا حنيفة النعمان من أعظم معجزات المصطفى بعد القرآن وحسبك من مناقبه اشتهار مذهبه، ما قال قولاً إلا أخذ به إمام من الأئمة الأعلام، وقد جعل الله الحكم لأصحابه وأتباعه من زمنه إلى أن يحكم بمذهبه عيسى عليه السلام).

وقال الكرخي الحنفي: (كل آية تخالف ما عليه أصحابنا، فهي مؤولة أو منسوخة، وحديث كذلك مؤول أو منسوخ).

و شاع عند المالكية: (لو لم يكن مالك لكان الدين هالك).

وقال منذر بن سعيد البلوطي شاكياً من تعصب قومه لمذهب مالك:

عذيـري من قـوم يقولون كلمـا          طلبتَ دليلاً هكذا قـال مـالك

وإن عدت قالوا : هكذا قال أشهب          وقد كان لا تخفى عليه المسالك

فإن زدت قالوا : فسحنـون  مثله          و من لم يقل ما قال  فهو آفـك

فإن قلت قال الله ضجوا  وأكثروا          و قالوا جميعاً أنت قرن مماحك

وإن قلت قد قال الرسول فقالـوا          أتت مالكاً في ترك ذاك المسائل

وقال الجويني الشافعي: (ونحن ندعي أن يجب على كافة العاقلين وعامة المسلمين شرقاً وغرباً، بعداً وقرباً انتحال مذهب الشافعي، ويجب على العامة الطغام والجهال الأنذال أيضاً انتحال مذهبه، بحيث لا يبغون عنه حولاً ولا يريدون به بدلاً).

وقال أبو إسماعيل الأنصاري الحنبلي:

أنا حنبلي ما حييت وإن أمت           فوصيتي ذاكم إلى الإخوان

إذ دينه ديني  وديني  دينـه            ما كنت إمعـة له دينـان

000000000000000000000

الإيمان والسحر لا يجتمعان في قلب واحد

تعريف  السحر

السحر له حقيقة وتأثير

حكم تعلم هذا النوع من السحر، والاشتغال به، والتصديق بذلك

الأدلة على كفر السحرة

حد الساحر

أخطر أنواع السحر الحل والعقد، أوالصرف والعطف

هل يجوز لمن عُقد أن يذهب به إلى ساحر ليحله ؟ أو ينشر عنه ؟

نوعا النُّشرة

علاج المسحور

أولاً : باستخراج السحر وإبطاله

أنفع علاجات السحر

نماذج للنشرة المباحة

ثانياً : عن طريق الحجامة واستفراغ الدم من مكان الألم

من أنواع السحر

 

الحمد لله الكريم المنان، مبطل عمل السحرة، والمنجِّمين، والعرَّافين، والكهَّـان، أعوان الشياطين، المفسدين لعقائد الجهلة، والسذج، والنسوان، المخالفين لشريعة خير الأنام، محمد بن عبد الله، الذي حذر من إتيان السحرة، والكهان، وتصديق أولياء الشيطان، القائل: "من أتى عرافاً أوكاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد"، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

اعلم أخي الكريم أن الإيمان والسحر لا يجتمعان في قلب واحد قط، فإذا تمكن السحر من القلب خرج منه الإيمان بالكلية، وكذلك إذا باشر الإيمان سويداء القلب خرج منه السحر في الحال، كما حدث لسحرة فرعون، فقد كانوا في أول النهار من أئمة الكفر ومشايخ السحر، ولكن سرعان ما أمسوا بعد أن آمنوا برب هارون وموسى من أئمة الإيمان، وأتباع الرسل الكرام، بعد أن تبين لهم باطل ما كانوا يصنعون، وضلال ما كانوا يمارسون، وخسران ما كانوا يؤملون، وزيف ما كانوا يعتقدون: "وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى. فألقي السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى. قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى. قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا. إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى"، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومصداق لقول رسولنا: "وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يبقى بينه وبينها إلا مقدار ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنَّة، فيدخلها" الحديث.

وبضدها تتميز الأشياء، خرج الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: "قدمتْ امرأة من أهل دومة الجندل عليّ تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته بيسير، تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر، لم تعلم به، فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إني لأرحمها من كثرة بكائها، وهي تقول: إني أخاف أن أكون قد هلكت. فسألتها عن قصتها، فقالت: كان لي زوج قد غاب عني، فدخلت على عجوز، فشكوت لها حالي، فقالت: إن فعلت ما آمرك به، فإنه يأتيك بعلك! فقلت: إني أفعل. فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين، فركبتُ أحدهما وتركت الآخر، فلم يكن بأسرع حتى وقفنا ببابل، فإذا أنا رجلين معلقين بأرجلهما، فقالا: ما حاجتك؟ وما جاء بك؟ فقلت: أتعلم السحر. فقالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري! وارجعي. فأبيت، وقلت: لا أرجع. قالا : فاذهبي إلى التنور فبولي فيه. فذهبت إليه فاقشعر جلدي ففزعت منه، ولم أفعل فرجعت إليهما، فقالا لي: فعلتِ؟ قلتُ: نعم. قالا: هل رأيتِ شيئاً؟ قلتُ : لم أر شيئاً. فقالا: لم تفعلي، ارجعي إلى بلادك، لا تكفري. فأبيتُ، فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه. فذهبتُ إليه فاقشعر جلدي وخفتُ، ثم رجعتُ إليهما، فقالا لي: ما رأيتِ؟ إلى أن قالت : فذهبت في الثالثة فبلتُ فيه، فرأيتُ فارساً مقنعاً بالحديد، خرج مني حتى ذهب في السماء، فأتيتهما فأخبرتهما، فقالا: صدقتِ، ذاك إيمانك خرج منك، اذهبي.

فقلتُ للمرأة: والله ما علمتُ شيئاً، ولا قالا لي شيئاً! فقالت لي: بلى، لن تريدي شيئاً إلا كان، خذي هذا القمح فابذريه. فأخذته فبذرته، فقلت له: اطلع. فطلع، ثم قلت: استحصد. فاستحصد، ثم قلت: انطحن. فانطحن، ثم قلت: انخبز. فانخبز، فلما رأيت أني لا أقول شيئاً إلا كان سُقط في يدي، فندمتُ، والله يا أم المؤمنين، ما فعلت قط ولا أفعله أبداً.

فسألتْ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فما دروا ما يقولون لها، وكلهم هاب أن يفتيها بما لا يعلم، إلا أنهم قالوا لها: لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك".

قال بعض أهل العلم معلقاً على قصة هذه المرأة: "فقد بان بهذا أن السحر والإيمان لا يجتمعان في قلب، ولا يصير ساحراً وفي قلبه إيمان، فاعتبر بحال هذه المرأة المسكينة، كيف ألقاها الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء في ورطة هلكة لا تجبر مصيبتها، وهذا دأب المعاصي تنكس الرؤوس، وتوجب الحبوس، وتضاعف البوس".

لقد تفشت في هذه الأزمنة الأخيرة في مجتمعات المسلمين ظاهرة الاشتغال بالسحر وتعلمه، وإتيان السحرة، والكهان، وامتهان ذلك، وكثر المراجعون وتزاحم القاصدون على أبواب هؤلاء الدجالين والمشعوذين، وراج سوقهم، وعظم دخلهم، وزاد خطرهم ، وفشي أمرهم، وظهر ضررهم، حيث لم يقتصر الأمر على النساء كما كان في الماضي، بل تعداه لكل شرائح المجتمع من النساء، والرجال، والموظفين، والتجار، ولاعبي الكرة، والفنانين، ومنشدي الضوال، بل لم ينج من ذلك بعض الملوك، والوزراء، والموظفين الكبار.

ومما يؤسف له حرص هؤلاء السحرة والكهنة على استمرار ذلك العمل بعد و فاتهم، ليستمر الوزر جارياً عليهم، والإثم واصلاً لهم، ليورطوا غيرهم ويفسدوهم ، فما منهم من أحد إلا ودرب أحداً من أبنائه أوأقربائه ليحل محله بعد هلاكه، كما نصح الساحر الغشوم ذلك الملك الظلوم، كما ورد في قصة أصحاب الأخدود، فأصبحت هذه سنة يتوارثها السحرة كابراً عن كابر، ويحرص عليها الكهنة جيلاً بعد جيل، حتى تكتمل عدتهم في جهنم.

أسباب تفشي هذه الظاهرة الخبيثة في هذه العصور يرجع إلى عدة أسباب، أهمها:

1. الجهل.

2. ضعف اليقين والتوكل على الله.

3. ضعف الوازع الديني.

4. حب الدنيا وإيثار ذلك على الآخرة الباقية.

5. عدم تطبيق عقوبة حد الساحر.

6 التهاون في أداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

7.  انتشار الفكر الصوفي في مجتمعات المسلمين، حيث ما من ساحر إلا وهو ينتسب إلى طريقة من الطرق الصوفية.

8.  انتشار الممارسات الشركية.

9.  المداومة على الأوراد والأحزاب البدعية.

10.  الفساد العقدي ، وتجاهل إصلاحه والاهتمام به.

مثل هذه الظواهر الخبيثة لا يمكن أن تنتشر وتتفشى في مجتمع تسوده عقيدة التوحيد، وينتشر فيه العلم الشرعي، وتقام فيه الحدود الشرعية، ويتآمر فيه الناس بالمعروف ويتناهون عن المنكر.

روى ابن الجوزي بسنده إلى قيس بن الحجاج قـال: (لما فُتحت مصـرُ أتى أهلها عمرَو بن العاص، حين دخل بؤونة من أشهر العجم ـ القبطية ـ فقالوا له : أيها الأمير، إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها. فقال لهم: وما ذاك؟ قالوا : إذا دخلت ثنتا عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أباها، وحملنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل. قال لهم: إن هذا لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بؤونة، وأبيب، ومسرى لا يجري قليلاً ولا كثيـراً، حتى هموا بالجلاء عنها. فلما رأى ذلك عمرو بن العاص كتب إلى عمر رضي الله عنه بذلك، فكتب إليه عمر: "إنك قد أصبت، لأن الإسلام يهدم ما كان قبله"، وكتب بطاقة داخل كتابه، وكتب إلى عمرو: "إني قد بعثتُ إليك بطاقة داخل كتابي فألقها في النيل"، فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخـذ البطاقـة، فإذا فيها: "من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد، فإن كنتَ تجري من قِبَلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك"؛ فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج، لأنها لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل، فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب، وقد أجراه الله ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة ، فقطع الله تلك السُّنة السوء عن أهل مصر إلى اليوم).

أرجو أن تقارن أخي المسلم بين حالنا وحال سلفنا الصالح تجاه هذه الممارسات الشركية، لتعلم البون الشاسع والفرق الواسع بيننا وبينهم في قوة اليقين والتوكل، وفي صدق الاعتماد على الله عز وجل.

وبعد..

فهذا بحث عن السحر، عن تعريفه، وحقيقته، وأنواعه، وحكم تعليمه وتعلمه والاشتغال به، وعن حد الساحر، وما يتعلق بذلك، والله أسأل أن يرينا وجميع إخواننا المسلمين الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا الناصح الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين.

تعريف  السحر

السحر عمل شيطاني، يتعاون فيه شياطين الجن مع إخوانهم من شياطين الإنس؛ فهو عزائم ورقى، منه ما يؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض، ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، ومنه ما دون ذلك.

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله: (والسحر عند علمائنا: حيل صناعية يتوصل إليها بالتعلم، والاكتساب، غير أنها لخفائها ودقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس، فيندر وقوعها، وتستغرب  آثارها لندورها، ومادته الوقوف على خصائص الأشياء، والعلم بوجوه تركيبها، وأزمان ذلك، وأكثره تخيلات لا حقيقة لها، وإيهامات لا ثبوت لها ، فتعظم عند من لا يعرفها، وتشتبه على من لا يقف عليها، ولذلك قال تعالى: "يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى"، مع أنه كان في عين الناظر إليه عظيماً، وعن ذلك عبر الله تعالى بقوله: "وجاءوا بسحر عظيم"، لأن الحبال والعصي لم تخرج عن حقيقتها، وذلك بخلاف عصا موسى فإنها انقلبت ثعباناً مبيناً خرقاً للعادة، وإظهاراً للمعجزة).

السحر له حقيقة وتأثير

السحر له تأثير وحقيقة، كما أخبر ربنا سبحانه وتعالى، وكما هو مشاهد، ولهذا فقد أمرنا بالاستعاذة منه، قال تعالى: "ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله"، وقال: "ومن شر النفاثات في العقد"، ولا ينكر ذلك إلا جاهل، معاند، مكابر.

قال أبو العباس القرطبي: (ولا ينكر أن السحر له تأثير في القلوب بالحب والبغض، وبإلقاء الشرور، حتى يفرق الساحر بين المرء وزوجه، ويحول بين المرء وقلبه، وبإدخال الآلام، وعظيم الأسقام، إذ كل ذلك مدرك بالمشاهدة، وإنكاره معاندة، وعلى ما قررناه فالسحر ليس يخرق عادة، بل هو أمر عادي يتوصل إليه من يطلبه غالباً، غير أنه يقل ويندر).

حكم تعلم هذا النوع من السحر، والاشتغال به، والتصديق بذلك

من اشتغل بتعليم وتعلم هذا النوع من السحر الذي يُفَرَّق فيه بين المرء وزوجه، ويتسبب في حدوث الآلام والأسقام، في القلوب والأبدان، أو ذهب إلى هؤلاء وصدقهم فيما يقولون، واعتقد فيما يفعلون، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، أي كفر بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الأدلة على كفر السحرة

الأدلة على كفر السحرة من القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح كثيرة، منها:

1.  قوله تعالى: "وما يعلِّمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر".

2.  وقوله تعالى: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا".

3.  وقـــوله تعالى: "ويؤمنون بالجبت والطاغوت"، قال عمر: الجبت السحر، والطاغوت الشيطان.

4.  وقـــال صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات" أي المهلكات، وذكر منهن: "السحر"، الحديث.

5.  وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: "من عقد عقدةً ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً وكل إليه".

6.  وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".

7. وعن حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً".

8. وعن عمران بن الحصين مرفوعاً: "ليس منا من تطيَّر أو تُطير له، أوتكهَّن، أوتكهِّن له، أوسَحَر أو سُحِر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".

قال الحافظ ابن حجر رحمه لله: (وقد استدل بهذه الآية على أن السحر كفر ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه التي قدمتها، وهو التعبد للشياطين والكواكب، وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر به من تعلمه أصلاً. قال النووي: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر الموبقات بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفراً، ومنه ما لا يكون كفراً بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أوفعل يقتضي الكفر فهو كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر واستتيب منه، ولا يقتل، فإن تاب قبلت توبته، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عُزِّر).

حد الساحر

ذهب الجمهور: أبو حنيفة ، ومالك، ورواية عن أحمد إلى أن الكافر زنديق يقتل ولا يستتاب، وقال الشافعي: لا يقتل الساحر بمجرد السحر، إلا إذا ثبت أنه قتل بسحره.

والراجح ما ذهب إليه الجمهور، وذلك:

1.  لِمَا خرج البخاري في صحيحه عن بجالـة: "أن عمر كتب إليهم أن اقتلوا كل ساحر وساحرة".

2.  زاد عبد الرزاق في رواية بجالة: "فقتلنا ثلاث سواحـر".

3.  ولِمَا خرجه الترمذي في سننه مرفوعاً وموقوفاً عن جندب قال: "حد الساحر ضربة بالسيف".

4.  وصح عن حفصة أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها.

والراجح والله أعلم أنه لا فرق بين الساحر المسلم والمعاهد، ولا يرد على ذلك عدم قتل النبي صلى الله عليه وسلم للبيد بن الأعصم، لأنه كان لا ينتقم لنفسه.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (واستدل بهذا الحديث على أن الساحر لا يقتل حداً إذا كان له عهد، وأما ما أخرجه الترمذي من حديث جندب رفعه قال: "حد الساحر ضربة بالسيف"، ففي سنده ضعف، فلو ثبت لخص منه ما له عهد.

إلى أن قال:

قال ابن بطال: لا يقتل ساحر أهل الكتاب عند مالك والزهري إلا أن يقتل بسحره فيُقتل، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وعن مالك إن أدخل بسحره ضرراً على مسلم لم يعاهد عليه نقض العهد بذلك فيحل قتله، وإنما لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم لبيد بن الأعصم لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ولأنه خشي إذا قتله أن تثور بذلك فتنة بين المسلمين وبين حلفائه من الأنصار، وهو من نمط ما راعاه من ترك قتل المنافقين، سواء كان لبيد يهودياً أو منافقاً على ما مضى من الاختلاف فيه. قال: وعند مالك أن حكم الساحر حكم الزنديق، فلا تقبل توبته، ويقتل حداً إذا ثبت عليه ذلك ، وبه قال أحمد، وقال الشافعي: لا يقتل إلا إن اعترف أنه قتل بسحره، فيقتل به، فإن اعترف أن سحره قد يقتل، وقد لا يقتل، وأنه سحره، وأنه مات، لم يجب عليه القصاص، ووجبت عليه الدية في ماله لا على عاقلته، ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة ، وادعى أبو بكر الرازي في "الأحكام" أن الشافعي تفرد بقوله إن الساحر يقتل قصاصاً إذا اعترف أنه قتل بسحره، والله أعلم).

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ معلقاً على حديث جندب: (رواه الترمذي وقال: الصحيح أنه موقوف.. وقد رواه ابن قانع والحسن بن سفيان من وجهين عن الحسن عن جندب الخير: أنه جاء إلى ساحر فضربه بالسيف حتى مات . وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فذكره. قوله: "حد الساحر ضربة بالسيف"، روي بالهاء و بالتاء وكلاهما صحيح. وبهذا الحديث أخذ أحمد، ومالك، وأبو حنيفة، فقالوا: يقتل الساحر، وروي ذلك عن عمر، وعثمان، وابن عمر، وحفصة، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب، وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز، ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر إلا إن عمل في سحره ما يبلغ الكفر به، قال ابن المنذر: وهو رواية عن أحمد، والأول أولى للحديث والأثـر عن عمر، وعمل به الناس في خلافته من غير نكير.

إلى أن قال: وظاهره أنه يقتل من غير استتابة، وهو كذلك المشهور عن أحمد، وبه قال مالك، لأن علم السحر لا يزول بالتوبة، وعن أحمد يستتاب، فإن تاب قبلت توبته، وبه قال الشافعي، لأن ذنبه لا يزيد على الشرك، والمشرك يستتاب وتقبل توبته، ولذلك صح إيمان سحرة فرعون وتوبتهم).

قلت: هذا قياس مع الفارق، فإن سحرة فرعون تابوا على يدي رسولين كريمين، وقد أوحى الله لهما بصدق هؤلاء، فلا يمكن أن يقاس على ذلك.

أخطر أنواع السحر الحل والعقد، أوالصرف والعطف

من أخطر أنواع السحر التي يُكفر فاعلها ما يعرف بالحل والعقد، أوالصرف والعطف، والصرف هو أن يُصرَف الرجلُ والمرأةُ عن محبة الآخر، والعطف هو أن يُجعل أحدُهما يميل ويعطف على الآخر بوسائل شيطانية محرمة.

وقد نص الله سبحانه وتعالى على ذلك على لسان الملكين اللذين أنزلهما لتعليم السحر، تعليم تحذير وتخويف، بدليل قولهما: "إنما نحن فتنة فلا تكفر"، فقال: "ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه".

هل يجوز لمن عُقد أن يذهب به إلى ساحر ليحله ؟ أو ينشر عنه ؟

ذهب أهل العلم في ذلك مذهبين، منهم من أجاز للمعقود إن لم يجد من يحله أن يذهب لساحر يحله، لأن الضرورات تبيح المحظورات، ومنهم من منع من ذلك البتة.

وممن أجاز ذلك سعيد بن المسيب، ومنع منه الحسن البصري رحمهما الله.

ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه تحت باب "هل يستخرج السحر؟": (وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طِبٌّ ـ أو يؤخذ عن امرأته ـ أيحل عنه أو يُنشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه).

قال الحافظ ابن حجر معلقاً على ترجمة البخاري السابقة: (كذا أورد الترجمة بالاستفهام إشارة إلى الاختلاف، وصدَّر بما نقله عن سعيد بن المسيب من الجواز إشارة إلى ترجيحه.

وقال الحافظ عن أثر سعيد: وصله أبو بكر الأثرم في "كتاب السنن" من طريق أبان العطار عن قتادة، ومثله من طريق هشام الدستوائي عن قتادة بلفظ "يلتمس من يداويه"، فقال: إنما نهى الله عما يضر، ولم ينه عما ينفع"، وأخرجه الطبري في " التهذيب" من طريق يزيد بن زريع عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأساً إذا كان بالرجل سحر أن يمشي إلى من يطلق عنه، فقال: هو صلاح، قال قتادة: وكان الحسن يكره ذلك، يقول  لا يعلم ذلك إلا ساحر، قال: فقال سعيد بن المسيب: إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع. وقد أخرج أبو داود في "المراسيل" عن الحسن رفعه: "النُّشْرَة من عمل الشيطان"، ووصله أحمد وأبو داود بسند حسن عن جابر. قال ابن الجوزي: النُّشْرَة حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر . وسئل أحمد عمن يطلق المسحور، فقال: لا بأس به. وهذا هو المعتمد، ويجاب عن الحديث والأثر بأن قوله: "النُّشْرَة من عمل الشيطان"، إشارة إلى أصلها، ويختلف الحكم بالقصد ، فمن قصد بها خيراً كان خيراً، وإلا فهو شر، ثم الحصر المنقول عن الحسن ليس على ظاهره لأنه قد ينحل بالرقى والأدعية والتعاويذ، ولكن يحتمل أن تكون النشرة نوعين).

نوعا النُّشرة

النُّشْرة، وهي حل المسحور، نوعان:

1.   نُشْرة محرمة، وهي التي تكون برقي وعزائم شركية.

2.   نُشْرة جائزة، وهي التي تكون بالتعوذات والأدعية المباحة، وعليه تتنزل الأحاديث والآثار السابقة، ويمكن التوفيق بينها.

علاج المسحور

يكون بإحدى طريقتين هما:

أولاً : باستخراج السحر وإبطاله

وهذا يكون بالآتي:

1.الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، فإن الله قادر على أن يبطل عمل المفسدين، كما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سحره اليهودي المنافق لبيد بن الأعصم، قالت عائشة رضي الله عنها: "سُحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه، ثم قال: أشعرتِ يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق. قال: في ماذا؟ قال: في مُشْطٍ ومشاطةٍ وجف طلعة ذكر. قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان. قال: فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة، فقال: والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين. قلت: يا رسول الله، أفأخرجته؟ قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخشيت أن أثَوِّر على الناس منه شراً. وأمر بها ودفنت".

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تحت عنوان:

أنفع علاجات السحر

(ومن أنفع علاجات السحر: الأدوية الإلهية، بل هي أدويته النافعة بالذات، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السِّفلية، ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار والآيات والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كانت أقوى وأشد كانت أبلغ في النشرة، وذلك بمنزلة التقاء جيشين، مع كل واحد منهما عدته وسلاحه، فأيهما غلب الآخر قهره وكان الحكم له ، فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله مغموراً بذكره، وله من التوجهات والدعوات، والأذكار، والتعوذات، ورد لا يخل به يطابق فيه قلبه لسانه، كان هذا من أعظم الأسباب التي  تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له ما يصيبه).

وقال منكراً وراداً على منكري حادثة سحره صلى الله عليه وسلم: (قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنوه نقصاً وعيباً، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم، ولا فرق بينهما، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "سُحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن" وذلك أشد ما يكون من السحر.

قال القاضي عياض: السحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه صلى الله عليه وسلم كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته، وأما كونه يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من صدقه، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طرؤه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث لسببها، ولا فضِّل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أنه يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له).

2. الذهاب إلى ساحر لاستخراج ما به من سحر، وهذا يكون بالنُّشْرة المحرمة، ومن أهل العلم من أباح ذلك، ومنهم من منع منه للآثار السابقة، ولهذا أباح بعض أهل العلم تعلم السحر لفك المسحورين، وليحولوا بين المسحورين وبين السحرة، ولا شك أن من كانت نيته الإصلاح وأنس من نفسه الكفاءة جاز له ذلك.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأحد أمرين، إما لتمييز ما فيه كفر من غيره، وإما لإزالته عمن وقع فيه، فأما الأول فلا محذور فيه إلا من جهة الاعتقاد، فإذا سلم الاعتقاد فمعرفة الشيء بمجرده لا تستلزم منعاً، كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثان للأوثان، لأن كيفية ما يعمله الساحر إنما هي حكاية قول وفعل، بخلاف تعاطيه والعمل به، وأما الثاني فإن كان لا يتم كما زعم بعضهم إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق فلا يحل أصلاً، وإلا جاز للمعنى المذكور).

قال ابن القيم رحمه الله: (النُّشْرة حل السحر عن المسحور، وهو نوعان: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان ـ وعليه يحمل قول الحسن ـ فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور، وقد أباح سعيد بن المسيب وغيره من أهل العلم ذهاب من اضطر ولم يجد من يحله إلى هؤلاء السحرة، والله أعلم.

3. النشرة المباحة: وتكون كما قال ابن القيم بالرقى، والتعوذات، والدعوات، وأدوية مباحة، وهي جائزة بل تستحب لمن استطاع أن ينفع أخاه المسلم.

نماذج للنشرة المباحة

من أمثل النشرة المباحة ما يأتي:

أ. روى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تعالى، تقرأ في إناء فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور:

o الآية التي في سورة يونس: "ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين. ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون".

o  وقوله: "فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون"، إلى آخر الآيات الأربع.

o  وقوله: "إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى".

ب. وقال ابن بطال في كتاب وهب بن منبه: (أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر، فيدقه بين  حجرين، ثم يضربه بالماء، ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل، ثم يحسو منه ثلاث حسوات ثم يغتسل به، يذهب عنه كل ما به، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله).

ثانياً : عن طريق الحجامة واستفراغ الدم من مكان الألم

قال ابن القيم رحمه الله: (الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر، فإن للسحر تأثيراً في الطبيعة وهيجان أخلاطها، وتشويش مزاجها، فإذا ظهر أثره في عضو، وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو نفع جداً.

وقد ذكر أبو عبيد في "غريب الحديث" له ـ بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على رأسه بقرن حين طبَّ"، قال أبو عبيد: معنى "طب" أي سُحِرَ.

إلى أن قال: وقد أشكل هذا على من قلَّ علمه، وقال: ما للحجامة والسحر؟ وما الرابطة بين هذا الداء وهذا الدواء؟ ولو وجد هذا القائل أبقراط أو ابن سينا أوغيرهما قد نص على هذا العلاج لتلقاه بالقبول والتسليم، وقال: قد نص عليه من لا نشك في معرفته وفضله.

فاعلم أن مادة السحر الذي أصيب به النبي صلى الله عليه وسلم انتهت إلى رأسه، إلى إحدى قواه التي فيه، بحيث كان يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء ولم يفعله، وهذا تصرف من الساحر في الطبيعة والمادة الدموية، بحيث غلبت تلك المادة على البطن المقدم منه، فغيرت مزاجه عن طبيعته الأصلية، والسحر مركب من تأثيرات الأرواح الخبيثة، وانفعال القوى الطبيعية عنها، وهو سحر التمريحات، وهو أشد ما يكون من السحر، واستعمال الحجامة في ذلك المكان ـ الذي تضررت أفعاله بالسحر ـ من أنفع المعالجة، إذا استعملت على القانون الذي ينبغي).

من أنواع السحر

أنواع السحر كثيرة جداً  وما قارب الشيء فله حكمه، مثل:

1.  الكهانة.

2.  العيافة.

3.  الطرق.

4.  الطيرة.

5.  علم النجوم.

6.  قراءة الفنجال.

7.  العقد في الخيط.

8.  العرافة.

9.  الودع.

10.  الأبجد.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد".

وعن قبيصة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العيافة والطَرْق والطيرة من الجبت".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر".

فالكاهن

هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل الذي يخبر عما في الضمير.

والعراف

الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق، ومكان الضالة، ونحو ذلك.

والعَرَّاف قيل هو الكاهن.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: العراف اسم الكاهن، والمنجم، والرمَّال ونحوهم. وقال أيضاً: والمنجم يدخل في اسم العراف.

والعيافة

زجر الطير.

والطرق

الخط، يخط بالأرض ـ قال أبو السعـادات: هو الضرب بالحصى الذي يفعله النساء.

وأخيراً اعلم أخي المسلم أنك لن تتمكن من تعلم السحر والاشتغال به حتى يسلب إيمانك، وتبيع آخرتك بدنياك، فالسحر عمل شيطاني، والشيطان لن يعينك على شيء إلا على حساب دينك وإيمـانك، بأن تترك فرضاً من الفرائض، أوتقترف كبيـرة من الكبائـر، أوأن تشـرك بقــول، أوعمل، أواعتقاد، نحو أن تهين المصحف، أوتصلي لغير القبلة، أوتذبح باسم غير الله، أونحو ذلك؛ فعليك أن تتعظ بغيرك، وعليك أن لا تُتْبع نفسك هواها وتتمنى على الله الأماني، وأن ترضى بما قسمه الله لك.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

--------------------

أيها الحكام المسلمون إنما هنتم يوم واليتم اليهود والأمريكان

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.

وبعد..

ينبغي للمسلمين أن يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، كما أخبر الصادق المصدوق، وينبغي كذلك أن يكونوا يداً واحدة على من سواهم، وأن يوالوا من والاهم في الدين، ويعادوا من عاداهم، وهذا هو مفهوم عقيدة الولاء والبراء في الإسلام، أن توالي المسلم وإن ظلمك، وأن تعادي الكافر وتتبرأ منه وإن أعانك.

لكن عندما ضَعُفت هذه العقيدة عند المسلمين، ودب الوهن في قلوبهم، وركنوا إلى الدنيا، وتركوا الجهاد، وتفرقوا وتشتتوا، هانوا على الكفار، وتداعت عليهم الأمم من كل صوب وحدب، وتحققت فيهم نبوءة رسولهم صلى الله عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها"، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن"، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال:" حب الدنيا وكراهية الموت ".

لقد شخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم أدق تشخيص الداء الذي أصاب هذه الأمة في هذا العصر:"حب الدنيا وكراهية الموت"، ونتيجة لذلك الداء العضال، قُذِفَ الوهن في قلوب معظم الأمة، ونُـِزعَت المهابة من صدور أعدائها .

وقد تجلى هذا الداء وظهر بصورة جلية للكفار في حرب الخليج الصليبية الأولى، حيث كشفت هذه الحرب تفرق المسلمين وتشتتهم، وبينت ضعفهم وعجزهم، وأظهرت موالاة جل الحكام للكفار، وخذلانهم لإخوانهم المسلمين، مما جَرَّأَهم على شن الحرب الصليبية الثانية في هذا العصر على حكومة الطالبان الإسلامية في أفغانستان، وهم يستعدون الآن لخوض الحرب الصليبية الثالثة للقضاء على قوة العراق .

لقد استطاع الأمريكان وذيولهم من البريطان تحقيق ذلك بسهولة ويسر، مستغلين بذلك عملاءهم وصناعهم وأموال المسلمين، ومياههم البحرية، وموانئهم، وأراضيهم، حيث أنشئت القواعد الأمريكية في معظم ديار الإسلام، ورحلت الجنود والمعدات لإحكام السيطرة على ديار الإسلام وموارد المسلمين، والقضاء على ما تبقى من خير في هذه الأمة، كل هذا لتأمين الدولة اليهودية الصغرى، وتهيئة الجو لقيام إسرائيل الكبرى، خاب فألهم، وتحطمت آمالهم، وجعل الله تدميرهم في تدبيرهم، ورد كيدهم إلى نحورهم .

غرض الأمركان السيطرة على البلدان، وإذلال الإنسان، كل الإنسان، حتى يكون إمعة لهم، والقضاء على الإسلام، لعلمهم أنه لن تحقق أغراضهم ويبلغوا آمالهم إلا على أنقاض الإسلام، والقضاء على الصحوة الإسلامية ، وما تبقى لدى المسلمين من الكرامة والعزة الدينية .

لن تعدم أمريكا الحيل لضرب الإسلام في أي بلد من البلاد طالما أنها تسلك سياسة الغاب، فلها في ملك الغابة الأسد، الأسوة الحسنة .

فكما احتالت على ضرب دولة الطالبان بحجة القضاء على الإرهاب(!!!)، وتحتال على القضاء على قوة العراق بحيلة التخلص من أسلحة الدمار الشامل، فلها أساليب أخر مع السعودية، وباكستان، في القضاء على التوجه السني السلفي ، وعلى المدارس التي خرّجت أمثال الملا محمد عمر وغيره .

اعلم أخي الحاكم المسلم أن الكفار، سيما الأمريكان وأذنابهم البريطان، لم ولن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم، كما قضى بذلك رب العزوة والجلال:"ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى  حتى تتبع ملتهم"، ومن أمل في رضاهم مع إسلامه ولو حكماً، ولو اسماً، فقد كذّب ربه ومولاه .

لقد هنتم أيها الحكام، وذللتم، وأهنتم أمتكم، حين آثرتم الفاني على الباقي، وحين خذلتم إخوانكم المسلمين وواليتم اعداء الملة والدين، وأُكلتم يوم أكل الثورالأبيض، قبل الانقضاض على الثور الأسود، فعلى كل حاكم أن ينتظر دوره .

روي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه قال :" إنما مثلي ومثل عثمان رضي الله عنه كمثل ثلاثة أثوار كانت في أَجَمة: أبيض، وأسود، وأحمر، ومعها فيها أسد، فكان لا يقدر منها على شيء لاجتماعها عليه، فقال الأسد للثور الأسود والأحمر : إنه لا يدل علينا في أجمتنا إلا الثور الأبيض، فإن لونه مشهور، ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكله خلت لكما الأجمة وصفت! فقالا: دونك وإياه فكله؛ فأكله، ومضت مدة على ذلك، ثم إن الأسد قال للثور الأحمر: لوني على لونك، فدعني آكل الثور الأسـود! فقـال له: شـأنك به؛ فأكله، ثم بعد أيـام قال للثور الأحمر: إني آكلك لا محال؛ فقال: دعني أنادي ثلاثة أصوات؛ فقال: افعل؛ فنادى:" إنما أُكلت يوم أُكِل الثورُ الأبيض" قالها ثلاثاً؛ ثم قال علي رضي الله عنه: إنما هنت يوم قتل عثمان رضي الله عنه؛ ثم رفع بها صوته".

قال علي رضي الله عنه ذلك، وهو والله لم يخذل عثمان رضي الله عنه، بل أرسل إليه يستأذنه أن يدفع عنه، فأبى عثمان وأحب الشهادة، وليت علياً فعل، وقد ندم على ذلك، ومع ذلك فقد أرسل ولديه الحسن والحسين ليحرساه بسيفيهما.

قلت: إذا قال ذلك وهو لم يقصر في حق عثمان، لأنه كان في قتل عثمان الخليفة الراشد، والإمام العادل، والعبد القانت، إهانة لأهل الإسلام، ألا ينبغي لحكام المسلمين اليوم أن ينتبهوا لذلك، وأن يحذروا ويخافوا أن يصيبهم ما أصاب دولة الطالبان، وما يتوقع المسلمون في العراق ، وقد خذلوهم، بل وأعانوا عليهم، وفتحوا أراضيهم وأجواءهم للأعداء حتى يتمكنوامن ضرب الإسلام في تلك الديار؟

التاريخ يعيد نفسه، وما فعله ويفعله ملك الغابة مع إخوانه من الحيوان والثيران فعله الأمريكان وأذنابهم مع إخوانهم من بني الإنسان، بل إن الحجج التي رفعها الأسد وأجاز بها لنفسه أن يأكل الثيران أوجه والله من الحجج التي رفعها الأمريكان، علماً أنه لا اختلاف بين شريعة الغاب والشرعية الدولية في تحقيق المآرب، والقضاء علىالعزل والضعفاء ، وإذلال الشرفاء، وخداع البلهاء.

أيها المسلمون اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، واعلموا أن الشرّ يعم، والفتنة لا تخص، وعليكم أن تتداركوا ما يمكن تداركه عن طريق المناصحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإخلاص في الدعاء والابتهال؛ وعلى كل مسلم الحرص أن لا يؤتى الإسلام من قبله، والحذر كل الحذر من القنوط من رحمة الله، والاستسلام لليأس، واعلموا أن النصر من عند الله، وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

اللهم عليك باليهود والأمركان، وأذنابهم البريطان، عبدة الصلبان، وعملاءهم في جميع البلدان؛ اللهم إنك آتيت الأمريكان والبريطان زينة وأموالاً في الحياة الدنيا، ربنا ليضلوا عن سبيلك، اللهم اطمس على أموالهم، واشدد على قلوبهم، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم .

اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً .

اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل كيدهم في نحرهم، وتدميرهم في تدبيرهم، يا سميع الدعاء، ويا أمل الضعفاء، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، يا من فتت " الماكوك " في الأجواء، سلط على الأعداء جنداً من جندك الأقوياء، اللهم أرنا فيهم يوماً كيوم عاد وثمود وفرعون.

اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة ، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك، فقد ضاقت بنا الحيل، وتقطعت بنا السبل إلا إليك ، فارحم ضعفنا وعجزنا وهواننا على الناس، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

0000000000000000

دخول العلماء على الحكام، والاختلاط بهم، وأخذ جوائزهم

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم

العلماء كثير والحكماء قليل

مذاهب أهل العلم المقتدى بهم في الدخول على الحكام، ومخالطتهم، وأخذ جوائزهم

أولاً : من أبى الدخول، ومنعه، وذمه، وعابه، ونصح الداخلين وهجرهم

أشد العلماء في ذلك

ثانياً : من أجاز الدخول، والمخالطة، وأخذ الجوائز

نماذج لمناصحة العلماء لمن كانوا يداخلون من الحكام

عطاء بن أبي رباح رحمه الله ينصح عبد الملك بن مروان رحمه الله

ابن أبي ذئب ينصح المهدي وأبا جعفر المنصور رحمهم الله

عمر بن حزم ينصح معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه

الحسن البصري

حيوية بن شريح رحمه الله

مالك بن أنس رحمه الله ، يُنصح في دخوله على الحكام ، ويناصح الحكام

والخلاصة

الحمد لله مبتدئ النعم، بارئ النسم، ناشر الرِّقم، رازق الخلق من عدم، علم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله وسلم وبارك على أعلم الخلق أجمعين، المبعوث رحمة للعالمين، وكيداً للكافرين والمنافقين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد..

فإن السؤدد الحق، والإكرام الجد ، والفضل الممتد، هو ما كان سببه الدين والعلم والتقوى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، فالأتقياء من العلماء والصلحاء هم الكرماء في الدنيا والآخرة، والفجار الجهلاء من الأغنياء والفقراء هم الأذلاء.

حج معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في بعض حجاته، فابتنى بالأبطح مجلساً، فجلس عليه، معه زوجته ابنة قرظة بن عبد عمرو بن نوفل، فإذا هو بجماعة على رحال لهم، وإذا شاب قد رفع عقيرته يغني:

وأنا الأخضــر من يعرفني             أخضر الجلدة من  بيت العرب

من يساجلني يساجـل ماجداً              يملأ الدلو على عقد الكــرب

فقال معاوية: من هذا؟ فقالوا: فلان بن جعفر بن أبي طالب. قال: خلوا له الطريق فليذهب. ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يغني:

بينما يذكرنني أبصـرنني  عند             قيد الميــل يسعى بين الأغر

قلن : تعرفن الفتى ؟ قلن : نعم             قد عرفناه، وهل يخفى القمر؟

قال: من هذا؟ قالوا: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة. قال: خلوا له الطريق فليذهب. ثم إذا هو بجماعة حول رجل يسألونه، فبعضهم يقول: رميت قبل أن أحلق، وبعضهم يقول: حلقت قبل أن أرمي، يسألونه عن أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج. فقال: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فالتفت إلى زوجته ابنة قرظة، فقال: هذا وأبيك الشرف، هذا والله شرف الدنيا والآخرة).

وقال ابن عبد البر: (قال الحجاج لخالد بن صفوان: من سيد أهل البصرة؟ قال له: الحسن. فقال: وكيف ذلك وهو مولى؟ فقال: احتاج الناس إليه في دينهم واستغنى عنهم في دنياهم، وما رأيت أحداً من أشراف أهل البصرة إلا يروم الوصول في حلقته ليستمع قوله ، ويكتب علمه. فقال الحجاج: هذا والله السؤدد).

خير القرون الذين كان علماؤهم حكامهم، ويليهم في الفضل من كان مستشارى، ووزراء،  وجلساء حكامهم، علماؤهم، وشر القرون الذين يكون حكامهم "فرعونية"، ومستشاروهم "هامانية"، وجلساؤهم "قارونية".

لهذا فقد جاء في الأثر: "صنفان من الأمة إذا صلحا صلح الناس : الأمراء والفقهاء"، وفي رواية: "صنفان من الأمة إذا صلحا صلحت الأمة، وإذا فسدا فسدت الأمة: السلطان والعلماء".

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بالأمير خيراً، جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكـر لم يعنه".

لهذا كان القراء، أي العلماء، وزراء ومستشاري وجلساء عمر رضي الله عنه، كهـولاً كانوا أوشباباً، وكان مستشارو عمر بن عبد العزيز رجاء بن حيوة، ومحمد بن شهاب الزهري، وسالم بن عبد الله بن عمر، والقاسم بن محمد، رحم الله الجميع.

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم

لقد فضل الله العلماء وشرفهم ورفعهم مكاناً علياً، ويدل على هذا الفضل وذلك التشريف أنه قرن شهادتهم على وحدانيته بشهادته وشهادة ملائكته، فقال: "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم"، وقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: "وقل رب زدني علما"؛ وجعل صلى الله عليه وسلم العلماء هم ورثة الأنبياء فقال: "العلماء ورثة الأنبياء"، وفي رواية: "العلماء ورثة الأنبياء، يحبهم أهل السماء، ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة"، لأن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر؛ وكان أبو هريرة إذا أراد أن يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هلموا إلى ميراث نبيكم"، أوكما قال رضي الله عنه.

فعلى العلماء أن يكرموا هذا العلم، وأن يصينوه، ويحفظوه عن الرذائل والصغائر، وعليهم ألا يدنسوه بحب الجاه والمال، ولا بكثرة الجدل والمراء والخصومات، فكل ذلك حظوظ دنيوية، وأهواء شيطانية، فعزة العلم بعزة أهله وحامليه؛ ولله در القاضي الجرجاني، حيث قال:

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم         ولو عظموه في النفوس لعظما

ولكن أذلوه جهاراً ودنســـوا         محياه  بالأطماع حتى تجهمـا

العلماء كثير والحكماء قليل

العلماء الحقيقيون هم الذي يخشون الله ويتقونه، ويراقبونه في السر والعلن، ولهذا قصر الله خشيته ومخافته عليهم، فقال عز وجل: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "كفى بخشية الله تعالى علماً، وبالاغترار جهلاً"، وقال الربيع بن أنس: "من لم يخش الله تعالى فليس بعالم"، وقال مجاهـد: "إنما العالـم من خشي الله عز وجـل"، وقيل لإبراهيم بن سعد: من أفقه أهل المدينة؟ قال: "أتقاهم لربه عز وجل". وقالت امرأة للإمام الشافعي: أيها العالم. فقال لها: "العالم الذي يخشى الله".

فالعلم ليس بكثرة الرواية والحفظ، وذلاقة اللسان، وإنما بالعمل، والخشية، والأدب، والورع، وتزكية النفوس وتطهيرها.

لذا فقد قُسِّم العلماء إلى قسمين كبيرين، هما:

1.   علماء آخرة ربانيون.

2.   وعلماء سوء دنيويون.

فمن خشي الله واتقاه، وزكى نفسه، وأرضى مولاه، فهو عالم رباني؛ ومن جعل الدنيا همه وآثرها على الآخرة، كان من علماء السوء الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، أوربما بدنيا غيرهم.

لقد ذم الله رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح علماء السوء، وبينوا صفتهم في أحاديث كثيرة، وآثار عديدة، إليك طرفاً منها:

1. عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتحتازوا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار".

2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عَرَضاً من الدنيا، لم يجد عَرْف الجنة يوم القيامة"، يعني ريحها.

3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة"، وذكر منهم: "ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت فيك العلم وعلمته ، وقرأت القرآن. قال: كذبت، ولكن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار).

4. وعن كعب الأحبار قال: إني أجد في بعض الكتب نعت قوم يتعلمون لغير العمل، ويتفقهون لغير العبادة، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون جلود الضأن، وقلوبهم أمر من الصبر، أوبي يفترون، وإياي يخادعون؟ فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تترك الحليم فيهم حيران".

5. وقال ابن المبارك: "تعوذوا بالله من فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون".

6.  وقال الحسن: "عقوبة العالم موت قلبه. قيل: وما موت القلب؟ قال: طلب الدنيا بعمل الآخرة".

7. وقال يحيى بن معاذ رحمه الله في وصف علم السوء: "يا أصحاب العلم قصوركم قيصرية، وبيوتكم كسروية، وأثوابكم ظاهرية، وأخفافكم جالوتية، ومراكبكم قارونية، وأوانيكم فرعونية، ومآثمكم جاهلية، ومذاهبكم شيطانية، فأين الشريعة المحمدية".

ولله در من قال:

وراعي الشاة يحمي الذئب عنها         فكيف إذا الرعـاة لها ذئـاب

وقال الآخر:

يا معشر القراء يا ملح البلــد          ما يصلح الملحَ إذا الملحُ فسد ؟

والآثار في ذلك كثيرة جداً، ومن قبل قال الله: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون"، وقال: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"، وقال: "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون".

مذاهب أهل العلم المقتدى بهم في الدخول على الحكام، ومخالطتهم، وأخذ جوائزهم

ذهب أهل العلم في ذلك مذهبين:

أولاً : من أبى الدخول، ومنعه، وذمه، وعابه، ونصح الداخلين وهجرهم

ويمثل هذا الفريق الأئمة:

o  سفيان بن سعيد الثوري.

o  أبو حازم الأعرج.

o  الفضيل بن عياض.

o  عبد الله بن المبارك.

o  أحمد بن حنبل.

o  إبراهيم النخعي.

o  الأعمش.

o  داود الطائي.

o  بشر بن الحارث الحافي.

o  حسين الجعفي.

o  أبو حنيفة.

o  وكيع بن الجراح.

o  محمد بن سيرين.

o  ربيعة بن أبي عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي.

o  ميمون بن مهران.

o  علقمة بن قيس.

o  ابن أبي خيثمة.

o  سويد بن غفلة.

o  أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني.

o  وطاوس.

o  عبد الله بن إدريس.

o  ابن القاسم.

o  ابن وهب.

أدلة المانعين للدخول على الحكام

استدل المانعون للدخول على الحكام بالآتي:

1. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن".

2. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع فأبعده الله".

3. وعن أبي حذيفة رضي الله عنه قال: "إياكم ومواقف الفتن، قيل: وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب، ويقول له ما ليس فيه".

4. وقال سفيان الثوري رحمه الله ليوسف بن أسباط: (إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص، وإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مراءٍ، وإياك أن تخدع، ويقال لك: ترد مظلمة، وتدفع عن مظلوم، فإن هذه خدعة إبليس، اتخذه القراء سلماً".

أشد العلماء في ذلك

1. سفيان الثوري رحمه الله، كان من أشد العلماء غلظة في ذلك، ومع ذلك كان الحكام يسعون إليه ويرغبون في دخوله عليهم، وكان هو يتأبى عليهم، ويغلظ لهم القول، ولا يجاملهم ولا يداريهم أبداً، وقد حفظه الله بسبب صدقه أن يصيبه منهم مكروه؛ مع ذلك ما كان يرى الخروج عليهم أبداً.

قال الذهبي: وكان ينكر على الملوك ولا يرى الخروج أصلاً.

وإليك طرفاً من أخباره في ذلك:

o قال الذهبي: إن عبد الصمد عم المنصور دخل على سفيان يعوده، فحول وجهه إلى الحائط، ولم يردّ السلام، فقال عبد الصمد: يا سيف، أظن أبا عبد الله نائماً. قال: أحسب ذاك ـ أصلحك الله. فقال سفيان: لا تكذب، لست بنائم. فقال عبد الصمد: يا عبد الله! ألك حاجة؟ قال: نعم، ثلاث حوائج، لا تعود إليّ ثانية ، ولا تشهد جنازتي، ولا تترحم علي. فخرج عبد الصمد، وقام، فلما خرج قال: والله لقد هممت أن لا أخرج إلا ورأسه معي.

o  وقال يوسف بن أسباط : قال سفيان: زينوا العلم والحديث بأنفسكم، ولا تتزينوا به.

o وقال سفيان: لست أخاف إهانتهم، إنما أخاف كرامتهم، فلا أرى سيئتهم سيئة، لم أر للسلطان مثلاً إلا مثلاً ضرب على لسان الثعلب، قال: عرفت للكلب نيفاً وسبعين مكراً وحيلة، ليس منها مكر خيراً من أن لا أرى الكلب ولا يراني.

o وقال عبد الرزاق: بعث أبو جعفر الخشابين حين خرج إلى مكة، وقال: إن رأيتم سفيان الثوري فاصلبوه. فجاء النجارون، ونصبوا الخشب، ونودي عليه، فإذا رأسه في حجر فضيل بن عياض، ورجلاه في حجر سفيان بن عيينة، فقيل له: يا أبا عبد الله! اتق الله، ولا تشمت بنا الأعداء. فتقدم إلى الأستار ثم أخذه وقال: برئتُ منه إن دخلها أبو جعفر. قال: فمات أبو جعفر قبل أن يدخل مكة، فأخبر بذلك سفيان فلم يقل شيئاً.

o   قال الذهبي: هذه كرامة ثانية، سمعها الحاكم من أبي بكر محمد بن جعفر المزكِّي، سمعتُ السّراج عنه.

o وعندما كتب هارون الرشيد إلى سفيان يريد زيارته والدخول عليه، رد عليه سفيان بهذا الكتاب: (بسم الله الرحمن الرحيم، من العبد الميت، إلى العبد المغرور بالآمال هارون، الذي سلب حلاوة الإيمان، ولذة قراءة القرآن، أما بعد فإني كتبت إليك أعلمك أني قد صرمت حبلك، وقطعتُ ودك، وإنك قد جعلتني شاهداً عليك بإقرارك على نفسك في كتابك، بما هجمت على بيت مال المسلمين، فأنفقته في غير حقه، وأنفذته بغير حكمه، ولم ترض بما فعلته وأنت ناءٍ عني، حتى كتبت إليه تشهدني على نفسك، فأما أنا فقد شهدت عليك، أنا وإخواني الذين حضروا قراءة كتابك، وسنؤدي الشهادة غداً بين يدي الله الحكم العدل، يا هارون هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم، هل رضي بفعلك المؤلفة قلوبهم ، والعاملون عليها في أرض الله، والمجاهدون في سبيل الله، وابن السبيل؟ أم رضي بذلك حملة القرآن، وأهل العلم من العاملين، أم رضي بفعلك الأيتام والأرامل، أم رضي بذلك خلق من رعيتك؟ فشد يا هارون مئزرك، وأعد للمسألة جواباً، وللبلاء جلباباً، واعلم أنك ستقف بين يدي الحكم العدل، فاتق الله في نفسك، إذ سلبت حلاوة العلم والزهد ولذة قراءة القرآن، ومجالسة الأخيار، ورضيت لنفسك أن تكون ظالماً، وللظالمين إماماً، يا هارون قعدت على السرير، ولبست الحرير، وأسبلت ستوراً دون بابك، وتشبهت بالحجبة برب العالمين، ثم أقعدت أجنادك الظلمة دون بابك وسترك، يظلمون الناس ولا ينصفون، ويشربون الخمر ويحدون الشارب، ويزنون ويحدون الزاني، ويسرقون ويقطعون السارق، ويقتلون ويقتلون القاتل..).

2. طاوس: قال ابن طاووس: كنت لا أزال أقول لأبي إنه ينبغي أن يخرج على هذا السلطان، وأن يفعل به؛ قال: فخرجنا حجاجاً، فنزلنا في بعض القرى، وفيها عامل ـ يعني لأمير اليمن ـ يقال له ابن نجيح، وكان من أخبث عمالهم ، فشهدنا صلاة الصبح في المسجد، فجاء ابن نجيح فقعد بين يدي طاووس، فسلم عليه فلم يجبه، ثم كلمه فأعرض عنه،  ثم عدل إلى الشق الآخر، فأعرض عنه، فلما رأيت ما به قمت إليه فمددت بيده وجعلت أسائله، وقلت له: إن أبا عبد الرحمن لم يعرفك. فقال العامل: بلى، معرفته بي فعلت ما رأيت. قال: فمضى وهو ساكت لا يقول لي شيئاً، فلما دخلت المنزل قال: أي لكع، بينما أنت زعمت تريد أن تخرج عليهم بالسيف، لم تستطع أن تحبس عنهم لسانك!).

وجاء ابن لسليمان بن عبد الملك، فجلس إلى جنب طاووس، فلم يلتفت إليه، فقيل له: جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه! قال: أردت أن يعلم أن لله عباداً يزهدون فيما في يديه.

3.  ابن المبارك: وممن كان ينهى عن مداخلة الحكام ويذمها ويزجر عنها عبد الله بن المبارك، ولهذا لما ولي إسماعيل بن علية العشور، أوقال على الصدقات، كتب إلى عبد الله بن المبارك يستمده برجال من القراء يعينونه على ذلك، فكتب إليه عبد الله بن المبارك:

يا جاعل العلم له بازيـاً            يصطاد به أموال المساكين

احتلت للدنيا ولذاتهــا             بحيلة تذهب بالديــــن

فصرت مجنوناً به بعدما            كنتَ دواءاً  للمجـــانين

أين رواياتك فيما  مضى           عن ابن عون  وابن سيرين

و درسك العلم بآثــاره           و تركك أبواب السـلاطين

تقول أكرهتُ  فما حيلتي           زل  حمار العلم في الطين

4. أحمد بن حنبل: من الذين كانوا لا يأتون الخلفاء والولاة والأمراء، ويمتنع من الكتابة إليهم، ومن أخذ جوائزهم، وينهى أصحابه عن ذلك، ويذم من يفعل ذلك، أحمد بن حنبل رحمه الله.

قال مهنا: سألت أحمد عن إبراهيم بن موسى الهروي، فقال: رجل وسخ. فقلت: ما قولك إنه وسخ؟ قال: من يتبع الولاة والقضاة فهو وسخ.

وقيل لأحمد: وكيع أحب إليك أم يحيى بن سعيد؟ فقال: وكيع. قيل: كيف فضلته على يحيى، ويحيى مكانه من العلم والحفظ والإتقان ما قد علمت؟ قال: وكيع كان صديقاً لحفص بن غياث، فلما ولي القضاء هجره، ويحيى بن معين كان صديقاً لمعاذ بن معاذ، فلما ولي القضاء لم يهجره يحيى.

5.  إبراهيم النخعي: لقد جرح النخعي ابن أبي ليلى بقوله: كان صاحب أمراء.

ثانياً : من أجاز الدخول، والمخالطة، وأخذ الجوائز

ويمثل هذا الفريق من الأئمة المقتدى بهم:

¨  الزهري.

¨  الأوزاعي.

¨  ابن أبي ليلى.

¨  الشعبي.

¨  قبيصة بن ذؤيب.

¨  الحسن البصري.

¨  أبو الزناد.

¨  مالك.

¨  الشافعي.

أجاز هؤلاء وغيرهم كثير الدخول على الحكام، بشروط هي:

1.  أن يكون محكماً لشرع الله.

2.  أن يكون الحاكم عادلاً فاضلاً.

3.  أن يكون الحاكم راغباً في دخول الأخيار عليه.

4.  أن يستجيب لما يشار به عليه.

5.  أن يأمر الداخل بالمعروف وينهى عن المنكر.

6.  أن يشفع للضعفاء ويرفع حاجة من لا يستطيع رفعها .

7.  أن يحول بين الحكام والمستشارين الفسقة الفجرة.

وأوّلوا الأحاديث والآثار السابقة التي تنهى وتحذر من الدخول على الحكام، أن المراد بذلك الحكام الظلمة الجائرين الفاسقين.

عن ابن عمر رضي الله عنه وقد رأى الناس يدخلون المسجد فقال: من أين جاء هؤلاء؟ قالوا: من عند الأمير. قال: إن رأوا منكراً أنكروه، وإن رأوا معروفاً أمروا به؟ فقالوا: لا. قال: فما يصنعون؟ قالوا: يمدحونه، ويسبونه إذا خرجوا من عنده. فقال ابن عمر: إن كنا لنعد النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما دون هذا".

فإذا توفرت هذه الشروط في الحاكم والعالم جاز الدخول، والأولى عدمه، وليعلم الداخل أنه على خطر عظيم، فإن اختل شرط منها حرم الدخول ومنعت المخالطة، فإن دخل مع ذلك فقد عظم الوزر، وتأكدت المخالطة في الشر.

فما دخل الداخلون من العلماء السابقين على الحكام إلا بعد أن توفرت هذه الشروط، ووثقوا في الإصلاح، وقاموا بالواجب خير قيام، وسنمثل لذلك، حيث لم يكن دخولهم لأغراض شخصية ولا لأهداف مادية.

قال حافظ المغرب ابن عبد البر رحمه الله معلقاً على الأحاديث والآثار التي تنهى وتحذر من الدخول على الحكام: (معنى هذا الباب كله في السلطان الجائر الفاسق، فأما العدل منهم الفاضل، فمداخلته ورؤيته وعونه على الصلاح أفضل من أعمال البر، ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز إنما كان يصحبه جلة العلماء مثل عروة بن الزبير وطبقته، وابن شهاب وطبقته، وقد كان ابن شهاب يدخل على السلطان عبد الملك وبنيه بعده، وكان ممن يدخل إلى السلطان الشعبي، وقبيصة بن ذؤيب، والحسن، وأبو الزناد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، رضي الله عنهم، وجماعة يطول ذكرهم. وإذا حضر العالم عند السلطان غباً فيما فيه الحاجة إليه، وقال خيراً، ونطق بعلم، كان حسناً، وكان في ذلك رضوان إلى يوم يلقاه، ولكن مجالس الفتنة فيها أغلب، والسلامة فيها ترك ما فيها).

وقال ابن مفلح رحمه الله معلقاً على قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى أبواب السلطان افتتن": (وهو محمول على من أتاه لطلب الدنيا، لا سيما إن كان ظالماً جائراً، أوعلى من اعتاد ذلك ولزمه، فإنه يخاف عليه الافتتان والعجب، بدليل قوله في اللفظ الآخر: "ومن لزم السلطان افتتن".

وخالفهم في ذلك جماعة من السلف منهم: عبد الرحمن بن أبي ليلى، والزهري، والأوزاعي، وغيرهم).

نماذج لمناصحة العلماء لمن كانوا يداخلون من الحكام

سنذكر بعض النماذج للنصائح القيمة التي كان يسديها هؤلاء العلماء الذين كانوا يداخلون الحكام، لتعلم أن مداخلتهم لم تكن لأغراض دنيوية فانية، وإنما لمصالح دينية راجحة.

عطاء بن أبي رباح رحمه الله ينصح عبد الملك بن مروان رحمه الله

قال الأصمعي: دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك، وهو جالس على سرير، وحوله الأشراف، وذلك بمكة في وقت  حجه في خلافته، فلما بصر به عبد الملك، قام إليه فسلم عليه، وأجلسه معه على السرير، وقعد بين يديه، وقال: يا أبا محمد ما حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين! اتق الله في حرم الله، وحرم رسوله، فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار، فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور، فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين، فإنك وحدك المسؤول عنهم، واتق الله فيمن على بابك، فلا تغفل عنهم، ولا تغلق دونهم بابك. فقال له: أفعل. ثم نهض وقام، فقبض عليه عبد الملك، وقال: يا أبا محمد! إنما سألتنا حوائج غيرك، وقد قضيناها، فما حاجتك؟ قال: مالي إلى مخلوق حاجة. ثم خرج، فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرف، هذا وأبيك السؤدد).

قال عبد الملك ذلك وكان عطاء رحمه الله أسود، دميم الخلقة، أعور، أفطس، أشل، أعرج، ثم عمي، وقد نال مع ذلك كله السؤدد والشرف، بسبب العلم، والورع، والتقوى، والاستغناء عن الخلق، مما أجبر عبد الملك على مدحه والثناء عليه، على الرغم من عصبيته للعرب.

ابن أبي ذئب ينصح المهدي وأبا جعفر المنصور رحمهم الله

لما حج المهدي دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبق أحد إلا قام، إلا ابن أبي ذئـب، فقال المسيب بن زهير: قم، هذا أمير المؤمنين. فقال: إنما يقوم الناس لرب العالمين. فقال المهدي: دعه، فلقد قامت كل شعرة في رأسي.

وقال ابن أبي ذئب للمنصور: قد هلك الناس، فلو أعنتهم من الفيء. فقال: ويلك، لولا ما سددتُ من الثغور لكنت تؤتى في منزلك، فتذبح. فقال ابن أبي ذئب: قد سد الثغور وأعطى الناس من هو خير منك، عمر ـ رضي الله عنه . فنكس المنصور رأسه والسيف بيد المسيب، ثم قال: هذا خير أهل الحجاز.

وقال أبو نعيم: حججت عام حج أبو جعفر ومعه ابن أبي ذئب، ومالك بن أنس، فدعا ابن أبي ذئب فأقعده معه على دار الندوة، فقال له: ما تقول في الحسن بن زيد بن حسن ـ يعني أمير المدينة؟ فقال : إنه ليتحرى العدل. فقال: ما تقول فيّ ـ مرتين ـ؟ فقال: ورب هذه البنية، إنك لجائر. قال: فأخذ الربيع الحاجب بلحيته، فقال له أبو جعفر: كف يا ابن اللخناء. ثم أمر لابن أبي ذئب بثلاثمائة دينار.

ولهذا كان أحمد بن حنبل يفضل ابن أبي ذئب على مالك، لأنه كان قوالاً بالحق.

قلت: إذا كان الحكام أمثال أبي جعفر، والعلماء أمثال ابن أبي ذئب، فنعم الداخل ونعم المدخول عليه.

عمر بن حزم ينصح معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه

قال ابن سيرين: لما بعث معاوية ببيعة ابنه يزيد إلى المدينة كتب إليهم: إنه ليس عليكم أمير، فمن أحب أن يقدم عليّ فليفعل. قال: فخرج عمر وعمارة ابنا حزم، فدخل عليه عمرو فقال: يا معاوية! إنه قد كان لمن قبلك بنون، فلم يصنعوا كما صنعت، وإنما ابنك فتى من فتيان قريش. فنال منه، فبكى معاوية.. فقال: إنما أنت رجل قلت برأيك بالغاً ما بلغ، وإنما هو ابني وأبناؤهم، فابني أحب إلي من أبنائهم، ارفع حاجتك. فقال: مالي حاجة. فلقيه أخوه عمارة فأخبره الخبر، فقال عمارة: إنا لله، ألهذا جئنا نضرب أكبادها من المدينة؟! قال: فأته. قال: فإنه يكلمه، إذ جاء رسول معاوية إلى عمارة: ارفع حاجتك وحاجة أخيك. قال: ففعل، فقضاها.

الحسن البصري

كان الحسن رحمه الله يجيء إلى السلطان، ويصحبهم، ومع ذلك كان يعيب من يداخل السلطان ولا يناصحهم.

قال الذهبي رحمه الله: (خرج الحسن من عند ابن هبيرة، فإذا هو بالقراء على الباب، فقال: ما يجلسكم هاهنا؟ تريدون الدخول على هؤلاء الخبثاء، أما والله ما مجالستهم مجالسة الأبرار، تفرقوا فرق الله بين أرواحكم وأجسادكم، قد فرطحتم نعالكم، وشمرتم ثيابكم، وجززتم شعوركم، فضحتم القراء فضحكم الله، والله لو زهدتم فيما عندهم لرغبوا فيما عندكم، ولكنكم رغبتم فيما عندهم، فزهدوا فيما عندكم ، أبعد الله من أبعد).

حيوية بن شريح رحمه الله

يأمر والي مصر بتسليح الجند قائلاً: "يا هذا، لا تخلين أولادنا من السلاح، فنحن بين قبطي لا ندري متى ينقض، وبين حبشي لا ندري متى يغشانا، وبين رومي لا ندري متى يحل بساحتنا، وبربري لا ندري متى يثور."

مالك بن أنس رحمه الله ، يُنصح في دخوله على الحكام ، ويناصح الحكام

¨   قال الذهبي رحمه الله: (كان ـ العمري الزاهد ـ ينكر على مالك الإمام اجتماعه بالدولة، فكتب إليه بكتاب أغلظ له فيها، فرد عليه مالك رد إمام فقيه لم تستفزه غلظة العمري، وبمثل ذلك كتب يحيى بن يزيد النوفلي إلى مالك.

قال له العمري ولابن أبي ذئب: أنتم علماء تميلون إلى الدنيا، وتلبسون اللين، وتدّعون التقشف. فكتب إليه مالك: إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد؛ فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير.

أما يحيى بن يزيد النوفلي فقد كتب لمالك: أما بعد فقد بلغني أنك تلبس الرقاق، وتأكل الرقاق، وتجلس على الوطاء، وتجعل على بابك حجاباً، وقد جلست مجلس العلم، وضربت إليك آباط المطي، وارتحل إليك الناس، فاتخذوك إماماً، ورضوا بقولك، فاتق الله يا مالك، وعليك بالتواضع، كتبت إليك بالنصيحة مني كتاباً، ما اطلع عليه إلا الله، والسلام.

فكتب إليه مالك بن أنس: بسم الله الرحمن الرحيم، من مالك بن أنس إلى يحيى بن يزيد، سلام عليك؛ أما بعد فقد وصل إليّ كتابك، فوقع مني موقع النصيحة من المشفق، أمتعك الله بالتقوى، وجزاك وخولك بالنصيحة خيراً، وأسأل الله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأما ما ذكرت من أني آكل الرقاق، وألبس الرقاق، وأجلس على الوطاء، فنحن نفعل ذلك ونستغفر الله تعالى، وقد قال سبحانه: "قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق"، وإني لأعلم أن ترك ذلك خير من الدخول فيه، فلا تدعنا من كتابك، فإنا ليس ندعك من كتابنا والسلام.

¨  قيل لمالك في دخوله على السلطان فقال: ولكن أين المناصحة؟

قلت: كان دخول مالك على السلطان دخول عز وإجلال ومناصحة وإرشاد، وليس لتزلف ولا لدنيا وإليك الأدلة.

¨  روى الذهبي رحمه الله عن مالك أنه قال: والله ما دخلت على ملك من هؤلاء الملوك حتى أصل إليه، إلا نزع الله هيبته من صدري.

¨  سأل هارون الرشيد مالكاً، وهو في منزله ومعه بنوه، أن يقرأ عليهم، قال: ما قرأت على أحد منذ زمان، وإنما يقرأ عليّ. فقال: أخرج الناس حتى أقرأ أنا عليك. فقال: إذا منع العام لبعض الخاص لم ينتفع الخاص. وأمر معن بن عيسى فقرأ عليه.

¨  قدم المهدي المدينة فبعث إلى مالك، فأتاه، فقال لهارون وموسى: اسمعا منه. فبعثا إليه فلم يجبهما، فأعلما المهدي، فكلمه، فقال: يا أمير المؤمنين العلم يؤتى أهلُه. فقال: صدق مالك، صيرا إليه. فقال له مؤدبهما: اقرأ علينا. فقال: إن أهل المدينة يقرأون على العالم، كما يقرأ الصبيان على المعلم، فإذا أخطأوا أفتاهم.

هذه النماذج القليلة من المناصحة الغالية، والتذكرة المفيدة ، تبين أهمية دخول العلماء الأخيار على الحكام الفضلاء، إذا توفرت الشروط السابقة، أما الحكام الظلمة فلا يجوز الدخول عليهم إلا من آنس في نفسه الكفاءة في نصحهم، وأمرهم، ونهيهم، وردهم عن غيهم.

قال ابن الجوزي رحمه الله: (اعلم أن لك مع الأمراء والعمال الظلمة أربعة أحوال، ملخصها:

الحال الأول : أن يدخل عليهم وهي شرها.

الحال الثاني : أن يدخل ليرفع ظلماً عن مسلم، فيجوز بشرط أن لا يكذب، ولا يثني، ولا يدع نصيحة يتوقع لها قبولاً.

الحال الثالث : أن يدخل عليه السلطان زائراً، فجواب السلام لابد منه، أما القيام والإكرام فلا يحرم مقابلة له على إكرامه، فإنه بلزام العلم والدين مستحق للحمد، كما أنه بالظلم مستحق للذم.

الحال الرابع : أن يعتزل عنهم فلا يراهم ولا يرونه  والسلامة في ذلك.

ثم ينبغي أن يعتقد بغضهم على ظلمهم، فلا يحب لقائهم، ولا يثني عليهم، ولا يستخبر عن أحوالهم، ولا يقترب إلى المتصلين بهم.

أما الجوائز، فكان المجانبون للدخول على السلطان لا يأخذونها لأنفسهم، ولا يرضون أن تعطى لأبنائهم وأقربائهم وتلاميذهم، كما كان يفعل أحمد، فقد لام أولاده وعمه على قبول جوائز المتوكل عندما تمنّع هو من قبولها وقبلها هؤلاء.

وكان أحمد رحمه الله يتأبى أن يتولى مجرد تقسيمها على الفقراء والأرامل، وقد فعل ذلك مرة واحدة، حتى تبرع بالكيس التي كانت فيه، وأبى أن يعطي ابن ابنه صالح منها شيء.

ومن أهل العلم من كان يسألها ويأخذها إن أرسلت إليه، والراجح والله أعلم أن من أعطيها من غير سؤال، ولا على حساب دين، فقبلها، فلا حرج عليه كما جاء في الحديث ـ إذا علم أنها أخذت من حلها ولم تغتصب من أحد، والسلامة في تركها، والله أعلم.

والخلاصة

قد تبين لنا مما سبق أن من دخل من أهل العلم على الحكام والفضلاء فقد دخل على بينة وهدى، ومن أبى فقد أخذ بالأحوط، وسلك سبيل السلامة، وقفل باباً عظيماً من أبواب الفتن والتشوف إلى الدنيا والانزلاق؛ والله نسأل أن يجزي الجميع خيراً، الذين امتنعوا والذين دخلوا، حيث أرسى الجميع قواعد ثابتة للدخول وعدمه، ونسأل الله أن يوفق علماء الأمة الحاضرين على السير على خطا السلف الصالحين، والاقتداء بهم في الدخول وعدمه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمتقين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطاهرين الطيبين، وعنا معهم يا أرحم الراحمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*************************

 

 

 

 

 

 

الفهرس العام

الباب السادس - ركن  الفتوى 1

الاحتفال بالمولد النّبوي الشّريف بين الابتداع والاتباع 1

فتوى عن حكم لبس المرأة للإسكيرت والبلوزا والبنطلون خارج البيت    12

حكم التداوي بالحرام والنجس 14

حكم التداوي  بأبوال الإبل  33

هل يجوز بناء مسجد في قطعة مجاورة لمقبرة كفار تجاه القبلة؟ 51

الفتاوى المهمة فيمن تحلُّ لهم الزكاة الواجبة ومن لا تحلُّ من الأمة    53

بِمَ يدرك المسبوقُ صلاةَ الجمعة؟   61

حكم صندوق أو جمعية الموظفين والعمال وغيرهم 64

ما حكم المشي بالنعال في المقابر؟    65

من تزوج امرأة ووجدها حبلى أو زانية    67

متى يجب الوفاء بالنذر ومتى لا يجب؟   68

لا يحلُّ لمسلم ولا مسلمة أن يلبس شيئاً فيه صورة إنسان ولا حيوان   70

هل المني طاهر أم نجس؟ وما حكم من صلى وفي ثوبه أو بدنه مني لم يغسله؟ 71

حكم السفر إلى ديار الكفار والسكنى بين ظهرانيهم من غير ضرورة     82

حكم افتراش جلود النمر و الجلوس عليها وصنع أحذية منها ولبسها     97

نقض الوضوء من أكل لحم الجزور ـ الإبل     97

نواقض الوضوء المتفق عليها والمختلف فيها     102

من تيقن الطهارة وشك في الحدث أو العكس  125

ما على من غسل ميتاً؟  135

حكم الدعاء على الكفار   135

حكم مس المصحف من غير وضوء   138

فتاوى رمضان ونوازل الصِّيام والقيام     180

احذر أخي المسلم وأختي المسلمة صنع وبيع الطعام والشراب للمفطرين  في رمضان     215

حكم حلق الشعر وتقليم الأظافر إذا دخلت العشر الأُوَل من ذي الحجة لمن أراد أن يضحي  217

سؤال- إلى أين ينظر المصلي في صلاته؟     218

الباب السابع- ركن مواسم الخير  221

مرحباً بصفر الخير   222

ما أحدث في شهر رجب من البدع والعبادات  231

ما أحدث في شهر شعبان من العبادات     240

ما ينبغي أن يستقبل به المسلمون عامهم الهجري الجديد    245

بمناسبة حلول شهر الله المحرم: الخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع     248

فضل الصيام والقيام، خاصة التاسع والعاشر  من شهر الله المحرَّم 253

فضل عشرة ذي الحجة 255

عيد الأضحى ما يُعمل فيه وما يُجتنب 258

وداعاً يا رمضان.. يا شهر الصبر والغفران     262

تهنئة بالعيد تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال  264

الخلاصة في أحكام العيد   283

فلنفرح بالعيد 294

عيد بأية حال عدت يا عيد    297

زكاة الفطر 299

ما يجب على المسلم عمله في عيد الفطر وما يجب عليه تركه   319

عيد بأي حال عدت يا عيد ** بما مضى أم لأمر فيك تجديد  323

بم يستقبل المسلم رمضان؟   325

ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؟! 331

هديه صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح في العشر الأواخر والاحتفاء بليلة القدر 336

الباب الثامن - ركن  العقيدة     339

من الحركات الباطنية الهدَّامة البهائية  339

علامات أهل السُّنة  345

الكفر ملة واحدة 381

مسائل فقهية في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم 387

الإرهاب اليهودى   395

مقارنة بين جهال الرافضة وجهال الصليب في تعذيب الذات .   410

ألا إن نصر الله قريب...   411

بيان في حكم التطبيع مع اليهود 414

أخطر صور موالاة الكفار     421

يا أتباع الطرق الصوفية، أين أنتم من الطريقة المحمدية؟  464

المشاهد والقبور الصحيح منها والمكذوب، وخطورة التعلق بها 467

الخزي المبين في اعتقاد الرؤساء والملوك في السحرة والمشعوذين     481

الخوف من الأعداء والتأهب عند اللقاء لا ينافي التوكل على الله 497

حدُّ الردَّة هو السِّياج المنيع والحصن الحصين لحماية هذا الدِّين والحفاظ على المسلمين     499

السُّودان فُتح عُنْوَة فلا يحلُّ بناء كنيسة جديدة فيه ولا صيانة قديمة  524

التبرك بفضلات وآثار الصالحين لا يحلُّ، لأنه من خصائص رسول رب العالمين  533

احذر أخي المسلم صغائر البدع، فإنها تقود إلى كبارها  537

الخلق عند الله صنفان: مؤمن، وكافر  544

نواقض الإسلام  546

مقتضى كلمة التوحيد   567

العين حق "ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين"     593

كل من سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار، أو بالقرآن، أو بالإسلام، فقد قامت عليه الحجة    616

الخلاف الذي يوجب العداء وما لا يوجبه عند أهل السنة    622

الإيمان والسحر لا يجتمعان في قلب واحد     631

أيها الحكام المسلمون إنما هنتم يوم واليتم اليهود والأمريكان   645

دخول العلماء على الحكام، والاختلاط بهم، وأخذ جوائزهم  649

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج13. الصحاح في اللغة الجوهري

      ج13. الصحاح في اللغة الجوهري يقول الراعي لصاحبه من بعيدٍ: ياهِ ياهِ، أي أقبل. قال ذو الرمّة : يُنادي بيَهْياهٍ وياهٍ كأنَّه ...